الاثنين، فبراير 19

ما لا يقال: مطلقات الوزراء


عبد‮ ‬العالي‮ ‬رزاقي ‮

جيش‮ ‬من‮ ‬وزراء‮ ‬الحكومات‮ ‬المتعاقبة‮ ‬على‭ ‬الجزائر‮ ‬خلال‮ ‬45‮ ‬سنة،‮ ‬منهم‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬30٪‮ ‬من‮ ‬تقلد‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬حقيبتين‮ ‬وزاريتين،‮ ‬ومنهم‮ ‬من‮ ‬لم‮ ‬يغادر‮ ‬السلطة‮ ‬نهائيا،‮ ‬بالرغم‮ ‬من‮ ‬الانتقال‮ ‬من‮ ‬الأحادية‮ ‬إلى‮ ‬التعددية‮.‬ هناك من انتقلوا من الوزارات إلى السفارات، من الوزراء إلى رؤساء حكومة، فسفراء، وهناك من وضعوا أرجلهم في موقع وزير ومدير في الوقت نفسه، أو اكتفوا بمناصب مدير أو ملحق بسفارة بعد أن كانوا وزراء. وهناك‮ ‬من‮ ‬كانوا‮ ‬وزراء‮ ‬في‮ ‬الحزب‮ ‬الواحد‮ ‬وسفراء‮ ‬مرحلة‮ ‬التعددية‮ ‬وصاروا‮ ‬اليوم‮ ‬مجرد‮ ‬أرقام‮ ‬تابعة‮ ‬لوزارات‮ ‬أو‮ ‬مؤسسات‮ ‬أو‮ ‬أجهزة‮.‬ الكثير من الوزراء لا يحمل شهادة، والبعض منهم مسجل في الجامعة، وبالرغم من أن عدد الوزراء في المراحل الثلاث: أحمد بن بلة، هواري بومدين والشاذلي بن جديد متقارب ويشكل نسبة 6٪ في المرحلة الأولى، و8٪ في المرحلة الثانية، و11٪ في المرحلة الثالثة، فإن التضخم جاء بعد‮ ‬التعددية‮ (‬92‮ ‬‭-‬‮ ‬2006‮) ‬حيث‮ ‬بغلت‮ ‬نسبته‮ ‬75٪‮.‬ قصة‮ ‬الخليفة‮ ‬مع‮ ‬الوزراء‮!‬ للخليفة قصص غريبة مع الوزراء فهم مجرد أرقام تنتظر "موقعا" لها في أجندته، والدليل هو أن الوزراء الذين استمعت إليهم رئيسة محكمة البليدة حاولوا التنكر للعلاقة التي تربطهم بهذا "الشاب الفرنكفوني" والتنكر حتى للأعمال التي قام بها الوزراء السابقون لهم، أو اللاحقون‮ ‬بعدهم‮.‬ وبالرغم‮ ‬من‮ ‬تأكيد‮ ‬رئيسة‮ ‬المحكمة‮ ‬للوزراء‮ ‬والمسؤولين‮ ‬بأنهم‮ ‬مجرد‮ "‬شهود‮"‬،‮ ‬فإن‮ ‬هناك‮ ‬من‮ ‬كاد‮ ‬أن‮ ‬يقول‮ "‬خذوني‮".‬ لو سأَلَت القاضية مدير الضمان الاجتماعي كم سكرتيرة وسائق تم ترقيته، بعد صب المال في بنك الخليفة، إلى درجة إطار سام (19) لربما اكتشفت لماذا سيدي السعيد وقع محضرا في غياب هؤلاء الأعضاء؟ ولو تدرك القاضية أن هناك 45 شخصا تقلدوا مناصب مدير بصناديق الضمان الاجتماعي،‮ ‬وهم‮ ‬لا‮ ‬يملكون‮ "‬شهادة‮ ‬مدرسية‮ ‬واحدة‮" ‬لاكتشفت‮ ‬حقيقة‮ ‬التزوير‮.‬ لو كلفت القاضية فريقا من المحققين لمعرفة أسباب اختفاء بعض المكاتب لبعض الشهود أو المتهمين، ولو تم التقصّي حول أسباب اختفاء السيارات الفخمة من شوارع العاصمة، ومن الأحياء التي يسكن فيها الكثير من المسؤولين لربما اكتشفت حقائق أخرى. المؤكد أن الخوف من المثول أمام العدالة صار هاجسَ من في "بطونهم الڤرط"، كما يقول المثل الجزائري. والأكثر تأكيدا أن استدعاء رؤساء الحكومات السابقين، ربما يساعد العدالة في كشف المستور، لو كان هناك "متهم أو شاهد واحد" مقتنع بما يقوله أمام العدالة، لأغلق الملف في‮ ‬يومه‮ ‬الأول‮.‬ أعتقد أنه من الخطإ عدم التعويض المادي للمتضررين من بنك الخليفة، لأن استقطابه لأكثر من مليون و800 ألف "حساب"، ولا أقول مواطنا، والاعتراف الرسمي في الجريدة الرسمية بهذا البنك، يعني أن "التزوير" كان في مكان أعلى. ومادام البنك موجودا والخطوط الجوية الجزائرية تؤجر طائراتها لخطوط الخليفة، وأن هناك أكثر من 10 وزراء تعاملوا معه مباشرة، فهل يحق لأي طرف: أن يستغرب صبّ الأموال في بنك الخليفة، بل إن الاستغراب الحقيقي هو لماذا لم يصب المستثمرون الخواص أمثال ربراب وشرفاوي وصحراوي‮ ‬وشعباني‮ ‬وعثماني‮ ‬ومهري‮ ‬وغيرهم‮ ‬أموالهم‮ ‬لدى‮ ‬وكالات‮ ‬بنك‮ ‬الخليفة؟‮.‬ وزراء‭ ‬‮"‬المطلقات‮"!‬ يقول أبوجرة سلطاني أمام قاضية محكمة البليدة بتاريخ 10 فيفري الجاري: "أنا الوزارة التي أغادرها اعتبرها مطلقة، ولا أتحدث عنها أو أرجع إليها ومنزيدش ندور فيها"، وهو في حكومة "وزارات مطلقة"، والبعض من الوزراء عاد إلى مطلقته أو عوضها بمطلقة جديدة. ومادامت‮ ‬الوزارات‮ ‬صارت‮ ‬مطلقات‮ ‬لدى‮ ‬بعض‮ ‬الوزراء،‮ ‬فمن‮ ‬حق‮ ‬المطلقة‮ ‬أن‮ ‬تطالب‮ ‬بـ‮(‬العدة‮)‬،‮ ‬إذا‮ ‬تعاملنا‮ ‬بالمنطق‮ ‬الإسلامي،‮ ‬وهو‮ ‬منطق‮ ‬قد‮ ‬لا‮ ‬يُخوّل‮ ‬للمرأة‮ ‬أن‮ ‬تنظر‮ ‬في‮ "‬قضية‮ ‬تطليق‮ ‬وزاري‮".‬ ما يؤسف له أن من مثلوا، كشهود، في قضية بنك الخليفة كانوا متمسكين بتوصيات محاميهم في الإدلاء بالشهادات، مما أعطى الانطباع بوجود "شيء" يراد إخفاؤه، فمحاولة تبرئة الذمة مما وقع يؤكد فرضية "عدم تحمل المسؤوليات". إن الفضل في اكتشاف المتلاعبين بعقول المسؤولين الجزائريين ممن لا يحملون الشهادات الجامعية، يعود إلى الثلاثاء 11 سبتمبر 2001، واجتماعات مجموعة "غافي" المكلفة بمحاربة تبييض الأموال التي اجتمعت أيام (29 - 31) أكتوبر 2001، ووزعت تقريرها على الدول السبع الصناعية‮.‬ وحين‮ ‬تفتح‮ ‬العدالة‮ ‬ملف‮ "‬أنتينيا‮ ‬للطيران‮" ‬لصاحبها‮ ‬آرزقي‮ ‬إيجروادن،‮ ‬ستكتشف‮ ‬حقيقة‮ ‬ما‮ ‬يجرى‮ ‬في‮ ‬شركات‮ ‬طيران‮ ‬أخرى‮. ‬ ولا‮ ‬أدري‮ ‬ما‮ ‬الذي‮ ‬يجعل‮ ‬البرلمان‮ ‬بغرفتيه‮ ‬يلتزم‮ ‬الصمت‮ ‬والساحة‮ ‬حبلى‮ ‬بـ‮»‬الفساد‮«‬،‮ ‬والأرض‮ ‬خصبة‮ ‬لاقتناص‮ ‬أصحابها،‮ ‬ألا‮ ‬يعني‮ ‬هذا‮ ‬الصمت‮ "‬تواطؤا‮"‬؟ عجائب‮ ‬الوزراء‮!‬ من يطلع على ملف "خليفة تي.في" يفاجأ بالتناقضات، فقد بدأ البث من فرنسا دون ترخيص، وتدخل المجلس الأعلى للسمعي البصري الفرنسي لتوقيفه في 25 أكتوبر 2002، لكن "ضغوطا جزائرية" جعلته يرخص بالبث في 3 ديسمبر، وفي اليوم الموالي (4 ديسمبر) ترفض اللجنة المالية بالجمعية الفرنسية (البرلمان) إنشاء لجنة تحقيق، بسبب العلاقة التي كانت لـ»دومينيك دوفيليان« رئيس المجلس الأعلى للسمعي البصري والمعروف عن دومينيك أنه محسوب على الرئيس الفرنسي شيراك، فلماذا يربط عبد المؤمن خليفة الإجراءات المتخذة ضد بنك الخليفة بزيارة شيراك للجزائر في‮ ‬3‮ ‬مارس‮ ‬2003؟ المؤكد أن التحقيقات الأمريكية والفرنسية وصلت إلى النتيجة وهي أن العملية لا يراد منها "تبييض أموال الإرهابيين" أو دعم المجموعات الإسلامية، وإنما تحويل الأموال نحو البنوك الأوروبية لدعم الاقتصاد الغربي. إن أسئلة رئيسة محكمة البليدة تبيّن مدى إلمامها بالموضوع، لكنها في النهاية، تصب في خلاصة واحدة أنه على "المواطن والمسؤول" ألاّ يثقا في القطاع الخاص حتى ولو كان "مُعيّنا" بمرسوم وصادر في الجريدة الرسمية. وأعتقد أنها كانت صادقة مع نفسها، فرجال الأعمال الجزائريون‮ ‬لم‮ ‬يودعوا‮ ‬أموالهم‮ ‬في‮ "‬الخليفة‮ ‬بنك‮"‬،‮ ‬لأنهم‮ ‬كانوا‮ ‬يدركون‮ ‬الحقيقة‮.‬ وعند‮ ‬تغيّب‮ ‬السلطة‮ ‬والرقابة‮ ‬يصبح‮ ‬كل‮ ‬مسؤول‮ ‬يتصرف‮ ‬في‮ ‬المؤسسة‮ ‬التي‮ ‬يديرها‮ ‬وكأنها‮ "‬ملك‮ ‬والده‮".‬ وعما تُغيّب "المهنية"، تصبح المسابقات الوطنية في الإذاعة والتلفزة وجميع مؤسسات الدولة تحت رحمة "بني وي وي"، فنحن في وسائل الإعلام الحكومية لا نعلم أهل المهنة التنافس داخل الأنواع الصحفية أو مجال المهنة، وإنما نعلمهم التنافس حول "الولاء والمساندة". ولهذا‮ ‬وصلنا‮ ‬إلى‮ ‬مستوى‮ ‬أن‮ ‬تنتقل‮ "‬الإساءة‮" ‬إلى‭ ‬رموز‮ ‬الدولة‮ ‬من‮ ‬الشارع‭ ‬إلى‮ ‬المؤسسات‮ ‬العمومية‮.‬ وللحديث‮ ‬بقية‮...‬

ليست هناك تعليقات: