الثلاثاء، أبريل 15

الإعلامية خديجة بن فنة لـ''الخبر''




الإعلامية خديجة بن فنة لـ''الخبر''التلفزيون الجزائري يعكس صورة بلد متخلّف ومتأخر لا تليق بمكانة الجزائرالإعلامي الجزائري في الخارج هو إعلامي يتيم لا يدعمه أحد من السياسيين سوى خبرته وكفاءته
تمتلك حضورا قويا قلّما وجدناه لدى مقدمات الأخبار في العالم العربي. مسيرتها الإعلامية تمتد على مدار عقدين من الزمن، تنقلت خلالها بين العديد من المحطات الإعلامية المسموعة والمرئية بالجزائر، ثم بإذاعة سويسرا العالمية في برن، إلى أن استقر بها المطاف في رحاب قناة الجزيرة الإخبارية كمقدمة برامج وأخبار.. هي الإعلامية المتألّقة خديجة بن فنة التي فتحت قلبها لـ''الخبر'' في هذا الحوار، لتحدثنا عن الكثير من القضايا التي تهم واقع الإعلام الجزائري والعربي عموما.حدثينا بداية عن تفاصيل أكثـر فيما يخص الجائزة التي فزت بها، وهل كانت مفتوحة على كل الإعلاميات العربيات؟تسلمتُ الجائزة من السيدة ماري روبنسون، رئيسة إيرلندا السابقة في فندق برج العرب بدبي، وهي جائزة تعكس أهمية الدور الذي تلعبه المرأة الإعلامية في قناة الجزيرة في كل مجالات العمل التحريري والتقني والميداني.. الجائزة لم تكن مفتوحة على الإعلاميات فقط بل أيضا على نساء رائدات في مجال المال والأعمال والسياسة والتربية وغيرها..كيف ترين رهانات الإعلام العربي في ظل الحرب الشرسة التي تفرضها الفضائيات العالمية؟الإعلام العربي برأيي شهد انفتاحا كبيرا في العقد الأخير سواء على مستوى الصحافة المكتوبة الورقية والإلكترونية أو الفضائيات، وهذا يصب في مصلحة القارئ والمشاهد الذي كان مجبرا من قبل على قراءة جريدة الحزب الواحد ومشاهدة تلفزيون الدولة.. برأيي الإعلام العربي بخير اليوم وسيشهد تطورا كبيرا في السنوات القادمة ليس منّة أو صدقةً من حكامنا، بل لأن العالم تغيّر كثيرا وما عاد بإمكان المسؤولين العرب التحكم بالبث الفضائي أو الإلكتروني، فـ''اليوتيوب'' لوحده حطّم بشكل مذهل كل أدوات الرقابة.. احتل الإعلامي الجزائري مكانة محترمة في الكثير من الفضائيات العربية، لكنه بالمقابل لم يستطع التكتل في مجموعات إعلامية ضاغطة، فما مرد ذلك في رأيك؟الجميع يعترف بكفاءة الإعلامي الجزائري وبحرفيته ومهنيته، لكن طبيعته الثقافية والنفسية والاجتماعية مختلفة تماما عن طبيعة الزملاء القادمين من دول عربية أخرى، فهو لا يحب عادة المناطق الوسطى أو لنقل الرمادية مفضلا الوضوح. وهذه بالمناسبة ليست دائما ميزة إيجابية، لأن الاعتدال والليونة مطلوبان جدا في عملنا. والساحة الإعلامية ليست ساحة معارك كما يتصور البعض، والعالم كله ليس مفصّلا على مقاييس البياض والسواد.. ولهذا كان من الصعب تشكيل لوبي إعلامي جزائري على غرار اللوبي المصري أو اللبناني الذي نشأ على ثقافة عبادة المسؤول سواء كان مخطئا أو مصيبا وتلبية أوامره، هذا إضافة إلى أن الإعلاميين الجزائريين يتوجس بعضهم من بعض، مما يخلق جوا من الريبة وعدم الثقة بينهم. أما العنصر الأخير فهو غياب أي دعم معنوي من طرف الدولة الجزائرية لهم.. الإعلامي الجزائري يجتهد لوحده خارج أي منظومة داعمة له، فيما يحظى زملاؤه من دول عربية أخرى برعاية دولهم لهم وتكريمهم. غادرت التلفزيون الجزائري منذ قرابة الخمسة عشر عاما، فكيف ترين الإعلام الجزائري بشقيه المرئي، المسموع والمكتوب؟من منطلق مهني بحت، التلفزيون الجزائري تلفزيون مفلس مهنيا، لكن به كوادر وكفاءات لم توظف بالشكل الصحيح. التلفزيون الجزائري خرّج جيلا من الصحفيين المحترفين المهنيين الناجحين في العالم. وأنا في الواقع أفتخر هنا بالخليج أنني نتاج صناعة محلية جزائرية، والتلفزيون الجزائري والإذاعة الجزائرية لهما فضل كبير عليّ وسأبقى أذكر ذلك ما حييت.. لكنني أشعر بمرارة كبيرة عندما أشاهد المستوى الذي آل إليه التلفزيون. للأسف، الجزائر الغنية بكفاءاتها وأموالها عاجزة اليوم عن إيجاد صوت إعلامي قوي يعكس صورتها وجمالها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها في الخارج. المسؤولون الجزائريون لم يدركوا بعد أهمية الإعلام التلفزيوني في الخارج وطريقة توظيفه، ما زالوا ينظرون إلى الإعلام على أنه ترف وهذا برأيي خطأ استراتيجي. أما بالنسبة للإعلام المكتوب، فالوضع برأيي مختلف، هامش الحرية يبدو أوسع، وعدد الجرائد الصادرة باللغتين العربية والفرنسية عدد معتبر برأيي، وأنا أتابعها باستمرار عبر الأنترنت، لأنها تشكل بالنسبة لنا في المهجر نافذة أساسية على ما يجري في الوطن من تطورات، وأتمنى بالمناسبة أن يتمكن بعضها من الخروج عن نطاق المحلية والوطنية إلى فضاء أوسع عربيا ودوليا..صرحت مؤخرا الإعلامية التونسية كوثر البشراوي بأن الإعلام المغاربي مايزال متأخرا، وتوقفت عند التلفزيون الجزائري كمثال، فهل توافقينها فيما قالت؟بعيدا عن الحساسيات التقليدية بيننا كإعلاميين مغاربيين، لا بد أن نعترف بأن هذا الكلام صحيح. والتلفزيون الجزائري للأسف يعكس صورة بلد متخلّف ومتأخر لا تليق بمكانة الجزائر. أنا لا أحب أن أبصق في البئر التي شربت منها يوما، ولكن الحقيقة مؤلمة ولا بد من قولها، حتى يتم تدارك الأمر.تمكنت الجزيرة من كسب مكانة لها ضمن خريطة الإعلام العالمي، وصارت تساهم في صنع الرأي العام وتؤثر فيه، فهل يمكن للجزائر مثلا أن تحذو حذو قطر في خوض تجربة إعلامية شبيهة؟قطعا نعم، وقطعا ستنجح لو فعلت.. المسألة تحتاج إلى شجاعة وإرادة سياسية قوية تحمي الحرية الممنوحة للقناة، وإلى أموال تجلب الكفاءات والتقنيات المتطورة لا أكثر ولا أقل. مشروع الجزيرة كان مشروعا ناجحا لأن القيادة القطرية وفرت له عوامل النجاح بدءا من إلغاء وزارة الإعلام، والالتزام بتوسيع دائرة الحريات إلى أبعد الحدود، إلى توفير الإمكانيات المالية وجلب الصحفيين والمراسلين الأكفاء من كل مكان في العالم. ما الذي في رأيك يترك السياسي الجزائري مترددا في فتح فضاء السمعي البصري عندنا، رغم أن سماءنا مفتوحة على مصراعيها على فضائيات العالم التي تمطرنا بما تراه موافقا لسياساتها الإعلامية؟أعترف لك أنني عاجزة عن الإجابة على هذا السؤال المحيّر، وهو سؤال مهم للغاية ولا بد أن يطرح على السياسيين الجزائريين. أما بالنسبة لي، فإنني لا يمكن أن أفسّر الأمر سوى أنه رعونة سياسية منقطعة النظير، وليس مطلوبا منا اليوم أن نقارن الإعلام التلفزيوني في الجزائر بالدول المتطورة، بل لنقارنه مع أكثر الدول انغلاقا في مجال الإعلام مثل سوريا، التي فتحت فضاء السمعي البصري، والسودان الذي أصبح لديه فضائية في دبي يعمل بها صحفيون جزائريون. والمفارقة العجيبة هي أنه حتى دول إفريقية مثل أرتريا فتحت إعلامها على الخارج. هل ترين أن موقف الجزائر الرافض اعتماد مكتب للجزيرة أمر إيجابي أم العكس؟بالعكس، هو موقف في غاية السلبية، وقد استفادت من غياب مكتب للجزيرة في الجزائر جهات أخرى. المسؤولون الجزائريون تنقصهم الخبرة في التعامل مع الإعلام الفضائي، لأن منعه بحجة أن تغطيته للأحدث في الجزائر لا تتماشى مع المزاج السياسي للمسؤولين لا يحل المشكلة، كيف إذن سيمنعون الناس من مشاهدة برامج كاملة على اليوتيوب على الأنترنت تتجاوز سقف الجزيرة بكثير من حيث الجرأة والحرية. الناس أصبح لديها بدائل إعلامية كثيرة، وإذا لم يتدارك المسؤولون عن القطاع السمعي البصري في الجزائر هذه المسألة فإنهم سيخسرون كثيرا. المسألة تحتاج إلى ذكاء وفطنة وحنكة سياسية وبراغماتية في التعامل مع هذه القضايا، بعيدا عن الانفعالات الآنية.. ولهذا أرى أن الانغلاق ليس هو الحل المناسب.. لاحظنا أن تعامل الجزيرة مع الخبر الأمني تحديدا بالجزائر يشوبه الكثير من التهويل، فما دور الإعلامي الجزائري وأنتم كثـر في تقويم تلك المعاملة؟الخبر الأمني الذي تقدمه الجزيرة غالبا ما يكون منقولا عن مصدر سواء كان هذا المصدر وكالة أنباء أو جريدة أو تصريح مباشر من مسؤول أو شخص أو جماعة. وفي تقاليد عمل الجزيرة لا ينشر أي خبر إلا إذا جاء من مصدرين اثنين حرصا على مصداقية الخبر. لكن الأمر قد لا يخلو أحيانا من بعض الأخطاء لأنه لو كان للجزيرة مكتب في الجزائر لكانت إمكانية التأكد من صدقية الخبر أسهل... الإعلاميون الجزائريون في القناة يعملون من منطلق النزاهة المهنية على تقويم ما يرونه خطأ، لكن يجب أن نعرف أن هؤلاء أيضا لا يحظون بأي تواصل مع المسؤولين الجزائريين بما يتيح لهم الحصول على المعلومات عكس ما يحصل مع الصحفيين العرب الآخرين. لا بد أن نعترف في النهاية بأن الإعلامي الجزائري في الخارج هو إعلامي يتيم لا يدعمه أحد سوى خبرته وكفاءته. مؤلم أن يكرّم الإعلامي الجزائري في دبي والقاهرة وبيروت، ولكنه في الجزائر لا يعدو كونه رقما مجهولا في عدد ركاب طائرة حطّت بمطار هواري بومدين الدولي. هل لك وغيرك من الإعلاميين الجزائريين الذين اكتسبوا خبرة واسعة في مختلف الفضائيات العربية أن يساهموا في بعث فضائية جزائرية قوية إذا ما تلقيتم الدعوة من قبل السلطات الجزائرية، وتعودون للعمل في الجزائر.. وفي تلك الحالة ما هي شروطكم؟بعث فضائية جزائرية قوية لا يحتاج إلى خديجة أو لزيد أو عمر، بعث فضائية قوية يحتاج إلى قيادة قوية تقرر بشجاعة أن تمنح الحرية للإعلام الفضائي وأن تترك الناس تعمل وتبدع وتنجح. البلد للأسف يعيش حالة احتقان سياسي كبير والضمانات لمشروع مثل هذا ليست متوفرة حاليا.. 


المصدر :حاورها: م. فريد

ليست هناك تعليقات: