محمد صحراوي مخرج ومنتج الفهامة لـ''الجزائر نيوز''
عطا الله حر في ترشحه للبرلمان و فعيفع ندمت لأنني عرفته
-- منعت عناصر الفهامة عن الصحافة
في حوار ناري أجرته ''الجزائر نيوز'' مع صاحب مؤسسة ''بادي فيزيون'' ومنتج ومخرج الفهامة محمد صحراوي، يطلع جمهورها على خبايا العلاقات بين عناصرها وكيف هي مصنوعة من الداخل ·· تابعوا···
حاوره: عبد اللطيف بلقايم
لنبدأ من آخر المستجدات من منطلق التصريحات التي أدلى بها الفكاهي ''فعيفع'' حيث قال في حوار خصّ به ''الجزائر نيوز'' قبل أسبوعين، إن حصة الفهامة التلفزيونية انتهت وأنه انسحب منها مع عضوين آخرين وأنه خرج بعد شجار عنيف بينكما سببه المال، هل هذا صحيح؟
أنا أجيبك بسؤال··· من هو ''فعيفع''··· أريدك فقط أن تجيبني على هذا السؤال ثم أتحدث معك!؟
حسنا··· فعيفع إلى حد الساعة كان أحد الأعضاء البارزين في حصة الفهامة وفنان فكاهي··· لتجيبنا الآن!
''فعيفع'' فنان في الفهامة!··· كلمة فنان كبيرة!··· وإنما أفضل القول بأنه عضو في فريق الفهامة··· اسمح أن أوجه لك سؤالا أخيرا·· كم يوجد من فنان في الفهامة··· أنا جاد!؟ (يبدو هنا محمد صحراوي متوترا وقلقا من خرجة وتصريحات فعيفع)·
أرجو أن لا تتحول إلى صحفي ينتهي بنا المطاف إلى قلب الأدوار، لكن أجيبك··· على ما أعتقد مابين 10 و11 عضوا·
نحن الآن حوالي 13 عضوا وممثلا الذين يظهرون على شاشة التلفزيون في كل عدد وهو عضو فيها حر في تصرفاته· وهنا تحضرني حكمة ''إن لم تستح فاصنع ما شئت''
لكن هو يقول إنكم انفصلتم بعد شجار عنيف وأن المشكل الأساسي هو المال وأنه لم يكن يتلقى ما يستحق من أموال رغم كل ما يشاهده الجزائريون من إنتاجه الفكري وتأليفه، وأظنك اطلعت على كل هذا من خلال حوار ''الجزائر نيوز''· أريد أن أعرف بوضوح ما إذا كان هذا صحيحا أم لا، لاسيما وأنه قرر - كما يقول - قطف ثمار فكره لوحده وقال أنا لا أحب أن يكون المجهود مني و''الشهرة والشيعة يديها صحراوي''؟
أولا، الجلسة هذه حسب ما اتفقنا عليه لم تكن مخصصة فقط ''لفعيفع'' لكن أرجو أن لا تقتطع شيئا من الكلام الذي سأقوله···
أعدك بذلك··
''الغرور مقبرة العظماء'' هذا إذا كانوا عظماء وحتى الشخص العادي بإمكان أن يصيبه الغرور·· ففعيفع طردته عدة مرات آخر مرة كانت منذ سنة وكانت الفهامة تمشي بخطى ثابتة وهذا دليل على أن غيابه لا يؤثر لأن الحصة من ورائها أشخاص كثيرون، الفهامة ليست بمفهوم الانتقاء العشوائي للمواهب والعناصر·
هل معنى هذا أن ما قاله فعيفع كذب أم ماذا؟
أي سؤال عن هذا الشخص تطرحه عليّ أجيبك بالقول من هو فعيفع! من هو···! أنا لا ألوم فعيفع···
أنا ألوم ''الجزائر نيوز'' التي أعطته قيمة ولكن ''الجزائر نيوز'' لم تخطئ مهنيا بل قامت بعملها وهذا من اختصاصكم، لأن الناس يعتقدون بأن كل من يظهر على شاشة التلفزيون يمثل الأفكار حتى في الواقع وهذا خطأ، وأستطيع في مكان فعيفع أن آتي بـ''ماريونات'' وأمثل بها موقفا وأستطيع أن أمرر رسالتي عبر الشاشة، وكل هذا يخضع لنوعية الفكرة والرسالة المراد تمريرها···
لقد قمت بمعية بعض عناصر الفهامة بتمرير رسائل قوية ولاقت صدى واسعا في المجتمع، والجمهور يعتقد بأن الرسالة، صاحبها الممثل الذي قام بتمريرها وهذا يدل على بساطة تفكير وهناك رسائل كبيرة مرت عن طريق الفهامة من خلال التلفزيون··· أقول ملاحظات بالأحرى وليس رسائل وهناك فئة من الجمهور من لا تفهم أصلا فحوى الرسالة والمواضيع التي ننجزها، وتلقيت في كثير من الأحيان لوما وعتابا بسبب عملي· وهنا أوجه تحية لكل هؤلاء الذين نصحوني ولم أكترث لنصائحهم·
حتى نخرج من موضوع ''فعيفع'' يقول هذا الأخير بأن ''سالي'' السوفهراسية مع الممثل ''شيء'' خرجا معه من الفهامة إلى غير رجعة لإنجاز حصة مماثلة تنافس حصتك، ومادام هذا يهم جمهور الفهامة هل هذا الكلام صحيح؟
الفهامة منذ بدأت تلاحظ في بعض الأحيان أن هناك عناصر تغادر، عناصر تخرج في عطلة، عناصر تتوقف، لكن أبدا لم يتجرأ أحد منهم بقول التفاهات في الإعلام مثلما فعل ''فعيفع''، ولقول أي شيء، ''شيء'' و''سالي'' عناصر من الفهامة، سالي هي في عطلة، ثم قال في الراديو حسان وفي النهاية ''فعيفع'' نتيجة لشرعي، الفهامة حصة يفتخر بها التلفزيون، يفتخر بها الجزائريون ويحبونها··· الفهامة هي حصتي ''الله غالب'' هذا ليس خطئي، هي تمتعني، أنا لم أصدم مما قال ''فعيفع''··· صراحة لا تدفعني لقول أشياء لأن الأمر سيصل إلى مرحلة ما قالته دلال في الحصة الأخيرة··· ''إتقي شر من أحسنت إليه···'' ''وإن لم تستح فافعل ما شئت''·
سمعنا تعليقات من عناصر في الفهامة تلوم الشيخ عطا لله لانقلابه على مواقفه، نريد معرفة رأيك فيه؟
أي مواطن جزائري له الحق في الترشح للبرلمان، وعن مروره في الفهامة قد يقول قائل بأنه استغل حصة الفهامة للوصول إلى المؤسسة التشريعية، لكن كان باستطاعة عنصر آخر من الفهامة أن يترشح في مكانه أو لاعب كرة قدم، وهذا تحصيل حاصل للشهرة، هناك من استغل الشهرة لسرقة البلديات ومن استغلها لقرض الأموال ولم يردوها، أنا لست مع عطا الله، ولكن هو حر، لكن أن تستغل الشهرة لفعل وقول أمور منحطة المستوى أو الإقدام على التفاهات وأشياء خطيرة هذا ما لا أقبله·
ألا تعتقد بأنك عندما تقول استعملت عناصر في الفهامة لتمرير رسائل تفهم أقوالك بخلفيات سلبية؟
أصحح، ليس رسائل بل ملاحظات، مثلا في بلدية نائية في الصحراء الجزائرية مررنا أثناء تصويرنا فيها بقرية بها ممهلات كثيرة، وهاته الملاحظة نمررها عبر شخصية من شخصيات الفهامة، والخلفية لا تعدو أن تكون فنية لا أكثـر ولا أقل، وأضيف مثالا آخر، عندما رحل عطا الله عن الفهامة خلقت شخصية وهمية ''هي وهو'' ومررت بهما رسائل معينة مثل الفقر، والفهامة ليس ضحك فقط بل مزيج، وهذا ما فتح المجالات والطموحات لعناصر الفهامة، وبإمكان حسان وحكيم ودلال، وهذا حقهم وهم قادرون على ذلك وينتخب عليهم الجزائريون· عطا الله له جرأة وطموحات سياسية، وأنا عندما أقبل عنصر فكاهي في حصة الفهامة ليمثل، فهم لا يخضعون في مرحلة ''الكاستينغ'' لا يمرون عبر الكاشف الإلكتروني حتى أعرف ذهنياتهم ولو قمت بذلك لأصبحت الآن أعمل مع أربعة عناصر فقط، فواحد لصا ولديه مشكل جنسي··· أنا أعمل ولا أسير ذهنيات الأشخاص، مع العلم أن هاته الشخصيات جزائرية والأكبر من ذلك فنانون، أتحدى أي شخص باستطاعته تسيير ذهنية الفنان··· من يتجرأ ويطلب من بوتفليقة أن ينصبه عضوا في مجلس الأمة معناه لا يحترم الدولة، علينا أن نحترم الشعارات والرموز والوطن، هناك حدود للباقة···
وحتى نغوص أكثـر في ''فهامتك'' هل هناك دفتر شروط بينك وبين مؤسسة التلفزيون لتحديد مواضيع الفهامة؟
الحصة ببساطة هي عندما أستيقظ في الصباح، أفكر ثم أختار موضوعا أو غيره، ثم أنادي للفريق وننطلق في التصوير·
ربما لم تفهمني، أردت القول هل سبق لكم وأن تعرضتم للمقص من طرف التلفزيون؟
نرجع للتلفزيون، أنا إبن التلفزيون أولا، لست من القطاع الخاص مائة بالمائة، والمؤسسة شجعت حصة الفهامة منذ بداياتها الأولى ولا يزال على ذلك والحمد لله ولولا خرجة ''فعيفع'' وتفاهاته لكانت الفهامة قطعت أشواطا كبيرة، والتلفزيون في علاقته مع الفهامة لم تتعرض مطلقا للرقابة أو المقص، هناك خطوط حمراء أعرفها جيدا مثل الوطنية، أخلاق مجتمعنا، والحصة يجب أن تكون عائلية، ويجب أن تحترم رموز الدولة فيها، ويجب أن نكون منطقيين، تطرقنا لعدة مواضيع لكن مرت بطريقة عادية، و''غسالة'' الفهامة قامت بدور كبير، ''فالفهامة'' التي يراها الجمهور ليست نفسها التي نقوم بتركيبها، والدليل لو جلس ''فعيفع'' يسجل حصة على المباشر أمام العائلات الجزائرية لحدثت كارثة، فالكل يهرب ولأنه يقول أي شيء ولا يراقب نفسه، أنا كنت أحب الفنان لكن كرهته عندما التقيت به·
ما معنى هذا الكلام؟
كرهت ذلك ''الفنان'' وندمت على معرفته وكنت أود أن لم أعرفه
تبدو وكأنك لست راض عن عناصر الفهامة؟
الحمد لله راضٍ··· ''الفهامة'' تاع الجزائريين واستطاعت لمّ شمل العائلة الجزائرية أمام التلفزيون، وكما قال أستاذ العبقرة الجزائرية إن الفهامة حبست ''أقول الفهامة تمشي''؟
هل ''بادي فيزون'' مرتاحة ماليا··· أقصد هل بإمكانكم أن لا تبيعوا منتوجكم للتلفزيون الجزائري وتفاوضون على خلفية ثمن آخر للحصة، هل أنتم أقوياء ماليا وفنيا إلى درجة عرضكم للإنتاج على أي تلفزيون عربي آخر؟
لو أردت البزنسة لقمت بذلك، ما أقوم به ليس تجارة وأنا من حيث المال والتفاهم على هذا المستوى مع التلفزيون الحمد لله، أما عن موقع القوة والتفاوض، عندما تكون هناك تعددية وانفتاح في السمعي البصري يكون الحديث عن المناقشة وتغيير ثمن الحصة، ويستطيع الشخص أن يتطور، ''بادي فيزيون'' ليست في صحة مالية ''مائة بالمائة''·
لكن سمعنا أن الشركة أرادت الرفع من المستوى المالي لها من خلال تفاوض آخر مع التلفزيون؟
هذا اسمه المساومة (الشونطاج) وأنا لست من هواة هذا الأسلوب في إنتاج آخر يمكن أن نعمل هكذا، لكن الفهامة هي حصة الجزائريين وأدبياتنا ليست من هذا القبيل·
هل سبق لكم وأن أجريتم سبر آراء حول صعود أو هبوط المستوى الفني أو مواضيع الفهامة؟
هذا مهم، لكن لا نملك وسائل سبر الآراء، لكن نحس بذلك من خلال إقبال الجمهور على عناصرنا في الخارج يحتضونهم، يشجعونهم، ويمنحون لهم الآراء، ولهذا أستاء في بعض الأحيان، حيث عندما يكرم الناس بعض عناصر الفهامة يقدمون على استغلال ذلك لقضاء حاجات شخصية وهذا ما يكرهه محمد صحراوي، تذهب لبلدية نائية لتأكل وتشرب على حسابهم وأنت محبوب عندهم ثم تقول لهم ''راني طايح أومبان أعطوني الدراهم باش نرجع لدزاير''·
هل هناك من قام بذلك في الفهامة ورحلوا منها؟
لم يرحلوا هم في الفهامة أصلا، وهناك من يحترم نفسه والفهامة، وهناك من لا يملك قيمة لنفسه ويجب احترام القانون الداخلي قلت هذا مرارا وتكرارا، ووعدتهم بالنجومية وحذرتهم من الغرور، لأن صحراوي يذهب ونجوميتهم تبقى وهذا يفتح لهم مجال الشهرة والاحترام، لكن أن تستغل الفهامة لأمور تسيء للفهامة أمر خطير، وهناك من يفقد مستوى فهم فلسفة الفهامة، كنت أمانع أن يلتقي عناصري بالصحافة لأن مستواهم محدود، وهذا ينعكس عليهم بالسلب ثم يقال هؤلاء الذين يمررون رسالة للمجتمع··· حافظت عليهم وهذا ملاحظ·
سأعطيك بعض الأسماء وعليك أن تعطيني رأيك فيها بكلمة واحدة·
ـ بوتفليقة؟
ـ ربي إيخليهونا
ـ عباس مدني؟
ـ ما نعرفوش
ـ بلخادم؟
يسكت يرفع رأسه في السماء يفكر نحو 3 ثوان أو أربعة ثم يقول: خاطيني السياسة
ـ سلطاني؟
ـ خاطيني
ـ حمراوي حبيب شوقي؟
ـ ربي إيخليهونا
ـ إبراهيم صديقي؟
ـ قرأت بعض قصائده
ـ فعيفع؟
ـ ربي يهديه
ـ دلال؟
ربي إيخليها
ـ حسان؟
ـ ناقص شويا
ـ حكيم؟
إفصر في .Beaucoup de choses
ما لا يقال: حكومة بـ''الوكالة''؟تاريخ المقال 03/06/2007عبد العالي رزاقي استقالة حكومة بلخادم جاءت بـ "عملية قيصرية" والوزراء الـ 18 الذين فضلوا "الحضانة البرلمانية" على البقاء في حكومة لم يكونوا يتوقعون أن توزع وزاراتهم على الوزراء الذين فضلوا البقاء في حكومة على الانتقال إلى قبة البرلمان؟ المؤكد أن أحد الطرفين وُفّق في اختيار الموقع، والأكثر تأكيدا أن أحدهما جانبه الصواب، فمن هو الطرف المستفيد في المرحلة الحالية؟ وزراء ومتسوّلون؟ كنت في مقبرة العالية صبيحة الجمعة الماضي حين هاجم جيش من المتسوّلين سيارات "الوزراء النواب" أو "النواب الوزراء" وهي تدخل لتسجيل حضورها في ذكرى رحيل محمد الشريف مساعدية، وهي صورة تتكرر في الجنازات التي يحضرها "رجال الدولة". واختيار المقبرة للتسوّل هو دليل على أن المتسولين أرادوا "التشبث" بمن ما يزال يتمسك بالقيم النبيلة للمجتمع الجزائري، بعد أن تأكدوا أن أيديهم تبقى ممدودة في الشوارع مادامت البلاد تحكم بـ (الوكالة)، والتعددية تختصر في برنامج واحد، والمرشحون للبرلمان من الإطارات السامية يتشبثون بمناصبهم حتى يصبح الدستور تحت أقدامهم. المسؤولون في الجزائر لا يلتقون إلا في حفلات السفارات الأجنبية أو المقابر حتى لا يتهموا بالتآمر على »ولي النعمة«، وحتى لا يحسبوا على هذا الطرف أو ذاك. سألت أحد الحضور الذي وقف أمام ما يسمى بـ »مربع الشهداء«: ماذا لو يأخذ أحد الزعماء »قطعة الأرض المقابلة لهم في المقبرة«، ويقيم قبرا وهمية أو نصبا ويكتب عليه »هنا سيدفن يوما من يزيح قبور الشهداء« حتى لا تبقى حاجزا بينه وبين رؤية البحر، وتذكرت ما يقال في السر حول تمثال الأمير عبد القادر الذي كان فوق حصانه متجها نحو البحر وخلفه »عمارة جبهة التحرير«، قبل نزعه وتعويضه بتمثال أكبر: »البحر من خلفكم والعدو أمامكم«، لم تكن مقولة طارق بن زياد تستوقفني في ساحة الأمير إلا بعد أن استولى البرلمان عليها وحولها إلى ممتلكاته فقلت سبحان الله: »صار العدو من خلف الأمير والبحر أمامه« أو لم تعد مقولة طارق بن زياد تنطبق عليه؟ النواب أخذوا الاعتراف بـ »حصانتكم« خارج الزمن الدستوري، والحكومة استقالت كذلك خارج الزمن الدستوري، ومع ذلك يرفض الكثير مطالبة الزعيم حسين آيت أحمد بـ »مجلس تأسيسي« وكأن النخبة الثقافية والسياسية لا تقرأ تاريخ بلادها. ما يطالب به الدا الحسين هو العودة إلى المجلس التأسيسي الذي انتخب في 20 سبتمبر 1962 من 196 عضو، وفي أول اجتماع له في 26 سبتمبر صوت هذا المجلس التأسيسي على »لائحة دستورية« جاء فيها بالحرف الواحد »إن المجلس يقوم بتعيين رئيس الحكومة الذي يكون قائمة وزراء«. وهذا المجلس التأسيسي صادق على الدستور الذي تم الاستفتاء عليه عام 1963 وعلى 126 نص قانوني، وثلاث مرات لمنح الثقة للحكومة في عهدة دامت عامين، كانت الجزائر فيها مشعلا أمام حركات التحرر في العالم، ولم تقص الحكومة الإطارات الشبانية، ولم تسيّر بـ (الوكالة)، ففي عهدها ظهر الرئيس الحالي، ولكننا في عهده لم نر شبانا يسيّرون شؤون العباد والبلاد، وإنما شيوخا تسيّرهم الوظائف، وتقلص عدد البرلمانيين من 196 إلى 138 عضو. من الانقلاب على "الحكم" إلى الانقلاب على القانون ما حققته البلاد خلال ثلاث سنوات من مؤسسات دستورية ما بين (62 - 1965) جاء انقلاب 19 جوان 1965 الذي تسميه الوثائق الرسمية الحالية (بالحركة) بـ 26 شخصا من »التاريخ« ليعطلوا العمل بالدستور والبرلمان، ويخوّلون لأنفسهم حق تسيير دولة لمدة 11 سنة دون قانون. وفي عام 1976 أقرت هذه السلطة وثيقة وتم الاستفتاء عليها، وجرت انتخابات تشريعية في 25 فيفري 1977 لتعيد للبلاد مؤسساتها الدستورية، وحين هبت رياح الديمقراطية على »جدار برلين«، وجدنا أنفسنا ندخل أولى الخطوات نحو التعددية. ولأنها ليست قرارا حقيقيا فقد جاءت بانتخابات تعددية في 26 ديسمبر 1991، صدر الاعتراف الرسمي بها في 4 جانفي 1992 بالجريدة الرسمية، لتحال إلى الأرشيف في 11 منه، وتذكر أصحاب الانقلاب أن رئيس المجلس الشعبي لم يستقل فوقعوا استقالة باسمه قبل استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد وأسسوا مجلسا استشاريا ثم مجلسا انتقاليا وجاؤوا بمن يرأس الدولة، استوردوه مثلما كانوا يستوردون المواد الاستهلاكية. ومنذ 11 جانفي 1992 إلى الغاية اليوم ونحن تحت رحمة قانون حالة الطوارئ، وكأن 15 سنة من حالة الطوارئ تضمن للمواطن أمنه الغذائي أو حقوقه. ومادامت حالة الطوارئ تسمح بالدخول إلى الجامعات والمنازل دون إذن نيابي، فهل يعقل أن نقول إن السلطة احترمت أو لم تحترم الإجراءات الدستورية المتعلقة بـ (النيابة)؟ ما يؤسف له أن الكثير ممن ينتقدون ما جرى لا يلتفتون إلى بقية مواد الدستور التي تخترق يوميا تحت ذرائع معينة، فالمداهمات التي نقرأ عنها في الصحافة هي دليل على أن الدستور صار مجرد »ورقة« يعلقها الساسة لخدمة مصالحهم وليس لخدمة مصالحنا كمواطنين. وجبة النبلاء؟! يبدو أن الرئيس أدرك متأخرا أنه لا بد من أن يتخلى عمن فضلوا الحضانة على وجودهم في حكومته، كما أنه أبعد من ليست لهم علاقة بالفكر والثقافة من مناصبهم. وكأنه أراد أن يعمل بالأغنية الشعبية »النبي وأصحابه العشرة« حيث وزع عليهم »الوكالات« بما فيها رئيس حكومته، وهي إشارة إلى أنه مجرد وزير كبقية الوزراء. وتجديد الثقة في 10 وزراء بمن فيهم رئيس الحكومة يؤكد فرضية أن الحكومة القادمة قد لا تلجأ إلى البرلمانيين لتطعيمها بالوجوه الجديدة، وإذا لم يدرك الرئيس الرسالة التي وجهها له المواطنون عبر تشريعيات 17 ماي الماضي، فإنه سيفقد شعبيته، لأن المقاطعة للبرلمان هي رسالة واضحة بأن الأحزاب لم تعد قادرة على إقناع الناس، و»النضال الحزبي« مجرد غطاء للوصول إلى المناصب والمقاعد البرلمانية والمجالس المحلية. فهل يستطيع الرئيس إحداث تغيير جوهري في الحكومة؟ في كل بقاع العالم يقاس الرجال بأفكارهم ومواقفهم، والتاريخ مملوء بالقصص التي تحمل هذه المعاني. فالسلطة لا تلد العظماء، ونادرا ما نجد في التاريخ عظيما أنجبته سلطة، بل العظماء هم الذين رفضوا المناصب وبقوا أوفياء لمبادئهم، ولعل هذا ما جعل ذاكرة الشعوب تمتلئ بقصصهم وبطولاتهم، ففي الصين وجبة للنبلاء من المفكرين والكتاب والشعراء، قصتها متداولة على نطاق واسع، وبطلها شاعر فضل عدم تولي منصبا لدى ملك كان له صديقا، فاضطر الملك، حفاظا على سمعته، أن يرمي بالشاعر في النهر، لأنه رفض الاستجابة لطلبه، وتقول الرواية إن المواطنين راحوا يمدون القصب ليتشبث بها الشاعر حتى لا يغرق. وحول الصينيون »ورق القصب« إلى وجبة للنبلاء، وهم رجال الثقافة والفكر. ويقدمها الساسة الصينيون لضيوفهم الشعراء، وقد أكلتها في بيت سفير صيني سابق، وهو الذي روى لي القصة. ماذا لو كان في بلداننا العربية أمثال هذا الشاعر؟ وماذا لو أن الرئيس اقترح منصبا على شخص ورفضه أو اعتذر عن القيام بذلك، ألا يصبح هذا الشخص موقع تقدير واحترام، عوض أن يقبل المنصب وليستقيل متذرعا بحجج أقل ما يقال عنها إنها »تضليلية«. حدثني الرئيس علي كافي عن أسماءرفضت مناصب في حكومته، وفضلت البقاء في الجامعة، فزاد احترامي لها. ولم أسمع في عهد غيره عن رفض لمنصب اقترح على شخص، وتوزيع »الوكالات« على الوزراء الذين جدد فيهم الثقة يدل على ما أقول. المؤكد أن من يختصر برنامجا جامعيا من أجل إقامة دور رياضية، قد يختصر عددا كبيرا من الوزارات تحت "إبط وزير واحد". وما الفرق بين أن تسير عددا من الوزارات بالوكالة، أو تتقلدها دون احترام للاختصاص؟ وما الفرق بين أن تصير وزيرا وتبقي على منصبك كمدير عام لمؤسسة أو تفقد منصب وزير لتصير مديرا أو مجرد "اسم على ورقة" بعنوان مستشار؟ هذه حال الجزائر، وهذه هي الحقيقة التي لا تقال إلا في المجالس السرية.
ما لا يقال: عرس في "مأتم وطني"تاريخ المقال 20/05/2007عبد العالي رزاقي لأول مرة يحتفل برلمان عربي بوجود 22 حزبا من 24 شارك في الانتخابات إلى جانب الأحرار، ولأول مرة يقام عرس في البرلمان حول "برنامج رئيس" الجمهورية، ويحصل كل واحد على ما تمناه وهو العودة إلى البرلمان لقيادته بأقل الخسائر، والعودة بفوز جديد (الأرندي وحمس 14 مقعدا لكل واحد حصيلة الأرباح)، أو العودة بـ (الشوارب) حزب العمال، أو العودة بقائمة قديمة (الأرسيدي)، أو الدخول الرمزي إلى البرلمان (مالك الحزين) أو المشاركة في العرس. فالبرلمان الجديد أعاد لنا صورة "البرلمان الانتقالي" بكل عرسانه.لكن من هي »العروس« التي سيتقاسمها أعضاؤه، في ظل غياب »معارضة حقيقية«، وائتلاف قادر على تعديل الدستور دون العودة إلى الشعب، لأن الاستفتاء لا يكون بأقل من 50٪، ويصعب على البرلمان تمرير التعديل دون إلحاق حزب العمال وحزب سعدي بالحكومة. ترى أي عرس سيقام تحت قبة برلمان في هذا »المأتم الوطني«؟ عرس خارج البرلمان؟ يبدو لي أن أهم حدث ميّز تشريعيات 17 ماي الجاري هو »المقابلة الرياضية« التي خرجت الجماهير إلى تحية أبطالها، والمفارقة أن »الكحلة والبيضاء« كانت أكثر تعبيرا عن بهجة هواة الرياضة بالنصر، في الوقت الذي مدت فيه السلطات غلق مكاتب الاقتراع في 27 ولاية. والعرس الذي أقامه المواطنون في شوارع المدن الكبيرة كان أكثر أهمية لدى المواطنين من المهرجانات والتجمعات الخطابية لـ 24 حزبا و102 قائمة لمدة 19 يوما، وهذا دليل على القطيعة بين الشعب وانشغالاته و»الطبقة السياسية« في الجزائر. ولو لا النصر الذي حققه وفاق سطيف في الأردن لكانت التشريعيات خاتمة »مأتم وطني«. حديث الأرقام؟ ما تخسره خزينة الدولة من ملايير في التشريعيات يكفي لحل مشاكل الكثير من الولايات والمدن، فكل حزب يفوض ممثلا له في 1541 بلدية، و48 ولاية، والثمن الذي تدفعه الدولة لكل فرد هو 30 ألف دينار، ما يقرب من خمسة ملايير سنتيم لكل حزب أو قائمة، علاوة على ثمن أوراق الانتخابات والإشهار وصناديق الاقتراع وما يخصص لإنجاح العملية. والأحزاب التي تدخل إلى البرلمان تأخذ عن »كل رأس« 200 ألف دينار سنويا، إلى جانب ما يحصده الحزب من »شكاير« التجار، وأصحاب تبييض الأموال. وإذا تحدثنا بلغة الأرقام، فإن جبهة التحرير خسرت من ميزانيتها من البرلمان مليار و28 مليون سنتيم، في حين أضافت حركة مجتمع السلم والتجمع الوطني الديمقراطي 280 مليون سنتيم لكل واحد منهما سنويا. أما إذا نظرنا إلى الخسارة الحقيقية للسلطة فقد نجد أنها خسرت حزبا معارضا وهو حزب جاب الله، وخسر المنشقون عنهم »سمعتهم«، وتقاسمت مقاعد الإصلاح حركة مجتمع السلم والتجمع الوطني الديمقراطي، لكن جبهة التحرير كانت الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، فإذا قارناها بتشريعيات 26 ديسمبر 1991، نجد أنها كانت في مواجهة حكومة، و»الأسرة الثورية« والأحزاب الإسلامية، والأحزاب البربرية، ومع ذلك حصدت أكثر من مليون ونصف مليون صوت، أما اليوم، فهي على رأس السلطة وبرنامجها هو برنامج رئيس الجمهورية وهو الرئيس الشرفي لها، وجميع الأحزاب والقوائم الحرة حملت شعار »الجبهة« ومع ذلك حصلت على أقل من مليون ونصف المليون صوت. فهل نقول مع المناضل الذي أزاحته السلطة عبر انقلاب وصفته بـ (المؤامرة العلمية)، وهو عبد الحميد مهري »متى يدرك المسؤولون وأصحاب القرار أن معطف نظام الحكم لم يعد يتسع للمجتمع الجزائري اليوم«. فخامة الرئيس فقط! وبالرغم من أن الكثير من الكثير من المفردات السياسية ابتذت بسبب الاستخدام السيء لها لدى المنتخبين مثل المعالي، والرعاية السامية، وأصحاب السعادة والسمو، فإن كلمة فخامة هي الأخرى استهلكت في معظم الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية والندوات وغيرها. فهل سنطالب أصحاب القرار بمنع »البرلمانيين« من أن يعقدوا اجتماعاتهم باسم »فخامة الرئيس فقط« أم أن المكلفين بـ »تسويق صورة الرئيس« يريدون تكريس حدث واحد بصنعه »فخامة الرئيس فقط«. ففي العهدة الأولى صوت البرلمانيون على 92 قانونا منها 30٪ أوامر (34 أمرا صادرا بمرسوم رئاسي). وخلال العهدة نفسها تم تقديم 25 اقتراح مشروع قانون وبقيت الاقتراحات على مستوى المكتب ولم ترسل إلى الحكومة، بينما في العهدة الماضية (2002 - 2007) تم اقتراح 20 مشروع قانون منها خمسة مشاريع لم ترسل إلى الحكومة، وأربعة مشاريع رفضها المكتب وأربعة أخرى لم تبد الحكومة فيها رأيا. وخلال العهدة الأولى أنشئت ثلاث لجان تحقيق وأعدت كل لجنة تقريرها وأرسلتها إلى رئيس الجمهورية، أما في العهدة الماضية فقد أنشئت أربع لجان تحقيق، ولم تعد أي لجنة تقريرها في الأجل المحدد لها، ولم يقدم أي تقرير لرئاسة البرلمان. أو ليس من حق المواطن أن يتساءل ما مبرر وجود مثل هذا الشكل من البرلمان؟ المؤكد أن »السنافير« أو أحزاب أهل الكهف أصبح لها عنوان دائم ومنبر تلفزيوني في نقل مباشر لكل مناقشة، وستكون المنافسة، هي أن يتحول الكل إلى أحزاب معارضة، والتخوف ألا نجد في البرلمان حزبا واحدا مع السلطة الحالية أو القادمة. الأحزاب الإسلامية غير المرغوب فيها الرسالة التي وجهها المجتمع إلى من بيدهم صياغة القرار السياسي، أن الأحزاب الإسلامية الممثلة في البرلمان بـ (60 مقعدا) لا تستطيع أن تسترجع مجد »الجبهة الإسلامية للإنقاذ« لعام 1991، وإذا كان زرهوني وُفّق في إقصاء جاب الله فإنه أخفق في تعويضه بأحزاب الموالاة. وإذا كان خطاب زرهوني في إعلان النتائج كان مزيجا من الدارجة والفرنسية والعربية، فإن المتأمل فيه يجده شبيها بخطابات الـ 23 تشكيلة سياسية التي دخلت البرلمان، وهذا مطابق للمثل القائل »وافق شن طبقة«. ولو كان لنا نخبة ثقافية حقيقية لما تداخلت المفاهيم، واختلطت القيم، وفسدت الأخلاق، تصوروا وزارة الشؤون الدينية تحارب التنصير في الجزائر، وهي وزارة تشرف على المساجد والكنائس، والسلطات سنت قانونا ضد »الردة« أو الترويج لها، وهي جزء من »ثقافة السلطة«، فالمسيحي إذا أراد أن يسلم مطالب بتقديم ملف لوزارة الشؤون الدينية، وبعد 60 يوما ربما يعترف باسمه، فهل صارت الوزارة ناطقة »باسم الله« أم وكيلا عنه. المؤكد أن من يفتح الله صدره للإسلام لا يحتاج إلى ملف حتى يصير مسلما صالحا. لو كانت الوزارة تعنى بالشأن الإسلامي لأعادت قراءة التاريخ، وطالبت بتصحيح أخطاء المؤرخين في الجزائر. من حق مصالح الأمن أن تحقق في هوية من يريد أخذ الجنسية أما من يعلن إسلامه علنا فلا يحق التعامل معه بغير منطق الإسلام الذي يجُبّ ما قبله. هل تعرف وزارة الشؤون الدينية أن »مراد رايس« يتحدر من أصل هولندي، وأنه أسلم ثم ارتد فيها بعد؟ إذا لم تعرف فلتنصل بالأستاذ علي تابليت ليقدم لها الأدلة والشواهد على ما أدّعيه. وهل يحق شرعا لمسلم مرتد أن تسمى عليه مدينة؟ ولو يعرف المربون عندنا أن بابا عروج قطع رؤوس 20 شخصية من أعيان الجزائر ووضعهم في المسجد الكبير حتى تعفنوا ليرمي بهم في القمامة بعد ذلك، لما تجرّأ أحد على تدريس سلوك بعض الأتراك كرجال مقاومة في الجزائر. ولوكان عندنا برلمانيون إسلاميون لتحركوا ضد ما يقدمه القص القبطي بطرس زكريا، في قناة الحياة، بعد منتصف الليل، حول الرسول محمد (صلعم)، لو شاهدوا حصة واحدة من حصصه لما بقوا يوما مسلمين، لأنه يقوم بإساءة أخلاقية، للقرآن الكريم، ويطعن فيه، بشكل يجعل من يشاهده من المسلمين إرهابيا ضد أي مسيحي؟! المؤكد أن الأقباط أبرياء من هذا الدجال، ولكن المسؤولية يتحملها البرلمانيون لأنهم مطالبون بفضح من يدنس القرآن الكريم بالصورة والكلمة. وأخشى أن تتحول الفسيفساء النيابية للسنافير إلى »مهرجانات خطابية« وليس إلى مواقف أخلاقية ولا أقول سياسية، وللحديث بقية.
ما لا يقال: نواب لـ''التمدرس''تاريخ المقال 13/05/2007عبد العالي رزاقي يراهن الكثير من المترشحين على الوصول إلى البرلمان لتحقيق أمانيه في »الحصانة« أو »المكانة« أو »التقاعد« أو تحقيق »وجوده المادي أو المعنوى« ، ظنا منه أن البرلمان يغير من نظرة المجتمع العربي، أو اعتقادا بأن الاحترام يكسب عن طريق النيابة. ولو كان الأغلبية ممن يحملون بالجلوس في »الغرفة السفلى« يدركون ما قد تجلبه لهم النيابة من مخاطر، وما يجلب لعائلاتهم من »اتهامات« و»سوء تقدير«. صور غير واقعية الصور المنقولة عن النواب للشعب غير حقيقية، فهي صور »مفبركة«، باعتبار أن أصحابها »مجرد أصوات لا قيمة لها«، فالنائب في نظر الوالي أو الوزير مجرد شخص انتهازي، والكثير من النواب لا يستقبلون في المؤسسات العمومية فما بالك بالخاصة. ولم يحدث أن نواب البرلمان رفضوا قانونا أو أسقطوا حكومة، بل كانوا وما يزالون، ينتظرون الأوامر للتصويت من رئيس كتلتهم. وإذا لم يصدق أحد أن الإدارة في الجزائر أعلى سلطة من البرلمان، فليسأل نفسه لماذا يرفض بعض الوزراء »الاستجواب«، أو يغيبون أثناء عرض المشاريع ذات الصلة بقطاعاتهم. وسكرتيرة أي مستشار في البرلمان أكثر خطوة في الأسفار من النواب، وإحداهن كانت مؤخرا، في وفد برلمان بأندونيسيا. وإذا كان البرلماني غير »محترم في مؤسسته« فكيف يطلب من الآخرين احترامه. هل سمعت، في برلمان، في العالم، أن »إداريا« أو »مستشارا« ترأّس اجتماعا للنواب؟ حدث هذا في لقاء بين برلمانيين جزائريين وأجانب تحت قبة البرلمان حيث ترأس الجلسة موظف، وكان يعطي الكلمة للنواب، ما أثار استغراب النواب الأجانب حين اكتشفوا أنه »مجرد مستشار«. انتهازيون حتى داخل البرلمان! وبالرغم من أن الانتهازية صفة مشتركة بين موظفي الدولة في الجزائر، فإن النموذج الأكثر قربا من الشعب هو النائب، فالنواب مثل رؤساء أحزاب »أهل الكهف« لا يظهرون إلا في المواعيد الانتخابات، أو المناسبات، ويترددون على السفارات الأجنبية والعربية، وليست لهم علاقة بالمنطقة التي ترشّحوا فيها، بحجة أن النائب »يمثل الأمة«، والمفارقة هي أن جبهة التحرير كانت سباقة إلى نقل »الوزراء« من منطقة لأخرى، ولو أدركت أن هؤلاء الوزراء قد يجلبون الضرر المعنوي للمنطقة التي يترشحون فيها، لأنهم لو كانوا حقا يؤمنون بـ (النيابة) لقدموا استقالتهم من الحكومة، ولما استخدموا وسائل الدولة لتسويق »أنفسهم«. والمسؤول الأول عن النائب ليس البرلمان وإنما المدير العام للإقامة التي يقيم فيها، أو مدير الفندق الذي يقيم فيه. ولو تقوم مؤسسات العدالة بالتحقيق في »الفواتير« التي يدفعها البرلمان لهذه الفنادق والإقامات لاكتشفت »العجب العجاب«. وحتى لا أكون مبالغا أو متحاملا على »أهل نعم«، أذكر الذين انتهت عهدتهم بأن الدولة أعطت لهم ما يقارب السبعين مليون سنتيم قيمة للإيواء لمدة عام، دون عقد إيجار أو كراء، بل بـ »تصريح شرفي« يقدمه النائب للإدارة، وهناك من ماتوا، واستخلفوا، وأخذوا كذلك »المال المباح«. لو كان النواب يدركون ما يمثلون لسنّوا لهذه المنحة قانونا يتيح لأصحابها صرفها في »الحلال«. وما يؤسف له، أن اختتام الدورة الأخيرة للبرلمان كانت »فضيحة«، فقد تم استصدار ترقيات لأصحاب »الخطوة« لا تراعي أدنى شروط سلم الترقيات أو شروط الإطار السامي في المسار المهني. ومادام هذا هو واقع النواب في الجزائر، يرفعون الأيدي، ويتقاسمون جوازات الحج، ويتقاتلون على اللجان لأن فيها »سيارة وعلاوة مالية« ويتخلون عن الأحزاب التي يترشحون باسمها، ويتحولون إلى »مجرد دمى« لدى أصحاب المصالح، فمن الطبيعي أن تفكر السلطة في إعادة تأهليهم، ومن الطبيعي أن يرأسهم أكثرهم كفاءة، في التقرب إلى أصحاب القرار. معهد »التكوين البرلماني« في البرلمان؟ ولأول مرة، في تاريخ البرلمانات في العالم، ينشئ البرلمان الجزائري ما يسمى بـ »معهد التكوين البرلماني« للنواب، في مقر البرلمان،، وهو إدارة موازية لإدارة البرلمان، مقياس التوظيف فيه لتدريس النواب هو عنصران: 1 ـ لغة حليب الأم 2 ـ مسقط الرأس وإذا كنا ندعى بأن النائب يمثل الأمة فإن من يدرس عنده هذا النائب يمثل »الجهة« أو »اللغة«. وهذا المعهد يقوم بـ (التكوين المهني) لنوابه، وخاصة في اللغات أو لغة الاتصالات والبرلمان والشعب الجزائري يدفع ثمن محو أمية من انتخبهم. لو كان النواب يحترمون أنفسهم لسجلوا أنفسهم في المعاهد والأقسام، كما فعل عمار سعيداني الذي سجل نفسه في السنة الأولى علوم سياسية، ولو كان البرلمان الجزائري يقدر الجامعات لسنّ قانونا يسمح لكل نائب غير جامعي بالدخول إلى السنة أولى جامعة، عوض أن يدفع الملايين من أجل محو الأمية للكثير من أعضائه. ولو كانت الهيئة التنفيذية تفكر في الأداء الجيد لوزارتها لالتحقت بتجربة البرلمان في محو الأمية. المؤكد أن محو أمية من تجاوز الـ 70 سنة صعبة لأنها تحتاج إلى الالتحاق بـ »جمعية إقرأ«، والأكثر تأكيدا أن البرلمان في حاجة إلى »معهد عال« للأخلاق، وهذا لا يتأتى إلا بتأهيل جديد للنواب القادمين لأنهم في حاجة ماسة إليها. وأول درس في الأخلاق هو إلزام النواب بالتصريح بـ »ممتلكاتهم« ونشر معلومات حقيقية عنهم، لأن ملفات الترشيح المقدمة لأحزابهم تحمل الكثير من المعلومات الخاطئة، وخاصة لدى أحزاب »التحالف الرئاسي«. بعد أيام، سنقبل على الإدلاء بأصواتنا، ونحن أمام خيارات صعبة، فالمترشحون متساوون لدينا، لأنهم يمثلون قوائم، ولا يمثلون أنفسهم. ولو كانت هناك سلطة تحترم نفسها لأعادت الاعتبار للتصويت على الاسم عوض القائمة، وما أثار انتباهي أنه لأول مرة يترأس قائمة في تيزي وزو »عربي« لا يعرف الأمازيغية، ويحمل شعارا، لو حمله أي حزب بربري أو جهوي لوفر للجزائر ما لم توفره السلطات منذ أحداث 20 أفريل 1980 لغاية اليوم. وتمنيت لو أن حزبا قبائليا رشح عربيا في تيزي، وبربريا في قسنطينة أو هران. لو عملنا بهذا المنطق، لاعتبرنا النائب ممثلا للأمة وليس للجهة. المشكلة التي تواجه النواب هو كيف سيطلقون على اللواتي قد يصلن معهم إلى الغرفة السفلى، أو سيقول النائب لزميلته »سيدتي النائبة« ـ بمعنى المصيبة أو الكارثة لغويا ـ وكيف ستجيبه؟ وهل تتنازل المرأة في البرلمان عن »تاء التأنيث« أم ستتمسك بها، ولو كانت تعطيها صفة جيدة. إننا بالتأكيد لن نقاطع الانتخابات، ولكن كيف نصوت؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى خيار شخصي، وليس إلى أي توجيه. وأعتقد أن الخريطة السياسية في الجزائر لن يحدث فيها تغيير كبير، وإنما قد تشهد استمرارية لوضع نأمل أن يتغير يوما ما حتى نلتحق بركب »جارتنا الموريتانية« التي أنقذت شرف الديمقراطية في المغرب العربي، وأعطتها نفسا جديدا، كنا نزعم أنه ولد في الجزائر، ولكن على طريقة »الأرندي« وللحديث بقية.
ما لا يقال: نواب لـ''التمدرس''تاريخ المقال 13/05/2007عبد العالي رزاقي يراهن الكثير من المترشحين على الوصول إلى البرلمان لتحقيق أمانيه في »الحصانة« أو »المكانة« أو »التقاعد« أو تحقيق »وجوده المادي أو المعنوى« ، ظنا منه أن البرلمان يغير من نظرة المجتمع العربي، أو اعتقادا بأن الاحترام يكسب عن طريق النيابة. ولو كان الأغلبية ممن يحملون بالجلوس في »الغرفة السفلى« يدركون ما قد تجلبه لهم النيابة من مخاطر، وما يجلب لعائلاتهم من »اتهامات« و»سوء تقدير«. صور غير واقعية الصور المنقولة عن النواب للشعب غير حقيقية، فهي صور »مفبركة«، باعتبار أن أصحابها »مجرد أصوات لا قيمة لها«، فالنائب في نظر الوالي أو الوزير مجرد شخص انتهازي، والكثير من النواب لا يستقبلون في المؤسسات العمومية فما بالك بالخاصة. ولم يحدث أن نواب البرلمان رفضوا قانونا أو أسقطوا حكومة، بل كانوا وما يزالون، ينتظرون الأوامر للتصويت من رئيس كتلتهم. وإذا لم يصدق أحد أن الإدارة في الجزائر أعلى سلطة من البرلمان، فليسأل نفسه لماذا يرفض بعض الوزراء »الاستجواب«، أو يغيبون أثناء عرض المشاريع ذات الصلة بقطاعاتهم. وسكرتيرة أي مستشار في البرلمان أكثر خطوة في الأسفار من النواب، وإحداهن كانت مؤخرا، في وفد برلمان بأندونيسيا. وإذا كان البرلماني غير »محترم في مؤسسته« فكيف يطلب من الآخرين احترامه. هل سمعت، في برلمان، في العالم، أن »إداريا« أو »مستشارا« ترأّس اجتماعا للنواب؟ حدث هذا في لقاء بين برلمانيين جزائريين وأجانب تحت قبة البرلمان حيث ترأس الجلسة موظف، وكان يعطي الكلمة للنواب، ما أثار استغراب النواب الأجانب حين اكتشفوا أنه »مجرد مستشار«. انتهازيون حتى داخل البرلمان! وبالرغم من أن الانتهازية صفة مشتركة بين موظفي الدولة في الجزائر، فإن النموذج الأكثر قربا من الشعب هو النائب، فالنواب مثل رؤساء أحزاب »أهل الكهف« لا يظهرون إلا في المواعيد الانتخابات، أو المناسبات، ويترددون على السفارات الأجنبية والعربية، وليست لهم علاقة بالمنطقة التي ترشّحوا فيها، بحجة أن النائب »يمثل الأمة«، والمفارقة هي أن جبهة التحرير كانت سباقة إلى نقل »الوزراء« من منطقة لأخرى، ولو أدركت أن هؤلاء الوزراء قد يجلبون الضرر المعنوي للمنطقة التي يترشحون فيها، لأنهم لو كانوا حقا يؤمنون بـ (النيابة) لقدموا استقالتهم من الحكومة، ولما استخدموا وسائل الدولة لتسويق »أنفسهم«. والمسؤول الأول عن النائب ليس البرلمان وإنما المدير العام للإقامة التي يقيم فيها، أو مدير الفندق الذي يقيم فيه. ولو تقوم مؤسسات العدالة بالتحقيق في »الفواتير« التي يدفعها البرلمان لهذه الفنادق والإقامات لاكتشفت »العجب العجاب«. وحتى لا أكون مبالغا أو متحاملا على »أهل نعم«، أذكر الذين انتهت عهدتهم بأن الدولة أعطت لهم ما يقارب السبعين مليون سنتيم قيمة للإيواء لمدة عام، دون عقد إيجار أو كراء، بل بـ »تصريح شرفي« يقدمه النائب للإدارة، وهناك من ماتوا، واستخلفوا، وأخذوا كذلك »المال المباح«. لو كان النواب يدركون ما يمثلون لسنّوا لهذه المنحة قانونا يتيح لأصحابها صرفها في »الحلال«. وما يؤسف له، أن اختتام الدورة الأخيرة للبرلمان كانت »فضيحة«، فقد تم استصدار ترقيات لأصحاب »الخطوة« لا تراعي أدنى شروط سلم الترقيات أو شروط الإطار السامي في المسار المهني. ومادام هذا هو واقع النواب في الجزائر، يرفعون الأيدي، ويتقاسمون جوازات الحج، ويتقاتلون على اللجان لأن فيها »سيارة وعلاوة مالية« ويتخلون عن الأحزاب التي يترشحون باسمها، ويتحولون إلى »مجرد دمى« لدى أصحاب المصالح، فمن الطبيعي أن تفكر السلطة في إعادة تأهليهم، ومن الطبيعي أن يرأسهم أكثرهم كفاءة، في التقرب إلى أصحاب القرار. معهد »التكوين البرلماني« في البرلمان؟ ولأول مرة، في تاريخ البرلمانات في العالم، ينشئ البرلمان الجزائري ما يسمى بـ »معهد التكوين البرلماني« للنواب، في مقر البرلمان،، وهو إدارة موازية لإدارة البرلمان، مقياس التوظيف فيه لتدريس النواب هو عنصران: 1 ـ لغة حليب الأم 2 ـ مسقط الرأس وإذا كنا ندعى بأن النائب يمثل الأمة فإن من يدرس عنده هذا النائب يمثل »الجهة« أو »اللغة«. وهذا المعهد يقوم بـ (التكوين المهني) لنوابه، وخاصة في اللغات أو لغة الاتصالات والبرلمان والشعب الجزائري يدفع ثمن محو أمية من انتخبهم. لو كان النواب يحترمون أنفسهم لسجلوا أنفسهم في المعاهد والأقسام، كما فعل عمار سعيداني الذي سجل نفسه في السنة الأولى علوم سياسية، ولو كان البرلمان الجزائري يقدر الجامعات لسنّ قانونا يسمح لكل نائب غير جامعي بالدخول إلى السنة أولى جامعة، عوض أن يدفع الملايين من أجل محو الأمية للكثير من أعضائه. ولو كانت الهيئة التنفيذية تفكر في الأداء الجيد لوزارتها لالتحقت بتجربة البرلمان في محو الأمية. المؤكد أن محو أمية من تجاوز الـ 70 سنة صعبة لأنها تحتاج إلى الالتحاق بـ »جمعية إقرأ«، والأكثر تأكيدا أن البرلمان في حاجة إلى »معهد عال« للأخلاق، وهذا لا يتأتى إلا بتأهيل جديد للنواب القادمين لأنهم في حاجة ماسة إليها. وأول درس في الأخلاق هو إلزام النواب بالتصريح بـ »ممتلكاتهم« ونشر معلومات حقيقية عنهم، لأن ملفات الترشيح المقدمة لأحزابهم تحمل الكثير من المعلومات الخاطئة، وخاصة لدى أحزاب »التحالف الرئاسي«. بعد أيام، سنقبل على الإدلاء بأصواتنا، ونحن أمام خيارات صعبة، فالمترشحون متساوون لدينا، لأنهم يمثلون قوائم، ولا يمثلون أنفسهم. ولو كانت هناك سلطة تحترم نفسها لأعادت الاعتبار للتصويت على الاسم عوض القائمة، وما أثار انتباهي أنه لأول مرة يترأس قائمة في تيزي وزو »عربي« لا يعرف الأمازيغية، ويحمل شعارا، لو حمله أي حزب بربري أو جهوي لوفر للجزائر ما لم توفره السلطات منذ أحداث 20 أفريل 1980 لغاية اليوم. وتمنيت لو أن حزبا قبائليا رشح عربيا في تيزي، وبربريا في قسنطينة أو هران. لو عملنا بهذا المنطق، لاعتبرنا النائب ممثلا للأمة وليس للجهة. المشكلة التي تواجه النواب هو كيف سيطلقون على اللواتي قد يصلن معهم إلى الغرفة السفلى، أو سيقول النائب لزميلته »سيدتي النائبة« ـ بمعنى المصيبة أو الكارثة لغويا ـ وكيف ستجيبه؟ وهل تتنازل المرأة في البرلمان عن »تاء التأنيث« أم ستتمسك بها، ولو كانت تعطيها صفة جيدة. إننا بالتأكيد لن نقاطع الانتخابات، ولكن كيف نصوت؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى خيار شخصي، وليس إلى أي توجيه. وأعتقد أن الخريطة السياسية في الجزائر لن يحدث فيها تغيير كبير، وإنما قد تشهد استمرارية لوضع نأمل أن يتغير يوما ما حتى نلتحق بركب »جارتنا الموريتانية« التي أنقذت شرف الديمقراطية في المغرب العربي، وأعطتها نفسا جديدا، كنا نزعم أنه ولد في الجزائر، ولكن على طريقة »الأرندي« وللحديث بقية.
ما لا يقال ...على من تنتخب؟تاريخ المقال 11/03/2007عبد العالي رزاقي هل المشاركة في الانتخابات تعني المشاركة في اتخاذ القرار؟ وهل انتخاب من يمثلون الشعب يعني إلغاء فكرة "الشعب غير جاهزة للحكم"؟ إذا قُدّرَ لك أن تشارك في تشريعيات 17 ماي القادم فعلى من تنتخب؟ ومن هؤلاء المرشحون لغرفة "برلمان" لا وجود له في ذهنية أصحاب القرار. المؤكد أنك قد تغلّب مشاعرك الجهوية أو الأسرية أو القبلية، والأكثر تأكيدا أنك ستدلي بصوت لمن لا صوت له. فماذا عليك أن تفعل؟ حزب، أحرار أم غائب عن صنع قرار؟ يقول العارفون بالشأن الجزائري بأن 48 نائبا يعيّنون باختيارهم رؤساء قوائم الـ48 ولاية، في الحزب الذي ستمنح له الأغلبية، أو الأحزاب المرشحة للبقاء تحت "قبة تسونامي وعلي بابا". ولأن رموز الحزب ليست لهم ثقة في عدد المقاعد التي قد يحصلون عليها، فإنهم "يتقاتلون" من أجل تصدر القوائم، ولو كان هناك حزب واحد، في الجزائر، يؤمن بوجود قواعد شعبية له، لرشّح قادة حزبه في ذيل القوائم حتى يدعم شرعية القائمة، لا أن تكون القيادة على رأس القوائم وغير المعرفين في آخرها. لملء "فراغات الإدارة". والقوائم التي يترأسها »كبار القوم« لا نقول: بارك الله فيها. وإنما بارك الله في من يريد بقاءها في خدمته لا خدمة الشعب. والمرشحون في قوائم الأحزاب ليسوا أوفر حظا من المرشحين في قوائم الأحرار، فكلاهما يستجدي أصوات »مسقط الرأس« و»العائلة« و»العرش« سعيا للإبقاء على الامتيازات أو للحصول على امتيازات جديدة وممارسة طقوس جديدة. وكل من يحصل على تأشيرة الدخول إلى »غرف الأجهزة« يصير »طبّالا ومداحا« و»زرناجيا« و»ديكورا« وأول ما يقوم به، لإعلان الولاء، هو أنه »يكبر مثل كرة الثلج« ليدوس مبادئ حزبه، ووعوده لمن انتخبوه، إذا لم يفكر في »الإطاحة بالرئيس« حتى يأخذ منصبه، وهو يدرك في قرارة نفسه، أنه لا يستطيع أن يحظى باستقبال والٍ أو وزير، أو حتى محافظ شرطة. وهناك من يوظف الفقراء من »الكتاب« ليقرأوا، القوانين ويعلقوا عليها، ليتلو ما كتبوه أمام الكاميرات مقابل إقامتهم في »غرفة فندق« على حساب »قبة علي بابا«. وإذا قدر لك الله أن تنتخب ففكر في من له مستوى ثقافي جامعي يشرفك أمام نظرائه العرب والأجانب، وعلى من لا يحمل جنسية أخرى غير جنسيته، أو من ليس له أفراد من عائلته من جنسيات أخرى وتأكد أنه لا يتقاضى منحة تقاعد من فرنسا. وكل من لا تعرف داره وزوجته وعائلته وأملاكه سيكون خطرا عليك وعلى عائلتك وأسرتك، لأنه سيكون »النموذج« الذي يسيء لبلدك. وتجنّب من ليس له انضباط داخل الحزب أو الوظيفة، وابتعد عن كل من تخلى عن حزبه أو أسرته، فهو »مجرد تاجر قيم« وعليك بأن تطالب المترشح بالتصريح الرسمي لدى الموثق بأملاكه وحساباته، ومن له حساب بالعملة الصعبة لا تفكر في انتخابه، فهو »مشروع لصّ صغير«. وعلى المرشح التعهد كتابيا بالاجتماعات الدورية بمن انتخبوه، والالتزام بالاستقالة إذا لم يستطع الدفاع عن مشروعه، لا أن يقول »الله غالب«. يبدو لي أن اختيار المرشح مرهون بإعادة النظر في مفهوم الثقة بين »الناخب والمنتخب« فإذا لم توثق رسميا، فإنها ستبقى »مجرد كلام«. ولا أعتقد أن هناك مرشحا واحدا يستطيع أن يتعهد ويلتزم كتابيا بما يعد به منتخبيه، لسبب بسيط هو أن الذي يحترم نفسه لا يفكر أبدا في الاحتيال على غيره. والانتخابات، كما هي الآن، مجرد »استخفاف بالمواطن« ومسعى لـ»تضليل الرأي العام« فقانون »القوائم«، لا يسمح باختيار سليم لأعضاء البرلمان، لأن ترتيب الأسماء يكون وفق الجاه أو العائلة أو المال، وليس له علاقة بالنضال الحزبي أو الجمعوي. هل رأيتم، في بلد من البلدان، مناضلا يتخلى عن حزبه ويلتحق بحزب آخر، أو ينشق عن الحزب، وهو ما دفع بعض الأحزاب إلى التستر على »ترتيب القائمة« لغاية غلق باب الترشح حتى لا يهرب المناضلون من هذا الحزب إلى حزب آخر؟. وهل سمعتم بشخص يقيم في العاصمة ويترشح في مسقط رأسه، في بلد غير الجزائر؟ وهل رأيتم جماعة تهرول إلى الاعتراف بها ولو بتقبيل أقدام وزير الداخلية، أو إصدار بيان تتخلى فيه عن قناعاتها الماضية. لا أعرف إسلاميا واحدا، باستثناء علي بن حاج، حافظ على قناعته وهو يدخل إحدى غرفتي البرلمان، ولا أعرف رئيس حزب واحد صار له وزراء في الحكومة، ولم يتحول إلى ناطق رسمي باسمها. ولا أعرف أغلبية برلمانية رفضت مشروعا قدمته الحكومة، أو أسقطت حكومة في الجزائر، أو حققت في قضية من القضايا المصيرية للبلاد، أو أصدرت بيانا يساند شعبا يموت في فلسطين، أو العراق أو الصومال، أو طالبت باسترجاع المواطنين المحتجزين في دول العالم، أو دافعت عن جزائري واحد أهين في دولة من العالم؟ فهل المرشحون يعتبرون »الشعب غبيا« أو »غاشيا«، أو »دهماء« أو »مطية« لتحقيق مآرب أخرى؟ وما الفرق بين »المتحزب والحر« غير التغطية الإسلامة للحملة الانتخابية. احتيال من نوع جديد! لو أن هناك جهة مستقلة تجري تحقيقا حول "المال المهدور" في الإقامات الرسمية والفنادق والمطاعم والفواتير المدفوعة من الغرفتين لهذه الجهة أو تلك، لكانت لنا فضائح لا تختلف عن "فضيحة الخليفة"، ولو أحدثك عن الطرق التي يتبعها المرشحون للغرفة الأولى من البرلمان لربما تقاطع ما أكتبه، ولا أبوح بالسر، إذا قلت لك إن عدد الحجاج في العام الماضي، من المسؤولين والحزبيين تضاعف، بسبب قرب التشريعيات، وانتزاع اسم »الحاج« للدخول به في الحملة الانتخابية. وإذا لم تصدق ذلك، إسأل المرشحين من الحجاج أو المعتمرين عن سبب تأجيل ذلك لغاية العام الماضي؟ لقد حولوا »بيت الله« من فريضة دينية إلى »أداء سياسي« ووفروا »الغطاء الديني« للاحتيال على الناس البسطاء، مثلما فعل من سبقوهم إلى »المجلس الاستشاري«، في عهد رضا مالك، أو المجلس الانتقالي في عهد اليامين زروال. والأحزاب الجزائرية ولدت في المرادية، في عهد الشاذلي بن جديد، وترعرعت في »تاقارة« في عهد الجنرال المتقاعد خالد نزال، وكبرت في الإقامات الرسمية، في عهد الجنرال محمد العماري، وعادت إلى أحجامها الطبيعية في عهد بوتفليقة، فلم نعد نفرق بين الحزب المعارض والمساند، وبين المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وبين الغرفة الأولى والثانية من البرلمان، وبين الوزير ورئيس الحكومة. قصص غريبة لأحزاب عقدت مؤتمراتها، في قاعات السينما، والصالونات، وساحات المقرات الحزبية، وفنادق، ورؤساء أحزاب »مفبركة« وأخرى يتداول الزوج فيها مع زوجته »سرير الحزب« و»باعة مواشي« لجأوا إلى إنشاء أحزاب للاستثمار في الأسواق. ومثلما تباع عناوين الصحف، في الجزائر، بسبب الخناق والتضييف على من يريد إنشاءها، تباع كذلك عناوين الأحزاب، وكراسيها، بسبب التصنيف السياسي. من منّا لا يتذكر قصة »علي بابا والأربعين حراميا« حين قامت السلطة بوضع أربعين منشقا عن حزب الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، في فندق مهجور بالمعرض الدولي، لإنشاء حزب بديل لـ(الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائرية)، ومن منا لا يتذكر كيف خلقوا من الدا حسين وجها آخر، فأنشأوا ما يسمى بـ(جبهة القوى الاشتراكية) رقم 2، لكن آيت أحمد كرمز تاريخي لا يستطيع أحد محوه من ذاكرة الـ17 شخصا الذين أنشأوا الحزب عام 1963 وعيّنوه رئيسا لهم. ومن منّا لا يتذكر كيف تنكرت حركة النهضة لرئيسها حين رفض المساندة، أو حركة الإصلاح لزعيمها حين رفض الالتحاق بالحكومة؟ ولا داعي للتذكير بمحاولات »سيد أحمد غزالي« لإنشاء حزب جهوي لـ»الجبهة الإسلامية للإنقاذ« ولا داعي لفتح ملف ما جرى داخل الحزب العتيد. ومهما كانت مساوئ التجربة التعددية في الجزائر، فإنها خطوة نحو تخليص المواطن من »الفكر الأحادي«، وبداية لمرحلة جديدة قد تؤسس لديمقراطية تتساوى فيها الحظوظ لدى المواطنين، ويعاد الاعتبار للعمل السياسي. والانتخابات ستبقى الخيار الوحيد لتكريس التعددية والتداول على السلطة في الجزائر.
1 - احدر يا استادzahana 2007-04-25احشئ علئ الاستاد رزاقي من رصاصة موجة طائشة انه يقول ما لا يقال و قد اغتيل قبله اخرين لم يجرئو مثله
ما لا يقال: أحزاب المرادية؟تاريخ المقال 04/03/2007عبد العالي رزاقي منذ العهدة الثانية لبوتفليقة تراجع اعتماد الأحزاب والصحف والجمعيات، وتوسعت ظاهرة »الانقسامات والانشقاقات« وظاهرة التصحيحيين والتقويميين والتجديديين، بين قيادات الأحزاب والمجتمع المدني. ولم نعد نفرّق بين الحزب والصحيفة، وبين التنظيم السياسي والمجتمع المدني، بل تداخلت السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية حتى صرنا لا نفرّق بين الوزير ورجل السياسة. حزبان ورئيس! يبدو أن النموذج الأمريكي في التنافس على الرئاسة يثير لعاب الكثير، لأنه يحول الديمقراطية إلى »صراع ديكة« يقلد فيها الغالب »وسام المغلوب«، ويسمح للمغلوب بانتزاعه مرة أخرى مهما طال الزمن أو قصر. وإذا كان النموذج الأمريكي نابعا من اختلاف الأعراف والأجناس وتعدد الثقافات والديانات، والالتفاف حول الأفكار والمشاريع، فإن النماذج العربية بعيدة عن هذا النموذج. فالأمريكيون حين شرعوا في تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير في الوطن العربي لجأوا إلى الخبراء، ففي الصحافة مثلا اختاروا جريدتي "أوريزو" الحكومية و"الشروق" المستقلة، ولم يتدخلوا في مضمون الجريدتين، وإنما أشرفوا على "التسيير التقني والفني" لتسهيل المهمة أمام الصحفي لإيصال رسالته أو مادته الإعلامية بأقل التكاليف والجهد، وتمكين القراء من قراءة الصحيفة دون إهدار للوقت أو تعب في استيعاب المادة الإعلامية، ومن يطالع الجريدتين سيكتشف "الخطوة العملاقة" للأداء التقني، وهم بهذه الخبرة وفّروا للطالب الجامعي »النموذج« الذي يقتدي به في »المادة التطبيقية«، ووفروا لنا أسهل الطرق للاتصال بالقارئ، أو لم يقدموا أفكارا فنية لطي »عهد الزربية« التي تغطي الصفحات الأولى لصحفنا الوطنية؟. ويكفي أن »صورة صدام« التي وزّعتها صحيفة "الشروق" »كانت تحت رعاية الخبرة الأمريكية«، فهل تغيّر موقف "الشروق" من أمريكا؟. المؤكد أننا استفدنا من هذه الخبرة بالرغم من موقفنا الثابت من الحكومة الأمريكية والرفض للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط. لو كانت السلطات الجزائر تفكر في تطوير الإعلام أو الأحزاب أو العدالة أو الأمن، لما تأخرت في الاستفادة من هذه الخبرة الفنية، ولا أبوح بسر إذا قلت إن الفضل في مجريات »محاكمة الخليفة يعود إلى »الخبرة الأمريكية« الموجودة في العدالة، وإذا كان هناك »مشروع« لدعم الثنائية الحزبية في الجزائر، من جهات داخل السلطة، فإن النجاح مستبعد، لأن انقسام الساحة السياسية إلى حزبين يعني بالضرورة انقسام البلاد إلى منطقتين، فالأحزاب في الجزائر تقوم على أسماء وليس على أفكار، فبدون حسين آيت أحمد لا يوجد حزب اسمه جبهة القوى الاشتراكية، وبدون سعيد سعدي لا يوجد حزب اسمه التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وبدون جاب الله عبد الله لا يوجب حزب اسمه حركة الإصلاح والأمثلة كثيرة. والأحزاب التي لم يتم التداول فيها على رئاسة الحزب هي تلك الأحزاب التي يمتلك أصحابها أفكارا ويدافعون عنها، ولها مواقف ثابتة، ويصعب تليينها، إلى جانب أن لهم مريدين ومناضلين يؤمنون بهم كرموز للحزب، وبالتالي فأية محاولة لإجهاض مثل هذه الأحزاب قد تدفع بالبلاد إلى »مجهول جديد«. المؤكد أن جبهة التحرير ستبقى رائدة »الأغلبية« التي تبقى رهن الرئيس، والجبهة، في جميع مراحلها، كانت للأجهزة، ومطية للوصول إلى المناصب وحين أرادت أن تتحرّر من براثن أصحاب القرار، في عهد عبد الحميد مهري، أطاحت بها الأجهزة، في عملية سميت بـ (الانقلاب العلمي) أو »المؤامرة« وحتى حين أراد علي بن فليس أن يوظفها في رئاسيات 2004، وجد نفسه »خارج مجال التغطية«. لقد أنجبت السلطة من رحم الجبهة حزبا ومنحته الأغلبية، لكنها اليوم تجد صعوبة في إعادته إلى »رحمها« ويجد الحزب صعوبة لأن »فضيحة الخليفة« فيها أسماء منه. لكن التوجه العام لتشريعيات 17 ماي القادم سيعطي الشرعية لثلاثة تيارات كبرى هي: 1- التيار الوطني بقيادة جبهة التحرير وسيحصد أو تحصد له الأغلبية، وهذا التيار لن يسمح له بتشكيل حكومة لوحده، إلا بعد تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية عام 2009. 2- التيار الإسلامي، وسيكون خليطا من مرشحي الأحزاب الإسلامية، أو الإسلاميين داخل أحزاب أخرى، أو قوائم حرة يقودها تيار عبد الله جاب الله أو تيار وزير الداخلية لدى من يصفون أنفسهم بـ (التقويميين). لاشك أن حمس ستكون الحزب الوحيد في التيار الإسلامي الذي لا يستطيع أن يكون محور استقطاب لتيار الإنقاذ أو جاب الله أو »التائبين« أو المحسوبين على التيار الإسلامي من الوجوه القديمة في البرلمان بغرفتيه. 3- التيار الديمقراطي اللائكي، وهو يعاني المشكلة نفسها التي يعانيها التيارالإسلامي، في التناقض بين أطرافه، إلى جانب أن هذا التيار سيكون الصوت المعارض فيه هو حزب آيت أحمد. وهذه التيارات الثلاثة لا تستطيع أن تتحول إلى أحزاب، وبالتالي فالذين يؤمنون بالنموذج الأمريكي يتوهمون وجود أحزاب في الجزائر، بينما الحقيقة هي وجود تيارات سياسية وانتماءات وميول. وزراء أم رؤساء أحزاب؟ يبدو لي أن التداخل بين الأحزاب والسلطة التنفيذية (الحكومة) وصل إلى حد قد يجلب للبلاد مصاعب، ويضعها على بركان جديد. المؤكد أن الأمن خيار استراتيجي للبلاد، وليس عملية »تكتيكية مرحلية«، فالجزائر في حاجة إلى استقرار أمني وهذا لا يتحقق في ظل قانون الطوارئ، ولا في »الهزات العنيفة« للشارع الجزائري، ولا في غلق المجال الإعلامي والسياسي. والبلاد التي يوجد فيها أمن لا تشعر بوجود قوات الأمن في شوارعها، ولنأخذ »ليبيا« مثلا، لا نعثر في شوارعها إلا على شرطة المرور، لكن الأمن موجود في كل مكان، والجزائر التي استفادت أمنيا في تعاملها أكثر من 10 سنوات في محاربة الإرهاب، تتحول عاصمتها هذه الأيام إلى »اختناق« تحت حجة الإرهاب. إذا كان الهدف هو تحسيس المواطن بخطورة »الإرهاب القادم«، فأعتقد أن العملية فاشلة، لأنها تعيد الجزائر إلى سنوات 1992. أما إذا كان فعلا هناك »تسلل إرهابي« فهذا يعني أن وزارة الداخلية ومصالحها المختلفة تجاهلت مهمتها أو تم اختراقها. المؤكد أنك عندما تقرأ تصريحا لوزير الداخلية بأن »أغلبية المناضلين، في حزب جاب الله، لا يقبلون برئاسته للحزب«، وأن القانون لا يخوّل للحزب الدعوة إلى مؤتمر، وإنما يخوّل للمنشقّين عنه، تتساءل: هل لوزارة الداخلية مخابر سبر الآراء داخل الأحزاب لتدرك أن هذا الحزب مقبول قاعديا أو مرفوض؟ ولا أفهم كيف يجرؤ وزير داخلية على وصف رئيس حزب بـ (عدم التأهيل القيادي) وهو يملك 28 كتابا سياسيا موجودا في الأسواق الجزائرية والعربية؟ ولا أستطيع أن استوعب أن حزبا يشارك في الانتخابات الجزئية عام 2005 بالمناطق التي رفضت العروش نتائجها، ويشارك في التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة عام 2007 ويدّعي الوزير أنه مجمد منذ 2004. المؤكد أن الذي لا يدرك ما يجري في العاصمة لا يستطيع أن يدرك ما يجري في بقية المدن الجزائرية، فما بالك إذا كان يدرك ما يجري في رؤوس المناضلين، لأحزاب يعتز أنه لم يستقبل قادتها في مكتبه! إن تصريحات زرهوني هي بمثابة »إثارة« للفتنة، فالعدالة هي وحدها التي تحكم في القضايا الحزبية، وإذا كان هناك حزب اخترق القانون، فعليه بتبليغ العدالة، لتتخذ الإجراءات التي يفترض أن يطبقها لا أن ينظر لها. إن غياب القرارات والتعليمات المكتوبة والاعتماد على التصريحات الشفوية، حوّل البلاد إلى »مهرجان كلامي«. لو كانت هناك سلطة تنفيذية لاتخذت القرارات في وقتها، وتركت الحرية للعمل السياسي والإعلامي، فالسلطة التي تمنع على مواطنيها تصوير الشوارع أو الابتهاج بالانتصار في مقابلة رياضية، أو لا تسمح للأحزاب بإقامة تجمعاتهم إلا إذا كانوا موالين لها، هي سلطة قد تجلب للبلاد مصاعب مستقبلية. إنها مثل تلك الجمعيات التي صارت تهدد أحزابها بالانسحاب منها، أو تجتمع بوزراء في مكاتبهم. ولست قادرا على تصوّر مستقبل لديمقراطية يبرئ فيها الوزير نفسه عبر أوراق الصحف، ويطالب فيها حملة السلاح بإنشاء أحزاب لهم، وتتحول وسائل إعلامها إلى منابر للخارجين عن القانون، الرافضين للمثول أمام العدالة أو الهاربين منها أو الرافضين للقوانين الداخلية للأحزاب. فالجزائر عاصمة الثقافة العربية لكنها تضم طاقما ثقافيا مكونا من وزارة وكيانات تتصارع، واتحاد كتاب »مغتصب« وشعراء يسكنون »الشيراتون« وليس في جيوبهم ثمن »كأس شاي« أو ثمن سيارة تنقلهم من »نادي الصنوبر إلى قصر الثقافة«. إذا كان الفكر لدى المنتمين إلى الحقل الثقافي غير قادر على استيعاب »العرس العربي« في الجزائر، لأن كل طرف يريد »المقايضة به« لمنصب، فكيف نطلب من يريد الوصول إلى »الكرسي« أو »جواز سفر أحمر« أن يفكر في الجزائر. المؤكد أن هناك خللا ما في جهة ما، لا يراد تصليحه أو إصلاحه، والأكثر تأكيد هو أن الأحزاب لن تصل إلى المرادية ما لم تكن لها برامج سياسية، تمكّنها من طرح الأفكار والمشاريع.
ما لا يقال: القوانين الجديدة لـ''نهب المال العام''؟تاريخ المقال 25/02/2007عبد العالي رزاقي غطّت محكمة "الخليفة" على محاكمات أخرى لا تقل عنها تبديدا للمال العام، وستغطي على المحاكمات اللاحقة، وربما على مجريات الاستحقاقات التشريعية القادمة. ويبدو أن المشكلة تكمن في "التشريع الجزائري"، الذي استجاب لضغوط "الإرهاب" و"استغلال النفوذ"، ففي الجزائر توجد إقامات رسمية لـ "رجال السلطة" شبيهة بالمعتقلات لا يوجد قانون ينظمها، وهناك تداخل ما بين مفهوم الحبس (الجنحة)، ومفهوم السجن (الجناية). فقد جرد تعديل قانون العقوبات، في عهد أحمد أويحيى، المختلسين والمبددين للمال العام والخاص من عقوبة السجن، إلى عقوبة الحبس، بحيث صارت أقصى عقوبة لتهريب أموال الدولة أو الخزينة العمومية هي 10 سنوات، بالرغم من أن تعديل قانون 1988 كان ينص على أنه عندما يكون الاختلاس أو التبديد أو حجز أو سرقة الأموال من طبيعته إلحاق الضرر بالمصالح العليا للبلاد فقد يطال صاحبه الإعدام. وبمجرد أن أصبح الإعدام لا يمس الذين ينهبون المال العام، وأن أطول مدة وأقصاها هي عقوبة بـ 10 سنوات قد لا تكون نافذة، فقد صار الاختلاس »ظاهرة جزائرية«. لقد تم تحويل المواد المتعلقة بتشديد العقوبة على المختلسين والمبددين للمال العام من قانون الجنح إلى قانون الجنايات، بعد أن كان السجن المؤبد لكل من تجاوز اختلاسه الـ 300 مليون سنتيم. المؤكد أن أصحاب التشريع في الحزب الواحد، كانوا أكثر حرصا على المال العام من المشرعين في عهد التعددية، والأكثر تأكيدا هو أن الإرهاب جرد الشعب من سلطته أو وجوده في العدالة. فقد كانت المحاكمات الجنائية تضم أربعة قضاة »شعبيين« مقابل ثلاثة قضاة يمثلون الدولة، وصارت اليوم تضم ثلاثة قضاة يمثلون الدولة واثنين يمثلان الشعب، وأعتقد أن اختفاء فكرة الجناية في »مادة الاختلاس« هو الذي شجع على ظهور المختلسين وشبكة الدعم لهم. غياب المشرع الجزائري! قد يقول البعض، وأين هو دور المؤسسات التشريعية مثل البرلمان بغرفتيه؟، فأجيب دون تحفظ »ديكور« لسلطة افتراضية. لو نقوم بعملية (تقويم وتقييم) لعهدة البرلمان بغرفتيه، فسنجد أن رئيس الجمهورية شرع بأوامر أكثر مما قامت بها الجهات المعنية بالأمر. والسبب، في تقديري، أن النواب لم يكونوا في مستوى الثقة التي وضعها فيهم الشعب، فهم مجرد أصوات تصب في ميكرفون هذا المذيع أو ذاك، ممن يقفون وراء سلطة اتخاذ القرار. وخلال الفترة الماضية، لم تشهد الجزائر تيارا سياسيا متميزا سواء في أحزاب السلطة أو أحزاب المعارضة، وما شهدناه هو الانشقاقات والانقسامات وما يسمى بـ (التقويميين أو التصحيحيين) في أحزاب عبارة عن بوق للسلطة أو مهمشة أو تريد إثبات وجودها. والسؤال الذي أطرحه اليوم: لماذا يقبل الشعب على الانتخابات وهو يدرك أنه يطيل عمر »الانتهازيين والوصوليين« ويجدد الحياة في الأموات، وتبييض وجوه اسودت من الذل والهوان؟!. لماذا نقبل على انتخابات لا تقدم بدائل عن السلطة أو للسلطة لتأكيد فكرة أو برنامج عمل أو مشروع وطني؟!. والتداول على السلطة لا يكون مقتصرا على »الأرائك والكراسي« وإنما يشمل كذلك الأفكار والبرامج والميول السياسية. وما دام البرنامج السياسي واحدا، والوجوه نفسها في الحزب الواحد أو التعددية، والتجارب لا تتجاوز »مسقط الرأس«، فلماذا نكرر الفشل في انتخابات الفائز فيها يخسر ثقة الشعب فيه!. يخيل لي أن الحزب الذي سيفوز في الانتخابات القادمة هو الذي يدعو إلى المقاطعة، فهل يعود حزب »الدا حسين« إلى عادته القديمة ليفوز بـ (الأغلبية الصامتة) التي كان يراهن عليها من جاءوا بالمجاهد محمد بوضياف إلى المرادية، لينقلوه فيما بعد إلى مقبرة العالية، وفشلوا في »الحديث باسمها« يومئذ، لأن السلطة آنذاك كانت تحاور نفسها عبر الأحزاب ومجتمعاتها المدنية، والشخصيات التي كانت تصفها بـ »الوطنية«. وأزعم أن داخل جبهة القوى الاشتراكية تجاذب بين أصحاب المشاركة والمقاطعة، فالآباء الروحيون للحزب لا يراهنون على انتخابات يدركون مسبقا نتائجها. وما دامت أحزاب الائتلاف لا تملك »برامج أو مشاريع سياسية« غير التقرب إلى الرئيس، وغلق الأبواب في وجه المعارضة، وما دام هناك المئات من نماذج »عبد المؤمن« سيدخلون التشريعات أو يقفون وراء من يدخلونها، فإن الرهان على »التغيير السياسي« في الساحة الجزائرية يكاد يكون مستبعدا. تسويق ما لا يسوق! يعتقد الكثير بأن اختيار الجزائر »عاصمة للثقافة العربية« قد يسهل المهمة لدى من يريدون تسويق صورة الجزائر لدى الأقطار العربية، وهم يدركون أن المشكلة ليست مرتبطة بتسويق صورة الجزائر، فهي لا تحتاج إلى ذلك، لأن الثورة الجزائرية، برموزها، استطاعت أن تزرعها في الذاكرة العربية عبر الإنتاج الأدبي والفني والسينمائي، ولكن عظمة الثورة الجزائرية عجزت السلطة عن ترسيخها في الذهنية الجزائرية للجيل الصاعد، لأن السلطة ضد الفكر والتفكير فأحمد أويحيى ينصح مناضليه برفض مقولة أن لأمريكا ضغوطا على الجزائر، وأن للتفجيرات الأخيرة علاقة بـ »الخليفة«، لأنه يدرك جيدا أن »تسويق الرعب« في الجزائر صار »موضة« رجال السلطة، فالإشاعات المروجة يراد منها تمرير المشاريع ويراد منها تسويق »الوجوه المرشحة« للاستحقاقات القادمة. وأذكر أن الشقيقة تونس حين أرادت »تسويق صورتها« وضعت شعارا عام 1994 يقول »مرحبا بـ (البابا) في بلد أوغسطين« لكن الجزائر حين أرادت أن تؤكد للعالم أن أوغسطين مفكر جزائري راحت تسوق المسيحية في الجزائر، وبالرغم من أن الكنيسة الكاثوليكية حين أرادت تسويق المسيحية في الجزائر وزعت »لوحة فنية« لرسام جزائري كبير كـ »بطاقة« داخل الكنائيس، لأنها تحمل صورة العذراء. ولهذا، فإن السلطة مطالبة بأن تفتح المجال الإعلامي، فالأفضل للأفكار أن تكون في البرامج والقنوات الإذاعية والتلفزيونية وعلى صفحات الجرائد على أن تنتقل إلى الجبال. فما أحوجنا إلى نقاش وطني، مثلما كان في عهد الشادلي بن جديد، بين الأحزاب، وبين التيارات السياسية، حتى يمكن تغيير صورة الجزائر التي ارتسمت في الذهن والمرتبطة بـ (العنف والفساد). ما الذي يمنع السلطة من النقل المباشر للمحاكمات في السمعي البصري وكشف المستور، وما الذي يجعل أمثال أحمد أويحيى يوهمون الرأي العام بأن هناك خطرا يهدد الجزائر، وهو الإرهاب، بينما هذا الخطر رحل نهائيا من الجزائر بعد الاستفتاء على السلم والمصالحة بالرغم من تمسك البعض بـ (عودته) ولو عبر »افتعال التفجيرات والإشاعات«. وحين تسمع »رجل دولة« مثل أحمد أو يحيى يصر على أنه »لا يزال على مبدأ مكافحة الإرهاب مع مد يد الرحمة والمصالحة« أتساءل: لماذا لم يمددها عام 1995 عندما وصف وزير خارجيته أحمد عطاف »العقد الوطني« الداعي إلى المصالحة الوطنية بـ »اللا حدث«. المؤكد أن الاستحقاقات القادمة ستكون فرصة للمواطن لاكتشاف واقع السياسيين عندما يجد »رؤوس الدولة« مهرولة إلى عروشها لتنقذها من السقوط، أو تعطيها تأشيرة لتمثيلها في البرلمان، والأكثر تأكيدا هو أن من غابوا عن قبيلتهم »خلال عهدة البرلمان الماضية« سيعودون إليها لاستجداد أصواتها، وهناك تياران داخل أحزاب الائتلاف، أحدهما يدعو إلى العودة لـ »مسقط الرأس« وقيادة مرشحي الولاية في الحزب، وهناك تيار آخر يدعو إلى احترام من ترشحهم القواعد، على أن تترشح الرؤوس الكبيرة في العاصمة. ولعل عودة »الحديث« عن الإرهاب، والترويج له وطنيا، إنما يراد منه »فرض القوائم العاصمية« على القواعد، والتصفيات للمناضلين الحقيقيين في الكثير من الأحزاب، لكن السؤال: لفائدة من تحويل تزويرات (1997) إلى »لا أمن« للبقاء في السلطة؟ ولصالح من يتحول »المجتمع المدني« إلى »طبالين« في عرس هذا الحزب أو ذاك؟. أذكر أن الوزير ڤيدوم قام بمجهود لإعادة تنظيم الجمعيات التابعة لوزارته، بحيث بعث بـ 14 أستاذا إلى فرنسا لـ »التدريب«، وعاد الأساتذة وقاموا بتدريب هذه الجمعيات على مستوى المعاهد الأربعة للوزارة في فيفري ومارس من العام الماضي، وقدمت الجمعيات في 47 ولاية ملفات للدعم وفق المنظور الجديد »دراسة جدوى« و»مشروع« وبرنامج. الملفات تكدست في الوزارة ولم تجد من يدرسها، وولاية العاصمة لم تشارك جمعياتها، لأنها تعلمت منطق »المساندة«. ولأن هناك مئات الملايير تضيع في دعم هذا الحزب أو ذاك، عبر المجتمع المدني، فقد فقد »الحس المدني« وجوده في الجزائر، وصار حسا تجاريا. لأن التداخل بين السياسي والمدني صار »همّ المسؤول« والتداخل بين »الجنائي والجنحوي« صار همّ المشرع، فلا السجن بقي سجنا ولا الحبس بقي حسبا، فالكل يهرول نحو »الفساد« ويسكن في »إقامات المفسدين«.
ما لا يقال: مطلقات الوزراءتاريخ المقال 18/02/2007عبد العالي رزاقي جيش من وزراء الحكومات المتعاقبة على الجزائر خلال 45 سنة، منهم أكثر من 30٪ من تقلد أكثر من حقيبتين وزاريتين، ومنهم من لم يغادر السلطة نهائيا، بالرغم من الانتقال من الأحادية إلى التعددية. هناك من انتقلوا من الوزارات إلى السفارات، من الوزراء إلى رؤساء حكومة، فسفراء، وهناك من وضعوا أرجلهم في موقع وزير ومدير في الوقت نفسه، أو اكتفوا بمناصب مدير أو ملحق بسفارة بعد أن كانوا وزراء. وهناك من كانوا وزراء في الحزب الواحد وسفراء مرحلة التعددية وصاروا اليوم مجرد أرقام تابعة لوزارات أو مؤسسات أو أجهزة. الكثير من الوزراء لا يحمل شهادة، والبعض منهم مسجل في الجامعة، وبالرغم من أن عدد الوزراء في المراحل الثلاث: أحمد بن بلة، هواري بومدين والشاذلي بن جديد متقارب ويشكل نسبة 6٪ في المرحلة الأولى، و8٪ في المرحلة الثانية، و11٪ في المرحلة الثالثة، فإن التضخم جاء بعد التعددية (92 - 2006) حيث بغلت نسبته 75٪. قصة الخليفة مع الوزراء! للخليفة قصص غريبة مع الوزراء فهم مجرد أرقام تنتظر "موقعا" لها في أجندته، والدليل هو أن الوزراء الذين استمعت إليهم رئيسة محكمة البليدة حاولوا التنكر للعلاقة التي تربطهم بهذا "الشاب الفرنكفوني" والتنكر حتى للأعمال التي قام بها الوزراء السابقون لهم، أو اللاحقون بعدهم. وبالرغم من تأكيد رئيسة المحكمة للوزراء والمسؤولين بأنهم مجرد "شهود"، فإن هناك من كاد أن يقول "خذوني". لو سأَلَت القاضية مدير الضمان الاجتماعي كم سكرتيرة وسائق تم ترقيته، بعد صب المال في بنك الخليفة، إلى درجة إطار سام (19) لربما اكتشفت لماذا سيدي السعيد وقع محضرا في غياب هؤلاء الأعضاء؟ ولو تدرك القاضية أن هناك 45 شخصا تقلدوا مناصب مدير بصناديق الضمان الاجتماعي، وهم لا يملكون "شهادة مدرسية واحدة" لاكتشفت حقيقة التزوير. لو كلفت القاضية فريقا من المحققين لمعرفة أسباب اختفاء بعض المكاتب لبعض الشهود أو المتهمين، ولو تم التقصّي حول أسباب اختفاء السيارات الفخمة من شوارع العاصمة، ومن الأحياء التي يسكن فيها الكثير من المسؤولين لربما اكتشفت حقائق أخرى. المؤكد أن الخوف من المثول أمام العدالة صار هاجسَ من في "بطونهم الڤرط"، كما يقول المثل الجزائري. والأكثر تأكيدا أن استدعاء رؤساء الحكومات السابقين، ربما يساعد العدالة في كشف المستور، لو كان هناك "متهم أو شاهد واحد" مقتنع بما يقوله أمام العدالة، لأغلق الملف في يومه الأول. أعتقد أنه من الخطإ عدم التعويض المادي للمتضررين من بنك الخليفة، لأن استقطابه لأكثر من مليون و800 ألف "حساب"، ولا أقول مواطنا، والاعتراف الرسمي في الجريدة الرسمية بهذا البنك، يعني أن "التزوير" كان في مكان أعلى. ومادام البنك موجودا والخطوط الجوية الجزائرية تؤجر طائراتها لخطوط الخليفة، وأن هناك أكثر من 10 وزراء تعاملوا معه مباشرة، فهل يحق لأي طرف: أن يستغرب صبّ الأموال في بنك الخليفة، بل إن الاستغراب الحقيقي هو لماذا لم يصب المستثمرون الخواص أمثال ربراب وشرفاوي وصحراوي وشعباني وعثماني ومهري وغيرهم أموالهم لدى وكالات بنك الخليفة؟. وزراء "المطلقات"! يقول أبوجرة سلطاني أمام قاضية محكمة البليدة بتاريخ 10 فيفري الجاري: "أنا الوزارة التي أغادرها اعتبرها مطلقة، ولا أتحدث عنها أو أرجع إليها ومنزيدش ندور فيها"، وهو في حكومة "وزارات مطلقة"، والبعض من الوزراء عاد إلى مطلقته أو عوضها بمطلقة جديدة. ومادامت الوزارات صارت مطلقات لدى بعض الوزراء، فمن حق المطلقة أن تطالب بـ(العدة)، إذا تعاملنا بالمنطق الإسلامي، وهو منطق قد لا يُخوّل للمرأة أن تنظر في "قضية تطليق وزاري". ما يؤسف له أن من مثلوا، كشهود، في قضية بنك الخليفة كانوا متمسكين بتوصيات محاميهم في الإدلاء بالشهادات، مما أعطى الانطباع بوجود "شيء" يراد إخفاؤه، فمحاولة تبرئة الذمة مما وقع يؤكد فرضية "عدم تحمل المسؤوليات". إن الفضل في اكتشاف المتلاعبين بعقول المسؤولين الجزائريين ممن لا يحملون الشهادات الجامعية، يعود إلى الثلاثاء 11 سبتمبر 2001، واجتماعات مجموعة "غافي" المكلفة بمحاربة تبييض الأموال التي اجتمعت أيام (29 - 31) أكتوبر 2001، ووزعت تقريرها على الدول السبع الصناعية. وحين تفتح العدالة ملف "أنتينيا للطيران" لصاحبها آرزقي إيجروادن، ستكتشف حقيقة ما يجرى في شركات طيران أخرى. ولا أدري ما الذي يجعل البرلمان بغرفتيه يلتزم الصمت والساحة حبلى بـ»الفساد«، والأرض خصبة لاقتناص أصحابها، ألا يعني هذا الصمت "تواطؤا"؟ عجائب الوزراء! من يطلع على ملف "خليفة تي.في" يفاجأ بالتناقضات، فقد بدأ البث من فرنسا دون ترخيص، وتدخل المجلس الأعلى للسمعي البصري الفرنسي لتوقيفه في 25 أكتوبر 2002، لكن "ضغوطا جزائرية" جعلته يرخص بالبث في 3 ديسمبر، وفي اليوم الموالي (4 ديسمبر) ترفض اللجنة المالية بالجمعية الفرنسية (البرلمان) إنشاء لجنة تحقيق، بسبب العلاقة التي كانت لـ»دومينيك دوفيليان« رئيس المجلس الأعلى للسمعي البصري والمعروف عن دومينيك أنه محسوب على الرئيس الفرنسي شيراك، فلماذا يربط عبد المؤمن خليفة الإجراءات المتخذة ضد بنك الخليفة بزيارة شيراك للجزائر في 3 مارس 2003؟ المؤكد أن التحقيقات الأمريكية والفرنسية وصلت إلى النتيجة وهي أن العملية لا يراد منها "تبييض أموال الإرهابيين" أو دعم المجموعات الإسلامية، وإنما تحويل الأموال نحو البنوك الأوروبية لدعم الاقتصاد الغربي. إن أسئلة رئيسة محكمة البليدة تبيّن مدى إلمامها بالموضوع، لكنها في النهاية، تصب في خلاصة واحدة أنه على "المواطن والمسؤول" ألاّ يثقا في القطاع الخاص حتى ولو كان "مُعيّنا" بمرسوم وصادر في الجريدة الرسمية. وأعتقد أنها كانت صادقة مع نفسها، فرجال الأعمال الجزائريون لم يودعوا أموالهم في "الخليفة بنك"، لأنهم كانوا يدركون الحقيقة. وعند تغيّب السلطة والرقابة يصبح كل مسؤول يتصرف في المؤسسة التي يديرها وكأنها "ملك والده". وعما تُغيّب "المهنية"، تصبح المسابقات الوطنية في الإذاعة والتلفزة وجميع مؤسسات الدولة تحت رحمة "بني وي وي"، فنحن في وسائل الإعلام الحكومية لا نعلم أهل المهنة التنافس داخل الأنواع الصحفية أو مجال المهنة، وإنما نعلمهم التنافس حول "الولاء والمساندة". ولهذا وصلنا إلى مستوى أن تنتقل "الإساءة" إلى رموز الدولة من الشارع إلى المؤسسات العمومية. وللحديث بقية...
ما لا يقال: هل كان بوتفليقة منفيا في مالي؟تاريخ المقال 11/02/2007عندما يجرؤ شاب مثل رفيق عبد المؤمن خليفة على الكذب على المباشر، بطريقة المعوقين لغويا، ويتطاول على تزوير تاريخ الجزائر، ولا يحرك أحد ساكنا، فهذا يعني أن التزوير صار "عملة وطنية". من وراء "هذا المحتال"؟ من يقرأ تصريحات رفيق عبد المؤمن في أسبوعية "المحقق" أو يومية "لوفيغارو" الفرنسية، يخيّل له أنه "رجل أعمال ذكي"، ومن استمع أو شاهد لقاءه مع قناة "الجزيرة"، يشعر بالغثيان، لـ"عاهته الاتصالية" و"لغته السوقية" و"سلوك المدمنين". المؤكد أن من يقف وراءه يمثل جهازا داخل السلطة الجزائرية، يريد "تشويه" صورة الرئيس بوتفليقة، بعد أن فشل في »فرض البديل«. فهذا عبد المؤمن يقول حرفيا: »بوتفليقة كان مع جماعة شبان من الجيش في الثورة، والدي كان في المخابرات، بوتفليقة وبلعيد عبد السلام حاولا الفرار عام 1958، وتم توقيفهما من طرف المخابرات المغربية. وصدر ضدهما حكم بالإعدام، لكن بومدين اتصل بالمخابرات وتم نفي بوتفليقة إلى مالي وظل هناك 4 سنوات«. وهذا الكلام متناقض، فقصة بلعيد عبد السلام مع المرحوم لعروسي خليفة (أنظر مقالي في الشروق 21 / 1 / 2007 - مسلسل الرئيس والخليفة) ملخّصها أن عبد السلام بلعيد رفض الالتحاق بمدرسة إطارات الثورة التي كان يديرها والد رفيق عبد المؤمن. وفضل تسليم نفسه للجنود المغاربة عوض جماعة بوصوف ولم تصدر الثورة حكما بالإعدام في حقه. ووجهة نظره هي أنه لا يثق في لعروسي، لأنه كان رئيس دائرة لدى السلطات الفرنسية ولم تتم محاكمته أو نفيه، كما يزعم رفيق عبد المؤمن. أما قصة ما يسمى بنفي بوتفليقة ومساعدية وغيرهما إلى مالي فهي مرتبطة بالحكومة المؤقتة التي ألقت القبض على »مجموعة لعموري« بتهمة التخطيط للانقلاب عليها، وجاءت بالعقيد هواري بومدين ليرأس المحاكمة، ووضعت العقيد أحمد بن شريف وكيل جمهورية (مغرقا). وقد تم إعدام المتورطين مباشرة في الانقلاب، بينما تم نفي بعض المتهمين ومنهم محمد الشريف، مساعدية وعبد العزيز بوتفليقة، كما يقول البعض. وهناك رواية أخرى تفيد بأن بوتفليقة عيّن سنة 1960 على رأس مجموعة في »الحدود الجنوبية لقيادة جبهة مالي التي تم إنشاؤها في إطار الإجراءات الهادفة إلى إفشال مخطط القوى الاستعمارية لتقسيم البلاد«. وقد وردت هذه الرواية في كتاب (التحدي) لخالد شايب. وإذا سلّمنا بهذه الرواية، فهذا يعني أن الولاية السادسة التي حاول جماعة عبان »تكريس وجودها« في مؤتمر الصومام، ووقعت وزارة المجاهدين في الخطإ حين أدرجتها ضمن الولايات المشاركة في مؤتمر الصومام 1956، هي مجرد »أكذوبة«. والرواية الكاملة لعملية الانقلاب يعود الفضل فيها إلى »المناضل الليبي سالم شلبك الذي كان يحسن البربرية، وكان لعموري في ضيافته... وأن لعموري عندما كلم جماعته بالهاتف في الكاف بتونس باللهجة الشاوية فهم ما قاله لهم«. ويضيف الرئيس علي كافي في مذكراته ص(218): »وعندما لاحظ وجود شيء يحضر قد يمس بالثورة تحرّك وأبلغ القيادات بما سمع، مما جعل القيادة في تونس تتبع اتصالات لعموري، وتلقي القبض عليهم«. وباعتبار أن العقيد أحمد بن شريف ما يزال حيّا، وسبق لي وأن انتزعت منه اعترافا منشورا في منبر أكتوبر، وأن عقيلة الرئيس هواري بومدين رفعت دعوى لدى القضاء الفرنسي ضد مضمون الحوار، فأعتقد أن قصة جماعة لعموري لا تحتاج إلى الخلط مع قصة بلعيد مع لعروسي، والنفي كان عام 1959، وقضاء أربع سنوات في المالي يعني أنه لم يكن في الجزائر بعد استرجاعها للاستقلال ولم يكن وزيرا للشباب وهذه أكذوبة على المباشر. يبدو لي أن »الإبن الضال« يجهل تاريخ والده، ولهذا وصفه بـ»الشيوعي«، اللهم إذا اعتبر زواج لعروسي من فرنسية قبل أمه البجاوية يضعه في خانة الشيوعيين؟! وما استغربته أكثر أن بعض »لجان المساندة« لبوتفليقة تبرأت من انتماء »الإبن الضال« إلى ولايتهم، وكأن بوتفليقة رئيسا لفئة دون أخرى. لو كانت اللجان المكلفة بـ»تسويق صورة الرئيس« تحترم نفسها، ولو كان هناك من حاشية الرئيس من الكتاب والمفكرين والمؤرخين من يحترم نفسه، لاستقال لأنه لم يحرك ساكنا إزاء تزوير مفضوح لتاريخ مايزال رجاله أحياء. ولو حدثني المرحوم لعروسي عن وجود بوتفليقة إلى جانب بلعيد عبد السلام، أثناء جلساتي المطولة معه، لنشرت ذلك قبل أن يصرح به ابنه. وأعتقد أن من يزوّر التاريخ إنما يقتل في نفسه انتماءه لوطنه فالتاريخ لا يستطيع أحد أن يخفيه. ولهذا، أتعجب من محاولة تشويه بوتفليقة تاريخيا وممن يقفون وراء ذلك، بعد أن قاموا عبر امبراطورية الخليفة بتبييض أموالهم؟ بوصوف ولعروسي و"رجال المالغ"! لماذا عيّن عبد الحفيظ بوصوف لعروسي خليفة مديرا لمكتبه وهو القادم من أهم »وظيفة« في السلك الإداري الفرنسي؟ المؤكد أن لعروسي ليس من الـ40 ضابطا جزائريا القادمين إلى الثورة من القوات الفرنسية من فرنسا وألمانيا، وليس من دفعة »سوستال« ولا »لاكوست« التي كانت تخطط لإجهاض الثورة من الداخل. والأكثر تأكيدا، هو أن بوصوف لم يخطئ في الاختيار، لأن لعروسي وفيّ لقائده، مثلما كان »هذا الشبل من فصيلة والده« وفيّا لمن يقفون خلفه، في القيام بدوره في »إلصاق التهم وإطلاق الأوصاف« على غيره. لقد رأى بوصوف في لعروسي »الطاعة العمياء لأوامره« وهو منطق »المالغ« خلال الثورة، »الغاية تبرر الوسيلة« أو كما جاء على لسان »الأمير« المكيافيلي. والأهداف المحددة هي كيفية الوصول إلى »قلب العدو« دون خسائر، ولأنّ فرنسا كانت تعتبر الجزائريين فرنسيين، وأكثر مواطنة من المغاربة في المغرب العربي، فقد جاء تعيين لعروسي على رأس مدرسة إطارات الثورة، فهو خريج المدرسة الفرنسية وآلاف الطلبة ممن التحقوا بالثورة تلبية لنداء 19 ماي 1956 كانوا في حاجة إلى أضواء، خاصة وأن أغلبهم ليسوا من مدرسة »حزب الشعب«. ولما كانت شخصية بوصوف »متفرّدة« فهو يفضل التعامل مع الجميع دون تمييز، فإنه اختار لعروسي ليكون مقرّبا منه. أذكر أن بوصوف سُئِلَ ذات مرة عن سبب إجبار شيوخ جمعية العلماء المسلمين ورؤساء الأحزاب ممن التحقوا بالثورة عن طريقه، بارتداء »اللباس العسكري«، فأجاب: »...حتى يدخلوها كما خلقتهم أمهاتهم«. ولعروسي لم يلبس في حياته اللباس العسكري، بالرغم من أنه كان مدير »مدرسة عسكرية«، لأنه لم يكن يملك رتبة عسكرية، ولكنه لبسه عام 1962 في تونس، كما روى لي شهود عيان مايزالون أحياء. عندما ترفض توقيعات رئيس! الكثير ينتظر رد فعل الرئيس إزاء تصريحات رفيق عبد المؤمن، كما ينتظر الكثير »التغيير الحكومي«. والواقع أن الكثيرون يخطئون حين يراهنون على التغيير في الحكومة، لأن الحكومة لا وجود لها في منطق الرئيس وأغلب الوزراء استمع إليهم، والبعض كان المفروض أن يستقيلوا بعد أن »بهدلهم« أمام الرأى العام الوطني. والبعض الآخر، كان المفروض أن يقدموا استقالتهم بعد أن تحولوا شهودا في »مسلسل البليدة« أو يتوقع أن يصيروا متهمين. المؤكد أن عدم اعتراف الرئيس بالغرفتين له ما يبرره، والدليل أنه حتى الآن لم يكمل تعيين طاقمه من »الشيوخ« من مجلس الأمة. والاعتقاد السائد عندي، أنه فضل عدم مخاطبة النواب أو اللقاء مع الصحافة الجزائرية، لأنه لا يؤمن بوجود »نواب« ولا »صحافة«، لأن بطاقات الحصانة لدى نواب الغرفتين مرفوضة في البنوك الجزائرية، والكثير من المؤسسات العمومية مثلها مثل جواز السفر الجزائري. وإذا لم تستمع العدالة إلى من تسلم السيارات المصفحة، التي يقول عبد المؤمن إنها في حظيرة الرئاسة، وإذا لم يتم استدعاء »وكالة القليعة« وجميع وكالات القطر الجزائري التابعة لبنك الخليفة، فإن ملف الخليفة سيكون ورقة في أيدي »الأجانب« لتوظيفها لصالحهم في الابتزاز، والتطاول على الدولة الجزائرية.
ما لا يقال.. شحاذو تذاكر!تاريخ المقال 04/02/2007عبد العالي رزاقي هل يكرر التاريخ نفسه؟ وما الفرق بين حكام الوطن العربي من عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم؟ ولماذا يتجدد الصراع بين الأمويين والعباسيين، في كل عصر، وأي مستقبل لوطن عربي يتمسك بسنّة أزلية وهي كلما دخلت أمةٌ لعنت أختَها حتى يداركوا فيها جميعا دينا وآخرة، وما علاقة صورة الماضي الدموي بالحاضر الأكثر دموية وانهزاما؟ البويهيون قادمون!؟ حافظ الأمويون خلال تسعين سنة (660 - 749) على أصولهم العربية، فقد تداول على الخلاقة 14 حاكما من أب وأم عربيتين، وتراوح حكم الخلفاء ما بين 20 سنة (معاوية بن سفيان) وأربعين يوما (معاوية الثانية) وأربعة خلفاء فقط قتلوا، في حين أن خامسهم مات حزنا على جارية أحبّها وهو يزيد بن عبد المالك. ومع ذلك انتزع العباسيون منهم الخلافة ودام حكمهم 196سنة (750 ـ 946)، تداول على الخلافة 22 خليفة قتل منهم 12 خليفة بطرق مختلفة. والمفارقة، كما يقول سليمان فياض في كتابه "الوجه الآخر للخلافة الإسلامية"، "ومثلما كان خلفاء بني أمية يلعنون عليًّا والعلويين من فوق المنابر، راح العباسيون يلعنون معاوية والأمويين على المنابر"، والمفارقة الأكثر غرابة هي أن روح الانتقام العباسي دامت تسعين سنة وهي الفترة نفسها التي دام فيها حكم الأمويين. والأمويون والعباسيون، في الوقت الراهن، يمثلان المعارضة والسلطة أو التداول "غير السلمي" على السلطة في الوطن العربي. وإذا كان البعض يعتقد أن الخلفاء الراشدين كانوا يؤسسون لمفهوم الشورى، وأن الأصل العربي حافظ عليه الأمويون، فإن هناك من يعتقد أن العباسيين أكثر تمسكا بـ"الخلافة داخل البيت الهاشمي" وأكثر انفتاحا على بقية الأعراق والثقافات. والخلافة منذ ميلادها لغاية سقوطها على أيدي العثمانيين كان أبو جعفر المنصور الأكثر فهما لها حين قال: "إنما أنا سلطان الله في أرضه". والنظام العربي بشتى أشكاله وألوانه، كان له شبيه في تاريخ الخلافة وهو "العهد البويهي" خلال الخلافة العباسية، حيث صار الخلفاء في أيدي "ملوك بني بويه" يجلسونهم على العرش متى شاءوا ويعزلونهم متى شاءوا، ويلبسونهم "بردة الرسول"، ويخاطبونهم بـ(لقب أمير المؤمنين) ويضعون أمامهم مصحف عثمان. ويبدو لي أن الإمبراطورية الأمريكية تمثل حاليا صورة »العهد البويهي«، فهي التي تعيّن الرؤساء والملوك والسلاطين والأمراء والزعماء. الوجه الآخر لـ"النظام السياسي العربي" هل يستطيع وال أو وزير فشل في تأسيس »بيت عائلي« أن يسيّر شؤون غيره؟ وكيف يستطيع من لم يتحمل مسؤولية أسرة أو عائلة أن يتحمل مسؤولية مجتمع. حين واجهت "الصين الشعبية" الكثافة السكانية سنّت قانون تحديد النسل، يلزم الزوجين بوضع مولود واحد سواء كان ذكرا أو أنثى، فاختفت ظاهرة الأخ والأخت والعمومة والخؤولة، وحين أرادت أمريكا إشراك المجتمع في اتخاذ القرار فتحت المجال أمام "ربّ أو ربة الأسرة" الصالحة لتولى المسؤوليات، ولكننا في الجزائر تجاهلنا شروط قيام الأسرة، وبناء العائلة، وتأسيس المجتمع. فالرئيس الأسبق أحمد بن بلة تزوج في السجن والرئيس الراحل هواري بومدين تزوج بعد أن فرض عليه "الأمر الواقع" ذلك. وعباسي مدني كاد أن يشرد عائلته، لأن السجن فرض عليه زوجة جديدة. ولأن المسؤول الجزائري تعوّد العيش في الفنادق، أو السجون أو الثكنات أو المنافي، فإنه بمجرد أن تسلم زمام السلطة اختار "إقامات الدولة"، والبعض حوّلها باسمه حين قام بتأسيس أسرة، وحتى الذين كان لهم الحظ في بناء أسرة ودخلوا معترك السياسة فضلوا الإبقاء على زوجاتهم في البيوت، بحيث تساوى اللائكي مع الوطني والإسلامي. وعندما حاول نورالدين بوكروح بناء صورة لـ"السياسي الجزائري" باصطحاب زوجته في حملته الرئاسية 1995 فإن رد الفعل الشعبي كان سلبيا. وإذا استثنينا الشاذلي بن جديد، فإن بقية رؤساء الجزائر كانوا يفضلون عدم ظهور زوجاتهم في المواعيد الرسمية والأماكن العمومية. والمفارقة أن زوجات الرؤساء والوزراء تفضّلن الظهور بعد رحيل أزواجهن. المطلوب: إقامات دولة لا دولة إقامات!؟ لو أن السلطات الجزائرية قامت ببناء إقامات دولة بمرافقها، لما تم الاستيلاء على الأملاك العمومية. فلو كان للرئيس إقامة رسمية يسمح للمواطنين بزيارة مرافقها، مثلما هو الحال بالنسبة للإقامات في الدول الديمقراطية الغربية. ولو كان لوزراء السيادة مثل العدل والخارجية إقامات أو لرئيس الحكومة، لأصبح التداول على السلطة والإقامة واضحين. لكن ما حدث هو اختفاء الأملاك العمومية التابعة لكثير من الوزارات، ولو أن كل وزير يسلم في محضر رسمي ممتلكات وزارته لمن يخلفه، لما بيعت مكتبات وزارة الثقافة ومقرات ديوان السينما فوغرافية وتحولت قاعات السينما إلى "قاعات أعراس". وحين تسمع بعض الندوات التي يقيمها بعض الوزراء تتأكد أنهم يصلحون لكل شيء إلا لأن يكونوا وزراء "الدولة اليتيمة" التي حولها جاهل عبر شركات مزيفة إلى حظيرة له، بحيث صارت وزارة الثقافة تستجدي به ليدفع أتعاب الفنانين، وفي مقدمتهم النجم العربي عادل إمام، ويتحول كتابها إلى "قطيع" تسافر به إلى الأقطار العربية إحدى تاجرات العقار. لو اقتدى الرؤساء عندنا بما فعله الرئيس علي كافي حين طلب تقريرا مفصلا لكل أملاك الرئاسة، ولو احترمت الحكومات الجزائرية ما تعهدت به وهو التصريح بممتلكات أعضائها، لما صار وزراؤها "شحاذي تذاكر" في مكتب عبد المؤمن خليفة. يبدو لي أن إصلاح الدولة يبدأ بشراء طائرات رئاسية، وسيارات حتى لا يتكرر ما حدث في القمة الإفريقية الـ35 التي لجأت فيها الرئاسة إلى "الاستنجاد" بسيارات الخواص، وحتى لا تحجز بعض الطائرات بضعة أسابيع من أجل تهيئتها لسفر الرئيس. وحين ترى سيارة رئيس دولة غير بترولية أفضل من سيارة رئيس دولة مثل الجزائر تتساءل: "هل هو التقشف أو عدم التقدير للمنصب". وحين ترى الوفد المرافق للرئيس وهو يركب طائرة شبيهة بطائرات الشحن، تتساءل: هل هؤلاء جنود أم إطارات؟. أعتقد أنه آن الوقت للاهتمام بتجهيزات الرئاسة من طائرات وسيارات وأنه من حق بوتفليقة، كمواطن، أن يسكن الشقة التي هي ملك له، ولكنه كرئيس جمهورية مجبر على الإقامة في المكان الذي يليق بالمنصب. وبناء إقامات لرئيس الحكومة ووزراء السيادة يوفر للدولة الاستقرار، ويعيد الاعتبار للمنصب، ويطوي "صورة الماضي البئيس" لنظام الحكم في الجزائر.
ما لا يقال : ما بعد الخليفة؟!تاريخ المقال 28/01/2007عبد العالي رزاقي يتساءل الكثير عن "الحدود" الموضوعة لما يسمى ـ "محاكمة القرن"، وهل تنتهي المحاكمة بملفات "بنك الخليفة" أم أنها تتواصل بفتح ملفات شركات الخليفة البقية؟ وهل تبقى في حدود القطر الجزائري أم أن إطارات الدولة ستستمع إليها عدالة دول أخرى؟. صحيح أن فضيحة "الجنرال خالد نزار" في عدالة فرنسا كانت درسا لأصحاب القرار، ولهذا لا يستطيعون المغامرة خارج الجزائر بغير المطالبة بـ "رأس عبد المؤمن". ولكن ما هي حدود "الممكن" و"المستحيل في الفضائح المالية المحالة على العدالة الجزائرية"؟. الملفات المخفية؟! يقول العارفون بـ "خفايا الخليفة" إن العدالة وضعت استراتيجية تستند إلى ثلاثة محاور وهي: أولا: "التأسيس للبنك"، وقد تبين من استجواب رئيسة المحكمة للمتهمين والشهود بأن عبد المؤمن خليفة لم يقم بالتأسيس القانوني للبنك، وهو ما جعل الثير يتساءل، هل يعود ذلك لـ "ذكائه" أو "غبائه" أو أن هناك أطرافا كانت تسعى لتوريط عبد المؤمن وطاقمه في "التزوير"، ويحاول البعض تبرير ذلك بالمستوى المتدنى "لمحيطه البنكي". ثانيا: الاعتماد، وسيبقى سرا في ملف عبد الوهاب كرمان أو وزارة المالية. وتبقى مسؤولية وزارة المالية كبيرة كهيئات رقابة. ثالثا: كيفية الحصول على الأموال وكيف تم صرفها. وإذا استثنينا القرض الذي سلّمه بنك التنمية المحلية لعبد المؤمن لاستيراد عتاد أدوية، فإن السؤال يبقى من أعطى الأوامر بصب أموال الدولة والشعب في بنوك الخليفة. المؤكد أن وزارتي السكن ممثلة في الدواوين العقارية الوصية عنها، ووزارة العمل والضمان الاجتماعي الممثلة في الصناديق التابعة لها، وبقية الشركات العمومية والقطاع الخاص هي التي شكلت "ميزانية البنك"، لكن السؤال يكمن في "الثغرة المالية"، وفي اختفاء المال، والعدالة ستتابع كل من أعطى الأوامر لصب المال في خزينة الخليفة لقاء امتيازات، لكنها يصعب أن تصل إلى "الرؤوس الحقيقية"، ما لم تفتح ملفات شركات الخليفة السبعة، وتستمع إلى الوزراء والشخصيات المعنية بالملف. أربع حكومات وفضيحة مالية! بدأ ملف الخليفة في عهد أحمد أويحيى، حيث تأسّس البنك وأخذ الاعتماد، وجاء بعده اسماعيل حمداني، وبالرغم من أن مهمته هي انتخابية، إلا أنه يصعب إلغاء فترته، وخلفه أحمد بن بيتور، ولا أعرف كيف لم ينتبه إلى ذلك، وهو الذي سلمت له قائمة بأسماء الوزراء، دون أخذ رأيه فيهم، وقبل بذلك؟. أما علي بن فليس فإنه هو الآخر يتحمل المسؤولية، خاصة إذا أدركنا أن بوتفليقة صرّح في مطار باتنة عام 2002 بما معناه بأن "طائرة الخليفة... طائرة بندية"، وعودة أحمد أويحيى إلى رئاسة الحكومة دون فتح الملف والانشغال بتجديد عهدة الرئيس دون حماية المال العام يؤكد حقيقة واحدة أن الفضائح المالية لا يتحمل أصحابها المسؤولية وحدهم، وعلى الجهات الوصية الوزراء ورؤساء الحكومات ومديري المؤسسات تحمل مسؤولياتهم كاملة. والمؤكد أيضا أن هذا الأسبوع سيعرف مفاجآت كبيرة لأن العدالة ستستمع إلى أصحاب الأوزان الثقيلة من السياسيين والنجوم. ويبدو لي أن الكفاءة العالية التي تتمتع بها رئيسية المحكمة من خلال الاستراتيجية التي اتبعتها في المراحل الثلاث من محاكمة المتورطين في »البنك« ستمكّنها من التعامل بقوة مع بقية الملفات المتعلقة بشركات الخليفة. ويقول المقربون من "الائتلاف الحكومي" إن قادة الأحزاب الثلاثة، جبهة التحرير، الأرندي وحمس، يكونون قد اطلعوا على ملف الخليفة قبل إحالته على العدالة، وأن تصريحات أبو جرة سلطاني التي أثارت غضب الرئيس بوتفليقة هي ناجمة عن "خيانة ثقة" بين أحزاب الائتلاف. ولا تستبعد أطراف مطلعة بأن عبد المؤمن الذي يعيش حاليا »حالة إدمان متواصلة« قد يفاجئنا بتصريحات ومعلومات قد تعقد القضية. ما نستطيع تأكيده أن الجزائر سارعت إلى فتح ملفات الفساد والفضائح المالية في الجزائر حتى لا يتم فتحها في الخارج، ويتوقع المراقبون أن يكون ملف "بي. أر. سي" أكثر الملفات غرابة، لأنه يحمل الكثير من المفاجآت خاصة وأن الشركة مختلطة، و"رائحة الفساد" تطال مسؤولين كبارا. التلاعب بالأرقام؟ أكثر من 16 ألف متهم في قضية العقار الفلاحي على مستوى العاصمة فقط، وأكثر من 3000 ملف جمركي لتصريحات مزورة في القيمة والكمية والنوعية، وأكثر من 1323 مليار سنتيم ما تزال في انتظار فضيحة البنك التجاري الصناعي، إلى جانب عشرات ملفات البنوك الجزائرية ومؤسسات الدولة وقطاعات المال العام، وفضيحة »القرن الثانية بي. أر. سي« أو شركة »براون روث أندر كوندور« ما تزال لغزا، لأن حلها يقتضي موافقة الطرفين، ومتابعتها قضائيا تقتضي »مراعاة« موقعها الدولي، فهي تمس بـ »مستقبل ديك شينى« نائب الرئيس الأمريكي. ومع ذلك، فرئيس الحكومتين السابقتين، في عهدي اليامين زروال وبوتفليقة، والذي بدأت في عهده »امبراطورية الخليفة« يقول »إن قضية الخليفة عادته وتحدث في كل بلدان العالم«، ويحاول تحميل مسؤوليتها مولود حمروش الذي قاد إصلاحات اقتصادية قبل أن يولد أو يحيى على أيدي رضا مالك، ويلتحق برئاسة الجمهورية ويفشل أول خطوة نحو المصالحة الوطنية عام 1995. وأذكر أن وزيرا في حكومة سابقة، تعلّم لغة الأرقام من أحمد أويحيى، التقى مدير شركة اتصالات عربية، وحين حدثه عن وجود 35 ألف خط سريع لمتعاملي الأنترنت، لم يجد طريقة للتباهي عليه سوى القول بأن في الجزائر 45 ألف خط، وهو يدرك أن الشركة الجزائرية المتعاملة بهذه الطريقة تتعامل مع وزارته ولا يوجد عندها أكثر من 3500 خط! والحق يقال إن الحديث بالأرقام في الجزائر، باستثناء في مجال تسديد الديون، هو مجرد تضليل إعلامي، فهل يعقل أن تتقلّص البطالة في الجزائر من 30٪ عام 1999 إلى 15٪ عام 2005، وإلى 9٪ عام 2009، والجامعات الجزائرية تدفع سنويا بـ 200 ألف حامل شهادة جامعية إلى الشارع؟. يخيّل لي أن من يتحدثون بالأرقام عن "الواقع الجزائري" هو كمن "يبيع الماء في حارة السقائين"، وأذكر هنا تصريحا لأحد "الحراڤة" الناجي من الموت في الإذاعة الوطنية حول سؤال: هل تكرر المغامرة؟، قال بالحرف الواحد "سأكررها، فالأفضل أن يأكلني الحوت على أن يأكلني الدود"، فإذا كانت الأرقام الرسمية تشير إلى ارتفاع نسبة من هم أدنى من خط الفقر في الجزائر خلال فترة (1999 - 2005)، فهل يعقل أن تنخفض نسبة البطالة؟! الاعتقاد السائد عندي أن هناك أطرافا في السلطة وخارجها »تتلاعب بالأرقام«، بهدف »ذر الرماد في العيون«، وإخفاء الحقائق، وأولها هي الفساد الذي صار عملة يتداولها كل من يلتحق بالمسؤوليات على جميع المستويات. والسيارات التي منحها »بنك الخليفة« لمن أمروا بإيداع الأموال عنده، ستبقى شاهدا على تورط الكثير، إلى جانب المشاركين في حفلات الخليفة داخل وخارج الجزائر. لقد قضى مسلسل الخليفة على »الجزائر عاصمة الثقافية العربية«، وترك سؤالا محيّرا: ماذا لو نفتح الملفات المتعلقة بالحفلات الاستعراضية التي أقيمت في القاعة البيضوية وملعب 5 جويلية؟ وماذا لو نفتح ملفات المعارض والمناسبات؟ المؤكد أن »الثغرة المالية« الموجودة في ملف بنك الخليفة ستصير »قطرة في بحر« !؟ وللحديث بقية.
ما لا يقال: مسلسل الرئيس والخليفة؟تاريخ المقال 21/01/2007عبد العالي رزاقي محاكمة الخليفة تطرح الكثير من التساؤلات بسبب العدد الكبير ممن استمعت إليهم العدالة، أو الشهود أو المتهمين. وإذا كان البعض يحاول تسييسها فإن البعض الآخر يتخوف من أن يكون ضحاياها من رجال الأعمال والساسة ونجوم الرياضة والفن وحتى مسؤولي المؤسسات الإعلامية. فمن هو الرئيس الذي كانت تحضره الخليفة لرئاسيات 2004 لمنافسة بوتفليقة، وكيف جاءت الفكرة ومن يقف وراءها؟ الوجه الآخر للخليفة؟ حين تأكد البعض ممن لهم علاقة بالخليفة بأن بوتفليقة سيضمن عهدته الثانية حدث شرخ في امبراطورية الخليفة، وبدأت سفينة عبد المؤمن تبحث، في كل الاتجاهات، عن منقذ لها، أوعز للبعض بسحب الأموال التي يراد تبييضها، وأوعز للبعض الآخر بـ»تسديد الديون» واسترجاع «قصاصات الأوراق» التي وقعوا عليها أثناء استلامهم الأكياس المملوءة بـ»أموال خزينة الدولة» كان الهمّ الأكبر لمن يقفون وراء الخليفة أن تكون أرجل الأخطبوط ممتدة إلى قطاعات الدولة. والمؤسسات الدستورية ووسائل الإعلام. ولهذا أدرك الأخوان كيرمان أن المثول أمام العدالة سيكرر مأساة سجن أحدهما، فلم يحضرا حتى لدفن أختهما، وقبل مغادرتهما الجزائر منذ بضعة أشهر اتصل أحدهما بشخصية نافذة في السلطة ليطلب «ضمانات» للبقاء والادلاء بالشهادة في الحدود التي قد ترسم له، لكنه تفاجأ بـ»خيبة أمل»، لأن من استقبله قال له: «ستأخذ العدالة مجراها»، وربما لم توضع تحت الرقابة القضائية بالرغم من وجوده في قائمة المتهمين لتسهيل مهمة مغادرة الجزائر. ويظهر من الرسالة المنشورة في الصحافة كيف حاول تسييس «محاكمة الخليفة». ماذا لو كان لعروسي حيّا؟ حين التقيت، لأول مرة، بالمرحوم خليفة لعروسي، والد عبد المؤمن، في فيلته بحيدرة، كان ذلك في سياق سلسلة أحاديث صحفية لمعرفة خلفيات الانقلابات العسكرية والسياسية في الجزائر. واختياري لعروسي سببه ما قاله حول بلعيد عبد السلام، وما قاله هذا الأخير عنه. فخليفة لعروسي كان مدير لمدرسة إطارات الثورة بالمغرب حين رفض عبد السلام بلعيد التدريس فيها. وإذا كان التبرير هو أن لعروسي كان رئيس دائرة في عهد فرنسا، فإن بلعيد عبد السلام زعم عام 1993 بأن من عيّنه على رأس الحكومة في عهد علي كافي، هم من قاموا بتوقيف المسار الانتخابي، وهذا يعني تمجيد ما يسمى بـ(ضباط فرنسا)؟ كان لعروسي متّهما بالمشاركة في المحاولة الفاشلة للانقلاب الذي قاده العقيد الطاهر الزبيري ضد العقيد هواري بومدين بعد عامين من انقلابه على الرئيس أحمد بن بلة. وأسرّ لي، بحضور زوجته، أنه عُذّبَ في السجن. ويبدو أن «المتابعة الأمنية» لفرحات عباس أو ما يسمى بـ(كاب سيغلي) التي قادها محمد بن يحي ضد بومدين وانتهت بالقبض عليه في عهد الشاذلي بن جديد كانت ذات أثر سلبي على خليفة لعروسي. كانت عائلة خليفة تحمل الكثير من «الحقد» على «جماعة وجدة»، بالرغم من أن الوالد من جماعتها بـ(المالغ). ارتباط اسم لعروسي خليفة برموز المعارضة كان دافعا لأن يجد «أعداء المرحلة البومدينية» في عائلته المتحمّسة للتجارة «طعما» للاصطياد في المياه العكرة، وإنشاء امبراطورية تتطيح بعودة رموز «المرحلة البومدينية» إلى الحكم ممثلة في وزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة، الذي انتصر، في عهدته الأولى لمنطقة «تيزي وزو» على حساب منطقة بجاية. ما لفت نظري، خلال الجلسات التي أجريتها مع الوالد، هو الاهتمام المتزايد للزوجة بضرورة إعادة الاعتبار للعائلة التي ظلمت في عهدي بومدين والشاذلي. وتبيّن لي أنها متحمّسة، وهي بجاوية بينما هو صحراوي همّه الوحيد أن يتذكره زملاؤه، وهو الحماس نفسه الذي كانت عليه إثر ميلاد «امبراطورية الخليفة». وهو الطائر الأزرق الذي يجسد تطلعات منطقة من المناطق نحو المرادية. الممثل المرفوض للمنطقة القبائلية! كانت الحركة البربرية تنمو باتجاه المرادية، بعد أن تخلصت «تاقارة» منها حين رفض آيت أحمد الدخول في «الصفقات» المتعلقة بتعيين الرؤساء. وإذا كان أحد رجال أعمال المنطقة قد استطاع أن يطيح بعبد السلام بلعيد، لأن مشروعه التقشفي كان امتدادا لمشروع الراحل هواري بومدين، فإن البديل كان في «المخبر» يحضر لأن يكون ممثلا للمنطقة القبائلية، لكن ظهوره عام 1995 تحول إلى حاجز ما بين الرئيس اليامين زروال والعروش، بالرغم من دوره الريادي في «طيّ ملف الإسلاميين». فالتيار القبائلي، الذي كان يسعى لإقامة تحالف مع «التيار الشاوي»، سرعان ما تكسّر على صخرة أحمد أويحي الذي كان يريد أن يبقى «الممثل الشرعي» للتيار القبائلي ولو كان ممثلا مرفوضا من عروش المنطقة. وحين تأكد «التيار البربري» بأن رحيل محمد بوضياف كان «ضربة قاضية له»، لأن حلم سعيد سعدي صار بعيدا عن قصر الحكومة. كان تيار «تلمسان» في أوج صعوده بتبنّي بوتفليقة مشروع «المصالحة الوطنية» الذي فشل بعد الإطاحة بحكومة بن يوسف بن خدة عام 1962، وبدأ التخوف من أن يتكرر سيناريو ما بعد استرجاع السيادة وإقصاء الولايتين الثالثة (المنطقة القبائلية) والولاية الرابعة (جماعة يوسف الخطيب). لكن بوتفليقة فتح الحكومة لممثلي التيار الإسلامي (الولاية الرابعة) ولمثل التيار البربري (الولاية الثالثة). اعتبر التيار البربري وجوده في حكومة «غير كافٍ» وأن بوتفليقة، بالرغم من اعترافه بالأمازيغية لغة وطنية، لا يستطيع أن يحقق حلمهم في الوصول إلى «المرادية» الذي كان «قاب قوسين أو أدنى» في عهد بوضياف أو المجلس الأعلى للدولة. كانت الأحداث في المنطقة القبائلية، تتجه نحو المواجهة مع السلطة، ولكن «التجاهل» الذي تعاملت به السلطة مع الأحداث فتح الأبواب أمام الصراع بين القبائل الكبرى والقبائل الصغرى، بالرغم من أن «لائحة القصر» كانت تمثل القطرة التي أفاضت الكأس. انسحب التيار البربري من الحكومة ليدخل «سوق الاقتصاد» . الفكرة: سلطة المال والإعلام والعلاقات؟ وجد البعض من التيار البربري في مولود «الخليفة» موردا ماليا لدعم المشروع، خاصة وأن زوجة المرحوم لعروسي، والدة عبد المؤمن، كانت أكثر ميلاً للقبائل الصغرى. التفّ التيار البريري، بكل مكوناته ومفرداته وفئاته حول «المولود الجديد»، وبدأ بالرعاية لمختلف أنشطة الدولة، بما فيها اللقاءات التي كانت تجمع رجال الأعمال ورجال الفن داخل وخارج الجزائر بالرئاسة. كان المشروع هو التسلل إلى مفاصل الحكم في الجزائر، بالهدايا وشراء الذمم، وتمويل المشاريع والقروض الوهمية. كبرت «المؤسسة ـ المشروع» تجاريا واقتصاديا ومصرفيا وإعلاميا، وصار الكل يتقرب من «حكومة عبد المومن الخليفة». تراجع التيار البربري سياسيا وشعبيا وتوسع أفقيا عبر الاقتصاد والمال، والهيمنة على سوق العمل. وكانت الخطة تقتضي «هيمنة اقتصادية وإعلامية» للبدء في تنفيذها. طيران الخليفة كان نموذجا للطيران الأوروبي والبنوك في تعاملها مع الزبائن تجلب المزيد منهم بتجاوزها لـ»البيروقراطية». بدأت خطوط الطيران الجزائري تتراجع، وسمعتها تنهار، أصبحت «أنتينيا» التي اشترتها الخليفة هي المؤهلة للنزول في مواقع الشحن في فرنسا. صار «مشروع بوتفليقة» يتراجع، فهو يقضي أوقاته في الطائرات والخارج والخليفة يكبر في الداخل والخارج. ومن استفادوا ماليا من الفترة (92 - 1997) وجدوا في الخليفة منقذاً لهم لتبييض الأموال، ومن يريد الوصول إلى الحكومة أو المرادية مجبر على المرور عبر امبراطورية الخليفة. وكان من يقفون وراء الخليفة من أصحاب القرار ينفخون في «بالونة الامبراطورية» لترفع في سماء الجزائر والعالم، دون أن يجدوا «البديل» عن بوتفليقة الذي يمثل لهم «الثورة بكل مكوناتها»، وهم يمثلون «المستقبل المتوسطي» بكل مكوناته. كان الإجماع في الجزائر على أن هناك تحالفا بين «التيار التلمساني» و»التيار الشاوي»، وكانت ثقة بوتفليقة في علي بن فليس غير محدودة، وأسراره كلها مدفونة عنده. وبدأ التفكير في كيفية الفصل بين بوتفليقة وعلي بن فليس الذي كان يعلق صورة بوتفليقة في مكتبه في جبهة التحرير الوطني، وهو الأمين العام للحزب. إذا كان الفضل في ظهور علي بن فليس يعود إلى المرحوم قاصدي مرباح، الذي عيّنه وزيرا للعدل، فإن الفضل في اكتشاف «التيار البربري» لعلي بن فليس يعود إلى بوتفليقة الذي كلفه بالتفاوض مع «عروش علوش». انفجار بالون الخليفة في سماء العاصمة! أدرك تيار تلمسان أن الخليفة صار يمثل خطرا على البلاد، وعوض أن يفتح «تحقيقا قضائيا» حول المؤسسة مع الإبقاء عليها، لجأ إلى «التصفية»؟ ضحت السلطة بـ15 ألف عامل وملايين الزبائن من أجل أن تمحو آثار «إمبراطورية» كان هدفها الوصول «إلى المرادية»، بـ»التلاعب» بأموال الدولة، وتحطيم المؤسسات الدستورية. وجاءت المحاكمة لتنهي خلال شهر ملفّا يبقى مفتوحا أبد الدهر. امبراطورية للضغوط على الجزائر! حين تأكدت أمريكا بأن امبراطورية الخليفة دخلت مرحلة الدفن، تحركت نحو استنطاق عبد المؤمن لأكثر من 40 ساعة، لأخذ المعلومات المتعلقة بالشخصيات التي تعاونت معه. كما قام عبد المؤمن برفع قضية ضد الجزائر، في أروقة العدالة البريطانية، مما يجعل من الصعب تسليمه للجزائر ما لم يصدر حكم قضائي بريطاني، وتحاول فرنسا توظيف ورقته هي الأخرى للضغط على الجزائر. صارت الجزائر رهن ضغوط أمريكية ـ بريطانية ـ فرنسية بسبب «امبراطورية الخليفة»، ولعل هذا ما دفع بالرئيس بوتفليقة إلى «حل الشركة الأمريكية الجزائرية» قبل أن تصير في خدمة جهات أجنبية ضد «سوناطراك» و»تاقارة». وفي تقديري الشخصي، فإن إقناع «التيار البريري علي بن فليس» بالترشح ضد بوتفليقة في رئاسيات 2004، والالتفاف الإعلامي حوله كان بمثابة «ضربة قاضية» له، لأن علي بن فليس التزم الصمت، ولم تستفد منه الجهات التي كانت تقف وراءه. ويبدو أن انهيار امبراطورية الخليفة استفاد منه رجال الأعمال وسياسيون يريدون الوصول إلى المرادية، بتوظيف آخرين، والاختفاء وراءهم في انتظار الفرصة المواتية. لكن المستفيد الأول من «المحاكمة» هو الرئيس، لأنها وفّرت له فرصة التصفية في طاقم الحكومة القادمة.
ما لا يقال: عاصمة افتراضية لثقافة شفهية!تاريخ المقال 16/01/2007كان من المفروض أن تتحول العاصمة إلى عرس ثقافي عربي، لكن اختيار التوقيت ومستويات الافتتاح، كانا صورتين متناقضتين لـ"عاصمة افتراضية" لثقافة شفهية. ثقافة المجسمات والمركبات والإقامات! لا أدري ما الذي جعل السلطات الجزائرية تختار »12 يناير« لانطلاق ما يسمى بـ(الجزائر عاصمة الثقافة العربية)، فهو تاريخ لـ»ثقافة شفهية«، وتكريس لعصور »العائلات الملكية« وتمجيد لـ»احتلال الآخر« و»الاعتداء على الموروث الديني«. وقد سبق لي أن تعرضت إلى ذلك في مقال سابق. لكن ما جعلني أعود إلى الموضوع، هو ما أثاره ارتباط الثقافة العربية بهذا اليوم، داخل ما يسمى بـ(المنطقة القبائلية) فهناك من رأى فيه اعترافا رسميا بما يسمى بـ(السنة القبائلية) عند »أكاديمية فانسان« بفرنسا، وهناك من اعترض على ذلك، معتبرا »هذا القرار« إساءة لثقافته. ولأول مرة يقع انشقاق في »الصف البربري«، ويختلف »أهل العروش« فيما بينهم، ما بين مؤيد ومعارض لهذا »الربط الثقافي«. ويبدو أن »أصحاب القرار« مختلفون كذلك حول هذا التاريخ، ولهذا وزعوا الافتتاح على ثلاث مراحل. - أولا: ما يسمى بالاحتفال الشعبي الممتد من »صوفيا إلى ساحة الشهداء« في شكل مجسمات لـ23 دولة (إذا اعتبرنا الجامعة العربية دولة)، فوق عربات شاحنات إحدى المؤسسات الخاصة. وهذا العرض تسبب في غلق العاصمة لمدة أربع ساعات، بالرغم من أنه دام ساعتين تحت حراسة أمنية مشددة، وبحضور جمهور من تلاميذ المدارس. وأزعم أنه كان يوما من أيام »خليدة تومي« المناضلة في حزب »الأرسيدي« سابقا، وليس له علاقة بالثقافة التي توحد الوطن في »عربة واحدة« وليس في 23 عربة ومثلما بدأ بـ(الرقص) انتهى بالرقص. وأهم ما فيه هي »وجوه «الوفود العربية. - ثانيا: ما يسمى باحتفال مركب القاعة البيضوية بـ5 جويلية، حيث أشرف عليه رئيس الحكومة وحضره ممثلو الأقطار العربية، وأهم ما فيه هو الاستعراض الذي افتقدنا فيه البعد العربي، وكان يمثل المستوى الذي وصلته ثقافة »الدهاليز«، والجهوية. وأعطى انطباعا سيّئا عن البعد الحضاري للجزائر، وحمدت الله أنني لم أتلق دعوة للحضور، وإنما تابعت ذلك عبر التلفزة وتأسفت لعدم احترام الوقت المكتوب في الدعوات. - ثالثا: ما يسمى بالافتتاح الرسمي الذي أشرف عليه الرئيس بوتفليقة في نادي الصنوبر، والذي كان أغلب المثقفين الجزائريين غائبين عنه. ولا يوجد مبرر واحد لتقاسم أدوار الافتتاح لعاصمة لا وجود لـ»الثقافة فيها« باستثناء نشاطي »المكتبة الوطنية« و»جمعية الجاحظية«. ويبدو أن التلفزة الجزائرية أدركت أن الثقافة لا وجود لها في الجزائر، ولهذا اختارت لـ»سهرة الافتتاح الرسمي« ندوة مع وزير الموارد المائية ليحدث المشاهدين عن أزمة المياه »في الجزائر«. ثقافة الزبر والتلقيح! ومادام جانفي هو شهر »زبر الأشجار« و»التلقيح«، و»الكانون« و»الشرشم« و»الغرايف« والزرع، فكان من الأجدر بنا أن ننشئ »حكومة فلاحة«، نعيّن فيها وزيرا للبطاطة ، وآخر للطماطم، وثالثا للبصل ورابعا للثوم وخامسا للبرتقال و... و...، لأننا في حاجة إلى حكومة لتطوير الفلاحة فهي الأمن الغذائي الحقيقي للوطن. ومادامت السلطات الجزائرية وافقت على إقامة سنة ثقافية عربية في الجزائر، فكان الأحرى بها أن تنصّب حكومة ثقافية »يكون فيها وزير للكتاب، وآخر للمكتبات، وثالث للسينما، ورابع للمسرح، وخامس للشعر الشعبي وسادس للزرناجية، وسابع لدور الثقافة وغيرهم، ربما نستطيع أن نصبح »عاصمة ثقافية«، لا يهتم فيها الشبان بالاعتداءات على السياح، أو خطف الهواتف النقالة والحقائب من أيدي أصحابها. المؤكد أن التنمية في الجزائر »معطلة« بسبب »مؤسسات الدولة«، فالبنوك نهبت، والوزراء صاروا يتلقون التذاكر والهدايا من القطاع الخاص، و»امبراطورية الخلفية« حولت من يوصفون بـ(رجال الدولة) إلى مجرد »شهود« على »سرقة افتراضية«، للوصول إلى زعيم اللصوص أو كبير القوم الذي يفترض أن يكون الآن مهربا من بريطانيا إلى دولة آسيوية، لأن وجوده في الجزائر قد يوسّع دائرة »اللصوص الافتراضيين«. واعتذر لأصحاب العلم والتكنولوجيا، لأن »الثقافة الافتراضية« التي أتحدث عنها غير التي تستخدم في الجامعات والديكورات لمعظم تلفزيونات العالم. فالوزراء عندنا يرثون الحقائب الوزارية والمقاعد البرلمانية، وهم غير مطالبين بأن تكون لهم ثقافة مرتبطة بالمنصب الذي يوكل إليهم، وإنما بالولاء لمن يعيّنهم في المنصب. وأذكر أن بلعيد عبد السلام حين عيّن على رأس الحكومة تصوّر أن الجيش هو الذي عيّنه، فراح يتفاخر بذلك، فطرده الرئيس علي كافي. وأذكر أن أحمد بن بيتور طرده بوتفليقة بعد أقل من ثلاثة أشهر، وادعى في كتاب له أن بوتفليقة سلمه قائمة الوزراء واعترض عليها، ولا أدري لماذا لم يستقل عوض أن تتم إقالته أو دفعه إلى الاستقالة. تنظيم "الفوضى الثقافية"! مشكلة الثقافة في الجزائر هي أن المثقفين في الجزائر، في معظمهم، يقبلون بأي وزير يمر بوزارة الثقافة، ويقبلون باختفاء الوزارة أو تحويلها إلى كتابة دولة أو مجلس. والمؤسف أن أغلب المثقفين يقدمون الولاء ويكتبُ كبار الشعراء منهم القصائد في »الوزارة« وهم يدركون أن من يقودهم لا يرقى مستواه إلى »بواب« في دار نشر فرنسية أو عربية. وضعية الثقافة في الجزائر تردّت بحيث صار الكتّاب يدخلون المحاكم ليس للدفاع عن أفكارهم وإبداعاتهم وإنما للدفاع عن »المناصب«؛ ووضعية المؤسسات الثقافية صار همّها الوحيدة »توفير« »الطبلة والبندير« و»المداح والبراح« و»الراقصة والمغني« للوزراء والولاة في المناسبات والزيارات الرسمية. وبعد أن كان لنا في كل ولاية أكثر من مكتب ومخزن للكتب ورثناها عن »أشات الفرنسية« صار لنا في مجموع القطر الجزائر 12 مكتبة لبيع الكتب فقط. وبعد أن كانت لنا قاعات سينما في كل ولاية صارت لنا »قاعات أفراح وأعراس«، وحتى مقرات الديوان الوطني للسينما ومكتبات »لاَسْنَادْ« استولى عليها التجار والأحزاب. وعندما يفتح ملف »الخليفة الثقافي« سنكتشف فضائح مخيفة ومرعبة، لأنها تتعلق ليس بالوزراء فحسب وإنما بمديري بعض الصحف والمطربين ورجال الأعمال. إذا كانت »محاكمة الخليفة« لم تكشف بعض أسماء الشخصيات التي استلمت الملايين من الخليفة بمجرد التوقيع على »دفتر التسليم«، فإنها كذلك لم تتعرض للجهات أو الحسابات التي صبت فيها الأموال. ماذا لو تطلب المحكمة من البنوك »البيانات المتعلقة« بكل الوزراء المسؤولين الذين كانوا في عهد امبراطورية الخليفة؟ وماذا لو »يستطيع« عبد المؤمن خليفة العودة ويدلي بشهادته؟ ما يتداول في كواليس، المقربين منه، أنه بصدد إصدار كتاب يحمل معلومات، وصفت بالمهمة والهامة، وأن أحد الأجانب يقوم حاليا بـ(مراجعة النص)، وربما سيكون قنبلة الموسم، لأنه سيكشف كيف قام بتبييض الأموال لبعض أصحاب القرار. فما أحوجنا إلى ثقافة تجنّبنا »ثقافة الفساد« وتبعدنا عن المفسدين، وتعيد الاعتبار لسلطة الكلمة وتضع حدا لـ »الاستخفاف« بعقول الناس، وتفصل ما بين »السياسي« في محاكمة الخليفة، وما بين عصابة الأشرار في سلطة المقربين من أصحاب القرار. ربما يكون من السابق لأوانه التكهن بمردود »الجزائر كعاصمة افتراضية لثقافة شفهية«، ولكنني لست متفائلا بثقافة يراد منها تكريس »سياسة الأمر الواقع«.
مالا يقال: سلطات أمراء الردّة في الجزائرتاريخ المقال 17/12/2006عبد العالي رزاقي إذا كانت السلطة في الجزائر ولدت رسميا مع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، فإن من تقلّدوها بعد 5 جويلية 1962 حاولوا كتابة تاريخهم، لا تاريخ من استشهدوا خلالها، ولهذا تعاملوا بمنطق الإقصاء وبالرغم من أن التعددية ولدت مع استرجاع الجزائر لسيادتها إلا أنهم حملوا شعار "الشعب غير جاهز للتداول على السلطة".وبالرغم من أن المرحوم مالك بن بني ممّن طرحوا فكرة "القابلية للاستعمار، فإنه لم يطرح قابلية الشعب لـ "الديمقراطية" و"التحرر"، عكس فرانز فانون الذي انتبه إلى خصائل "معبذو الأرض". هل كان على جبهة القوى الإشتراكية أن تنتظر 26 سنة ليعترف بها كحزب سياسي "1963 - 1989"؟ وهل كان على بن بلة أن يقضي 14 سنة في السجن دون محاكمة؟ وهل كان محتوما على كريم بلقاسم ومحمد خيضر أن يترصدهما الموت وهما في المنفى؟ وهل كان على بوضياف أن يغتاله الموت وهو يمدّ يده لـ "المصالحة الوطنية". تعددية الإنهيار الكبير كانت التعددية في الجزائر بمثابة انهيار لأهم مؤسستين حكمتا البلاد مدة 27 سنة "1962 - 1989"، وهما "الثكنة" والمسجد، فالأولى حين جرّدها الشاذلي بن جديد من ممارسة السياسة أطاحت به وراحت تعين الرؤساء، والثاني حين فقد سلطته على الشارع، تحوّل إلى منتج للعنف. وإذا كان المسجد والثكنة قد تعايشا خلال الحزب الواحد، وافتقرا بمجرد بزوغ فجر التعددية، فإن هذه التعددية أنجبت لنا مؤسسة جديدة إسمها "الصحافة"، صارت تنافس المؤسسة الدينية والمؤسسة العسكرية، واستغلت الأجهزة ورجال الأعمال الصحافة فصارت الجزائر "كعكة" مقسمة على ثلاث قوى تتصارع، وكانت الأحزاب مجرد "بيانات وتصريحات" على أوراق الصحف. ودخلت الجزائر مرحلة "الدهاليز"، فانهارت السينما الجزائرية واستولت الأحزاب على مقراتها، والتجار على قاعاتها، وانهارت مؤسسة توزيع الكتاب "SNED"، فاختفت أهم المكتبات والمخازن والمطابع، وانهارت الدبلوماسية فصارت الجزائر مرادفة للإرهاب والموت، بعد أن كانت "قبلة الثوار" وقلعة الأحرار في العالم. والتعايش الذي كان بين الإسلام والعربية والأمازيغية طيلة 14 قرنا صار صداما وابتزازا وتمايزا. وإذا كان هناك من أراد تشويه المؤسسة العسكرية فذلك لأنها وقعت في إرث من الأخطاء، وأولها عدم تحويلها إلى مؤسسة مهنية، وبقيت الخدمة الوطنية هي مموّلها الأساسي، وطاقمها المتجدد، وثانيها أنها أبعدت في عهد الشاذلي بن جديد ضباط جيش التحرير، وثالثها أنها لم تكن تملك "استراتيجية اتصالية"، واكتفت برتبة "عقيد" إلى غاية رحيل العقيد هواري بومدين، ومادامت الرتبة ذات علاقة بالإدارة، فمن الطبيعي أن تبقى مغلقة على نفسها. ومع أنها تعرضت لهزات كبيرة، بسبب سلوك قادتها الذين أحيلوا على التقاعد، فيما بعد، فإنها بقيت واقفة.. أما المسجد فكان الملاذ الروحي للمسلمين والمحافظ على الوحدة الوطنية، وكان مولود قاسم وشيبان أهم رموز المؤسسة الدينية في الجزائر، وإذا كان الأول قد رحل بعد أن ترك آثارا عظيمة فإن الثاني مايزال يجمع علماء المسلمين، ويوحِّد ما فرّقته "المساجد الرسمية" التي تدعمت بالزوايا. إن "قداسة المسجد" تحولت إلى سلطة في أيدي شُبّان همّهم الوحيد هو تكريس وجودهم السياسي، وحضورهم الديني، ولو على حساب الغير. وفي الوقت الذي استطاعت فيه المؤسسة العسكرية السيطرة المطلقة على "مصير البلاد والعباد"، فقد المسجد أو المؤسسة الدينية سيطرته حتى على الموظفين التابعين للشؤون الدينية. وانتقلت "حروب الردة" على "المساجد والثكنات" إلى صفحات الجرائد، فصارت الصحافة تحمل سيفين وهما سيف الحجاج بن يوسف الثقفي وسيف علي بن أبي طالب. ودخلنا الحروب الوهمية وكان لابد من ضحية لتغليب هذا التيار على ذلك، وكانت النتيجة هو أن الصحافة صارت"كبش فداء"، ومشجبا تعلق عليها مشاكل الجزائر، وأول من كلفها بهذه المهمة رسميا هو الرئيس عبد العزيز بوتفليق حين ألغى مؤسسة "وسيط الجمهورية"، وطالب المواطنين بالتعامل مع الصحافة العمومية لنقل شكواهم إليه، وبدأت الطحالب تنمو في البرك الراكدة للثقافة والاقتصاد والسياسة والمجتمع المدني، فتحوّل إتحاد الكتاب الجزائريين إلى "بزنسة" تقودها امرأة، وتحوّل الاقتصاد إلى رصيد كبير من العملة الصعبة يتنافس على نهبه من يمثّلون الشركات المفلسة في فرنسا أو أصحاب المؤسسات الوهمية، أو أصحاب الحاويات الطائرة على حد تعبير المرحوم محفوظ نحناح، وصارت الأحزاب عبارة عن منابر للدفاع عن الحاكم ضد المحكوم، وبات المجتمع المدني يمارس العنف، ويقوم بأدوار "المدّاحين" في الأسواق. قد تكون هذه الصورة قاتمة أو تشاؤمية ولكنها واقع معيشي يومي، يصير فيها "قصر المرادية وطائرة الرئاسة" لنجوم الرياضة والسينما والإعلام. سلطة الكاهنة الحركة الثقافية البربرية قادت حربا إعلامية شرسة ضد السلطة في عهد الحزب الواحد، وقامت بحركات احتجاجية في عهد التعددية، وانتزعت اعترافا "دستوريا" باللغة الأمازيغية، بالرغم من عدم اعترافها بالسلطة القائمة، ورفضها للاستفتاء الدستوري هذا "المكسب".. لكن الأمازيغية كانت مجرد "مطلب" لذر الرماد في العيون، فالذين طالبوا بها لم يطالبوا بفتح مدارس لأبنائهم لتعلمها، وحتى حين فتح أحد أقطابها فرعا بجامعة الجزائر للدراسات ما بعد التدرج لم يجد من يلتحق بهذا الفرع. واليوم، ترتفع أصوات في وزارة التربية لـ "فرضها" في الامتحانات، ومحاولة تضليل الناس، والمؤكد أن الأمازيغية تراث جزائري نعتز به، ولا يستطيع أحد أن يزايد عليه، فالحركة الثقافية البربرية لم تصدر، في تاريخها، بيانا واحدا بالأمازيغية حتى ولو بالحروف اللاتينية، وكذلك الأحزاب التي تبنّتها كمطلب لها. والمفارقة، أن السلطة الجزائرية حين منعت الأحزاب من الدفاع عن العناصر الثلاثة للهوية الوطنية في برامجها، لم تحتج بل أقدمت على حذف هذا المطلب من برامجها حتى تعتمد رسميا، في حين أن أحزابا إسلامية وعربية رفضت ذلك، فلم تعتمد حتى الآن. ويبدو أنه لا يوجد شبيه لـ "الكاهنة" في المنطق السياسي للحركات البربرية، فلو كانت الكاهنة حية لما طالبت بأن تعترف السلطة بلغتها، وإنما لتركت أبناءها يختارون، مثلما اختاروا الالتحاق بعقبة بن نافع في مواجهتها مع كسيلة. كانت الحركة البربرية تراهن على أمازيغية الرئيس اليامين زروال وليس على "وطنيته" أو "مواطنته"، ولهذا حاولت محاصرته بـ "الجمعيات" دون أن تفلح في إقناعه بالاعتراف بـ "لغة" لا تملك أدبا ولا حروفا في غير أصوليها "التافيناغية". الشعب لا يصوّت مرتين حين تقرأ مذكرات "التيار الإسلامي" تتأكد من أنه لا يملك الجرأة على مصارحة نفسه بأن الشعب قد لا يصوّت مرتين للحزب نفسه.. فخوف حماس من إجراء انتخابات مسبقة، جعلها تطعن في قرار محمود عباس الذي يدعو إلى الاحتكام للشعب بانتخابات رئاسية وتشريعية مسبقة. ماذا يمنع حماس من أن ترشّح أحد قادتها للرئاسة في منافسة محمود عباس أو دحلان أو غيرهما، إذا كانت تؤمن باحترام إرادة الشعب. أعتقد أن من يطعن في قرار يدعو إلى الاحتكام للشعب ليس له علاقة بالشعب، فلو كانت حماس تؤمن بإرادة الشعب لأعربت عن تأييدها لقرار محمود عباس. كأن حماس تدرك أن الشعب لا يصوّت مرتين لشخص واحد إلا إذا تأكّد أن السلطة لم تنتزع منه "صفة المواطن". ويبدو لي أن الأحزاب الإسلامية في الوطن العربي همّها الوحيد هو انتزاع الاعتراف بها، أو "تذكرة" الدخول إلى "الغرف الليلية" للسلطة لتنزع عنها "الحجاب" وترتدي ما يستجيب لرغبات الحاكم. وإذا كانت هي الحاكم فإنها تنصّب نفسها "وصية على إرادة الشعب"، ولا تعود إليه أبدا. فلو كانت الجبهة الإسلامية التي أخذت أغلبية الأصوات في الاستحقاقات المحلية "12 جوان 1990" والاستحقاقات التشريعية في 26 ديسمبر 1991، تؤمن بإرادة الشعب، لما لجأت فئات منها إلى العنف، ولما أنشأت جناحا مسلحا أو تبنّت التفجيرات، ولو كان التيار الإسلامي الجزائري يريد تأسيس "خلافة إسلامية" أو إنشاء كتلة سياسية، لما كانت في الجزائر أكثر من أربعة أحزاب إسلامية لا يجمع بين أعضائها إلا "الصلوات الخمس". لو كان لنا تيار إسلامي حقيقي لكان عباسي وبلحاج ونحناح وجاب الله وسحنون وغيرهم يمثلون مجلس شورى إسلامي ومرجعية دينية، في حزب واحد. وأزعم أن الأحزاب الإسلامية الجزائرية أكثر تعايشا مع الأحزاب اللائكية أو الثرودسكية، من التعايش مع الأحزاب الإسلامية الأخرى. والدليل أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوّضت للحديث باسمها لويزة حنون رئيسة حزب العمال، وليس المرحوم محفوظ نحناح أو عبد الله جاب الله. أعتقد أن المشاريع الجديدة هي "التخلّي" عن الأحزاب الإسلامية أو إبعادها عن السلطة، لكن هل تستطيع السلطة إخراج الأحزاب الإسلامية من جسدها؟ المؤكد أن الانتخابات التشريعية القادمة ستعيد ترتيب "البيت السياسي الإسلامي" وستكون الغلبة لـ "أمراء المال" حتى ولو كانوا إسلاميين. العربية لغة المهزومين إذا كانت حركة التعريف قد حققت، في عهد الحزب الواحد، خطوات جبارة على مستوى تعريب وزارات منها ومنها وزارة المالية والعدل والداخلية، فإن هذه الخطوات تراجعت، البعض أوزعها إلى تجميد قانون التعريب عام 1992، والبعض الآخر أعادها إلى سيطرة "المشروع التغريبي" على مسيرة التعددية. المشكلة أن التعريب خارج المنظومة التربوية ووزارتي العدل والداخلية لا وجود له، ومادام أصحاب القرار مايزالون يتمسكون بـ "حب فرنسا"، فإنه من الصعب الذهاب بعيدا في التعريب، فالشارع الجزائري يتجه نحو الفرنسة، والمحيط بدأ يفقد ملامحه العربية والعربية لا تستطيع منافسة الفرنسية ما لم تدخل معركة "سوق العمل" و"فضاء الحب"، وتتدخل السلطة لتوقيف "مهزلة الفرنسة الإعلانية" لإنتاج بعض الوزارات" لقد جاءت "جيزي" بحملة تعريب وخدمت اللغة العربية، ولكنهم يريدونها أن تفرض وجودها ولو بمفردات "الدارجة"، والأمر نفسه بالنسبة لـ "نجمة" أو الوطنية. المؤكد أن المنافسة على السوق الجزائرية جعلت اللغة العربية تتراجع عن مكانتها، لأن المستثمر العربي ما يزال يعتقد أن "الجزائر تفهم بالفرنسية". لا أشك مطلقا بأن الأحزاب الإسلامية لعبت دورا مهما في تكريس اللغة العربية، لكنني أشك في أن يكون للأحزاب الوطنية دور في التعريب، كما أشك مطلقا في أن الأحزاب اللائكية فتحت فضاءات واسعة بغير اللغة العربية. فسلطات الردّة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي ستدفع بالجزائر إلى أن تكون "عاصمة" لغير العربية، وستكون "حيزا" يبحث عن فضاء يحرره من السياسة ومادامت سلطات الردّة في الجزائر تنخر في جسد الكيانات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، فإنه من الصعب الخروج من الدهاليز دون دفع ثمن غال.
ما لا يقال: ديمقراطية ' الصوت الواحد'تاريخ المقال 03/12/2006عبد العالي رزاقي لماذا تصف أمريكا والحكومة اللبنانية نزول المعارضة إلى الشارع اللبناني بـ »الانقلاب«؟ ولماذا ترفض الحكومات العربية الاحتكام إلى الشعب؟ ولماذا يتحول »المجتمع المدني« عندنا إلى »غاشي« بينما يحافظ على صفته المدنية في الغرب؟ ولماذا تقحم أمريكا والحكام العرب »الأجنبي«، كعنصر مؤامرة على البلاد؟.بلاد الملائكة والجن لا يوجد بلد عربي واحد يشبه لبنان، ولا يوجد شعب عربي واحد تحرك من أجل التغيير الداخلي، باستثناء الشعب اللبناني، فهو ينتصر للحرية داخل وخارج الوطن، بالرغم من مكوناته »الطائفية«. ولبنان حقق معجزتين، الأولى هي التعايش بين الديانات السماوية والانتصار لعروبته، والثانية هي احتضان المقاومة الفلسطينية والانتصار على ما يسمى بدولة »شعب الله المختار«. والحكومة التي حرّرت لبنان مما تسميه بـ »الاحتلال السوري« عبر النزول إلى الشارع هي نفسها التي تتهم المعارضة بـ »التآمر« عليها، وتتمسك بـ »السلطة« ولو عادت الحرب الأهلية، بحجة أن »إيران وسوريا« وراء تحرّك المجتمع المدني. أيعقل أن تدعّم إيران المسيحيين في لبنان وهي ترفض التمثيل لهم في طهران؟ أيعقل أن تدعم سوريا تحرّك الشارع اللبناني من أجل حكومة وحدة وطنية وانتخابات مسبقة وهي تسجن من يطالب بذلك في دمشق؟. لقد استخدمت »الأغلبية البرلمانية« الشارع للتخلص من الامتداد العربي للبنان في سوريا، ولسوريا في لبنان، وتلقّت الدعم الدولي، فهل »الشارع« حرام على المعارضة وحلال على الحكومة؟ إن من يصف تحرّك الشارع بـ »قبضة ريح« ويزعم أن الهدف هو منع إقامة محكمة دولية لمعاقبة المجرمين، إنما يريد تضليل الرأي العام الدولي لأن حكومة »السنيورة« جاءت لـ »تهميش الرئاسة« وتقزيم انتصار المقاومة والعمل تحت مظلة »الثلاثي الأمريكي« السعودية، مصر والأردن، الذي حول الانتصار إلى »هزيمة« في لبنان ويريد »التجارة« بالمقاومة العراقية بعد أن فشل في »بيع حماس« لإسرائيل. إن الفرق بين الديمقراطية اللبنانية وبقية النماذج الديمقراطية في الوطن العربي المبرمجة في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط والتي تناقش حاليا في البحر الميت بالأردن، هي أن لبنان متعدد الأصوات، وأساس الديمقراطية هي »التوافق« بين »المماليك« من مملكة جمبلاط والحريري مرورا بمملكة صفيّر وسمير جعجع، وانتهاء بمملكة السنيورة وميشال عون وحسن نصر الله وغيرهم ممن يمثلون الطوائف الدينية والعرقية. ولهذا فاستقالة حكومة السنيورة لا تعني إلغاء مملكة الطائفة السنية وإنما التكتل البرلماني، كمقدمة لحكومة من الطائفة نفسها تكون ممثلة لمختلف الطوائف، يطلق عليها صفة حكومة وحدة وطنية مجازا، فهي في الأصل، حكومة مماليك، لتنظيم انتخابات جديدة لضمان وحدة لبنان. وقد أخطأ الرحالة العرب حين وصفوا باريس بـ (بلاد الجن والملائكة) لأن هذه الصفة ليس لها وجود في غير لبنان واقعا معيشيا، وحلما خياليا. كل الجهات تؤدي إلى لبنان إذا كانت لبنان هي النموذج المتفرد بـ (تعدد الأصوات)، فإن الديمقراطية التي يراد تكريسها في الوطن العربي والعالم الإسلامي هي »ديمقراطية الصوت الواحد«، وهذا النموذج هو الذي يوجد بين الديكتاتورية والأنظمة الملكية والأنظمة الجمهورية الملكية أو الأنظمة الديمقراطية الأحادية أو الأنظمة الأميرية العشائرية. والعراق كان نموذجا للدولة القوية على حساب الاختلاف الطائفي وكان حزب البعث يمثل تعدد الأصوات لخدمة السلطة الواحدة، وحين احتلّت أمريكا وبريطانيا البلاد، صار »الهيكل« فاشيا، وصار التعدد داخل الدين الواحد، فالأغلبية العربية المسلمة صارت أقليات دينية وعرقية. وحزب البعث فاشي في العراق ولكنه في سوريا يمكن أن يحقق الأمن للعراقيين إذا تعاونت كدولة جوار مع حكومة المالكي، وأذكر أن أحد قادة الثورة الجزائرية، تساءل: كيف يكون الفكر البعثي في سوريا ورئاسه ومفكره في العراق، وأذكر أن أحد الأحزاب الجزائرية كان يتهم »المعربين« بـ »البعثيين«، وحين اكتشف أن مؤسّسه ميشال عفلق مسيحي تراجع عن موقفه. ومن المفارقات الغريبة أن أحد الوزراء السابقين قدّم تقريرا للسيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة حول كتّاب مرشحين للقيام بمهمات في إطار »الجزائر عاصمة الثقافة العربية« يحذّرها منهم بتهمة »أنهم بعثيون« في وقت وصفهم فيها كاتب إسلامي من »حمس« »فاعل خير« بالشيوعيين. إذا كان أمن العراق لا يتحقق، من وجهة نظر أمريكا والحكومة العراقية، وفرنسا، وأوروبا، إلا بالتدخل »الإيراني- السوري«، فلماذا تتهم هذه الدول »المعارضة اللبنانية« بأنها تعمل لصالح سوريا وإيران؟. إن الحرب الأهلية التي بدأت تشتعل الشهر الماضي في العراق وحصدت أكثر من ألف قتيل، لا يمكن أن يطفئ نارها »البعث السوري«، لأنه امتداد للبعث العراقي الموسوم بـ (الفاشية) والمحضور في العراق، ولا يمكن أن توقف اشتعالها طهران التي ترى أمريكا أنها تريد »الانقلاب« في لبنان على حكومة السنيورة، وأزعم أن ما يهم أمريكا في لبنان هو كيفية التخلص من حزب الله. لأول مرة يلتقي »المسلم والمسيحي« في شارع عربي للدفاع عن نصر حقّقته المقاومة، ويطالب بحكومة وحدة وطنية وانتخابات مسبقة، فبأي حق نرفض الاحتكام إلى الشعب. لو كانت حكومة »السنيورة« متأكدة من أن الشعب اللبناني يقف وراءها، لما ترددت ساعة واحدة في أن تعود إلى صناديق الاقتراع وتنتزع مصداقيتها، دون أن تساهم في خسارة يومية بمعدل 70 مليون دولار؟ ولو كانت أمريكا تؤمن بالديمقراطية ذات الأصوات المتعددة، لضغطت على حكومة السنيورة لرمي الكرة في »ملعب المعارضة«. تعددية الرأي الواحد يبدو لي أن معظم الأقطار العربية والإسلامية تشترك في الدفاع عن ثوابت »الصوت الواحد« المتعدد المنابر والأحزاب، بعد أن كانت خلال مرحلة التحرير تنفرد بتعدد الأصوات في المنبر الواحد. فالجزائر، بفضل جبهة التحرير، كانت ثورتها العظيمة تمثل التعددية السياسية والفكرية وحتى »اللغوية«، وكانت الوطنية هي المنبر الذي يجمع مختلف التيارات والميول، ولأن الهدف كان واضحا، وهو استرجاع السيادة، فقد كانت الثورة تتغذى بالفكر الماركسي والإسلامي والليبرالي، وتتذوق الآداب والفنون، وحين انتزعت السيادة، تخلت عن »التعددية« لترمي نفسها في حضن »الصوت الواحد« ذي المنابر المتعددة، فكان لابد من ظهور أحزاب المعارضة أو تفكك »جبهة التعددية«. ويخيل لي أن التحالف الرئاسي هو بمثابة »تعدد الصوت الواحد«، ولهذا صارت الجزائر »دون معارضة«، صحيح أن الشعار المشترك لأحزاب الحكومة هو »حماية الديمقراطية« ذات الصوت الواحد المتعدد المنابر، من تعددية حقيقية أقرت انتخابات 1997. وإذا كانت السياسة هي »فن الممكن«، فإن التصور السياسي لمستقبل الجزائر يكاد يكون في طريق مسدود، ونحمد الله أن هناك أمطارا سنوية تملأ سدود بلادنا، ونحمد الله، أن هناك بترولا وغازا يملأ خزائن بلادنا، ونحمد الله أن هناك مدارس وجامعات ما تزال تستوعب طالبي العلم، فلولا خيرات الطبيعة، لصارت البلاد في »مأزق« أو مجاعة، بعد أن أشرفت على فقدان »الأمن والأمان«. وإذا كانت الدبلوماسية هي »فن كسب الأصدقاء«، فإنها في بلادنا صارت فن »صيد العملة الصعبة« لجيوب أصحابها. يكفي أن الكثير من سفرائنا حين تم استدعاؤهم فجأة للعودة إلى البلاد وجدوا أنفسهم في الشوارع، لأن مساكنهم أجروها للأجانب بالعملة الصعبة، وهناك من التحق بالفنادق. ولا شك أن التجربة اللبنانية ستكون مفيدة للوطن العربي، لأن نجاحها بالاحتكام إلى الشارع، قد يدفع بالكثير من أحزاب المعارضة إلى ذلك، ومن حق الحكومة العربية القيام بـ »حروب استباقية« لتفادي الخطر القادم، مثلما فعلت الحكومة المغربية بإقصاء الأئمة من المساجد، تجنبا لأي انفلات في الشارع المغربي. ومثلما تفعل أحزاب الحكومة الجزائرية، في »المزايدة« من أجل الانتخابات التشريعية. ونعتقد أن كمية الحرية الموجودة في الشارع هي التي تمكّن البلاد من النهوض من سباتها، وتعيد الاعتبار للمواطن، وهذه الحرية مفقودة، في جميع الدول العربية دون استثناء، ومن لا يصدقني فليحمل »كاميرا«، وينزل لالتقاط صورة، سيجد نفسه أمام تساؤلات واستنطاقات، ونهاية غير محمودة. أو ليس هذا دليل ديمقراطية الصوت الواحد.
ما لا يقال عهدة المواطنة والمنجزات الكبيرة؟!تاريخ المقال 26/11/2006عبد العالي رزاقي يخطىء من يعتقد أن الرئيس غير معني بالعهدة الثالثة، أو بتغيير الدستور لبسط نفوذه على المؤسسات الدستورية، ويخطىء من يتصور أن أصحاب النفوذ يستسلمون لـ "الرئيس" دون مقاومة، أو يتركون له حرية قيادة البلاد نحو الخروج من الأزمة، ويخطىء من يعتقد أن الضغوط على الرئيس تكون داخلية، بل إن هناك ضغوطا دولية.ضغوط الخارج الإعتقاد السائد عندي أن بقاء الرئيس مع نيكولا ساركوزي خمس ساعات هو "خطأ بروتوكولي"، لأنه لم يسبق لرئيس فرنسي أن جلس مع مسؤول جزائري، بمن فيهم رئيس الجمهورية، مدة خمس ساعات "في جلسة ثنائية"؟ لكن ما دام هذا الوزير مرشح لخلافة جاك شيراك، فمن أجل "التواصل الدبلوماسي قد يهون الأمر، إلا أن تصريحات ساركوزي كشفت عن "رجل متهور"، و"سليط اللسان"، فبعد أن شتم أبناء المهاجرين الجزائريين خلال انتفاضتهم العام الماضي في 300 مدينة فرنسية، وبعد أن منع العمال المسلمين من العمل في مدرجات مطارات فرنسا، وقاد حملة ضد حملة جواز السفر الأخضر في فرنسا، ها هو يطالب الحكومة الجزائرية بأن تسلم له قوائم الجزائريين المستفيدين من تدابير ميثاق السلم والمصالحة حتى يبرمج أسماءهم في "مراكز الشرطة الفرنسية" كإرهابيين. إن من اشتهر باستعمالاته للعبارات "القذرة" لوصف أبناء الجالية الجزائرية، من حملة الجنسية الفرنسية، لم يحترم القواعد البروتوكولية حين صفع الشعب الجزائري بعبارته الجديدة: "الأبناء لا يعتذرون عن أخطاء آبائهم"، ولو كان صادقا مع نفسه لقال "إن اللفيف الأجنبي" للجيش الفرنسي هم من اللقطاء الذين ارتكبوا المجازر في الجزائر، والاعتذار يعني الاعتراف بهم كأبناء لفرنسا وليسوا مرتزقة، لربما قلنا إنه تجنب "تبني بلاده للقطاء". لكن منطق "الأبناء ليسوا مسؤولين عن جرائم الآباء" هو الذي راح يروّج له "حزب فرنسا" في الجزائر، ليفتح الباب أمام عودة "أصحاب الأقدام السوداء"، ودخولهم إلى المحاكم الجزائرية لانتزاع أملاك بنوها بدماء الجزائريين على أرض الجزائر. لقد بدأت الفكرة في عهد الشاذلي بن جديد بالزعم بأن أبناء "الحركة والڤومية" من حقهم العودة إلى الجزائر، بالرغم من أنهم فرنسيون، لأنهم لا يتحملون مسؤولية جرائم آبائهم أو خيانتهم للشعب والوطن. إن فرنسا تريد أن تمارس ضغوطها على الرئيس حتى لا يعود إلى المرادية خلال العهدة القادمة، بعد أن حاول شيراك، في لقائه مع علي بن فليس عندما كان على رأس الحكومة إغراءه بـ (الترشح) للرئاسيات، والنتيجة كانت خلال رئاسيات 2004، وذلك باستقباله مدة تجاوزت "حدود البروتوكول الفرنسي"، فهل استقبال بوتفليقة لساركوزي "متجاوز البروتوكول" هو تشجيع لليمين الفرنسي، خوفا من عودة "اليسار" إلى السلطة، هو الذي يقف وراء أحداث المنطقة القبائلية؟ أم أن ترشح امرأة فرنسية للرئاسيات، بعد أن فازت على "الحرس القديم" في الحزب الاشتراكي، أخاف "حاشية الرئيس"، ممّن هم من "الحرس القديم" في جبهة التحرير، من "العودة القوية" لتيار "علي بن فليس" في جبهة التحرير، وهو الذي أدّى إلى "تأجيل تعديل الدستور" لغاية معرفة تشكيلة البرلمان الجديد، في العام القادم. المؤكد أن فرنسا تسعى إلى "زحزحة بوتفليقة"، لأنه بدأ يزعجها، وحين تسلم له "ختم الداي حسين" الذي وقع به استسلام الجزائر لفرنسا في 5 جولية 1830، فهذه إشارة واضحة إلى الموقف الفرنسي من "بقايا المجاهدين" حتى ولو كانوا رُسل لغتها داخل وخارج الوطن، أو ممن يشجعون "التعامل الاقتصادي" معها، وإنقاذ مؤسساتها المفلسة؟ فرنسا تدرك أن الاعتذار للجزائر قد يدفع إلى المطالبة بالتعويضات واسترجاع "التراث الجزائري"، وتدرك أن "برج إيفل" المصنوع من حديد الونزة هو رمز للاحتلال، ولهذا لا تريد اعتذارا وإنما ابتزازا لمن يصعد إلى المرادية، مثلما ابتزت من صعدوا إلى "تاڤارة" من حزبها خلال مرحلة "الفتنة" 92 - 1997. في مواجهة ضغوط الداخل! لا يشك أحد في أن مشاريع بوتفليقة التي سيدشنها عام 2009 كافية لأن تدخله إلى كل بيت جزائري دون استئذان، وفي مقدمتها مشروعه المتعلق ببناء أكبر معلم ديني في الوطن العربي، يكون بمثابة "مركب ثقافي وعلمي"، يجعل مساجد القطر الجزائري امتدادا له، ويحول الجزائر إلى "منارة إسلامية"، ناهيك الفضاء البيئي الذي سيحول العاصمة إلى "قبلة العائلات"، وبسمة الأطفال، وأكسيد الحياة، بعد أن حاصرها الإسمنت من كل الجهات. لكن الضغوط الداخلية التي تمارس على "عهدته الثانية" بهدف "تسويدها" تكاد تكون امتدادا لمن كانوا يعينون الرؤساء ويزوّرون الانتخابات ويعملون على تحجيم البلاد وتصغير العباد. والمتأمل لعهود الرؤساء الباقين يجدها مرهونة لشعارات سرعان ما تلاشت بمجرد أن غادروا السلطة أو أُبعدوا عنها أو اغتيلوا. فقد تميزت مرحلة الرئيس الأسبق أحمد بن بلة بشعار "الشرعية التاريخية" وكأن الثورة الجزائرية كانت تقاد من "سجن لا صونتي" الفرنسي وليس من الأوراس؟! ولا داعي لأن نذكر بما جرى في نهاية الجلسة الماراتونية لأعضاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية بطرابلس، والمواجهة بين العقيد صالح بوبنيدر وأحمد بن بلة، والتي أدت إلى الانقلاب على الحكومة المؤقتة بقيادة المرحوم بن يوسف بن خدة. أما مرحلة الرئيس الراحل محمد خروبي (هواري بومدين) فقد اختارت شعار "التصحيح الثوري"، وكأن من حكموا الجزائر ما بين 62 - 1965، ليسوا من الثوار، وكيف تجرأ عقيد من العقداء العشرة على إلغاء القبض على الرئيس بن بلة، وإعطاء وعد للجزائريين بإصدار "كتاب أبيض"، واعتبار 19 جوان يوما وطنيا، وكيف جاء بوتفليقة لينهي "مرحلة الشرعية الثورية" بإلغاء "هذا اليوم" من ذاكرة الجزائريين، وهو واحد من طاقم الرئيس الراحل هواري بومدين. أما مرحلة الشاذلي بن جديد فقد جاءت بشعار قانوني وهو "العهدة الدستورية"، بالرغم من أن الدستور لم يحترم إلا حين مات بومدين، حيث تم العمل به بتعيين الراحل رابح بيطاط على رأس المرحلة الانتقالية. وإذا توقفنا عند المراحل الثلاث، يتبين لنا أن الإساءة إلى التاريخ ومن صنعوه وقعت في عهد بن بلة حيث تعرض رموز الثورة للسجن والتشويه والاغتيالات، وأن الإساءة إلى الثوار الحقيقيين وقع في عهد بومدين حيث تحولوا إلى "تجار" أو تمت مطاردتهم ونفيهم. أما الإساءة إلى الدستور أو تجاوزه فقد شهدته مرحلة الشاذلي بن جديد، والدليل أن "استقالته أو إقالته" تركت فراغا دستوريا، لأن اسم عبد العزيز بلخادم، رئيس المجلس الوطني الشعبي لم يكن عليه إجماع لدى أصحاب "المشروع التغريبي". ولأن المشروع الذي كان يحضر للجزائر، بعد توقيف المسار الانتخابي، لم يكن واضحا في أذهان أصحابه، لم يجد له شعارا جاهزا، بالرغم من أن "الديمقراطية الناشئة" آنذاك في الجزائر، كان بإمكانها احتواء أي شعار، ولعل هذا ما دفع كل رئيس من المرحلة الانتقالية وهم محمد بوضياف، علي كافي واليامين زروال، إلى طرح شعارات خاصة بكل واحد منهم، فالشعار الذي طرحه الرئيس علي كافي (جبهة متجددة)، تحولت في عهد اليامين زروال إلى حزب سياسي. ومثلما تداخلت المصطلحات والمفاهيم لدى حتى الصحافيين الذين صارت "الفخامة" توزع على رؤساء الحكومات السابقين أو الحاليين، فقد سبق أن تداخلت مفردة "السمو" لدى المنتخبين حتى صارت تطلق على رؤساء البلديات. ولأن هناك من يريد "التسلل" إلى "حاشية الرئيس"، فقد اخترع أحد الوزراء عبارة "تحسين صورة الرئيس" لينشىء لجنة من الصحفيين للقيام بهذا الدور، وكأن صورة الرئيس يراد لها تغيير حسب المرحلة القادمة. وإذا كان بعض الصحفيين والمسؤولين لم يستسيغوا تقديم العلماء على الوزراء في كلمة الدكتورالعربي الزبيري في الملتقى الأول "مقاومة الأوراس في عهد أحمد باي" المنعقد ببسكرة من 27 - 30 أكتوبر الماضي، فإن بعض الوزراء يعتزون بالمنصب السياسي على المنصب العلمي أو الفكري، وقد قرأت في دعوة إلى محاضرة أن وزيرا سابقا قدم منصب الوزير على المفكر والكاتب. المواطنة "المفقودة"! وإذا توقفنا عند شعارات عهد الرئيس بوتفليقة سنجدها بدأت بـ (مسعاه في الوئام المدني) وحاولت ترقيته إلى "وئام وطني"، ولكنه تدخل ليحوله إلى "ميثاق للسلم والمصالحة" في العهدة الثانية، بالرغم من أن وزير داخليته نور الدين يزيد زرهوني يقول "إن حالة الطوارىء لن ترفع مادام هناك إرهابيون نشطون"، وكأن حالة الطوارىء جاءت لحماية ما سماه سابقا بـ "بقايا الإرهاب" من تحريك المجتمع سياسيا ومدنيا، وفتح المجال أمام المواطنين للمساهمة في "محاصرة الإرهاب". ويخيل لي أن "المواطنة ومحاربة الفساد" هي الشعار الأنسب للعهدة القادمة، لأن المواطنة "مفقودة في الجزائر"، إذا اعتبرنا أن حمل الجنسية ليس شرطا للمواطنة، وأن المواطنة التي جاءت بديلا عن الوطنية التي ارتبطت "بالجهاد الأصغر"، لا تتحقق إلا في الجهاد الأكبر. وما دام الفساد "صار موضة العصر"، فأفضل شعار يمكن للرئيس تبنيه هو المواطنة، بمعنى "الدفاع عن الحقوق والواجبات" ومحاربة الفساد، لأنه الخيار الوحيد لإسقاط رؤوسه في الجزائر وامتداداته "ذات الجنسيات المتعددة". وما دامت المواطنة لا تعني تعدد الجنسيات أو تعدد "اللغات الرسمية" في الدولة الواحدة، ولا تعني التطاول على الآخرين، فهل تستطيع "حاشية الرئيس" أن تعمل على نشر مفهوم صحيح للمواطنة غير المفهوم الفرنسي لها؟ وحتى يدرك رجال الرئيس أن "المواطنة" لا تعني "المساندة والولاء"، وحتى تكون العهدة الرئاسية القادمة هي "عهدة المواطنة والمنجزات الكبيرة" يفترض "كنس" من حوّلوا بالأمس الجزائر إلى "دبابة"، ويريدون اليوم تحويلها إلى "حصانة" وتبييض أموال.
ما لا يقال: الصلاة ''بالوكالة''تاريخ المقال 12/11/2006عبد العالي رزاقي ما يجري في أماكن العبادة من مظاهر خلال أوقات الصلاة أو أيام الجمعة، يكشف عن تصورات ومفاهيم لأشخاص موسومين بـ «أئمة» أو «خطباء» يريد «الاجتهاد» خارج المؤسسات الدينية الرسمية ودخول جماعة ما يسمى بـ «السلفية العلمية» بدأ يثير «الفتنة» بين المصلين خاصة، وأن البعض ممن يحسبون على السلفية راحوا يفتون لمن أسلموا من الأجانب، ممن لا يعرفون اللغة العربية بقبول «الصلاة بالوكالة»، وهو ما أكّده لي الشيخ شمس الدين. وترى أوساط دينية أن الدعاة الذين يقفون وراء هذه الفتنة ينتمون إلى «التيار الديني الوهابي» الذي يحاول تسييس الدين، والتغلغل داخل المنظومات الدينية الإسلامية في الوطن العربي والعالم الإسلامي. إذا كان الشيعة وظّفوا «ولاية الفقيه» لأغراض سياسوية، فإن بعض الجماعات الإسلامية تريد هي الأخرى توظيف «الحاكمية لله» لدعم هذا الحاكم أو ذاك، مثلما استخدم بعض الحكام العرب شعار «الحكم الراشد» لإعطائه بعدا دينيا. الحديث باسم «الرب» وإذا كان رجال الكنيسة، في فترة معينة، سمحوا لأنفسهم بـ «الحديث باسم الرب» ومنحوا «صكوك الغفران» مقابل «الولاء لهم»، فإن «أئمة وفقهاء» من المذاهب الأربعة، لدى المليار ونصف المليار مسلم، سمحوا لأنفسهم بإصدار فتاوى خلال حروب الخليج وخلال الحرب الصليبية البوشية على الإسلام، لصالح هذه السلطة أو تلك، بل هناك من راح يبرّر الأعمال الإجرامية التي ارتكبت في الجزائر، مصر، السعودية، الأردن والمغرب. وقد أنجزت السينما الأمريكية والأوروبية أفلاما للإساءة إلى الإسلام والمسلمين، أو المجتمع العربي الإسلامي، وآخرها «فيلم بركات» لجميلة صحراوي، كما أنجزت بعض الأقطار العربية مسلسلات «دينية» تحت عناوين مثيرة للجدل مثل «دعاة على أبواب جهنم». وكأن من يقف وراء هذه الأعمال مجرد تاجر لبيع تذاكر الدخول إلى «الجنة أو النار»، ومن تتبع الانتقادات التي وجّهت للمسلسلات التاريخية، ممن يريدون الانتماء «لأسرة الحكام» يتبيّن له مدى المغالطات التي يراد الترويج لها باسم الدين. فهل الجهل بالدين هو الذي جعل الكثير ممن يتربّع على »عروش السلطة» يوظّف رجاله لاستمرار حكمه أم أن رجالا في الدين يمارسون «الإجتهاد» للوصول إلى السلطة؟ مازلت أذكر أن الجنرال المتقاعد خالد نزار حين أراد محاربة «التيار الإسلامي» مطلع التسعينيات، إنتقل إلى السعودية لاستيراد «أئمة»، وأذكر أن المرحوم الوزير الأول عبد الغني وجّه تعليمة إلى الولاة بفتح «الحانات» في أعالي الجبال، حتى يربط المدينة بالريف على حساب الدين الإسلامي الحنيف. ولأن هناك تسييسا للدين، فالكثير من المسلمين عندنا لا يفرّقون بين الصلاة كفرض عين أو كفاية، ولهذا تجد أن الكثير لا يشيّع موتاه من المسجد الذي يصلى فيه على الميت، وإنما يتوجّه إلى المقبرة، وحين تقام الصلاة على الميت في المقبرة تحدث «فجوة» ما بين المصلين وغير المصلين، ولو أدرك المشيّعون لـ «أهاليهم» أن صلاة الجنازة فرض كفاية، لأنها من الصلوات التي لا يؤذن لها، لربما تغيّرت الكثير من المفاهيم. إن الصلاة التي توجب مشاركة المصلّي فيها تختلف من دين لآخر، بل إنها تختلف داخل الدين الواحد، ليس في مضمونها، وإنما في طريقة أدائها وتوقيتها، باختلاف المذاهب والطوائف الدينية. ففي المسيحية يقوم الأب بالصلاة بينما يكتفي المصلّون بالحضور، لكن الصلاة في الإسلام تلزم كل فرد على أ دائها بفرده، سواء أكان الإمام حاضرا أو غائبا، سواء تعلّق الأمر بالشيعة أو السنة. الخطاب السياسي والخطاب الديني! وإذا كانت سلطة الإمام لدى أهل السنة أو فقهائها أو علمائها مستمدّة من «المنصب» أو "الراتب الشهري" الذي تدفعه مؤسسات الدولة، وأحيانا للتبرعات التي يجمعها المسلمون لـ «إمامهم» أو «خطيبهم»، فإنها لدى الشيعة مستمدّة من «المرجعية الدينية». ولعل هذا ما جعل أمريكا، قبل احتلالها للعراق، تقنع السيستاني بإصدار فتوى تسمح بدخولها، وهو ما اعترفت به كونداليزا رايس، وكل رئيس حكومة عراقية مجبر على أخذ موافقة المرجعية الشيعية لترشّحه لرئاسة الحكومة أو استقالته منها. والسلطة لدى المرجعيات الشيعية مستمدة من سلطة التصرف في المال، إلى جانب المرتبة العلمية والفقهية التي أخذها من مرجعيات «قُمْ» بطهران أو مرجعيات النجف بالعراق. وأول من أدخل «الحجاب» إلى الجامعة الجزائرية بقسنطينة هم جماعة الشيخ عبد الله جاب الله، وأول من حارب مساجد الدولة هم «جماعة عباسي مدني» حيث روّجوا لمقولة «الصلاة المستحبة تكون في المساجد الخاصة»، وهو ما دفع بالتيار الشيوعي إلى التمسّك بالصلاة في المساجد العامة، كرد فعل على «التيار الإسلامي الجديد». ما يثير الاستغراب، في الظواهر الجديدة، في المساجد و»المصلّيات» هو التلاعب بالوقت، ولا أدري إذا كان هولاء المتلاعبون بـ (الوقت) هم من المذهب العلوي، وهي فئة تزعم أنه لا يوجد وقت للصلاة، وأنه لا يمكن تحديد مكان معين للصلاة، إذ بإمكان المسلم أداء الصلاة في أي وقت يشاء وفي أي مكان يشاء، سواء كان راكبا أو ماشيا أو جالسا أو واقفا. وإذا تأملنا الخطاب الديني في الإسلام، نجد أنه كان في عهد الرسول محمد (صلعم) موعظة، ولم يكن للمساجد أوقات تفتح فيها أبوابها أو تغلق فيها أبوابها، بل كانت فضاء مفتوحا على مدار اليوم، وقد تنبّه الرسول (ص) إلى خطورة استغلال المساجد لأغراض أخرى، فقام بهدم مسجد »ضرار»، لأن اليهود وظّفوه لـ «الفتنة». والمسجد، في الجزائر، منبر سياسي، بالرغم من أنه لم يقم بهذا الدور السياسي خلال الحقبة الاستعمارية (1830 - 1962). وعلاقة السياسة بالمسجد تعود إلى العهد الأموي، حيث انتشرت «الدعوة والدعاء» للخليفة معاوية، فالمصلون يدعون له بالخلود، والخطيب يشتم أعداءه، ولأن أعداءه من أهل البيت فكانت المساجد تستخدم اسم «أبو تراب» لشتم أتباع علي بن أبي طالب. وأصل القصة أن الرسول مرّ بعلي بن أبي طالب وهو نائم تحت شجرة، ووجهه مغفّر بالتراب فقال له: «إنهض يا أبا تراب». فحول هذه العبارة «رجال أمية» إلى شتيمة لجماعة، علي ابن أبي طالب. والسرقة في المساجد لم تدخل إلى الجزائر إلا في عهد التعددية، بدأت بسرقة الأحذية وانتهت بالسجاد والثرية. ومن المفارقات العجيبة أن المصلي الجزائري يضع حذاءه أمامه أو بجانبه، في كيس بلاستيكي خوفا من سرقته. وإذا كان السارق تجرّأ على السرقة في بيت الله، لأنه تعوّد على ذلك، فهل يعقل أن يفكر المصلي في أن يسرق داخل بيت الله؟ وما الفرق بين تفكير السارق والمسروق؟ تحضرني قصة سرقة حذاء بمسجد المدية، حيث كنا على مائدة الغذاء ببيت الشاعر على بن حجر (أحد أمراء المنطقة)، وحين سمعنا الأذان قام أحد الصحفيين بدعوتنا إلى الصلاة معه في المسجد، فذهب الجميع وبقيت وحدي، وحين عادوا طلب مني الصحفي أن أنقله بسيارتي إلى بائع أحذية، لشراء حذاء فاستغربت كيف لا يسرق حذاء الأمير علي بن حجر، ويسرق حذاء صحفي، فرد على على: «لن يجدوا من يلبسه لأنه يتجاوز الـ 44». وإذا كان المسيحيون في الجزائر حاولوا ربط «المسجد بالكنيسة» في كتاباتهم، فإن بعض الصحف الجزائرية حاولت «ربط الحذاء العسكري بالمآذن والمساجد»، فقد قامت إحدى الصحف بلعبة «تكبير المئذنة أو تصغيرها» مقابل حذاء عسكري، بحيث كانت تأخذ لقطة لحذاء عسكري بتكبير لقطته إذا «انتصر على الإسلاميين» أو تصغير اللقطة إذا ما وقعت مجازر أو اغتيالات. فالجهة التي تنتصر كما ترى الجريدة، هي التي تكبّر رموزها، وهي إساءة للمؤسسة العسكرية وللمؤسسة الدينية. غرائب وعجائب مساجد الجزائر؟ من المفارقات العجيبة أن الرواتب الهزيلة لعمال المنظومة التربوية، والإشراف لوزارة الشؤون الدينية على الكنائس تثير الكثير من التساؤلات، أولها أن الوزارة ليست لها سلطة على الشؤون الدينية المسيحية، وثانيها أنها لم تحسّن أجور موظفيها مما جعل الكثير منهم يدعّم راتبه بـ «قراءة الفاتحة» في الخطبة أو الزواج. ربما يأتي يوم ويكتب الشاعر أحمد فؤاد نجم بأن زواجه بالممثلة صونيا كان بقراءة الفاتحة، وأن الإمام الذي قرأ الفاتحة حين رأى نوعية جمهور الحاضرين من الكتاب والشخصيات الوطنية، طلب مضاعفة ما اتفقت معه وهو (500 دينار). ومن القصص الأكثر غرابة أن المرحوم مولود قاسم استدعى أحد الأئمة وسأله عن سبب إقبال الشبان على مساجد لتيار إسلامي معاد للسلطة، فقال له: »ضعوا امرأة في مكان ستتغير الكفة». وحين توفي أحد «شيوخ الشيوعية» رفض أحد شيوخ المساجد إقامة الصلاة عليه، في المسجد الذي يؤمّ المسلمين فيه. أما الغرائب الراهنة فقد حدثت في أحد مساجد سكيكدة، حيث قام إمام بفصل المصلين عن بعضهم «عبر سلسلة» تذكرنا بالعهود الوسطى في الغرب. لا أحد يبرّر منطق وزارة الشؤون الدينية بغلق المساجد ما بين الصلوات الخمس. ولا أحد يبرّر عدم اكتمال المساجد التي بنيت منذ أكثر من 20 سنة خلت، ولا أحد يبرّر استمرار إقامة المساجد وسط العمارات الضخمة أو المكتظة بالسكان ووضع مكبرات الصوت فيها. إن الكثير من المساجد تفتقد إلى النظافة والمرافق العمومية، وحتى إلى المياه الصالحة للوضوء، ولهذا فإن «الوضع القائم» و»المزري» لبعض أماكن العبادة سمح لمن يصطاد في الماء العكر باستخدام «العاطفة الدينية». ولا أستطيع أن أستوعب فتوى لـ «الصلاة بالوكالة» لمن أسلم حديثا، وليس هناك «حملة تنظيف بالوكالة»، لأماكن العبادة ومحيطاتها، ولا أفهم كيف يسرق المسلم في مسجد أو تحوّل أرصفة المساجد إلى «تجارة رابحة»، ولا ينصح الأئمة الناس باحترام الطرقات والأماكن العمومية.
مصير الجزائر في الميزانتاريخ المقال 05/07/2006على مدى ربع قرن ظل يعمل ويكتب حول مصير الجزائر. كان يرى ما لا يراه الآخرون. كان يسير في القافلة ولكن عينه كانت على أول جمل فيها. ربع قرن وهو يؤشر بالقلم إلى المؤشرات الخاطئة التي ترسلها بعض الجهات والأصوات بإملاءات خارجية وجهالات داخلية وعصبيات محلية. بقلم: أ. د. أبو القاسم سعد الله ذلك هو الدكتور أحمد بن نعمان الذي عمل داخل النظام وخارج النظام من أجل وحدة الجزائر، وحذر من الانحراف الذي رفع شعار الشك في المواطنة والهوية، ولم تُغرِه المغريات بالتخلي عمّا آمن به دائما وهو أن هناك خطرا محدقا بالجزائر من جراء التلاعب بالثوابت سواء على لسان المسؤولين أو لسان الحزبيين أو لسان الحاقدين على الثورة. بلغت كتب أحمد بن نعمان عشرين كتابا جمع معظمها عنوان واحد هو مصير الجزائر في الميزان، أو الجزائر إلى أين؟ وحديثه عنها ليس حديثا عن التخلف والتقدم، أو العجز والقدرة، أو الفقر والغنى، ولكنه حديث باحث متخصص في علم الاجتماع الثقافي عن مجتمعه ونفسيته، ودور اللغة في بناء أو هدم الوطن الواحد، ودور اللهجات ومسألة الطائفية والعنصرية، وأثر الدين في وحدة الشعب، وعن الجنسية والوطنية، والهوية وأبعادها الفردية والجماعية، وقيمة التاريخ والحضارة والثقافة المشتركة لدى الشعوب الخارجة من وصاية الاستعمار. تلك هي عينات من المواضيع التي يضرب على وترها قلم ابن نعمان، ولكن أغلب أهلنا لا يدركونها لأسباب مختلفة: فمنهم الجاهل بمراميها لضعف وعيه. ومنهم المتآمر عليها لخشيته منها. ومنهم من يرفع شعار: »بعدي الطوفان«، فلا يهمه مستقبل البلاد ما دام يحقق مكاسبه الشخصية في الحاضر، فلماذا يستفز الآخرين بالحديث عن ماض دفين وحاضر حزين ومستقبل مجهول. إن بعض أهلنا يعرف موضع الداء في الأمة ولكنه لا يجرؤ على البوح به، فهو يشكو منه إليها بدل أن تشكو هي إليه. وهو يعيب عنها طريقة حديثها ولا يفعل شيئا لترقية لسانها ووقف المغيرين على هويتها بل ربما يعمل على سيادة اللغة الأجنبية ونشر اللهجات المحلية والحط من الموروث الثقافي الوطني... من يطلع على السيرة الذاتية لأحمد بن نعمان يتأكد أن الرجل لا يكتب من فراغ. فهو أحد أبناء الجزائر الذين التصقوا بترابها ونشأوا في حضن ريفها ووالوها عن عقيدة وطيب خاطر، وأخلصوا لها منذ نعومة الأظافر، فكان ابن الشعب في فقره وغناه، وابن حسبه ونسبه في دينه ودنياه، حياته كلها كد وكفاح، من الكتاب إلى الجامعة، إلى الوظائف السامية في الدولة. وقد التزم بما كلف به أو بالأحرى اقتنع به وهو العناية بملف اللغة العربية (أو التعريب، كما كان يسمى)، فرعاه وقدم له خدمات مشكورة مع زملائه الذين شاركوه في المنهج والهدف. ما يلفت النظر في كتابات ابن نعمان هو صراحته المرّة أحيانا عند طرح المسائل وتحديد الأهداف. وربما يؤاخذه البعض على هذه الصراحة التي قد تكون سببت له مشاكل ومساءلات. فليس هو عندهم من أهل المداراة والمداهنة. وإذا لم تتضح لك صراحته من اللفظة فإنه يوضحها لك بسجع صريح يكشف عن المكنون، وينزع الظن عن المظنون. فعنوان كتابه الذي بين أيدينا: (مصير وحدة الجزائر بين أمانة الشهداء وخيانة الخفراء)، فهل بعد هذا تحتاج إلى قاموس لتفهم المعنى الذي يرمي إليه؟ والكتاب الذي نشره قبل هذا عنوانه (الردود العلمية على الأطروحات العرقية وتعدد الهوية في الجزائر). كما لا تحتاج عناوين كتبه الأخرى إلى بيان، فهي: (كيف صارت الجزائر مسلمة عربية؟) و(فرنسا والأطروحة البربرية في الجزائر)، و(حزب البعث الفرنسي في الجزائر)... يبدو أن ابن نعمان، مثل نخبة من المواطنين، رفض إلقاء السلاح والانسحاب من الميدان بعد معركة التحرير. فهو قد جرد قلمه لتذكير الناسي، وإقناع المتردد، وتشجيع المحبط، وكشف المرتد. ومن جهة أخرى وجه قلمه لطعن العدو بسلاحه. فإذا كان الفرنسيون يحبون لغتهم ودينهم ووطنهم فلماذا لا يحب الجزائريون لغتهم ودينهم ووطنهم أكثر منهم؟ ألم يصمد هؤلاء طيلة قرن وثلث في ثغور العربية والإسلام والوطن، لا يحمحمون ولا ينكصون على أعقابهم؟ ولو أراد الجزائريون أن يكونوا فرنسيين لما أعجزهم ذلك، ولو تطلعوا إلى زخرف الدنيا لنالوا منه الحظ الأوفر. ومن الواضح أن مرجعيات ابن نعمان ما تزال هي دعوة ابن باديس الإصلاحية، وتراث الجزائر الوطني، ورصيد الحضارة العربية الإسلامية، ثم تجارب الأمم والشعوب التي عانت من قمع الاستعمار. وكان نصيبه من الثقافة الثقافات المعاصرة، قد سهل عليه مهمته في تناول مواضيع مثل: الجنسية السياسية والجنسية الوطنية، وفرنسا والمسألة البربرية، ونفسية الشعب الجزائري، وهاجس اللغة الواحدة أمام اللهجات المحلية. ولا شك أن معرفته للبربرية قد سهلت عليه مخاطبة الفئة التي تدعي الحق في مراجعة مفهوم المواطنة والاستقلال الفكري وبراءة الأهداف وجعلته يكشف عن جهلها وحتى تآمرها أو وقوعها في الشرك الذي طالما اصطاد به الفرنسيون ضعاف النفوس من الجزائريين حين جعلوا منهم »عملاء« يموتون في سبيل فرنسا أثناء الاحتلال. حدث ذلك حين جندت فرنسا جزائريين منحرفين أو مغرورين ليحاربوا في صفوفها ضد قادة المقاومة، وحدث نفسه زمن الثورة حين كانت عناصر منحرفة تحارب »المتمردين« والعصاة إلى أن ارتفعت الغشاوة عن عيونهم فرأوا أن مصير الجزائر غير مصير فرنسا فتابوا توبة غير نصوح وانضموا لصفوف الثورة التي استقبلتهم كأبناء كانوا ضالين، ولكن عناصر أخرى ظلت على غيّها إلى نهاية الثورة فلم يسعها إلا الرحيل مع فلول المستعمرين مذمومة مدحورة، وهي العناصر التي يسميها الناس اليوم (الحركى). لا يبدو أن ابن نعمان يكتب عن الهوية من منطلق ديماغوجي. فظننا أنه كان بإمكانه أن ينغمس في »السياسوية« ـ كما يقول البعض ـ حتى يصل إلى مبتغاه. ولكنه فضل الكتابة بصراحة عن الهوية من منطلق مبدئي وعن قناعة. فهو يعرف أن حالة العرب اليوم ـ والتعريب جزء من ظاهرة التخلف العربي ـ لا تبعث على الفخر. فقد دالت دولة العرب ولم يبق منها الآن سوى قبور تزار وذكريات تثار. أين هي الأيام التي كان فيها أبناء الجزائر يتسابقون على تسمية أولادهم: العربي والهاشمي والشريف وفاطمة وخديجة وعائشة؟ لقد حلّ عند بعضهم عصر أسماء ماسينيسا ويوغرطة وأغسطين ودحية... انتقاما من العروبة والإسلام وابتعادا عن حضارة العرب والمسلمين. ومع ذلك فإنه يبدو أن ابن نعمان لم يتأثر بهذا الانقلاب في بلاده، فهو يعرف أنه انقلاب طارئ استغله دعاة الفرنكفونية القديمة والعلمانية الجديدة، أنصار العولمة الذين يستنفرهم كل ناهق جاء من الشمال، ولو كان ما ينهق به من الهراء والمحال. وخصوم ابن نعمان لا يردون عليه جهارا، رغم أنهم ربما يتآمرون عليه ليلا ونهارا. ونحن نقول له ولأمثاله: أبشروا فإن الجزائر الموحدة قد فهمت هؤلاء الخصوم، وغدا سيُهزم الجمع ويولّون الدبُر. في الكتاب 27 فصلا، مع إهداء ومقدمة شاملة، وصور تاريخية ووثائق في شكل ملاحق. وللمؤلف إحساس مرهف بجمال التعبير والإيقاع الموسيقي للألفاظ. تلمس ذلك من خلال اختيار العناوين وانتقاء السجع. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على تأثره بروح القرآن الكريم وتمكنه من اللغة لأن المرء لا يمكنه أن يدعي إتقان لغة ما إلا إذا نظم بها شعرا وانفعل بموسيقاها. ورغم إلحاح المؤلف على المعاني وتكراره بعض الأحداث فإن الكتاب يقرأ بسهولة خصوصا وأنه مطبوع بحرف واضح على ورق صقيل. ونحب أن نضيف هنا أن الذين تعوزهم الأدلة على الرد على القانون الفرنسي الصادر في 23 فبراير2005 سيجدون في (مصير وحدة الجزائر...) مادة خصبة وأدلة صريحة على بطلان »قانون العار«. فالجرائم الإنسانية والثقافية التي ارتكبها الفرنسيون في الجزائر بلغت من الكثرة والفظاعة بحيث تكاد تطغى على الجرائم السياسية والعسكرية. كما أن من يريد الأدلة على اغتيال الفرنسيين للهوية الجزائرية سيرى بأم عينيه في هذا الكتاب الأمثلة الصارخة، وسيعرف أن ما يقال عن »المهمة الحضارية« في الجزائر ما هو إلا محض افتراء وحديث خرافة يراد به تبرير الاحتلال وتشويه الاستقلال وقتل النزوع إلى الحرية لدى الشعب الجزائري، كما يراد من ورائه تهيئة الأرض لزرع أفكار الهيمنة من جديد وغرس روح الاندماج والتشكيك في قدرة الثقافة الجزائرية على البقاء والإبداع. ملاحظة: أحمد بن نعمان، مصير وحدة الجزائر بين أمانة الشهداء وخيانة الخفراء، دار الأمة، الجزائر، 2005، 527 صفحة.