كنتُ بصدد قراءة خبر عن تردي صحة المغني اليهودي جزائري الأصل أنريكو ماسياس. قبل أن تصلني أخبار ما فعلته الرافعة السعودية بحجاج بيت الله الحرام، نهاية الأسبوع.
في خضمّ ذلك عبر ذاكرتي مقطع من مديح “يا كعبة يا بيت ربي محلاك/ والسلام على الخليل اللي بناك”.. أكيد أن أغلبكم يذكر هذا المديح المنسوب غناءً إلى الفنان الجزائري الراحل عبد الرحمان عزيز. وأجزم أن بعضكم غنّى هذا المديح مع عودة أحد أقاربه من رحلة الحج سالما غانما.
تستغربون لماذا أربط في هذا الكاري، بين مديح إسلامي ووعكة فنان يهودي صرّح في كل المجالس أن حلمه الأكبر هو زيارة قسنطينة، وتقبيل أرض الجزائر. 
هل تعرفون أن مديح "ياكعبة"، المبارك لسلامة حجاج بيت الله المسلمين، يعود أصل اسطوانته الأولى للمطرب التونسي اليهودي راؤول جورنو، غنّاها المطرب الليبي المعروف بالبشير فهمي، أعادها الكثير من الفنانين اليهود، قبل أن يطبعها عبد الرحمان عزيز بصوته الدافئ، مثلما طبع الأغنية التي يقول مطلعها “انزاد النبي وفرحنا بيه /صلى الله عليه / يا عاشقين رسول الله/ صلى الله عليه“..والمفارقة هنا أن الأغنيتين معا تغنى بهما أكثر من مطرب من الطائفة اليهودية، وإن كان التسجيل الأكثر شهرة هو لراؤول جورنو.
الجزائريون إذن، يطبعون أفراحهم الدينية من حجّ ومولد نبوي بأغان يهودية المنشأ، هل يصدمكم ذلك ؟ أنا لا يصدمني. لطالما اعتبرت أن تعدّد الثقافات والألسن هو سماد في أرض أي مجتمع. وقد أكون صادما أكثر؛ لو قلت إن منع زيارة ماسياس أو غير ماسياس من اليهود غير الصهاينة إلى قسنطينة أو غير قسنطينة، هو من العبث السياسي الشعبوي والتنطيط في ميزان المزايدة على الوطنية والإسلام.
آه؛ أردت أن أضيف شيئا.. أغنية “قالوا العرب قالوا” التي تبكي مقتل صالح باي وتحمل اسمه أيضاً، كتبتها امرأة يهودية، أحبّت صالح باي.
لقد كانت تلك المرحلة خارجة عن التصنيف الديني والعرقي، مرحلة لا فرق فيها بين مسلم ويهودي ولا مسيحي إلا بالإبداع. مرحلة غنّى فيها اليهودي لأفراح المسلم إلى درجة أنه منح للذائقة الشعبية الجزائرية أجمل أغاني في مدح النبي صلوات الله عليه.
والسلام عليكم.