الجمعة، أبريل 7

''خلافاتي مع نظام بن بلة البوليسي كانت إيديولوجية''


يرى الدكتور أحمد طالب أن الخلافات والصراعات الدموية التي نشبت بين جبهة التحرير الوطني وأنصار مصالي الحاج بعد اندلاع ثورة نوفمبر 1954 أفقدت الجزائر إطارات المستقبل، وكتب فيما يتعلق بمصالي: ''آه، لو كان مصالي يدرك أن أول نوفمبر فتح المجال أمام صفحة جديدة في تاريخ الجزائر، وأن كل صفحة تتطلب رجالا جددا، ولو بارك حرب التحرير منذ البداية، بدل أن يعتقد أنه الزعيم الوحيد، كان بإمكانه أن يصبح رئيس الجزائر الجديدة بدون منازع''·كما كتب أحمد طالب عن الخلافات التي نشبت بين أنصار أحمد بن بلة (عباس لغرور بالأخص) الرافضين لقرارات مؤتمر الصومام من جهة، وجماعة المناصرين للمؤتمر من جهة أخرى· كما تحدث عن أسفه الشديد بعد أن لاحظ أن قادة الثورة كانوا ضحية صراعات وخلافات عميقة وعقيمة· وقال أن حسين آيت أحمد أخبره أنه أبدى رغبته مباشرة عقب الإعلان عن الاستقلال في اعتزال السياسة، لترك المجال للجيل الجديد الذي عليه أن يتصرف بمفرده بدون الاتكال على القادة التاريخيين، الذين نخرتهم الصراعات· كما تطرق أحمد طالب في الفصل السادس من مذكراته للفترة ما بين سبتمبر 1961 وديسمبر 1962، وهي الفترة ما بين مغادرته السجن واستقلال الجزائر· وتوقف مطولا عند أزمة صيف 1962 والصراع بين الحكومة المؤقتة وهيئة أركان الجيش بقيادة العقيد هواري بومدين وما انجر عنه من صراع دموي بين الولايات·وكتب الدكتور أحمد طالب أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر طلب من الشيخ البشير الإبراهيمي الالتحاق بجماعة بن بلة ومكتب تلمسان، إلا أن الشيخ رفض طلب عبد الناصر بلباقة· وأشار الدكتور طالب إلى أن بن يوسف بن خدة عرض عليه في خضم أزمة صيف 1962 منصب سفير في المغرب لكنه رفض·وأورد أن الأمور تعفنت بين قادة الثورة المتصارعين على السلطة بعد إعلان جماعة تلمسان بزعامة أحمد بن بلة أنهم يمثلون الشرعية الثورية، الأمر الذي أفشل مهمة جماعته (أحمد طالب) لتوحيد الصفوف·وأشار إلى أنه خرج رفقة كل من رضا مالك، مصطفى الأشرف ومسعود آيت شعلال بقرار ''ترك السلطة القائمة تمارس تجربتها بدون محاربتها ولا مساندتها''· وهو الأمر الذي دفعه إلى رفض الانضمام لاتحاد الكتاب الجزائريين بعد أن ساهم في صياغة قانونه الأساسي، وكتب أنه كان من أنصار بقاء المثقف في الطليعة، ورفض فكرة جهاز موال للسلطة السياسية التي طرحها بعض المثقفين آنذاك·تجذر الخلافات مع الرئيس بن بلةونقرأ في المذكرات بداية من الصفحة 180 عن تجذر الخلاف بين بن بلة وأحمد طالب عندما كتب هذا الأخير مقالا أرسله لمحمد حربي، مدير نشر جريدة ''الثورة الإفريقية'' مساهمة منه في نقاش كان دائرا بين مصطفى الأشرف ومراد بوربون· وكتب أحمد طالب أن حربي وعده بنشر المقال، لكن ذلك لم يحدث، فتساءل أحمد طالب حينها ''هل يوجد هنا كذلك فيتو بن بلة؟''·كما كتب أن والده الشيخ البشير الإبراهيمي أملى عليه في عشية يوم 15 أفريل 1964 بمناسبة ذكرى رحيل الشيخ عبد الحميد ابن باديس، نصا استنكر فيه الوضعية التي آلت إليها الجزائر، وجاء فيه أن الجزائر ''انزلقت نحو الحرب الأهلية''· وبعد أن نشر نداء الشيخ الإبراهيمي في الصحف، ثار الرئيس بن بلة، حسب ما ورد في المذكرات· وكتب الإبراهيمي أن بن بلة انتقد بشدة الذين لم يسايروا الثورة منذ البداية (في إشارة إلى جمعية العلماء)· وكتب أحمد طالب أنه حرر مقالا ردا على تهم بن بلة، أورد فيه أنه في الوقت الذي كان فيه والده الشيخ البشير الإبراهيمي في المنفى الإجباري، كان بن بلة جنديا في الجيش الفرنسي· وجاء في المذكرات أن الشيخ الإبراهيمي أقنع ابنه بعدم نشر ما كتبه·ويذكر أحمد طالب أن بن بلة زار بيت الشيخ الإبراهيمي عند نهاية شهر أفريل 1964، وقبّل يده، وتحدث معه مطولا عن العربية والإسلام، إلا أن الشيخ أخبره قائلا: طالما اخترت السير في طريق الإسلام والعربية فأنا معك، أما إذا ابتعدت عنهما، فسأصبح ضدك''· فقال بن بلة ''لكن يوجد بيننا من لا يعترفون بأخطائهم في حقي رغم أننا كنا في السجن معا''· في إشارة منه إلى أحمد طالب الذي كتب أن بلة أضاف قائلا أنه اقترح عليه منصب سفير في البرازيل بوساطة بشير بومعزة· فقال أحمد طالب ''المنصب الذي تتحدث عنه لم يقترح علي لا بوساطة من بومعزة ولا غيره· وحتى لو عرض علي كنت سأرفضه، فأنا أنفع في المستشفى وليس في السفارة''·وذكر أحمد طالب أن بن بلة أخبره ذات مرة أن خروتشوف يكون قد قال له أن الثوار في روسيا لو كانوا يعرفون الإسلام سنة 1917، لكانوا من أنصاره· كما قال له بن بلة ''لماذا ترفض العمل معي؟''· وأضاف بن بلة حسب ما جاء في المذكرات ''يبدو أنك تلتقي ببوضياف وآيت أحمد؟''· وأخبره أحمد طالب أنهما كانا معه في السجن، ومن الطبيعي أن يلتقي بهما·وفي النهاية اقترح عليه بن بلة منصبا في لجنة التوجيه الوطني، لكنه رفض· وكتب ما يلي: ''خلافاته (بن بلة) مع وزير الدفاع العقيد بومدين كانت في غاية الكتمان، فتساءلت إن كان يرغب في استعمالي ضد بومدين؟''· وكتب أحمد طالب أنه رفض طلب بن بلة، وافترق الرجلان بمودة· وهنا تحدث أحمد طالب عن خلافاته الإيديولوجية مع نظام بومدين الذي لا يتقاسم معه توجهاته السياسية والإيديولوجية·وقد وصف أحمد طالب في الصفحة 187 من مذكراته نظام بن بلة ''بالنظام البوليسي'' ، وتوقف عند توقيف أخيه محمد في شهر جويلية 1964 رغم عدم انشغاله بالسياسة، فتساءل أحمد طالب: ''هل كانوا يريدون ضرب والدي؟''، وفي الصفحة 191 من المذكرات يتحدث أحمد طالب عن ظروف توقيفه من قبل شرطة الرئيس بن بلة يوم 12 جويلية 1964، وسجنه في ظروف فظيعة وغير إنسانية·شاهد يحكي ولا يحكمويُنبّه الدكتور أحمد طالب القارئ منذ البداية واستنادا إلى الفيلسوف الفرنسي مونتاني أنه ''لا يكتب وفق روح تعليمية، بل إنه يحكي''· أي أنه يروي ما عايشه ويتطرق لما كان شاهدا عليه، بدون أن يقدم أحكاما قيمية· لكنه يقول أنه يستند إلى مقولة الإمام علي ابن أبي طالب في ما معناه ''ليس كل ما يعرفه المرء، قابل لأن يقال''· واعترف الدكتور أحمد طالب في المقدمة أن تاريخ الجزائر الحديث لم يكتب بعدُ، مما ترك المجال مفتوحا أمام المؤرخين الفرنسيين ليكتبوا ما يريدون، الأمر الذي أوصلنا، حسبه، إلى ظهور قانون 23 فيفري الممجد للاستعمار، ويفهم من المقدمة أنه يستند إلى فكرة صديقه محمد شريف ساحلي ''حول تخليص التاريخ من الاستعمار''· وعند نهاية المقدمة يخبرنا الدكتور طالب أنه قرر التوقف عند سنة 1965 في انتظار أن يصد الجزء الثالث من هذه المذكرات لاحقا لتشمل الفترة مابين: 1965ـ 1988 ثم مرحلة 1988ـ 2004·ولم يستبعد المؤلف التوقف عند فترة التسعينيات للحديث عن الأزمة السياسية التي غرقت فيها الجزائر· والملاحظ أن طالب اعترف بفشل الجيل الذي ينتمي إليه في تلقين الأجيال الجديدة مبادئ ثورة نوفمبر·بعد المقدمة يتحدث أحمد طالب عن طفولته في مدينة تلمسان بين 1932 و.1945 ثم مرحلة الشباب في الجزائر العاصمة بين 1945 و1949 كطالب في ثانوية بيجو· وكتب الدكتور أحمد طالب عن هذه المرحلة عن التأثير الذي مارسته جريدة البصائر التي أسسها والتي بلغ صيتها إلى غاية المغرب، وقال أنها ساهمت في تكوين الوعي الوطني بالمملكة، ويتأسف كثيرا عما ورد في مذكرات الملك الحسن الثاني ''التحدي'' والذي لم يتطرق لهذا الدور الإشعاعي· وتحدث الدكتور أحمد طالب في الجزء الثالث من مذكراته عن مرحلة الدراسة الجامعية بين 1949 و1954، وتوقف عند إسهاماته الفكرية بجريدة ''المسلم الشاب'' لسان حال شباب جمعية العلماء المسلمين بين 1952 و.1954 أما الجزء الرابع فقد خصصه لدراسته في باريس بين 1954 و1957 المرحلة التي انخرط فيها بجبهة التحرير الوطني ودوره لتوعية النخبة المثقفة الفرنسية بضرورة استقلال الجزائر بصفته رئيسا للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، وكيف عاش في السرية منذ مارس 1956، إلى غاية تاريخ توقيفه من قبل الشرطة الفرنسية يوم 27 فيفري .1957 ويتوقف الجزء الأول من مذكرات أحمد طالب عند خروجه من السجن يوم 8 جانفي 1965، ووفاة والده الشيخ البشير الإبراهيمي·

ليست هناك تعليقات: