الجمعة، يونيو 30

حقائق عربية

نائب دمشق وأحد معتقلي ربيعها مأمون الحمصي للـ"الشفاف":
• أحمل نداء الحرية لإطلاق سراح وإنقاذ حياة سجناء الرأي والضمير في سوريا..
• لم يخرجني من سورية الخوف من العودة إلى السجن!
• من واجبي أن أزور العالم و برلماناته الحرة لإيصال رسالة الشعب السوري



لا يستطيع من يلتقي نائب دمشق السابق وأحد معتقلي ربيعها محمد مأمون الحمصي إلا أن يعجب بعزيمة وصلابة مواقفه، فلم تفت السنوات الخمس التي قضاها خلف القضبان من عضد الرجل أو تجعله يتزحزح قيد أنملة عن أفكاره، بل إن خروجه مؤخراً من سوريا، والذي وصفه بالاضطراري، نتيجة تصاعد حملات الاعتقال التي طالت الأحرار الشرفاء- كما يصر على تسميتهم- من موقعي إعلان دمشق-بيروت بيروت-دمشق، زاده ثباتا وعزما على المضي في حمل رسالة الحرية إلى بقاع الدنيا، غامزا من قناة المجتمع الدولي، مستنهضا قواه الحية لمساندة الشعب السوري في مأساته التي يؤكد الحمصي أنها هائلة
و لأنه واحد من صناع ربيع دمشق المغدور، و قطب من أقطاب الحراك السياسي المعارض في سوريا، ولأن خروجه المفاجئ من وطنه طرح علامات استفهام عديدة، فقد حرص "الشفاف" على لقائه..

• لنبدأ بظروف خروجك من سوريا ؟
- كان خروجي نتيجة التصعيد الأمني الذي قام به النظام، واعتقاله كبار رجال الفكر والسياسة وحقوق الإنسان في سورية، بذريعة أنهم وقعوا بيان دمشق- بيروت، هذا الاعتقال الذي تم بشكل مهين و بطريقة إذلالية متعمدة، و على الملأ من الناس ومرأى من رجال الديبلوماسية، ودون مراعاة لمكانة المعتقلين وقيمتهم في حقول الفكر والسياسة، هذا الاعتقال الذي شمل الكاتب الكبير ميشيل كيلو والمحامي الأستاذ أنور البني ورفاقهما من قادة الرأي في البلاد. وقد توقعت بطبيعة الحال أن يشملني الاعتقال كوني أحد الموقعين على البيان المذكور، وكنت متواجدا طوال فترة التحقيق مع الكثير من الإخوة في المعارضة وكوكبة من أفاضل المحامين إلى جانب المعتقلين لما يقارب أسبوعاً، لم يخرجني الخوف من العودة إلى السجن، لكنني وجدت بعد تجربة طويلة في العمل السياسي منذ بدأت رفع لواء الإصلاح مع العديد من زملائي في مجلس الشعب وخارجه من أجل إنقاذ الوطن، وإعادة ما أمكن من الحقوق المسلوبة إلى الشعب السوري، وبعد أن منيت مبادراتنا ومناشداتنا بالإخفاق، ووجدنا أنفسنا في صفوف إخوتنا في المعارضة، الذين كان وقوفهم إلى جانبنا في ربيع دمشق مشرفا وباعثا للعزيمة، أدركت بعد اصطدامنا بتعنت النظام ورفضه كل نداءات الإصلاح، والصرخات المتوالية الداخلية والخارجية لإطلاق سراح سجناء الرأي والضمير، أدركت أن من واجبي أن أزور العالم و برلماناته الحرة لإيصال رسالة الشعب السوري، حاضاً على ممارسة مسؤولة من قبل المجتمع الدولي تجاه ما يتعرض له الإنسان السوري، أعني ممارسة تتجاوز الاستنكار و المناشدة والتوسل للإفراج عن السجناء، فهذه العناوين لم تعد مجدية أمام تعنت النظام الذي خرق كل المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بل إنه خرق دستور البلاد الذي تتعارض مبادئه مع ذهنية الاعتقال السياسي، رغم أن هذا الدستور بالطبع وضع ضمن حاضنة حالة الطوارئ ولا يستطيع بكل تأكيد أن يلبي رغبات الشعب السوري، إلا أن النظام لم يتورع عن خرق الهامش الضيق للحرية والذي أتاحه الدستور، لقد عمق النظام مأساتنا وأصبحنا لا ندري هل يتحدى بسلوكه هذا الشعب السوري؟ أم يتجاوز إلى تحدي المجتمع الدولي وطرح بسلوكه هذا أسئلة أهم من قبيل، هل ستخضع حقوق السوريين في الحرية والديموقراطية والعدالة لصفقات ضيقة بين النظام والمجتمع الدولي؟ أليس في نية المجتمع الدولي أن يعمل قدما على ضمان أن يتكاتف البشر ليدرؤوا خطر التطرف والكراهية المنبعث من مكونات عديدة أهمها حالة الاستبداد التي تهدد الجميع بالشقاء؟؟

• كيف وجدت الوضع الاقتصادي و السياسي و الأمني في سوريا في الفترة الفاصلة بين خروجك من السجن و خروجك من البلاد ؟
- بعد خروجي من السجن الذي قضيت فيه ما يقارب خمس سنوات، لحظت ازدياداً كبيراً في ممارسات الفساد، وتجاهلا متنامياً لحالة الفقر التي أضنت كثيرا من السوريين، بل إن الاقتصاد السوري صار ملكاً حصرياًّ لأشخاص محدودين على حساب الأكثرية الساحقة، وراقبت بحزن ارتباط تزايد البطش والقمع وإرهاب الناس بازدياد ضعف النظام سياسياًّ واجتماعياًّ .

• وكيف تقيم الآن فترة سجنك ؟
- كان لي الشرف بأن أسجن ولطالما اعتبرت رحلتي طريقاً أوحد لأمثل من انتخبني من أبناء الشعب بصدق، إذ حرصت على إيصال نداءاتهم وهمومهم تحت قبة البرلمان على مدار عشر سنوات و لثلاث دورات تشريعية. مثَّل لي هذا رسالة ً معجونة ً بآلام الناس ومعاناتهم ولم يكن لي خيار إلا التصميم على إيصال هذه الرسالة مهما كلف الأمر، ومنذ كنت في البداية مصمِّماً على إيصالها إلى الدولة والنظام، ولكنني و بعد محاولاتٍ دؤوبةٍ استهلكت زمنا غير يسير، عرفت أن واجبي يتجاوز إيصالها إلى الدولة و النظام، وأنه يقتضي أن أوصلها إلى العالم ، ولقد بعث هذا فيَّ قوة وعزماً دفعاني إلى عدم التراجع، وقبول التضحية التي تقل كثيراً عن تضحيات كثير من السوريين الشرفاء بسنوات طويلة من أعمارهم.

• صرح زميلك النائب السابق رياض سيف بعد إطلاق سراحه أن المرحلة لم تعد تحتمل شعار الإصلاح وأن المطلب هو التغيير، ما الذي جعل الإصلاح متعذراً؟ والتغيير مطلباً؟
- تراكمت أخطاء النظام حتى صار الأمر معقداً و تسامح المجتمع الدولي مع أنظمة استباحت شعوبها وجنت ثروات طائلة من عرق الناس دون رادع أو حساب فازداد التعقيد تعقيداً، وبدا أنه لا بد من تعاون فعال يأخذ بيد الأوطان المستباحة إلى شاطئ الأمان، وأن إنقاذ سورية وبناءها بشكل صحيح يجنبها المخاطر المحدقة التي أوجدها نظام الاستبداد على أرض الواقع يستلزم مثل هذا التعاون. من جانبٍ آخر لقد فرّط النظام السوري بكل فرص الإصلاح، وتمادى في كسر الأيدي الممدودة من قبل المعارضة على شكل مزيد من القمع، وبما أن الأخطار جسيمة و الاستحقاقات باهظة الثمن، كان لا بد من طرح أولوية التداول السلمي للسلطة، و يعد إعلان دمشق خير معبر عن هذه الأولوية .

• تراهن في ما يبدو على الدور الدولي الفعال ، ماذا لو أخفقت المتغيرات الدولية في إحداث تغيير جوهري في سورية ؟
- مناخ المنطقة لا يحتمل ذلك ، ففي كل يوم يزداد الأمر تعقيداً و سوءا،ً ويتصاعد خطر التطرف وجنون تجذر الكراهية، وهناك شعور عام أن الأوضاع المؤلمة التي يعاني منها الشعب إنما يتحمل جزءاً هاماً من مسؤوليتها المجتمع الدولي والغربي منه خاصة. الواقع أليم ولا خيار أمام الجميع إلا الإنقاذ ، وكلي أمل أن ساعة الإنقاذ قادمة .

• ينظر إليك بعض السوريين نظرتهم التقليدية إلى رجال المال و الأعمال الذين التحقوا بالسياسة تعزيزاً لمكاسبهم الاستثمارية ، كيف تعلق على هذه النقطة ؟
- يضع النظام أصواتاً معينةً دأبت على حمل رسالة المواطن وهمومه ومشاكله أمام مقايضةٍ قاسية، فيقع بعضهم ولا أقول كلهم في فخ هذه المقايضة، لأن هذا البعض جزءٌ من هذا الشعب الذي يعاني شظف العيش، مقايضة بين مكاسب صغيرة وحوافز مالية بسيطة، أو ضغط وتشهير واتهامات باطلة تقودهم في كثير من الأحيان إلى السجن، وهدف المقايضة واضح فكلا طرفيها يقود إلى إسكات هؤلاء، ومن ثم تقويلهم رؤى السلطة و نظرتها، بحيث يقدمها هؤلاء إلى الناس وفق أهواء النظام و مصالحه. كنت عضواً في مجلس محافظة مدينة دمشق، صوت لي الدمشقيون وكنت الفائز الأول بفضل ثقتهم ، و بعد حوالى أربع سنوات فزت بانتخابات مجلس الشعب على قوائم المستقلين أيضاً وبأعلى الأصوات، و لقد استمرت حالة ثقة الناس بصدق تمثيلي لمصالحهم ما يقارب من عشرين عاماً، لم أجمع ثروات طائلة بل عانيت مع غيري من الوضع الاقتصادي، وسوء القوانين و التشريعات، ولم أرغب مرة ً أو أحاول أدنى محاولة لجني مالي عبر اسثناءات النظام، ولم أسع إلى اكتساب ميزات يحصل عليها في العادة أشخاص مقربون نالوا رضى السلطات نتيجة مواقفهم الممالئة، وكيلهم المديح الزائف للنظام و السلطة .

• اسمح لي أن أذكرك أنك كنت واحدا من أولئك الذين كالوا سابقا الكثير من المديح للنظام .
- لقد قمت بكيل المديح أحيانا فعلا، إذ كنت قانعا آنذاك أن الإصلاح هو الهدف، و كنت أمتدح نقاطا أتصور أننا نستطيع بالتشارك مع السلطة أن نؤسس عليها مرتكزات، فراهنا في البداية أننا نستطيع الإصلاح الذي كنت و بكل تواضع واحدا من دعاته، و كنت صادقا و ذا نوايا طيبة تجاه أي خطوة تراءى لي أنها إصلاحية، و لكنني وجدتني كمن يخوض البحر فكلما اقترب من القاع وجد الأعماق أكثر وضوحا، لقد كان مدحي الذي تنتقودنه في سؤالكم الآن موظفا لتشجيع النظام على المزيد من خطوات الإصلاح، ولكنني لم ألبث أن تبينت أنه طريق مسدود، بل و بدأت أدفع ثمن سلوك هذا الطريق برضا و بساطة، فأنا أعرف ضريبته. كنت في كل مداخلاتي الساخنة، وهي مسجلة وموثقة، أشدد في نهاية كل مداخلة أنني سأدفع الضريبة ببساطة واقتناع وشرف ولن يستطيع أحد أن يشوه هذه الحقيقة أو يغيرها. إنني أعرف أن الموضوعات التي طرحتها كانت لصيقة بهموم المواطن السوري معاشه و غذاؤه، استباحة أبناء المسؤولين وآبائهم لحقوقه، وانتهاكات أجهزة الأمن لحريته، المطالبة بتشكيل لجنة حقوق إنسان في البرلمان، والتصدي لأكبر صفقات الفساد و لكل موضوع يلامس مصالح الناس و اهتماماتهم .

• ألا تجد معي أن كلامك يعني وجود هامش حرية واسع لمناقشة أدق القضايا في مجلس الشعب ؟
- عندما ازداد عدد المستقين للمجلس أتيحت فسحة ملموسة، تعاونا من خلالها مع بعض زملائنا لطرح أغلب المشاكل، ولقد كان رئيس المجلس الذي كان يدير الجلسات يقول قل كلمتك وامش. على اعتبار أن هذا المجلس مغلق على الإعلام والنقل التلفزيوني، وملائم للوفود التي تزور سوريا وتسمع نقاشاتنا فتظن أنها ممارسات ديموقراطية فعلا. لم يطل بي الأمر كي أعرف و زملائي أن هذه المداخلات -على ضعف فائدتها- لم تستطع أن أن تكون خفيفة الهضم على معدة النظام، فسرعان ما أعطى اهتمامه لإسكاتي و بعض زملائي ومنهم زميلي النائب رياض سيف. وعندما ظهر لنا جدار السلطة المسدود، ذهبت إلى مكتبي وأعلنت الإضراب عن الطعام وأعلنت بياناً من عشرة بنود، طالبت عبرها برلمانيي العالم بمساندتي وزميلي رياض في وجه القمع الذي تعرضنا له.

• تتهمك السلطة بالفساد، وتتحدث عن تجاوزات في أعمالك وواجباتك الضريبية، فكيف ترد على هذه الاتهامات ؟
- أنا مستعد للمثول أمام القضاء السوري حين تعود له عافيته، و أعلم جيدا أن هذه الاتهامات كانت تطرح بالتوازي مع طروحاتي المطلبية والشعبية تحت قبة البرلمان، وعلى هذا فإن التشهير و تشويه السمعة كانا على الدوام سلاحين يستخدمهما النظام بضراوة في وجه كل من يتعرض لارتكاباته و سلوكه. و يكفيني توضيحا القول إن هذه الحملات التشويهية التجريحية المتنوعة والتي لا أساس لها من الصحة قد ترافقت مرة مع حصولي على كثير من أصوات الدمشقيين في انتخابات الدور التشريعي السابق، والتي قضيت نصف مدتها في السجن، وأنا هنا أعترف بأني أعتز بثقة أبناء دمشق فقد كانت سخية مع من أخلص لها أحبها و أحبته .

• اسمح لنا أن نتنقل إلى موضوع آخر تعامل السوريون مع جبهة الخلاص الوطني بتباين لافت، كيف تنظرون إلى هذه الجبهة؟
- أحترم الجميع و أتمنى ان يتعاونوا كل من زاويته ووفق رؤيته ، ولن أذم أحداً أو أنتقص من وطنية أحد أو أسيء إليه، وأثق أن إزاحة الاستبداد ستحمل معها دولة الحرية و القضاء النزيه الذي عرفته سورية في فترات سابقة، و يمكن لهذا القضاء أن يحاسب الذين أساؤوا للوطن و الشعب، ففي ظل انتخابات ديموقراطية وقضاء مستقل لن تكون حصانة لأحد، وسيحصل كل على حقه المسلوب، وينال أي ظالم أو فاسد جزاءه العادل، فالقضاء النزيه هو الذي يقرر وليس أنا أو غيري تجريم هذا أو تخوين ذاك.

• وما رأيك في القانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل من يثبت انتسابه إلى جماعة الإخوان المسلمين، هل توافق على التوقيع على عريضة المطالبة بإلغاء هذا القانون ؟
- أوافق على التوقيع بالطبع، إذ أرى أن للجميع الحق في التعبير السلمي عن مواقفه السياسية . دعني أقول لك أن هناك فترات أليمة عاشتها سورية، ورافقتها اتهامات متبادلة حول انتهاكات عديدة كان ثمنها باهظا على الشعب السوري، يجب أن يقف السوريون عند الحقائق، وهذا لايتم إلا بتحقيق قضائي مستقل، يحدد مسؤولية الجميع فيما حدث، ولا بد أن يحاسب كل من ارتكب أي جريمة بحق سورية والسوريين.

• ما الذي تحمله أستاذ مأمون؟ ما هي أولوياتك للمرحلة المقبلة؟
- أولا أحمل نداء الحرية لإطلاق سراح وإنقاذ حياة سجناء الرأي والضمير في سوريا، وأرى أن من واجب المجتمع الدولي ممارسة الضغط الفاعل لإنقاذهم من مأساتهم فكثيرون منهم متقدمون في السن و يعانون من أمراض شتى . وثانياً سأعمل مع الإخوة السوريين عربا و أكراداً، وسأطلب من جميع أحرار العالم مؤازرتنا، لإيجاد أساليب جديدة وسلمية لممارسة ضغوطات متوالية، وصولا إلى محاسبة الذين تطاولوا و يتطاولون على حقوق الإنسان السوري. و من أجل أن يعلم هذا النظام أن سوريا و شعبها ليسا ملكا لأشخاص أو عائلة .

• هل من كلمة أخيرة أستاذ مأمون ؟

في كل انتخابات كنت أخوضها و منذ ما يقارب عشرين عاما كان شعاري الانتخابي أنني سأبقى على العهد، والآن و في هذه الأوقات العصيبة أقول، رغم ملاحقات النظام لي وإلحاحه لدفع الإخوة العرب إلى عدم استضافتي، و إلى آخر لحظة في حياتي سأبقى على العهد إن شاء الله كي نصل إلى الحرية



sdc@democraticsyria.org Tel.: 00491702003392Fax 0049228211334
info@democraticsyria.org

ليست هناك تعليقات: