السبت، سبتمبر 30

هيكل مجدداً في الجزيرة وحوارات الحرة وضيوفها وموسيقى في لبنان

هيكل مجدداً في الجزيرة وحوارات الحرة وضيوفها وموسيقى في لبنان



01 إبريل 2005
عادت قناة "الجزيرة" الفضائية، الى تقديم محمد حسنين هيكل، في قالب آخر، لتضع بينه وبين المشاهد، المذيعة فيروز زياني، الجزائرية التي عملت لسنتين، في التلفزة الجزائرية، بعد أن تدرجت في العمل الإعلامي، من خلال الإذاعة والتحقيقات الميدانية. جلست فيروز المولودة في العام 1973 أي بعد أن كان محمد حسنين هيكل، قد بدأ الانتقال من موقعه كشاهد على صناعة القرار، في مصر، الى كاتب يسترجع ذاكرته. وبدت هذه الفيروز، عنصراً يكسر جمود العرض السابق، غير المألوف، في التلفزة، الذي قدمه هيكل في حلقات سابقة، إذ يتحدث محلل، وراوٍ لحكايات السياسة، مسلطاً نظره على عين الكاميرا، وبالتالي الى المشاهدين، ليقول ما عنده، فيما التقنية التصويرية والإخراجية، تجاهد لكسر رتابة السياق، من خلال لقطات تقترب أو تبتعد، أو تؤخذ من الأجناب. ومن المفارقات، أن الكاتب الكبير، المكُثر من ترديد عبارة One Man Show بالإنجليزية، كان يقدم عرض الرجل الواحد، في أحاديثه السابقة. ولكن، هذه المرة، جاءت فيروز، لتؤدي عملين، ليس من بينهما التدخل في السياق، أو تحديد الموضوع الذي يبدو أنه قد تحدد مسبقاً. والعملان، هما كسر رتابة العرض، بالوجه المليح وبالحضور الإنساني، والتدخل عند الحاجة، لإعادة الرجل الثمانيني الى السياق، إن أخذته التفصيلات، بعيداً عنه!

وجاء التقديم، للحلقة الأخيرة، بلسان فيروز، في صيغة استطلاع لرأي الكاتب، حول مجموعة من القضايا التي تشغل الساحتين العربية والدولية. وبالتالي فإن تقديم هيكل، عبر قناة "الجزيرة" لم يتخذ إطاراً يضفي عليه طابع البرنامج الشهري، وإن كانت هناك "ترويسة" لبرنامج شهري. ولم يتضمن العرض الأخير، إشارة، حول لقاء جديد، في الشهر المقبل. في "الحوار" بدأت فيروز، مثلما يحب هيكل أن يبدأ: كيف تبدو صورة العالم، في هذه اللحظات؟! رد "الضيف" بأن السؤال "صعب شوية" لكنه سيحاول تلخيص الإجابة، فبدأ من أيام الحرب الباردة، واستعاد ما قاله له رئيس وزراء الصين، شوين لاي، وعادت أجزاء من روايات مكتوبة سابقاً، لتُروى بلهجة هي خليط من العامية والفصحى التلقائية، لكنها، على الرغم من التكرار الذي فيها، جاءت لتقدم الى دائرة أوسع من الناس، الذين لم يقرأوا هيكل، آراء وتوصيفات مهمة، للسياسة الدولية، في زمن مضى!

كان هيكل يتوجه الى فيروز لتذكيرها بأيام بريجنيف، في الاتحاد السوفياتي، فيما هي ـ على صعيد استذكار المعايشة الشخصية ـ لا تستطيع استذكار هواري بومدين، لكن القول الموجه لها، كان موجها لما يستذكرون. وبعد شوط طويل من الكلام، لم يكن سيقطعه شيء سوى فيروز أو الفاصل؛ تدخلت المذيعة بنصف جملة:" تتحدث استاذ هيكل عن جمود.." فقاطعها مستفسراً :"عن..؟!" فاستجمعت عناصر سؤالها لتقول: "عن جمود في العالم العربي، وتقصد المنطقة إجمالاً.. وإذا ما خصصنا ودخلنا في قضايانا العربية، هل الوضع في لبنان أيضاً، يمكن تشخيصه بهذا المنظور". وهنا انتقلت الفيروز الى الجزء التالي من فقرات الحديث: لبنان بشكل عام، ثم اغتيال رفيق الحريري، ثم مواقف المعارضة، والقرار 1559 ثم الأطراف الأخرى، ليستطرد هيكل في حديث هيكلي مألوف، يقول هو نفسه، أنه لا يستوي بغير الدخول الى بعض الموضوعات السياسية، من الزاوية الإنسانية والشخصية!

أحاديث محمد حسنين هيكل، عبر شاشة "الجزيرة" تسهم في صنع وقفة متروية، للمشتغلين في السياسة، أمام مغزى كل ما يجري. لكن الرجل، يتقطع كثيراً في الحديث، كمن يتخيّر بين رزمة كبيرة، من الآفكار والانطباعات. وأحياناً، ما أن يبدأ بكلمة من إحداها، حتى يقطعها ويستبدلها بأخرى، مع حركة أو لفظة، تدل على الحيرة، الأمر الذي يدفع بعض المشاهدين، الى تعليل ذلك التقطع، بتقدم الرجل في السن، لا سيما عندما يبتعد عن السياق. لكن الأمر، ليس كذلك، خصوصاً وأن هيكل لم يفقد قدرته على اختيار ألفاظه التي يتعمد أن تكون مختزلة وفي حاجة الى شرح. فزوجة المرحوم الحريري، هي "ست .. بديعة" هكذا باختصار، لكي يعطيها اللفظ الذي ترتاح اليه، في السياق الذي ربما لا ترتاح اليه!

قناة "الحرة" وبعض ضيوفها

في برامجها الحوارية، اعتمدت قناة "الحرة" بعض الأسماء الفلسطينية، التي تبُت في الشأن العربي العام. ومن بين هؤلاء أحمد أبو مطر، وشاكر النابلسي. وشارك الاثنان، في حوار حول جامعة الدول العربية، لمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسها. وبدا أن الضيفين، يحملان وجهات نظر رافضة للتجربة السياسية العربية، لكنهما، وإن كان لديهما كثير من الحق فيما يقولان، إلا أنهما يقدمان وجهات نظرهما، بطريقة بدت غاية في الحدّة وفي التأييد للسياسة الأمريكية، بجريرة الديكتاورية والتخلف وغير ذلك من مثالب النظام العربي. وبدا شاكر النابلسي، على غير إحاطة بتاريخ المؤسسة التي يشارك في الحوار عنها، أما أحمد مطر فقد أطلق زفراته ذات التعاريج الموحية بمواقف شديدة الكراهية للخط العربي القومي وانظمته، وبالطبع للخط الإسلامي من بعده، وحتى لقناعات الناس، التي هي حقهم الديموقراطي، في تحديدهم لآمالهم وطموحاتهم. وبدا من خلال تلك المواقف، أن هناك افتعال للحدة، غرضه تطيير رسائل والبحث عن أدوار، يشجع على نيلها، السياق الجديد للولايات المتحدة، والتداعيات المستجدة في الوطن العربي. فالنابلسي، وضع أمامه قائمة بأسماء الأمناء العامين لجامعة الدول العربية، كان يقرأ منها كلما أستدعى الأمر ذلك، وتكرر قوله، أن الأمين العام الأول، هو عبد الوهاب عزام، بينما هو عبد الرحمن عزام، ولم يصحح له شريكه، وسقط أحد الأمناء العامين من القائمة، الأمر الذي يشرح ضعف إطلاع الضيفين على الموضوع، وأن المجيء بهما، على شاشة "الحرة" إنما كان بشفاعة آرائهما السياسية، المتطابقة مع آراء مقدم برنامج "المجلس" الذي بدا راغباً في تسخيف كل حيثيات التاريخ المعاصر، وشطب أية ومضة أو حسنة منه!

وإن كان شاكر النابلسي، الأكثر استفزازاً لمشاعر حتى من يشاطره الرأي في حلقة تلفزيونية، حرُ في التعبير عن آرائه، إلا أن "الحرة" في حاجة الى تفسير المعايير التي تنتقي على أساسها الضيوف الذين يقدمون للمشاهد العربي مثل هذه الوجبات العجيبة من الآراء؟ وهل هم من المسهمين في أي جهد بحثي أو أكاديمي محترم، يُشار اليه بالبنان، أم أنهم يمثلون تيارات أو شرائح من النخبة العربية أو الفلسطينية؟ فعلى مستوى جامعة الدول العربية ـ مثلاً ـ ليس هناك أدنى شك، في أن هذه المؤسسة، حملت منذ ولادتها، سمات الممانعة الأكيدة، للوحدة أو للتكامل، من قِبل حلقات النظام العربي، وأنها كانت تجسيداً لصيغة المنتدى السياسي غير المُلزم، في قراراته وتوصياته. لكن جامعة الدول العربية، ليست هي الخائبة بحد ذاتها، باعتبار أن الخيبة، تكمن في صُلب النُخب الحاكمة، التي امتشقت أنبل الشعارات، ولم تعمل لها، ليتعين على التاريخ، وعلى الرأي الموضوعي والعلمي، أن يُفرّق بين هذه الأنظمة وشعاراتها، لا أن تكون خيباتها، سبباً في تسخيف كل شيىء في ضمير وتطلعات الأمة‍. وهذا ما أرادت أن تعرضه "الحرة" واختارت ضيوفها على أساسه، وكان "جميلاً" بالنسبة لقناة الكونغرس الأمريكي، أن يكونوا من فلسطينيي الأصل!

فنحن نعيش في عصر تعمل فيه، قوى كثيرة، على تحطيم عوامل المناعة، في جسد الأمة وقلبها، من خلال بث السموم، تحت عناوين الليبرالية والديموقراطية والحداثة والفطنة، وبدت "الحرة" مشروعاً لنقل البيئات الشاذة، ولتقطيع الأواصر بين الناس في الوطن العربي، وزرع بذور الشك، وغرس بذور الفتنة، مستعينة ببعض التغطية وببعض الفقرات التي تقدم أجزاء متناثرة من الحقيقة، تتعمد أن تعالج استخلاصاتها، بطريقة تشوّه التاريخ والحقيقة. وبينما تتولى فضائيات غنائية، وأخرى جنسية، مهمة تحقيق التفسخ الأخلاقي، والتسلل الى الناشئة، تتجه فضائية "الحرة" وبعض الفضائيات الأخرى، الى تحقيق التفسخ الفكري، وتمزيق النسيج المجتمعي في الأقطار العربية، والى تضييق الفجوة النفسية، بين الإنسان ـ الضحية والسياسات الأمريكية، والمشروع الصهيوني الاستيطاني الفاجر وجوداًً وسلوكاً!

اللبنانيون والموسيقى الغربية

في هذا الخضم السياسي اللبناني، المنفتح على احتمالات شتى، تتجه محطات تلفزة لبنانية، الى تكثيف جرعات الموسيقى الغربية، المصورة، وتقدم فرقاً لبنانية الأصل، أمريكية الأداء، مثل فرقة نادي "نوفا" التي ينضوي تحت رايتها مسلمون ومسيحيون، يعكسون رغبة الشرائح الراغبة في الهروب الى الغرب، لتصبح جزءاً منه. ويقول القائمون على هذه البرامج، أن الموسيقى العربية فقدت سحرها، الأمر الذي جعل بعض المتمسكين والمتمسكات بالموسيقى العربية، يهربون من لبنان الى مصر وغيرها. ويرى هؤلاء، أن الموسيقى الغربية، هي وسيلة لمغادرة ما هو سائد. فلم تعد تعجبهم كلمات الحب العربية، وما وصلت اليه، أغنياتها، من توغل في المعاني الحسيّة، للعلاقة بين الجنسين. ورأوا أن الأغنيات العربية، بدت ذات معاني ساذجة ولا تلبي الغرض، تماماً مثلما ينظر أنصار الأغنية الحديثة، لمعاني وألفاظ الأغنيات القديمة المحتشمة، التي تحدثت عن الصبّ (أي العاشق) الذي "تفضحه عيونه". ولم يكتف المندفعون في اتجاه تعبيرات حسيةّ، عن العلاقة بين حبيبين، بما أسهمت به بعض الأصوات القديمة الجديدة، من "تطوير" لهذه التعبيرات، فأغرقت الشاشات بأغنيات "الفيديو كليب" المصورة، التي تظهر فيها الفتيات بملابس مثيرة. وقدمت هذه الأغنيات، على المسارح، وفي الحفلات، وعلى شاشات الفضائيات والأرضيات، لعلها تحقق اكتفاءً ذاتياً للراغبين في هذا اللون من المتعة، لكن بعض هؤلاء، في لبنان وفي واحات عربية، ذات لمسات لبنانية وغربية، بدأوا في التوجه الى الموسيقى الغربية، لحناً وكلمات، في تزامن مع خطوط سياسية واجتماعية، بدت لا تستحي من طلب الأجنبي، وظنت أن فردوسها المستقبلي، يتحقق من خلاله، بصرف النظر عن الشواهد المضادة، التي دلت على غرق الواهمين، في مستنقعات الفقر والقهر، والظلم الاجتماعي وفقدان الحرية‍‍‍!

ليست هناك تعليقات: