السبت، أكتوبر 27

أخبار


افتتاح
فرحة وحزن
صدرت العديد من الكتب في الفترة الأخيرة في المجال الأدبي بشكل خاص، دواوين شعرية، قصص قصيرة، روايات بالعربية وأخرى مترجمة وذلك كله بفضل دعم الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 وهي أشياء يفرح لها بالفعل ومع ذلك لا أدري لماذا أشعر بأن وراء هذا الفرح المشروع حتما، المستحق حتما، شيء يحزن بعض الشيء، أو يحزن كثيرا، وأدرك من البداية أن من سيشملهم هذا الحزن بالدرجة الأولى هم الكتاب أنفسهم الذين صدرت لهم هذه الأعمال الأدبية عندما يشعرون بأن صدورها لن يغير من أمر حياتهم في شيء، سيفرحون للحظة واحدة وهم يلمسون كتبهم وقد خرجت لتوها من المطبعة ثم يلفهم الصمت بعدها، صمت الواقع الثقافي الهش، صمت الساحة الأدبية التي لم تعد متفاعلة مع كل هذا الزخم الإبداعي الجزائري الذي بقدر ما يفرح يثير في نفوسنا الأسى والشجن، لماذا؟ لأنه لاتوجد شبكة توزيع حقيقية تسمح بانتشاره على أوسع نطاق بداخل البلاد، ولأنه لاتوجد مكتبات كثيرة تهتم بكتب الأدب -أصبحت تعد على أصابع اليد في المدن الكبيرة فما بالك بالمدن والدوائر الصغيرة-، وأيضا لأن الإعلام الثقافي محدود حتى لانقول غائب، ولايمكنه أن يتحدث عن كل ما يصدر، ولأن الجامعة لاتتابع الإصدارات الجديدة منذ فترة طويلة، ولاتعقد لقاءات مع الكتاب ولايهمها ذلك، ولأنه لايوجد محفزات معنوية، ولا تنشيط ثقافي يسمح بظهور الكتاب بصورة مفرحة، ولأن وضعنا الثقافي بحاجة لروح حية، ونابضة، وليس لدعم مادي -نحتاج إليه طبعا- لدفع حركة النشر فقط، ولكن لشيء آخر، لنبض آخر، لمبادرات حقيقية، وفعالة في الميدان·· طبعاً فرحت بالكتب الصادرة مثل غيري ممن يتمنون المزيد، ولكن بقيت متأسفاَ أن نشر الأدب يخضع دائما لرعاية رسمية، وأنه يفرح الناشرين الذين يهتمون به فقط في مناسبات كهذه -مع استثناءات قليلة- ولايعيش بإرادة القراء المحبين له بالفعل، مثلما هو الشأن في كافة الدول الغربية بالخصوص، أي تلك التي تمنح الكاتب محبتها الصادقة، وتخلق له قدرة على أن يستقل، ويتحرر، ويكون وفاءه الأول والأخير لإبداعه لاغير·

PH/ DjazairNews
الهزيع الأخير ···
وهامش من مواسم الجرح والفتنة
98 / 1994 : الرباط - فاس - وهران - عنابة - مدنين - تونس
سعيد هادف
عاليا···
يرفع القطار عقيرته
يشق من الليل متّسعا للحديث البسيط·
في الصمت متسع باذخ للكلام المؤجل،
يشق القطار من الليل دربا تمر على ليل شعري··
··على عتمة نسجتها التي وشمت نارها في متاهي
يمر القطار··· يمر··
فمَن يَهَبُ النهار الطريد محطاته ؟!

في الهزيع الأخير نزلت المدينة
لم تبح أزقة فاس بما يثلج الصدر
والعصافير إذ غردَتْ،
غدرت بالشجيرات راهبة الدير

متعبا وجريحا،
يكابد ما أثخنتنه به وردة حينما ارتشفت
من بهاء المواقيت،
جفَّتْ على صهد حيرتها وارتمت في الغياب·

فاء: فاس متن الغواية
مقام عتيق وتفاحة من وجع
لست الوحيد الذي يصطلي نار حيرته
لست الوحيد الذي يتشهى الغرابة
غير أن الخطى التي منحتني لوقت العرائش،
غنت مباهج بوحي،
غنّت مباهج من تعب شاهق،
كأنك تجهل سر ارتحالي إلى نجمة من نبيذ
أقصد وهران تلك التي منحتني الغواية

راء: هل سأسمي الرباط رنينا لأغنية تؤرخ لامرأة من حنين؟!
من مدارات يثرب حتى بجاية تبزغ امرأة وتخيط المسافات مما تَخلّفه الأقدمون،
أنقب عن جمرة في رماد السنين،
فأي الرسائل يحمل سيبوس إلى آخر الوقت !
سيبوس يراجع أقواله حين أوغستين كاشفه،
وحين هوت أفئدة الشعراء إلى مائه أجهشت حمائم
بونة في أيكة الانتباه·
مصطفى···!
أي اصطلاح يليق بفتنة هذا الزمان !؟

وابن رشد بقرطبة الآن يحاصره السهو والسفهاء،
من سيطرق حكمة الأولين !
كيما تجود بشيء من الضوء···
وكيما يهيء (مورو) بقية مركبه للعبور،
إن الطريق إلى النبع محروسة بقراصنة من دخان

··· بغداد···
تيهرت···
قرطبة····
بغداد لم تقتطع هامشا للعبور إلى الأندلس
والخطى انسحبت إلى أفق ملتبس
فخانت رؤاها المواسم،
وانكسرت
في المهب أفراسها ونأت
قرطبه
نأت ·· وردة عن حدود الزمان
سحبت تيهرت ألوانها من بقايا الغبار
والريح أوحت إلى النبع بالهذيان

فاس متن الغواية
مقام عتيق وتفاحة من وجع
ياء: يتيم رحيلي يا صاحبيَّ ومائي قليل
سرت والسور
لم ينته السور، شؤونه من ذهب وتراب
ملتحفا بالظهيرة سرت،
في الهناك الغباري شمس
أسير يسير معي السور
إلى أين يفضي؟
وأنسى السؤال لأن الظهيرة تغري
بأقرب مقهى
دال : دالية فقدت ظلها···
ربما في العرائش ما يسند الروح إلى لحظة من فرح
كم هو الوقت ؟
مساء ثقيل على كتفي
ترجمت رد التي أزعجته بعين تخون
كان يحاصرها بالكلام ويسرف في الحكي
يبني من الحكي سورا···
كم هو الوقت ؟
مقهى من الوشوشات وتبغ
عفاك···!
أشعل سيجارة واختفى في سحابتها

كم هو الوقت ؟
مساء يتيم كعادته
غريب كأشجاره
لا شأن لي···
إن شئت أعرتك ما تشتهي من نعوت
مساء حزين
مساء حقير
مساء لقيط
مساء مساء
وإن شئت، مساء شريف على الشرفاء
يالشريفة كم هو الوقت ؟
بعد قليل سيمر القطار
وبعد قليل ستغادر فاس

هاء: هجرة ضد الهباء
وزغبة ينتعل التيه، يغالب أهواءه
يرحل صوب الأقاصي إن الرحيل ارتواء
ومن قدح الروح يسقي حدائق غربته
وكل وصال مع الروح ماء

عاليا···
يرفع القطار عقيرته
فتاتان من عبق ودخان
سؤال عن الوضع في بلدي···

نحن نلعب لعبة الموت قلت
واكتفيت بمختصر القول
فمعذرة إن أسأت الرنين الفرنسي

كلارا تؤرخ للحدث العابر،
مولعة بالتفاصيل،
ترسل ضحكتها في الفضاء البعيد،
شيء سيرشق غفوة السين قالت···
وعبرنا إلى فسحة الشعر···
كلارا مفتونة بالغرابة
مولعة بالتفاصيل
تحمل ما تشتهي في عربات الكلام
تتوجس خوفا من اللعنة التي ستجيء
كأن الجميلة مثقلة بإشراقات رامبو
ونبوءات داموس

قال الدرويش، وقد أنهكه الشطح وأقوال الأقطاب :
لن يخبرك سوى النهر بأوجاع بن خباب،
وكلام الله المسفوك على مرأى الماء·
قد ذبلت خطوات النهار والأحصنة الغر والكلمات،
تخفشت الأرض،

أينعت الدجنة المرمرية حول أيقونة الحلم···
خذ من سماء روحك قسطا من الشمس، لتكمل هذا الرحيل الطويل

أستعيد صباح البداية،
والحماسات التي انكسرت في مهب الطريق
هنا شجر يودع نافذة الحالمين
يمر القطار على حافة الروح فحم
وأودية لا تجيب
يمر القطار يمر···
على حافة من ظنون
مشهد يبدأ رقصة النار في غسق، تحرك أقنعة الظل
يمر القطار وتسقط في المحطات أشياؤنا
بعض أسمائنا تؤرخ ما ليس ندري
سيمنحها سيد العتمات ما يشتهي من نجوم
سيمنحها الموت وما يشتهي من كلام جميل
يمر القطار على جثث··· إلى أين يمضي القطار؟

يمر القطار···
أرى ما يشبه الأرجوان على حجر آمن في ممرّ يؤدي إلى حفلة من شخوص تهيء مائدة من دخان ودم،
تهيء طقسا لآلهة وحلازن تسكن جمجمة الوقت

انكسر العطر في صدر أمك
رنّت نواقيس حزنك في الأرض
لا منفى لك الآن لا ملكوت،
خذ ما يليق بقامة زيتونة، من هتاف وجدولة للهواء وبضع سنابل محفوفة بنهار جليل
خذ من سماء روحك قسطا من الشمس لتكمل هذا الرحيل الطويل
واقرأ ما قاله النفري في موقف التيه، وسيرة كافكا، وما أدهش موسى من أفعال الخضر وأروقة الهيكل الغسقي وعرج على النفزاوي حتى تفك مغاليق هذي الرموز التي تتعارف في شغف دموي بالقرب من جثة تزخرفها القهقهات وأدعية المعبد العدمي

يمر القطار
يترك للأعين الذاهلات
مواعيد باهتة
أرجوحة للفراغات···
نافذة لصباح مؤجل

سيدة من غبار الخطابات قالت:
جراحاتنا مرفأ القادمين من الفجر
وطني مركب··· والمدارات عزم
تلت سورة الكهف ثم استدارت إلى أفق من هديل

هي المدينة أيقونة···
والمساء مرايا
فاس
وهران
عنابة
مدنين
وأجهش صمت المدينة حين اشتهاك الرحيل الأخير
سلاما···صديق النهارات
سلاما···
سلاما···
هذا رحيلك مسترسل في الذهول
ومتزر بردة الانتباه
على حافة الوقت تغالب وقع الليالي في زحفها القرمزي
تحاول سحب الخطى في اتجاه مضاء
ولكن وهران ما أمهلتك قليلا
ولم تهدك الباقة المشتهاة
حينما منحتك الرحيلا

كأن الذين أتوا من فراغ الممرات أرهقهم شوقهم
وخان خطاهم سراب الحقيقة
من مراثيك يا اإرمياب حتى مديح الظلال البعيدة،
يغتسل القول بالموت···والموت بالدمع
ينداح ضوء المسافات في أورشليم
تدور رحى الحرب باسم السلام
سلاما··· سلاما···
ويمضي القطار···

يمر···
وتأتي الصباحات واضحة كالمآسي
مبهمة كالفرح
تبث العواصم أوجاعنا
أي نص سيحمل لغم الحقيقة ؟!
على هامش المشهد الأرجواني···قبر وأرصفة من الوهم والذكريات الأليمة
خطاب يدور على العرش
خطاب يسير مع النعش
سيدة من صباح عنيد
تلت سورة الكهف ثم استدارت إلى أفق من هديل·


-- داموس : سنترا داموس العراف والطبيب الفرنسي، صاحب كتاب النبوؤات، عاش في القرن الخامس عشر
السين : نهر السين
* إرميا : نبي وصاحب مراثي إرميا
ابن خباب : اغتاله الخوارج وبقروا بطن زوجته الحامل


مقاطع من رواية'' باعث الأحلام البربرية'' ؟لمحمد فلاق


ـ أنت خائف من الموت؟
ـ لومت فستقع الكارثة! أفهمت ما أود قوله!
ـ كلا!
ـ الموت لايخيفني، لكنني لم أستوفي سوى خمس وثلاثين سنة· لم أعش شيئا بعد، سأرحل وليس معي أي ذكرى جميلة· إذ لم أستغل الحياة، كيف تودين أن يحترمني الموت؟ أود أن أتقدم إليه برأس مرفوع، أود استغلال هذه الحياة التي وهبني إياها الرب، لا أود مقابلته بيدين فارغتين·
ـ أنت تفكر بهذا الشكل! لكن هم يفكرون بشكل أخر
ـ عليهم تقبل الإرادة الإلهية، لو حكموا علينا بمنطقهم البشري، سيدينون أبرياء· إنهم ينتهجون بدعة تسعى لفرض سلطتها فوق سلطة الله!
ـ دعك من هذه التصورات الآن وعانقني· تعالى، أود إراحة هذا الجسد· لايجب أن نضيع الوقت، بعد قليل سيستيقظ المتلهفون لتخزين الماء ويصل السكارى، صغيرى!
ـ لاتناديني صغيري، لقد تشاجرت كثيرا مع والدتي التي ترفض النظر إليّ كرجل ناضج·
فجأة، انفجر ناصر بالشهيق·
ـ لما أنا؟ ماذا فعلت؟ ماذا فعلت لهم؟ يريدون ذبحي مثل الأرنب، هكذا؟ يودون كسب رضا الله، هذا ما يريدونه؟
أمسك القارورة الفارغة الثانية ثم قلبها على رأسها لإفراغها من آجر ما تبقى فيها من قطرات· أراد قطع الطريق أمام السرطان الذي بدأ في تحريك ملاقيطه، محاولا الخروج من الجحر·
ـ سأتقصى الحقيقة بنفسي· قالت له وهي تمده بكأس نبيذ· من جهتك حاول استطلاع الأمر لدى إخوان بالحي· بإمكانهم ربما مدك بشيء ما·
ـ هؤلاء أناس طيبون، أنا أعرفهم، ليس هم من···
ـ آه! إنهم طيبون، إنهم طيبون··· أنت لاترى أبعد من طرف أنفك، أنا متأكدة بأنهم على اطلاع بكل ما يحدث· هم على إطلاع بكل أفعالنا وحركاتنا، كلهم في تواصل فيما بينهم
(·····)
ـ كيف كانت تلك الاحتفالية المشهورة بالمغارة؟ سألت بإصرار لمعرفة القصة الحقيقية لناصر·
ـ الإحتفالية؟
ـ نعم، هناك بالمغارة!
ـ شابان ''مجاهدان'' كما يسميان أنفسهما، كانا مقبلين على تفجير جسديهما بقنبلة قوية وسط المدينة· قرر الأمير الاحتفال برحيلهما إلى جنة الشهداء·
شرح لي كيف كان سيتمزق جسديهما بالإنفجار، ثم تجمع الأشلاء كالكلاب الميتة وترمي في مقابر جماعية· بما أنهم كانوا لن يستطيعوا غسلهما وفق الشريعة والصلاة عليهما، فضلوا القيام بهذه الواجبات مسبقا· قاموا بتحضيرهما ومعاملتهما كما لو كانا ميتين·
ـ كيف هذا؟ قلتها، وأنا أشعر برعشة برد تعبر جسدي· معاملتهما كما لو كانا ميتين؟
ـ سأحكي لك ماذا حصل· بما أن الشابين كانا عذر ـ في لغتهم، عذر يعني عزاب ـ قرر الأمير وجماعته تزويجهما سواء إلى شابتين تم اختطافهما على قارعة الطريق أو من مناضلتين معروفتين· كان هذا بغرض منحهم تذوقا أوليا للجنة· إذا في ذلك المساء إمتلكهما شعور مسبق واستثنائي بالجنة· حق للشابين الكاميكاز تذوق ما يحرمه الإسلام على الأرض لكن برضى الله· وبما أنهما كانا يعتبران ميتين، فقد كان مسموح لهما بكل شيء: يرقصون ويغنون أغاني تمدح هناء الحياة الخالدة· رقص الجميع وردد أغاني دينية أخّاذة· بعدها رافقوا الزوجين إلى مغارتين مهيأتين ومعطرتين كغرف الزفاف· في منتصف الليل، بعدما نالوا نصيبهم من لذات الجسد والكحول، تم اقتيادهما إلى مغارة مخصصة لغسل الشهداء، أين كان في انتظارهما رجلان الأكبر سنا في الجماعة، المسؤولين عن غسل الأموات·
ـ كيف يتم هذا؟
ـ نزع المجاهدان ملابسهما وتمددا عراة كلية على منصة خشبية شبيهة بسرير الدلك الرخامي الذي نراه في الحمامات· أغمضا عينيهما كي يتظاهرا بالموت حقا· قاما الغسالان بغلسهم وفق الشرع، ثم قاما بتكفينهما، ثم إخراجهما لتلاوة الصلاة· بعد أداء صلاة الغائب، رددوا أغنية روحانية اقشعر لها جلدي
ـ أتذكر كلماتها؟
ـ هي أغنية مأتمية، يرددون نفس الكلمات ويسارعون الريتم لبلوغ النشوة·
مال ناصر نحوي وهمس إليّ بالأغنية في أذني·
'' كلي يالدودة! كلي
لحمي وعظاي
وخلي فمي ولساني
باش نقابل مولاي''
أشعرتني الأغنية ومحتواه برعشة·
- بعد إتمام هذه الطقوس، إرتدوا ملابسهم بشكل عادي إستعدادا للانطلاق ببركة الأمير في السيارة الممتلئة بالمتفجرات
ـ كانوا هم قنبلة شارع التحرير الوطني
ـ هذا ممكن لا أدري، فقد وقعت كثيرا من التفجيرات
ـ و··هل بلغت أنباء عنهم بعد ذلك· هل خرجوا أم لا؟
ـ كيف تريدني أن أعرف ذلك· أتعتقد بأنني منشغل بهذا؟ وقعت اعتداءات بأماكن متفرقة، كيف تريدني أن أحسم أي منهم؟
في الصباح، قبل أن يعصبوا عيناي، جاءني الأمير رفقة الملازم الأول لتحيتي وطمئنتي بأنه سيتحرى شخصيا مصدر الرسالة، وبأنه سيعاقب المتورطين· أخبرني أيضا أنني الآن صرت أعرف التنظيم، إذا قررت يوما الإلتحاق بهم، فأنا أعرف الطريق ثم قبلني··
- وقبلك؟!
ـ نعم، ثم أضاف قائلا '' خذ، يجب أن نتجاهل ذلك من أجلك''، قبل أن يسلمني بيان الأمان الذي أظهرته لك· في الأخير، رافقني مقاتلان إلى محطة السيارة بعين الباردة، تحدثا مع سائق منخرط في التنظيم وطلبا منه إيصالي إلى غاية البيت، وقد أعطوه خفية بعض الأوراق النقدية·
ـ قل لي، ألم تصدمك هذه المغامرة وتلك الطقوس المأتمية؟ لو كنت مكانك لسكنتني كوابيس لاتنتهي أو كنت ربما سأجن·
-سعدت لمغادرتي سالما، مدركا بأنني لم أكن مهددا، وأنهم تكفلوا بأنفسهم بإلغاء هذا الحكم·· أما الآن فأنا سعيد، أشعر بكوني إنسان جديد، كما لو أنني ولدت للتو·
على الساعة الخامسة إلا ربع، أخذ مقران والندل في الضرب على أيديهم والمناداة بصوت مرتفع:
ـ هيا خاوتي سنغلق الأبواب خلال عشرين دقيقة و من لم يدفع بعد ثمن طلباته فليسرع مباشرة إلى الصندوق· هيا! هيا من فضلكم·
PH/ DjazairNews
عاصمة ثقافية
نبيل سليمان
كما قد يتعلق العشق من أول نظرة بالمرأة، قد يتعلق أيضاً بمدينة أو بلد، وهذا ما كان لي منذ عام 1985 حين التقيت الجزائر أول مرة· ولئن كان يغلب على العشق من أول نظرة أن يتبدد عاجلاً أو آجلاً، فبعضه يكون مقيماً، ومن ذلك عشقي للجزائر·
في نهاية نيسان الماضي تجدد لقاء هذا العاشق الذي دالت دولته· وجاء اللقاء في إهاب (الجزائر عاصمة الثقافة العربية)· بيد أن الدهشة والحذر استوليا عليّ حين تبينت أن اللقاء سيكون للمساهمة في حلقة (الخيمة العربية فضاء للقيم السامية والعيش المشترك) من حلقات احتفالية من أعشق· وكما هو العهد بكبار وصغار الكتاب والفنانين، حين لا يوفّر أحدهم دعوة، لبّيت دعوة الجزائر وأنا أسلق بمرّ الكلام الخيمة والبداوة ونفسي، وكما هو العهد بقلة من كبار وصغار الفنانين الذين لا يوفّرون دعوة، لكن واحدهم يحاول أن يحفظ ماء وجهه، حاولت، إذ أعددت للمساهمة في (الخيمة العتيدة) قراءة في عدد من الروايات العربية التي شغلتها البداوة· ولئن كانت نسمة واحدة من عبق الجزائر تكفي لأن تطيش (لبّاً) مثل لبّي الطائش خلقة ربّه، فقد فاجأتني الخيمة العتيدة بما لم يكن في أي حسبان: جدية بالغة وعلمية صارمة وفرجة ومتعة تفعمان الروح والجسد، وإذا بالخيمة حقاً فضاء مشبع بالقيم الرمزية والذاكرة الثقافية الجماعية·
لعل الخيمة تنادي اليوم لأمثالي ماضياً منكراً لا يزال يتقمّص القبلية والعشائرية والنفط والثأر وجلجلة فارغة من الفخر والنسب والفروسية والكرم و··· لكن الخيمة الجزائرية مضت بي إلى فضاء آخر، يشتبك فيه التكيف مع الطبيعة بالهجرة والتهجير أو الترحال أو ما أوثر تسميته: التغريبة، كذلك هو الاشتباك بين ملايين الكيلومترات المنداحة بين الجزيرة العربية والشمال العربي الإفريقي ـ كيلا أذكر بادية الشام أو العراق ـ وبين الخبرات الثقافية والتحولات التي يكفي لتقدير شأوها أن يتذكر واحدنا ما بين الانتخابات البرلمانية السورية قبل نصف قرن، وبين انتخابات مجلس الشعب أو الإدارة المحلية للتوّ·
على عجلٍ أعدد ما امتلأت به الخيمة الجزائرية من معارض الأدوات والحرف والمنتوجات المادية المتعلقة بزمن الخيمة، وأمسيات الشعر الشعبي ومعرض السياحة الصحراوية، والوثائق السمعية البصرية والعروض الفلكلورية والسهرات الفنية، وكل ذلك يناديك من آناء الليل إلى أطراف النهار، فتلبث مأخوذاً، ليس بعشرات الفرق الجزائرية النابضة بالفسيفساء العرقية والقومية والجهوية، بل بعشرات الآلاف من البشر الذين يضيق بهم فضاء نصب الشهيد على رحابته، وبخاصة منهم الشبان والشابات، فتحار فيما يجعل الأجساد والأرواح الفتية المدينية مشبعة بالغناء والرقص المنسيّ، بل والبدائي: هكذا تصفه أيها الضيف المتعالي بثقافته وعولمته وحداثته وما بعد حداثته!
في الآن نفسه، وتحت الخيمة إياها، ثمة من يقدم أو تقدم من ثلاثة عشر بلداً عربياً أبحاثاً في السيرة أو الغناء أو الطقس أو الرواية، وصولاً إلى البيان الختامي للندوة، وأولى توصياته هي: <إقامة ندوات حول التراث الشعبي على غرار ندوة (الخيمة العربية بالجزائر) ضمن فعاليات الاحتفال بعواصم الثقافة العربية القادمة>·
هنا: حطّنا الجمّال·
فالعاصمة الثقافية العربية القادمة هي دمشق· ولست أدري إن كانت تلك التوصية قد بلغت أولي الأمر الذين شمّروا عن السواعد لاحتفاليتنا الموعودة مبكراً· وبالمناسبة أذكر أن قطر تستعد منذ شهور، بكل ما تعنيه هذه الكلمة، لتكون عاصمة للثقافة العربية عام .2009
أما السؤال الذي أضعه برسم اللجان التي تهيئ لاحتفاليتنا فهو يتعلق بتلك التوصية، فلو أُخِذَ ببعضها، ألن يفتح ذلك فضاء العاصمة الثقافية على نصف سورية الشرقي، فضلاً عن شطرها الجنوبي؟
لا أعلم ممّا يشغل لجان احتفاليتنا إلا القليل· وأقل القليل ما حدثني به الصديق الدكتور حسان عباس، ليس تزجية، بل استشارة لوجه العاصمة المنشودة، وهو ما حدثت به الصديق الروائي خيري الذهبي الذي يطيب له أن يتخفّى على (مستشارياته) لغاية في نفس يعقوب الذهبي·
خلاصة ذلك أن تكون (دمشق عاصمة ثقافية عربية) فرصة جدية جداً لـ (صناعة ثقافية ثقيلة)، فلا يُكتفى بمشروعات يمكن أن تنجز، أو يبدأ إنجازها الذي لا ينتهي، في أية احتفالية وأي وقت· وكان قد سبق لي، في سياق (حلب عاصمة ثقافية إسلامية) أن صدعت بالنداء في رحاب جامعة حلب، بإصدار روايات نعمان القساطلي (الحلبي السوري) التي نشرت مسلسلة في مجلة (الجنان) البيروتية عامي 1880 ـ 1882 ولما تصدر في كتاب بعد· والأمر لا يكلف إلا أن يُكلَّف أحدهم ـ مأجوراً أو لوجه العاصمة الثقافية ـ بالذهاب إلى الجامعة الأمريكية في بيروت ـ مثلاً ـ فيصوّر روايات القساطلي الثلاث، هذا إذا لم تكن الأفلام في أرشيف مكتبة الأسد كما يُفترض·
على الرغم من أن ندائي ذهب بدداً، فقد صدعت به الصديقين حسان عباس وخيري (يعقوب) الذهبي· ولأني لا أذكر بأية أحلام، قد أكون صدعت الصديقين بها، ها أنذا أحلم بأن تكون سنة دمشق القادمة سانحة لإصدار إنطولوجيا الرواية وإنطولوجيا النقد الأدبي وإنطولوجيات الكتابات الفكرية والاقتصادية، في سورية منذ بداية عصر النهضة إلى منتصف القرن العشرين· بل ها أنذا أحلم أيضاً بإعادة نشر مئات ـ أجل مئات ـ الإصدارات التي شهدتها سورية خلال عشرات العقود، ليس في الأدب وحده، بل في حقول الثقافة جميعاً، وفي رأس ذلك المجلات المحتجبة مثل: الحديث ـ الطليعة، العروس ـ المضحك المبكي، وحتى الدنيا أو الصباح أو الجندي·
في ذاكرتي مما قرأت أن أحدهم أو إحداهنّ قد صوّر حساباً عسيراً لحالم أو حالمة على حلم، لكن ذلك لم يكن على مثل ما أحلم به، لذلك آمل أن تحفّر أحلامي أولي الشأن، أم إن الخرف أدركني مبكّراً؟
تتمنى أسرة ''الأثر'' للروائي نبيل سليمان الشفاء العاجل
بعد العملية الجراحية التي أجريت له مؤخرا
على المنصة
الجامعي والعصامي
هذا الذي يجتمع إلى طلبته محدثا إياهم عن بطولاته الأكاديمية وفتوحاته المعرفية هو الجامعي·· هذا الجامعي الذي يقرأ سفر التكوين وسيرة حنبعل وكتاب الأيام·· هو الجامعي·
هذا الذي يتأبط أفكارا من عصر التكوير ويستعيد زمان إسماعيل ياسين وأحمد مظهر وعمر الشريف ويبكي على وصلة أم كلثومية طوبلية بالأسود والأبيض ويترجم على صندوق الذاكرة هو الجامعي·· هذا الذي تمنحه دولته الكريمة الكرسي والجاه وحسن الاستقبال وتدفع له راتبه الشهري وكل حقوق الاستجمام الثقافي والأكاديمي والمجتمعي هو الأكاديمي·· بالتوصيف الممل وغير الممل·
هذا الذي ينمو على الهامش كعشبة ضارة تتوسد الحيطان، هذا الذي لا يتبرم من عصر انقضى ولا يحن إلى ذهب المسابقات، هو العصامي عصامي في مشربه الإيديولوجي، في ذوقه الغذائي وبطنه النحيف وفي فكره الوقاد المنجذب إلى سيرة من عصر السابقين، له المثال في محي الدين بن عربي ودعبل الخزاعي وبشار بن برد وأبي يزيد البسطامي، هذا العصامي الذي تضعه الثقافة العربية في خانة التفكير والنكرانية، والجحود·· ليس له عنوان، ليس له منصب، ليس له مأوى، ليس له جمهور، ليس له فضاء، ليس له مقهى وليس له نديم، وفوق كل ذلك ليس له زمن·· فهو زمن رمزي ضد القبيلة، ضد الحزب، ضد الزاوية، ضد النقابة وضد الزبائنية وهو ضد الزبون·
الجامعي والعصامي ثنائية أبدية لصيقة بالفكر المعاصر كما بالفكر القديم كما بالثقافة العربية·· فقط إن هذه الموضوعة هي مساحة غير مشغولة بالتأمل والتفكر·· فهي قائمة على ''امبريالية المعنى'' واحتكارية الرمز وسابقة التاريخ وملازمة المؤثرات والسيمينرات، وذلك من جهة الانتساب إلى الجامعة ومحيطها المليء بالسياج اليقيني وأدوات السلطة كبيروقراطية وكمعرفة، وعليه فالجامعي هو محصول ناجز تابع للمؤسسة وتوابعها والخادم الظريف لاستراتيجيات المصالح، والتقديرات التي تضعها الزمر المجتمعية بخصوص مسلك هذا المجتمع أو ذاك·· مسلك هاته الدائرة أو تلك، مسلك هذه الإيديولوجيا أو تلك، حركة الجامعي داخل الجامعة متساوقة مع التوترات السياسية وأخبار المجتمع وفضائح الثقافة وجدالات الإعلام وتيارات الفن على نحو مفصلي ولا يتزعزع· فالجامعي لا يقول للمحسن أحسنت ولا للمسيء أسأت، وعليه فإن بيئة الجامعيين هي بيئة محافظين، بيئة مشاريع منجزة وأفكار داخلية، بيئة مسالمة، بيئة مؤسسة وحرم مقدس، بيئة قانون وشريعة وإدارة وبحث مغلق··
على خط التماس يقف العصامي مرتابا، فهو قد يكون التحق بالجامعة أو غادرها، لم يجلس على كرسي من كراسي الجامعة أو نال الدكتوراه والدكتوراه الفخرية فالأمر سيان، إن العصامي من طبيعة خاصة أو لا وهو يعني من سيكولوجية عصية على الفهم وعلى التوغل إلى أسراره الداخلية، ينتج المعرفة غير ناظر إلى المذاهب الوضعية ولا إلى الانتماءات المؤدلجة إلى توابل السياسة والاجتماع والقبيلة غير مرتهن إلى ماضوية زائفة ولا إلى وصفة سحرية كتبها له عراب من عرابي الوضع القائم·
العصامي غير مؤمن بأية عقيدة نسقية تسرق منه الدهر والوقت والحرية والمتعة، ولعل واحدة من كبريات آلامه إحساسه بالنفي والاستبعاد والمنابذة·
وما يحدث دائما هو قدرته العالية في ممارسة الفعالية على الذوق والخطاب والسلوك بشكل سريع ومدوي· ولننظر في نماذج كعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم وأحمد أمين ويوسف إدريس ومحمد شكري وزفزاف والطاهر بن جلون وعبد الرحمان منيف دون نسيان كثيرين من بؤر فكرية وعلمية عديدة ممن لم تصنعهم المعاهد والإيديولوجيات وبنادق العسكر ولم تلحق بأسمائهم دال الدكتوراه والألقاب الفاقعة اللون، على أنهم دكاترة في المحصلة النهائية·
هذه الثنائية في الفكر المعاصر يأتي عليها النقد بالدراسة الشجاعة والخلاقة·· إذ يدرس سيرة الجامعي وخطاب العاصمي ومنظومة القيم وتكوينات والتكونات الثقافية لدى كل واحد منهم لغربلة المعرفي والمنهجي من ما هو عكس· وتأتي الصياغة النهائية للمثقف الغرامشوي بالاستناد لا على المعطى المؤسساتي الصارم بل بانتمائه اللامحصور للهواجس الجمعية كسلطة وكهامش، كمؤسسات وكضمائر شعبية ووجدانات كيانية·
حكاية العاصمي والجامعي في المجتمع العربي يجب أن تتجنب التنظيرات الجامدة، فمدرسة التنظير اعتادت على بعث الجمود فيما هو مرن ورهيف وحي ومتضمن للفعالية·
فالمطلوب من الكائنين الثقافيين إنتاج المعرفة ومراكمة الأفكار وزحزحة المعاني وتأصيل الأذواق بمنأى عن التصنيف الكلاسيكي، عضوي وغير عضوي·
إن الجامعي ضمن بحوثه اللامعة يتواجد مسجونا بالأشغال الشاقة في الأدب وباقي ميادين العلم- لكنه لا غير منخرط في الشأن العام ولا يتحمّل النقاشات اليومية المفعمة بنبرة الحدث الطازج، وإذ ذاك هو يبتعد عن الفضاء العمومي متمرنا على السلطة وحب السلطة والتفكير في السلطة، الجامعي هذا يتموقع رديفا للتكنوقراطي وللشيّيخ وللسياسي ويتهاوى بأسرع الممكن نحو حتفه الأخير··
نسمع بأسماء كبيرة اختفت عن المشهد أو توارت خلف الحجب الكثيفة·· حجبت كأحلام السياسيين البريئة والملائكية باستخلاف المجتمع والحديث عنه نيابة كضمير من لا ضمير له··
يبد أن العصامي هو قاصم لظهر المتنسكين، المتلاعبين بالقداسات كما يعبر بذلك شيخنا أبو حامد الغزالي، لا ينفك يضرب بتطلعاته وحيويته النقدية كل الحصون·· لنا أمثلة طاعنة في القدم وأخرى تتجدد باستمرار عن أكاديميين، تجاوزوا العتاب وأبحروا في ليل المعاني، إذ تحرروا من سيوف الجامعة وسيوف النظريات·· تحرروا من أثقال اللغة الثاتبة المتخشبة تلك التي تعودوا أن يمنحوها باستخفاف لطلبة السنوات الأولى··
إن القراء العرب لطالما انوجدوا في سكنى النصوص الشفافة والمشغوفة والحبلى بمواعيد الفرح·· نثر ونثارات محمد بنيس، أدونيس، عبد الكبير الخطيبي، سيف الرحبي، قاسم حداد، غادة السمان، أحمد المديني، أنيس منصور··· أسماء وعلامات ودوال لا يحفل مريدوها بنسوبيتهم إلى الجامعة بقدر ما يحققون الجدوى من الانتماء إلى فن عرض أو بهجة لغة أو تيار متعة·· أيها القارئ من يمتعك أنت الجامعي أم العصامي؟
PH/ DjazairNews
أُفـق
في غياب السيناريو
سعيد خطيبي
مؤخرا، من خلال مطالعاتي للصفحات الثقافية بالجرائد اليومية، لاحظت الحملة الشرسة المعلنة ضد شبكة البرامج التلفزيوينية التي بثت خلال شهر رمضان المنصرم.
الكل يندد بالرداءة، العبثية، التسيب وسوء فهم ميولات المتفرج الجزائري··· بلغ نقد بعض الجرائد إلى حد التحامل على أهلية وكفاءة بعض الممثلين·· أما آخرين فوجدوها فرصة لرفع، مجددا، مطلب ضرورة انفتاح المجال السمعي البصري ببلادنا. باعتقادي صار موضوع الطعن في شبكة البرامج التلفزيونية الرمضانية موضوعا كلاسيكيا لا يستحق مواصلة بعثه· إنما الحقيقة أنه يعكس صورة إشكالية أعقد وأهم· هي ضعف السينما الجزائرية الحالية. لم أجد بعد إجابة عن سؤال ''لماذا نجح السينمائيون الجزائريون الذين احتكوا بالتجربة الفرنسية، أمثال نذير مخناش، رشيد بوشارب أو محمد لخضر حمينة، ولم ينجح السينمائيون المحلييون؟''. قد تكون حجة غياب الوسائل حجة واهية، فالتلفزيون الجزائري اليوم بالإضافة إلى بعض مؤسسات الإنتاج الخاصة، يتوفرون على وسائل تكفي لإنتاج فيلم يضاهي الأفلام الهوليوودية، قد يكون ربما عيبنا هو غياب ممثلين ذوي خبرة، لكننا شاهدنا كيف نجح نذير مخناش في إنجاز أعمال سينمائية جيدة بمعية ممثلين جزائريين.
بعد كثير من التساؤلات لم أجد أمامي سوى إشكالية واحدة لا تزال تعوق تطور السينما الجزائرية المحلية، تتمثل في غياب سيناريو حقيقي. صار السيناريو في آخر اهتمامات السينمائيين·· أحيانا تعسفا، نجد أن مخرج فيلم هو نفسه كاتب السيناريو، ألم يدرك هؤلاء، بعد، أن السيناريو فن قائم بحد ذاته·· متى نلتفت، في بلادنا، إلى كتاب سيناريو حقيقيين يبكون في صمت حزنا على واقع السينما·· أحيانا أخرى، تعسفا أيضا، يلجأ بعض السينمائيين إلى تبني أعمال روائية أو قصصية، فمتى يدرك هؤلاء أنه شتان بين الرواية والسيناريو، فإذا كتبت الرواية في زمن الماضي فالسيناريو يجب أن يكتب في زمن الحاضر، وبالتالي تبني عمل روائي في السينما يتطلب إعادة قراءة وصياغة كاملة للنص، وهذا يتطلب جهدا ووقتا كبيرين، لهذا في انتظار رد الاعتبار للسيناريو كعامل أساسي في نجاح أو فشل أي إنتاج سينمائي، تظل السينما الجزائرية متأرجحة على منصة أهواء المخرجين·
وجه في المرآة
''فضة لمساء بختي''لعبد العزيز غرمول
بشير/ م
