الأحد، أبريل 1

الكاتب والصحفي سهيل الخالدي لـِ

الكاتب والصحفي سهيل الخالدي لـِ
أصحــاب الصحــف يتصرفــون مثل جــلادي غوانتنـامو

لا يزال الكاتب والصحفي سهيل الخالدي يحلم ببيت يأوي كتاباته، وهو يقيم حاليا بعد مغادرته لدار العجزة بباب الزوار، في غرفة ببناية غير مكتملة يملكها أحد الخواص بالشرافة (العاصمة)، زرناه هناك، فتحدث لنا عن تجربته الصحفية، وكيف أسهم في تأسيس عديد الصحف العريبة، وقال إن الإعلام الجزائري فشل في التأسيس لوعي جماعي، لأنه لا يحمل أية رسالة·· ومبني على أسس تجارية محضة··
حاوره: أيمن السامرائي
لنبدأ بالحديث عن طفولتك التي لم تعرف فيها الإستقرار في ظل الحل والترحال والتشرد والطرد والنفي ··
أنا من مواليد عام 1942 في بلدة سمخ بفلسطين على ضفاف بحيرة طبرية ومن أبوين جزائريين، هاجرت عائلتي من عرش وادي البردي، دشرة سيدي خالد بالبويرة إلى فلسطين إثر ثورة الشيخ المقراني، ثم عاودت العائلة الهجرة مع بعض العائلات الجزائرية بعد أن طردتها إسرائيل إلى >ملكا< شمال الأردن عام ,1948 في الواقع أنا أنتمي إلى جيل بلا طفولة، نشأت يتيم الأب، والذاكرة الأولى في طفولتي ذاكرة تشرد، أذكر وأنا في سن السادسة كنا نعبر نهر الأردن ورصاص اليهود يلاحقنا ولا زال صوت الرصاص في أذني حتى الآن·· ولذلك كتاباتي لا يتضح فيها المكان لأن المكان دوما متنقل وذكراه مزحمة في رأسي ·
في تلك الأثناء برز ولعك بالصحافة وأنت لم تتعد سن الثانية عشر ··
نحن عادة ما ندخل الصحافة من باب الأدب، فلما كنت في الثالثة ابتدائي كنت شغوفا بمطالعة المجلات الأدبية، وكتبت في مجلات مدرسية منها مجلتي >الطالب< و>المنهل<، وأثناء تواجدي في الأردن سنة 1957 أتاحت الحكومة الأردنية للشيخ عبد الرحمن العقون ممثل الثورة الجزائرية في الأردن، إنجاز برنامج في الإذاعة الأردنية كان عنوانه >صوت الجزائر<، بالإضافة إلى أنه كان يصدر نشرية عن الثورة، فكان يأخذني صغيرا للإذاعة، وآنذاك بدأت اكتشاف عالم الصحافة ·
هل شاركت مع الشيخ العقون في برامج إذاعية لمساندة الثورة الجزائرية؟
ساندنا الثورة الجزائرية عبر النشرية التي كان يصدرها عبد الرحمن العقون، وكان يعمل بها شخصيات أردنية متطوعة وأنا من بينهم ·
دخلت جامعة بيروت لدراسة الأدب، لكنك لم تكمل الدراسة وفضلت الصحافة وقلت عن الجامعة إنها لن تضيف لك شيئا ·· أليس ذلك غرورا ·
في ذلك شيء من الغرور، غرور الشباب حينها، لم أكن أجد الجديد في كثير من المقررات الدراسية ووجدت أني ملم بتلك المقررات عبر مطالعاتي الخاصة، بالتالي لم تكن الجامعة بالنسبة لي شيئا مهما ولذا فضلت التفرغ للعمل الصحفي ونُشرت لي بعض الصحف والمجلات كمجلة الآداب اللبنانية قصصا ودراسات ·
بدأت العمل الصحفي في الخمسينيات من القرن الماضي في المشرق العربي، وخبرت الصحافة العربية، فكيف وجدت التجربة؟
حتى هذه اللحظة، تستمد الصحف العربية مرجعياتها ومصادرها من 05 وكالات عالمية تسيطر على سيل الأخبار والمعلومات وهي يونايتد براس، رويترز، أسوشيايتد براس، فرانس براس، التاس، ووصل ارتباط الصحافة العربية بهذه الوكالات لدرجة أن وكالة ما تذكر اسم مدينة أريحا خطأ فتقول جريكو، فتنقله الصحف العربية حرفيا دون ذكر اسم المدينة عربيا ·
ما هي الصحف العربية التي تعاملت معها؟
عملت تقريبا في كل الصحف العربية، أهمها السفير اللبنانية، والإتحاد الإماراتية، الوطن الكويتية، الرأي العام، السياسة، وهي الصحف العربية الأوسع انتشارا، كما كتبت في مجالات أسبوعية عديدة، وأنا من المؤسسين لصحافة الملحق في بعض الدول العربية التي لا تملك جرائدها ملاحقا، وكتبت في كل الأنواع الصحفية ما عدا الرياضة ·
يعني أنك صحفي متكامل؟
لا ·· لا أقول هذا، لكني صحفي متعدد التجارب، وقد عرضت علي عديد المناصب في العمل الصحفي فرفضتها، لأن المسؤولية تقيدك وتجعلك تسعى وراء الكراسي فقط ·
لكن رفضك لتقلد المناصب يحرم الجيل الجديد من التأطير وخبرتك؟
هذه الحالة موجودة في الجزائر فقط، فالجيل الجديد لا يوجد من يؤطره، لأن أصحاب الصحف الجزائرية ليس لديهم أي رسالة إعلامية، وهدفهم الوحيد هو الربح والتجارة ما عدا قلّة قليلة ·
ما السبب في هذا؟
لأن معظمهم لا يفهمون في اقتصاديات الإعلام، ويعمل كثير منهم على اغتصاب حقوق الصحفيين الشباب، فالصحفيون الجزائريون مضطهدون أكثر من معتقلي غوانتانامو ·
يظهر أنك ناقم على الصحافة الجزائرية؟
لا ·· لست ناقما·· لكن هذه الصحافة طوال نشأتها لم تقدم شيئا، فمثلا الإعلام الأجنبي حين يسأل عن الجزائر لا يستشير الصحفيين الجزائريين بل يسألون صحفيين أجانب وإيرانيين حتى، فالصحفي الإيراني علي الطاهري كان مرجعا للصحافة العالمية في كل ما يخص الجزائر ·
يعني أن هذا هو السبب في التضخيم الذي مارسه الإعلام الأجنبي أثناء سنوات الإرهاب التي عاشتها الجزائر؟
نعم ·· لأن الوكالات الإعلامية العالمية الكبرى لا تعتمد على الصحفيين الجزائريين، لأنهم دون خبرة، وعلى هذا كان كل ما يخص الجزائر أثناء الأزمة الأمنية يسوّق بمنظار أجنبي· وهي حالة موجودة حتى الآن، وحدث أن سأل الرئيس بوتفليقة الصحفيين الأجانب قائلا: لماذا تكتبون عن الجزائر بهذا السوء، فقالو له إنه لا توجد لديهم مصادر جزائرية يوثق بها ·
لكن هناك صحفيون جزائريون يُشهد لهم بالخبرة والتجربة؟
أين هم، الصحفيون الجزائريون عاشوا الثورة وتفاعلوا مع النظام الجزائري في كل مراحله، ولا واحد منهم وثّق هذه التجربة· حسنين هيكل حاليا يروي تجربته الإعلامية عبر قناة الجزيرة كمساهمة في كتابة التاريخ ·· في الجزائر لا يوجد مؤرخون حقيقيون، الصحفي الجزائري لا يكتب عن تجاربه، فتجربة الصحافة الخاصة في الجزائر كافية لغزو العالم إعلاميا ·· لكن الآن أين هو المحلل السياسي الذي تعتمد آراؤه في العالم ·· وأين هم الصحفيون الجزائريون الذين كتبوا في كبريات الحصف·· وهنا أعتقد أني الصحفي الجزائري الوحيد الذي كتب في الصحافة الآسيوية والباكستانية ·
بعد عودتك إلى الجزائر سنة 68 التحقت بجريدة المجاهد الأسبوعي· كيف مرّت التجربة ··
فعلا·· تفرغت للعمل في المجاهد الأسبوعي سنوات السبعينيات وقد أعطتني هذه الجريدة شيئا مهما وهو كيف تعيش كصحفي آلام ومعاناة الناس وكيف تقتنص الأخبار ·· وأقول لك هنا إني أول صحفي معرب قابل كاتب ياسين·· وأثناء عملي في المجاهد أتيحت لي فرصة التعرف على كبار المثقفين الجزائريين· ولدي في أرشيفي مقابلات هي الأولى من نوعها، مثلا مع كاتب ياسين وعبد الله ركيبي الذي حصل آنذاك على دكتوراه وكان هذا بالنسبة لجزائري شرفا كبيرا ·
لكن تجربتك في المجاهد الأسبوعي لم تدم طويلا·· لتغادر إلى العراق·· هل تلقيت عرضا أحسن هناك؟
ليس هذا·· لكن غادرت إلى العراق سنة 75 لأني طوال عملي في المجاهد، لم أستطع الحصول على سكن تاركا والدتي في المشرق ·· أما حين ذهبت إلى العراق منحوني سكنا·· وهناك عملت مع زملائي العراقيين في عدة صحف·· وأسست مع مجموعة من الأصدقاء >مجلة العمال< واستطعنا من خلالها كسر بعض الطابوهات في وقت كان ينظر إلى صحافة العمال والعمل النقابي في العراق والعالم بنوع من الريبة ··
أثناء تواجدك بالعراق حققت سبقا صحفيا، فكنت أول من حاور رئيسة وزراء سورينام آنذاك ··
فعلا·· كنت الصحفي العربي الوحيد الذي أجرى معها حوارا·· كما حاورت أيضا رئيس وزراء فيتنام ·· بالاضافة لهذا حاورت عدة رؤساء دول وحكومات أثناء تواجدي بالعراق ·
عدت للجزائر سنة 79 بعد كل تلك النجاحات لتشتغل في جريدة الشعب لماذا ··
لا لشيء·· ربما هو الحنين للوطن·· إلتحقت بجريدة الشعب سنة ,.92 وكانت لهذه الجريدة ميزات لم تكن موجودة في الصحف الأخرى·· ومن خلال كتاباتي فيها كنت من الذين فضحوا ممارسات وأساليب الفرانكوفونية·· وأسهمت من خلالها في إعادة الاعتبار للجالية الجزائرية التي طمست هويتها· وكان لي الشرف في أنني ساهمت أيضا عبر كتاباتي في استحداث مقعد بالبرلمان للجالية الجزائرية وإنشاء وزارة منتدبة لها ·
تنجح في جريدة لتغادرها ·· كما هو الحال بالنسبة للشعب التي تركتها سنة 94 لماذا ··
( يبتسم)، وقتها استدعاني الزملاء الكويتيين لتأسيس أسبوعية الزمن في ديسمبر 94 وبقيت هناك حتى نهاية .95
وعدت مجددا لتلتحق بالتلفزيون الجزائري·· ما علاقتك بالإعلام المرئي وأنت الذي قضيت سنوات في العمل الصحفي؟
الصحفي الجيد يجرّب كل شيء·· طلبوني في التلفزيون سنة 95 للعمل كمستشار في قسم الأخبار·· ودامت التجربة سنة فقط ·
لماذا·· ألم تساعدك خبرة الجرائد في الإستمرار بالتلفزيون؟
لا ·· ليس الأمر كما تتصور·· لكني بطبيعتي لا أبيع مبادئي وقناعاتي، فالجو الذي وجدته في التلفزيون الجزائري كان عفنا·· كما أن هذه المؤسسة تسيطر عليها عائلات محددة حولته إلى ملكية خاصة لتخدم بها مصالحها الإقتصادية والسياسية، بدليل أن حمراوي كان وزيرا ·· ثم مديرا للتلفزيون·· كيف ينزل الوزير إلى منصب مدير ··
وعدت للسفر بعد مغادرة التلفزيون؟
لا ·· بقيت في الجزائر للعمل كمراسل لوكالة >وام< حتى سنة ,2001 ثم عملت في جريدة الصباح الجديد المتوقفة عن الصدور ·
تعاملت مع صحف مشرقية وجزائرية·· كيف كان الفرق بين التجربتين ··
الصحف العربية تقدس الرسالة الإعلامية وتحترم نفسها، وتعطي لمن يكتبون بها حقوقهم رغم أنها تتأخر أحيانا ·· أما الصحف الجزائرية فالأمر كارثي·· عملت في جريدة الأخبار فلم يدفع لي مديرها بوجلطي حقوقي فاشتكيت به، ولا زلت كما ترى في هذه الغرفة المؤقتة ··
لكن أم تعد عليك علاقاتك بالوزراء ورؤساء الحكومات بأي منفعة مادية ·
لا ·· إطلاقا·· عملت في بلدان عربية متناقضة الفكر والإتجاه وعُرضت علي مكاسب عديدة·· لكني اخترت التمسك بمبادئي وقناعاتي مضحيا بكل تلك العروض فلا الدول ولا الأشخاص استطاعوا شرائى ·
كنت من أشد المدافعين عن مشروع العفو الشامل الذي تحوّل إلى مصالحة وطنية·· ألم تستفد ماديا كالآخرين؟
مرضت بسبب هذه المساندة·· ولا زلت أعاني من متاعب في القلب إضافة لمرض السكري·· أنا لم أتاجر في هذا المشروع كما فعل غيري·· ولم أغيّر مواقفي·· المحامية فاطمة بن براهم بالأمس كانت ضد مشروع المصالحة والآن تتشدق بالدفاع عنها ··
أين وصل مشروع كتابك >بوتفليقة ومستقبل الجزائر الثقافي< الذي وعدك وزير التضامن ولد عباس بطبعه بعد زيارته لك في المستشفى؟
كان مجرد وعد·· وكالعادة كل من يعدني بشيء لا يوفي به ·
كنت ثريا في ربيع عمرك·· والآن أنت بدون مأوى·· أين ذهبت ثروتك؟
( مندهشا)·· من أين جئت بالمعلومة·· (إيه··) لا أريد الرجوع لهذا الموضوع من فضلك!د زيارته لك في المستشفى؟

ليست هناك تعليقات: