الأحد، أبريل 8

موظفون أم إذاعيون؟

منذ إنشاء أول إذاعة جهوية محلية في ربيع 1991، والإذاعات الجهوية تشهد وتيرة متصاعدة في إنشائها، مما سمح بوصول عدد هذه الإذاعات في ظرف 16 سنة إلى ما يزيد على الثلاثين إذاعة جهوية بمعدل إذاعة جديدة كل 06 أشهر· وقد شهدت التجربة تطورا ملحوظا من حيث الوسائل المادية، وأيضا من حيث التنظيم والرؤيا الإعلامية لدور هذه المؤسسات كوسيلة جوارية قريبة من المواطن بإمكانها أن تلعب دورا ايجابيا نحوه أولا، ونحو المسؤولين في مختلف القطاعات بتقريبهم من المواطن واهتماماته وحاجاته·لا أحد ينكر أو يتجاهل الدور الكبير الذي لعبته هذه الإذاعات في تحريك مسار التنمية المحلي، وفي تنمية الذوق لدى المستمع· والاهم من كل ذلك إعادة اللحمة بين مختلف فئات المجتمع، وتقوية الروح الوطنية في نفوس مستمعيها·لقد انطلقت معظم هذه الإذاعات بحماس كبير جعلها تفاجئ حتى الشرائح الاجتماعية الموجهة إليها· مما جعلها تلتف حولها وتتواصل معها بشكل ايجابي لكن سرعان ما شعر هؤلاء أن حماس الانطلاقة قد بدأ يخفت، ليجل بدلا منه الروتين والتكرار وأحيانا ملء الفراغ·لم حدث ذلك؟ لم تكرّر عبر أكثر من إذاعة جهوية؟ الإجابة متشعبة وتحتاج إلى مراجعة شاملة على أكثر من صعيد، لكنني سأحاول هنا الوقوف على جانب غيب تقريبا، ولم يراع من طرف القائمين على إنشاء هذه المؤسسات رغم أنه عامل أساسي ومهم لنجاح أية تجربة إعلامية·الملاحظ ميدانيا أن بعض التجارب فشلت في تحويل خريج الجامعة الحديث، عديم التجربة في التعامل مع المهنة والقادم للمسابقات الإذاعية بحثا عن التوظيف لا غير، فشلت في تحويله من باحث عن الوظيفة، لاهث خلفها إلى رجل إذاعة محب لمهنته التي قادته إليها الصدفة في كثير من الأحيان· بمعنى أن هؤلاء الشباب لم يجدوا من يأخذ بيدهم ويزرع فيهم حب المهنة التي صارت حياتهم ومستقبلهم فظل معظمهم مجرد موظفين ينتظرون أجرا آخر الشهر، مما جعلهم مع مرور الزمن يفقدون الحماس الذي جاؤوا به في بداية مشوارهم·لقد كان من الممكن لهؤلاء الشباب أن ينجحوا في وظائف أخرى توافق استعداداتهم وميولهم، لكن ضآلة سوق التوظيف وعدم وجود هامش للاختيار جعلهم يتشبثون بأي ضوء يلوح لهم في آخر النفق بغض النظر عن ملاءمته لهم من عدمه·لقد فشل عديد المدراء الذين أوكلت لهم مهمة الإشراف على هذه المحطات في متابعة مختلف الأطقم العاملة بمختلف الأقسام وفي غياب تكوين دائم، ومتابعة متواصلة، سقطت معظم المحطات في استنساخ نفسها، سواء في شبكاتها البرامجية أو في أساليب الأداء على المباشر، حتى أن بعض المذيعين والمخرجين يرددون ذات الكلمات وذات الفواصل الموسيقية لذات الفقرات دون أية ملكة إبداعية أو روح تجديد·كما اصطدم بعض هؤلاء الموظفين بهامش الحرية والتنوع الذي يقتضيه العمل الإذاعي، والذي لا ينسجم مع رؤاهم وتكوينهم الاجتماعي، مما أنشأ لديهم صراعا داخليا الخاسر الأكبر فيه هو المؤسسة التي تفقد بذلك رافدا من روافد الإبداع لديها·ثمة كفاءات حقيقية هنا وهناك تبدع وتضحّي من أجل عملها إيمانا وقناعة به· غير أن هناك موظفين آخرين، ومع الأسف، تحولوا إلى معيقين للإبداع والتجديد، يقفون حجر عثرة أمام أي جهد حقيقي يعري سوءاتهم·ولا نفشي سرا إذا قلنا أن بعض- هؤلاء الموظفين- لا يكلّفون أنفسهم عناء تصفح جريدة يومية، ناهيك عن مطالعة كتاب أو تصفح مواقع في الأنترنيت· كما أن بعضا منهم- وبعض البعض أعرفه شخصيا- لا يعرف حتى أبسط قواعد التعامل مع جهاز الكمبيوتر·لقد وصل هؤلاء إلى هدفهم - الوظيفة- وتم تثبيتهم في مناصبهم وبالتالي لم يعد هناك أي دافع حقيقي وجدي يجعلهم يبذلون جهدا يحافظ لهم على قيمتهم لدى مستمعيهم ومسؤوليهم·ثمة مقولة لطالما تغنى بها قديما عشرات المسؤولين - عندنا- الرجل المناسب في المكان المناسب- مقولة للأسف لم تتحقق إلا بنسب قليلة في أكثر من قطاع، وفي أكثر من مؤسسة·صحيح أن هناك تفكيرا حقيقيا الآن في تدارك ما فات، من خلال فتح ورشات تكوين دائمة، ومن خلال مسابقة الميكروفون الذهبي التشجيعية التي تحمّس هؤلاء الشباب على الإبداع· غير أن عملا كبيرا ينبغي القيام به على مستوى المحطات الثلاثين المتواجدة حاليا، وعلى مستوى المشاريع القادمة لضمان أن يصبح كل من يأتي إلى العمل في الإذاعة - وقد لا يكون استمع إليها قليلا- يتشكل لديه الحس الإذاعي، ويقوي لديه حب مهنته والمهمة الموكلة له· لأنني اعتبر أن الإذاعة - أكثر من أية مؤسسة أخرى- بحاجة إلى إذاعيين وليس إلى موظفين·
عبد الكريم قذيفة / إذاعي وشاعر

ليست هناك تعليقات: