السبت، نوفمبر 10

يكتبها:احميـــدة عيـــاشي


يكتبها:احميـــدة عيـــاشي
الجمعة 9 نوفمبر
في الخمول··· وفي العودة إلى درس ألتوسير
كانت ظهيرة الخميس رائعة وجميلة، اجتاحتني رغبة في ممارسة الخمول، والخمول عندي هو أن تبقى مستلقيا في الفراش، تتفرج على التلفزيون وفي الوقت ذاته تتصفح الجرائد والكتب، وكأنك تنتقل من حالة إلى أخرى ومن عالم إلى آخر·· الخمول هو حالة إختلاء إلى النفس والحفر فيها بحثا عن الزوايا المظلمة من تلك اللحظات الهاربة منا، المتنصلة كالزئبق من دائرة التفكير ونحن نلهث في اليعبوب اليومي، وفي خضم الإستعجالي الذي يجرفنا كلما نسينا أو تناسينا ذاتنا فيه·· الخمول يسمح لنا بإشراق لحظات التأمل التي بدونها يصبح التفكير معرضا للذبول والإنكماش·· إن الأرض الخاملة هي المهيأة لفعل الخصوبة، والعقل الخامل هو القادر على التجدد والإبداع·· والنفس الخاملة هي الأكثر قدرة على شحذ المشاعر النائمة فينا وعلى بعث الحب المستقر في سراديبنا··
-2-
نزلت على الساعة الثالثة إلى صالون الكتاب رفقة أولادي·· كانوا يشعرون بالغبطة وهم يتجولون في أروقة الصالون·· زرنا الأروقة الوطنية والأجنبية وتركت لهم كامل الحرية في اقتناء العناوين التي تكون لها جاذبية تتناغم وأهواءهم·· تبادلت أثناء ذلك أطراف حديث لاهث مع الشاعر وصاحب منشورات الجمل التي قامت بترجمات مهمة لديوان الأدب والفلسفة الألمانيتين·· وأيضا مع صاحب منشورات أبيلو··
قضيت لحظات هادئة تحت الخيمة مع ابنتي سارة وإخوتها، وعندما غادرنا الصالون كانت الشمس قد جرَّت ذيولها فإنسحب النهار وسقط الليل·
-3-
في المساء فقدت كل رغبة في التفرج على التلفزيون·· ووجدتني بعد أن نام الأطفال أختلي بنفسي لأقرأ كتابا جميلا عن مونتسيكيو، السياسة والتاريخ للفيلسوف الفرنسي الذي كانت نهاية حياته تراجيدية لوي ألتوسير··
في الحقيقة لم أكن مبرمجا هذه الليلة قراءة هذا الكتاب، بعد أن سبق لي أن تصفحته، لكن رغبتي الدائمة في العودة إلى كتابة ألتوسير هي التي كانت وراء هذا الدافع·· هذا الفيلسوف يبهرني، تجذبني صرامته في الكتابة وعمقه التراجيدي في التفكير·· بفضل هذا الفيلسوف اكتشفت فكر أنطونيو غرامشي، وفكر كارل ماركس السياسي والفلسفي·· يوم درست عمله ''قراءة ماركس'' كنت طالبا في العلوم السياسية·· وكانت تلك الفترة خصبة على قراءة البنيويين في المجال الفلسفي وكان ألتوسير على رأسهم...درس ألتوسير يكمن في تقديم قراءة جديدة لماركس، وتتمثل هذه القراءة في نزع القداسة الإيديولوجية على صاحب ''رأس المال'' و''الإيديولوجيا الألمانية''، ووضع فكره تحت الفحص النقدي من خلال إعادة اكتشاف إرث صاحب فلسفة البراكسيس مع الهيغيلية، ولحظة القطيعة التي أحدثها عندما أنتج عمله الذي أصبح كلاسيكيا ''رأس المال''.
الأرثوذوكسيون من الماركسيين والمدرسة السوفياتية لم ينظروا حينها بعين الرضا إلى تفكير لوي ألتوسير المتنقل، بل صنفوه ضمن زمرة التحريفيين، ووصفه آخرون بالمنشق بعد أن خرج عن الحزب الشيوعي الفرنسي، وعلى النظرة الستالينية·· وأعتقد أن قوة لوي ألتوسير تكمن في انشقاقه على صعيدالفكر والسياسة·· وما حدث للستالينية وورثتها يمنح الحق لألتوسير الذي حاول إنقاذ فكر ماركس من تلك الطقوسية التي تشجع على عبادة الإيديولوجيا والأشخاص والرموز وتعمل على خنق الحريات، حرية النقد، حرية التفكير، وحرية الإبداع·· وعندما نعيد اليوم قراءة مؤلفه عن مونتسيكيو نكتشف من جديد هذا الدرس الثمين للتفكير الحر والمستقل الذي بدونه تفقد الإنسانية ليس مكاسبها وحسب بل حاضرها ومستقبلها المهددين دائما من طرف أصحاب الفكر الأحادي والشمولي وسادة احتكار المال والسياسة·

ليست هناك تعليقات: