لا ينته الإبحار في الجزائر بموعد الدخول المدرسي والاجتماعي، فالجزائريون مولوعون بالاستمتاع بهذا الساحل الذي يمتد على مسافة 1200كلم بعد انتهاء فترة الدوام ومع نهاية كل أسبوع، تشكّل الشواطئ الخاصة مقصد العديد من الفئات التي تُكوّن جملة من فسيفساء متناقضة للمجتمع الجزائري .

الكيتاني...شاطئ الفقراء ومتوسطي الدخل

تتسلّل خيوط الشمس العابرة بين صخور شاطئ الكيتاني الذي تحفه الرمال في العاصمة الجزائرية وترقب إنطلاقة شباب الحي حين يرمون بأجسادهم النحيلة من الأعالي في غور شاطئ الفقراء، والمتوسطي الدخل.
على ضفاف حي باب الوادي الشعبي، لا تبعد عن موقف حافلات نقل المسافرين سوى أمتار قليلة، عائلات وفئات من مختلف الأعمار فضّلوا الكيتاني رغبة في الاستجمام ورهبة من المصاريف التي يدفعونها مقابل تنقلهم إلى شواطئ أخرى بعيدة.

على صغر مساحة هذا الشاطئ، يتدفق المصطافون من كل حدب وصوب حاملين في يدهم اليمنى "شمسيات " وفي الشمالية "ساندويتشات"، بينما يراقب مراد ورفقائه المبحرين من مركز الإنقاذ للحماية المدنية المركون في أحد الزوايا.
لا يُسمع للضجّـة أثر، الكل يسبح في سكون، ما عدى ضحكات الأطفال فرحا برؤيتهم للبحر، يتشاكسون مع زبده تارة ويُلقون بمواهبهم على رمله فيشكلون فنّهم ومهاراتهم في صناعة قصور أحلامهم البريئة.
التقينا مصطفى رفقة زوجته وأبنائه الذين فضّلوا الكيتاني عن باقي الشواطئ الأخرى فيقول للعربية نت :" أنا أقطن هنا في حي باب الوادي ولأنني عامل يومي لا أملك الوقت الكافي للتوجه إلى شواطئ أخرى ومع إلحاح الأبناء، نقصد الكيتاني ".
تغيب شمس الكيتاني تاركة زواره مستمتعين بضوء قمر ليلة ككل الليالي، يمُــدُّ فيها البحر أحلامهم ويجزُرها.

مرسى بن مهيدي.. شاطئ الوزراء

يقع في أقصى منطقة حدودية بين الجزائر والمغرب، قبل الوصول إليه بالضبط في مدينة بوكانون الجزائرية ترقب أحياء مدينة " أحفير" المغربية، يميزها نفس لون البنايات، ومع إتمام الطريق إلى شاطئ مرسى بن مهيدي الذي يقع في محافظة تلمسان فجأة وفي مدخل المدينة ترى زمرة من الجزائريين يلقون التّحايا على المغاربة الذين ركنوا سياراتهم مثلما فعل أقرانهم في الجهة المقابلة، لا يفصل بين الدولتين هنا سوى وادي ناشف لا تتجاوز المسافة التقديرية بينهما خمسين مترا فقط، هنا أعلام جزائرية وهناك أعلام مغربية، تستمر في المسير فتدخل إلى مدينة مرسى بن مهيدي وكأنها شُيّدت حديثا لغرض ما، لون الرصيف الجديد وأعلام على مد البصر وعمال نظافة كُثُر، تسأل توفيق وهو صاحب متجر للمواد الغذائية فيقول :" قيل لنا أن الوزير الأول عبد المالك سلال قادم رفقة عائلته لذلك يهيئون المكان".

منذ سنوات طوال يشكل هذا الشاطئ البهي مقصد وزراء الحكومة والشخصيات المهمة، ويعتبر عبد العزيز بلخادم مستشار الرئيس الأسبق من الأوفياء الذين يداومون على الاصطياف في هذا المكان، تُنصب له ولأهله خيمة كبيرة على الشاطئ مع حراس كثر، لكن هذا لا يمنع بعض الفضوليين من أخذ صور تذكارية مع بلخادم الذي ودّع الشاطئ مُدبرا بعد أن ودع ممارسة السياسة مُجبرا بسبب تعليمة الرئيس.
أغلب الوزراء الذين يفضلون شاطئ مرسى بن مهيدي يشكلون غالبية الحكومة وينحدرون من نفس محافظة الرئيس.
في أقصى الجهة الشمالية للشاطئ يوجد حراس الحدود الجزائريين وخلفهم بأمتار قليلة يحرس المغاربة حدودهم التي فرّقت بين الدولتين خنادق وسياج حديدي، لا يمنع تسلل بعض الجزائريين ليلا إلى شاطئ "السعيدية" المغربي ونفس الحال بالنسبة للمغاربة.
ينقسم شاطئ مرسى بن مهيدي أو " بورساي" كما يحلو للجميع تسميته إلى الشاطئ الرئيسي و موسكاردة الأول وموسكاردة الثاني يزيده بهاء صخرة وسط الشاطئ تزين المكان الذي تلتقي فيه زرقة البحر وصفاء رماله وسهام أشعة شمسه الحارقة.
يثير الفضول بعض المصطافين فيحاولون التقاط الصور مع وزراء الحكومة لكن البعض الآخر لرؤيتهم غير مبالي.

شاطئ للنساء فقط

تثير التعجب لافتة عند البوابة الرئيسية لنادي " مارينا بالم " مكتوب عليها "للنساء فقط"، يحرسه في الخارج رجال يمنعون دخول الرجال.
يعتبر نادي مارينا بالم أول منتجع خاص للنساء فقط في الجزائر كلها، ويشكل تجربة فريدة خدمة للنساء اللائي يفضلن البحر بلا مضايقات رجالية.
يقع هذا المنتجع الذي يمتد عمر خدمته حديثا في برج البحري بالعاصمة الجزائرية وتسيره امرأة هي بطلة للجزائر في كرة التنس، تقول أمل الهبيري للعربية نت :" فكرة المشروع استقيناها من دبي التي قضيت فيها مع زوجي 25 سنة فيها توجد شواطئ خاصة للنساء فقط وتفاجئنا بأنه لا يوجد أي شاطئ في الجزائر مخصص لنساء فجسدنا الفكرة برغم العراقيل".
يقدم الشاطئ خدمات عديدة فهو يتوفر على قاعة حفلات ومسبح مغطى يفتح أبوابه في فصل الشتاء وكافيتيريا ومطعم إضافة إلى أماكن راحة واستجمام ومساحة مخصصة للألعاب البحرية، لكن ما يغري النساء حقا هو أن الشاطئ مفصول تماما عن الشواطئ المحادية بشكل يستحيل رؤية ما بداخله فهو يوفر للنساء الخصوصية التامة، تقول السيدة خديجة التي أتت رفقة بناتها للعربية نت:" في الشواطئ الأخرى لا يرتاح بالنا فلا نسلم وبناتي من المضايقات ويوفر لنا هذا النادي الخصوصية التامة".
تحرس الشاطئ في الدخل سبع فتيات منقذات في حالات الغرق تقول لبنى " أنا آتي إلى هنا في نهاية كل أسبوع استمتع بالبحر في أريحية تامة بعد عناء أسبوع كامل من العمل الإداري ".
ويؤكد رضا بورايو صاحب المشروع الذي يشتغل في شرطة دبي أن :" النادي يوفر للنساء خدمات خاصة جدا، فالخصوصية مطلب شريحة كبيرة من النساء، خاصة منهن زوجات المسؤولين الجزائريين والعرب ".
يطمح هذان الزوجان وتحدوهما إرادة قوية لتطوير مشروعهما أمام عراقيل جمة يأملا أن تلينا أمامهما ليفتحا مشاريع مماثلة في محافظات أخرى، شعارهما " مارينا بالم " لا يشكل إلا البداية فقط.