الجمعة، يونيو 26

رسائل استعجالية الى ابرهة قسنطينة


21 ألف عائلة بقسنطينة بيوتها مقابر•• حياتها جحيم•• وملفاتها في سجون البيروقراطية



إستفادت، ولاية قسنطينة، في السنوات الأخيرة، من عديد المشاريع التنموية التي كان لها دور بارز وبالغ في اعتلائها مرتبة الولاية المتحضرة، بعد أن مرت بمرحلة ركود عصفت بسمعتها العالمية·· إلا أن توفر، عاصمة الشرق، على أكثـر من 200 حي قصديري كان له الأثر البالغ في تشويه صورة المدينة
التي تستمر بها معاناة حوالي 20 ألف عائلة، يعيش أفرادها في جحيم، بعد أن قضوا أكثـر من 40 سنة في بيوت تشبه المقابر، والمعاناة مسمرة ولم تنته بعد···

قسنطينة التي استفادت من مشروعي مدينتين جديدتين، هما على التوالي، علي منجلي وماسينيسا، فعشرات الآلاف من البيوت التي شيدت بالمدينتين لم تكن كافية للقضاء على ما يسمى بـ ''مدن الصفيح'' حيث أنه، ورغم توزيع حوالي 30 ألف مسكن من مختلف الأنواع خلال الـ 10 سنوات الماضية، كانت حصة العائلات القاطنة بالبيوت القصديرية ضئيلة حيث استفادت حوالي 5000 عائلة فقط، على مستوى 12 بلدية، في حين لا يزال ينتشر بها ما يربو عن 200 حي قصديري، يتطلب إزالتها توفير أكثر من 21 ألف مسكن، قصد ترحيل سكانها المقدر عددهم بحوالي 350 ألف نسمة إلى سكنات جديدة تضع حدا لحياة الذل والمعاناة التي تجرعوا مرارتها لمدة قاربت الـ 50 سنة·
17 ألف عائلة كبر أفرادها في أحضان ''الترنيت''·· الحفرة والتهميش
بالرغم من أن ظاهرة البيوت القصديرية لا تقتصر على قسنطينة، المدينة التي تتوفر على أكثر من 20 ألف منها، تتوزع على 214 حيا، إلا أن الملفت للإنتباه بالولاية هو أنها استفادت من مدينتين جديدتين شيدت بهما حوالي 50 ألف وحدة سكنة يسكنها أزيد من 300 ألف نسمة فقط من مجموع 2,1 مليون نسمة وهو عدد هائل يمثل ثلث سكان المدينة التي أصبحت القديمة منها تحتضن 40 بالمئة فقط منهم يسكنون بيوتا هشة وغير صالحة للسكن، أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها ''مقابر'' حتى هنا كل شي 15% منهم أمر عادي لأن الظاهرة أكل الدهر عليها وشرب، لكن الغريب هو التهميش الذي يتعرض له سكان ''مدن الصفيح''، فالسلطات المحلية لا تذكرهم إلا في المناسبات، وبات همها الوحيد مشروع تحديث المدينة وإخلاء المناطق الاستراتيجية الصالحة لتشييد هو سؤال لم نجد له جواب مقنع عند المسؤولين، وحي باردو خير مثال لماذا كل هذا··؟ جميعهم يردد عبارة ''تحديث المدينة أولوية حتمية وتخليصها من أحياء كباردو، رومانيا وجنان التشينة يعد إنجاز لم يسبق له مثيل، أما الأحياء القصديرية فالأكيد،أنه سيحدد موعد مستقبلا للتخلص منها''، لكن متى··؟ أه·· الموعد يبقى مجرد وعود تخلف في كل مرة بينما معاناة 17 ألف عائلة، دائما، مستمرة، ومثلما صبروا لأكثر من 30 سنة، لا بأس أن ينتظروا لـ 5 أو 10 سنوات أخرى، هي إذا أكثر من 30 سنة قضتها أجيال من سكان ''مدن الصفيح'' في المعاناة وحياة الهوان، يضاف إليها الحفرة والتهميش، ناهيك عن الأمراض والأوبئة، وحتى مشروع المليون سكن الذي انتظروه بفارغ الصبر، وعلى أحر من الجمر، لم يكن لهم حظ فيه، وبالتالي، عليهم انتظار مشروع المليون الثاني·
مشروع تحضير المدينة·· كابوس آتى على حلم سكان الأحياء القصديرية في الحصول على مساكن
''ننتظر منذ سنوات دورنا في الترحيل والإلتحاق بمساكن جديدة لكن··'' هي عبارة استقبلتنا، على وقعها، كل العائلات التي زرناها بحي ''شعباني'' الذي يضم أكثر من 400 عائلة تسكن بيوتا قصديرية، وحي ''فج الريح'' أكبر تجمع سكاني قصديري بالولاية، كونه يحتوي على أكثر من 1000 بيت يسكنه أكثر من 6 آلاف نسمة منذ الإستقلال·· الحلم تبخر والوعود التي كانت تطلق بقيت مجرد حبر على ورق·· إنه مشروع تحديث المدينة الذي بات سكان الأحياء القصديرية يلعنونه، لأنه حرمهم من فرصة العيش الكريم والحصول على بيت بجداران من إسمنت بدل جدران الصفيح والقصدير وسقف حقيقي بدل سقف ''الترنيت''، كيف لا؟ وسكان باردو وجنان التشينة رُحِّلوا على الرغم من رفض الكثيرين منهم للعملية، ونحن الذين نطالب ونترجى، نوضع في خانة الإنتظار الذي سيطول لأن السلطات المحلية شرعت، الأسبوع الجاري، في تحضير العتاد والعدة لترحيل سكان أحياء الصنوبر وبن تليس في إطار مشروع تحضير المدينة ما يعني سنوات أخرى من الإنتظار··
وضع كارثي تعيشه العائلات في بيوت القصدير
لأن الوضعية الصحية والاجتماعية التي تعيشها العائلات القاطنة بالأحياء القصديرية، مزرية وتفتقر لأدنى الشروط، يتضح لزائرها، من النظرة الأولى، أن الوضع كارثي، وبغض النظر عن حر الصيف وقر الشتاء وغياب التهوية وانتشارالروائح الكريهة والإنتشار الواسع لكل أنواع الحشرات والفئران، ومن العائلات من يصل عدد أفرادها إلى أكثر من 10 يسكنون جميعهم في غرفة واحدة، ولنا أن نتصور الوضعية والحالة المزرية التي تعيشها عائلات، ''عمي جعفر'' البالغ من العمر 60 سنة، هو رب أسرة تتكون من 9 أفراد قال ''منذ الإستقلال وأنا أسكن في هذا البيت، مبني بصفائح القصدير، ويتكون من غرفتين، لقد زارت لجان الإحصاء الحي، أكثر من 15 مرة، وفي كل مرة يحدد الولاة الذين يتداولون على هرم السلطة بالولاية، موعدا لترحيلنا، وإلى غاية اليوم، وعلى مدار 45 سنة، وأنا وعائلتي نعيش في ما تشاهدون، حاليا، ـ قطعنا لِياس ـ في الحصول على سكن لأنه ما دام من مجموع مليون سكن ما طَارلنا والو، يعني أن معاناتنا ستبقى مستمرة وبما أنه لا سلطة لنا، نوكلوا ربي''·
60% من مجموع المرضى بالولاية من سكان القصدير
60% من مجموع المرضى بالولاية ينحدرون من الأحياء القصديرية وغير الصالحة للسكن، هو رقم مخيف ومهول، حيث أنه، وبينما لا يمثل سكان مدن الصفيح والبنايات غير الصالحة للسكن سوى 15 % من سكان قسنطينة، هم يحدثون الإستثناء لكون حوالي 11 ألف منهم مرضى ومصابون بأمراض مختلفة، يأتي على رأسها الربو والجرب، وذلك، حسب ما ذكرته مصادر طبية بالمستشفى الجامعي ابن باديس لـ ''الجزائر نيوز'' استنادا لدراسة قامت بها مجموعة من الأخصائيين الاجتماعيين والنفسانيين، والتي أضافت بأنه بينما تسجل حالات الجرب على مدار السنة، بالاضافة إلى ظهور حالات يومية لمرضى الربو، يعاني السكان كذلك من التسممات الغذائية الناتجة عن انعدام أدنى شروط النظافة والحفظ الصحي في ظل الانتشار الواسع والكبير للفئران التي أصبحت جزءً من أفراد العائلات، خاصة في فصل الصيف··
أضعف نسب التحصيل الدراسي·· وأكبر معدلات الإجرام ينفرد بها أطفال مدن الصفيح
بالرغم من أن سكان مدن الصفائح يعدون الفئة الأكثر تهميشا في المجتمع، إلا أنهم يحدثون الاستثناء في كثير من المجالات، وإذا كانت الصحية منها تأتي في المقدمة، فأطفال الأحياء القصديرية يأتون، كذلك، في مجالي الإنحراف وضعف التحصيل العلمي، ولأنه توجد إحصاءات دقيقة يستند إليها في تبيان المنحى الخطير للظاهرتين، فقد وقفنا، خلال الجولة الميدانية التي قامت بها ''الجزائر نيوز'' ببعض الأحياء القصديرية بقسنطينة، على أنه يوجد، على الأقل، في كل عائلة طفل أو إثنين توقفا عن الدراسة في سن مبكرة، وأن الكثير من الشباب، في هذه الأحياء، دخلوا السجن وهم من مسبوقين قضائيا·· ''الحاجة عائشة''، وفي حديثها عن الظاهرة قالت: ''كيف يمكن لأطفال يعيشون في ظروف كالتي تشاهدونها أن يدرسوا ويتحصلوا على الشهادات؟ من المستحيل!! فلا بد أن يكون سلوك الأطفال والشباب، كذلك، وحتى الصالح منهم يتحول إلى مجرم، لأن كل الظروف المنتشرة تساعد على ذلك''···
136 بناية آيلة للسقوط بالمدينة القديمة
أحصى، مكتب دراسات دولي مختص، حوالي 140 بناية مهددة بالانهيار على رؤوس ساكنيها، بالمدينة القديمة، بقسنطينة، في حين، تضمن التقرير الذي رفعه خبراء دوليون من إسبانيا للسلطات المحلية، وجوب الإخلاء الفوري للبنايات القديمة المتواجدة بكل من أحياء ''السويقة'' و''القصبة'' و''ملاح سليمان'' من السكان·
كشف، المتحدث باسم مكتب الدراسات المكلف بمخطط ترميم المدينة القديمة بقسنطينة، أنه أحصى في مرحلة التشخيص أزيد من 575 بناية تتطلب إعادة الترميم، بينما قدر عدد البنايات التي رفض أصحابها تقديم معلومات بـ 90 بناية، هذا وجاء في الدراسة التي أعدها مكتب الدراسات الدولي بأن 90 % من البنايات المهددة بالسقوط والمصنفة في خانة التراث القديم بقسنطينة، هي ملك لخواص يستغلونها في الكراء، في حين لا يسكن البنايات سوى 10% من ملاكها، الشيء الذي تسبب في تعرضها إلى التدهور، وقد جاء في الدراسة التي أنجزت بمشاركة مكتب دراسات محلي أنه، في الوقت الذي يعمد بعض السكان إلى هدم الجدران لاكتساب صفة المنكوب بهدف الحصول على سكن، يقوم آخرون بتشويه الواجهات من خلال إدخال بعض التعديلات عليها بغرض التوسع، وهو أمر مرفوض وغير قانوني، لأنه يمس بمعالم أثرية محفوظة ومصنفة عالميا·
يضاف ذلك الإنفجار الديموغرافي والتمركز الكبير للنشاط الإقتصادي غير القانوني بالمدينة القديمة، الشيء الذي تسبب في تغيير طابعها التراثي، وتحولها إلى سوق تجاري· وقد جاء على لسان ''سارجيو بلانكو'' المكلف بالعلاقات على مستوى سفارة إسبانيا بالجزائر ومدير مكتب الدراسات المختص على هامش اليوم الدراسي حول ترميم القطاع المحفوظ بالجزائر عامة، وقسنطينة خاصة، أن مشروع ترميم المدينة القديمة ''سيرتا'' الذي تجاوز عمره الخمسين سنة دون أن يجسد على أرض الواقع، سيدخل مرحلته العملية في إطار مخطط استعجالي، موضحا بأن مشكل الإمكانيات وضعف الميزانيات ونقص المختصين المحليين سيكون من بين أهم العوائق التي من شأنها أن تعطل العملية، وعليه قررت السلطات المحلية لولاية قسنطينة إقحام خبراء دوليين يشرفون على العملية، يقودهم مكتب الدراسات الإسباني ''ريابيماد'' المختص في ترميم وإعادة تأهيل المدن القديمة وله مشاريع على مستوى 15 دولة يؤطرها 100 خبير دولي وفق عقود استشارة وخبرة مع اليونيسكو والإتحاد الأوروبي·
21 ألف عائلة يا بوضياف··!
مسؤولية كبيرة، ومشروع ضخم، ذلك الذي يجب أن يسطر للتخلص من 21 ألف قبر، تسكنه 16 عائلة، ومسؤولية أكبر، تلك التي يجب تحملها لرفع الغبن والعناء وحياة الذل عن أفراد همهم الوحيد التخلص من القصدير، فما أنتم فاعلون؟! والوعود مجرد حبر على ورق· وأن نتحدث عن 30 ألف مسكن جديد بقسنطينة وزعت، وحصة عائلات القصدير 5000 فقط، فهذا أمر مرفوض، لأنها الأولى وصاحبة الحق· وأن نصنف مشروع تحديث المدينة كأولوية حتمية ونضع سكان ذاقوا من المرارة وتجرعوا من الذل ما يكفي على مدار 50 سنة، في قائمة الإنتظار، أمر مرفوض، كذلك، لأنهم يبقون الأولى دائما·· وأين هو المعنى الحقيقي لـ ''سيرتا'' المتحضرة ببروج عالية تطل على منازل من قصدير مهترئ، يشوه صورتها، فهذا أمر مرفوض، كذلك·· وأن ننجز سكنات، ولا يكون لسكان ''مدن الصفيح'' حظ فيها، أمر غير منطقي لأنها في بادئ الأمر كانت موجهة لهم·· وأن نملك من الإحتياطي الملايير وآلاف الجزائريين يدفنون أحياء، هو أمر مرفوض·· وأن ننجز مدينتين جديدتين بقسنطينة لم تعد لهما القدرة على استيعاب المزيد من البنايات، والولاية تتوفر على 214 حيا قصديريا أمر يدعو للإستغراب···! هي إذا، مفارقات يعرفها كل الجزائريين لكن الساكنين في البيوت القصديرية يعيشونها ويعانون منها وينتظرون من يخلصهم من عنائها، فهل من مجيب···؟

تحقيق: عبد الكريم لونيس
التعليقات (1)

...أرسلت بواسطة نورالدين بوكعباش , 25 يونيو 2009
ان مدينة قسنطينة اختصرا في حي باردو فهل اخطا بوتفليقة في تعين الوالي ام ام ان ولاية قسنطينة لاتتجاوز حدود المنظر الجميل نورالدين بوكعباش قسنطينة

الفنان التشكيلي أحمد بن يحي''أرجو من الرئيس أن ينتقي بدقة من يعينه لتسيير قسنطينة''
كان أول فضاء زرته في منزل أحمد بن يحي ورشة العمل حيث علقت لوحات فنية بعضها مكتمل والآخر في طور الإنجاز. على بعض الرفوف وفوق أرضية الورشة كتب ومجلات ومطويات كثيرة متناثرة هنا وهناك ''أنظر هذه دعوة من متحف بيكاسو الكبير، لكنني لا أتلقى كثيرا من الدعوات هنا في بلادي حيث أعيش''. وأنا أتأمل بعض اللوحات، بادرني أحمد، وكأنه أحس بسؤال يجول في خاطري ''كما تعلم قررت التوقف عن العمل منذ سنوات طويلة، وامتهنت الفلاحة بسبب عوامل كثيرة تعود للمحيط العدواني والتهميش الذي تعرضت له، وأيضا بسبب الأوضاع التي مرت بها البلاد وجعلتنا نهتم فقط بالمقاومة والحفاظ على أرواحنا. بعد إنجاز هذا المسكن وإستقراري فيه أحسست برغبة في الحركة والعمل، وانطلقت منذ أشهر، ولو أنني في الواقع لم أتوقف لأنني كنت دائما أعمل في رأسي''.معرض من مائة لوحة يكتب نصوصه رشيد بوجدرةهذا الميلاد الثاني في الحياة الفنية لأحمد بن يحي شجعه كثيرا الكاتب الكبير رشيد بوجدرة الذي رأى بعض لوحاته وحثه على الإسراع في العمل لتنظيم معرض يتكفل بكتابة التعليق عليه ''هدفي أنجاز مائة لوحة، يتمنى رشيد أن نقيم لها معرضا بأحد المتاحف الجزائرية الكبرى، وأنا أطمح لعرضها أيضا بأحد المتاحف العالمية لأرى ماذا يساوي فنان جزائري أمام الفن العالمي''. الطموح للعرض في الخارج يفسره أحمد بن يحي بكون الثقافة في العالم صارت بلا حدود مع تطور وسائل الإتصال ''لكن الإبداع يجب أن يكون أصيلا، لأن الثقافة العالمية تتكون من ثراء وتنوع ثقافات الشعوب''، وهو يريد أن يعرف العالم بما ينجز في الجزائر لأنه ليس أقل شأنا مما ينجز هناك وراء البحر، ''في فرنسا أكبر الفنانين من أصل جزائري، الطليعة الفنية من أصول جزائرية، ونحن تخرجنا من أكبر المدارس والمعاهد في العالم، كنا هناك أحسن من الفرنسيين، كنا متفوقين، أنا تخرجت بتفوق على يد سيزار أحد أكبر نحاتي العالم في القرن العشرين، وكنت أحد أمراء المدرسة العليا للفنون الجميلة في باريس''. وبمرارة كبير يتحدث عن طموحاته ''تمنيت أن أنجز أعمالا تخلد ثورتنا التحريرية وكبار رجالنا وفنانينا، لكنني لم أتمكن من ذلك، همشوني وأقصاني الإتحاد الوطني للفنون التشكيلية من الحياة الفنية والثقافية، ضيعتني الجزائر مثلما ضيعت الآلاف من أمثالي الذين يصنعون اليوم سعادة أوروبا وأمريكا وحتى المشرق العربي، يجب أن نبحث عن مكمن الخلل''.عندما خرجنا من الورشة وجلسنا في الصالون أطلت علينا زوجته بصينية شاي، لكنها إنسحبت بسرعة حتى لا تزعجنا أو تقطع حبل الأفكار، وقبل أن أسترسل في أسئلتي بادرني بالقول '' أتعرف أنني كثيرا ما أتساءل مع نفسي إن كنت قد أحسنت الإختيار بالبقاء هنا (جزائري ونغانن) دون أن أحقق شيئا، أم كان علي أن أغادر وأعيش في الغربة، وفي هذه الحالة كنت سأترك ورائي أشياء بحجم ما تركه رشيد بوجدرة، أحلام مستغانمي، كاتب ياسين ومالك حداد وكلهم أصدقائي منذ الشباب''.ما أنجز في رياض الفتح عبارة عن مدخنةعاد بنا الحديث إلى سنوات السبعينات وطموح بن يحي آنذاك لإنجاز عمل كبير عن الثورة التحريرية، وروى لي حضوره سنة 1972لتدشين نصب تذكاري أنجزه إستاذه سيزار بطلب من رئيس بلدية مرسيليا تخليدا لذكرى فرنسيي الجزائر، وكان النصب عبارة عن مروحة سفينة منحرفة قليلا نحو الجزائر ''قلت لأستاذي سيزار آنذاك، سأرد عليك من الجهة الأخرى بنصب فني سلمي يكون همزة وصل بين الضفتين''. ويوضح بخصوص هذا الإنجاز أنه كان يريد بناء ''قرية الأمة والهوية والثقافة'' موقعها بسيدي فرج في مكان إنزال قوات الإحتلال سنة 1830 وتكون تحت تصرف المبدعين في كل المجالات، يعلوها نصب تذكاري فني يخلد ثورة التحرير.ويذكر أنه تمكن سنة 1975 بفضل العقيد محمد الصالح يحياوي من لقاء الرئيس الراحل هواري بومدين الذي وافق مبدئيا وكلف الأمين العام لوزارة الدفاع بالمتابعة، وحضر اللقاء أيضا عقيد آخر أصبح بعد سنوات رئيسا للجمهورية، لكن ظهور قضية الصحراء الغربية وتطوراتها ثم وفاة بومدين أوقفت الإتصالات. ويضيف بأسف كبير ''بعد سنوات قرروا إنجاز رياض الفتح دون الإتصال بي، بل إتصلوا بالبولونيين الذين أنجزوا المدخنة الحالية والمركز التجاري''. قسنطينة مهد لكل الحضارات الإنسانية وكل فنون العمارةتشكل مدينة قسنطينة أحد الإنشغالات الرئيسية للفنان أحمد بن يحي، وهو ساخط على الكثير من المشاريع التي تنجز بها ''أنا لست ضد الوالي لكنني ضد ما يضر قسنطينة، لأن هذا الوالي سيذهب، ومن يأتي بعده أيضا سيذهب مثلما ذهب الذين صرفوا مئات الملايين في تهديم الكازينو وحرموا المدينة من بناية رائعة''. ويعتبر الدفاع عن المدينة أحد نشاطاته منذ 1962حتى الآن كما يقول، ويذكر بصفة خاصة تأسيسه رفقة مجموعة من المواطنين لجمعية الدفاع عن الصخر العتيق سنة 1989 للوقوف في وجه محاولة تهديم المدينة القديمة ''السويقة'' وإنجاز عمارات على أرضيتها. ويذكر في هذا الشأن أن الشروع في العملية وتهديم 38 بناية، دفعه لمراسلة رئاسة الجمهورية التي أوفدت خبيرين لاحظا حجم الكارثة وتوقفت على أثر ذلك عملية التهديم في فيفري .2005يذكر أحمد أن الأمم المتحدة عندما إختارت سنة 2005 من كل قارة مدينة لابد من الحفاظ عليها، إختارت من إفريقيا كلها قسنطينة ''أتعلم لماذا؟ لأن الحضارات الإنسانية وكل فنون العمارة متواجدة بها، وهي بذلك فريدة من نوعها، وعليه لا يجوز لأي مسؤول يعين على رأسها أن يفعل ما يشاء... لا يا سيدي هذه المدينة لها هويتها وتاريخها الذي يعود إلى آلاف السنين''. وبرأيه فإن شخصا واحدا لا يستطيع وضع برنامج لهذه المدينة بل يجب تشكيل فريق متعدد الإختصاصات، مهندسين معماريين، خبراء في العمران، فنانين، شعراء، علماء إجتماع ومواطنين. وهي حسبه ليست مدينة صعبة لكنها ترفض الموت، لذلك ''أرجو من رئيس الجمهورية أن يختار بدقة من يعينه لتسيير قسنطينة. حتى الملك ماسينيسا أزعجوه وحجبوا عنه الرؤيةيتحدث أحمد بكثير من الإستياء عن بعض المنجزات التي شوهت مناظر قسنطينة ومعالمها الأثرية، ويذكر على وجه الخصوص ضريح ''ماسينيسا'' الواقع في مرتفع بالخروب يطل على كل قسنطينة ''أحاطوه بسور مثل فيلا بذوق سيء وبنوا قوس نصر بدون معنى، أزعجوا الملك النوميدي الكبير وحجبوا عنه الرؤية، وكان يفترض أن لا ينجز هناك سوى ممر لتمكين الناس من الوصول، ويترك الموقع كما هو للصمت والتأمل. وحتى الأحجار التي سقطت من الضريح والتي كان من المفروض ترقيمها وتصويرها لتمكين المهندسين وعلماء الآثار من الترميم ''رموها في فوضى هنا وهناك حتى يمر الرئيس، إنهم لا يعملون من أجل الذاكرة ولكن من أجل الرئيس''.ومن الكوارث التي شهدتها قسنطينة الفندق الذي يجري إنجازه بوسط المدينة، لأنه، في رأيه لا يكاد يرقى إلى مستوى فنادق الطرق السريعة في أوروبا، وأكثر من ذلك أنجز فوق حديقة من المفروض غير قابلة للبيع أو التنازل أو التحويل، إضافة لكونه جدار أغلق الرؤية وقضى على أحد المناظر الرائعة بالمدينة. ويذكر بن يحي أن مورينو (رئيس البلدية في العهد الإستعماري) عندما بنى المدينة الإدارية في الكدية أنجز بينها وبين المدينة القديمة حدائق حتى يحافظ على الرؤية، ولذلك فهي مدينة مناظر وشرفات، أمام مقر البلدية، قرب الأمن الولائي وثانوية الحرية، مقابل صندوق الضمان الإجتماعي، في شارع عواطي مصطفى (طريق سطيف) كلها شرفات، وحتى في مدخل المنظر الجميل (لافيجري) عندما بنى الفرنسيون العمارات تركوها مفتوحة من الأسفل لتمكين الرؤية. مدينة تهدم وأشجار تقتلعمن أجل الترامواييعتبر أحمد أن تهديم المدينة وقلع الأشجار من أجل الترامواي غير مقبول ''كل شيء غلط لا يمكن إخضاع المدينة للترمواي، كنت أتمنى أن تفتح النقاشات، نحن سكان هذه المدينة، ومسؤولوها لا يحبونها أكثر منا، إنها ليست في حاجة إلى ترامواي''. ويتساءل في هذا الصدد عن معنى إنجاز مدن جديدة إذا لم يكن الهدف التخفيف على القديمة ''أما أن نبنى مدن مراقد ونبقي على إرتباط المواطن بالمدينة القديمة، ثم نبرمج ترامواي لنرفع عدد الوافدين إليها من عشرة إلى ألف إنه التناقض بعينه، ثم أن وسط المدينة الآن مختنق فكيف يصبح مع الترامواي''. ويعرب عن سخطه على الكثير من الإنجازات منها تهيئة محطة كركري، موقع إنجاز مدرسة الفون الجميلة، الأقواس المشيدة في جنان الزيتون، مؤكدا أن ''قسنطينة لا يجب أن تكون مثلما يراها الرئيس أو الوالي أو أحمد بن يحي بل مثلما تركها لنا الأجداد البناؤون وأيضا ''مورينو'' رئيس البلدية في العهد الإستعماري، مدينة بأصالتها التي نحيلها على الضوء ونصنع منها العصرنة والحداثة''. ويصيح في الختام ''يريدون أن يجعلوا كل المدن متشابهة بالعمارات والأبراج.... لا ياسيدي قسنطينة يجب أن تبقى مشابهة لقسنطينة وليس لأي مدينة أخرى''. 

ليست هناك تعليقات: