السبت، ديسمبر 16

من روائع روايات الصحافيين الراضيين الجزائريين



في الثامنة صباحًا، كنت قد اجتزت “رود دو فرونس” بطوله، مستعيدًا شريط ذكرياتي هناك بائعًا على الرصيف، ثم قفلت راجعا عبر شارع العربي بن مهيدي أو “الطريق الجديدة”، هناك وعلى امتداد الشارع أسند يافعون ظهورهم على الأسوار، وجلس آخرون عند عتبات بعض العمارات، متأنقين ومتهيئين لاصطياد الجميلات، كان جميعهم قد حضّروا بديع الغزل ليدلقونه باتجاه العابرات.
ظهرت إحداهن، في قمة تبرجها، كأنها متجهة إلى عرس، شخصت العيون، مات الكلام، تبادلت النظرات مع صاحب القرط والشعر الأصفر المصبوغ، بقيت العيون تلاحقها، ثم استحالت إلى صافرات مختلطة ببصبصات وغزل لا يخلو من بذاءة، طلب الشاب من رفاقه أن يكفوا عن هذا ثم تعقب فريسته..
كان الجميع متهيئًا للحب، في مدينة لا توفر مرحاضا لمن يريد أن يقضي حاجته.
في هذا الوقت أخذ البائعون أماكنهم في محلاتهم، وقابلهم أصحاب العربات المجرورة، وصلت المتسوقات والفضوليات ولحق العابرون ومن لا شأن لهم بكل هذا، حتى المجانين لم يتخلفوا عن الرّكب.
لا تمل “طريق جديدة” من الحركة، مثلما لا تتوقف السيارات عن اجتياز الشارع الضيّق، تسير بسرعة سلحفاة، تزاحم بها المشاة الذين لا تسعهم الأرصفة، منبهات المركبات تغني للفوضى، بينما يرقص الجميع مجبرين على نغمة الزحام.
يختفي البعض في الحواري العتيقة التي تخزّن رائحة بعمر قرون، اشمّها كما فعل قبلي جندي انكشاري وضابط فرنسي ومجاهد ويهودي، بسرعة يظهر آخرون بدلا عنهم لتتمسّك “طريق الجديدة” بذات القدر من الفوضى المنظمة، ترتفع الأصوات، تتمازج ثم تذوي حينًا، أما أنا فأمشي خلف شيخ هرم في رصيف بعرض متر، كان ذلك أشبه بامتطاء «فيراري الوطن» التي حدثني عنها ذلك الشاب لكن بمحرك مركبة متهالكة.
قررت أن أدلف إلى “رحبة الجمال” الحي العتيق الذي يشبه “السويقة” لكن لا تدخله النسوة منذ أن حوّله العثمانيون إلى ماخور، يزدحم المكان الآن بمحلات الملابس، والأكل فيما يسد مدخله باعة يعرضون في أيديهم هواتفًا من كل الأنواع والأشكال والألوان.
لمحت “أيفون” موضة السنة، سمعت عنه كثيرا ، لا يحول بيني وبينه سوى أن أطلبه من صاحبه، وها هو بين يديّ الوديعتين، أحمله بحرص أم على جنين خرج لتوه من جوفها، يال رشاقته إذا قارنته بهاتفي الذي يزن رطلين.
يقول صاحب الهاتف الذي يختفي وراء نظرات لمّاعة مجيبًا عن سؤال متعلق بثمنه : “ماساموش”، يقصد أنه لم يقترح أحد له سعرًا، بكل الحالات لا أقدر على امتلاكه ولو باعني بالنصف.
اَخترق الجموع بالداخل، حيث تقل الكثافة فيما انسل مثل حية مذعورة إلى قلب “الرحبة”، هنا يلبس الجميع على الموضة، ينبضون بالحياة، يوزعون الضحكات، يتبادلون النكات، قهقهاتهم مجلجلة، تخترقني من الداخل، لعنت نفسي بأقذع الشتائم، وغصت أكثر بالدّاخل أبحث عن نظارات شمسية، جربت إحداها ثم سألت نفسي في المرآة التي عكست ملامحي البرونزية : «ما فائدة نظّارات جميلة إذا كان الزجاج متسخًا؟».
التهمت قطعًتي بيتزا لا تشبه تلك أبدع في إعدادها الإيطاليون، فهي سميكة تغطيها طبقة مستلقية من الطماطم، وفوق كل قطعة حبة زيتون منتصبة، تساعد عمي عصمان أن يفصل كل واحدة عن الأخرى بسكينه المسنن الطويل.
أسفل طاولته قاذورات ومياه متجمعة لم تجد بالوعة تسرطها، ولكننا نأكل بشراهة ولا نعير اهتماما إلا لحشو مزيد من العجين بداخل معداتنا، مطمئنين لأنه لم يسبق أن أصيب أحدنا مكروه، إن بيتزا «خامج وبنين» أعطتنا تطعيمًا من كل أمراض المعدة.
كان الاضطراب واضحا على عمي عصمان، ينظر يمنة ويسرة، يحدق في الوجوه كأنه يحاول العثور على تفصيل صغير ضاع منه، هبط بسكينه جيئة وذهابا يمزق العجينة، مد المتحلقون أيديهم في وقت واحد، مسح عرقه بساعده العاري، وسألني من دون الجميع وزبد ريقه يتطاير: «ألم تجد طريقًا للخروج من هذا المستقنع، عش شبابك في إيطاليا قبل أن يحترق فتبكي على الرّماد».
فاجأني كلامه حتى أنني حاولت التحقق أنه يقصدني، فكان جميع المتحلقين ينظرون إليّ منتظرين ردي، حتى ذلك الشاب الذي ابتعد إلى قرب المسجد ليفسح الطريق للعابرين، دنا قليلا كي يسمع، لكنني خنت توقعات الجميع، ولم أنبس بكلمة، حتى غادرت.
ودعت عمي عصمان، لكنه لم يقل شيئًا، كأنه تعمد أن يرد على صمتي بالصمت، اكتفى برمي قطعة الخمسين دينارا التي تسلمها منّي، في جيب مئزره الأزرق الذي تغطيه طبقة من بقايا قشور الطماطم العالقة المتيبّسة، وبحركة سريعة مسح يده من أثر “المايوناز” المنزلي في طرف مئزره وهبط على العجين بسكين تمثلته في هيئة جرار يشق أرضًا فلاحية في يوم خريفي ماطر..
خرجت من “الرحبة” إلى الساحة الفسيحة بالقرب من المسرح الجهوي، أول من قابلني حاملا رزمة من أوراق الألف دينار سألته عن سعر “اليورو”، فقلب الأربعيني السؤال بسؤال : «كم تريد، ألفين أورو، خمسة آلاف؟».
أخبرته أنني أريد أن أبيع لا أن أشتري، فاتسعت عينا الرجل اهتماما، دنا أكثر إليّ، وهمس في أذني : «أدفع لك إثنا عشرة ألف دينار وخمس مئة عن كل مائة يورو، لن تجد هذا السعر عند أحد، يمكنك أن تسأل»..
حدقت في وجهه ومشيت، لم أكن مهتما بعرضه، تعقبني، زاد بضعة دنانير على السعر الذي قال إنني لن أجده في مكان آخر، لم يقطع الرجاء بسهولة، متشّبت حتى الآن، واصل ملاحقتي، يغمغم بكلمات لم أفهمها لأنني ابتعدت عنه، حتى ترهلت نبرته ومعها خطواته، عندها كنت قد انصرفت..
لم أكن في واقع الأمر أملك إلا حزمة من الأوراق النقدية البنية من فئة مائتي دينار، أحصل عليها كل يوم من كشك الصحف القريب من البيت، مقابل قطع الخمسين دينارا التي يقبضها مني، ينتظرني الرّجل بلهفة مثلما ينتظر المتسولات الغجريات وكأنه يتسلم منّا قطعًا أثرية نادرة..
في بلادنا كأن هناك حفرة بحجم البلاد تختفي فيها القطع النقدية الصغيرة التي تخرج من البنوك، لا أحد يملك فكّة، ويقضي التجار يومهم في البحث عنها.
بعد أن صدقت كذبتي، انحنيت نازلا إلى سوق “الرومبلي” الشعبية ، التي لا يعرفها إلا من زلت ساقه حاجة أو فضولا، أسفل جسر سيدي راشد، حيث يتواعد الذين خرجوا في الصباح تائهين وهم لا يعرفون لهم مقصدًا، فيسألون عن أثمان العصافير، والخردوات وقطع الغيّار، يجربون قطع ملابس اختفت في أمريكا منذ ثلاثين سنة، يشترون أغراضًا نحاسية بلا معنى أو كنوزًا بدنانير، وصورًا عتيقة للمدينة وأعوادًا بلا أوتار وربما كمنجة جديدة لفرقة مالوف فاشلة، وقد يقتنون أيضا من المكان أشرطة غنائية لمطربين ماتوا دون أن يعرفهم أحد.
وجوه حرشاء حفرها الأسى، ملامح منطفئة، وأتربة تتصاعد وأمكن لها أن تُرى بانعكاس ضوء الشمس لكن لا يأبه لها أحد، ينظر الجميع إلى بعضهم بفضول وكأنهم متوجسون لوجودهم في هذه الهوة السحيقة، بينما لا أحد من الذين اجتمعوا هنا يرفع رأسه إلى أعلى، حيث “الرّحبة”.. الشمس تعمي عيونهم !
صعدت متثاقلا أشعر بانقباض في جوفي، وحالما خرجت إلى الفضاء الرّحب، أصبحت بغير إرادتي جزءًا من كرنفال شعبي ملون، مسيرة تتحرك في كل الاتجاهات لكن لا تعرف لها وجهة محدّدة، اختفى بعض النّاس في الأنفاق الأرضية “سو تيران”، عدد آخر اتجهوا إلى سوق “بومزو” وصعد آخرون سلالم المحكمة، كان عدد المتخاصمين ومسانديهم معتبرًا..
أكملت مع البقية.. معاكسات صباحية وأصوات مغلظة وبذاءات فاحشة وبصقات ونظرات ونظارات طبية وأخرى لماعة، ووجوه شاحبة تنظر في الفراغ وأخرى نضرة وثالثة مطلية بـ “الماكياج.
تلك تخففت من لبساها وهذه تلحفت بحجاب شرعي، هذا يرتدي معطفا في هذا الحر، وذاك يحمل أوراقًا والجميع متجهمون كأنهم عادوا لتوهم من جنازة أحد أقربائهم..
أرتال من السيارات على اليمين وأمواج من البشر على اليسار وباعة الأرصفة بين هذا وذاك في غدو ورواح ملوحين ببعض من العطور الرخيصة والمناديل الورقية والدبابيس وأحدهم بتسريحة شعر قديمة ينشد مثل مذبوح: «سواك حار فلفل».
يغوص الممثل الفكاهي عيسى سطوري وسط أمواج البشر، الشيب غزا لحيته فلا يتعرف عليه أحد، عجيب كأنني رأيت ملامحه أو شيئًا يشبهه في منام أمس، بينما تطفو خالتي «منوبة» فوق الموج، بصوتها المجلل الصدّاح: «أعطوني ألفين» وبالقرب منها سيدة فاحمة ترسل ابنتها إلى المارة لتتعلّق بتلابيبهم طلبًا لصدقة بالإحراج.
أمشي أبحلق في النّاس، وملامحهم التي لا تتشابه، إلى أن تراءى لي كمال في وجه أحدهم، كان يشبهه لولا أنه الرّجل أبهى طلّة منه.
أخبرني وجه الرجل فجأة أنه يوم عمل، كيف لم انتبه؟ رأيت جموع المتقاضيين ومسانديهم تلج باب المحكمة ولم أركز، كأنني تجاهلت ذلك، يكون كمال قد استعمل كل قاموسه البذيء، موقعًا بي كل الشتائم التي يعرفها، صحيح أنه في غيابي يستطيع أن يقوم بالعمل وحده، لكن المشكلة أنه لا يحب أن يبقى وحيدًا.
هرولت اختصر المسافات عبر السلالم التي ترفع إلى «الكدية» لكنني لم أجده، جلست قليلا بلا حماس للعمل، ثم عدت إلى البيت بقارورة عطر، اقتنيتها لأمي، فرحت بها كثيرا ثم ساعدتها في تحضير وجبة عدس.
دخل والدي وعلى الفور دعوته لمقاسمتي الأكل، وعلى غير عادته سألني عن أحوال فريقنا، تكلمت طويلا، لكنه لم يعقب بكلمة واحدة.
ربما لم يعجبه ما أقوله لأنه “موكيست” من مشجعي الفريق الآخر، مناصر متعصب في هذا السّن من الذين يغشون مجالس مقهى “روايال” غير بعيد عن البيت، يحللون أسباب تراجع فريقهم وغيابه عن الأضواء منذ سنوات.
بعد صمت طويل سـألني عن لزهر ديفانة وما يقال عن اشتراكه في جريمة القتل، فنفيت باختصار شديد علمي بأي تفصيل، فعلت وأنا أتعمد التملص من سؤال قادم سيجرّه الحديث، عن عملي في الحظيرة بدلا عنه، وهو سؤال أتوقعه منذ عامين كاملين..
أراحني والدي بمغادرته طاولة الأكل، تمدد على السرير الذي كان يجلس عليه، دفع جسده بحركة رياضية إلى الخلف واضطجع، وقبل ذلك كان قد أخرج صحيفته، واستل قلما من جيب قميصه، وغاص بعيدا مع كلماته المتقاطعة إلى أن سمعته يشخر.
بعد الظهر كان كمال في الصورة التي توقعتها له في الصباح، ساعات لم تبدل أمارات التجهم في وجهه، كان مثل ملدوغ غدرت به عقرب قبل لحظات، وبلا مقدمات ابتدرني بنبرة جافة :
آه يا القومي درتها بيا بصحتك.
باغتتني كلماته، لا يٌنعت أحد بهذه الوصف الشنيع إلا إذا اقترف خيانة، تشتت ذهني وعرفت أن أمرا جللا حدث، توقعت أنهم أوقعوا نميمة بيننا، أو أنهم ضربوه في غيابي، ألححت أن أعرف، فتحصّن بالصمت.
حين سكتٌ اتهمني بأنني كنت على علم بالمداهمة التي قام بها رجال الشرطة الذين اعتقلوه في الصباح، بتهمة استغلال حظيرة بلا ترخيص، أقسم ست وثلاثين مرة أنني كنت أعلم ولهذا لم يظهر لي أثر حتى التي اللحظة سحل فيها إلى المخفر وكان ذلك في التاسعة وربع حسب قوله.
عملت بكل الطرق أن أشرح له لكن حجتي بدت واهنة، وأمام حماسته المفرطة لم ينجح في شلّي، لقد أخرجت هاتفي وكتبت رقم زميل الدراسة في محافظة الشرطة القريبة ليكون شاهدًا على براءتي، لكنه لم يهتم باتصالي، ولا صديقي رد على مكالمتي التي كنت أتجهز لاستعمل مكبّر الصوت فيها.
أدار لي ظهره، مشيحًا ببصره بعيدًا، وهو يواصل امتصاص ما تبقى من سجارته، وعلى نحو مفاجئ ركض وراء سيارة، ومع أنه لم يعدو بما يكفي ليلهث إلا أنه عاد ولسانه يتدلى، رمى بعقب سيجارته عاليًا وقبل أن يسقط على الأرض ركله ثم سألني :
ألا تحضر لي قهوة؟
رغم سنوات صداقنا إلا أنه لم يعتد أن يطلب منّي ذلك، لا هو ولا غيره، لا أحد يجرؤ، كنت سأنهره لولا أن مزاجه وما حصل معه في الصباح جعلني أفكر، ثم أتعامل مع طلبه بحيلة، فذهبت وعدت، وأدركت فورًا أنني فعلت عين الصواب عندما رأيت عينيه تسترجعان بعض ما فقدته من ألق، وافقت شرط أن يقص عليّ حكاية من الحكايات التي يبتكرها من وحي خياله، فاكتفى بأن رسم على وجهه ابتسامة محتال.
لا يكف كمال عن التلثم ببطولات واهية، وبدلا من أن يتوقف عن الكذب الذي تربيت في القرية أنه شائنة لا يقترفها الكبار، صار يشركني في تلفيقاته، ويدعوني إلى الشهادة، ولولا «الملح» الذي بيننا لفضحته في المرات التي دعاني فيها لأتكلم واخترت الصمت..
عدت بقهوة مضغوطة كأنها مخلوطة بالإسفلت، أفرغت فيها قطرات من ماء الورد، تسلم الكوب جرع رشفه.. تفحصه بعيني خبير محاولا استنطاق المذاق وسألني:
كما أريدها بالضبط، لكنك لم تضع أكثر من معلقتي سكر.
أجبته: بل أكثر من ذلك، حتى السكر فقد حلاوته يا صديقي، لولا خوفي من مصير أمي لكنت أضع سبع ملاعق في قهوتي.
أحدث فرقعة بأصبعيه الوسطى والإبهام، كما لو تذكر شيئًا
حقا، كيف هي أمك؟
رددت عليه وأنا أبتعد ببصري إلى الأعلى وكأنني أتابع دخان طائرة لم يكن لها أثر:
مريضة، كأن البيت مشرحة منسية، رغم بعض الجلد الذي تظهره أمامنا.
خيم الصّمت ولكن سرعان ما مزقه : «نهاية هذا الأسبوع، سنتسكع أنا وأنت وسمير في منتزه “جبل الوحش” قل لي بربك هل هناك فرق بين من هم في سجن “الكديّة” وأنا وأنت هنا في حي “الكدية”؟
التفتُ لأقول شيئًا، لم أجد ما يستحق أن أقوله.. كل شيء بات بلا ذوق مثل علكة فقدت الرائحة والطعم واللون.
لم تقل لي كيف كان الجو في المخفر؟ سألته بحذر:
قال محافظ الشرطة أنه لن يسمح لنا أن نحول الطريق إلى ملكية خاصة، توعدني بالسجن إن تماديت، لكنه أشفق عليّ وشاركني قهوته بعد أن أخبرته أنني أملك شهادة ليسانس في التاريخ ولم أعثر على عمل.
ولم فعلتْ ذلك؟
من خوفي أيها الأحمق، لم أدعه يبحث في ملفاتنا فأثرت عاطفته ونجحت.
ألم يخبرك متى تكون المداهمة القادمة؟
قبل أن يجيب على سؤالي الذي بدا لي أنه أبهته، غادرت سيارة المكان، انتظرت أن يركض وتوقع أن أفعل، تذكرت أنها كانت نوبتي، تبادلنا النظرات، لكنني على نحو ما انتظرت أن ينقذني من شلل مفاجئ ألم بي، لكنه ضحك وضحكت ثم سأل : إلى متى نعدو لأجل خمسين دينارا؟ هيا نهاجر.
أجبته وأنا أتعمد أن أثير أعصابه: «أنت لا تحترف منذ عرفتك غير الكلام، أنت والتمثال المنتصب في باب القنطرة سيان، قسطنطين مشرّع منذ أمد، هل رأيته يضرب؟، ستذهب إلى الثكنة، تؤدي الخدمة العسكرية، وسأذكرك بهذا حالما تعود حليق الرأس في أول إجازة يتكرّمون بها عليك»
لم تعجبه دعابتي، أراد أن يسب، انتفخ مثل ضفدع حتى خلته سيبصق، ثم سرعان ما أخرج هواءه من منخاره الطويل، صمتَ وصمتُ وعدنا إلى الجري وراء السيارات.
  ( 
هجرة حارس الحظيرة- نجم الدين سيدي عثمان





ليست هناك تعليقات: