الأفلانيون يفقدون “مفتاح حل الأزمة” برحيل عبد الرزاق بوحارة
لفظ القيادي البارز في جبهة التحرير الوطني، عبد الرزاق
بوحارة، أمس، أنفاسه الأخيرة بمستشفى مصطفى باشا متأثرا بنزيف دماغي حاد،
لا يستبعد أن تكون أزمة الأفلان الممتدة سببا فيه، رغم أن الآجال عند
المسلمين بيد الله ولا تنهيها الأمراض.
سعى بوحارة، بكاريزماته القوية، منذ بداية الأزمة في الأفلان،
إلى رأب الصدع داخل البيت ومحاولة جمع الفرقاء على طاولة الحوار لمرات
عديدة، لكن الأزمة كانت أكبر من أن تنهيها جلسة حوار أو تدخل عاقل، بعد أن
أخذت أشكالا من العنف الجسدي واللفظي لم يسبق للحزب العتيد أن عرفها في
تاريخه الطويل.
عادة ما ينصح الأطباء كبار السن بتجنب الضغط في العمل والقلق
والانفعالات الحادة، لتجنب مرض خطير لا شفاء منه هو “السكتة الدماغية “،
ولا شك أن بوحارة الذي كان منهمكا لمدة طويلة في محاولة ترميم بيته الثاني
الأفلان، لم تخل مهمته من كثير من التعب والنصب والتأثر والانفعال الذي
صاحبها.
كانت أزمة الأفلان الحالية متعبة لكل ما عايش أحداثها وتتبع
مسارها، حتى بالنسبة لنا كصحفيين تجبرنا ظروف العمل على تغطية أحداثها، فما
أدراك من عاشها لحظة بلحظة متحملا كل صعابها ومتجشما كل اللحظات الصعبة
التي مرت بها. وقد كان الفقيد الراحل واحدا من الذين سعوا إلى الإصلاح ثم
وجد نفسه لظروف الصراع التي لا ترحم المحايد طرفا فيه.
وصلت الأزمة بين الفرقاء إلى حد السب والشتم والضرب والركل
أمام الكاميرات، واستعملت من الأساليب المشروعة وغير المشروعة ما لا يمكن
لعاقل تصوره، بين مناضلين يفترض فيهم الانتماء إلى حزب تاريخي قائد، يملك
مشروعا لبناء وطن رائد، كما تدل على ذلك شعاراته، التي غابت عنها المسميات
وبقيت الأسماء فقط.
تنفس الجميع، أو معظهم على الأقل، الصعداء بعد عملية سحب
الثقة التي طالت الأمين العام الحالي عبد العزيز بلخادم، علّها تنهي صراعا
طويلا ومملا، تجاوز كل حدود الأدب واللياقة، وقواعد النضال السياسي
المتعارف عليه، واستبشروا خيرا بإيجاد خليفة له يكون جامعا للفرقاء بعد
فترة الشتات. وكان الفقيد الراحل من بين أقوى المرشحين نصيبا للفوز
بالمقعد نظرا لتوفره على شروط يفتقدها الكثير من أقرانه نضالا.
ولأن الساحة السياسية في الجزائر ليست كغيرها في باقي
البلدان، ولأن الأفلان ليس كمثله من الأحزاب، لا يخضع منصب أمينه العام
لإرادة مناضلي الحزب فحسب، بل يخضع لتوازنات كبرى تتحدد في أغلب الأحيان
خارج الأطر المعروفة، وهو ما ألقى على الراحل ضغطا آخر إضافيا لما عايشه في
فترة النزاع. وخرجت بعض الأصوات تشكك في أهليته لتولي المنصب، وتبعد عنه
صفة مرشح الإجماع ، فألصقت به تهما بالجهوية وعدم الكفاءة، ووصل البعض إلى
حد الطعن في مساره وتاريخه.
قد تكون وفاة بوحارة في هذا التوقيت المفصلي فرصة لخصماء
الدهر في الأفلان ليراجعوا أنفسهم قليلا ويتذكروا أن صراعهم غير المبرر في
كثير من جوانبه، صار عبئا ثقيلا على صحة “كبارهم وكبرائهم” الذين لم يقدروا
على تحمل الضغط الشديد الواقع عليهم، فاستسلم بعضهم للأجل، ويعاني بعضهم
الآخر من أعراض التعب.
يقولون إن الخصومات تنتهي عند الملمات، ولا شك أن جنازة
الفقيد ستجمع بلخادم وعبادة وباقي المتناحرين من الطرفين، فهل سيوحد بوحارة
فرقاء الأفلان ميتا بعد أن أفنى حياته في ذلك حيا، أم أن موعد العظة
سينتهي ساعات أو أياما فقط من إهالة التراب على جثمانه ليعود الجميع إلى
حرابهم ومحاربهم.
محمد سيدمو
بيت الجبهة تحت وقع الصدمة
أبدى الأفلانيون صدمتهم الكبيرة من فقد المجاهد والقيادي
عبد الرزاق بوحارة الذي كان في نظرهم بمثابة “مفتاح الحل” للأزمة التي يمر
بها حزب الأفلان ورجل الإجماع الذي تلتقي فيه كل الآراء والخلافات، وذلك ما
ظهر جليا في تصريحات الفرقاء الأفلانيين.
وعبّرت القيادات الأفلانية لـ«البلاد” عن حزنها الشديد لرحيل
بوحارة الذي وافته المنية أمس بالمستشفى العسكري بعين النعجة بالعاصمة،
وقال القيادي البارز عبد الكريم عبادة، إنّ وفاة عبد الرزاق بوحارة خسارة
كبيرة للجزائر ولجبهة التحرير الوطني التي كانت ترى فيه “مفتاح الحل” الذي
باستطاعته احتواء الخلافات الحادة والسير بركب الأفلان نحو البر الآمن،
واصفا إياه بـ«الرجل العظيم” و«السياسي النظيف” صاحب المسار النضالي
الطويل.
وبالكلمات نفسها عبّر الوزير السابق محمد الصغير قارة، الذي
وصف خبر الوفاة بـ«الصدمة”. أمّا عضو المكتب السياسي لـ«الأفلان” قاسى
عيسي، فقد أكّد أنّ الأمين العام السابق للحزب عبد العزيز بلخادم زار
المرحوم صبيحة أمس بالمستشقى العسكري، وأنّ وفاته كانت “مفاجئة” للجميع
جعلت مناضلي الحزب العتيد في “صدمة كبيرة” خاصة أنّ للرجل ـ يضيف عيسى
قاسة ـ مكانة كبيرة في قلوب جميع محبي ومناضلي “الأفلان”، ومجاهد كبير
شارك في ثورة التحرير الوطني وله مسيرة طويلة من العمل السياسي داخل جبهة
التحرير الوطني.
وفي السياق ذاته، تحدث الوزير السابق عبد الرشيد بوكرزازة
الذي رأى أنّ عبد الرزاق بوحارة مات وهو يناضل من أجل لم شمل “الأفلان”
وجمع شتاته والعبور به نحو بر الآمان. وتتجه جميع الأنظار نحو بيت
“الأفلان” الذي يعيش حاليا تحت وقع الصدمة بعدما كان “حل الأزمة” على بعد
خطوات باجتماع الفرقاء حول شخص عبد الرزاق بوحارة، غير أن الرياح جاءت بما
لا تشتهي سفن “الأفلانيين”.
ن.عبدالوهاب
بوحارة في سطور
عبد الرزاق بوحارة، من مواليد سنة 1934 بمدينة القل في ولاية
سكيكدة. درس في المدرسة الابتدائية الحديثة، إلا أنه قطع دراسته الثانوية
بقسم الرياضيات بقسنطية، ليلتحق بجيش التحرير الوطني سنة 1955 إلى غاية
1977، حيث تقلد رتبة ضابط في جيش التحرير الوطني وأيضا في صفوف الجيش
الشعبي الوطني بعد الاستقلال. وواصل المرحوم بوحارة دراسته العسكرية، حيث
التحق بالمدرسة العسكرية بمدينة حمص السورية، ليتخرج منها على أساس طالب
متفوق، كما تحصل أيضا على شهادة الليسانس في العلوم العسكرية من الأكاديمية
الحربية للقاهرة، وكان بوحارة سنة 1962 مساعدا للرئيس الراحل أحمد بن بلة،
كما تولى قيادة الأركان في الناحية العسكرية الثالثة سنة 1964، وملحق
عسكري في السفارة الجزائرية بباريس سنة 1965، ليتولى المنصب نفسه على مستوى
سفارة موسكو سنة 1968، وبين تولي هذين المنصبين، كان الراحل تولى قيادة
اللواء الجزائري الذي توجه إلى قناة السويس أثناء الحرب العربية
الإسرائيلية سنة 1967 .
عبد الله.ن
رحيله يعمق الشرخ داخل الحزب العتيد
الأفالان يحبس أنفاسه.. بوحارة في ذمة الله
2013.02.11
عندما يتوقف القلب حزنا على الجبهة!
رحل إلى جوار ربه، أمس، المجاهد
والمناضل السياسي، والوزير الأسبق عبد الرزاق بوحارة عن عمر ناهز 79 سنة،
بعد إصابته بجلطة في الدماغ أدخلته أول أمس، العناية المركزة، قد تكون
أسبابها إدارة الرجل لأزمة الأفالان خلال الأشهر الأخيرة، حيث كان يمثل رجل
الإجماع في الجناح المعارض لبلخادم، ومحط ثقة رفقائه في النضال، لما يتحلى
به من حكمة ورصانة ورجاحة عقل، ومن مسار ثري اختصر عديد التجارب في
الجهاد، وفي صفوف جيش التحرير، بعد الاستقلال وكذا في السلك الديبلوماسي،
والإدارة حيث شغل منصب سفير في عدد من الدول، ومنصب وزير الصحة في عهد
الشاذلي بن جديد سنوات الثمانينيات، وشغل قبل وفاته منصب نائب رئيس مجلس
الأمة عن الثلث الرئاسي. عاد بوحارة إلى الساحة السياسية سنة 2003 كعضو في
الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، بعد المصيبة التي حلت بأسرته بفقدانه ابنتيه في
فيضانات باب الوادي سنة 2001، وهما في ريعان الشباب، إحداهما (سامية) أم
لطفل لم يتجاوز وقتها الثالثة من العمر.
عرف الرجل بإخلاصه لنضاله في صفوف جبهة
التحرير، وبتمسكه بوحدة الجبهة وبخطها الوطني، وقد تأثر في الأشهر الأخيرة
كثيرا وهو يشرف على فك خيوط الأزمة التي عصفت بالجبهة وبما آلت إليه هذه
الأخيرة في عهد بلخادم، الذي قادها إلى الانفجار.
التقيت الرجل في سهرة
31 جانفي في ساعة متأخرة من الليل، بعد سحب الثقة من بلخادم، وكان التعب
باديا عليه، بسبب ما يحدث في الجبهة، وبسبب مراوغات بلخادم، سألته عن صحته
فرد بتنهيدة عميقة ”هاكي تشوفي.. الكبر والمشاكل”.
وكنت التقيته في جوان
الماضي أياما بعد أزمة اللجنة المركزية في نزل الرياض، حيث روى لي بكثير
من المرارة كيف جاء بلخادم بشباب من خارج الجبهة معرضا إطاراتها إلى الضرب،
وكيف طلب منه ألا يخرج، حتى لا يضربه هؤلاء لأنهم لا يعرفونه، ولم تكن
تؤلمه مسألة الضرب، أكثر مما آلمه كيف تآمر الرجل على قادة الحزب، والأوضاع
المأساوية التي قاد الجبهة إليها.
لم يهنأ له بال، وهو يجوب الولايات،
ويلتقي بالمناضلين، محاولا لم شمل الصفوف، نائيا بالجبهة على الصراعات
الجهوية التي حاول بلخادم تكريسها داخل صفوفها، وكان في كل مرة أحدثه فيها،
يرد بنفس نبرة الحسرة، والخوف ليس فقط على الجبهة، بل على مستقبل البلاد،
لأنه كان يدرك بحكم الخبرة والتجربة، والمسار النضالي أنها أكبر من أن تكون
مجرد حزب، وأن ما تعيشه الجبهة من مخاض وصراع سينعكس حتما على البلاد
كلها، وليس فقط على الطبقة السياسية.
حاول كثيرا أن يثني بلخادم عن
المنهج الذي اتبعه داخل الجبهة، ونصحه بالابتعاد والاستقالة، لما زاره هذا
الأخير منذ قرابة الشهر في بيته، طالبا النصح، فنصحه بالاستقالة، إلا أن
هذا الأخير رد بتعنت بالقول ”مستحيل”.
فهل راح المجاهد الكبير عبد
الرزاق بوحارة ضحية حبه لجبهة التحرير وحزنا على المآل الذي وصلت إليه،
وضحية الصراعات الداخلية، حيث لم ينجح قادتها حتى الآن في حل مسألة خلافة
بلخادم، فتوقف قلبه عن النبض، وهو الذي واجه بصبر وثبات مأساة غرق ابنتيه
في حادثة باب الوادي.
حدة حزام
رحم الله الرجل، وأسكنه جنات الخلد، ورزقنا فيه الصبر.
رحيله يعمق الشرخ داخل الحزب العتيد
الأفالان يحبس أنفاسه.. بوحارة في ذمة الله
انتقل
المناضل عبد الرزاق بوحارة المرشح الأوفر حظا لخلافة الأمين العام السابق
عبد العزيز بلخادم، على رأس الأفالان، إلى رحمة الله، عن عمر ناهز 79 سنة
بمستشفي عين النعجة العسكري، الذي نقل إليه على جناح السرعة بعد تعرضه
لجلطة في الدماغ ليلة السبت إلى الأحد، ليرحل إلى عالم الخلود، حيث فقدت
برحيله جبهة التحرير رجل الإجماع.
قالت مصادر من الأفالان صبيحة أمس، إن
نائب رئيس مجلس الأمة عبد الرزاق بوحارة صاحب 79 سنة، والمرشح الأوفر حظا
لقيادة الأفالان في المرحلة المقبلة، نقل إلى العناية الصحية المركزة
بمستشفى عين النعجة العسكري بعد تدهور حالته الصحية حيث كان يعاني من نزيف
واضطراب على مستوى المسالك البولية، ورغم تنقل قيادات حزبية كبيرة لزيارته
فقد رفض الطاقم الطبي الذي يسهر على علاجه السماح لهم بزيارته قبل أن
تتدهور أوضاعه الصحية أكثر وينتقل إلى رحمة الله ظهيرة أمس.
وحسب مقربين
منه فإن وزير الصحة الأسبق كان يعاني خلال الفترة الأخيرة من ضغوط كبيرة
لتولي زمام الأفالان، كون الصراعات الداخلية كانت تتطلب رجلا يلقى أكبر قدر
من الإجماع بين الإخوة الفرقاء. وقال بعض مقربيه إن الرجل بدأ في الساعات
الأخيرة قبل رحيله يفكر جديا في الانسحاب لإدراكه أن مسؤوليات هذا المنصب
أكبر من سنه، وظروفه الصحية لا تسمح له بذلك، ليكون القدر أسرع ويرحل
الرجل.وأكدت قيادات في الأفالان أن رحيل المجاهد بوحارة خسارة كبيرة
للجزائر خاصة في مثل هذه الظروف التي بمر بها الأفالان الذي أنهكته
الصراعات التي حولت الحزب إلى مسرحية فصولها تحكي قصة كعكة كبيرة كل واحد
يريد حصة الأسد فيها.
وأضافت ذات القيادات أنه من الصعب جدا إيجاد رجل
قادر على لم الشمل في هذه الفترة، خاصة وأن سفير الجزائر بتونس، وعضو
اللجنة المركزية عبد القادر حجار بدوره غير متحمس لخلافة بلخادم بسبب عامل
السن والظروف الصحية. وهونت مصادرنا من المشاكل التي يعيشها الحزب بالتأكيد
على أن ”حزب جبهة التحرير الوطني هو حزب له مكانة في الساحة السياسية،
ومنذ نشأته الأولى يحوي داخله على تيارات فكرية وسياسية، لهذا السبب تولدت
اختلافات في الأفكار والتوجهات داخل الجبهة، وبحكم قربه من السلطة فإنه
يتأثر بكل ما يتعلق بالسلطة”.
فاطمة الزهراء حمادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق