الاثنين، فبراير 12

ما لا يقال: هل كان بوتفليقة منفيا في مالي؟


تاريخ المقال 11/02/2007عندما‮ ‬يجرؤ‮ ‬شاب‮ ‬مثل‮ ‬رفيق‮ ‬عبد‮ ‬المؤمن‮ ‬خليفة‮ ‬على‭ ‬الكذب‮ ‬على‭ ‬المباشر،‮ ‬بطريقة‮ ‬المعوقين‮ ‬لغويا،‮ ‬ويتطاول‮ ‬على‭ ‬تزوير‮ ‬تاريخ‮ ‬الجزائر،‮ ‬ولا‮ ‬يحرك‮ ‬أحد‮ ‬ساكنا،‮ ‬فهذا‮ ‬يعني‮ ‬أن‮ ‬التزوير‮ ‬صار‮ "‬عملة‮ ‬وطنية". من‮ ‬وراء‮ "‬هذا‮ ‬المحتال"‬؟ من يقرأ تصريحات رفيق عبد المؤمن في أسبوعية "المحقق" أو يومية "لوفيغارو" الفرنسية، يخيّل له أنه "رجل أعمال ذكي"، ومن استمع أو شاهد لقاءه مع قناة "الجزيرة"، يشعر بالغثيان، لـ"عاهته الاتصالية" و"لغته السوقية" و"سلوك المدمنين". المؤكد أن من يقف وراءه يمثل جهازا داخل السلطة الجزائرية، يريد "تشويه" صورة الرئيس بوتفليقة، بعد أن فشل في »فرض البديل«. فهذا عبد المؤمن يقول حرفيا: »بوتفليقة كان مع جماعة شبان من الجيش في الثورة، والدي كان في المخابرات، بوتفليقة وبلعيد عبد السلام حاولا الفرار‮ ‬عام‮ ‬1958،‮ ‬وتم‮ ‬توقيفهما‮ ‬من‮ ‬طرف‮ ‬المخابرات‮ ‬المغربية‮. ‬وصدر‮ ‬ضدهما‮ ‬حكم‮ ‬بالإعدام،‮ ‬لكن‮ ‬بومدين‮ ‬اتصل‮ ‬بالمخابرات‮ ‬وتم‮ ‬نفي‮ ‬بوتفليقة‮ ‬إلى‭ ‬مالي‮ ‬وظل‮ ‬هناك‮ ‬4‮ ‬سنوات‮«.‬ وهذا الكلام متناقض، فقصة بلعيد عبد السلام مع المرحوم لعروسي خليفة (أنظر مقالي في الشروق 21 / 1 / 2007 - مسلسل الرئيس والخليفة) ملخّصها أن عبد السلام بلعيد رفض الالتحاق بمدرسة إطارات الثورة التي كان يديرها والد رفيق عبد المؤمن. وفضل تسليم نفسه للجنود المغاربة‮ ‬عوض‮ ‬جماعة‮ ‬بوصوف‮ ‬ولم‮ ‬تصدر‮ ‬الثورة‮ ‬حكما‮ ‬بالإعدام‮ ‬في‮ ‬حقه‮. ‬ووجهة‮ ‬نظره‮ ‬هي‮ ‬أنه‮ ‬لا‮ ‬يثق‮ ‬في‮ ‬لعروسي،‮ ‬لأنه‮ ‬كان‮ ‬رئيس‮ ‬دائرة‮ ‬لدى‮ ‬السلطات‮ ‬الفرنسية‮ ‬ولم‮ ‬تتم‮ ‬محاكمته‮ ‬أو‮ ‬نفيه،‮ ‬كما‮ ‬يزعم‮ ‬رفيق‮ ‬عبد‮ ‬المؤمن‮.‬ أما قصة ما يسمى بنفي بوتفليقة ومساعدية وغيرهما إلى مالي فهي مرتبطة بالحكومة المؤقتة التي ألقت القبض على »مجموعة لعموري« بتهمة التخطيط للانقلاب عليها، وجاءت بالعقيد هواري بومدين ليرأس المحاكمة، ووضعت العقيد أحمد بن شريف وكيل جمهورية (مغرقا). وقد تم إعدام المتورطين‮ ‬مباشرة‮ ‬في‮ ‬الانقلاب،‮ ‬بينما‮ ‬تم‮ ‬نفي‮ ‬بعض‮ ‬المتهمين‮ ‬ومنهم‮ ‬محمد‮ ‬الشريف،‮ ‬مساعدية‮ ‬وعبد‮ ‬العزيز‮ ‬بوتفليقة،‮ ‬كما‮ ‬يقول‮ ‬البعض. ‬ وهناك رواية أخرى تفيد بأن بوتفليقة عيّن سنة 1960 على رأس مجموعة في »الحدود الجنوبية لقيادة جبهة مالي التي تم إنشاؤها في إطار الإجراءات الهادفة إلى إفشال مخطط القوى الاستعمارية لتقسيم البلاد«. وقد وردت هذه الرواية في كتاب (التحدي) لخالد شايب. وإذا سلّمنا بهذه الرواية، فهذا يعني أن الولاية السادسة التي حاول جماعة عبان »تكريس وجودها« في مؤتمر الصومام، ووقعت وزارة المجاهدين في الخطإ حين أدرجتها ضمن الولايات المشاركة في مؤتمر الصومام 1956، هي مجرد »أكذوبة«. والرواية الكاملة لعملية الانقلاب يعود الفضل فيها إلى »المناضل الليبي سالم شلبك الذي كان يحسن البربرية، وكان لعموري في ضيافته... وأن لعموري عندما كلم جماعته بالهاتف في الكاف بتونس باللهجة الشاوية فهم ما قاله لهم«. ويضيف الرئيس علي كافي في مذكراته ص(218): »وعندما‮ ‬لاحظ‮ ‬وجود‮ ‬شيء‮ ‬يحضر‮ ‬قد‮ ‬يمس‮ ‬بالثورة‮ ‬تحرّك‮ ‬وأبلغ‮ ‬القيادات‮ ‬بما‮ ‬سمع،‮ ‬مما‮ ‬جعل‮ ‬القيادة‮ ‬في‮ ‬تونس‮ ‬تتبع‮ ‬اتصالات‮ ‬لعموري،‮ ‬وتلقي‮ ‬القبض‮ ‬عليهم‮«.‬ وباعتبار أن العقيد أحمد بن شريف ما يزال حيّا، وسبق لي وأن انتزعت منه اعترافا منشورا في منبر أكتوبر، وأن عقيلة الرئيس هواري بومدين رفعت دعوى لدى القضاء الفرنسي ضد مضمون الحوار، فأعتقد أن قصة جماعة لعموري لا تحتاج إلى الخلط مع قصة بلعيد مع لعروسي، والنفي كان‮ ‬عام‮ ‬1959،‮ ‬وقضاء‮ ‬أربع‮ ‬سنوات‮ ‬في‮ ‬المالي‮ ‬يعني‮ ‬أنه‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮ ‬بعد‮ ‬استرجاعها‮ ‬للاستقلال‮ ‬ولم‮ ‬يكن‮ ‬وزيرا‮ ‬للشباب‮ ‬وهذه‮ ‬أكذوبة‮ ‬على‭ ‬المباشر‮.‬ يبدو‮ ‬لي‮ ‬أن‮ »‬الإبن‮ ‬الضال‮« ‬يجهل‮ ‬تاريخ‮ ‬والده،‮ ‬ولهذا‮ ‬وصفه‮ ‬بـ‮»‬الشيوعي‮«‬،‮ ‬اللهم‮ ‬إذا‮ ‬اعتبر‮ ‬زواج‮ ‬لعروسي‮ ‬من‮ ‬فرنسية‮ ‬قبل‮ ‬أمه‮ ‬البجاوية‮ ‬يضعه‮ ‬في‮ ‬خانة‮ ‬الشيوعيين؟‮!‬ وما‮ ‬استغربته‮ ‬أكثر‮ ‬أن‮ ‬بعض‮ »‬لجان‮ ‬المساندة‮« ‬لبوتفليقة‮ ‬تبرأت‮ ‬من‮ ‬انتماء‮ »‬الإبن‮ ‬الضال‮« ‬إلى‮ ‬ولايتهم،‮ ‬وكأن‮ ‬بوتفليقة‮ ‬رئيسا‮ ‬لفئة‮ ‬دون‮ ‬أخرى.‬ لو كانت اللجان المكلفة بـ»تسويق صورة الرئيس« تحترم نفسها، ولو كان هناك من حاشية الرئيس من الكتاب والمفكرين والمؤرخين من يحترم نفسه، لاستقال لأنه لم يحرك ساكنا إزاء تزوير مفضوح لتاريخ مايزال رجاله أحياء. ولو‮ ‬حدثني‮ ‬المرحوم‮ ‬لعروسي‮ ‬عن‮ ‬وجود‮ ‬بوتفليقة‮ ‬إلى‭ ‬جانب‮ ‬بلعيد‮ ‬عبد‮ ‬السلام،‮ ‬أثناء‮ ‬جلساتي‮ ‬المطولة‮ ‬معه،‮ ‬لنشرت‮ ‬ذلك‮ ‬قبل‮ ‬أن‮ ‬يصرح‮ ‬به‮ ‬ابنه‮.‬ وأعتقد‮ ‬أن‮ ‬من‮ ‬يزوّر‮ ‬التاريخ‮ ‬إنما‮ ‬يقتل‮ ‬في‮ ‬نفسه‮ ‬انتماءه‮ ‬لوطنه‮ ‬فالتاريخ‮ ‬لا‮ ‬يستطيع‮ ‬أحد‮ ‬أن‮ ‬يخفيه‮.‬ ولهذا،‮ ‬أتعجب‮ ‬من‮ ‬محاولة‮ ‬تشويه‮ ‬بوتفليقة‮ ‬تاريخيا‮ ‬وممن‮ ‬يقفون‮ ‬وراء‮ ‬ذلك،‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬قاموا‮ ‬عبر‮ ‬امبراطورية‮ ‬الخليفة‮ ‬بتبييض‮ ‬أموالهم؟ بوصوف‮ ‬ولعروسي‮ ‬و"‬رجال‮ ‬المالغ"!‬ لماذا‮ ‬عيّن‮ ‬عبد‮ ‬الحفيظ‮ ‬بوصوف‮ ‬لعروسي‮ ‬خليفة‮ ‬مديرا‮ ‬لمكتبه‮ ‬وهو‮ ‬القادم‮ ‬من‮ ‬أهم‮ »‬وظيفة‮« ‬في‮ ‬السلك‮ ‬الإداري‮ ‬الفرنسي؟ المؤكد‮ ‬أن‮ ‬لعروسي‮ ‬ليس‮ ‬من‮ ‬الـ40‮ ‬ضابطا‮ ‬جزائريا‮ ‬القادمين‮ ‬إلى‭ ‬الثورة‮ ‬من‮ ‬القوات‮ ‬الفرنسية‮ ‬من‮ ‬فرنسا‮ ‬وألمانيا،‮ ‬وليس‮ ‬من‮ ‬دفعة‮ »‬سوستال‮« ‬ولا‮ »‬لاكوست‮« ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬تخطط‮ ‬لإجهاض‮ ‬الثورة‮ ‬من‮ ‬الداخل‮.‬ والأكثر تأكيدا، هو أن بوصوف لم يخطئ في الاختيار، لأن لعروسي وفيّ لقائده، مثلما كان »هذا الشبل من فصيلة والده« وفيّا لمن يقفون خلفه، في القيام بدوره في »إلصاق التهم وإطلاق الأوصاف« على غيره. لقد‮ ‬رأى‮ ‬بوصوف‮ ‬في‮ ‬لعروسي‮ »‬الطاعة‮ ‬العمياء‮ ‬لأوامره‮« ‬وهو‮ ‬منطق‮ »‬المالغ‮« ‬خلال‮ ‬الثورة،‮ »‬الغاية‮ ‬تبرر‮ ‬الوسيلة‮« ‬أو‮ ‬كما‮ ‬جاء‮ ‬على‭ ‬لسان‮ »‬الأمير‮« ‬المكيافيلي‮.‬ والأهداف المحددة هي كيفية الوصول إلى »قلب العدو« دون خسائر، ولأنّ فرنسا كانت تعتبر الجزائريين فرنسيين، وأكثر مواطنة من المغاربة في المغرب العربي، فقد جاء تعيين لعروسي على رأس مدرسة إطارات الثورة، فهو خريج المدرسة الفرنسية وآلاف الطلبة ممن التحقوا بالثورة تلبية‮ ‬لنداء‮ ‬19‮ ‬ماي‮ ‬1956‮ ‬كانوا‮ ‬في‮ ‬حاجة‮ ‬إلى‭ ‬أضواء،‮ ‬خاصة‮ ‬وأن‮ ‬أغلبهم‮ ‬ليسوا‮ ‬من‮ ‬مدرسة‮ »‬حزب‮ ‬الشعب‮«.‬ ولما‮ ‬كانت‮ ‬شخصية‮ ‬بوصوف‮ »‬متفرّدة‮« ‬فهو‮ ‬يفضل‮ ‬التعامل‮ ‬مع‮ ‬الجميع‮ ‬دون‮ ‬تمييز،‮ ‬فإنه‮ ‬اختار‮ ‬لعروسي‮ ‬ليكون‮ ‬مقرّبا‮ ‬منه‮.‬ أذكر‮ ‬أن‮ ‬بوصوف‮ ‬سُئِلَ‮ ‬ذات‮ ‬مرة‮ ‬عن‮ ‬سبب‮ ‬إجبار‮ ‬شيوخ‮ ‬جمعية‮ ‬العلماء‮ ‬المسلمين‮ ‬ورؤساء‮ ‬الأحزاب‮ ‬ممن‮ ‬التحقوا‮ ‬بالثورة‮ ‬عن‮ ‬طريقه،‮ ‬بارتداء‮ »‬اللباس‮ ‬العسكري‮«‬،‮ ‬فأجاب‮: »...‬حتى‮ ‬يدخلوها‮ ‬كما‮ ‬خلقتهم‮ ‬أمهاتهم‮«.‬ ولعروسي‮ ‬لم‮ ‬يلبس‮ ‬في‮ ‬حياته‮ ‬اللباس‮ ‬العسكري،‮ ‬بالرغم‮ ‬من‮ ‬أنه‮ ‬كان‮ ‬مدير‮ »‬مدرسة‮ ‬عسكرية‮«‬،‮ ‬لأنه‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬يملك‮ ‬رتبة‮ ‬عسكرية،‮ ‬ولكنه‮ ‬لبسه‮ ‬عام‮ ‬1962‮ ‬في‮ ‬تونس،‮ ‬كما‮ ‬روى‮ ‬لي‮ ‬شهود‮ ‬عيان‮ ‬مايزالون‮ ‬أحياء‮.‬ عندما‮ ‬ترفض‮ ‬توقيعات‮ ‬رئيس‮!‬ الكثير ينتظر رد فعل الرئيس إزاء تصريحات رفيق عبد المؤمن، كما ينتظر الكثير »التغيير الحكومي«. والواقع أن الكثيرون يخطئون حين يراهنون على التغيير في الحكومة، لأن الحكومة لا وجود لها في منطق الرئيس وأغلب الوزراء استمع إليهم، والبعض كان المفروض أن يستقيلوا بعد‮ ‬أن‮ »‬بهدلهم‮« ‬أمام‮ ‬الرأى‮ ‬العام‮ ‬الوطني‮. ‬والبعض‮ ‬الآخر،‮ ‬كان‮ ‬المفروض‮ ‬أن‮ ‬يقدموا‮ ‬استقالتهم‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬تحولوا‮ ‬شهودا‮ ‬في‮ »‬مسلسل‮ ‬البليدة‮« ‬أو‮ ‬يتوقع‮ ‬أن‮ ‬يصيروا‮ ‬متهمين‮.‬ المؤكد أن عدم اعتراف الرئيس بالغرفتين له ما يبرره، والدليل أنه حتى الآن لم يكمل تعيين طاقمه من »الشيوخ« من مجلس الأمة. والاعتقاد السائد عندي، أنه فضل عدم مخاطبة النواب أو اللقاء مع الصحافة الجزائرية، لأنه لا يؤمن بوجود »نواب« ولا »صحافة«، لأن بطاقات الحصانة‮ ‬لدى‮ ‬نواب‮ ‬الغرفتين‮ ‬مرفوضة‮ ‬في‮ ‬البنوك‮ ‬الجزائرية،‮ ‬والكثير‮ ‬من‮ ‬المؤسسات‮ ‬العمومية‮ ‬مثلها‮ ‬مثل‮ ‬جواز‮ ‬السفر‮ ‬الجزائري‮.‬ وإذا لم تستمع العدالة إلى من تسلم السيارات المصفحة، التي يقول عبد المؤمن إنها في حظيرة الرئاسة، وإذا لم يتم استدعاء »وكالة القليعة« وجميع وكالات القطر الجزائري التابعة لبنك الخليفة، فإن ملف الخليفة سيكون ورقة في أيدي »الأجانب« لتوظيفها لصالحهم في الابتزاز،‮ ‬والتطاول‮ ‬على‭ ‬الدولة‮ ‬الجزائرية‮.‬

ليست هناك تعليقات: