ينفرد ملحق “الصريح الثقافي” بتسريب صفحتين من الرواية الجديدة للكاتب والإعلامي الجزائري المعروف مراد بوكرزازة. والتي ينتظر أن تصدر بعد أيام قليلة عن دار النشر الرصينة “نوميديا”. وتعتبر “الأيادي السوداء” عملا مغايرا في مسيرة بوكرزازة الأدبية بوصفها تندرج ضمن “البولار” أو الرواية البوليسية وهو الذي عود القارئ على نهج روائي واقعي اجتماعي يميل إلى البنية الشعرية التي يسردها أسلوب التداعي المشبع بـ “أدبيته”.
حين اتصلت بزوجي لاخبره اني لن احضر عند الغذاء، لم يرد.
فقد اعتقدت أنه بإحدى المزارع يحضر ولادة بقرة، او أنه يعالج حيوانا اليفا، بدليل اني قلت في نفسي ، انه سيلاحظ اني حاولت الاتصال به، فيعيد الكرة
لكن حيرتي تضاعفت حين تجاوزت الساعة الثالثة ولم يفعل. من عادتنا أن نكتب لبعضنا البعض الرسائل القصيرة. ثلاث أو أربع مرات في اليوم: كأن انبهه – مثلا- الي انني اشتريت الخبز لا تفعل ذلك، أو أنني سأتكفل بعودة ابنتي من مدرستها عند المساء.. لكن أمره غريب جدا اليوم.. فقد أرسل لي صباحا رسالة قصيرة أخبرني فيها أنه سيكون خارج المدينة، بمزرعة هناك وأن الأمر لن يأخذ منه وقتا طويلا..
ولا أخفي عليكم، زادت حين حين ارتشفت رشفة من قهوة المساء، وكنت احاول الاتصال به أكثر من مرة..
كان الهاتف يرن دون توقف.. لكن لا أحد في الضفة الأخرى يجيب.. بمجرد ان صببت لابنتي حليبها، كانت تصدمني بسؤالها:
الا تعتقدين ان ابي تأخر اليوم..
وعوض ان اضيف بعض القهوة لحليبها، كنت اضع الابريق جانبا واربت على كتفها:
سيعود غاليتي..
غادرت المطبخ وانا لا اقوى على النظر لملامحها، حملت الهاتف مجددا، فتحت – خاصية – الرسائل، ورحت اقرأ رسالته الاخيرة:
“لن اتأخر اليوم”
وضعت الهاتف جانبا، ثم شعرت فجأة بدوران، ارتميت على الاريكة حائرة، وقع نظري على صورتنا – انا وهو- المعلقة بالجدار، بحفل زفافنا.. كنت بكلية الصيدلة وكان بكلية البيطرة..
كان بسنته الرابعة وكنت بسنتي الاولى حين التقينا للمرة الاولى. احببته كما لو انه كان الرجل الوحيد – والاخير- فوق الارض. واحبني كما لو اني كنت فرحته – والاخيرة -.. سريعا تزوجنا رغم معارضة اهلي – في البداية- لكنهم اذعنوا في النهاية لقراري..
يرن الهاتف فجأة، احمله مذعورة وانظر لشاشته، دققت جيدا بهاتفي.. كانت احدى زميلاتي تسألني عن كريم -زوجي- فقد لاحظت اني كنت قلقة جدا وانا انتظر مكالمة منه -لا تجيء
– لم يتصل حتى الان ..تصوري
حاولت ان تمتص حيرتي:
– انا واثقة انه سيطرق الباب بين لحظة واخرى
قاطعتها:
– ليته يفعل ذلك
عدت ثانية للمطبخ.. اصطدمت مجددا بوجه ابنتي شهد.
– هل اتصل ابي
قالت بشيء من الحزن.
– سيفعل
ثم وجدتني اهرب منها مرة بمجرد ان دخلت الصالون.. كان رامي – ابني الاكبر – يدخل البيت دون مقدمات كان يسألني:
– كأن أن امرا ما حدث
قبل ان يضيف:
•- ماذا هناك
كنت سادعي ان لا شيء حدث على الاطلاق لكن ابنتي التي غادرت المطبخ والتحقت بنا
– لم يتصل ابي منذ الصباح وامي قلقة جدا
وضع محفظته جانبا
– اصحيح هذا الكلام
تملكتني رغبة عارمة في البكاء لكني تماسكت
– يكون مشغولا بعمله ..هذا كل ما في الامر
قاطعتني شهد
– لا تصدقها انها قلقة جدا
استدركت الموقف
– ليست المرة الاولى التي يمتنع فيها عن الاتصال
لكن ابني اخرج هاتفه وبسرعة شكل ارقام والده وراح ينصت للرنين -مشدوها
– لماذ لا يرد
عند السابعة مساء تازم وضعي اكثر فقد انتظرت ان يطرق كريم الباب او ان يطمئنني برسالة قصيرة كما كان يفعل ذلك لكنه لم يأت.. كنت ساتصل بأمه لاخبرها لكني تذكرت انها تعاني من ارتفاع ظغط الدم وان صوتي المفجوع -حينها- سيعقد الامور اكثر.. ادرت رقم اخته الهاتفي لكني في لحظة الغيت الفكرة.. كنت كالمجنونة اذرع الغرف جيئة وذهابا وسط ذهول شهد ورامي. انكمشا امام التلفزيون وخيل الي انهما كانا يراقبان حركاتي – وعصبيتي بكثر من الارتباك.. في لحظة كنت اقرر: رفعت هاتفي واتصلت بالشرطة وجاءني صوت الشرطي الخشن على الضفة الاخرى
– شرطة نعم … كيف اخدمك
بتردد رحت اقول:
– زوجي غادر منذ الصباح الباكر ولم يعد حتى الان
لم يمهلني الكثير من الوقت – سيعود اطمئني
محمد رابحي