استمتعت كثيرا 'بقراءة كتاب الروائي عبد العزيز غرمول ''فضة لمساء بختي'' الصادر مؤخرا عن منشورات البرزخ، ولم أكن أتصور عندما اشتريته من مكتبة العالم الثالث أنني سأقرئه في اليوم نفسه، ولكن ما أن عدت للبيت وبدأت تصفحه حتى سلبني فجأة إرادتي في التوقف ووجدت نفسي تغرق بداخل نصوصه النثرية الجميلة تلك· أغرق دون أن أنتبه للوقت الذي مضى بسرعة وأنا أطوى صفحات الكتاب ورقة وراء أخرى حتى وصلت لنقطة الختام··أعرف بأن كل ما يمس الراحل بختي بن عودة يثير في حساسية مفرطة، لقد كان الأقرب إلينا جميعا وشكل دائما نقطة الإجماع المبهرة حقا، محور محبتنا المفقودة بيننا نحن الكتاب الجزائريين بل كان التعويض عن فرقتنا عن بعض، هو لوحده الكاتب الذي كنا نطمح لاكتساب جدارتنا باستحقاق أخوته وصداقته· ذلك سبب من الأسباب حتما غير أن كتاب عبد العزيز غرمول افضة لمساء بختيب نص جميل بالفعل، نص رائع على مستويات مختلفة، نص ممتع على ما فيه من حزن، بل ربما ما فيه من حزن جعله ممتعا ومثيرا للغاية، نص يرتقي بالفعل لمستوى نصوص التذكر العربية الممتعة التي كتبها محمود درويش في ''ذاكرة النسيان'' أو محمد بنيس في ''شطحات لمنتصف النهار'' أي أنه عمل مؤسس بالفعل لكتابة سيرة ذاتية تتقاطع فيها ذوات كثيرة وأمكنة مختلفة وتواريخ عديدة وخطابات من حقول متعددة التاريخ والجغرافيا والسياسة والفلسفة بلمسة شعرية مميزة أو تميز كتابته دائما فغرمول يمتلك هذه اللغة الشعرية المنسابة والرقراقة والتي تأخذك إلى حيث تشاء هي· لغة تحفر بهدوء داخل مغاوير النفس وتترك أثرها الماحق والساحق والجميل··
ما يجعل هذا الكتاب مهما في نظري أنه شهادة مكتوبة بحب وصفاء وأيضا بتأمل نقدي شفاف في حالنا الجزائري البائس نظرة سوداوية بالفعل لأنها تضع الكلمات على الجرح وتعريه لتكشف عن مكامن الخلل فيه· نص/نصوص غارقة في التخييل المدهش وهي تلتقط اللحظات التي تتصيدها ببراعة من هنا وهناك لتعيد تركيبها وفق نسق شعري يحرك المشاعر الخامدة، الهادئة، ويبعث فيها لهبا يستمر اشتعاله لوقت غير طويل·
لا أدري لماذا لم أرغب في أن يكون لهذا الكتاب نهاية فكلما قرأت منه زدت رغبة في طلب المزيد لقد سعدت به حقا وأنصح من يبحث عن كتاب جميل أن يذهب لهذا الكتاب بسرعة ولن تندموا على سعر 300 دينار بتاتا لأنني متأكد أنكم ستقرؤونه عدة مرات··لا لأنه عصي على الفهم، أو معقد وغامض، ولكن لأنه على عكس ذلك تماما بسيط وجميل·· رقيق وفاتن ·· أعدكم بذلك·
بضعة أيام قبل انطلاق صالون الجزائر الدولي للكتاب
ماذا يحضر الناشرون الجزائريون؟
يعتبر صالون الجزائر الدولي، الذي يبلغ هذا العام طبعته الثانية عشر، أهم مناسبة ببلادنا لالتقاء الناشرين الوطنيين والناشرين الأجانب· أهم مناسبة أيضا لاستقطاب القراء وتسويق الكتاب· بعد إعلان جمعية الجاحظية، على رأسها الروائي الطاهر وطار، مقاطعتها لفعاليات الصالون مقللة من أهميته·
يتنافس ناشرون وطنيون كثيرون للظفر باهتمام أوسع من طرف القراء، خصوصا الناشرين المعربين الذين استفادوا هذا العام من دعم محافظة الجزائر عاصمة الثقافة العربية·
تحضر منشورات البرزخ، التي حققت حضورا مميزا على ساحة النشر الوطنية باللغتين، لدخول صالون الجزائر الدولي للكتاب بثلاثة عناوين جديدة، إثنان بالفرنسية والثالث بالعربية هي '' الإنسانية والتاريخ'' للمفكر الجزائري محمد أركون، '' عبور'' (رواية) لمحمد بلحي، وكتاب يتضمن نصوصا ودراسات مختلفة للروائي بعنوان ''محنة الكتابة'' للأكاديمي محمد ساري، إضافة إلى رواية
''أصل الفوضى'' لمصطفى بن فضيل التي صدرت منذ بضعة أسابيع فقط·
يؤكد سفيان حجاج، مدير منشورات البرزخ، بأن رهانهم النشري لا يقتصر فقط على مناسبة صالون الكتاب، بل عملية النشر بالنسبة لهم تظل موزعة طوال السنة· من جهتها، تستعد منشورات الشهاب إلى تقديم روايتين جديدتين باللغة الفرنسية هي '' إيماكاس'' لرشيد مختاري،
''الفتن المتلبدة'' لسليمان أيت سيدوم، بالإضافة إلى مجموعة قصصية -بالفرنسية دائما- تحت عنوان '' رمانة'' للشاعر يميلي حراوي غبالو، كما تعتزم نفس المنشورات أيضا تقديم كتاب يتضمن نصوصا لكاتب ياسين، وكذا عشرون عنوانا جديدا في أدب الطفل، مع الإشارة أيضا إلى روايتين صدرتا في وقت سابق هما '' مرايا الخوف'' لحميد عبد القادر و ''هوس'' لأحميدة العياشي·
أما دار القصبة التي فرضت حضورا مميزا خصوصا باشتغالها على ترجمة كثيرا من الدراسات التاريخية المهمة، ستعرض عنوانين جديدين هما '' المنبوذون'' (رواية) للحبيب السايح وترجمة للعربية لكتاب '' النخبة الجزائرية في الجامعة الفرنسية'' تحت إشراف مصطفى ماضي· منشورات سيديا، إضافة إلى سلسلة الأشرطة المرسومة، تعتزم تقديم كتاب جديد يتضمن حوارا بين الكاتبين '' لزهاري لبتر'' و''مليكة مقدم''، حيث ينتظر مشاركة هذه الأخيرة في فعاليات الصالون بغية تقديم الكتاب في جلسة بيع بالإهداء· أما وزارة الثقافة، راعي تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، فستخصص جناحا بمساحة 20م2 لعرض ما صدر ضمن مشروع '' ألف عنوان''· هنا نشير إلى أن الجناح سيعرض العناوين فقط، ليست موجهة للبيع لأن تسويقها سيقتصر على الناشرين الذين ساهموا في إصدار هذه العناوين· كما تنوي منشورات ألفا تقديم أربعين عنوانا جديدا خلال الصالون، تتضمن خصوصا آخر إصدارات الروائي حميد فرين '' ليلة الحناء'' وترجمة لكتاب ''حصاد اليوم قبل الأمس'' من إنجاز الأكاديمي السعيد بوطاجين، هذا الأخير الذي سيستغل فرصة الصالون لتقديم أخر أعماله القصصية ''أحذيتي، جواربي وأنتم''·
بحسب محمد الطاهر فرفي، رئيس نقابة الناشرين الجزائريين، عضو اللجنة التحضيرية للصالون، فقد تم هذا العام تدارك كل المشاكل والعوائق الإدارية التي أدت إلى حجز بعض الكتب القادمة من الخارج بالميناء· في حين لا يزال هاجس الرقابة يقلق القارئ بالدرجة الأولى، بعد إقرار العام الماضي مرسوم وزاري يمنع دخول بعض الكتب، خصوصا منها الدينية ذات النزعة التطرفية كما يقال· بالرغم من هذا، فلن يفوت القارئ الجزائري فرصة الصالون الدولي للكتاب لردم شيء من الفراغ الثقافي الحاصل والبحث كما قد يلبي ميولاته·
سعيد·خ
PH/ DjazairNews
حوار مع الروائية الأرجنتينية ايلزا اوزوريو:
التونغو كرواية والرقص كحياة··
خلال جانفي الفارط أقامت الكاتبة الأرجنتينية -المقيمة باسبانيا-/إيلزا اوزوريو/ لبعض الوقت بباريز للإشراف علي نزول روايتها تونغو ·افتتانا بهذا النص الروائي الجميل وبعض الشيء مدوخ، انتهزت الصحفية ايزابيل روشالفرصة لملاقاتها ومحاورتها والتي تحدثت مطولا عن التونغو، عن الأرجنتين، عن عملها كروائية· بلغة فرنسية ذات لكنة اسبانية لذيذة··
ترجمة: فارس كبيش
قمت بالعديد من الأبحاث لأجل هذا الكتاب، كم من الوقت تطلب منك خارج نطاق الكتابة الروائية؟··
كنت مسبقا مهتمة بتاريخ التونغو منذ الثمانينيات، وقد درسته عن قرب وعمق قرابة عامين، بعد أن حاورت العديد من فنانيه وهواته الذين عايشوا بداياته الأولي وهم قد توفوا الآن، كنت قد جمعت العديد من الوثائق التي أوصلتني في الختام إلي كتابة هذه الرواية، وبدءا من التحرير الأولي لها إلي أن فرغت منها تماما يمكنني أن أقول أنها تطلبت مني ست سنوات مع العلم أن ما كان يحدث معي أناء تحريري للرواية أنني من حين إلي آخر أجدني بحاجة إلي معطيات أخري ومضطرة للعودة إلي الصيد، إلي البحث من جديد عن تفاصيل وإلي دقة معينة تعوزني، يمكنني القول أنني تهت بعض الشيء خلال بحثي الذي امتد بعيدا عن التونغو بالمعني المحدد للكلمة علي سبيل المثال، قرأت الكثير من الجرائد، المجلات النسائية العائدة لتلك الحقبة التي أنشأت ضمنها روايتي، الثلاث عشريات الأولي من بداية القرن العشرين كما استعنت بدليل التيليفونات للحصول عن أسماء شوارع وأحياء بيونس-آيرس التي تبدلت بصيغة قطعية وقد سمح لي ذلك باستعمال الأسماء الدقيقة أناء فترات محددة وبفضلها تمكنت من الحصول علي معلومات بشأن الترتيب الاجتماعي انطلاقا من المساكن: علمت انه كان هناك حلاق والي جانبه هناك هذا أو ذاك البوتيك، والي جانب ذاك البوتيك ذاك أو ذلك البوتيك··· حصلت عن معلومات دقيقة بشأن المحيط الذي وضعت به شخوصي، أيامها كانت هنالك حركية مكثفة للسكان، استطعت تتبعها بفضل دليل التيلفونات، تلك الاستشارات كانت تمنحني متعة كبيرة·· وقد نجم عنها دمج هوامش في صلب الموضوع وهي متعلقة بالحقبة التي أردت الحديث عنها بروايتي؛ طبعا، لم ألجئ إلي نسخ المعطيات وتجميعها· كنت أريد كتابة رواية وليس موسوعة تدقيقا /تونغو/ قبل كل شيء انه نص تخيلي لسرد تفاصيل تطور شطر من المجتمع الأرجنتيني خلال فترة محددة - ولا تزال تحت يداي كتل من الأرشيف بشأن تاريخ بيونس -آيرس والتونغو·
قلت أن /تونغو/ نص تخيلي· لأي ذريعة بدءا من المعطيات يبدو لك أن هذا هو أفضل معمار لروايتك هذه؟·
جوهريا لأنه لا توجد فترة مناسبة غير التي اخترت وضع روايتي بها- نهاية القرن التاسع عشر حتى بداية الثلاثينات- فقد ظهر لي أن التونغو، بأصوله وطريقة انتشاره بين مختلف الطبقات الاجتماعية، كان الظاهرة الفنية الأفضل للم شمل شخوص من أوساط اجتماعية مختلفة، التونغو لا يملك جذورا بالطبقات الملتزمة، فقد ولد بالضواحي، لدى الهامشيين: بالبورديلات التي باشرت في لعب هذه الموسيقي والرقص عليها· ولاحقا انتشرت بين الطبقات الراقية من المجتمع عن طريق أرباب العائلات الذين كانوا يبغون تغيرها· أيضا تم لعب التونغو بفناءات الكونفونتيجو/ - conventijo أو البيوت الكبيرة التي يعيش بها حوالي ثمانية أفراد بغرفة واحدة، وكانت هنالك أصوات تحرم التونغو لأنها كانت تعتبره أمرا مخلا بالحياء· التونغو ظهر بفرنسا عام .1910 والذي انتشر فعليا بفضل بعض الأثرياء الأرجنتينيين الذين كانوا يشطرون وقتهم بين بيونس-ايريس وباريز والذين تجرؤا علي رقص التونغو بالصالونات الاجتماعية ومن هنا التونغو اجتاح المراقص والتبرنات· حيث، أن هذه الموسيقي وهذه الرقصة أخذت من كل اتجاه، شاعت· افتتان الأوربيين بها أدهش الارجنتينين· منذ البداية تقبلوا التونغو ولم يفكروا البتة في أمر منعه· والأكثر إثارة طريقة تقبلهم له الذي كان دوما محدود الانتشار، هناك بالمناطق المنبوذة والبيوت المقفلة، لكنه كان يجد مكانه بجمعيات المهاجرين من الايطاليين واليونانيين···- وهذه المرة، الراقصون كانوا من عامة الشعب، وأيضا أقلية الإقطاعيين من ملاك المواشي الذين فتنوا بالتونغو وهذا ما ساهم في إنشاء مدارس مختصة لتتعلم بنات هذه العائلات الثرية ذات النفوذ رقص التونغو·
روايتك مكتوبة بأسلوب نثـري راق، يلعب علي عدم انبتار العلاقة بين الرواة، والوقائع ووجهات النظر، حيث انك تعبرين من حقبة إلي أخري وتطورين بالتوازي مدارين سرديين منفصلين ربطتهما بحكايات فرعية··· هل هي طريقتك الاعتيادية أو بصيغة أفضل، أنك جربتها بـ/تونغو/ كأسلوب جديد لكتابة رواية؟؟·
انه أمر اعتيادي بالنسبة لي أن اعتمد على تتابع آراء شخوص عدة حتي لو احتفظت بالشخصية الثالثة، فأنني أعطي سردا من وجهات نظر مختلفة أتزلج بحلبة ثم بأخرى··· وهكذا تباعا·· لحظات عرض مكافئة لدور كاميرا تنتقل من زاوية إلي أخري لإظهار مختلف زوايا المشهد· وجدت أن هذا الأسلوب المتعدد الأصوات هو الأنسب للسرد بحالة مثل /تونغو/ الحكاية تتطلب أبطال كثر، فضلا عن ذلك أن يكونوا منحدرين من أوساط اجتماعية وإيديولوجية، مختلفة تماما، متموضعين بمجتمع في خضم تبذل مفاجئ، مثقل بالنقائض· هناك بهذه الرواية، وجهة نظر استثنائية بعض الشيء: إنها ممثلة بالأصوات القادمة من التونغو، جنة خارج الوقت حيث تتلاقي شخوص الحكاية بعد موتها· وهذا ما سمح لي بتقديم نمط من الإشراف علي حكاية تلعب علي ظرفين، الثلاثون عام الأولي من القرن العشرين، والحقبة الحالية، وهذه الأصوات المتكفلة بالسرد وفقا لقوانين معينة إنها بالنسبة لسير الحكاية دورها مكافئ لما كانت تقوم به الفرق الموسيقية بالمسرح القديم· في الواقع هذه الأصوات النابعة من التونغو هي للعبة خلقتها علي هامش إنشاء الرواية: كي استرخي، تسليت بكتابة هذه التبادل بين شخوص توفيت· لاحقا صممت أن تكون تلك الحوارات جزءا من الرواية· وإذن احتفظت بها ودمجتها بشكل تمنحها دورا فاعلا بالسرد وهذا اعتمادا علي قواعد سردية· فعل استنطاق الكلمات هو من واجب الأدب الراقي - كل النصوص الأولي التي كتبتها بهدا السجل، وجدتني مهتمة بصيغة أكثر بالتاريخ، بالذاكرة الجماعية -لكن هنا هؤلاء /الأموات/ هم كوارث سردية أكثر منهم كمبدعين· أصوات هاته الشخوص الميتة إنها كرمشة عين تبرز نمط رائع، لعبة أتيحت لي كتابتها ضمنئ رواية واقعية- ليس فقط واقعية لكنها تاريخية، قائمة علي أحداث واقعية وشخصيات أصلية، فكما حرمت علي شخوص عيش أشياء محددة لكي لا يحدث تشابه بينها وبين الواقع - مثلا بعض العلاقات الغرامية كانت ممنوعةئ ببيونيس-آيرس بداية القرن العشرين - فخطر لي أن أتيح لها أن تعيشها بهذا الفردوس، بعد موتها، وكل ما كان بينها والموجود بالرواية عاشوه بكل الشجاعة التي يتطلبها الشغف بالتونغ، إنهم بين عيناي، وقد ربحوا الحق في الانخراط بالتونغو، حيث يشملهما الفرح السرمدي، حيث بوسعهم رقص التونغو بلائ رزانة ولعب الأكورديون بدون أن ينقطعوا ···
ماهو الشطر الواقعي ضمن روايتك؟؟·
أفراد العائلتان الذين عن طريقهم اسرد الحكاية بلا تخيل، أعطيتهم أسماء خيالية كي لا تكون هناك مشاكل مع هذه العائلة أو تلك العائلة التي تملك سلطة ونفوذ هذه الأيام· لكن هاتان العائلتان تخيلتهما انطلاقا من معطيات مؤكدة، عاداتها وأعدادها، ردود أفعالها وسلوكياتها، تصرفاتها مطابقة لكل ما كان سائدا بتلك الحقبة· كل الأحداث التاريخية التي اتخذت منها مرجعا بالرواية هي حقيقية· ما يتعلق بطابع التونغو، /جيون مونتييه/ غير موجود لكن باقي موسيقيو مختلف الاوركسترات التي تكلمت عنها موجودون فعلا- إبداعي الروائي كان باللعب بتكوينات هذه الاوركسترات··· عندنا /روزا/، المغنية، ليست بشخصية تاريخية لكنها حصيلة نموذجية للشكل الذي كانت عليه أوائل مغنيات التونغو· بدقة تامة شديدة خلطت بين ماهو تاريخي وما هو تخيلي، أيضا الشخصيات الواقعية المؤثرة- مثلا، عندما ذكرت أن /ايزادورا دونقهون/ رقصت التونغو وهي لا ترتدي شيئا آخر غير علم الأرجنتين، هذا حدث فعلا، وقد خلق فضيحة جسيمة· لكنني خلقت كل تفاصيل الحادثة حيثما حدثت لكن مع شخوص روايتي·
لماذا نقوم بقطع استحضار الماضي عنذ سنوات 1930؟·
لأن 1930 عام أول انقلاب عسكري· إنها حقبة ذات أبهة عظيمة علي المستوي الاقتصادي والثقافي· كان هناك فيض كبير من المهاجرين، أتوا من كل زوايا العالم تقريبا· بيونس-آيرس تغيرت كثيرا، أصبحت ميتروبول حقيقية، والتونغو نوع من الرمز، الذي رافق خطوة خطوة التحول الذي طرأ علي ذلك المجتمع المختلط حيث النازحين الجدد اندمجوا وخلقوا لغة مستعمرات· سأوضح، بالارجنين، ما يقصد بمصطلح لغة مستعمرات créole// معقد شيئا ما· انه مصطلح يطلق بصفة عامة على كل الذين استقروا بالبلد منذ فترة طويلة· لكن يجب التمييز بين المعمرين الأسبان، والهنود· بحيث انه بالأرجنتين، لا نتحدث أبدا عن الهنود كنازحين، يطلق عليهم سكان الأقاليم، وهذا لا معني له وهذا يهدف إلي إقصاء السكان الهنود، وهذا بهتان كبير· العائلتان اللتان من خلالها سردت حكاية التونغو- انهما مزيج، مختلفتين اجتماعيا· إن أردنا الفرق في عدد الأبقار التي يستحوذون عليها من ناحية أخري هي أيضا، موسومة بسيل النازحين· خصوصا من خلال شخصيتي /يوفان/ الفرنسية،و/إيغور/ الروسي·
استحضرت التونغو، الماضي، وضعيات الراقصين بمنتهي الدقة- وبكثير من النباهة الشعرية· بلغت درجة جعلت من التونغو يظهر لنا علي أنه شخصية موهوبة تحمل رسالة· وهذا دليل علي خبرتك بهذه الرقصة وهذه الموسيقي· ترقصين التونغو؟·
اجل وبمتعة كبيرة ! لكنه لم يكن جزءا من شبابي ولا من مراهقتي - بتلك السن كنت أصغي إلي البيتلز (ضاحكة)··· رغم انه كان حاضرا بشكل جيد، كنت اسمعه بالبيت، لدرجة أن أبي من وقت إلي آخر كان يشرع في غناء شيئا منه· التونغو جزء من الارجنين كفلكلور· عندما تركت البلد· بسن السادسة عشر، بأوربا وجدت التونغو لأول مرة بايطاليا وهذا اثر بي كثيرا لان هذه الموسيقي لم تكن بوجه خاص جزء من عالمي الموسيقي بذلك الوقت· سنوات من بعد، التحقت ببعض الأصدقاء الأجانب الذين اخذوا دروسا بالتونغو هناك بيونس-آيرس، فذهبت أرى كيف يتم ذلك بالميلونقا - انه الاسم الممنوح لحلبة رقص التونغو- شعرت بأن الناس يرقصونه بدون أدني نوستالجيا وهكذا أصبحت مهتمة بالتونغو بطريقة عقلانية، أصبحت مهتمة بفهم مقاصده الاجتماعية، معرفة تاريخه··· الخ· التونغو أثارني أدبيا وأيضا صدمت بتنوعه الأشخاص الذين يرقصونه بحماسة· ثم بعد فترة من إقامتي باسبانيا، عدت إلي بيونس-آيرس ورأيت كيف أن التونغو أصبح ظاهرة حقيقية بين الناس، الكل يرقصه بكل مكان بمختلف أجياله··· قلت انه افتتان بالضرورة ذو علاقة بحالة من الحالات الاجتماعية؛ هذا حدث عامين قبل وقوع الأزمة الاقتصادية الحادة 2001- أزمة بحدة كهذه والتي توقع لها البعض أن تتسبب في الاختفاء التام للأرجنتين كدولة···- وكل الجمل التي كنا نسمعها بالميلونقا كانت هذه:
/انه ممتع، هنا، إننا لا نفكر سوي أن نرقص/- وعندما ندفع بباب ميلونقا من خلفنا كأننا ندفع بالمشاكل بمجرد دخولنا·· وهذه الرغبة في الهرب من المشاكل دفعت إلي اختلاط ناس كانوا في الأحوال العادية من غير الممكن أن يتجاوروا· وفكرت بظاهرة مماثلة ظهرت بسنوات .1912 ,1910 إنني مقتنعة أن مراقبة الطريقة التي نرقص بها - وماذا نرقص تعلمنا الكثير عن مجتمع معين
من لفظة الكتابة والتركيب، تحريرك لروايتك هل تأثر بشكل خاص بتجربتك كسيناريست أم بإيقاع التونغو؟·
عندما قارنت منذ لحظات الراوي بدور كاميرا، لم أكن أفكر بالطريقة التي كتبت بها /تونغو/ فحسب -اعتقد أنها هذه المقارنة صالحة للتعميم · عندما نتحدث عن الموسيقي، عرضت بالمقابل عملا أدبيائ يتيح للقراء فهم التونغو عن طريق جملي النثرية· شئت أن اشتغل هذا علي ريتم يوحيئ لتونغو تلك الحقبة التي أنشأت بها روايتي - القسط الحرج هو عندما لا تكون هناك غنائية· أردت أيضا إيصال حركية الأجساد··· بالإضافة، الإشكاليات تفاقمت لان الناس يرقصون كثيرا داخل الرواية، ووجب علي في كل مرة محاولة كتابة الأشياء مختلفة (ضحكات)، أظنني وفقت في منح كتابتي ريتم موافق لموسيقي التونغو، وأنني تمكنت من منح كتابتي بعض الوضوح - أتمني علي الأقل· بالمقابل أتمني أن أكون قد وفقت لإيصال فكرة أن التونغو ليس مجرد رقصة، واكثر من موسيقي: انه نمط عيش حقيقي · أظنه تمكن من لم شمل بشر رغم اختلافاتهم الثقافية والاجتماعية، بسبب الدور الممنوح للرجل وللمرأة· عندما يرقصان معا فهذا يعني أنها يمشيا معا، بتناسق - وبهذه الطريقة أغلبية الأزواج، اليوم يواجهون الحياة المشتركة· النساء لم تكن أبدا مرغمات على مرافقة أزواجهم· لست متفقة مع الذين يقولون بان التونغو مازوشي: بالنسبة لي -وهو رأي الشخصي، وليس حكما قاطعا··· التونغو قبل كل شيئ هو التماس للتناسق بين الرجل والمرأة اللذان يرقصانه·
كتابتك في حالة حسنة، وهذا ما قد يمنح عملا ممتعا للمترجم جون- ماري سان لو··
تبادلنا الكثير من الرسائل وكان يتصل بي عندما يحدث له لبس بين تلك الكلمة أو تلك، انه يطالبني بدقة اكبر، خاصة فيما يتعلق بصور التونغو، ولأي مدي يجب عليه استعمال ألفاظ معقدة· وكنت أرشده من خلال شرحها بالاسبانية وبأي صورة هي مرتبطة بتلك الكلمة أو بتلك· المصطلحات الخاصة بالتونغو، المشكلة الأخرى بالنص تكمن في احترام المستوي اللغوي لكل شخصية - من دون أن نهمل أن المستوي اللغوي هو الآخر سؤال ظرف، مثلا، إنكم لا تستعملون قسريا مع أصدقائكم نفس القاموس اللغوي الذي تستعملونه مع عماتكم المسنات (ضاحكة)· لذا أجدني مرغمة علي استعمال كلمات محددة، تفاديت أن أكون متصنعة- لكنني كنت جد حريصة عل احترام اختلاف اللهجات المرتبطة بالأصول الجغرافية لأبطال الرواية: فمن الواضح أن أرجنتيني ذي أصول ايطالية لا يتكلم نفس اسبانية أرجنتيني ذي أصول فرنسية أو اسبانية· فقد حاولت إحياء اللطافة الشفهية للاسبانية، لكن الترجمة الفرنسية محت أغلبيتها·
استعملت العديد من الكلمات الفرنسية بنصك الأصلي· لماذا؟·
الحقبة التي وضعت بها روايتي، كانت الثقافة الفرنسية حاضرة بالأرجنتين حيث أن الكثير من الكلمات والألفاظ الفرنسية متداولة تماما كما يحصل باسبانيا التي يتحدث بها هناك طلبة الطب الذين يحصلون على دروس مجملها بالفرنسية، أيضا الكتاب، الكل يكتبون بالاسبانية، ولديهم محاولات يطعمون نصوصهم تلك بكلمات فرنسية · وهذا لم يكن بازدواج ثقافي، كان مجرد حالة لغوية عرفتها تلك الحقبة حالة لغوية لشخصية مثل/يوفان/، فتاة فرنسية متميزة ببلادة لكنها بسيطة، لديها سوء فهم· الكلمات الفرنسية إذن هي جزء لا يتجزأ من اللغة، ولم تكن لها هيئة الكلمات الدخيلة لذا لم أشأ بالنص الأصلي تمييزها بأن تكون واضحة بخط ايطاليك /مائل- قد كان هذا الأمر موضوع نقاش مطول مع الناشر الاسباني· بالنص الفرنسي، كان واجبا تمييزها بخط ايطاليك للتلميح أن هذه الكلمات كذلك ضمن النسخة الاسبانية، ومن جانب آخر الذوبان اللغوي ليس واضحا، على كل حال، إنها بدون فائدة ظاهرية لو أننا حافظنا علي الطابع الروائي لمجمل النص·
وضحت بنهاية الكتاب انك كتبته خلال تواجدك بإقامة /لا فيلا مونت- نوار/· إذن أنت ذهبت إلى هناك مع كل معطياتك، بطريقة نفهم انك تفرغت لكتابة الرواية؟·
هذا هو· هناك لم أكن اشتغل بالضبط إلا علي الرواية، الأبحاث الأولية تمت هناك بيونس-آيرس ، بباريز، بمدريد ··· سافرت كثيرا، مرة تراكمت المعطيات وجدت انه من الممتع أن أكون بالريف، وسط الهدوء والصمت، للكتابة· الأجواء الصامتة أنها أساسية: إنها تضعني في محمي من التلوث اللغوي، واستمتع بالكثير أن أكون أذن صاغية للغة كل شخص- وهذا ما هو عسير علي بباريز، مثلا، فقد غرقت في اللغة الفرنسية، أيضا الاسبانية الموجودة هناك ببونيس-آيرس لكنها ليست ذاتها التي بمدريد·
الآن بعد أن تم نشر كتابك، كيف تعيشين ما بعد /تونغو/؟
عندما أتممت /تونغو/، مباشرة باشرت العمل علي مشروع روائي آخر، والذي لازلت اشتغل عليه إلي حد الآن، منذ أن أتممت /تونغو/، اكتشفت متعة الرقص، لعبت قليلا من التونغو بطريقة أكثر سذاجة· بطبيعة الحال كنت في حالة عجز عن رقصة طيلة الفترة التي كرستها لكتابة هذا الكتاب: أحسست انه يجب علي أن أتوقف عن الرقص كشرط للبقاء وفية لشخوصي، وخاصة تلك الفترة التي كان علي خلالها أن أكون أكثر انتشارا وان اكتب بطريقة صحيحة·
يمكننا أن نقول بان العودة إلي رقص التونغو بالنسبة لك أسلوب للعودة إلي العالم؟·
نعم، شيء من هذا القبيل· يمكنني أن أعيش التونغو من جديد لكن بأسلوب أكثر خفة، مثل أية هواية - وهو متعة لأنني أهوى رقص التونغو·!
PH/ DjazairNews
الكاتب والناشر لزهاري لبتر لـ ''الأثر''
أراهن على كفاءات الكتاب الشباب
بطيبة مثقف واع وكرم جنوبي عالي المحاسن، استقبلنا الكاتب والناشر لزهاري لبتر بمكتبه الضيق المساحة، الرحب بعبق الكم الكبير من الكتب الموجودة على سطح المكتب أو بالخزانة جانبا·· أربكناه بزيارة لمقر عمله بشركة 'Désigne' Alpha'' حيث يشغل منصب مسؤول النشر، فوجدناه منهمكا بوضع آخر الروتوشات على مجموعة قصصية، مستمدة من الذاكرة الشعبية لمنطقة الأغواط'' الملعقة وقصص اخرى''، رغم ذلك، لم يفوت فرصة اللقاء لفضح بعض هواجسه كناشر وكاتب أيضا··
أجرى الحوار: سعيد خطيبي
بالرغم من حداثة نشأتها إلا أن منشورات Alpha استطاعت أن تفرض حضورها بقوة في أوساط الناشرين الجزائريين؟
(يبتسم): أولا، يجب أن ندرك بأن بلادنا صارت تشهد طلبا أكثر من العرض، الرهانات اليوم تختلف عن رهانات الأمس، حيث كانت تهيمن إيديولوجية واحدة في توجيه وميولات القارئ هذا الأخير الذي أتيحت له سابقا خيارات متنوعة· تعرف على بضائع لم تكن موجودة عندنا خلال السنوات الماضية، استفادت المكتبات من الانفتاح الحاصل، فصارت تعرض كتبا مستوردة من الخارج وبالتالي صار القارئ يمتلك عينا مقارنة بين المنتوجات، ويطالب بالنوعية شكلا ومضمونا· من جهتهم، فهم الناشرون الميولات الجديدة للمتلقي، فبرزت منافسة بغية إرضاء وجلب اهتمامه أكثر، وتهدف منشوراتنا بالأساس إلى تقديم كتب جميلة ومقبولة شكلا ومضمونا، لكن قبل بلوغ هذا الهدف لابد من توفير الإمكانيات· عملية النشر عبارة عن سلسلة متكاملة تبدأ من الكاتب وتنتهي عند القارئ، مارة عبر المطبعي والمكتبي··· وإذا اختلت إحدى الحلقات يفقد النشر جودته كما أشير أيضا بأنه بغية بلوغ احترافية في النشر يجب أن يمنح القائمون عليه تكوينا خاصا·
تود القول بأن الناشرين الجزائريين غير مؤهلين؟
لو تطرقنا لهذه النقطة سيطول بنا الحديث أكثر من أربع ساعات· بالعودة إلى سؤالك ماهو سر نجاحك؟ أجيبك ببساطة، أننا استطعنا الجمع بين الوسائل، المؤهلات البشرية وحب المهنة، قبل أن أصبح ناشرا كنت كاتبا، يمتلكني حب الكتاب ببلادنا، لايوجد قانون يفرض عليك نيل شهادة معينة قبل ولوج عالم النشر، كما لا يوجد تكوين خاص بالناشرين· بحسب إحصائيات الوكالة الوطنية للنشر والإشهار Anep الواردة على موقعهم فإنه يتوقع مشاركة 137 ناشر خلال الطبعة القادمة من المعرض الجزائر الدولي للكتاب، عدد كبير بالنظر لكون الجزائرلايزال بلد في طور النمو، وعدد قليل مقارنة بعدد السكان الاجمالي الذي يتجاوز 32 مليون نسمة متحملا كل مسؤولياتي، أخبرك بإنه من بين 137 ناشر لايوجد سوى 10 ناشرين بأتم معنى الكلمة· أما البقية فهم ليسوا سوى مطبعيين، هناك تجار اقتحموا عالم النشر بفكرة واحدة هي كسب المال وكفى، لايغامرون بنشر عمل كاتب شاب بل يلهثون فقط وراء طبع الكتب الأكثر مبيعا، خصوصا الكتب شبه المدرسية، وكتب الأطفال· لكن غالبا ما تكون طبعاتهم سيئة ورديئة جدا نخجل تقديمها للطفل فنسيئ تربيته، الناشر الحقيقي تربطه علاقة حب بالكتاب، يجب أن يكون مكشفا للمواهب الشابة·
نستشف من حديثك بأن منشورات ALPHA قد نجحت في سد الفراغ؟
لا أجزم بذلك، نحن واحد من بين 137 ناشر جزائري، أو بالأحرى واحدة من بين عشرة أهم ناشرين بالجزائر·
نلاحظ بأن منشوراتكم تتخذ توجها فرانكفونيا أكثـر منه عربيا؟
تلقيت نفس الملاحظة من صحفية العام الماضي بالعودة قليلا إلى الوراء سبق لي أن اشتغلت بمنشورات ''الاختلاف'' وترجمت كتبا إلى العربية، كما سبق لي أيضا أن شغلت منصب مسؤول النشر لدى الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، أخبرك بأنني أنا من نشر مجموعة روايات أمين معلوف مترجمة إلى العربية في الجزائر، أنا من نشر أعمال أحلام مستغانمي الروائية بالجزائر وأتاحها للقارئ المحلي وكذا كتاب ''النزاعات المادية'' لحسن المري، أنا لست ناشرا فرانكوفونيا، توجد بالجزائر ثلاث لغات، العربية، الفرنسية والأمازيغية· صحيح أننا ولجنا النشر من خلال كتب بالفرنسية العام الماضي· دخلت بمعرض الجزائر الدولي للكتاب بـ 10 عناوين· أما هذه السنة فنعتزم الدخول بـ 40 عنوانا من خلال منشورات Alpha، أسعى إلي تشجيع أدب الشباب باللغة العربية في الجزائر مع التواصل مع جيل الكتاب المعروفين مثلا، التمست عند الروائي احميدة عياشي بأن ينشر آخر أعماله عند Alpha لكنه فضل ناشرا آخر، إنما أخبرك بأني الرواية القادمة لواسني الأعرج ستنشر عندنا باتفاق مع الكاتب· قد تكون مؤاخذتنا على التوجه نحو الكتاب بالفرنسية أكثر من الكتاب بالعربية من وجهة نظر غلبة العناوين بالفرنسية أكثر من العناوين بالعربية لكنني أوجه عنايتك أننا هذا العام قمنا بنشر 23 قصة أطفال للكتاب والشاعر التونسي الكبير محمد البقلوطي وكتاب الصحافة العربية والجزائرية، كما اتفقنا مع المعهد العربي لترجمة بعض الكتب، للأسف تأخر تسليمها من طرف المعهد أنا شخصيا كما يعرفني الجميع مزودج اللغة لا أملك حساسية لا تجاه العربية ولا تجاه الفرنسية لهذا من خلال ملحق ''الأثر'' الذي أحترمه كثيرا، أوجه ندائي لكل الكتاب المعربين، بغض النظر عن سنهم، أن يتوجهوا بمخطوطاتهم إلى منشورات Alpha·
هل تشجيعك لأدب الشباب باللغة العربية في الجزائر نابع من إدراك لواقع الإبداع؟
أعتقد بأنه اذا وقع تجديد في الإبداع الأدبي، سوى بالعربية أو بالفرنسية، فسينطلق من منطقة المغرب العربي، من الجزائر خصوصا· لهذا فأنا أراهن على كفاءات الكتاب الشباب في التطرق إلى مواضيع جديدة في الأدب وكذا في خلق بنى لغوية جديدة وطلائعية أيضا· أنا مقتنع بأن الكتاب الذين سيفرضون حضورهم بقوة خلال العشر سنوات القادمة سيكون كتاب مغاربة، جزائريين تحديدا·
إذا، واقع الإبداع الأدبي في الجزائر يتمتع بحصة جيدة·
أكيد كل المؤشرات توحي بذلك·
ماهي الكتب التي حققت أكبر المبيعات في منشورات Alpha للعام الماضي؟
في الحقيقة لا أذكرها كلها· تمتلك منشورات Alpha أربع سلسلات مختلفة: الأدب الفرانكفوني الأدب العربي، التاريخ، الإقتصاد· لكن في سلسلة الأدب أذكر رواية ''الصلاة الأخيرة'' لحميدفرين، نفذت كلها أي 1000 نسخة، كتاب ''كاكي'' لعمار بلخوجة، رواية ''الأراضي الخصبة'' لفيصل وارث· كما نلاحظ هناك إقبال على الرواية أكثر من الأنواع الأدبية الأخرى وهذاتوجه معروف منذ مدة·
لاتزال إشكالية التوزيع مطروحة بقوة في الجزائر، هل فكرتم في إستراتيجية معينة لتجاوزها؟
بفرنسا، تم إقرر قانونا خاصا، يدعى قانون لانغ (نسبة لوزير الثقافة الأسبق جاك لانغ)، يحدد سعر موحدا للكتاب، بالرغم من أن الدولة لاتمنح دعم للكتاب، لكنها تضمن فقط توزيعه عبر مكتبات البلاد· باعتقادي أن مشكل التوزيع في الجزائر يحيلنا إلى مشكل نقص عدد المكتبات المختصة· بحسب الإحصائيات الواردة لاتوجد سوى 260 مكتبة، مصنفة حسب التريتب التسلسلي أ·ب·ج بينما لايتجاوز عدد المكتبات صنف ''أ'' أكثر من 60 مكتبة، أي مكتبة حقيقية، ليست مكتبات لبيع الجرائد، التبغ والعطور· في بداياتي، حين كنت أصدر 3000 نسخة من كتاب أتورط في البحث عن طريقة تسويقها· المكتبي يقتني 10 أو 15 نسخة والباقي يظل مخزنا لهذا إرتأينا إلى أن لانصدر أكثر من 1000 نسخة مؤسف أنه بالرغم من هذا العدد الكبير من الجامعات، الطلبة الأساتذة والثانويات لانسوق أكثر من 1000 نسخة أمر مؤسف حقا لاتوجد شبكة توزيع بأتم معنى الكلمة، نحن نفكر في ضرورة توفير شبكة توزيع خاصة بنا، ربما نساعد من خلالها على توزيع كتب ناشرين اخرين·

ألا تعتقد بأن نقص عدد المكتبات المختصة يعكس ضعف المقروئية ببلادنا؟
أرى من الأفضل أن نطرح هذا السؤال على أصحاب المكتبات إذا لم تكن هناك مقروئية، هل تعتقد بأن المكتبيين سيواصلون نفس النشاط أخبرك بأنه خلال الأشهر القليلة الماضية، ثلاث مكتبات جديدة فتحت أبوابها، لايمكن تأكيد فرضيات وجود أو غياب المقروئية إلا إذا كانت الكتب تبلغ حقا مختلف مناطق الوطن، تبلغ إمفار، تمنراست، المنيعة، غرداية، الجلفة، بشار، ميلة، وغيرها كيف يمكن الإجابة عن مثل هذا السؤال إذا عرفنا بأن مدينة الأغواط، عاصمة الولاية، ذات تعدد سكاني يقارب 000,80 نسمة لاتتوفر على مكتبة واحدة كيف يمكن للمواطن إقتناء الكتاب إذا لم يجد مكتبة· الإشكالية الأخرى المطروحة هي غياب إحصائيات حقيقية· في الدول المتقدمة هنالك إحصائيات للمقروئية، بحسب الأعمار، الجنس، التوزيع الجغرافي، أصارحك بأننا ننشر الكتاب من منطلق تقيمننا له، لاندري حقا من سيطالعه·
كيف ترى اليوم الفرق بين الكاتب والناشر؟
ككاتب كنت أكتفي بنشر كتاب واحد لي أما كناشر، فأنا جد سعيد في المساهمة بنشر كتب قرابة أربعين كتابا كماأضيف أن سلبية النشر تكمن في سلب كل وقتي بين مراجعة المخطوطات ومتابعة مسار نشرها·
نشرت عام 2000 كتابا قيما قدما شهادات حول محنة الصحافة الجزائرية مابين عامي 1988 و1998 لماذا تواصل تلك التجربة اليوم؟
في الغالب أنا أزاوج بين كتابة الشعر والقصص، أما هذا الكتاب فأعتبره طفرة في مساري شهادات حول عملي الصحفي بين عامي 1992 و2000، حيث أستغلت في عناوين صحفية مختلفة، قبل أن أحظى بشرف إدارة الفيدرالية الدولية الصحافيين بين عامي 1996 و2000 منصب منحني نظرة أعمق حول واقع الصحافة بالجزائر· يحز في قلبي كثيرا معاينة صحافيين يرحلون دون ترك بصمتهم أو شهادات ألمني منذ فترة وحيز رحيل الصحفي أحمد بلعيد دونما ترك شهاداته حول مهمة الصحافة كما أنوه بتجارب بعض الصحافيين الذين تركوا شهادات أمثال محمد رباحي وحكيم لعلام·
مؤخرا هجرت مهنة الصحافة؟
لا لا! لم أهجر يوما الصحافة بالموازاة مع إشتغالي في النشر مازلت ألجأ للكتابة الصحفية هي مهنة لا نستطيع التخلص منها بسهولة أنا أحبذ دائما الكتابات المغرضة·
هل تعتقد بأنك في منشورات Alpha حر في نشر كتابات مغرضة؟
أمتلك كل الحرية في نشر ما أراه جيدا، حتى وإن كان مغرضا ولا يعجب بعض الجهات، دون أدنى رقابة لكن لاتفهم بأني أسعى للدعاية، والتحريض بغية التحريض فقط، بل هذا نابع من قناعات راسخة·
باعتقادي أن كتاب'' عودة إلى الأغواط، ألف عام بعد بني هلال'' كان يحتاج لمزيد من التوثيق والتدقيق التاريخي؟
في الحقيقة كتاب عودة إلى الأغواط، لايعتبر كتابا تاريخيا، بناء على بعض المعلومات، أردت الإشارة لحدث معين ''مرور ألف عام على تأسيس مدينة الأغواط'' لم يكن كتاب ذو تدقيق تاريخي مهم صدر عام 2001 بغية التلميح لمناسبة مرور ألف سنة أما اليوم بعد صدور هذا الكتاب وترجمته إلى العربية شرعت في البحث والتدقيق التاريخي أكثر بغية إعداد كتاب أشمل حول تاريخ مدينة الأغواط·
هل تعتبر نفسك شاعرا أم قاصا،أم كاتبا وكفى؟
( يبتسم) ولجت الكتابة عبر الشعر ثم أشكال أدبية أخرى، لكن أؤكد أنني قبل كل شيء شاعر·
''باحث الأحلام البربرية '' لمحمد فلاف آخر الهذيان
يبدو أن هواجس العشرية السوداء لاتزال ترواد بعض الكتاب، فالأزمة السياسية والأمنية التي طغت فجأة وشغلت المجتمع الجزائري طيلة تسعينيات القرن الماضي لن تزول بسهولة·
المؤسف هو أنها كثيرا ما أدت المزاوجة بين التجربة الإبداعية والإدراكات السياسية المختلفة إلى جر العمل الأدبي إلى فخ اجترار خطابات سياسية مباشرة تصعب على القارئ والناقد أيضا الفصل بين ما هو إبداع
(خالص) ومواقف (معلنة)· بحسب المفكر الفرنسي جون بول سارتر ''كل إيحاء سياسي مهما قل في العمل الإبداعي يعتبر التزاما يورط المؤلف في الإنخراط ضمن توجه ما''·
حملت رواية ''باعث الأحلام البربرية'' لصاحبها الكوميدي المعروف محمد فلاف نظرة متابع ملم لبداية بروز العنف الإسلاموي بالجزائر مطلع التسعينات، تتطرق الرواية إلى الحياة اليومية للبطل زكرياء، صحفي وكاتب، يبلغ من العمر 50 سنة، يقيم بأحد الأحياء الشعبية بالعاصمة، من خلال متابعة الحياة الروتينية لأصدقائه وجيرانه، خصوصا موعد توزيع الماء يومين فقط في الأسبوع، ما بين الثالثة والسادسة، كتابة رواية ''في بلد أهمل مثقفيه'' لم يكن منطلق تحريك أحداث الرواية من خلال تتبع سلوكات الجيران لحظة توزيع الماء في ساعة متأخرة من الليل، عشوائيا، بل كان مخططا له، لهذا نلاحظ، من خلال بيانات مؤسسة توزيع المياه، أن التوزيع يزداد كلما تحسنت الوضعية الأمنية وينخفض كلما استاءت·
يحاول الروائي إبراز أهم نتائج بروز العنف الإسلاموي من خلال اغتيال المثقفين وحتى المواطنين العاديين، على غرار صديقه ناصر جودي، تقني في الغاز الذي حكمت عليه جماعة تسمي نفسها ''أحباب الرسول'' بالموت، لم يكن زكريا ـ الصحفي والمثقف ـ في مأمن من تهديدات الإسلامويين، لهذا، للوقاية، كان يحتفظ ببندقية في منزله، كما تتطرق الرواية أيضا إلى حياة العاصمة السرية: الدعارة واضطهاد المرأة·
لايمكن لقارئ الرواية إدراك ماهية العنوان إلى عند بلوغه النهاية، حيث سيعزف على آلة ''الأحلام البربرية'' وصاحبها ـ الباحث ـ آلة صنعت خصيصا لإنتاج مشروع كحولي، بمزج التمر، السفرجل والإجاص·· مشروب يمنح مستهلكه، بعد تجربته طبعا، ذكاء وفكرا واسعا·
تغلب على رواية ''باحث الأحلام البربرية'' في نصفها الأول، نظرة مقاربة للواقعية في وصفا الوقائع، أما في النصف الثاني، خصوصا بعد حادثة اغتيال ناصر جودي، صديق البطل زكريا نلاحظ اشتغال الروائي على كشف القوى النفسانية التي يعيشها زكريا من خلال خلق تأملات، غالبا لسكيزوفريني، أين يصعب التميز بين إن كانت حقيقة أو مجرد هذيان·
تعتبر رواية ''باحث الأحلام البربرية'' لمحمد فلاف تجربة جديدة للبوح بشهاداته حول حقبة عصيبة، كانت سببا في هجرانه الجزائر منتصف التسعينات، عام 1995 تحديدا·
PH/ DjazairNews
الدين والسياسة، قطيعة أم حوار
متى يفتح النقاش؟
مراد صافي/كاتب
ليس في نيتي هنا فتح أي باب للجدل العقيم بين مفهومين متقابلين ومختلفين ''الدين والسياسة'' بالرغم من أن الإشكال الأمّ، الجوهري تقريبا الذي طرح عند العرب منذ بداية رغبتهم في النهوض أو نهضتهم التي ربطوها بغزوة نابليون لمصر ارتبط بمشكلة العلاقة مع الدين، هل نتقدم بالدين؟ أم بالقطع معه؟ وظل الإشكال قائما لحد اليوم حتى تصوره البعض معضلة في حد ذاتها، بمعنى يستحيل الخروج من هذه الدائرة المغلقة فالدين مقدس عند الشعوب العربية، ولايمكن بتاتا أو بأي شكل زعزعة العلاقة به، ولايمكن أن يحدث في العالم العربي ماحدث في الغرب إثر رغبتهم في النهوض أي القطع مع الديني قطعا نهائيا وتجريده من هالته القدسية التي كان يتحكم فيها أيضا في وجدان الشعوب الأوربية عامة·
وبالتالي كان على العرب إيجاد صيغ تفكير وطرائق مختلفة في محاولة القطع مع الدين وكان ذلك في سياقات مختلفة خاصة في مرحلة المد الماركسي التي زعزعت من سلطة القوى الغيبية المتحكمة في المجتمع، ولكن كانت زعزعة ايديلوجية تحريضية استفزازية أكثر منها عملية قطع حقيقية بمعنى أنه بمجرد سقوط النموذج الاشتراكي عاد الدين بقوة ليحتل زمام الأمور، أيضا لم يستطع التفكير العقلاني الذي حاول هو الآخر فرض تصورات مختلفة في هذا المجال من تكوين قاعدة كبيرة له في الواقع الذي ظل لأسباب لها علاقة بالتخلف والتبعية والعجز عن التنمية والفقر مرتبطا في داخله بهذا المقدس الذي يشكل حصانة وسند في معترك الحياة اليومية· وبالتالي ظلت الأصوات التي تطرح فكرة القطيعة غير متبناة اجتماعيا وعاجزة على فرض نفسها شعبيا بل أي موقف مخالف للدين هو دائما موقف يضع نفسه في جبهة الأقلية المستغربة التي ترغب في فصل الأمة عن معناها الحضاري وجوهرها العقائدي وهويتها الحقيقية· أو على الأقل هذه هي التهم الجاهزة التي تسوق في مجال كهذا من طرف أصحاب هذا الاتجاه المتصاعد اليوم في ظل سياق عالمي يشجع المواجهة بين الحضارات وعدم التعايش بين الأديان والحرب بينها··
الحالة الجزائرية
إذا أخذنا الجزائر كنموذج لضرورة عملية القطع التي كان من المفروض أن تتبناها النخبة الحاكمة كطريقة لتحقيق علمانية مفتوحة وتعددية مقبولة وليس مناورة ولعب على حبال متعددة كما هو الشأن في كافة الأنظمة العربية غير الديمقراطية والتي تستغل دائما ''خطر الديني'' لكي تكبح أو تصمت العقل النقدي على مناقشة البديهيات الأساسية للحرية وما شابه ذلك، أي تترك البعبع الذي يخيف حاضرا لكي تنسى النخبة المثقفة خيارها الديمقراطي وهي تعرف نتائجه مسبقا عندما يقحم الدين كعامل سياسي حاسم والجزائر أصبحت مضرب المثل أو النموذج الذي يضرب به المثل في تهديد الأنظمة العربية للقوى المعارضة من العلمانيين والديمقراطيين ومن سار في طريقهم ومع ذلك مع ما حدث في الجزائر من عنف باسم الدين، أو من أجل تطبيق الحكم الديني فإن الجزائر لاتزال مأسورة بهذا ''الديني المقدس''، محكومة به ومرتبطة بحضوره المهيمن والقوي· والنظام الحاكم يعمل على تشجيعه ودعمه دون أن يقوم بأي جهد معتبر من اجل تحرير المجتمع من قبضة المتكلمين باسمه·
طبعا ليست الدعوة للقطيعة مع الديني بمعنى التخلي عن الدين فذلك أمر غير منطقي، وغير مقبول، إلى جانب أنه مستحيل تقريبا، وحتى في الغرب لم يحدث ذلك، ولن يحدث أمر كهذا لأسباب لاتحتاج لتعديد، أو شرح، ولكن ما نقصده هنا هو أن المطلوب هو تحرر النظرة المجتمعية من طغيان الحضور الديني الذي يفقد المجتمع رؤيته المدنية ويصبح معتقلا في منظور غيبي اتكالي لايعتمد فيه الفرد على نفسه وإرادته، وإنما يبقى مشلول العقل والإرادة والحركة، أي غائب عن الفعل المحرك للتاريخ، الفعل الذي يبني رؤية مستقبلية متفائلة للحياة بدل أن يعلق كل آماله على ما تتيحه له حياة الآخرة· أي حياة ما بعد الموت كما يتفنن الدعاة على صياغة مجتمع أخروي ينتظر نهايته بدل أن يبني حياته في دنياه الأرضية التي يعيشها·
لقد أصبح الخطاب الديني المبرمج لأفئدة الناس وعقولهم خطاب إلغائي لقدرة الفرد على التعايش مع الأخريين إلا من كان موافقا للقاعدة ومرتبطا بالجماعة فالخطاب الديني ضد الفرد والفردانية ضد الواحد الذي يفكر بإرادته، ويقرر بنفسه، ويختار بحرية مصيره، وأنا لا أتحدث عن التعليم الدينية التي نجدها أكثر حداثة وتنويرا من خطابات المتكلمين باسم الدين أحيانا ولكن هذا التراث الديني المرتبط بتقاليد تحقر الحرية والفردانية المستقلة وتحتكر الحقيقة في التفسير والتأويل وتضطهد ضمن هذا الاختيار حق الآخر في التفكير وتصادر رأيه برؤيتها الأحادية والواحدة للمعنى النصي ولاتترك أي مجال للنقاش والاختلاف حتى من أولئك المعترف بهم عند هؤلاء فالترابي مؤخرا قدم بعض الاجتهادات الجليلة وهي خطوة أولى ولكن سرعان ما تحول الترابي الخارج عن نسق الخطاب الدوغمائي الحرفي إلى مبتدع ومنحرف بدل مجتهد ومحدث بالفعل وهذا ما يحدث مع كل رأي مخالف أو تصور نقدي مغاير حتى من داخل الحقل الديني والمشتغلين فيه·
قطيعة نعم ولم لا؟
خرجت الجزائر من حرب شرسة استغل فيها الدين بطرق ميكيافيلية وتحول إلى وسيلة للقتل الوحشي والعنف الدموي أي إلى الوجه الأكثر وحشية ودموية وتفاجأ المجتمع الجزائري الذي كان منساق وراء يوتوبيا دينية ومثالية رومانسية عقائدية ضمن رغبته في التغيير والخروج من عباءة نظام سياسي قاد البلاد إلى الانسداد والفشل التامين ما يمكن أن ينجر وراء ذلك عندما لايحضر العقل النقدي المفكر والضمير المسئول وعرف عينيا وواقعيا ما يمكن أن ينجر من وراء الخطابات الدينية التي لا تستخدم الفعل النقدي ولاتقبل التعددية والرأي المخالف فباسم الدين قتل الأطفال أو ذبحوا وقطعت الرؤوس واغتصبت النساء ودمر بلد بأكمله تقريبا في مرحلة من المراحل وخرج المجتمع الجزائري منهارا عصبيا ولكن قابل في تلك اللحظة التاريخية المهمة لفعل القطيعة مع المتكلمين باسم الدين، قطيعة حقيقية ومهمة، قابل من إحداث نقلة نوعية في الخطاب والحياة، لكن هذه النقلة لم تحدث، أو لم تتوج بفعل القطيعة الضرورية للخروج من تراكمات وثقل السلطات الغيبية الكثيرة، بل بالعكس ماحدث هو أنه تم إعادة تبجيل الخطاب الديني من جديد لحسابات سياسية قصيرة الرؤية ومحدودة النظر، وعاد المجتمع المنهك من حرب العشر سنوات الأخيرة ليصبح فريسة أكثر لهيمنة الخوف والتملص من المسؤولية الفردية ''لمجتمع يسعفه تفسير فيضانات باب الوادي وزلزال بومرداس على أنه عقاب من الله'' وعندما ينتشر وعي بهذه الضحالة يعني انه يعيش في غياب تام لأي قدرة على تحمل مسار التاريخ وعاجز تمام العجز على الخروج من معتقل السماء إلى فسحة الحياة التي يعيشها، وغير واعي برهانات البحث الموضوعي ليهزم الفشل والاتكالية والضعف المرتبطة بأسباب مادية وموضوعية وليس لأن الله يعاقب عباده المنحرفين· وطبعا هذه الوثوقية إلى جانب أنها ترضي المتكلمين باسم الدين ترضي كذلك أنظمة الحكم التي تغيب عنها الديمقراطية·
ولكن الحديث عن المجتمع يعني الحديث عمن يسير المجتمع بتركه يجنح لرؤاه الغيبية وينام فيها مخدرا بدل حل مشاكله الحقيقة التي يعاني منها منذ سنوات ولهذا فان المسؤولية تقع على عاتق من يترك القافلة تسير لوحدها من دون توجيه أو رعاية لأن هذا المجتمع الذي عانى تاريخيا من صنوف كثيرة من العنف ضد ذاته وأصالته يبقى عاجزا حتما إن لم تقم نخبته بدورها في إعادة بناء تصوراته من جديد عبر الإعلام والتعليم وفضاءات المجتمع المدني المغيبة والمسيجة والمقفول عنها نهائيا في حاضرنا اليوم·
كان يمكن حدوث قطيعة بين الديني والسياسي في فترة مابعد العنف لأن المجتمع كان مهيأ لشيء كهذا ولكن ضيعنا الفرصة وضاع معها حلم تغيير حقيقي· حلم دولة مدنية حقيقية·
عودة الديني بأقنعة مختلفة
رغم ذلك ما يحدث اليوم في الجزائر من عودة الديني بقوة إلى الساحة الاجتماعية ليس كخطابات سياسية فقط التي أصبحت منهزمة ولكن يقظة ومنتبهة لجمع الثروة والمال وإنما كتصرفات تدل على أن هذا الوعي الاجتماعي المعاد صياغته وفق تصورات عقائدية خطيرة مرتبطة بوضعية سوسيولوجية خطيرة للفئات الكبرى من المجتمع والتي تجد نفسها منجذبة من جديد لدعوات العنف الجهادي وقد صار النموذج الجهادي في أفغانستان والعراق يغري كثيرا اليوم وقد يعيد الجزائر من جديد لوجه ذقنا مرارته لسنوات·
أخلص للقول أن الأمر ليس دعوة لقطع الإنسان الجزائري عن دينه المكون الجوهري لهويته ولا المس بعقيدته أي بروحانيته التي هي حق من حقوقه، ولكن للقطع مع تلك الخطابات التي تريد أن تصهر الكل في بوتقة واحدة، ورؤية واحدة، والتي تحولنا جميعا لرهائن محتجزون ضمن أفق ضيق، وأهداف غيبية وننسى رهانات التحول والبحث عن مسالك للتقدم الذي نحن في أمس الحاجة إليه· والأهم من ذلك الدعوة للنقاش فلم يعد بوسعنا اليوم تطارح القضايا الجادة في بلدنا رغم ما نزعمه من جو الحرية، ومن ديمقراطية الإعلام·
ميلان كونديراأن تكون روائيا
ننشر الجزء الأخير من دراسة الروائي كونديرا ''من هو الروائي؟''
التي جاءت في كتابه الأخير ''الستار''الصادر عن منشورات غاليمار·
ترجمة: أنيسة حيدر
القراءة أمد لا ينتهي الحياة كلمح البصر
أتحدث مع صديق فرنسي وألحّ عليه ليطّلع على مؤلفات غومبروفيتش· التقيته لاحقا وبدا محرجا وهو يقول لي: >لقد أطعتك فيما نصحتني به، لكنني أصدقك القول، لم أفهم الداعي وراء تحمسك·- ماذا قرأت له؟ - كتابه المسحورون! - تبّا! لماذا المسحورون بالذات؟<
لم يظهر المسحورون في شكل رواية مطبوعة إلا بعد وفاة غومبروفيتش· هي عبارة عن رواية شعبية، نشرها وهو شاب على شكل حلقات مسلسلة باسم مستعار في إحدى الصحف البولونية قبل الحرب· فهو لم يجمعها أبدا في كتاب ولم ينو أبدا نشرها كذلك· قبل أن يقضي نحبه، صدر حوار مطول جمعه بدومينيك دو رو بعنوان /وصية/، تضمّنت تعليقات غومبروفيتش على كل أعماله، كلها، كتابا تلو الآخر ولم يورد كلمة واحدة عن المسحورين!
قلت له:>يجب أن تقرأ فاردورك أو البورنوغرافيا صديقي، إن الحياة تتقلص أمامي وقد استنفذت جرعة الوقت التي ادخرتها لصاحبك الكاتب·<
الطفل الصغير وجدته
قطع ستافينسكي صداقته القديمة مع قائد الأوركسترا آنسرمي إلى غير رجعة، عندما أراد هذا الأخير إجراء اقتطاعات في باليه لعبة الورق، ليعود بعدها ستافنسكي نفسه إلى سمفونيته آلات النفخ ويجري عليها تصحيحات عدّة· بلغ الخبر إلى آنسرمي ذاته، فاستنكر عليه ذلك ولم تعجبه التعديلات وعاب على ستافنسكي ذلك منكرا حقه في تغيير ما كتب سلفا·
كان ردّ ستافنسكي في المرة الأولى كما الثانية ردا حصيفا:>الأمر لا يعنيك يا عزيزي فتوقف عن التصرف مع أعمالي كما ولو أنك في غرفة نومككنت في التاسعة عشرة من عمري عندما نشّط شاب جامعي في المدينة التي ولدت فيها محاضرة على الملأ، تزامنت مع الشهور الأولى لميلاد الثورة الشيوعية ، تحدث فيها - مدفوعا بالروح السائدة- عن المسؤولية الاجتماعية للفن· تلا المحاضرة نقاش، بقي في ذاكرتي منه تدخل الشاعر جوزيف كاينار ( ينتمي لنفس جيل بلاتني، الذي توفي هو كذلك منذ سنوات) والذي رد على خطاب صاحب الروح العلمية بحكاية: طفل صغير يصحب جدته الضريرة في جولة· يسيران في الشوارع ومن حين لآخر، يردّد الولد: > حذاري جدتي هناك جذع على الأرض <، تقفز الجدة ظانة أنها في طريق غابي· يلوم المارّة الطفل الصغير:>كيف تعامل جدتك هكذا أيها الصبي< يرد الطفل: >إنها جدتي وأعاملها كيفما يحلو لي! < ليخلص كاينار قائلا: >هاأنذا، أنا ومعي شعري<. لن أنسى أبدا هذا البيان بحق الكاتب والذي أعلن عنه تحت نظرات ريبة تطلقها الثورة الحديثة العهد·
حكم سرفنتيس
ذكر سارفنتيس في روايته كتبا عديدة عن الفروسية والبطولة · موردا عناوين الكتب دون أن يرى ضرورة في ذكر أسماء المؤلفين؛ إذ لم يكن احترام الكاتب وحقوقه مكرّسا في أدبيات ذلك العصر·
لنتذكر كيف قام كاتب آخر مجهول آنذاك، قبل أن يفرغ سارفنتيس من الجزء الثاني من روايته، بسبقه فنشر باسم مستعار تكملة مغامرات دون كيشوت· كان رد فعل سارفنتيس حينها مماثلا لرد فعل روائي في أيامنا هذه، استنكر ذلك بحدة وهاجم المنتحل بشراسة، معلنا بفخر: >لقد ولد دون كيشوت من أجلي فقط، وأنا ولدت له، لقد أتقن الفعل وأنا الكتابة· هو وأنا الشيء ذاته··· <
تلك هي العلامة الأولى والجوهرية التي توشم بها الرواية منذ أن عبر عنها سارفنتيس: هي إبداع منفرد وغير قابل للمحاكاة ولا للانفصال عن مخيال كاتب واحد بمفرده· فقبل أن يكتب، لم يتصور أحد وجودا لدون كيشوت؛ كان اللامتوقع ذاته، فلولا سحر الشيء الذي لم يتصور من قبل، ما أمكن قبول تصور لشخصية روائية كبيرة ( ولا لرواية كبيرة)·
لقد ارتبط ميلاد فن الرواية بوعي وإدراك لحق الكاتب ودفاعه الشرس· إن الروائي هو سيد عمله دون منازع· هو ذات أعماله· لم يكن هذا ساريا دائما ولن يكون هكذا دوما، لكن حينها، سيندثر ميراث سارفنتيس وفن الرواية·
PH/ DjazairNews
ترجمة : أنيسة حيدر
أكتب فتكون حيا··
إلـيـن سيكـسوس/روائية فرنسية
في البداية، كان العشق· ما عشقته كان إنسانيا، لا أشخاصا، لا كليات، ذوات محددة المعالم ومعينة· وإنما علامات· ومضات كينونة تستوقفني وتحرقني· بريق قادم إلي: انظر إنني أتلظى· وتنسحب العلامة وتختفي· وأنا أحترق وأذوب تماما، ما كان يتملكني مقذوفا بقوة من جسد إنساني هو الجمال: كان هنالك وجه، كتبت وحفظت على سطوره كل الألغاز· كنت في الأمام، أستشعر وجود عالم آخر مصفّد الأبواب أمامي، وجود هنا لا يحدّه حد، يلحّ علي النظر، يمنعني من الولوج، كنت خارجا في ترقب حيواني· تبحث شهوة عن مثواها، كنت تلك الشهوة·
كنت السؤال، غرابة مصير السؤال: البحث، مواصلة الأجوبة التي تهدئه وتلغيه· ما يحييه ويرفعه ويستهويه ليطرح هو الانطباع بأن الآخر هنا، حثيث، موجود، بعيد إلى حد أنه يوجد في بقعة ما في العالم، متى ولجت الباب، الوجه الموعود، الجواب الذي نتابع التحرك من أجله، والذي يمكننا الاستراحة بفضله والذي يحول حبنا له دون الاستسلام والاستكانة والموت· مع ذلك، يا للبليّة إن حدث وأن التقى السؤال بجوابه! بنهايته!
لقد عشقت الوجه· الابتسامة· السحنة التي تصنع ليلي ونهاري· تستبقيني الابتسامة في حالة احترام ونشوة· في حالة رعب· العالم يبنى، يضاء وينقضّ لمجرد رعشة من هذا الوجه· هذا الوجه ليس استعارة، وجه، فضاء، بنية· مستقر كل الوجوه التي تلدني كل مرة وتمسك بحيواتي· لقد رأيته، قرأته، تأملته إلى التوهان فيه· كم من الوجوه للوجه الواحد؟ أكثر من واحد· ثلاثة، أربعة، لكن الوحيد دائما، والوحيد دائما أكثر من الواحد·
لقد قرأته: للوجه علامات، وكل علامة درب جديد· يقتفى للاقتراب من المعنى· يهمس لي الوجه بأمر، يحدثني، يدعوني للكلام، لاستكشاف كل الأسماء المحيطة به التي تستحضره، تقترب منه بلطف، تظهره· يجعل الأشياء مرئية مقروءة، كما لو أنه اتفق على أن النور باندحاره، لا تندحر معه الأشياء التي أضاءها، ما مسّه نور الضوء سيبقى وسيظل موجودا، لامعا ، واهبا نفسه لاسم جديد·
منذ أن عشت، أتذكر ذلك بألم لا ينقص، ارتعدت، خشيت الانفصال، رهبت الموت· كنت أراها منكبة على عملها، أخمن غيرتها، ثباتها، لن تترك حيا يفلت من قبضتها· رأيتها تجرح وتشلّ وتشوه وتهشم حالما وقع بصري عليها· اكتشفت أن الوجه ميت وأن علي انتزاعه بالقوة وفي كل لحظة من العدم·
لم أعشق ما هو آيل للاختفاء، الحب ليس مرتبطا عندي بحالة الموت· كلا، لقد أحببت، شعرت بالخوف، أشعر بالخوف· بسبب الخوف، عزّزت أركان الحب، أيقظت كل قوى الحياة، سلّحت الحب بالروح والكلمات لأحول دون انتصار الموت· أن تحب هو أن تحفظ الحياة، أن تسمي عينا·
الوجه-البداية كان وجه أمي، كان بوسع وجهها أن يهبني النظر دون حدود، الحياة، أن يأخذها مني· انتظرت قدوم الموت طويلا من هذه الفتحة، بسبب الوله بالوجه الأول· وضعت أمي نصب عيني وحراستي، عين شرسة، أخطأت التقدير، على طاولة الشطرنج، كنت أرعى الملكة بإفراط، لكن الملك هو من سقط·
اكتب: كي لا تتنحى للمكان للميت، كي تبعد النسيان، كي لا يأخذك الحضيض على حين غرة· كي لا تستسلم أبدا، لا تتعزى أبدا، لا تتقلب في فراشك ناحية الحائط وتعود للنوم كما ولو أن شيئا لم يحدث؛ ما كان لشيء أن يحدث·
ربما لم أكتب أبدا إلا لأحصل على حمد الوجه· بسبب الزوال· لأواجه اللغز دون توقف، لغز الهنا ليس هنا· لغز المرئي والمخفي· لأواجه القانون الذي يقرر: / لن تنحت صورة ولا أي وجه لما هو في أعالي السماء أو أسفل الأرض أو في البحار أو تحت الأرض·/ ضد مرسوم العمى، كثيرا ما فقدت بصري ولن أفرغ من نحت الصورة· كتابتي هي بصري وإن أسدل النظر·
تريد الحيازة· تريد كل شيء· لكن لا يسمح للكائن البشري أن يحوز· أن يحوز كل شيء· وللمرأة، لا يسمح حتى التطلع إلى حيازة ما يمكن أن يحوزه كائن بشري· كم من الحدود وكم من الجدران وداخل الجدران جدران أخرى·
حصون أستيقظ فيها ذات صباح محكوم علي بالإدانة· مدن أجد نفسي فيها معزولة، حجر، قفص، مصحات، لكم ذهبت هناك، لحودي، سجوني الجسدية، الأرض تعجّ بالحبوس: عندما أكون هناك، تكون مدة وطبيعة العقوبة غير متوقّعة حقا· لكنني مع ذلك، أشعر أنني في منزلي· ما لا يمكن أن تحوز، أن تلمس، أن تشم، أن تداعب، حاول على الأقل أن تراه· أريد أن أرى: كل شيء· لا أرض ميعاد لن أبلغها يوما· أرى ما سأحوزه أبدا أو لا أحوزه· ربما كتبت لأبصر، لأحوز ما لم أكن لأحصل عليه أبدا، كي لا يكون فعل الحيازة امتيازا في اليد التي تعطي وتحجز؛ في الحلق، في المعدة· بل اليد التي تشير بالأنامل، أنامل ترى وترسم، أطراف الأنامل التي تخط تحت إملاء الرؤية الرقيقة· من زاوية رؤية الروح· العين السيدة· زاوية المطلق؛ بالمعنى الحقيقي للكلمة: الفصل·
الكتابة لتلمس حروفا وشفاها ونفسا، لتداعب باللسان وتلعق بالروح، تذوق دم الجسد المشتهى؛ الحياة البعيدة؛ لتفحم المسافة شهوة؛ كي لا تقرأك·
أن تحوز؟ رصيدا دون حدّ، دون قيد، لكن دون أية /وديعة/، حيازة لا تحوز ولا تملك، الحيازة-الحب، تتكافل بالحب ضمن الدم-العلاقة· وهكذا، هب لنفسك ما يهبه لك الرب إن كان له وجود·
من يستطيع تحديد ما يعنيه أن تحوز؛ أين مقر فعل الحياة أين كفيل الاستمتاع؟
هنا بيت القصيد: عندما لا يحدّ الحدّ؛ عندما يحيا الغياب، يستأنف من عند الصمت والسكون·
في الوثبة التي يقفز فيها الحب على العدم· صوتي يبعد الموت، موتي أنا؛ موتك أنت؛ صوتي هو آخر· أكتب فتكون حيا: إذا كتبت، يسلم الآخر·
الكتابة طيبة: هي اللامنتهي، فيّ يسري أبسط وأوثق آخر· مثل الدم: نملك الكثير· قد يحدث له افتقار، لكنك تصنعه وتجدده· في ذاتي كلمة الدم التي لا تتوقف قبل نهايتي·
في البداية، كتبت بالحقيقة لأشطب الموت· بسبب ميت· الأقسى، تلك التي لا تعتق شيئا، المحتوم· الأمر يطرح على هذا النحو: تموت عندما أكون غائبا· في غياب إيزوت، يستقبل تريستان الجدار ويموت· ينغرز الألم فيّ بما يجري بين هذا الجسد والجدار وما لا يجري ويدعوني للكتابة· حاجة الوجه: أن يخترق الجدار ويمزق الحجاب الأسود· أن أرى بأم عيني ما أفقده، أن أبصر الفقدان قدامي· أريد أن أرى الزوال بعيني· ما لا يطاق هو أن الموت لم يحدث وأنه سرق مني، أنني لا أستطيع عيشه، أخذه بين ذراعي، أمتص النفس الأخير على شفتيه·
أكتب الاسم المزيد· مزيدا هنا، أكتب الحياة، الحياة هي ما يمتّ إلى الموت؛ أكتب كل شيء ضدها، أكتب
حروفي المتوثبة:
أقول على سبيل التخفيف هشاشة الحياة، اهتزاز الفكر الذي يجرأ على الإمساك بها، أن تحيط بالفخ الذي تنصبه لك الحياة كلما طرحت السؤال الذي يهمس به الموت، السؤال الشيطاني:/لم العيش، لماذا أنا؟ / كما لو أن الموت هو من يريد الوقوف على الحياة· السؤال الأخطر لأنه لا ينذر بطرح نفسه كضريح ميت إلا عندما تخلو من/سبب/ للعيش· أن تعيش أن تكون حيّا، أو ألاّ تكون مفتوحا للموت هو ألاّ تكون عندما يكون هذا السؤال وشيكا· تحديدا: نحن نعيش دائما دون سبب؛ ذاك هو أن تعيش، أن تعيش بدون سبب، للاشيء، في رعاية الزمن· هو اللاسبب، جنون حقيقي إذا أمعنا النظر، لكننا لا نفكر في ذلك· فحالما يلج/الفكر/ و/العقل/، بجوار الحياة، هناك مدعاة للجنون·
الكتابة تمنع حدوث السؤال الذي يهاجـم الحياة· لا تتساءل: كيف···؟ كل شيء يهتز حالما ينزل سؤال المعنى· نولد؛ نعيش؛ الجميع يفعل ذلك بقوة حيوانية عمياء· الويل لك إن كان نظرك إنسانيا، إن وعيت ما يحدث لك·
معتوهات: تلك اللواتي يرغمن على تكرار فعل الميلاد كل يوم· أفكر: لا شيء متاح لي· لم أولد مرة واحدة وفقط· الكتابة، الحلم، الولادة داخل الولادة، أن أكون نفسي بنتي كل يوم· تأكيد قوة داخلية قادرة على رؤية الحياة بدون الموت وجلا، وخصوصا رؤية الذات بذاتها، كما لو أنك الآخر في آن،- لازم للحب- وأنا لا أكثر ولا أقل·

ليست هناك تعليقات: