الوجه الخفي لمدينة قسنطينة
الأحد, 04 مارس 2012
مواطنون يعيشون في الكهوف على أرض متحركة
تقيم أكثـر من سبعة آلاف عائلة ببقايا سكنات مهددة بالانهيار في أية لحظة بمدينة قسنطينة.. رقم كبير يحيل إلى وضع خطير قد ينتهي بكارثة، وفي أية لحظة، كون الأمر لا يتعلق بتصدعات سطحية بل ببقايا بنايات تدهورت مع مرور الزمن لتتحول إلى كهوف إما بفعل التخريب المتعمد أو الإهمال، وأخرى تقع فوق أرضيات متحركة برمجت للإزالة منذ سنوات قبل أن تختزل تماما من دائرة الاهتمام رغم ما تشكله من خطر. هو وجه خفي لمدينة موعودة بمشاريع ضخمة وعمليات تحديث.. حياة بدائية تعود بنا إلى حيث كان الإنسان يقضي حاجته البيولوجية في حفر ويعاشر الأفاعي و الجرذان داخل المغارات، صور لا إنسانية وجدناها بالسويقة ونهج الثوار بقلب قسنطينة تطرح أكثر من علامة استفهام عن سياسة التعمير بواحدة من أقدم مدن الجزائر .. وبغض النظر عن الأسباب التي سمحت بخلق هذا الوضع فإن بقاء الأمر على ما هو عليه لا يشرف إحدى أقدم الحواضر التي فقدت نسيجها العمراني وفقدت صفاتها أيضا
• ملف من إعداد: نرجس كرميش - إيمان زياري /تصوير: الشريف قليب
عائلات تقيم وسط الأنقاض تطالب بالترحيل العاجل أو الخيم
شتاء الرعب والترقب بالسويقة السفلى
الحياة بحيز واسع من قسنطينة القديمة لها معان أخرى و تشعبات لا يعرفها إلا من عاش داخل ما تبقى من هياكل بنايات تقع أسفل السويقة ونقاط أخرى من المدينة.. هو نسيج عمراني متشابك لا تتقاطع يومياته مع ريتم الحياة العادي في شيء، لأن الأمر يتعلق بوضع استثنائي لا مكان للمنطق فيه.
فصل الشتاء بالنسبة لسكان المدينة العتيقة يعد مرحلة خاصة تتطلب استعدادا نفسيا لأي شيء بما ذلك الموت، "قد ننام ولا نصحو أبدا" تقول عجوز في السبعين، قضت العشر الأخير من عمرها في التعايش مع الركام والتصدعات، تعترف بأنها مؤخرا أصبحت صديقة للجرذان ومتذوقة للنغمة المترتبة عن القطرات المتسللة من السقف والتي ينتهي بها المآل في إناء ما يوضع في ركن ما من بيتها المهدم على غرار باقي المنازل المجاورة أو تلك الواقعة في أبعد نقطة من قسنطينة العتيقة، النوم هجر السكان ليسكنهم خوف تجذر في نفوس حتى أكثر الناس تفاؤلا وطال فئات يفترض أن وعيها لم يكتمل بعد، فأطفال أزقة السويقة ومختلف الأنهج فتحوا أعينهم على وضع جعلهم يعرفون معنى الحاجة إلى سقف آمن لأن أسقف بيوتهم ينبعث منها الضوء والهواء والماء والزواحف.. ما كان يعرف بالمدينة القديمة تحول اليوم إلى مجرد أطلال تسكنها عائلات ترى بأنها أصبحت خارج الزمن.
أسقف من بلاستيك، جدران من خشب ومنازل مفتوحة على العراء
حالات صادمة وقفنا عليها بالسويقة، قلب المدينة القديمة.. المجمع السكني الضخم الذي يؤرخ لفترة مهمة في حياة القسنطينيين يصنع اليوم واقعا يختلف في ملامحه عن الوضع السابق، العيش داخل هذا الجزء تحول بمثابة كابوس متواصل ومسلسل من التوجس والهروب والترقب،، دخلنا الحي من الأسفل بالجزء المسمى ب"الشط" عبرنا طريقا ضيقا أين وجدنا معظم المنازل مغلقة، بعد تغيير أبوابها الخشبية بأخرى معدنية تشبه بوابات المآرب، لكن وعند نزولنا يمينا بدت لنا باب صغيرة تؤدي إلى منزل اعتقدنا للوهلة الأولى أنه خال إلى أن وجدنا سيدة في الستين من العمر استقبلتنا بابتسامة تخفي مرارة اكتشفناها بمجرد أن بدأنا في السؤال عن وضعية المكان.. فجأة تغيرت ملامح تلك المرأة وبدأت تسرد لنا قصتها مع السكن و كيف قضت أربعين سنة في منزل تلاشى تدريجيا إلى أن تحول إلى خراب، المرأة تقتسم ما تبقى من البناية مع خمس عائلات أخرى لكل واحدة منها غرفة صغيرة أو ما يعرف ب"المجلس"مع استخدام الأروقة لأغراض مختلفة بوضع عوازل من الخشب والبلاستيك لخلق فضاءات تستعمل كمطابخ وغرف للأكل وحتى للنوم، السلالم تآكلت ويتطلب عبورها الانحناء قبل بلوغ طابق علوي لا يختلف في تفاصيله عن الأرضي، ضيق الغرف حتم توزيعا معينا للأثاث وحصره في أكثر الأشياء أهمية كخزانات الملابس التي لاحظنا أنها صغيرة جدا، كون الغرف لا يزيد علوها عن المتر ونصف، كما أن معظم العائلات بهذه البناية وغيرها تستعمل خزانات من البلاستيك أو لم تغير الأثاث منذ سنوات لأن الرطوبة والمياه المتسربة تؤدي إلى تآكله السريع، وهو ما وقفنا عليه لدى عديد العائلات أين وجدنا بقايا أثات قديم ولاحظنا أن معظم الأدوات الكهرومنزلية أكلها الصدأ، كما تشترك معظم البيوت التي زرناها في استخدام شرائط البلاستيك والقماش في الأسقف والجدران وحتى لتغطية الأفرشة للحيلولة دون وصول الماء، البناية تعمها ظلمة يكسرها ضوء خافت منبعث من مصابيح قالت لنا أم شابة أنها على تعددها لا تفي بالغرض لأن المنزل يقع أسفل هضبة وأضافت أنها تكاد تصاب بالعمى من قلة الإضاءة وأبناءها يتنفسون بصعوبة من الرطوبة المتفشية في المكان، أما الأسقف فتبدو وكأنها تعود إلى عصر غابر بعد أن غطتها طبقة من السواد وبدت أخشاب العرعار متلاشية وموشكة على السقوط بينما كانت الجدران في حالة تمايل والأرضيات ذات مستويات مختلفة.
الغرف على ضيقها تأوي ما لا يقل عن أربعة أفراد في العائلة الواحدة و باختلاف الأرقام وتسميات الشوارع التي تدل على هذا المنزل أو ذاك تبقى البنايات متشابهة مع تباين بسيط في الهندسة الداخلية أو لنقل التشوهات لأننا لم نجد دارا أو غرفا مكتملة المعالم إلى درجة أن مواطنين أكدوا أن الانهيارات لم تعد تشكل أي حدث بالنسبة إليهم لأنها تحصل في كل وقت وفي أي بيت بل أصبحت بينهم وبين الأنقاض ألفة حولتها إلى جزء من حياتهم.
بشارع "دعرة قدور" وبالتحديد المسكن رقم 6 اعتقدنا أننا دخلنا بناية غير آهلة بالسكان كونها كانت مهدمة و أيضا بسبب الهدوء الذي خيم على المكان قبل أن تفاجئنا امرأة سألناها إن هي من سكان البيت هزت رأسها وقالت "نعم هو البيت أنا خرجت لأتنفس هواء نقيا ...اختنقت بالداخل "لكننا ورغم ما أوحى به كلامها لم نكن نتوقع ما رأيناه،، وسط الدار به كميات مهولة من الركام تم تجميعها في الجزء المهدم ولم يعد للبناية جدران خلفية حيث أصبحت تطل على الشارع الذي هو طبعا مجموعة من المنازل المهدمة، السكان قالوا لنا أنهم يعيشون في الجزء الأقل ضررا وأكدوا بأن الخوف سكنهم ومنع أبناءهم من ممارسة حياتهم الطبيعية خوفا من سقوط جدار أو سقف.. السيدة رافقتنا إلى مسكنها الذي هو عبارة عن غرفة مقسمة إلى جزئين أحدهما يستعمل كمطبخ والآخر فضاء لكل الأغراض خصص ركن منه للابن الأكبر.. مراهق تقول والدته أنه لا يدخل البيت إلا للنوم وأن أفراد أسرتها الستة يغيرون ملابسهم بالدور،، المرأة أصيبت بمرض قلبي "نتيجة ظروف العيش الصعبة"، لم تبلغ الأربعين لكنها تقول أن حياتها لم يعد لها معنى ولم تحس بسنوات عمرها التي مضت والتي قضتها داخل مكان لا يصلح حتى للنوم.. وأضافت أنها لا تستقبل ضيوفا ولم تعد تحسن مد رجليها من شدة ضيق المكان،، كل ما تخشاه هو أن يقضي أبناءها حياتهم بنفس الطريقة .. لأنهم "محرومون حتى من مشاهدة مباراة في كرة القدم",, اعترفت السيدة أن طاقة الاستيعاب لدى أطفالها تراجعت وتحمد الله أن أكبرهم لم يتجه نحو الانحراف، مشيرة أن الفوضى تعم حياتها ولم تعد تحسن ترتيب البيت .
دار دايخة تستغيث
ونحن نقترب من دار معروفة لدى القسنطينيين تسمى ب"دار دايخة بنت مونى" كنا نعتقد أن البعد التاريخي للمكان قد يجعلها في منأى عن ما طال البيوت العادية من خراب، لكن بمجرد ولوج المدخل المسمى ب"السقيفة" والتقدم نحو وسط الدار، وجدنا المشهد ذاته، طابق أرضي تحول إلى مزبلة للركام ، خيوط كهربائية متشابكة، أخشاب متساقطة هنا وهناك تصدعات، جدران مائلة، أرضيات غير مستوية، سلالم منهارة.. وجدنا مصدات في الطابق الأول قسمته إلى شطرين ..الرخام أو ما يعرف ب"الزلايج" لم يعد له وجود وبقيت بعض آثاره فقط وقد استبدل ببلاط غير متناسق لترقيع ما أفسده الزمن. ممثلة عن الملاك، لا تزال تقيم بالمكان، تأسفت لما طال المنزل من خراب وقالت أن ملف الترميم مرمي في الإدارة منذ سنوات ولا يوجد من يعيره اهتماما ، بكت وهي تتحدث عن تهدم البناية ، قالت لنا أن ما كان يشبه القصر أصبح اليوم "دار رايبة" فتحت لنا باب الغرفة التي تحولت إليها بعد أن انهارت أخرى وقالت "هذه غرفة صغيرة مقارنة بباقي الغرف.. أنظروا، كيف لي أن أترك مكانا كهذا وأسكن شقة صغيرة"، الغرفة بدت و كأنها مسكن مستقل هندستها تعبر عن تقسيم يعكس نمط الحياة لدى العائلة القسنطينية، المطبخ في آخر الغرفة يفصله قوس عن باقي المساحة وفي الجدارين نجد ما يشبه الخزائن او ما يسمى ب"الدكانة" لوضع الملابس و الأفرشة و"العلي" للنوم و"القبو" للجلوس إضافة إلى فضاء أوسع يستخدم كصالون، في تقسيم ذكي يجعل الغرفة شقة مستقلة،.. الجدران تزينها زخرفات و آيات قرآنية منقوشة بإحكام.
دار دايخة التي تقول مالكتها أنها دعامة لكافة بنايات السويقة، لموقعها، صنفت على أنها خطر على ساكنيها وتمت مطالبة أصحابها بأن يخلوها لكنهم رفضوا ذلك مع علمهم بأن حياتهم مهددة شأنهم شأن كل سكان شارع بن زقوطة الذي وقفنا به على حالات تفوق كل تصور، مواطنون أكدوا بأنهم مروا بأحلك أيامهم خلال الاضطرابات الجوية الأخيرة وسجل بهذا الجزء من السويقة معدل انهيارات غير مسبوق باعتراف السكان أنفسهم، يكفي إلقاء نظرة من الخارج لتخيل باقي المشهد.. غرف معلقة في الهواء وأخرى يتطلب الوصول إليها عبور أكوام من الأنقاض والقفز على حفر أو استعمال أبواب وأخشاب وبدائل عن سلالم لم يعد لها وجود ، بيوت تم غلقها وأخرى أخليت جزئيا، العاصفة الثلجية كانت بالنسبة لمن زرناهم محطة فارقة في حياتهم نقلتهم من مرحلة الخوف إلى الذعر وقد لمسنا تخوفات كبيرة من حدوث إنهيارات في فصل الربيع مثلما تعود عليه السكان عقب كل شتاء..
رعب، أمراض وحالات إجهاض بشارع بن زقوطة
في السويقة الأبواب والنوافذ والأسقف تداخلت استعمالاتها.. قد تدخل من الباب لكنك تخرج من النافذة، وقد تصعد بابا كي تصل إلى غرفة أو تعبر سقفا كي تخرج .. وهو ما وجدناه فعلا في نهج بن زقوطة بنسيجه المتشابك وبيوته المتلاصقة التي تتكئ على بعضها البعض في فعل السقوط لتتداخل بشكل يجعلك غير قادر على تحديد نهاية بيت من بداية آخر ولا تفرق بين من يسكن هنا ومن يسكن هناك، طالما لا توجد جدران تفرق بين جهة وأخرى ولا مداخل مستقلة.. يمكن الوصول إلى أية نقطة من أي باب ودخول أي سكن عبر جدار مهدم أو أرضية مفتوحة على ما تحتها في ديكور لا تجده إلا في قسنطينة القديمة بوجهها البائس وواقعها الذي يرثيه السكان لكنهم يطالبون بإبعادهم ولو معنويا عن خوف سكن المكان، حيث قالت لنا سيدة أنها لا تنتظر أكثر من ورقة تجعلها تعيش على أمل الجلوس على طاولة العشاء مع كل أفراد العائلة كون الضيق حتم على الزوج العمل كحارس ليلي حتى يترك لأبنائه مكانا للنوم، وأضافت أخرى أن ابنها أصيب باضطرابات نفسية بينما قال لنا رب عائلة أنه لا يعرف ما معنى الحياة المستقرة وأن أكثر ما يخشاه حدوث كارثة قد تأتي على الجميع، و أكدت أمهات أن حالة من الهلع سادت في الأسابيع الأخيرة وكانت سببا في حالات إجهاض وإصابات بأمراض خطيرة و إضطربات نفسية وعصبية بسبب حدوث انهيارات متتالية .
3800 عائلة تقطن سكنات مهددة بالانهيار بالمدينة
جزء كبير من المنازل التي زرناها قال سكانها أنهم سكنوها بعد عمليات الترحيل التي حدثت في الثمانينات لكنهم يرون بأن بقاءهم لعشرين سنة في نفس المكان يبطل رواية لجوئهم إلى المدينة القديمة للحصول على سكن أو التهديم المتعمد وأكدوا أنهم بعد أن كبروا وتزوجوا كانوا مضطرين للإقامة في تلك الكهوف والمغارات بدل التشرد، وعبر مراهقون عن تذمرهم لما يجري مؤكدين بأنهم يتداولون أخبار الانهيارات فيما بينهم في شكل من السخرية على واقع دفع بعضهم إلى الانحراف.. أما الأطفال فقد منعوا من الخروج إلى وسط الدار أو الشارع بسبب أخطار الركام و المنحرفين و الجرذان التي كانت سببا في انتشار رهيب للقطط السمان بكافة أرجاء ما تبقى من السويقة، وقد أجمع أغلب من تحدثنا إليهم أنهم مستعدون للإقامة داخل خيم أو مراكز عبور بدل معاشرة الموت.
عمليات الإحصاء الأخيرة تفيد بأن هناك 3800 عائلة تقيم بسكنات غير لائقة بالمدينة القديمة منها 750 عائلة بالسويقة حيث أفاد مصدر، رفض الإفصاح عن هويته، أن فرق الإحصاء وجدت بالسويقة وضعيات غير إنسانية تتطلب التحرك العاجل سيما بالجزء السفلى. نرجس كرميش
بلدية قسنطينة تحمل المستأجرين مسؤولية الهدم المتعمد وتكشف
غرباء إحتلوا سكنات مهجورة في جنح الظلام
أكد مدير التعمير ببلدية قسنطينة السيد مشوش موسى أن مشكلة المدينة القديمة في أنها تحولت في فترة ما إلى طريقة سهلة للحصول على السكن حيث رحل عدد كبير منها نحو بوالصوف و الزيادية و القماص وأحياء كثيرة لكن البنايات ظلت آهلة بالسكان وعدد من بها يتزايد يوميا وتطور الأمر فيما بعد إلى تهديم متعمد من المستأجرين بطرق مختلفة كضرب الأساسات أو وضع خراطيش المياه لأيام مستدلا بحالة منازل يقطنها الملاك بقيت في وضعية جيدة عكس تلك المهملة أو المؤجرة. وحسب المسؤول فإن المواد التي تدخل في بناء السكن القديم سهلة الهدم وشديدة التأثر بالمياه الأمر الذي مكن البعض من الاستفادة من السكن بطريقة سريعة وحول النسيج العمراني القديم إلى مجال للمضاربة بالعقار، حيث استولى أشخاص على بنايات مهجورة تم إخلاؤها و عاودوا كرائها وبيعها و احتلالها في جنح الظلام الأمر الذي تنبهت له السلطات في 2001 وتحديدا في عهد الوالي السابق الطاهر سكران الذي أمر بفتح تحقيق أمني حول السكنات المحتلة، وقد أسفر العمل كما يضيف السيد مشوش عن إحصاء 50 دارا منهارة محتلة من طرف 200 عائلة.
ما عرف أنذاك بفضيحة السويقة إثر تهديم 45 بناية وتدخل وزيرة الثقافة بتحرك من جمعيات محلية ووطنية وملاك كان سببا في منع البلدية من التدخل بأي شكل من الأشكال إلا وفق رخصة مسبقة من مديرية الثقافة لتعود العائلات التي تم طردها تدريجيا إلى منازل أخرى داخل السويقة، وكان تعيين السيد عبد المالك بوضياف على رأس ولاية قسنطينة محطة أخرى فارقة في حياة سكان المدينة القديمة حيث قرر المسؤول وفق ما أفاد به محدثنا وقف منح سكنات اجتماعية لقاطني المدينة القديمة و السويقة خصوصا وأمر بمنع عمليات بيع وكراء العقار كما طالب بإعادة إحصاء المحتلين لإخراجهم بالقوة العمومية لكن ذلك لم يحدث قبل تحويله إلى ولاية وهران.
الوالي الحالي أيضا كانت له طريقته في التعاطي مع الملف الذي أعاد فتحه وقرر منح حصة سنوية ب500 سكن لقاطني المدينة القديمة وكلف مكتب الهندسة والعمران سو بإحصاء السكان الذين يقدرون في حدود 3800 عائلة منهم 750 عائلة تقطن السويقة إلا أن البلدية أحصت 120 بناية تشكل خطرا على سكانها الذين لا يتعدى عددهم في تقدير مدير العمران 500 عائلة أي ما يعادل الحصة التي من المقرر منحها هذه السنة وفق ما صرح به الوالي في أكثر من مناسبة.
المسؤول لم ينفي ما يشاع حول وجود بيوت تستعمل لأغراض مشبوهة داخل السويقة وقال أن مصالحه اكتشفت حالة تم طرد أصحابها لكنه يرى بأن التخلص من الظاهرة يدخل في صميم عمل المصالح الأمنية. نرجس/ك
المدينة القديمة في أرقام
72 % من سكان السويقة يرغبون في الترحيل و20 % من البنايات فقط بها حمامات
المرحلة الثانية من مخطط حماية المدينة القديمة كشفت عن أرقام تعبر عن وضع عمراني و اجتماعي خاص يتطلب تحركا إستعجاليا لكن مديرية الثقافة تقول أن التدخل في القطاع المحفوظ يخضع لإجراءات محددة قانونا.
الدراسة أحصت وجود 1164 بناية لكنها لم تشمل سوى 1065 بناية فقط بسبب رفض بعض المواطنين التعامل مع الفرق المحققة، وقد تبين بعد المعاينة أن 133 بناية فقط في وضعية مقبولة و312 بناية في وضعية متوسطة و575 بناية في حالة متدهورة منها 248 بناية في حالة متقدمة من التدهور و139 مهدمة جزئيا و88 مهدمة كليا و بالسويقة السفلى توجد 115 بناية قائمة منها 48 منزلا مهدما جزئيا و15 منزلا مهدما كليا .
وتشير المعطيات المعلن عنها في المرحلة الثانية من المخطط أن المستأجرين يمثلون 54 بمالئة من السكان وأن 15بالمائة من الملاك فقط لديهم عقود رغم أن الملكيات الخاصة تمثل 75 بالمائة، وبالنسبة لأسباب الإقامة في المدينة القديمة تكشف الأرقام أن 50 بالمائة دفعتهم الحاجة إلى السكن نحو السويقة وغيرها من الأحياء القديمة بينما تقدر نسبة الملتحقين بحثا عن حسن الجوار ب 1.27 بالمائة، ويطرح السكان مشاكل متعلقة بالتطهير و انتشار المزابل و اللاأمن والمناوشات وهو ما جعل 72 بالمائة من سكان السويقة مثلا يعبرون عن رغبتهم في مغادرة الحي.
اجتماعيا تقدر نسبة العاطلين بالسويقة ب32 بالمائة وهو ما يفسر بقاء عائلات بسكنات لا تتوفر على أدنى الشروط حيث أن 20 بالمائة فقط من البنايات بها حمامات خاصة بكل عائلة.
مدير الثقافة السيد جمال الدين فوغالي قال أن مخطط حماية المدينة القديمة قطع أشواطا هامة من المقرر أن يعرض العمل النهائي شهر ماي المقبل على المجلس الولائي للمصادقة على أن يشرع في العمل عند تنصيب الوكالة الوطنية للقطاع المحفوظ وهي الجهة الوحيد المخولة قانونا للتدخل، لكن المسؤول قال بأن هناك عمل سبق الدراسة يجري بملاح سليمان، وأشارت رئيسة مكتب ترقية التراث لدى نفس الإدارة أن 65 بناية مبرمجة للترميم في المشروع النموذجي منها عشر بنايات يجري بها العمل منها ما توقف لإنسحاب المؤسسة المشرفة وتم اللجوء إلى تسخيرات بأمر من الوالي لبعث العمل من جديد.
مدير الثقافة قال أن السويقة السفلى خصت بعمليات إستعجالية تتطلب إمكانيات معينة لكن لن يشرع فيها قبل المصادقة على القانون وأن الدراسة أحصت 575 بناية معنية بالترميم وقد خصصت مبالغ ضخمة للمشروع الذي يقول أن أوانه لم يفت لأنه كان لابد من وضع الأمور في نصابها القانوني لإنقاذ ما تم إحصاؤه بكل الإمكانيات لإستعادة بريق المدينة وهو عمل قال أنه يظهر في غضون السنتين القادمتين. نرجس/ك
بن عباس سامية باحثة ومختصة في المواقع الأثرية
الترميم مجرد صفقة تجارية بمكتب دراسات غير مؤهل
الأستاذة بن عباس تعتبر من أكثر المختصين الذين انتقدوا مخطط حماية المدينة القديمة وعمليات الترميم التي تمت بشارع ملاح سليمان واعتبرت ما تم إلى اليوم من دراسات وأشغال مجرد صفقة تجارية لن تغير شيئا في وضع المدينة القديمة حيث أكدت لنا أن الدراسة أسندت لمكتب غير مؤهل وقد تمت بشكل سطحي مستغربة منح دراسة بهاته الأهمية لمكتب يدخل المجال لأول مرة ، وتقول المتحدثة أن الدراسة تحولت عن الموضوع الرئيسي لتتطرق لمشاريع التحديث وأشياء لا علاقة لها بمحيط محدد ومصنف.
وبالنسبة لما جرى من ترميمات قالت الباحثة أنه تم استقدام مؤسسة من ولاية تختلف في تفاصيلها ونمطها عن مدينة قسنطينة مؤكدة بأن الأمر يتعلق بنموذجين مختلفين وبيئتين متباينتين.
المتخصصة ترى بأن طريقة فرض مخطط الترميم وتمريره تدل على أن العمل لم يكن تقنيا بحتا بقدر ما كان تجاريا، مؤكدة بأنه ومهما كانت جدية أية دراسة لن تكون ذات فعالية لأن الجزائر لا تتوفر على مكاتب مؤهلة ولا مؤسسات ذات اختصاص في البناء القديم الذي قسمته إلى قسمين، البناء القديم عمرا وهو نمط يتطلب، حسبها، أشغال دعم و تغطية شاملة ومختصين في ترميم الحجارة و الآجر وغيرها من المواد، أما الصنف الثاني فهو أثري ويخضع لعمليتين إما الترميم أو إعادة التأهيل والتجديد وهما عمليتان مختلفان جدا.
وترى المتحدثة أن النوع الثاني هو ما سيحدث بقسنطينة القديمة كون البنايات غير قابلة في أغلبها للاسترجاع في نظرها حيث قالت أن شارع بكوش لخضر مثلا به 48 بناية اثنتان منها فقط قابلة للاسترجاع وتبقى كشاهد على النمط العمراني الذي ستتم المحافظة عليه عن تعويض البنايات المهدمة مثلما حدث بمدينة سيدي بوسعيد بتونس.
السيدة بن عباس قالت أن مخطط الماستر كان عبارة عن نقل لما ورد في رسالة بحث تخصها وقالت أنها شاركت طيلة 21 سنة في عمل قامت به البلدية سابقا اعتمد على وضع التصدعات تحت النظر لمراقبة تطورها وأن المصالح المختصة آنذاك منحت رخص ترميم تحت إشراف مهندسين، وفي تحليلها المدينة القديمة اليوم والسويقة تحديدا تتطلب عملا جبارا يستغرق في أحسن الحالات ما لا يقل عن عشر سنوات بوسائل ضخمة و بطريقة تدخل متواصل في شكل خلية نحل تعمل ليل نهار مشيرة أن الأمر قد يمتد إلى عشرين سنة كاملة.
المدينة القديمة برأي المهندسة المعمارية بدأت تهدم عندما تدخلت فرنسا وهدمت ما كان موجودا بشارعي ديدوش مراد و زيغود يوسف كما زاوجت بين مواد غير متجانسة كالحجارة والحديد مما أدى إلى الصدأ وبالتالي التصدع ليتفاقم الوضع تدريجيا ويبلغ ما آل إليه اليوم من تدهور ملحة على ضرورة الاستعداد للمرحلة العملية بالتكوين بداية من التكوين المهني إلى الجامعة والمؤسسة عمومية كانت أو خاصة. ن/ك
آلاف العائلات مهددة بسبب تأخر تسوية ملف الانزلاقات
سكان يعيشون داخل كهوف و مغارات بوسط مدينة قسنطينة
كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة و النصف صباحا عندما وصلنا إلى أحد ممرات وسط مدينة قسنطينة، كان الهدوء يخيم على المكان و بدونا و كأننا نلج مدينة دمرتها قنابل حرب طويلة أو ضربها زلزال بقوة عالية، الأرضية مهتزة و كل الأنابيب و البنى التحتية خرجت إلى العراء، بنايات متمايلة، جدران منهارة، نوافذ و أبواب معلقة من جانب واحد تخاف من سقوطها إذا ما تقدمت نحوها.
هكذا كان الوضع بممر بسطانجي، كنا نظن بأن الحي غير مأهول بالسكان بفعل وضعية البنايات، غير أننا تفاجأنا و نحن ننزل الدرج بأحد الشباب يتنقل فوق الأرضية المتصدعة من أجل الوصول إلى أحد البيوت، اقترب منا و حاول الاستفسار عن سبب زيارة أشخاص غرباء عن الحي في هذه الساعة، قدمنا أنفسنا فبدا الرجل و كأن الشمس قد سطعت بعد غروب طويل، سألناه إن كان من سكان الحي فرد»بالتأكيد، و هذا ما تبقى من بيتي».
في الجهة المقابلة و من باب حديدي يلتصق بجدار من جانب واحد، أطلت سيدة كانت ترتدي كنزة صوفية و تضم نفسها بذراعيها الباردتين، ابتسمت عندما رأتنا و نظرة الحزن في عينيها، قالت:» تعالي لتشاهدي أين أعيش و عائلتي»، ظننا بأنها تمثل دورا في مسلسل التحايل على القانون من أجل الحصول على سكن كما يفعل الكثيرون، غير أننا و بعدما لبينا دعوتها صدمنا بواقع الحياة خلف تلك الجدران المنهارة، فمن بيت بغرف كثيرة، لم تبق الإنزلاقات إلا على غرفة واحدة ينام داخلها الجميع و مطبخ شبه عار عندما تفتح البابين تطل مباشرة على العراء و يقابلك ديكور مخيف من بقايا بنايات منهارة كليا و بعض الأغراض المنزلية التي تعرضت للتلف بعد أن غطتها الردوم، فلا حمام، و لا مرحاض و كل الفضلات تصب في العراء، و حتى الحنفيات كانت معلقة و كأن الماء يمرر عبر الأنابيب من السماء مباشرة و ليس عبر قنوات تحت الأرض كما هو معروف.
مقابر للأحياء بالمنطقة الحمراء
ممر بسطانجي المتواجد خلف أحد أزقة شارع قيطوني عبد المالك، هو حي تسكنه قرابة الـ300 عائلة، جل بناياته مهددة بالانهيار بفعل وقوع الحي في المنطقة الحمراء بقسنطينة و هي منطقة الإنزلاقات التي كانت وراء انهيار مئات البنايات القديمة منذ سنوات طويلة، سكان الحي يصارعون الموت في كل يوم وكل ساعة، غير أن أخطر الأوضاع هي تلك التي تعيشها العائلات الـ26 التي كانت قد انهارت أجزاء كبيرة من بناياتها بتاريخ 26 من أكتوبر من العام الماضي، تلك الليلة التي طبعتها التصدعات و دويها الذي أيقظ السكان و أخرج الممر من سكينته النسبية في ساعة متأخرة من المساء، لتقرر عندها المصالح المعنية بالولاية من حماية مدنية و أمن بعد معاينة البنايات بأنها آيلة للسقوط و من الضروري إخلاؤها فورا و ترحيل سكانها إلى بيوت لائقة في غضون أسبوع، غير أن الأسبوع تضاعف عشرات المرات و لم تف السلطات بوعودها التي ظلت مجرد كلام يطمئن به المسؤولون مواطنون يعيشون على بصيص أمل قد يتحقق معه حلمهم بالعيش داخل بيت سليم و آمن، عوض العيش تحت أنقاض بنايات حولت الحي إلى ما يشبه المقبرة الجماعية لضحايا غطاهم الركام.
و إذا كان سكان ممر بسطانجي يعيشون في أشباه المقابر، فإن الحياة بنهج الثوار لا تختلف كثيرا، فقد وقفنا خلال جولة مفاجئة لنا بالحي على واقع مؤسف، أين دخلنا بيوت عائلات تعيش داخل أقبية أو داخل سجون كما سماها السكان، فبمرورنا عبر الشارع الرئيسي للحي بدت البنايات متماسكة نوعا ما، غير أن الأزقة الضيقة قد كشفت عن عكس ذلك أين كانت البنايات المتلاصقة منذ أزمان غابرة حسب تعبير أحد السكان بجدران متمايلة و أخرى متشققة و متصدعة و منهارة.
نهج الثوار الذي يضم أزيد من 1400 عائلة حسب آخر إحصاء، لم ينجو من خطر الإنزلاقات خاصة و أنه يقع بالمنطقة الحمراء بجوار ممر بسطانجي، فأغلب البنايات به مهددة بالانهيار في أي لحظة، بيوت نهج الثوار التي كانت تبدو كعجوز هرم يصارع الموت و يتكؤ على عصا هشة صدمنا بهندستها التي تعيدك إلى الحقبة الاستعمارية أين تسكن عائلات داخل ما يشبه المغارات، فأبواب كل البيوت صغيرة جدا و تبدو جد مهترئة، خفنا و نحن نحاول الدخول عبرها غير أن مرافقينا و سكان البيت منحونا نوعا من الثقة بعدم انهيارها في الفترة الحالية على الأقل، دخلنا البيت و كان جد مظلم و لا يوجد بيه إلا نور المصابيح التي لا تطفؤ ليلا و لا نهار في ظل عدم وجود و لو نافدة واحدة بهذا البيت.
عائلات تبيت في العراء و أخرى تختزل السكن في غرفة واحدة
تسببت الانهيارات المتتالية لبيوت المواطنين بممر بسطانجي و كذا بنهج الثوار في إخراج الكثيرين من بيوتهم، حيث توجهت عائلات من ممر بسطانجي إلى مساكن بعض أقربائها أو مرائب في انتظار ترحيلها إلى بيوت لائقة كما وعدتها السلطات المعنية، في حين لم تجد باقي العائلات مكانا للتوجه إليه و اختارت الاستمرار في العيش بالجزء المتبقي من بيوتها وسط رعب خوفا من انهيارها في أي لحظة.
أما العائلات المتضررة بنهج الثوار فقد قررت هجر الجزء الأكبر من بيوتها و أرغمت على الاستقرار في غرفة واحدة في الطوابق الأرضية التي تبقى أفضل من الغرف المتواجدة بالطوابق العلوية التي هجرها السكان بسبب ما ألحقته بها الانهيارات، فبالرغم من وجود نوع من الحياة في الطوابق الأرضية للبنايات، فإنها تنعدم بالطوابق العليا التي تبدو و كأنها مهجورة منذ سنوات طويلة، هكذا كان الوضع داخل كافة البيوت التي زرناها بهذا الحي، كل الأماكن ضيقة، أفراد كثر يعيشون داخل غرف قليلة، أغراض بالية، قديمة و أفرشة جمعت إلى أن وصلت إلى أسقف البيوت القصيرة، أرضيات مائلة و تشققات تتسع هوتها عند طلوع كل صباح حسب السكان.
و بحي قايدي عبد الله، فإن نمط العيش لا يختلف كثيرا في ظل وقوعه في المنطقة الحمراء أيضا، فأزيد من 1170 عائلة حسب إحصاء لجنة الحي تواجه خطر الموت بسبب انزلاق التربة و تدهور وضعية البنايات، فحتى مسجد العتيق المتواجد أسفل الحي لم يسلم من هذه التشققات التي تزيد كل مرة من تدهور وضعية الأرضية التي تهتز و كأن زلزالا ضربها، و هو الوضع ذاته بأرض عميروش التي قرب انزلاق التربة بيوتها إلى حافة واد الرمال الذي اختزل مساحات واسعة من البساتين و يكاد يجعل نهاية البيوت مماثلة، خاصة و أنها تلاصقت ببعضها بعد أن كانت تفصلها عدة أمتار، في حين تفرقت البيوت التي كانت متلاصقة.
عدم الاستقرار وراء تدني مستوى التحصيل لدى تلاميذ البناءات الهشة
أجمع كافة الآباء ممن تحدثنا إليهم إلى أن العيش في مثل هذه الظروف خاصة سكان ممر بسطانجي قد أثرت سلبا على تحصيلهم العملي، و قالوا بأنه و منذ انهيار بيوتهم فإن نتائج أبنائهم في نزول مستمر، و قالوا بأن الأساتذة يستدعونهم باستمرار لبحث هذا المشكل معهم، غير أنهم لم يجدوا حلا خاصة و أن أبنائهم لا يجدون أماكن لمراجعة الدروس، فضلا عن أن الوضع أثر أيضا على نفسياتهم بسبب الخوف الكبير من كثرة الانهيارات.
و ندد السكان بسياسة الصمت الكبير التي يتبعها المسؤولون حيال ملفاتهم العالقة منذ سنوات طويلة، فعلى الرغم من تضاعف الخطر يضيف محدثونا، إلا أن السلطات لم تحرك ساكنا، فحتى العائلات الـ26 بممر بسطانجي التي وعدت بترحيلها في أقرب الآجال، لم تحل قضيتها إلى يومنا هذا، ليبقى السكان في العراء بدون بيوت تضمن استقرارهم.
لجان الأحياء تتهم أطرافا بعرقلة ملف الإنزلاقات
ممثلون عن السكان و في حديث معنا، اتهموا أطرافا بعرقلة ملف الإنزلاقات بولاية قسنطينة أين يتعلق الأمر بـ3500 عائلة مهددة بالموت حسب آخر إحصاء، 950 منها تعيش بنهج الثوار، حيث تحدثوا عن بعض الانتهازيين قالوا بأنهم على رأس القائمة، مشيرين إلى بعض الأشخاص الذين أوكلوا أنفسهم للحديث باسم السكان بهدف تسوية أمور خاصة و على رأسها الحصول على أكبر عدد ممكن من السكنات لأقربائهم، كما أشاروا إلى وجود أشخاص ممن استفادوا في مرات سابقة يرفضون قرار الترحيل، و ذلك لأنهم باعوا سكناتهم الجديدة و عادوا إلى البيوت القديمة و بذلك فإن قرار الترحيل و هدم الحي لن يخدمهم.
من جانب آخر ندد رؤساء لجان الأحياء الذين التقيناهم في جولتنا بالمنطقة الحمراء بقسنطينة بتسوية ملف البناءات القصديرة على حسابهم حسب تعبيرهم، حيث قالوا بأن السلطات الولائية فضلت ترحيل قاطني البيوت القصديرية و ووزعت سكنات جديدة قدرت بـ8 آلاف سكن، قالوا بأنه كان بالإمكان أن توزعها مناصفة بين الملفين لضمان معالجة عادلة لقضية السكن بالولاية، معتبرين العملية تمت على حسابهم بالرغم من أن ما يعانيه سكان البيوت القصديرية لا يكاد يذكر و خطر الموت الذي يعيشه سكان البيوت الهشة بسبب الإنزلاقات.
بعض السكان اتهموا المسؤولين المحليين بالتحايل في تسوية وضعية قاطني البنايات المهددة بالانهيار، حيث قالوا بأن البيوت المتواجدة في شوارع كبرى كشارع مسعود بوجريو قد تم ترحيل سكانها، في حين لا تزال آلاف العائلات بالأحياء المخفية حسب تعبيرهم تصارع الموت، و هو ما وصفوه بالمعالجة غير المنصفة.
إيمان زياري
http://www.annasronline.com/index.php?option=com_content&view=article&id=29580:2012-03-04-18-40-19&catid=39:2009-04-13-14-11-19&Itemid=48
الأحد, 04 مارس 2012
مواطنون يعيشون في الكهوف على أرض متحركة
تقيم أكثـر من سبعة آلاف عائلة ببقايا سكنات مهددة بالانهيار في أية لحظة بمدينة قسنطينة.. رقم كبير يحيل إلى وضع خطير قد ينتهي بكارثة، وفي أية لحظة، كون الأمر لا يتعلق بتصدعات سطحية بل ببقايا بنايات تدهورت مع مرور الزمن لتتحول إلى كهوف إما بفعل التخريب المتعمد أو الإهمال، وأخرى تقع فوق أرضيات متحركة برمجت للإزالة منذ سنوات قبل أن تختزل تماما من دائرة الاهتمام رغم ما تشكله من خطر. هو وجه خفي لمدينة موعودة بمشاريع ضخمة وعمليات تحديث.. حياة بدائية تعود بنا إلى حيث كان الإنسان يقضي حاجته البيولوجية في حفر ويعاشر الأفاعي و الجرذان داخل المغارات، صور لا إنسانية وجدناها بالسويقة ونهج الثوار بقلب قسنطينة تطرح أكثر من علامة استفهام عن سياسة التعمير بواحدة من أقدم مدن الجزائر .. وبغض النظر عن الأسباب التي سمحت بخلق هذا الوضع فإن بقاء الأمر على ما هو عليه لا يشرف إحدى أقدم الحواضر التي فقدت نسيجها العمراني وفقدت صفاتها أيضا
• ملف من إعداد: نرجس كرميش - إيمان زياري /تصوير: الشريف قليب
عائلات تقيم وسط الأنقاض تطالب بالترحيل العاجل أو الخيم
شتاء الرعب والترقب بالسويقة السفلى
الحياة بحيز واسع من قسنطينة القديمة لها معان أخرى و تشعبات لا يعرفها إلا من عاش داخل ما تبقى من هياكل بنايات تقع أسفل السويقة ونقاط أخرى من المدينة.. هو نسيج عمراني متشابك لا تتقاطع يومياته مع ريتم الحياة العادي في شيء، لأن الأمر يتعلق بوضع استثنائي لا مكان للمنطق فيه.
فصل الشتاء بالنسبة لسكان المدينة العتيقة يعد مرحلة خاصة تتطلب استعدادا نفسيا لأي شيء بما ذلك الموت، "قد ننام ولا نصحو أبدا" تقول عجوز في السبعين، قضت العشر الأخير من عمرها في التعايش مع الركام والتصدعات، تعترف بأنها مؤخرا أصبحت صديقة للجرذان ومتذوقة للنغمة المترتبة عن القطرات المتسللة من السقف والتي ينتهي بها المآل في إناء ما يوضع في ركن ما من بيتها المهدم على غرار باقي المنازل المجاورة أو تلك الواقعة في أبعد نقطة من قسنطينة العتيقة، النوم هجر السكان ليسكنهم خوف تجذر في نفوس حتى أكثر الناس تفاؤلا وطال فئات يفترض أن وعيها لم يكتمل بعد، فأطفال أزقة السويقة ومختلف الأنهج فتحوا أعينهم على وضع جعلهم يعرفون معنى الحاجة إلى سقف آمن لأن أسقف بيوتهم ينبعث منها الضوء والهواء والماء والزواحف.. ما كان يعرف بالمدينة القديمة تحول اليوم إلى مجرد أطلال تسكنها عائلات ترى بأنها أصبحت خارج الزمن.
أسقف من بلاستيك، جدران من خشب ومنازل مفتوحة على العراء
حالات صادمة وقفنا عليها بالسويقة، قلب المدينة القديمة.. المجمع السكني الضخم الذي يؤرخ لفترة مهمة في حياة القسنطينيين يصنع اليوم واقعا يختلف في ملامحه عن الوضع السابق، العيش داخل هذا الجزء تحول بمثابة كابوس متواصل ومسلسل من التوجس والهروب والترقب،، دخلنا الحي من الأسفل بالجزء المسمى ب"الشط" عبرنا طريقا ضيقا أين وجدنا معظم المنازل مغلقة، بعد تغيير أبوابها الخشبية بأخرى معدنية تشبه بوابات المآرب، لكن وعند نزولنا يمينا بدت لنا باب صغيرة تؤدي إلى منزل اعتقدنا للوهلة الأولى أنه خال إلى أن وجدنا سيدة في الستين من العمر استقبلتنا بابتسامة تخفي مرارة اكتشفناها بمجرد أن بدأنا في السؤال عن وضعية المكان.. فجأة تغيرت ملامح تلك المرأة وبدأت تسرد لنا قصتها مع السكن و كيف قضت أربعين سنة في منزل تلاشى تدريجيا إلى أن تحول إلى خراب، المرأة تقتسم ما تبقى من البناية مع خمس عائلات أخرى لكل واحدة منها غرفة صغيرة أو ما يعرف ب"المجلس"مع استخدام الأروقة لأغراض مختلفة بوضع عوازل من الخشب والبلاستيك لخلق فضاءات تستعمل كمطابخ وغرف للأكل وحتى للنوم، السلالم تآكلت ويتطلب عبورها الانحناء قبل بلوغ طابق علوي لا يختلف في تفاصيله عن الأرضي، ضيق الغرف حتم توزيعا معينا للأثاث وحصره في أكثر الأشياء أهمية كخزانات الملابس التي لاحظنا أنها صغيرة جدا، كون الغرف لا يزيد علوها عن المتر ونصف، كما أن معظم العائلات بهذه البناية وغيرها تستعمل خزانات من البلاستيك أو لم تغير الأثاث منذ سنوات لأن الرطوبة والمياه المتسربة تؤدي إلى تآكله السريع، وهو ما وقفنا عليه لدى عديد العائلات أين وجدنا بقايا أثات قديم ولاحظنا أن معظم الأدوات الكهرومنزلية أكلها الصدأ، كما تشترك معظم البيوت التي زرناها في استخدام شرائط البلاستيك والقماش في الأسقف والجدران وحتى لتغطية الأفرشة للحيلولة دون وصول الماء، البناية تعمها ظلمة يكسرها ضوء خافت منبعث من مصابيح قالت لنا أم شابة أنها على تعددها لا تفي بالغرض لأن المنزل يقع أسفل هضبة وأضافت أنها تكاد تصاب بالعمى من قلة الإضاءة وأبناءها يتنفسون بصعوبة من الرطوبة المتفشية في المكان، أما الأسقف فتبدو وكأنها تعود إلى عصر غابر بعد أن غطتها طبقة من السواد وبدت أخشاب العرعار متلاشية وموشكة على السقوط بينما كانت الجدران في حالة تمايل والأرضيات ذات مستويات مختلفة.
الغرف على ضيقها تأوي ما لا يقل عن أربعة أفراد في العائلة الواحدة و باختلاف الأرقام وتسميات الشوارع التي تدل على هذا المنزل أو ذاك تبقى البنايات متشابهة مع تباين بسيط في الهندسة الداخلية أو لنقل التشوهات لأننا لم نجد دارا أو غرفا مكتملة المعالم إلى درجة أن مواطنين أكدوا أن الانهيارات لم تعد تشكل أي حدث بالنسبة إليهم لأنها تحصل في كل وقت وفي أي بيت بل أصبحت بينهم وبين الأنقاض ألفة حولتها إلى جزء من حياتهم.
بشارع "دعرة قدور" وبالتحديد المسكن رقم 6 اعتقدنا أننا دخلنا بناية غير آهلة بالسكان كونها كانت مهدمة و أيضا بسبب الهدوء الذي خيم على المكان قبل أن تفاجئنا امرأة سألناها إن هي من سكان البيت هزت رأسها وقالت "نعم هو البيت أنا خرجت لأتنفس هواء نقيا ...اختنقت بالداخل "لكننا ورغم ما أوحى به كلامها لم نكن نتوقع ما رأيناه،، وسط الدار به كميات مهولة من الركام تم تجميعها في الجزء المهدم ولم يعد للبناية جدران خلفية حيث أصبحت تطل على الشارع الذي هو طبعا مجموعة من المنازل المهدمة، السكان قالوا لنا أنهم يعيشون في الجزء الأقل ضررا وأكدوا بأن الخوف سكنهم ومنع أبناءهم من ممارسة حياتهم الطبيعية خوفا من سقوط جدار أو سقف.. السيدة رافقتنا إلى مسكنها الذي هو عبارة عن غرفة مقسمة إلى جزئين أحدهما يستعمل كمطبخ والآخر فضاء لكل الأغراض خصص ركن منه للابن الأكبر.. مراهق تقول والدته أنه لا يدخل البيت إلا للنوم وأن أفراد أسرتها الستة يغيرون ملابسهم بالدور،، المرأة أصيبت بمرض قلبي "نتيجة ظروف العيش الصعبة"، لم تبلغ الأربعين لكنها تقول أن حياتها لم يعد لها معنى ولم تحس بسنوات عمرها التي مضت والتي قضتها داخل مكان لا يصلح حتى للنوم.. وأضافت أنها لا تستقبل ضيوفا ولم تعد تحسن مد رجليها من شدة ضيق المكان،، كل ما تخشاه هو أن يقضي أبناءها حياتهم بنفس الطريقة .. لأنهم "محرومون حتى من مشاهدة مباراة في كرة القدم",, اعترفت السيدة أن طاقة الاستيعاب لدى أطفالها تراجعت وتحمد الله أن أكبرهم لم يتجه نحو الانحراف، مشيرة أن الفوضى تعم حياتها ولم تعد تحسن ترتيب البيت .
دار دايخة تستغيث
ونحن نقترب من دار معروفة لدى القسنطينيين تسمى ب"دار دايخة بنت مونى" كنا نعتقد أن البعد التاريخي للمكان قد يجعلها في منأى عن ما طال البيوت العادية من خراب، لكن بمجرد ولوج المدخل المسمى ب"السقيفة" والتقدم نحو وسط الدار، وجدنا المشهد ذاته، طابق أرضي تحول إلى مزبلة للركام ، خيوط كهربائية متشابكة، أخشاب متساقطة هنا وهناك تصدعات، جدران مائلة، أرضيات غير مستوية، سلالم منهارة.. وجدنا مصدات في الطابق الأول قسمته إلى شطرين ..الرخام أو ما يعرف ب"الزلايج" لم يعد له وجود وبقيت بعض آثاره فقط وقد استبدل ببلاط غير متناسق لترقيع ما أفسده الزمن. ممثلة عن الملاك، لا تزال تقيم بالمكان، تأسفت لما طال المنزل من خراب وقالت أن ملف الترميم مرمي في الإدارة منذ سنوات ولا يوجد من يعيره اهتماما ، بكت وهي تتحدث عن تهدم البناية ، قالت لنا أن ما كان يشبه القصر أصبح اليوم "دار رايبة" فتحت لنا باب الغرفة التي تحولت إليها بعد أن انهارت أخرى وقالت "هذه غرفة صغيرة مقارنة بباقي الغرف.. أنظروا، كيف لي أن أترك مكانا كهذا وأسكن شقة صغيرة"، الغرفة بدت و كأنها مسكن مستقل هندستها تعبر عن تقسيم يعكس نمط الحياة لدى العائلة القسنطينية، المطبخ في آخر الغرفة يفصله قوس عن باقي المساحة وفي الجدارين نجد ما يشبه الخزائن او ما يسمى ب"الدكانة" لوضع الملابس و الأفرشة و"العلي" للنوم و"القبو" للجلوس إضافة إلى فضاء أوسع يستخدم كصالون، في تقسيم ذكي يجعل الغرفة شقة مستقلة،.. الجدران تزينها زخرفات و آيات قرآنية منقوشة بإحكام.
دار دايخة التي تقول مالكتها أنها دعامة لكافة بنايات السويقة، لموقعها، صنفت على أنها خطر على ساكنيها وتمت مطالبة أصحابها بأن يخلوها لكنهم رفضوا ذلك مع علمهم بأن حياتهم مهددة شأنهم شأن كل سكان شارع بن زقوطة الذي وقفنا به على حالات تفوق كل تصور، مواطنون أكدوا بأنهم مروا بأحلك أيامهم خلال الاضطرابات الجوية الأخيرة وسجل بهذا الجزء من السويقة معدل انهيارات غير مسبوق باعتراف السكان أنفسهم، يكفي إلقاء نظرة من الخارج لتخيل باقي المشهد.. غرف معلقة في الهواء وأخرى يتطلب الوصول إليها عبور أكوام من الأنقاض والقفز على حفر أو استعمال أبواب وأخشاب وبدائل عن سلالم لم يعد لها وجود ، بيوت تم غلقها وأخرى أخليت جزئيا، العاصفة الثلجية كانت بالنسبة لمن زرناهم محطة فارقة في حياتهم نقلتهم من مرحلة الخوف إلى الذعر وقد لمسنا تخوفات كبيرة من حدوث إنهيارات في فصل الربيع مثلما تعود عليه السكان عقب كل شتاء..
رعب، أمراض وحالات إجهاض بشارع بن زقوطة
في السويقة الأبواب والنوافذ والأسقف تداخلت استعمالاتها.. قد تدخل من الباب لكنك تخرج من النافذة، وقد تصعد بابا كي تصل إلى غرفة أو تعبر سقفا كي تخرج .. وهو ما وجدناه فعلا في نهج بن زقوطة بنسيجه المتشابك وبيوته المتلاصقة التي تتكئ على بعضها البعض في فعل السقوط لتتداخل بشكل يجعلك غير قادر على تحديد نهاية بيت من بداية آخر ولا تفرق بين من يسكن هنا ومن يسكن هناك، طالما لا توجد جدران تفرق بين جهة وأخرى ولا مداخل مستقلة.. يمكن الوصول إلى أية نقطة من أي باب ودخول أي سكن عبر جدار مهدم أو أرضية مفتوحة على ما تحتها في ديكور لا تجده إلا في قسنطينة القديمة بوجهها البائس وواقعها الذي يرثيه السكان لكنهم يطالبون بإبعادهم ولو معنويا عن خوف سكن المكان، حيث قالت لنا سيدة أنها لا تنتظر أكثر من ورقة تجعلها تعيش على أمل الجلوس على طاولة العشاء مع كل أفراد العائلة كون الضيق حتم على الزوج العمل كحارس ليلي حتى يترك لأبنائه مكانا للنوم، وأضافت أخرى أن ابنها أصيب باضطرابات نفسية بينما قال لنا رب عائلة أنه لا يعرف ما معنى الحياة المستقرة وأن أكثر ما يخشاه حدوث كارثة قد تأتي على الجميع، و أكدت أمهات أن حالة من الهلع سادت في الأسابيع الأخيرة وكانت سببا في حالات إجهاض وإصابات بأمراض خطيرة و إضطربات نفسية وعصبية بسبب حدوث انهيارات متتالية .
3800 عائلة تقطن سكنات مهددة بالانهيار بالمدينة
جزء كبير من المنازل التي زرناها قال سكانها أنهم سكنوها بعد عمليات الترحيل التي حدثت في الثمانينات لكنهم يرون بأن بقاءهم لعشرين سنة في نفس المكان يبطل رواية لجوئهم إلى المدينة القديمة للحصول على سكن أو التهديم المتعمد وأكدوا أنهم بعد أن كبروا وتزوجوا كانوا مضطرين للإقامة في تلك الكهوف والمغارات بدل التشرد، وعبر مراهقون عن تذمرهم لما يجري مؤكدين بأنهم يتداولون أخبار الانهيارات فيما بينهم في شكل من السخرية على واقع دفع بعضهم إلى الانحراف.. أما الأطفال فقد منعوا من الخروج إلى وسط الدار أو الشارع بسبب أخطار الركام و المنحرفين و الجرذان التي كانت سببا في انتشار رهيب للقطط السمان بكافة أرجاء ما تبقى من السويقة، وقد أجمع أغلب من تحدثنا إليهم أنهم مستعدون للإقامة داخل خيم أو مراكز عبور بدل معاشرة الموت.
عمليات الإحصاء الأخيرة تفيد بأن هناك 3800 عائلة تقيم بسكنات غير لائقة بالمدينة القديمة منها 750 عائلة بالسويقة حيث أفاد مصدر، رفض الإفصاح عن هويته، أن فرق الإحصاء وجدت بالسويقة وضعيات غير إنسانية تتطلب التحرك العاجل سيما بالجزء السفلى. نرجس كرميش
بلدية قسنطينة تحمل المستأجرين مسؤولية الهدم المتعمد وتكشف
غرباء إحتلوا سكنات مهجورة في جنح الظلام
أكد مدير التعمير ببلدية قسنطينة السيد مشوش موسى أن مشكلة المدينة القديمة في أنها تحولت في فترة ما إلى طريقة سهلة للحصول على السكن حيث رحل عدد كبير منها نحو بوالصوف و الزيادية و القماص وأحياء كثيرة لكن البنايات ظلت آهلة بالسكان وعدد من بها يتزايد يوميا وتطور الأمر فيما بعد إلى تهديم متعمد من المستأجرين بطرق مختلفة كضرب الأساسات أو وضع خراطيش المياه لأيام مستدلا بحالة منازل يقطنها الملاك بقيت في وضعية جيدة عكس تلك المهملة أو المؤجرة. وحسب المسؤول فإن المواد التي تدخل في بناء السكن القديم سهلة الهدم وشديدة التأثر بالمياه الأمر الذي مكن البعض من الاستفادة من السكن بطريقة سريعة وحول النسيج العمراني القديم إلى مجال للمضاربة بالعقار، حيث استولى أشخاص على بنايات مهجورة تم إخلاؤها و عاودوا كرائها وبيعها و احتلالها في جنح الظلام الأمر الذي تنبهت له السلطات في 2001 وتحديدا في عهد الوالي السابق الطاهر سكران الذي أمر بفتح تحقيق أمني حول السكنات المحتلة، وقد أسفر العمل كما يضيف السيد مشوش عن إحصاء 50 دارا منهارة محتلة من طرف 200 عائلة.
ما عرف أنذاك بفضيحة السويقة إثر تهديم 45 بناية وتدخل وزيرة الثقافة بتحرك من جمعيات محلية ووطنية وملاك كان سببا في منع البلدية من التدخل بأي شكل من الأشكال إلا وفق رخصة مسبقة من مديرية الثقافة لتعود العائلات التي تم طردها تدريجيا إلى منازل أخرى داخل السويقة، وكان تعيين السيد عبد المالك بوضياف على رأس ولاية قسنطينة محطة أخرى فارقة في حياة سكان المدينة القديمة حيث قرر المسؤول وفق ما أفاد به محدثنا وقف منح سكنات اجتماعية لقاطني المدينة القديمة و السويقة خصوصا وأمر بمنع عمليات بيع وكراء العقار كما طالب بإعادة إحصاء المحتلين لإخراجهم بالقوة العمومية لكن ذلك لم يحدث قبل تحويله إلى ولاية وهران.
الوالي الحالي أيضا كانت له طريقته في التعاطي مع الملف الذي أعاد فتحه وقرر منح حصة سنوية ب500 سكن لقاطني المدينة القديمة وكلف مكتب الهندسة والعمران سو بإحصاء السكان الذين يقدرون في حدود 3800 عائلة منهم 750 عائلة تقطن السويقة إلا أن البلدية أحصت 120 بناية تشكل خطرا على سكانها الذين لا يتعدى عددهم في تقدير مدير العمران 500 عائلة أي ما يعادل الحصة التي من المقرر منحها هذه السنة وفق ما صرح به الوالي في أكثر من مناسبة.
المسؤول لم ينفي ما يشاع حول وجود بيوت تستعمل لأغراض مشبوهة داخل السويقة وقال أن مصالحه اكتشفت حالة تم طرد أصحابها لكنه يرى بأن التخلص من الظاهرة يدخل في صميم عمل المصالح الأمنية. نرجس/ك
المدينة القديمة في أرقام
72 % من سكان السويقة يرغبون في الترحيل و20 % من البنايات فقط بها حمامات
المرحلة الثانية من مخطط حماية المدينة القديمة كشفت عن أرقام تعبر عن وضع عمراني و اجتماعي خاص يتطلب تحركا إستعجاليا لكن مديرية الثقافة تقول أن التدخل في القطاع المحفوظ يخضع لإجراءات محددة قانونا.
الدراسة أحصت وجود 1164 بناية لكنها لم تشمل سوى 1065 بناية فقط بسبب رفض بعض المواطنين التعامل مع الفرق المحققة، وقد تبين بعد المعاينة أن 133 بناية فقط في وضعية مقبولة و312 بناية في وضعية متوسطة و575 بناية في حالة متدهورة منها 248 بناية في حالة متقدمة من التدهور و139 مهدمة جزئيا و88 مهدمة كليا و بالسويقة السفلى توجد 115 بناية قائمة منها 48 منزلا مهدما جزئيا و15 منزلا مهدما كليا .
وتشير المعطيات المعلن عنها في المرحلة الثانية من المخطط أن المستأجرين يمثلون 54 بمالئة من السكان وأن 15بالمائة من الملاك فقط لديهم عقود رغم أن الملكيات الخاصة تمثل 75 بالمائة، وبالنسبة لأسباب الإقامة في المدينة القديمة تكشف الأرقام أن 50 بالمائة دفعتهم الحاجة إلى السكن نحو السويقة وغيرها من الأحياء القديمة بينما تقدر نسبة الملتحقين بحثا عن حسن الجوار ب 1.27 بالمائة، ويطرح السكان مشاكل متعلقة بالتطهير و انتشار المزابل و اللاأمن والمناوشات وهو ما جعل 72 بالمائة من سكان السويقة مثلا يعبرون عن رغبتهم في مغادرة الحي.
اجتماعيا تقدر نسبة العاطلين بالسويقة ب32 بالمائة وهو ما يفسر بقاء عائلات بسكنات لا تتوفر على أدنى الشروط حيث أن 20 بالمائة فقط من البنايات بها حمامات خاصة بكل عائلة.
مدير الثقافة السيد جمال الدين فوغالي قال أن مخطط حماية المدينة القديمة قطع أشواطا هامة من المقرر أن يعرض العمل النهائي شهر ماي المقبل على المجلس الولائي للمصادقة على أن يشرع في العمل عند تنصيب الوكالة الوطنية للقطاع المحفوظ وهي الجهة الوحيد المخولة قانونا للتدخل، لكن المسؤول قال بأن هناك عمل سبق الدراسة يجري بملاح سليمان، وأشارت رئيسة مكتب ترقية التراث لدى نفس الإدارة أن 65 بناية مبرمجة للترميم في المشروع النموذجي منها عشر بنايات يجري بها العمل منها ما توقف لإنسحاب المؤسسة المشرفة وتم اللجوء إلى تسخيرات بأمر من الوالي لبعث العمل من جديد.
مدير الثقافة قال أن السويقة السفلى خصت بعمليات إستعجالية تتطلب إمكانيات معينة لكن لن يشرع فيها قبل المصادقة على القانون وأن الدراسة أحصت 575 بناية معنية بالترميم وقد خصصت مبالغ ضخمة للمشروع الذي يقول أن أوانه لم يفت لأنه كان لابد من وضع الأمور في نصابها القانوني لإنقاذ ما تم إحصاؤه بكل الإمكانيات لإستعادة بريق المدينة وهو عمل قال أنه يظهر في غضون السنتين القادمتين. نرجس/ك
بن عباس سامية باحثة ومختصة في المواقع الأثرية
الترميم مجرد صفقة تجارية بمكتب دراسات غير مؤهل
الأستاذة بن عباس تعتبر من أكثر المختصين الذين انتقدوا مخطط حماية المدينة القديمة وعمليات الترميم التي تمت بشارع ملاح سليمان واعتبرت ما تم إلى اليوم من دراسات وأشغال مجرد صفقة تجارية لن تغير شيئا في وضع المدينة القديمة حيث أكدت لنا أن الدراسة أسندت لمكتب غير مؤهل وقد تمت بشكل سطحي مستغربة منح دراسة بهاته الأهمية لمكتب يدخل المجال لأول مرة ، وتقول المتحدثة أن الدراسة تحولت عن الموضوع الرئيسي لتتطرق لمشاريع التحديث وأشياء لا علاقة لها بمحيط محدد ومصنف.
وبالنسبة لما جرى من ترميمات قالت الباحثة أنه تم استقدام مؤسسة من ولاية تختلف في تفاصيلها ونمطها عن مدينة قسنطينة مؤكدة بأن الأمر يتعلق بنموذجين مختلفين وبيئتين متباينتين.
المتخصصة ترى بأن طريقة فرض مخطط الترميم وتمريره تدل على أن العمل لم يكن تقنيا بحتا بقدر ما كان تجاريا، مؤكدة بأنه ومهما كانت جدية أية دراسة لن تكون ذات فعالية لأن الجزائر لا تتوفر على مكاتب مؤهلة ولا مؤسسات ذات اختصاص في البناء القديم الذي قسمته إلى قسمين، البناء القديم عمرا وهو نمط يتطلب، حسبها، أشغال دعم و تغطية شاملة ومختصين في ترميم الحجارة و الآجر وغيرها من المواد، أما الصنف الثاني فهو أثري ويخضع لعمليتين إما الترميم أو إعادة التأهيل والتجديد وهما عمليتان مختلفان جدا.
وترى المتحدثة أن النوع الثاني هو ما سيحدث بقسنطينة القديمة كون البنايات غير قابلة في أغلبها للاسترجاع في نظرها حيث قالت أن شارع بكوش لخضر مثلا به 48 بناية اثنتان منها فقط قابلة للاسترجاع وتبقى كشاهد على النمط العمراني الذي ستتم المحافظة عليه عن تعويض البنايات المهدمة مثلما حدث بمدينة سيدي بوسعيد بتونس.
السيدة بن عباس قالت أن مخطط الماستر كان عبارة عن نقل لما ورد في رسالة بحث تخصها وقالت أنها شاركت طيلة 21 سنة في عمل قامت به البلدية سابقا اعتمد على وضع التصدعات تحت النظر لمراقبة تطورها وأن المصالح المختصة آنذاك منحت رخص ترميم تحت إشراف مهندسين، وفي تحليلها المدينة القديمة اليوم والسويقة تحديدا تتطلب عملا جبارا يستغرق في أحسن الحالات ما لا يقل عن عشر سنوات بوسائل ضخمة و بطريقة تدخل متواصل في شكل خلية نحل تعمل ليل نهار مشيرة أن الأمر قد يمتد إلى عشرين سنة كاملة.
المدينة القديمة برأي المهندسة المعمارية بدأت تهدم عندما تدخلت فرنسا وهدمت ما كان موجودا بشارعي ديدوش مراد و زيغود يوسف كما زاوجت بين مواد غير متجانسة كالحجارة والحديد مما أدى إلى الصدأ وبالتالي التصدع ليتفاقم الوضع تدريجيا ويبلغ ما آل إليه اليوم من تدهور ملحة على ضرورة الاستعداد للمرحلة العملية بالتكوين بداية من التكوين المهني إلى الجامعة والمؤسسة عمومية كانت أو خاصة. ن/ك
آلاف العائلات مهددة بسبب تأخر تسوية ملف الانزلاقات
سكان يعيشون داخل كهوف و مغارات بوسط مدينة قسنطينة
كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة و النصف صباحا عندما وصلنا إلى أحد ممرات وسط مدينة قسنطينة، كان الهدوء يخيم على المكان و بدونا و كأننا نلج مدينة دمرتها قنابل حرب طويلة أو ضربها زلزال بقوة عالية، الأرضية مهتزة و كل الأنابيب و البنى التحتية خرجت إلى العراء، بنايات متمايلة، جدران منهارة، نوافذ و أبواب معلقة من جانب واحد تخاف من سقوطها إذا ما تقدمت نحوها.
هكذا كان الوضع بممر بسطانجي، كنا نظن بأن الحي غير مأهول بالسكان بفعل وضعية البنايات، غير أننا تفاجأنا و نحن ننزل الدرج بأحد الشباب يتنقل فوق الأرضية المتصدعة من أجل الوصول إلى أحد البيوت، اقترب منا و حاول الاستفسار عن سبب زيارة أشخاص غرباء عن الحي في هذه الساعة، قدمنا أنفسنا فبدا الرجل و كأن الشمس قد سطعت بعد غروب طويل، سألناه إن كان من سكان الحي فرد»بالتأكيد، و هذا ما تبقى من بيتي».
في الجهة المقابلة و من باب حديدي يلتصق بجدار من جانب واحد، أطلت سيدة كانت ترتدي كنزة صوفية و تضم نفسها بذراعيها الباردتين، ابتسمت عندما رأتنا و نظرة الحزن في عينيها، قالت:» تعالي لتشاهدي أين أعيش و عائلتي»، ظننا بأنها تمثل دورا في مسلسل التحايل على القانون من أجل الحصول على سكن كما يفعل الكثيرون، غير أننا و بعدما لبينا دعوتها صدمنا بواقع الحياة خلف تلك الجدران المنهارة، فمن بيت بغرف كثيرة، لم تبق الإنزلاقات إلا على غرفة واحدة ينام داخلها الجميع و مطبخ شبه عار عندما تفتح البابين تطل مباشرة على العراء و يقابلك ديكور مخيف من بقايا بنايات منهارة كليا و بعض الأغراض المنزلية التي تعرضت للتلف بعد أن غطتها الردوم، فلا حمام، و لا مرحاض و كل الفضلات تصب في العراء، و حتى الحنفيات كانت معلقة و كأن الماء يمرر عبر الأنابيب من السماء مباشرة و ليس عبر قنوات تحت الأرض كما هو معروف.
مقابر للأحياء بالمنطقة الحمراء
ممر بسطانجي المتواجد خلف أحد أزقة شارع قيطوني عبد المالك، هو حي تسكنه قرابة الـ300 عائلة، جل بناياته مهددة بالانهيار بفعل وقوع الحي في المنطقة الحمراء بقسنطينة و هي منطقة الإنزلاقات التي كانت وراء انهيار مئات البنايات القديمة منذ سنوات طويلة، سكان الحي يصارعون الموت في كل يوم وكل ساعة، غير أن أخطر الأوضاع هي تلك التي تعيشها العائلات الـ26 التي كانت قد انهارت أجزاء كبيرة من بناياتها بتاريخ 26 من أكتوبر من العام الماضي، تلك الليلة التي طبعتها التصدعات و دويها الذي أيقظ السكان و أخرج الممر من سكينته النسبية في ساعة متأخرة من المساء، لتقرر عندها المصالح المعنية بالولاية من حماية مدنية و أمن بعد معاينة البنايات بأنها آيلة للسقوط و من الضروري إخلاؤها فورا و ترحيل سكانها إلى بيوت لائقة في غضون أسبوع، غير أن الأسبوع تضاعف عشرات المرات و لم تف السلطات بوعودها التي ظلت مجرد كلام يطمئن به المسؤولون مواطنون يعيشون على بصيص أمل قد يتحقق معه حلمهم بالعيش داخل بيت سليم و آمن، عوض العيش تحت أنقاض بنايات حولت الحي إلى ما يشبه المقبرة الجماعية لضحايا غطاهم الركام.
و إذا كان سكان ممر بسطانجي يعيشون في أشباه المقابر، فإن الحياة بنهج الثوار لا تختلف كثيرا، فقد وقفنا خلال جولة مفاجئة لنا بالحي على واقع مؤسف، أين دخلنا بيوت عائلات تعيش داخل أقبية أو داخل سجون كما سماها السكان، فبمرورنا عبر الشارع الرئيسي للحي بدت البنايات متماسكة نوعا ما، غير أن الأزقة الضيقة قد كشفت عن عكس ذلك أين كانت البنايات المتلاصقة منذ أزمان غابرة حسب تعبير أحد السكان بجدران متمايلة و أخرى متشققة و متصدعة و منهارة.
نهج الثوار الذي يضم أزيد من 1400 عائلة حسب آخر إحصاء، لم ينجو من خطر الإنزلاقات خاصة و أنه يقع بالمنطقة الحمراء بجوار ممر بسطانجي، فأغلب البنايات به مهددة بالانهيار في أي لحظة، بيوت نهج الثوار التي كانت تبدو كعجوز هرم يصارع الموت و يتكؤ على عصا هشة صدمنا بهندستها التي تعيدك إلى الحقبة الاستعمارية أين تسكن عائلات داخل ما يشبه المغارات، فأبواب كل البيوت صغيرة جدا و تبدو جد مهترئة، خفنا و نحن نحاول الدخول عبرها غير أن مرافقينا و سكان البيت منحونا نوعا من الثقة بعدم انهيارها في الفترة الحالية على الأقل، دخلنا البيت و كان جد مظلم و لا يوجد بيه إلا نور المصابيح التي لا تطفؤ ليلا و لا نهار في ظل عدم وجود و لو نافدة واحدة بهذا البيت.
عائلات تبيت في العراء و أخرى تختزل السكن في غرفة واحدة
تسببت الانهيارات المتتالية لبيوت المواطنين بممر بسطانجي و كذا بنهج الثوار في إخراج الكثيرين من بيوتهم، حيث توجهت عائلات من ممر بسطانجي إلى مساكن بعض أقربائها أو مرائب في انتظار ترحيلها إلى بيوت لائقة كما وعدتها السلطات المعنية، في حين لم تجد باقي العائلات مكانا للتوجه إليه و اختارت الاستمرار في العيش بالجزء المتبقي من بيوتها وسط رعب خوفا من انهيارها في أي لحظة.
أما العائلات المتضررة بنهج الثوار فقد قررت هجر الجزء الأكبر من بيوتها و أرغمت على الاستقرار في غرفة واحدة في الطوابق الأرضية التي تبقى أفضل من الغرف المتواجدة بالطوابق العلوية التي هجرها السكان بسبب ما ألحقته بها الانهيارات، فبالرغم من وجود نوع من الحياة في الطوابق الأرضية للبنايات، فإنها تنعدم بالطوابق العليا التي تبدو و كأنها مهجورة منذ سنوات طويلة، هكذا كان الوضع داخل كافة البيوت التي زرناها بهذا الحي، كل الأماكن ضيقة، أفراد كثر يعيشون داخل غرف قليلة، أغراض بالية، قديمة و أفرشة جمعت إلى أن وصلت إلى أسقف البيوت القصيرة، أرضيات مائلة و تشققات تتسع هوتها عند طلوع كل صباح حسب السكان.
و بحي قايدي عبد الله، فإن نمط العيش لا يختلف كثيرا في ظل وقوعه في المنطقة الحمراء أيضا، فأزيد من 1170 عائلة حسب إحصاء لجنة الحي تواجه خطر الموت بسبب انزلاق التربة و تدهور وضعية البنايات، فحتى مسجد العتيق المتواجد أسفل الحي لم يسلم من هذه التشققات التي تزيد كل مرة من تدهور وضعية الأرضية التي تهتز و كأن زلزالا ضربها، و هو الوضع ذاته بأرض عميروش التي قرب انزلاق التربة بيوتها إلى حافة واد الرمال الذي اختزل مساحات واسعة من البساتين و يكاد يجعل نهاية البيوت مماثلة، خاصة و أنها تلاصقت ببعضها بعد أن كانت تفصلها عدة أمتار، في حين تفرقت البيوت التي كانت متلاصقة.
عدم الاستقرار وراء تدني مستوى التحصيل لدى تلاميذ البناءات الهشة
أجمع كافة الآباء ممن تحدثنا إليهم إلى أن العيش في مثل هذه الظروف خاصة سكان ممر بسطانجي قد أثرت سلبا على تحصيلهم العملي، و قالوا بأنه و منذ انهيار بيوتهم فإن نتائج أبنائهم في نزول مستمر، و قالوا بأن الأساتذة يستدعونهم باستمرار لبحث هذا المشكل معهم، غير أنهم لم يجدوا حلا خاصة و أن أبنائهم لا يجدون أماكن لمراجعة الدروس، فضلا عن أن الوضع أثر أيضا على نفسياتهم بسبب الخوف الكبير من كثرة الانهيارات.
و ندد السكان بسياسة الصمت الكبير التي يتبعها المسؤولون حيال ملفاتهم العالقة منذ سنوات طويلة، فعلى الرغم من تضاعف الخطر يضيف محدثونا، إلا أن السلطات لم تحرك ساكنا، فحتى العائلات الـ26 بممر بسطانجي التي وعدت بترحيلها في أقرب الآجال، لم تحل قضيتها إلى يومنا هذا، ليبقى السكان في العراء بدون بيوت تضمن استقرارهم.
لجان الأحياء تتهم أطرافا بعرقلة ملف الإنزلاقات
ممثلون عن السكان و في حديث معنا، اتهموا أطرافا بعرقلة ملف الإنزلاقات بولاية قسنطينة أين يتعلق الأمر بـ3500 عائلة مهددة بالموت حسب آخر إحصاء، 950 منها تعيش بنهج الثوار، حيث تحدثوا عن بعض الانتهازيين قالوا بأنهم على رأس القائمة، مشيرين إلى بعض الأشخاص الذين أوكلوا أنفسهم للحديث باسم السكان بهدف تسوية أمور خاصة و على رأسها الحصول على أكبر عدد ممكن من السكنات لأقربائهم، كما أشاروا إلى وجود أشخاص ممن استفادوا في مرات سابقة يرفضون قرار الترحيل، و ذلك لأنهم باعوا سكناتهم الجديدة و عادوا إلى البيوت القديمة و بذلك فإن قرار الترحيل و هدم الحي لن يخدمهم.
من جانب آخر ندد رؤساء لجان الأحياء الذين التقيناهم في جولتنا بالمنطقة الحمراء بقسنطينة بتسوية ملف البناءات القصديرة على حسابهم حسب تعبيرهم، حيث قالوا بأن السلطات الولائية فضلت ترحيل قاطني البيوت القصديرية و ووزعت سكنات جديدة قدرت بـ8 آلاف سكن، قالوا بأنه كان بالإمكان أن توزعها مناصفة بين الملفين لضمان معالجة عادلة لقضية السكن بالولاية، معتبرين العملية تمت على حسابهم بالرغم من أن ما يعانيه سكان البيوت القصديرية لا يكاد يذكر و خطر الموت الذي يعيشه سكان البيوت الهشة بسبب الإنزلاقات.
بعض السكان اتهموا المسؤولين المحليين بالتحايل في تسوية وضعية قاطني البنايات المهددة بالانهيار، حيث قالوا بأن البيوت المتواجدة في شوارع كبرى كشارع مسعود بوجريو قد تم ترحيل سكانها، في حين لا تزال آلاف العائلات بالأحياء المخفية حسب تعبيرهم تصارع الموت، و هو ما وصفوه بالمعالجة غير المنصفة.
إيمان زياري
http://www.annasronline.com/index.php?option=com_content&view=article&id=29580:2012-03-04-18-40-19&catid=39:2009-04-13-14-11-19&Itemid=48