في حادثة لا يمكن وصفها إلا بغير العادية، تلقت عائلة سيدة متوفية من
باتنة، مراسلة من صندوق التقاعد، يطالب فيها الراحلة بتعويض مبلغ 29,4712
دج، الذي يمثل قيمة الأسبوع الأخير لشهر جانفي، بعد أن سحبت راتب معاشها
يوما واحدا قبل وفاتها يوم 24 جانفي، فكيف لمؤسسة أن تراسل سيدة باسمها وهي
تعلم أنها متوفية، بدليل شهادة الوفاة التي سلمت لها سابقا، وهو ما جعل
أحد أقاربها الذي استفزه الأمر إلى مطالبتهم بتحويل المراسلة الى عنوانها
الجديد بمقبرة بوزوران.
متوفية مطالبة بالتعويض
يعود يوم العلم مرة كل سنة، كاحتفال وطني للتذكير بيوم رحيل مجدد
الحركة الإصلاحية في الجزائر ''عبد الحميد بن باديس''، بشعارات ألف الكل
سماعها وباحتفالات رسمية يتكرر مشهدها، وحصره
في عبارة ''رائد النهضة الإصلاحية''، دون الرجوع إلى واقع المعالم التي تركها العلامة للأجيال
والشاهدة عن المحطات التاريخية التي عاشها في مواجهة رواد الطرقية من جهة والإدارة
الفرنسية من جهة أخرى، والتي أهملت بعد وفاته ورحيل عمداء جمعية العلماء المسلمين،
وهو ما وقفت عليه ''الخبر'' في زيارتها للكثير من المواقع التي تحمل بصمته.
حاولت ''الخبر'' أن تبحث عن مجموعة من الدارسين بمعهد عبد الحميد بن باديس، وعن أبناء وبنات أعضاء جمعية العلماء المسلمين من المقربين إلى الشيخ، من بينهم الأستاذ الباحث ''عبد الحميد ونيسي'' أحد المتخرجين من مدرسة التربية والتعليم ومعهد بن باديس، الذي اقتادنا إلى أول مكان رأى فيه الشيخ النور بمنزل العائلة بالسويقة، والذي عثرنا عليه، بنهج عبد الله باي في حالة قريبة من الانهيار، بدءا من الباب الخارجي للمنزل، حيث أوحى لنا المدخل المظلم بأن المنزل مهجور وبدون سكان، ليتبّين فيما بعد بأنه معمور ولا تزال تقطن به إحدى العائلات، بعد أن تركته عائلة بن باديس في وقت مضى، وإن لا تزال معالمه الداخلية واضحة على شكل ''ديار عرب'' ذات الطابع العثماني، إلا أن آثار تقدم السنين والشقوق أتت على الجدران والأسقف وأصبحت واضحة ومهددة أجزاء منه بالانهيار، حيث أخذنا الفضول إلى رؤية الغرفة التي رأى فيها عبد الحميد النور أو ''المجلس''، كما يسمى قديما في قسنطينة، والواقعة في الدور الثالث من البناية والتي استشعرنا فيها روح العلامة من أصالة وتقاليد، حيث لا تزال تحافظ على طبيعتها الأولى بما فيها البوابة، ثم اتجهنا إلى فناء المنزل أو ''وسط الدار'' حيث قيل لنا أن بن باديس كان يتوضأ فيه، فمكتب والده المقفل بالسلاسل والذي انتدب له فيه والده محمد مصطفى ''حمدان لونيسي''، كمعلم ليلقنه قواعد النحو والصرف وأهّله للذهاب إلى الزيتونة التي أنهى دراسته فيها خلال سنتين فقط، بعد أن تعلم الأبجديات الأولى من القرآن الكريم وحفظه في زاوية ''سيدي علي النجار'' بالزلايقة القريبة من منزله، ولم يبلغ بعد سن 13 سنة من العمر على يد الشيخ ''محمد المداسي'' والتي أردنا معاينتها، إلا أننا وجدنا أبوابها موصدة وملطخة وأمامها عربات بيع اللحم.
زاوية بن باديس ''سيدي قمو'' تقع في وسط المدينة ويجهلها الكثيرون
ثاني محطة كانت عند زاوية ''سيدي قموش''، التي تعود للعلامة عبد الحميد بن باديس، حيث أن الكثير ممن استوقفتهم ''الخبر'' لتحديد مكانها، أكدوا أنهم لا يعرفونها، رغم أنها كانت بالقرب منهم، ولا تفصلهم عنها سوى سنتيمترات وتتموقع بوسط المدينة القديمة، فيما أن البعض أشار إلى أنه متعود على رؤيتها لكن لا يعرف صاحبها، كما كشف المصلون أنها غير مقصودة ولا تستقبل أزيد من 12 فردا في الصلاة الواحدة. وكانت الإدارة الفرنسية ضد رغبة العلامة، الذي أراد التدريس في الجامع الكبير، واتهمته بالتحريض ضدها، فلجأ والده إلى شراء مسجد له ''سيدي قموش'' سنة 1925، المدفون فيه جده العالم ''بركات بن باديس''، في وقت كانت تباع فيه المساجد لإشباع عشقه للتدريس والإصلاح، وظل يستغلها رفقة جامع سيدي لخضر وسيدي بومعزة لتقديم دروسه التوعوية والدينية.
بن باديس كان يصطحب زوجته إلى مدرسة التربية والتعليم
قادتنا الجولة إلى الشارع الذي أطلق عليه ''مالك بن نبي'' اسم شارع العلماء، وهو ''الأربعين الشريف'' وفيه كانت أول مدرسة اشتراها الشيخ عبد الحميد بن باديس ''مدرسة التربية والتعليم''، الوحيدة التي لا تزال على حالها، حيث تمكن بن باديس من افتكاك عقدها الرسمي في مزاد علني وبسعر 150 ألف فرنك فرنسي، باسم جمعية العلماء المسلمين في مارس ,1936 وقد قال عنها في جريدة البصائر ''إن الاكتتاب انطلق بـ 70 ألف فرنك، ثم تحوّل سعرها إلى 150 ألف فرنك بفعل مرضى القلوب''، حيث بقي أحد المنتسبين للولاية والمناوئين للحركة الإصلاحية، يساوم ويزايد عليها إلى غاية الوصول إلى سعرها المرتفع وتركها للجمعية. وأطلق عليها العلامة في بادىء الأمر بجمعية التربية والتعليم الإسلامية، والتي تعد الأم لجميع المدارس قبل دار الحديث في تلمسان، التي ترأسها البشير الإبراهيمي. تحصل من خلالها على رخصة التدريس وأصبحت مرقدا له، كانت البداية بفوج من الذكور وبتدريس مجاني للإناث على رأسهم بنات الجمعية، على غرار السعيد بن حافظ وبلكحل لعروسي، بن شيكو، سعد جنان، لونيسي. وانطلق عبد الحميد في التدريس مع تلاميذته الأوائل منذ 1916 ، وهم محمد الصالح رمضان، الشيخ العيلان، عبد الحفيظ الجنان، الغسيري وبلعابد، حيث تمكن بعدها من فتح 150 مدرسة تركها بعد وفاته، منها 4 مدارس أخرى شهيرة وهي مدرسة عقبة، طارق بن زياد، الشريفية والأمير عبد القادر، ضاعت كلها بعد قرار غلقها سنة 1956، كون أغلبية نساء جمعيات العلماء المسلمين التحقن بالثوار في الجبل. وذكر الأستاذ ونيسي عما روته ''عمته'' إحدى طالبات فوج الفتيات اللواتي درسن على يد العلامة، أن هذا الأخير كان يصطحب زوجته إلى قاعة التدريس ويجلسها بقربه أثناء تقديم التربية الخلقية، من أجل كسر باب الخجل أمام استفسارات وأسئلة النسوة المحرجة.
ضياع الجمعية الخيرية، المطبعة الإسلامية وجامع سيدي لخضر في الطريق
يضم شارع ''الأربعين الشريف'' أيضا المطبعة الإسلامية، أين كان يطبع جرائده المختلفة، والتي وهبها له ''احمد بوشمال''، وفتحت أبوابها بتاريخ 16 أفريل 1923، حيث أصبحت شبيهة بمنازل الرعب المخيفة، رغم أنها لا تزال على حالتها الأولى دون تغييرات، موصدة بالسلاسل ودون استغلال أو حتى تحويلها إلى متحف. وذكر بعض أساتذة التاريخ من قبل، أن مقتنيات الشيخ قد سرقت منها، وهو نفس الأمر بالنسبة للجمعية الخيرية التي لا تبعد سوى 3 كيلومترات عنها، التي استغلها بن باديس لممارسة الأنشطة الاجتماعية والأعمال الخيرية، وأحيانا للتدريس كل يوم أحد رفقة الشيخ الورتيلاني والإعداد للمسابقات الرياضية. وجدد فيها تأسيس النادي الرياضي القسنطيني ''شباب قسنطينة حاليا'' من قبل العلامة، وتحولت هي الأخرى إلى ركام ولم يبق منها سوى الأساسات. أما مسجد سيدي لخضر، فيعد المعلم الأكثر مقصدا من قبل الشيخ، والشاهد على حادثة انتفاضة سكان قسنطينة ضد اليهود، وتدخّل بن باديس من أجل إخماد الصراع بعد مقتل 29 يهوديا. فهو يصارع للبقاء رغم الميزانيات المتتالية لترميمه. علما أنه مشيد من قبل أحمد باي ومدفون فيها أحد بايات قسنطينة
الاثنين, 15 أبريل 2013
عدد القراءات: 109
متوفية مطالبة بالتعويض
قسنطينة.. مدينـة حالمة وجسور معلقة في سماء خفيضة |
الاثنين, 15 أبريل 2013 17:40 |
لم يصمد من الجسور سوى واحد. ولم يبق من أسمائها سوى اسم “قسنطينة” الذي منحه لها منذ ستة عشر قرن “قسطنطين”.
أحسد ذلك الإمبراطور الروماني المغرور، الذي منح اسمه لمدينة لم تكن حبيبته الأولى.. وإن اقترن بها لأسباب تاريخية محضة.
وحدي منحتك إسما لم يكن إسمي. “ذاكرة جسد” (ص 291).
هذا
قليل من بوح الأديبة الجزائرية القسنطينية الهوى أحلام مستغانمي المهووسة
إلى حد العدم بجسور قسنطينة الحالمة، قسنطينة المدينة التي تقع فوق صخرة
تسمى الصخرة العتيقة على جانبي وادي الرمال ألهمتها حركات الأزمنة
الجيولوجية القدرة الهائلة على تحمل مسارات وتحولات وحيوات وتجليات
وتمظهرات مدينة مذهلة والتي تبعد عن تونس شرقا بحوالي 245، وعن الجزائر
العاصمة غربا بحوالي 430 كلم، مدينة طلقت البحر منذ 150 مليون سنة وترك لها
الصلصال الرملي والأحجار الكلسية.
هذا
ما أبدعته أحلام مستغانمي وفي أكثر من نص سردي وروايات مشيدة بذلك مجدها
الأدبي، وهي تناجي صرح الجسور السبعة التي تتوسد عمق وادي الرمال الذي يسري
تحتها على ارتفاع 200 متر أحيانا، وكأنها تحتفي بمدينة موغلة في العمق
الحضاري وغارقة في أريج عبق التاريخ وسرِّ أَسْرِ الحضارات لخصوصيتها وهي
المدينة - قسنطينة دوما التي تشتهيها الروح ويُحيِّيها الجسد- التي تشربت
من منابيع تراكمات الدول التي
سرتها وأحزنتها في آنٍ واحدٍ منذ المرحلة النوميدية/الامازيغية إلى
الرومانية وعهد الوندال والعهد البيزنطي والعهد الإسلامي والعهد
التركي/العثماني وصولا إلى محطة الاحتلال الفرنسي وثورة المليون ونصف شهيد
المجيدة وفجر الاستقلال وخيبة العشرية السوداء القاتمة وأحرقت كثيرا من
الأخضر واليابس معا ربما، لكنها تنهض مثل طائر الفينيق من سبات رمادها
وتحيى استنادا إلى تفجير طاقات الاستعارة..؟ وعصور أخرى مضت وأخرى قد تأتي
في مقبل الأيام وسيرورة الزمن المتجدد للتماس المباشر مع مدينة تقع في عش
صخرة.
عن
قسنطينة يقول الأمير محمد بن عبد القادر الجزائري: “إن قسنطينة أصلها
لقبائل كُتامة، وقد دخلها الفينيقيون ملوك الشام من كولونية لما خرج وإلى
افريقية من صور سنة 836 ق.م واسمها في القديم سيرتا وكانت عاصمة أدربال
النوميدي سنة أربعمائة وثمان وعشرين بعد المسيح واستولى على تلك النواحي
الوندال من اسبانيا ولم يزل ملكهم فيها إلى أن استولى عليها المسلمون”.*
قسنطينة
مدينة ضاربة في جذور تاريخ شمال إفريقيا بدأت تتفتح صفحات تاريخها مع وقع
أتربة أقدام الأمازيغ وانتظامهم في عشائر جزائر ذاك التاريخ واسمها القديم
“سيرتا” التي اتخذها ماسينيسا ملك نوميديا عاصمة للمملكة، الإغريق أطلقوا
اسم الليبيين والنومديين على العشائر الأمازيغية باعتبارهم السكان الأصليين
لقسنطينية، يوغرطة الذي رفض تقسيم مملكة أبيه إلى ثلاثة أقسام وممالك
تجاوز قسوة حصارها وأعاد الاعتبار إلى المملكة وأضحى الملك الجديد
لنوميديا.
الإمبراطور
قسنطنطين الذي أسمى المدينة باسمه أعاد بناءها سنة 313م بعدما أمر
الإمبراطور ماكسينوس بتخريبها. وعلى وقع معزوفات التاريخ سيتجدد تاريخ
قسنطينة بمرور الوندال و«العرب
الفاتحين” ويهود الأندلس الموريسكيين الهاربين من بطش الكنيسة الكاثوليكية
في روما ومحاكم التفتيش في الأندلس، والحفصيين، والقبائل الهلالية،
والأتراك الجزائريين، وشعوب وقبائل أخرى مثل الزيريين والحماديين والاحتلال
العثماني مروا على أرصفتها وتقاطعوا في مفترق طرق التاريخ، إلى أن استقرت
على يد صالح الباي 1771-1792م الذي اختارها عاصمة وأسس على أرضها حضارة
المساجد والمدارس والأبواب وكرس العربية لغة وثقافة بها ولها.
ومع
قدوم الاحتلال الفرنسي سنة 1830 بعد مقاومة مستميتة دامت أربع سنوات قادها
أحمد الباي الذي صد عنها الاحتلال مرتين لكن دون أن ينهي وصلته ساعتها،
إلى أن وقعت تحت نير الاستعمار الفرنسي بقيادة “دوموريير” وكان ذلك سنة
1837، الذي جاء وفي نيته الاستقرار في الجزائر وإلى الأبد، لكن سواعد
الثوار وثورة المليون ونصف شهيد أحالته على التقاعد الكلي وهزمته وطردته شر
طردة وأعلنت الجزائر للعالم استقلالها التام بقيادة جبهة التحرير الوطني
متبوئة بذلك مكانة الصدارة في حركة التحرر العربي والعالمي إبان فترة مرحلة
ما بعد الكولونيالية العالمية التوسعية، وكان لها ذلك سنة 1962.
قسنطينة
مدينة الجسور المعلقة والحالمة، مدينة الأبواب والكهوف والمغارات والمساجد
والحدائق والشلالات، مدينة “الهوى والهواء” كما يحلو للشعراء أن يحتفوا
بها في قصائدهم وفحوى متخيل نصوصهم واستعاراتهم الدالة والمدهشة التي
ألهمتهم مجاميع ودواوين شعرية باللغة الفرنسية والأمازيغية والعربية.
قسنطينة
ذات سبعة جسور وثامنهم الجسر العملاق المستحدث والذي لا يزال في طور
التشييد وتشرف عليه مجموعة برازيلية عملاقة في مجال تدبير المقاولات
والبناء الفرعوني اسمها “أندراد غوتيراز”، والذي من ينتظر أن يعدل هذا
الاسم ويحمل اسم جسر “الاستقلال” احتفاء باليوبيل الذهبي لخمسينية الثورة
الجزائرية المجيدة، وهو الجسر الذي أخذ بعين الاعتبار الخصوصية التاريخية
لقسنطينة والذي يتوقع أن يتم انتهاء بناء صرحه الكامل وتخطوه الخطوات ووقع
الأحذية قبل انتهاء مارس من سنة 2014.
أما أقدم جسر بها فهو:
-
جسر”باب القنطرة” والذي بناه الرومان وتم ترميمه سنة 1792 على أيدي
العثمانيين، وخربه الاحتلال الفرنسي وأعاد بناءه من جديد على أنقاض الجسر
القديم سنة 1863.
-
جسر”سيدي راشد” الذي يحتوي على 27 قوسا وهو أعلى جسر حجري في العالم، صمم
هندسته المهندس الفرنسي “أوبين إيرو” بإتقان فني وبإبداعية عالية.
- جسر “سيدي مسيد” صمم هندسته وبناه المهندس الفرنسي “فرديناند أرنودان” سنة 1912.
-
جسر ملاح سليمان، هو ممر من الحديد أصلا خاص بالراجلين فقط، نظرا لضيق
عرضه -مترين ونصف أو أكثر بقليل- وقد بني في الفترة الممتدة من 1917 إلى
1925، يليه جسر “مجازن الغنم”، وجسر “الشيطان”، وجسر “الشلالات”.
وتضفي
هذه الجسور على مدينة “قسنطينة” لمسة ساحرة وجمالية اسثتنائية تأسر كل من
مرَّ بها أو حلَّ على ديارها وفضاءاتها حدائق كانت أو بساتين أو عرصات. أن
تخطو فوق هذه الجسور لأول وهلة تصاب بالدهشة والذهول و«فوبيا”
العلو الشاهق والسامق لكن بمجرد أن تواصل الخطوات تستأنس بهذه الأخيرة
وتتعود على أرضيتها وتمنحك تأشيرة المرور بأمان وتمتعك بمتعة نادرة يرقص
لها القلب وتستعذبها العين والنظرة الآسرة خصوصا أنه تحتك تجري وتسري مياه
وادي الرمال التي تعزف سمفونية خرير المياه.
جسر
ملاَّح سليمان الذي تنزل إليه عبر مصعد كهربائي أو أدراج سُفلية أو تحتية
تسبقك كالريح تقودك إلى عتبة الجسر لتقطعه وأنت تخطو أول الخطوات تخال أنك
ستحلق عاليا في سماء خفيضة، ارتعاشة برد هكذا تصيبك، وتصفع وجنتيك لتنبهك
أنك عالق في الهواء ولا تملك من قرار سوى أن تواصل السير والمسير إلى الضفة
الأخرى، بعدها تستطيع أن تعود أدراجك لتعبر الجسر ثانية إيابا هذه المرة
وقد وقعت في الألفة والشوق إلى إعادة التجربة مرات إن كان الوقت حليفك وأن
نقطة العودة لم يعد لها من معنى دال. وأنت تطل من الجسر ترى جسرا آخر على
مسافة ضوئية ومحاطا بصخور قديمة قدم حركات التاريخ وأزمنته يُمنة ويُسرة
جانب من هذه الصخور تتسلقه منازل آهلة بالسكان، منازل لها شرفات وأكثر من
حبل غسيل تستوعبه الشمس لتدفئ الغسيل، وتظل نوافذها مشرعة تهدهد الحلم وأفق
المستقبل.
كل
جسر يختلف ويتعدد باختلاف موقعه وتاريخ تشييده ويشكل نسيج التنوع عن الآخر
ليستقل بذاته ويحصن حصنه ويفصح عن فتن جماله ويوفر لك وللعابر والمقيم
وصاحب الرحلة متعة المشاهدة، وزاد المكان، والنظرة البانورامية: صخور، ماء،
هواء، أشجار ونخيل، طيور، موسيقى نابعة من مكامن الروح... روعة الطبيعة
وأثر الإنسان وجدل الفصول وسبل الحياة وذاكرة مدينة.
قسنطينة
وجسورها الحالمة واللامتناهية أنجبت أسماء ورموزا وأعلاما وعلامات مشرقة
ساهمت بثقل في بناء الأفق الثقافي والحضاري للجزائر، في التاريخ والحضارة
والإسلاميات والأدب والموسيقى والتشكيل والسياسة ورموز حركة التحرير...
هامش:
الأمير
محمد عبد القادر الجزائري: تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد
القادر. شرح وتعليق د. ممدوح حقي، دار اليقظة العربية، بيروت، الطبعة
الثالثة 1964 ص«20».
إدريس علوش
|
''الخبر'' تنفض الغبار عن المنزل الذي ولد فيه بن باديس بالسويقة
معالم الشيخ العلامة تبحث عن من ينقذها
في عبارة ''رائد النهضة الإصلاحية''، دون الرجوع إلى واقع المعالم التي تركها العلامة للأجيال
والشاهدة عن المحطات التاريخية التي عاشها في مواجهة رواد الطرقية من جهة والإدارة
الفرنسية من جهة أخرى، والتي أهملت بعد وفاته ورحيل عمداء جمعية العلماء المسلمين،
وهو ما وقفت عليه ''الخبر'' في زيارتها للكثير من المواقع التي تحمل بصمته.
حاولت ''الخبر'' أن تبحث عن مجموعة من الدارسين بمعهد عبد الحميد بن باديس، وعن أبناء وبنات أعضاء جمعية العلماء المسلمين من المقربين إلى الشيخ، من بينهم الأستاذ الباحث ''عبد الحميد ونيسي'' أحد المتخرجين من مدرسة التربية والتعليم ومعهد بن باديس، الذي اقتادنا إلى أول مكان رأى فيه الشيخ النور بمنزل العائلة بالسويقة، والذي عثرنا عليه، بنهج عبد الله باي في حالة قريبة من الانهيار، بدءا من الباب الخارجي للمنزل، حيث أوحى لنا المدخل المظلم بأن المنزل مهجور وبدون سكان، ليتبّين فيما بعد بأنه معمور ولا تزال تقطن به إحدى العائلات، بعد أن تركته عائلة بن باديس في وقت مضى، وإن لا تزال معالمه الداخلية واضحة على شكل ''ديار عرب'' ذات الطابع العثماني، إلا أن آثار تقدم السنين والشقوق أتت على الجدران والأسقف وأصبحت واضحة ومهددة أجزاء منه بالانهيار، حيث أخذنا الفضول إلى رؤية الغرفة التي رأى فيها عبد الحميد النور أو ''المجلس''، كما يسمى قديما في قسنطينة، والواقعة في الدور الثالث من البناية والتي استشعرنا فيها روح العلامة من أصالة وتقاليد، حيث لا تزال تحافظ على طبيعتها الأولى بما فيها البوابة، ثم اتجهنا إلى فناء المنزل أو ''وسط الدار'' حيث قيل لنا أن بن باديس كان يتوضأ فيه، فمكتب والده المقفل بالسلاسل والذي انتدب له فيه والده محمد مصطفى ''حمدان لونيسي''، كمعلم ليلقنه قواعد النحو والصرف وأهّله للذهاب إلى الزيتونة التي أنهى دراسته فيها خلال سنتين فقط، بعد أن تعلم الأبجديات الأولى من القرآن الكريم وحفظه في زاوية ''سيدي علي النجار'' بالزلايقة القريبة من منزله، ولم يبلغ بعد سن 13 سنة من العمر على يد الشيخ ''محمد المداسي'' والتي أردنا معاينتها، إلا أننا وجدنا أبوابها موصدة وملطخة وأمامها عربات بيع اللحم.
زاوية بن باديس ''سيدي قمو'' تقع في وسط المدينة ويجهلها الكثيرون
ثاني محطة كانت عند زاوية ''سيدي قموش''، التي تعود للعلامة عبد الحميد بن باديس، حيث أن الكثير ممن استوقفتهم ''الخبر'' لتحديد مكانها، أكدوا أنهم لا يعرفونها، رغم أنها كانت بالقرب منهم، ولا تفصلهم عنها سوى سنتيمترات وتتموقع بوسط المدينة القديمة، فيما أن البعض أشار إلى أنه متعود على رؤيتها لكن لا يعرف صاحبها، كما كشف المصلون أنها غير مقصودة ولا تستقبل أزيد من 12 فردا في الصلاة الواحدة. وكانت الإدارة الفرنسية ضد رغبة العلامة، الذي أراد التدريس في الجامع الكبير، واتهمته بالتحريض ضدها، فلجأ والده إلى شراء مسجد له ''سيدي قموش'' سنة 1925، المدفون فيه جده العالم ''بركات بن باديس''، في وقت كانت تباع فيه المساجد لإشباع عشقه للتدريس والإصلاح، وظل يستغلها رفقة جامع سيدي لخضر وسيدي بومعزة لتقديم دروسه التوعوية والدينية.
بن باديس كان يصطحب زوجته إلى مدرسة التربية والتعليم
قادتنا الجولة إلى الشارع الذي أطلق عليه ''مالك بن نبي'' اسم شارع العلماء، وهو ''الأربعين الشريف'' وفيه كانت أول مدرسة اشتراها الشيخ عبد الحميد بن باديس ''مدرسة التربية والتعليم''، الوحيدة التي لا تزال على حالها، حيث تمكن بن باديس من افتكاك عقدها الرسمي في مزاد علني وبسعر 150 ألف فرنك فرنسي، باسم جمعية العلماء المسلمين في مارس ,1936 وقد قال عنها في جريدة البصائر ''إن الاكتتاب انطلق بـ 70 ألف فرنك، ثم تحوّل سعرها إلى 150 ألف فرنك بفعل مرضى القلوب''، حيث بقي أحد المنتسبين للولاية والمناوئين للحركة الإصلاحية، يساوم ويزايد عليها إلى غاية الوصول إلى سعرها المرتفع وتركها للجمعية. وأطلق عليها العلامة في بادىء الأمر بجمعية التربية والتعليم الإسلامية، والتي تعد الأم لجميع المدارس قبل دار الحديث في تلمسان، التي ترأسها البشير الإبراهيمي. تحصل من خلالها على رخصة التدريس وأصبحت مرقدا له، كانت البداية بفوج من الذكور وبتدريس مجاني للإناث على رأسهم بنات الجمعية، على غرار السعيد بن حافظ وبلكحل لعروسي، بن شيكو، سعد جنان، لونيسي. وانطلق عبد الحميد في التدريس مع تلاميذته الأوائل منذ 1916 ، وهم محمد الصالح رمضان، الشيخ العيلان، عبد الحفيظ الجنان، الغسيري وبلعابد، حيث تمكن بعدها من فتح 150 مدرسة تركها بعد وفاته، منها 4 مدارس أخرى شهيرة وهي مدرسة عقبة، طارق بن زياد، الشريفية والأمير عبد القادر، ضاعت كلها بعد قرار غلقها سنة 1956، كون أغلبية نساء جمعيات العلماء المسلمين التحقن بالثوار في الجبل. وذكر الأستاذ ونيسي عما روته ''عمته'' إحدى طالبات فوج الفتيات اللواتي درسن على يد العلامة، أن هذا الأخير كان يصطحب زوجته إلى قاعة التدريس ويجلسها بقربه أثناء تقديم التربية الخلقية، من أجل كسر باب الخجل أمام استفسارات وأسئلة النسوة المحرجة.
ضياع الجمعية الخيرية، المطبعة الإسلامية وجامع سيدي لخضر في الطريق
يضم شارع ''الأربعين الشريف'' أيضا المطبعة الإسلامية، أين كان يطبع جرائده المختلفة، والتي وهبها له ''احمد بوشمال''، وفتحت أبوابها بتاريخ 16 أفريل 1923، حيث أصبحت شبيهة بمنازل الرعب المخيفة، رغم أنها لا تزال على حالتها الأولى دون تغييرات، موصدة بالسلاسل ودون استغلال أو حتى تحويلها إلى متحف. وذكر بعض أساتذة التاريخ من قبل، أن مقتنيات الشيخ قد سرقت منها، وهو نفس الأمر بالنسبة للجمعية الخيرية التي لا تبعد سوى 3 كيلومترات عنها، التي استغلها بن باديس لممارسة الأنشطة الاجتماعية والأعمال الخيرية، وأحيانا للتدريس كل يوم أحد رفقة الشيخ الورتيلاني والإعداد للمسابقات الرياضية. وجدد فيها تأسيس النادي الرياضي القسنطيني ''شباب قسنطينة حاليا'' من قبل العلامة، وتحولت هي الأخرى إلى ركام ولم يبق منها سوى الأساسات. أما مسجد سيدي لخضر، فيعد المعلم الأكثر مقصدا من قبل الشيخ، والشاهد على حادثة انتفاضة سكان قسنطينة ضد اليهود، وتدخّل بن باديس من أجل إخماد الصراع بعد مقتل 29 يهوديا. فهو يصارع للبقاء رغم الميزانيات المتتالية لترميمه. علما أنه مشيد من قبل أحمد باي ومدفون فيها أحد بايات قسنطينة
فتيات جميلات ينشطن ضمن عصابة تستدرج أصحاب السيارات بخنشلة
عمران بلهوشات
وحسب
مصدر آخر ساعة فقد تعرض مساء أول أمس شاب في الثلاثين من العمر إلى اعتداء
كلفه فقدان سيارته الجديدة من نوع بيجو 207 وتجريده من كل ما يملك، من قبل
عصابة مدججة بأسلحة بيضاء وسيوف وذلك بعد أن استدرجته فتاة ذات الجمال
الفائق و أوقعته في فخها بعدها قررا الشاب والفتاة الاتجاه إلى غابة عين
السيلان بحمام الصالحين، وبذلك المكان أنقضت عليه عصابة
مكونة من أربعة أشرار وتحت التهديد بالقتل و بالأسلحة البيضاء والسيوف تم
تجريد الشاب من كل ما يملك إلى جانب الاستيلاء على سيارته ثم لاذوا بالفرار
رفقة الفتاة التي استعملوها كطعم فقط للإيقاع بضحاياهم من جهتها تقدم
الضحية بشكوى إلى مصالح الدرك الوطني المختصة إقليميا والتي فتحت تحقيقا
في الجريمة للوصول إلى العصابة الخطيرة التي أصبحت تشكل خطرا على أصحاب
السيارات الفخمة الذين يقعون في فخ يكونون قد اعتقدوا أنهم نجحوا في نصبه
للفتيات الجميلات الذين ينشطون مع أفراد هذه العصابةمصالح الأمن اختبرت حالة 22 شخص بين المحتجين |
عدد القراءات: 109
سجلت دائرة الخروب بقسنطينة قرابة 1800 طعن على قائمة 1210 سكن اجتماعي المعلن عنها أمس الأول، فيما أجرت مصالح الأمن اختبار حالة لـ22 شخص عقب الاحتجاج الذي شنه المقصيون من السكن و الذي تجدد نهار أمس. رئيس الدائرة، قال بأن لجان الطعون الـ9 التي تم تنصيبها و خصصت لها مكاتب بالمركز الثقافي محمد اليزيد، أحصت أمس الأول عقب الإعلان عن القائمة الاسمية للمستفيدين 1415 طعن، فيما أحصت إلى غاية ظهر أمس 442 طعن على القائمة، ما يسمح كما قال بالنظر في هذه الطعون بالنسبة للقائمة من جهة، و بالنسبة للإستفادات المسبقة من جهة ثانية التي يعلن عنها تباعا خلال الأيام المقبلة من جهة ثانية. و اعتبر المسؤول القائمة مؤقتة و قابلة لإدخال تغييرات بناء على نتائج الطعون. و فيما يتعلق بما اعتبره المقصيون من القائمة تجاوزات، أكد رئيس الدائرة بأن الأخطاء واردة، و دعا المحتجين لتقديم دلائل حول الحالات المشكوك فيها، مؤكدا بأن اللجان ستتخذ القرار الصائب و سيتم فصل غير المستحقين. و قد عاود نهار أمس عشرات المقصيين من السكن التجمع أمام مقر الدائرة لليوم الثاني على التوالي وسط تعزيزات أمنية مكثفة، متمسكين بمطلب إلغاء القائمة الأولية و إعادة النظر في الملفات المودعة لتوزيع السكن بحسب الأولويات، فيما فضل عدد منهم نقل الاحتجاج إلى مقر ديوان الوالي رافعين ذات المطالب. مصالح الأمن كشفت من جهتها عن إجراء اختبار حالة لـ22 شخصا خلال اليوم الأول من الاحتجاج، حيث تم الاستماع إليهم و الإفراج عنهم فور ذلك، دون تسجيل توقيفات تذكر. و فيما أرغم غلق الطريق أمس الأول توقيف أصحاب الحافلات للمواطنين على بعد كيلومترات عن مقر البلدية قطعوها مشيا على الأقدام، فإن عددا من سائقي سيارات الأجرة و كذا الفرود قاموا بالإستثمار في الأزمة، أين فرضوا تسعيرات خيالية بلغت 250 دينار للمقعد الواحد من أجل بلوغ مقر البلدية بحجة أخذ مسالك أخرى تستغرق وقتا مطولا، فيما حرم طلبة الجامعة من الالتحاق بمقاعد الدراسة بسبب سد هذه المنافذ. و كانت دائرة الخروب عاشت يوما ساخنا عقب الإعلان عن قوائم المستفيدين من السكن الاجتماعي، حيث تم غلق جميع منافذها ليوم كامل، و حاول محتجون اقتحام مقر الدائرة بالرغم من تلقيهم لتطمينات من رئيس البلدية أكد فيها بأن حصة 4 آلاف سكن المتبقية ستكون كفيلة بتغطية نسبة كبيرة من طلبات هذه الصيغة. إ.زياري |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق