الخميس، أكتوبر 12

القيادة المفرنسة ضيّعت الشعب بعد أن ضيّعت الثورة


الــرولطـــاهر وطّار لـ>المحقــق ائي ا<
القيادة المفرنسة ضيّعت الشعب بعد أن ضيّعت الثورة
مجّدت الاشتراكية، وكتبت عن الظاهرة الإسلامية كتقدّمي
جرى الحوار مع الروائي الطاهر وطّار إلي فترتين·· كثيرا ما كان يرد خلال الحديث على أحد عاملي أو عاملات الجاحظية·· وبالموازاة كان يرد على اتصالات هاتفية كثيرة تحوّل له قبل أن يحمل نفسه إلى عيادة الطبيب من أجل مراقبة بعض الآلام التي تستقر بظهره وعنقه··، قرّرت أن أؤجل باقي الحوار إلى يوم آخر·· اتصلت به بعد منتصف ذاك اليوم لأسأله عن صحتّه، فطلب منّي أن نكمل الحديث، ضاربا بتلك الآلام عرض الحائط، فأكملت ما كان عندي من استفسارات·· وردّ هو بما كان عنده من آلام !
حاورته: نورالهدى غولي
أعلنتم قبل فترة عن جائزة الهاشمي سعيداني للرواية·· كيف حدّدت الشروط، ولماذا الهاشمي بالذّات؟
لقد ضحيت لمدة 18 سنة.. كل يوم في هذه الجاحظية من أجل الثقافة، وبعد أن تجمّع لي مبلغ من حقوق التأليف، ومن جائزة الشارقة، التي تشرف عليها اليونسكو، قررت أن استثمرها ثقافيا، مع أنه لدي حساسية طوال حياتي من عائدات حقوق التأليف .
أذكر جيدا أنني في الستينات، عندما طبع لي عملان، هما "الهارب" و"الطعنات"، لم >آكل< حقوق التأليف بل أعطيتها مجموعة واحدة إلى الفلسطينيين، والثانية للفيتنام. لي حساسية اتجاه هذه الحقوق .
لكن عندك جمعية يمكنك أن تستثمر مالك فيها، أي أن تساندها بذاك المال··؟
وهذا أيضا تفاديا لأن تكون هذه الجمعية هي جمعية الطاهر وطار، وعوض أن تكون جائزة وطار، أعطيتها اسم الهاشمي سعيداني. هو صديق وكاتب كان يقيم خارج العاصمة، ولم تكن له الشهرة المطلوبة، وقد بذل جهدا كبيرا في دار الثقافة بباتنة، وأشرف على مهرجان تيمقاد.. كان أحد الذين ظهرت أسماء كثيرة على أيديهم. واعتبارا لظروف شخصية ألمت به وكانت سببا مباشرا في موته، وتخليدا لروحه كانت الجائزة له .
ألا ترى أنّ في السن المقترح ( 0 3 سنة كأقصى حد) إجحاف في حق بعض المواهب الناضجة··؟
أردت أن أشجع الأجيال الصاعدة، ولم أردها جائزة مهنية أو احترافية، ولكن جائزة موجّهة لكتّاب ناشئين، تجرأوا فطبعوا نصوصهم، وأردت أيضا تفادي ظاهرة >اللهث< خلف الجوائز ..
إذن لا تستقبلون مخطوطات، ولكن ما نشر من روايات؟
نعم.. كل ما تمّ نشره. وسنوجّه نداء للناشرين، فكل ناشر يطبع رواية باللغة العربية يبعث لنا منها خمس نسخ، حتى يتم عرضها على أعضاء اللجنة .
وصفت حال الإنسانية في الجزائر بأنّها واقفة في منتصف الطريق، فلا الرأسمالية حلّت مشاكل الإنسان الاقتصادية والروحية، ولا التطبيقات الخاطئة للشيوعية حلّتها·· هل يعني هذا أنّك لا تزال متمسكا بما أسميته >الاشتراكية العلمية<؟
في سؤالك تحريف لما قلته، والدليل على ذلك هو ورود عبارة >إنسانية<، لأن الإنسانية كلها في الشرق وفي الغرب قد جرّبت الديانات ولم تحل تلك الديانات المشكل الاقتصادي والاجتماعي، حلّت المشكل الروحي بعملية نشر الصبر، لأسباب أو لأخرى، وليس تقليلا من أهمية الديانات، ولكن هذا هو الواقع.. النظرية الاشتراكية جاءت تثبيتا لنظريات قديمة، لكل ما أتى به المصلحون الأوائل، المسيح، الإسلام، ما نادى به أبو ذر الغفاري، لكل ما فعله القرامطة وما طالب به الزنج، وحتى ثورة العبيد في روما.. وهي العدالة لاجتماعية التي اقترحت من جديد في القرن 18 و19 على يد كارل ماركس،انجلز،لينين ومجموعة من المناضلين ..
وهل تعتقد أنها طبقت بطريقة سيئة في الجزائر؟
الجزائر كانت تطبّق رأسمالية الدولة، نحن لم نذهب إطلاقا نحو الاشتراكية ولم تكن لدينا قيادة تؤمن بالاشتراكية، بقينا في إطار ما يسمى برأسمالية الدولة.. ما يسمى بالثورة الزراعية هو في الحقيقية إصلاح زراعي، فقد طبّق هذا الإصلاح في إيران والمغرب، وفي بلدان لا تعرف أصلا ما معنى الاشتراكية.. طبّق لأنه كان ضرورة اقتصادية لا غير .
الجزائر عرفت رأسمالية الدولة على يد أناس معادين للاشتراكية، وهذا الكلام كنت قد قلته للرئيس هواري بومدين في 1974 في اجتماع لإطارات الأمة، قلت :أنت تريد تطبيق الإصلاح، والثورة الزراعية كما لو أنّك تصعد على سلّم كلّ درجاته مسوّسة.. قلتها بهذه العبارة فاضطر لقطع الاجتماع ورفع الجلسة .
كنت قد رأيت أنّ الهدف الحقيقي من إيقاف المسار الانتحابي في الجزائر لم يكن خوفا من الإسلاميين فقط، ولكن دوسا على إرادة المجتمع المدني·· هل ترى أنّ هذا الدّوس لا يزال ممارسا إلى غاية اليوم؟
نعم.. وهو الآن أقسى مما كان عليه. كانت المعركة بمعالم واضحة بين المجتمع المدني ممثلا في أحزابه والمؤسّسة الحاكمة، فبدا لها انتصار المجتمع المدني ونهايتها، وهي لا تقبل نهاية مماثلة. فما شاهدناه هو استيراد رئيس، قتل رئيس، استيراد رئيس آخر، إقامة نظام غير واضح المعالم، يقال له مجلس الدولة.. ثم رئيس آخر من بقايا نظام سابق، وكلّ هذا له معنى واحد هو أنّ هذا المجتمع المدني لا يتمتع بإرادته ولا يتمتع بسيادته ..
هذه الانتخابات التي تنظّم وهذه المهرجانات نعرف كيف نفبركها ونعرف كيف نصنعها، ونشهدها في كلّ بلدان العالم الثالث بصفة عادية جدا، نسمع الأناشيد الوطنية في اليمن وفي ليبيا وسوريا، نسمع باقتراح إعادة تغيير الرئيس الفلاني، نسمع بتغيير الدستور.. ولكن هذه مجتمعات متخلّفة فيها عصابات مستولية على السلطة، ولا تريد أن تتنازل عنها مهما كان الثمن، حتّى لو كلف ذلك آلاف آلاف الأرواح وملايير الدولارات من الخسائر المادية المهم أن يبقى القرار في يّد المقرّرين ..
لا يزال الأمر مجسّدا بمثل هذه اللامبالاة حاليا ··
لم يتغير أيّ شيء، الحاكمون هم الحاكمون.. والمعارضون هم ذاتهم.. وبقي الشعب دائما على الهامش، لا رأي له .
تغرق الجزائر في مثل هذا الوضع الممسوخ في ظلّ هوية لا تزال هي الأخرى غير واضحة·· كيف تقرأ مشهدها بعد عقود من الاستقلال؟
الهوية مشكل مطروح من قبل الملايين من الناس، نحن مع الأسف الشديد خسرنا ثورتنا بالتحاق ضباط فرنسا بها، سواء عن حسن أو سوء نيّة، عسكروا الثورة وجعلوها غير شعبية وحوّلوها إلى إدارة بيروقراطية، أنا لا أتهمهم بالخيانة ولا أتّهمهم بالعمالة لفرنسا، ولكن أقول أفقدوها روحها الشعبية، كانت قيادتها من طرف الطلبة المفرنسين، ـ والله أعلم كيف التحقوا بها ـ ..
هذه القيادة أخسرتنا دولة، أخسرونا أمة.. جعلوا هذا البلد أشبه ما يكون بولاية من ولايات فرنسا، منطقة من المناطق الثمانية والعشرين الفرنسية.. و لا تزال حاكمة إلى الآن .
أين كانت النخبة الأخرى التي كان يجب أن تلعب دورا في المعارضة؟
أيّة نخبة..؟ القيادة كلّها كانت في أيدي المفرنسين، أسميهم لك فردا فردا.. راجعي تشكيلة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، ضعي جانبا فقط الأستاذ عبد الحميد مهري الذي كان مزدوج اللغة، أمّا الباقين فكانوا كلّهم مفرنسين، ضيّعوا شعبا بعد أن ضيّعوا ثورة، وهم الآن أمام التاريخ محكوم عليهم بالخيانة. الجزائر هي البلد الوحيد الذي يملك قناة فضائية تذيع بالفرنسية لأربع وعشرين ساعة كأنّنا في بوردو أو مرسيليا.. أو أي منطقة فرنسية، قناة لها صحفيّوها ولها كتّابها ولها أطفالها الذين ينشدون لها أناشيد فرنسية .
مصر مثلا عندها فضائيات تبث باللغة الانجليزية، لكن مشكل الهوية غير مطروح··؟
لا..مصر عندها قنوات باللغة الانجليزية لكنّها لا تبّث كيف تطبخ الملوخية وبرامج موّجهة للرأي العام.. هيّ تقدّم أخبارا، وهي فضائيات تخدم استراتيجيات الدولة ولا تخدم استراتيجية المعمّر. في الجزائر حين تستمعين للقناة الثالثة تشعرين وكأنّك في بلد آخر، أناشيد للأطفال باللغة الفرنسية، وحصص كثيرة موجّهة للجيل الناشئ. هي حالة يرثى لها، أمة ضاعت وهؤلاء الخونة يتحمّلون مسؤولية ما آل إليه الوضع الآن .
إذا ما عدنا إلى عالم الكتابة·· يشاع حاليا الرأي القائل بابتعاد الرواية شيئا فشيئا - ولو ظاهريا- عن القضايا السياسية المعمّقة·· هل ترى ككاتب أنّه لا مناص من معالجة قضية كبيرة حتى تكون الرواية كبيرة ومهمّة··؟
أنا حين كتبت >الوليّ الطاهر يرفع يديه بالدعاء< لم أكن مقتنعا - ولا أزال غير مقتنع- بأنّها رواية تحوي كل مقاييس وشروط الرواية، هذه مهمة موكلة للدارسين وللنقّاد، أنا أراها نصا من النصوص له حبكة.. قيل عنها أنّها رواية، لكن أنا في داخلي لم ألتزم بكل مقاييس الرواية، في كلّ مرة أكتشف طريقا جديدا .
تبقى هناك مسألة مفروغ منها بالنسبة لي، وبالنسبة للكثير من الذين يشاركونني الكتابة وهي أنّ الاستعمار والامبريالية في إطار الحرب ضد الشيوعية وضد الثورات وحريّات الشعوب قاوم كلّ ما هو إبداع من شأنه أن يحرّك عواطف الأمم وعواطف الطبقات الكادحة. ضربوا الشعر حتى لا يعود مفهوما، قالوا ينبغي أن يكون سرياليا غامضا، فصار الشعر من دون مضمون إلى أن عزف الناس عنه ولم يعد مقروءا.. ذهبوا أيضا إلى القصّة القصيرة، فلن تجدي في فرنسا من ينشر مجموعة قصص قصيرة، انتهى الأمر تماما ..
واقتربوا لاحقا من الرواية؟

تماما.. اتّجهوا بعد ذلك نحو الرواية، قالوا نبتعد عن السياسة في المضمون، عن الخطابية، عن التقريرية، عن الالتزام، حتى غدت الرواية بدون موضوع، لأنّ الإبداع فردي لا يستطيعون السيطرة عليه .
يعود الأمر إذن بصورة مطلقة إلى تيّارات سياسية تحاول أن تفرض منطقها الخاص؟
حاولت ولا تزال تحاول، وستبقى كذلك.. وبالموازاة مع ذلك هناك هؤلاء الجهلة والمغفّلون الذين يظلون ينصتون لما يأتي من الغرب من موضة، ولكن كلّ كتّاب أمريكا اللاتينية ملتزمون ويكتبون السياسة، ومثلهم قلائل عندنا أمثال أمين معلوف الذي كانت أعظم كتاباته في السياسة وفي الايديولوجيا والتاريخ .
في سنوات خلت كنت قد عالجت راهن الايديولوجيا الاشتراكية وبعدها انتقلت إلى الظاهرة الإسلامية·· كيف كان ذلك؟
ما أزال أكتب الايديولوجيا.. أنا لم أكتب تمجيدا للاشتراكية والشيوعية، ولكنّي كتبت تحليلا لأوضاع وعواطف الناس. والآن أكتب عن الظاهرة الإسلامية من خلال منظوري التقدمي اليساري، وهي ليست نقيضا مئة بالمئة لكل ما هو ثوري ويساري. إذا انتزعنا بعض الدعوات غير العقلانية، فللديانات فيها جانب يخدم الاشتراكية والشيوعية ويخدم معاداة الامبريالية ..
لكن الطرح الشيوعي يصادم في نقاط كثيرة الطرح الإسلامي··؟
لا.. الاشتراكية والشيوعية تطرح فقط وضع وسائل الإنتاج بين أيدي المنتجين، هو تطبيق يدعو إلى ساعات عمل أقل، وضع ظروف عمل أحسن، عدم استغلال الإنسان للإنسان، وهذا موجود في كلّ الديانات ..
هامش التصادم - حتى لا أقول التناقض- بين الإيديولوجيتين، جعل البعض يقول أنّ وطار كتب عن الاشتراكية في عصرها الذهبي قبل أن يقلب سترته حين فرض الإسلاميون أنفسهم··؟
أنا لم أخرج من هذه الإيديولوجية لا في >الشمعة والدهاليز ··<
لكن هذه بالذات كتبت أثناء الأوج الاشتراكي··؟
لم أخرج عنها حتى في >الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزّكي< ولا في >الطاهر يرفع يديه..< ولا في تحليلاتي من موقف فكري واضح متواصل، مثل موقف لويزة حنون التي ما تزال تروتسكية تقود حزب عمال عتيد، وأنا أتقاسم معها نفس الرأي.. إذا كان التهجّم على الإسلام أو على المسيحية أو على البوذية يعني اليسارية، فأنا ضدّ هذه اليسارية. أنا لا أتهجم على أحد وإنّما أطرح التكامل مع الديانات، لأنّ الدعوة إلى الاشتراكية والشيوعية، والدعوة إلى العدالة الاجتماعية، موجّهة أساسا للغلابى والفقراء الكادحين وليس لهؤلاء الذين يعيشون البذخ الفكري والمالي .
وهل ما زال لك ما تقوله في الظاهرة الإسلامية أم أنّك أكملت >حسابك< التحليلي معها؟
طرحت عليّ الظاهرة الإسلامية في ثلاث مراحل: أولا قيل أنّ الحل لمشاكل العصر هو الإسلام، فكتبت ''الشمعة والدهاليز'' ، وقلت >نحضر الشمعة لنضيء الدهاليز< وطرحت وجهة نظري، ومات الشاعر على يدّ الإسلاميين.. في >الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزّكي< قلت أنّ اتقاد الشمعة يلزمها قوّة تحميها، ولا بد من هجر هذا العالم الفاسد، فخرج الناس إلى الفيافي والصحراء وقالوا: نرجع إلى ما بدأ به الأوّلون، إذ >لا يصلح آخر هذه الأمة إلاّ بما صلح به أولّها< وهؤلاء جماعة >الهجرة والتكفير<، وبنوا مقاما لهم، وقالوا نتكاثر ونعيد الكرّة لفتح العالم كلّه .
ماذا عن المرحلة الثالثة؟
كانت مرحلة الهزيمة.. هزيمة هذه الحركات العودوية -إذا ما صحّ التعبير- بأسلوبها هذا وليس بأفكارها، أسلوبها كان خاطئا: حمل السلاح، والصعود إلى الجبل، وقتل ذاك الذي لا يتوضأ بالماء الدافئ، سواء كانوا على بيّنة أو دفعوا بحكم الأجهزة، الاستعمار، الامبريالية، بحكم الحرب الصليبية المتواصلة ضدّ الإسلام ···
ورأيت فشلها··؟
رأيت أنّ العودة إلى الكفاح بالسيف الخشبي صار أمرا مخالفا تماما في عهد الليزر والفضائيات والصواريخ.. طرحت هذا بدون أيّ تجنّي على هؤلاء الناس، طرحتها من داخلها.. وحاولت رصد مشكل هذا العالم العربي والإسلامي، في -الولي الطاهر..- قلت أن مشكلهم يكمن في أنهم لم يتبلوروا كطبقات، ظلّوا عالة على البترول كما كانوا عالة على الصحراء، ولم يتحوّلوا إلى مجتمع عامل، ولم ينصهروا في بعضهم حتى يتخلصوا من العشائرية ومن الطائفية والجهوية.. لأنّهم ليسوا عمالا، فدعا الولي الله أن ينزع عنهم البترول فحصل ذلك، وحدثت ثورة داخل الرواية وتغيّر اللباس الأبيض الذي كان يرتديه إخواننا في المشرق ليصير أزرق، وهو ..le bleu de travail شعار الطبقة الكادحة. وترجمت ديوانا بهذا المعنى بعنوان -الربيع الأزرق- أي ربيع العمال لأنّهم يلبسون لباسا أزرقا ..
وهل ستطرح في المرحلة الرابعة راهن الوضع··؟
آه.. المرحلة الرابعة غير واردة بعد .
لكن عندك مشروع رواية جديدة وضعت لها عنوانا مبدئيا -الوـــليّ الطاهــــر يكشــــف ســــرّ بلاّرة··-؟
الكتّاب لا يصْدقون إلا حين يكتبون. تجيئني خواطر، صور ومشاريع، أحيانا يبقى بعضها والبعض الآخر يزول .
لم تكتب فيها شيئا بعد؟
لا ، أنا لا أكتب إلا من سنة إلى سنة وفي شهر أوت ..
قال الروائي رشيد بوجدرة في حوار سابق أنّك كاتب بدأت بالالتزام، ولازلت فيه·· ما تعليقك؟
أنا فخور بهذا.. وأشكره على هذا التصريح والتقييم، فخور لكوني ملتزم، لأنّه كيف لي أن ألتزم في حياتي 17 سنة وأنا كالراهب في هذه الجمعية وملتزم بمالي حتى أنشئ به جائزة بنصف مليار سنتيم دون أن ألتزم في أدبي، سأكون حينها متناقضا.. وأنا مسرور جدا بهذه التّهمة .
وكيف تقرأ أنت كتابات بوجدرة؟
أنا أظلم زملائي الروائيين سواء كانوا مكرّسين أو غير مكرّسين، لأنّني عندما أقرأ لأحدهم، لا وعيي يبحث عن تأليفي أنا في كتابتهم، أبحث عن نفسي. ولهذا فإن حكم روائي على آخر لن يكون موضوعيا، رشيد له سمعة عالمية، وله نقاد يحبّونه كثيرا وعليه دراسات أكاديمية كثيرة، وقد قرأتِ ما كتبت عن ادوار الخراط.. كتابته جميلة.. ولكنّي أريد أن أقرأها كما أقرأ اللاز أو الزلزال، وهذا ضعف منّي. الله غالب .
قلت في بيان جائزة -هاشمي سعيداني- أنّك تعلن عنها سدادا لدين عليك تجاه الجزائر·· ماذا بقي لك كدين آخر؟
هذا نوع من الاستفزاز الوطّاري لآلاف إطارات الأمة أحيلوا على الهامش لأسباب سياسية وأسباب فكرية وإيديولوجية وبقوا مكتوفي الأيدي كالدود الأعمى يمتصون التراب ثم يلفظونه، ولا ينتجون شيئا. أنا لم أتوقف عن العمل، لم آكل ماهيتي من دون مقابل.. أُحلت على التقاعد في ,1984 ومن هذا التاريخ إلى 88 ترجمت ديوانا من الفرنسية، وأنهيت - تجربة في العشق- ثم أنشأنا جمعية الجاحظية في ,1989 وأعمل حوالي 15 ساعة في اليوم وأحيانا 20 ساعة .
أنت لم تقنع بمعاشك؟
في البداية جعت إلى غاية ,1989 كانوا يقدّمون لي ماهية محدودة جدا 4 آلاف دينار، ثم سوّوا لي الوضعية كإطار سامي: حوالي 55 ألف دينار.. والحمد لله .
هل تتلقى الجمعية دعما من وزارة الثقافة؟
نحن في الأساس لا نريد أن نتحول إلى إحدى مؤسسات الدولة، وما نطالب به الوزارة هو احترام ما نقدّمه لها من مشاريع، إذ تطلب منا برنامجا سنوي لتوفر له الميزانية، فنبرمج نحن ما قيمته مثلا 200 مليون سنتيم فنّنفذ ذاك البرنامج بجهدنا، في الأخير نتلقى 10 بالمئة فقط مما قدمنا، لأنهم لم يقرأوا البرنامج أصلا، ولا يراجعون ما أنجز في السنة الفائتة. الوزارة تدعمنا كجمعية عادية، لأسباب عادية .
لوحظ مؤخرا قلّة اصدارات الجاحظية·· إلى ماذا يعود هذا؟
أولا إلى توقّف صندوق الإبداع، والكثير من الكتاب الذين كانوا يقصدون الجاحظية صاروا يقصدون المكتبة الوطنية والجمعيات الأخرى، أي صارت هناك خيارات كثيرة، وهذا يعود إلى وزارة الثقافة من الأصل. ونعاني إشكالية كبيرة في توزيع مجلة التبيين، أنجزنا العدد ,25 والمؤسسة الوطنية للنشر التي كانت توزّع لنا أعلنت أنها قد أوقفت العملية، ولم نجد من يوزّع لنا، ونحن بصدد طبع العدد القادم ,26 والسؤال المطروح دائما: من يوزّع لنا؟
هل لكم مشاركات مع لجان التحضير للجزائر عاصمة للثقافة العربية؟
لقد قدّمنا مشروعين، مجموعة أعمال للطباعة ولا زلنا لم نتلق أي رد.. لكن إذا دخلنا شهر جويلية وجاءنا الرّد فسنرفض لأنّنا لا نستطيع إنجازها. والمشروع الثاني وقدّرنا قيمته بـ 700 أو 800 مليون سنتيم، فهو استقبال كلّ من فاز في جائزة مفدي زكريا من تونس، المغرب والجزائر، في نوفمبر 2007 وقد قيل لنا خفاء أن المبلغ كبير لكنّنا لم نسمع شيئا رسميا بعد .
وهل تعتقد أنّ التحضيرات الحالية ستكون في مستوى الحدث المنتظر؟ ·
أنا أعرف شيئا واحدا هو أنّ العالم العربي الإسلامي كلّه متشابه >كي سيدي كي جوادو<. وأعرف أنّ اليد الواحدة لا تصفق، لمين بشيشي ووزارة الثقافة ليسوا سوى الجزائر، الجزائر العاجزة حتى عن تنظيم سير الطرقات، ليست السيارات فحسب.. ولكن سير الناس أيضا، صاروا يقطعون الطريق كما لو أنّها أغنام.. الجزائر التي يعلن فيها كلّ أسبوع أو أسبوعين عن سرقة آلاف المليارات. هل نريد بعد هذا أن تكون محافظة جزائر نموذجية يسيّرها ملائكة. كلّ الأمور متكاملة من الشرطي إلى الكنّاس في البلدية إلى رئيس الجمهورية. إذا شذّت هذه المحافظة عن القاعدة فسيكون أمرا غريبا .
ألا تفكر في كتابة مذكراتك الخاصة؟
هذا مشروع وارد، عندي مذكرات سياسية ومذكرات أدبية وملاحظات على مسار الجزائر من 1954 إلى اليوم، عرفت مسؤولين كبار وعشت معهم، أنشأت القصيدة، التبيين والقصة، تاريخي هو تاريخ الجزائر. قبل أيام فقط اكتشفت أني في 1956 وأنا لم أبلغ 20 سنة بعد.. بدأت ببيانات تدعو إلى الإضراب، وأنا ذلكم البدوي، تلميذ المدارس الدينية غير الواعي سياسيا أصلا، وغير المجنّد في أي حزب من الأحزاب، ولكن بالسليقة وبتلك الروح التي دفعت الشعب الجزائري إلى الثورة نصّبت نفسي داعيا، ولا أزال الآن الطاهر وطار الخمسينات. الطرف الثالث المزعج .
ألا تفكر في الاعتزال؟
لا أدري ما هو سن ماركيز الآن.. أنا أتوقف عن الكتابة كل ثلاث سنوات لأستعيد نفسي..الكتابة فيها مشقّة، بقدر ما هي لذيذة بقدر ما هي عذبة وتحليق روحي عالي، هي ألم أيضا.. أن تجلس على الكرسي لأكثر من عشر ساعات، وأن تفكر في الموضوع ذاته. وأنا لا أتصور أنّ هناك كاتبا يقرر الاعتزال، لأنّنا لا نكتب بإرادتنا تقريبا، الإنسان كالدجاجة في الوقت الذي يحين فيه أن تبيض فلا مهرب لها من ذلك .
هل من قصص جديدة؟
هناك مجموعة ربما تكون قد صدرت عن >موفم<، هي في المطبعة، اسمها >يوم مشيت في جنازتي ومشى الناس <·

ليست هناك تعليقات: