الأربعاء، يوليو 5

الجزائر استقلت في اليوم الذي احتلت فيه

سأبقى هنا
التقت الجنية مع بوتفليقة فسألها: كيف حالك عندنا نحن أهل البشر؟ فقالت الجنية: سيدي الرئيس، لكم تمنيت أن تترك الحكم في هذا البلد المجنون الذي يظل يعدل الدستور كل حين، وتأتي عندنا مكرما معززا لأنك عزيز علينا نحن أهل الجن.. وسوف نقلدك تاج الحكم، فلا تجد منا صدا ولا إنكارا، بل تكون الحاكم العزيز المعزز.. وسوف لن نغضب ولن نقلق أبدا، فلست في مملكتنا في حاجة إلى ميثاق للمصالحة، ولا إلى تعديل دستور، ولا إلى محاكمة متورطين في فضيحة الخليفة.. ليس عندنا إرهاب ولا فتنة ولا أحزاب ولا عصب.. ابتسم بوتفليقة وقال لها: شكرا على كرمك، لكني سأبقى هنا فلا مكان أجمل وأعظم من هنا..·
احميدة عياشي


كشف الظنون
بأي حال عدت يا جويلية؟
الخير شوار صحفي
أذكر جيدا ذلك الشعار الذي تكرر في الإذاعة والتلفزيون آلاف المرات المصحوب بنشيد ''موطني··'' والمكتوب فيه بخط عربي ''من أجلك يا وطني''، وكان ذلك في الذكرى العشرين للاستقلال سنة 1982م، والتي صادفت مشاركة الفريق الوطني لكرة القدم في مونديال إسبانيا·· كان ذلك الاحتفال مميزا وكان الاستقلال بالنسبة إلينا شيء ميتافيزيقي وكنا مشبعين ونحن أطفال بتلك الإيديولوجيا الرسمية التي تصور لنا الثوار على أساس أنهم ملائكة، وكان الكبار يقولون لنا بأن المجاهدين تمكنوا من طرد فرنسا التي استعمرتنا 132 سنة، بعد سبع سنين دموية، برغم اعتزازي بكل ذلك إلا أنني لم أكن في أعماقي مرتاحا مائة في المائة، وأنا أقيس المسألة بـ ''هوشات الأطفال'' وأقول: لماذا احتلتنا فرنسا طيلة تلك الفترة ولما طردناها لم نلتحق بها إلى ما وراء البحر ونحتلها أكثـر من مائة وثلاثين سنة أخرى حتى نرد لها الصاع صاعين؟ ولما لا أضفر بجواب أتقبل الأمر على مضض وأنخرط في ذلك ''الفرح الرسمي'' المتواصل وأنا أرى الأفلام السينمائية الثورية المعادة، فأبكي على بطل فيلم ''الأفيون والعصا'' وبطلة فيلم ''رياح الأوراس'' وهي ملتصقة بالأسلاك الشائكة وهي تحمل ديكها (مشروع الرشوة) وتنادي: وليدي·· وليدي·
ثم وتولت الذكريات بعد ذلك وازدادت الأرقام: 23 ,22 ,21,,,· ولم تكن بمثل حلاوة الذكرى العشرين تلك، ولم تكن انتصارات الفريق الوطني في مستوى ملحمة خيخون، واكتشفت بعد ذلك أن تاريخ خمسة جويلية لم يكن خاصا بالاستقلال فقط، وإنما كان ويا للمفارقة، يمثل ذكرى الاحتلال، ولم أكن أفهم سر المفارقة إلا في سنين متأخرة عندما عرفت أن الاستقلال رسميا كان يوم 3 جويلية ,1962 وقد أعتمد تاريخ خمسة جويلية رسميا حتى تمحى من الذاكرة الجماعية ذكرى الاحتلال المشؤوم·
ثم توالت السنون والأرقام وأصبحت البرامج السمعية البصرية الخاصة بالاحتفال تعاد في كل مرة حتى فقدت معناها، ولم يعد الاحتفال عند بعض الناس الذين لم يتمكنوا ساعتها من امتلاك هوائي مقعر يعني أكثـر من برامج تلفزيونية رسمية وأوبيرات مملة ورديئة كتبها ولحنها متملقون وصوليون، ولم تتغير الذكرى إلا بإضافة رقم أضافي فقط، ففي السنة الماضية كانت الذكرى الثالثة والأربعون وهذه السنة نحن في الذكرى الرابعة والأربعين، ثم توالت الرداءة وتراكم الفشل الشامل في الرياضة والاقتصاد وفي كل شيء وأصبح الاحتفال يعني بالنسبة للكثيرين تبديدا للمال العام وعطلة مدفوعة الأجر بالنسبة للفئة المحظوظة التي مازالت تنتمي إلى القطاع العام·
أنا لا أقترح حلولا لهذه المآزق، ونحن نتكلم عن ''ما بعد الشرعية الثورية''، و''ما بعد الوطنية الكلاسيكية''، أقول هل أصبح العيد فقط رقم أضافي وأرقام من المال العام تبذر والرسميون يكررون الحكايا التي لم يعد الجيل الجديد يسمعها وأذنه موصولة بـ 3mp، ولا ندري ماذا يسمع؟
PH/DjazairNews
تنبيه الغافل
جيل الانتظار
زايدي سقية جامعي
في الذكرى الرابعة والأربعين للاستقلال تبقى نفس التساؤلات مطروحة دون أن تلقى جوابا، إنها التساؤلات المتعلقة بطبيعة الدولة الجزائرية ونظامها السياسي ومشروع المجتمع، وهي ذات التساؤلات التي تتكرر مع كل موعد وطني وتعود بجذورها إلى مرحلة بداية تبلور الوعي الوطني الاستقلالي في مطلع القرن الماضي بالنسبة للجيل الذي قاد عملية الاستقلال، فإنه لازال متشبثا بالسلطة ويؤكد أن ما يقوم به منذ 1962 عمل مشروع وينبع من أنه يمارس حقه ''التاريخي'' المتمثل في أن ممارسة السلطة أمر يخوله لها تحرير البلاد· وفي هذا الجيل بالذات، ورغم الانقسامات التي تميز هناك من يذهب إلى أبعد من هذا حين يقول إن جيل الاستقلال لم يستوعب إلى حد الآن عبر الماضي وليس متشبعا بذلك القدر من الوطنية الذي يسمح له بالمشاركة في إدارة الشأن العام، ويقتنع هذا الجيل أن أبناء الاستقلال عليهم أن يكونوا مؤمنين بنفس الوطنية التي آمن بها جيل التحرير، وبهذا تبقى الوطنية عبارة عن جسد محنط لا روح فيه ولا حق، لكل جيل أن يعيشها وفق خصوصياته ومتطلبات عصره، والأكثـر غرابة أن جيل التحرير الذي يؤمن بالوطنية غير القابلة للتجديد والإثراء هو نفسه الذي ثار على مصالي الحاج، متهما إياه بالجحود والاحتكار ورفض التغيير، لكنه الآن وبعد قرابة نصف قرن من الاستقلال لازال يتهم أبناء الاستقلال بأنهم يريدون التمرد عليه؟! الهوة الآن عميقة جدا بين الجيلين، وأنه من الصعب جدا رأب هذا الصدع، وهو ما يحمل في طياته بذور مخاطر كبيرة جدا في المستقبل، خاصة وأن الدولة بمفهومها الفلسفي والنظامي والروحي لم تتحقق إلى حد الآن في بلادنا، إذ لا تكفي في هذا الإطار لا الدساتير المتكررة ولا ''المؤسسات'' القائمة ولا حتى الانتخابات المتكررة ولا كذلك العديد من الأحزاب وما تحمله من تعددية في الشكل، لنقول إن هناك دولة، فالجزائر إلى حد الآن لا تزال تعيش عهد السلطة التي تختفي تحت شعارات مختلفة، فمثلما كان الحزب الواحد ذريعة في عهد الشريعة الثورية ومحاربة الأمر باليد تحولت التعددية إلى ذريعة مشابهة في عهد ما يسمى بالشرعية الدستورية محليا والعولمة وأولوية الاقتصاد على الإيديولوجية دوليا· وما يزيد من خطورة الوضع هو غياب أية رؤية سياسية، فكل ما هو موجود عبارة عن خطابات متكررة تلوكها السلطة وأتباعها وكذلك الأحزاب التي تزعم أنها تمثل البديل لهذه السلطة فإذا بها تشاركها نفس ''القناعات'' والسلوكات، وهذا التغييب المقصود لكل ما هو سياسي يجعل البلاد عرضة لكل المخاطر، ولا يمكن للارتفاع الجنوني لأسعار البترول واهتلاك الخزينة العمومية بملايير الدولارات أن يحلا محله.
PH/DjazairNews
مطافات
الجزائر قيثارة عربية
سهيل الخالدي كاتب
لا يعرف كثير من الشبان الجزائريين الذين ارتبط عيدهم بعيد الاستقلال، أن إعلان الاستقلال يوم 5 جويلية 1962 كان يوما متميزا ليس في الجزائر وحسب، حيث خرجت جموع الجزائريين في فرحة لم يفرحوا مثلها بعد، يطوفون شوارع المدن والقرى والمداشر ويرفعون الراية التي نسجت من دماء الشهداء والشهيدات ودموع الأمهات والزوجات، بل كان يوما متميزا أيضا على صعيد الوطن العربي؛ فقد زحفت جموع سورية نحو قبر الأمير عبد القادر الجزائري في مقام الشيخ محي الدين بن العربي تزف إليه بشرى استقلال الجزائر، وزحفت جموع القاهرة وعمان وبغداد وطرابلس وكل العواصم العربية نحو ممثليات جبهة التحرير الوطني فيها ترقص وتغني، وأطلقت أسماء الجزائر ومجاهديها على الأحياء والمدارس والمعالم؛ وحتى اليوم يندر أن تكون مدينة عربية كبرى بما فيها المدن الخليجية التي لم تكن قد استقلت آنذاك ولا يطلق على معالمها شارع أو حي أو جبل أو مدرسة اسم الجزائر أو أحد مجاهديها· وكان المواطنون العرب قد بدأوا هذه الظاهرة خلال الثورة الجزائرية، فسموا بناتهم وأولادهم بأسماء جزائرية من جميلة حتى أوراس، وتحتفظ أرشيفات الإذاعات العربية وتلفازاتها التي كانت قائمة آنذاك بالعديد من الأشرطة لهذه الاحتفالات والعديد من الأغاني التي كتبت وأذيعت خصيصا للثورة الجزائرية ولعيد الاستقلال، فقد كانت الجزائر فيثارة العرب في ذلك الوقت؛ ومركز فكرهم السياسي، ولدي العديد من الوثائق التي كتبها أدباء وشعراء ومفكرون سياسيون من أجل الجزائر قبل 5 جويلية وبعد 5 جويلية، وهم أدباء وشعراء ومفكرون من أعلى المستويات والذين كانت ولازالت تعترف بهم الثقافة العالمية وتقر بأهميتهم، وكانوا مثل الأنظمة العربية في ذلك الوقت مختلفي المشارب لا يجمعهم -ولا يجمعها- جامع سوى الثورة الجزائرية التي حظيت بإجماع عربي شامل لم يتحقق عبر التاريخ العربي حتى في سقيفة بني ساعدة!
كان الكل يقف مع الثورة الجزائرية والكل غنى ورقص وفرح يوم 5 جويلية 1962؛ وحتى هذه اللحظة لم تزل الأمة العربية لم تعرف فرحة عارمة كفرحتها في ذلك اليوم·
وتراجعت الفرحة في الجزائر، فأول شيء فعلته الفرانكفونية من مجموعة لاكوست التي سيطرت على دواليب الدولة الجزائرية، أن همشت الشباب الجزائري تهميشا مريعا، يبعث على التساؤل، ذلك أن معظم قيادات الثورة ومجاهديها كانوا من الشباب· أما اليوم، فإن الشاب الجزائري في سن الثلاثين مازال ينتظر مصروفه اليومي من والده، وقد ألقي في روعه أن الاستقلال منحة من ديغول، وأن لا أحد من العرب قد ساعد الجزائر في كفاحها، حتى اضطر فتحي الديب أن ينشر كتابه عبد الناصر وثورة الجزائر وينشر فيه البعض القليل من الوثائق التي تبين موقف مصر، وقد تعمد أن تكون تلك الوثائق المنشورة موقعة من طرف الذين قادوا حملة التنكر والجحود!
لقد كان تأثير الثورة الجزائرية في الشباب العربي قويا جدا، ففي الخليج مثلا كان يقود حملة تضامن شباب قطر مع الثورة الجزائرية طالب في مستوى التعليم الأساسي من أبناء العائلة الحاكمة هو الآن أمير دولة قطر· أما في طرابلس الغرب، فقد كان يقود المظاهرات طالب ذاق السجن لأول مرة في حياته نتيجة هذه المظاهرات هو الآن قائد الجماهيرية الليبية معمر القذافي·
وحين طلبت الجزائر معلمين للعربية، اندفع كثير من هؤلاء الأدباء والشعراء والكتاب والمفكرين، وبعضهم كان أو صار رئيس جامعة أو وزيرا في بلده، وكانوا ينامون في الحمامات ويصححون كراريس تلاميذهم في المقاهي، ويتركون شهورا بلا مرتبات حتى أن أحدهم مات في فندقه، وقد عرفت بعضهم· لكن الفرانكوفونية أشاعت في أوساط الشباب أن هؤلاء المعلمين والأساتذة ما هم إلا حذائيين ونجارين في بلادهم· وقد كتب الأخ الدكتور محي الدين عميمور، وهو الشخص الذي لا تنقصه المعلومات، عن هذه الظاهرة، ويستطيع أن يتحدث عن ما هو أدق وأخطر وأخطر·
كل هذه الحرب ضد الشباب الجزائري حتى يفقد هويته، لأن الثورة الجزائرية لم تكن كما يصورها بنيامين ستورا وجماعته محترفة الكذب والتضليل، من أنها حادثة مرور عابرة بين الجزائر وفرنسا، بل كانت ثورة هوية بكل الأبعاد الحضارية·
وها نحن اليوم أمام شباب جزائري يشكل أكثر من 70 بالمائة في المجتمع، ويتساءل عن هويته، فليس هناك كاتب اجتماعي واحد سواء بالعربية أو بالفرنسية، يتحدث عن هموم الشباب، فمن هو الروائي الجزائري أو الشاعر الجزائري الذي يمكن أن نطلق عليه روائي الشباب أوشاعر الشباب، أو كاتب الشباب؟ لقد وجد شبابنا نفسه بعد الاستقلال أمام الحائط، فبعض الفرانكفونيين يريدون صلبه على أبواب روما، و''المعربزين'' يريدون صلبه على أبواب التراث··· وكما لم يقبل شباب الحركة الوطنية أن تضيع هويته، لن يقبل شباب الحرية أن تزوّر هويته، وستظل الجزائر قيثارة عربية كما كانت منذ الأميرة الشابة عليشة·· هل تذكرون؟؟
02-07-2006
PH/DjazairNews
حكايات ناس من عندنا عنهم قالوا
صلاح شكيرو رئيس تحرير سابق
في دهليز عمارتنا كان يعيش في تواد وتصالح فيلق صراصير وقطيع من الجرذان وفأر صغير أبيض اللون وهرّ الجارة وثلاثة كلاب والعم جلول حارس حظيرة السيارات·
أما الكلاب الثلاثة، فأولهما أجرب والثاني رهيف السمع يلتقط أنفاس الجار في الطابق الخامس وهو نائم والثالث له من الذكاء ما يجعله يجيد السمع لمن يكلمه وأحيانا يحسن التكلم!
والعم جلول واحد من لا مأوى لهم، لا تطربه السراء ولا تدهشه الضراء، كان هو داعي الحتف إلى نفسه، عالم يفرض الأعمال ومواضيع الشدة واللين والغضب والرضى والمعاجلة والأنّاة، الناظر في أمر يومه وغده وعواقب أعماله دفع ما عليه من دين إلى المجتمع منذ 50 سنة خلت، قتل سكيرا مثله في حانة بضواحي عين بنيان زمن الاستعمار ومكث بالسجن 30 سنة فدية لجرمه وطيش شبابه·
وجدنا العم جلول في يوم شتاء ممطر في ضواحي دار العجزة يطلب اللجوء ليقي نفسه من برد الشتاء طامعا في طلب لقمة العيش، وقد دبّ الشيب كاهله ولم يعد يقدر على العمل· وحدث لنا أن اتفق جل سكان المداخل الأربعة للعمارة وبنينا حظيرة للسيارات خوفا من السرّاق، وما كان لسكان العمارة أن يتفقوا يوما ما عدا حول مسألة الهوائيات الجماعية زمان وقضية الوقاية من سرقة السيارات· أما مواضيع النظافة وتزيين العمارة وإنارتها وأمنها، فحدث ولا حرج في ذلك، فليس فينا من يكلف نفسه عناء نفض الغبار من على حواشي بابه وهكذا كان حالنا·
كلفنا العم جلول بحراسة السيارات ليلا وإسكناه مدخل الدهليز، وصرنا ندفع له راتبا شهريا قبل دخول الشهر· ومع مرور الأيام جاء العم جلول بكلابه الثلاثة ورشى هرّ الجارة لما يفيض له من فضلات إحسان الناس له، ولما كبر جأشه واستعظم صار هو صاحب المرآب ونحن أصبحنا كرايين عنده، ولم يجرأ واحد منا مطاوعته في شيء فاعتزل عنا وصار ملازما حميما لكلابه وقطه وجردانه وفأرته·
سمعته يوما في حديث فيلسوف مع كلبه الذكي بينما كنت منكبا في تصليح عطب أصاب محرك سيارتي ''الرب وحده الذي يحاسب ولا يحاسب! وأنا لا أرضى من سكان العمارة محاسبتي عن أي شيء، مسؤولياتي عند حراسة أماكن السيارات وقبض ما عليهم من مستحقات''·
ولا شأن لي بمصير سيارتهم، هم يختبئون وراء مسؤولياتي للهروب من ما عليهم من مسؤوليات، قتلت ودفعت ثمن جريمتي ولا دين علي بعد اليوم، وكأن بالكلب الذكي يرد عليه ''ولكنك يا صاحبي لست ربا ولارسولا فحتى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) عاقبه الله لزلة ارتكبها وكانت عبرة للمتقين، حدث ذلك عندما سئل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) عن الروح، فقال لسائله أعطيك الجواب بعد 3 أيام، ولم يأتيه الوحي سوى بعد 60 يوما إلى أن نزلت الأية الكريمة ''ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أتيت من العلم إلا قليلا'' صدق الله العظيم· وكان غياب نزول الوحي مدة شهرين كاملين عقاب لمن يقول إني فاعل شيئا بدون ذكر بإذن الله فما بالك ببني البشر·
ويستدرك العم جلول فلسفته في هدوء تام ''صدقت إلا أن الرجل الصالح يعترف بزلته وإذا زذنب دنبا لم يستح أن يؤدّب لصدقه في قوله وفعله، وإن وقع في ورطة أمكنه التخلص منها بحيلته وعقله كالرجل الذي يعثر على الأرض وعليها يعتمد في نهوضه، فما الذي أصاب الرئيس الفرنسي جاك شيراك في عناده على إبقاء الأحوال على حالها مع رئيس حكومته ديفلبان وكل ما يهمه هو ضمان الحصانة لنفسه بعد عهدته، وهو بذلك على استعداد لبيع عائلته السياسية ومستعد للتحالف مع خصومه الاشتراكيون وحتى مع الشيطان فقط من أجل بلوغ هذا الهدف، فالأمر عندهم في بلاد الشمال بخلاف ما عندنا في أرض الوسط، فدستورنا الحالي مرتب ترتيبا جيدا في ما يخص مسؤوليات الرئيس، فلماذا لا يحقدون مثلنا هم هناك''·
عدت لمحركي وقلت في نفسي ماذا دهاه العم جلول هذا الصباح؟ وماذا دخّن من حشائش ألهمته هذا التخمين السريالي·
PH/DjazairNews
تجليات مغفل
السعيد بوطاجين قاص
ظـل الشّـاي
عندما أفكر ملّيا في علف الفنادق التي تأوي المشرّعين والساسة وأصحاب الحلّ والربط وصانعي بؤسنا الأعظم الذي نسجناه بثرواتنا الذاهبة إلى الفساد، أشعر دائما أن قوتي اليومي حرام علي، حرام علي كعامي وراتبي وابتساماتي وخطاي في أرض لا أستحقها، وفي بلد امتلأ بصخب الأمعاء وذكائها ومنطقها ودينها· وأفكر في بؤساء الوطن الذين ينتظرون الموت أو يذهبون إليه مزهوين وكأنهم تخلصوا منه· هناك دائما بكاء مرعب في ملابسهم وفي لغات الأصابع الجليلة· وأتذكر زازي في أسفل الجبل، في ما يشبه الكوخ النابض ألما·
ليس زازي أكثر من كمشة عروق متشبّثة بالعظام التي لم تسخ بقدرة قادر· لم تتخيل أبدا ما كان يجري في المرتفعات حيث تطبخ بلحمنا وملح كرامتنا·
لا توجد عاطفة هناك، لا مكان للعاطفة البشرية التي تظل واقفة في الطوابير خلف أبوابهم تنتظر أن يؤذن لها بالدخول ولو قليلا، تسلّم وتنكسر من فرط الحياء·
في تلك الأوقات حيث يتكدس لحم الموتى على كل طاولة، تحضر زازي بعض الحطب، ثمانون سنة من الهمّ والأمل· ثم لا شيء· بقي لها أن تملأ الإبريق ماء وتذهب إلى الحجّ ممتطية نيّتها الحسنة· لا يوجد في البيت شاي وما عاد السكر ينبض في الخيال مثل الحنين إلى المقابر المشعّة حيث تعزف الراحة أنغامها·
ثمة جمر ورماد وزاوية يتدلى فيها ضوء قنديل نحيل ومتردّد، كان ممتلئا خجلا كالجدات الرائعات اللائي السلام عليهن كل ثانية وكل دائما·
كانت زازي تعاود استعمال الشاي المختبئ في قعر الإبريق مرّات· لا أحد يدري كم من مرّة· عشرين· عشر لذّات· وحده الخالق يعلم، ومع الوقت أصبحت تنعم بماء دافئ لا طعم له، كانت تشرب ظل الشاي دون أن تشعر بضيق أو حرج· ذلك الظل كان إبنا وصديقة وجيرانا وأعيادا لم تنحن يوما أمام أحد· تلك الأعياد ما أطهرها، وما أروع وجه زازي الذي ظلّ يضيء الدشرة بتلك التجاعيد الجالسة بأناقة· كانت تضحك علينا نحن السفلة· تقول لنا ما أوسخكم يا أحفادي القتلة·
ثم ازدهر الإبريق واتسع ومات الكوخ في ذلك الشتاء· لم تحزن· قالت للإبريق كن وطنا فكان· وهكذا ابتكرت حدودا وجعلت القلب راية تخفق بالجملة·
لم أكن أسمع شيئا عن زازي، لم أر وجهها وما عرفت الحكاية· ما أعرفه أنها ماتت قبل سنين وتركت وصية بحجم خنصر: لكم الذهب والفضة فاكنزوا ما شئتم، أما أنا فقد ادخرت كنوز الكرامة·
أيها القارئ، هل شعرت يوما بأننا عديمو الكرامة؟ أنا أشعر بذلك كثيرا، لا أدري إن كنت مريضا بكل انفصامات الشخصية·
PH/DjazairNews
تقول لكم (ن)
نسيمة بولوفة كاتبة صحفية
مثقف معدوم، ومستثمر بفار
حضرت، مؤخرا، أمسية أدبية تم فيها تقديم كتاب· هذا تفكير جميل، لكن ما أثار استغرابي وتعجبي- يبدو أنني أتعجب كثيرا في بلد العجائب، أكثر من أليس في بلاد الغرائب- هو ناشر الكتاب أثناء تقديمه للكتاب·· تخيلوا قليلا ما قاله: >آسف يا جماعة نظرا لكثرة أشغالي ـ كان الله في العون ـ لم أقرأ الكتاب<· كيف تنشر سيدي كتابا وأنت لم تقرأه؟!
نعلم أن الناشر ليس ساحرا، لا يستطيع قراءة كل ما يرده من أعمال تطلب النشر، فما عليه إلا قراءة بعض الصفحات من خلالها يقدر الحكم، أو ربما هناك طريقة أخرى هو أن يكوّن لجنة قراءة، تضم أشخاصا يثق فيهم، فيقرأون له، ويختارون له الأعمال القابلة للنشر· غير أن الواقع عكس ذلك، فدُور النشر عندنا، غالبا، لا تحوي لجان قراءة، لأن هذه الدُور تفضّل الاقتصاد قدر المستطاع، فلا تشكّل لجانا تضطر إلى أن تدفع لها المال· الغريب أن درجة التقشف تصل حد الاستغناء عن المصحح، فتصدر الأعمال مليئة بالأخطاء إلى درجة مشينة ومنفّرة، كما حدث مع الكتاب الذي تم تقديمه مؤخرا بالمكتبة الوطنية، ولكي يخلي الناشر نفسه من أية مسؤولية، اعتذر أمام الحضور لأن الكتاب -حسبه- صدر في الزمن الذي كان فيه المصحح في عطلة· يا له من عذر قبيح! بت أتساءل ماذا جاء هذا الناشر ليقدم؟ كتابا لم يقرأه، ولم يصححه، إذا لماذا أصدره؟! لأن صاحب الكتاب دفع له المال، وهكذا لا يجوز تسمية الرجل بناشر، بل طابع، يطبع الكتب دون أن يشغل نفسه بمحتواها· بالتالي بمقدور أي إنسان مهما كان مستواه أن يصدر عشرات بل مئات الكتب، طالما معه المال· أذكر هنا شخصا سألني إن كنت أصدرت كتابا، وقبل أن أجيبه، قاطعني: عموما، كل من هب ودب يصدر كتابا، لذا كثرت الكتب السيئة وقلّ عدد القراء!؟
طبعا يتحجج هؤلاء الناشرون بسوء حال سوق الكتاب، لذا تبقى الدولة المعين الوحيد، لأننا لا نمتلك طبقة مثقفة غنية ـ بالفكر والمال ـ فالمثقف في الجزائر غالبا إنسان معدوم، والمستثمر غالبا رجل جاهل ـ بفار ـ كما يطلق عليه· فلا نعرف في الجزائر رجالا ونساء على شاكلة البابطين وسعاد الصباح·· يقبلون الإنفاق على الثقافة!
صحيح قد نجد مستثمرين متعلمين لديهم شهادات عالية، ولكن ليست لهم أية علاقة بالثقافة، فالثقافة لا ترتبط بالشهادة العالية، فكثيرا ما نلقى أصحاب شهادات جهلاء، وقد نعثر على أشخاص بلا شهادة مثقفين جدا، لأنهم يطالعون كثيرا· ومنه يقتضي أن تلعب الدولة دورها في أن تكوّن طبقة مثقفة واعية، ربما هذه الطبقة إن كسبت المال يوما، ستقبل الاستثمار في الميدان الثقافي··
الى أن يحصل ذلك، بوسعنا الانتظار مائة أو مائتي سنة على الأقل؟!

الجزائر استقلت في اليوم الذي احتلت فيه
يحتفل الجزائريون اليوم، بالذكرى الرابعة والأربعين لاستقلال الجزائر، في ظل أجواء وطنية ودولية حساسة، يطالب الجزائريون بحقهم المشروع في الحصول على اعتذار فرنسي رسمي، على جرائم الاستعمار، في الوقت الذي تسعى فرنسا إلى اعتبار ما بدر منها ''صدقة'' على الجزائريين·· وكذلك أمام الجزائريين فرصة تاريخية لصناعة تقدم لهم·
الجيل الجديد يجهل الكثير عن الثورة وفرنسا تصر على ''تمجيد'' جرائمها:
هل سيأتي يوم تجرم فيه الثورة ويحاكم بن مهيدي؟
سمير حميطوش
تحتفل الجزائر اليوم، بالذكرى الـ 44 لعيد الاستقلال، في ظرف بلغت فيه العولمة أوجها، ويكاد الذين صنعوا الاستقلال ينتهون، والأخطر من ذلك أن جيلا جديدا لا يعرف عن تاريخ الثورة الا مواضيع قليلة وبسيطة، في وقت ألقت فيه فرنسا بكل ثقلها السياسي والتشريعي والعلمي، من أجل طمس معالم جرائمها التاريخية، وصلت أوجها من خلال قانون 23 فيفري الممجد للاستعمار، وبلغ إصرار فرنسا حد تعطيل اتفاقية الصداقة، التي كان من المفترض أن توقع نهاية السنة الماضية، لكن عقبة ''الذاكرة'' وإصرار فرنسا على عدم تقديم اعتذار على ما اقترفته من جرائم، ترى فرنسا أنها حسنات تمن بها على شعوب مستعمراتها الحديثة·· وتحدث عدد من الفرنسيين عن هذا الموضوع من بينهم صديق الثورة الجزائرية، جاك فارجاس، الذي قال في حوار لـ ''الجزائر نيوز''، أن عددا من المسؤولين الفرنسيين لا يزالون يفكرون بذهنية استعمارية، أي يحنون إلى ''الجزائر الفرنسية''، وهو التفسير الأقرب إلى المنطق في رفض فرنسا للاعتذار· وكان أستاذ الفلسفة الفرنسي والمختص في المنظومة التربوية موريس طارق ماكسينو، قد نبه إلى أن تمجيد الاستعمار، حدث فعلا في المنظومة التربوية، التي تلقن أبناء الفرنسيين، أن أجدادهم قد نقلوا الحضارة الى ''المتوحشين''، الذين يسكنون وراء البحار· وقال عدد من المتتبعين للنقاش الذي حدث في فرنسا عقب صدور قانون 23 فيفري، أن الفرنسيين متشبعون بالذهنية الاستعمارية· وفي المقابل، لم يهتم الجزائريون وكثير من صناع الاستقلال، بكتابة تاريخ الحدث، واكتفوا بنشوة النصر التي سيطرت عليهم والبعض الأخر وجه كتابته للتاريخ أو المذكرات، لخدمة أغراض خاصة وتصفية خلافات تاريخية، ووصلت بعض الكتابات الى حد التناقض، وهو ما دفع الجيل الجديد، باعتباره غير معني بتلك الصراعات، إلى العزوف عن قراءة أو الاقتناع بالمادة الموجودة، والأخطر من ذلك، أن يقول أناس أن ''تاريخنا مزور''، أضف إلى ذلك مشكلة الأرشيف التي لم يسبق للدولة الجزائرية أن طرحتها بجدية، وهو مؤشر يهدد بأن تتحول الكتابات والأبحاث الفرنسية التي ستصدر في إطار تجسيد قانون 23 فيفري، إلى مرجع رسمي للتاريخ الجزائري، وإذا تم ذلك واقتنع الجزائريون بأن الاستعممار شيء إيجابي، فإن بن مهيدي والذين استشهدوا، سيحاكمون بتهمة اقتراف ''جريمة الثورة''·
فيما يعتبر المؤرخون أنه من الضروري رفع القداسة عن الثورة:
صفحات من تاريخ الثورة لم تكتب بعد
حسان وعلي
تمر اليوم 44 سنة على استرجاع الجزائر سيادتها الترابية، وتبقى عدة محطات في تاريخ الثورة التحريرية غامضة لم ينفض عنها غبار التعتيم، ويرجع بعض المؤرخين ذلك، إلى الانتقاء في كتابة التاريخ الرسمي للثورة، تاريخ وظف لإضفاء الشرعية الثورية على نظام الجزائر المستقلة، وبالتالي أقصي كل ما بإمكانه أن يضر بـ ''قداسة الثورة''، وباعتبار أن التاريخ يكتبه المنتصرون، فكان لا بد من تبرير الاستيلاء على الحكم، وهنا تكمن الانزلاقات الخطيرة حسب المؤرخين، الذين يرون بأنه آن الأوان لرفع القداسة عن الثورة وكتابة التاريخ المعاصر للجزائر بكل موضوعية، والتطرق إلى الجوانب الإيجابية والسلبية بدون انتقاء· ويقول الصحفي المختص في تاريخ الثورة، منتصر أوبترون ''إن الثورة تحولت إلى خطاب تمجيدي وبالتالي كل ما هو سلبي مقصى، ولا توجد ثورة مقدسة، كجميع الثورات هناك انحرافات ولا يجب التكتم عليها''· ويرى أبترون ''أن من هذه الانحرافات التي وقعت في الثورة، المجازر والتصفيات الجسدية·
ولعل أهم هذه الأحداث، مجزرة ''أولاد أورابح'' بمنطقة فرعون ببجاية، ارتكبها عناصر جيش التحرير ضد سكان هذه القرية في أفريل ,1956 بتهمة الحركة والتعامل مع العدو، وإن كانت الحقيقة عكس ذلك، يضيف ابترون·· هناك أيضا مجزرة عين بوسيف في ماي,1957 أين قتل أكثر من 1500 شخص·
ومن بين الوقائع التي تكتم عليها التاريخ الرسمي، الصراع الذي انفجر بين جيش التحرير الوطني والحركة الوطنية الجزائرية، أحد رواد الحركة الوطنية، الذي اتهم بالخيانة والمعادي للثورة، واسقط اسمه من الكتابات الرسمية، قبل أن يرد له الاعتبار في السنوات الأخيرة، الصراع بين الطرفين خلف عددا كبير من الضحايا دون أن تشير إليه كتابات التاريخ·
وتعتبر قضية ''البلويت'' من أكبر نقاط الاستفهام، التي اجلت الاجابة عنها الى حد الآن، ويقول بعض المؤرخين، أن هذه القضية تمت تصفية ''الانتليجانسيا'' وتمت ''تصفية أحسن الوطنيين''·
إلى جانب هذا، تبقى قضية التصفيات الجسدية، أكبر الأحداث التي أسكتها التاريخ، فلماذا إذن التحق عاجل عجول نائب مصطفى بن بولعيد بالجيش الفرنسي، خوفا من التصفية بعد استشهاد بن بولعيد، الذي فجر أزمة الخلافة في الولاية الأولى التاريخية، وكذلك تصفية سيحاني بشير بالأوراس· ومن بين المحطات التي لا أثر لها في التاريخ الجزائري، يضيف منتصر اوبترون، الضباط الأحرار الذين ظهروا بالولاية الثالثة، وانسحابهم من جيش التحرير، سببه عدم احترام هذا الأخير لقرارات الصومام، فلم يعد هؤلاء الضباط يحتملون المحاكمات غير الشرعية، القتل بالسكين، تصرفات منعتها قرارات مؤتمر الصومام، نفس الشيء بالنسبة لجنود الحرية أو ما يسمى ''الجبال الحمراء''، حيث شكل المناضلون الشيوعيون جزائريون وأوروبيون، جيشهم وساهموا في الكفاح المسلح الى جانب جيش التحرير· التاريخ لم يتحدث عن هنري مايو، موريس لوبان وقدور بلقايم، الصادق هجرس وهنري علاف· من جانب آخر، لم تدون قضية التحاق جنود جيش التحرير بأعداد كبيرة بالجيش الفرنسي، وحسب منتصر أوبترون، من أهم الأحداث التي توضح ذلك التحاق الضابط حمبلي ومعه 300 جندي بالجيش الفرنسي في الحدود الجزائرية ـ التونسية في أواخر سنة ,.1960 وتكون الخلافات داخل جيش التحرير والحرب على القيادة، السبب الرئيسي في انشقاق هذا الفيلق عن جيش التحرير·
والأكيد، هو أنه هناك نقاط ظل أخرى تجعل تاريخ الثورة، منقوصا من عدة صفحات، آن الوقت لملئها في نظر المؤرخين، الذين يقولون أيضا أن المصالحة مع التاريخ لن تتحقق الا بالمرور على جسر الحقيقة·
محمد قورصو (رئيس جمعية 8 ماي 1945)
الجزائر لديها بطاقة سياسية واقتصادية قوية تمكنها من تركيع فرنسا
شدّدتم خلال الاحتفالات الأخيرة بذكرى مجازر 8 ماي 1945 على ضرورة تسوية واسترجاع الأرشيف الثوري، هل لكم أن تشرحوا لنا أهمية الموضوع؟
بداية، ينبغي أن نميز بين صنفين من الأرشيف، الأول منه هو الذي تم حجزه أثناء الثورة التحريرية بحوزة المجاهدين الأسرى والمستشهدين، وهذا النوع لا ينبغي علينا أن نتخوف منه·· فالثورة الجزائرية كانت توجد بها تناقضات وخلافات بين قادتها، لذلك فلابد من إعادة الاعتبار للإخوة الذين ذهبوا ضحية خلافات جهوية وقبلية، وإن هذه العملية ستساهم من دون شك بالكتابة الموضوعية للتاريخ ووضع حد لكل من يحاول تشويه الثورة الجزائرية، وهنا أريد أن أشيد بالعمل الشجاع الذي قام به رئيس الجمهورية، وهذا بتسمية الدفعة الأخيرة للأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال باسم الشهيد بشير شيحاني· أما الصنف الثاني للأرشيف، فهو موجود بحسب ما علمنا بوزارة الدفاع وغيرها، ويستحسن أن يفتح هذا الأرشيف بعد تصنيفه في أقرب وقت في وجه المؤرخين الجزائريين· وبصفة عامة سيكون الصراع على المستوى التاريخي حول من سيكون له السبق في كتابة صفحة لتاريخنا، فإن كان السبق للآخرين أي الأوروبيين وتحديدا الفرنسيين فستدوّن في ذاكرة الأجيال رغم إيجابياتها· أما إذا كان السبق للمؤرخين الوطنيين، فلا بد أن يكون التدوين بموضوعية أي بجميع السلبيات والإيجابيات، وستترك حتما انطباعات إيجابية في الأذهان، فتتخذ بذلك بعدا علميا وحضاريا تبرز قدرة الجزائر على التكفل بماضيها بمختلف أوجهه لا سيما السلبية منه·
في رأيكم من هو الطرف الذي سيتولى استرجاع هذا الإرث التاريخي الجزائري؟
يجب أن يكون الطلب قوي من طرف المؤرخين، أما الذي يقوم بالعملية فهي السلطة الجزائرية، وهنا أود الإشارة إلى أن السلطة في 1979 دخلت في اتصالات مع فرنسا لاسترجاع الأرشيف، وهنا المسألة مسألة سيادة، فالقوانين الدولية تقول بأن الأرشيف ملك للبلد الذي دوّن فيه، إذن فهو ذلك للجزائر، وبالأخص الأرشيف الذي كان بحوزة الأسرى والشهداء الجزائريين، إضافة إلى الوثائق التي كانت بمغارات المجاهدين·
هل تعتقد أن فرنسا مستعدة للإفراج عن الأرشيف في هذا الوقت المتزامن مع إصدارها لقانون 23 فيفري الممجد للاستعمار؟
استعداد فرنسا مرهون بقدرتنا على التجنيد والمثابرة في مطالبتنا بهذا الأرشيف، لذلك فنحن مقبلون على معركة جديدة في معركة استرجاع ذاكرتنا الوطنية· ونظرا لإقدام فرنسا على إبرام علاقات اقتصادية مع الجزائر، فإنه لدينا بطاقة سياسية واقتصادية قوية تمكننا ليس فقط من المطالبة بإلغاء القانون الخاص بتجميد الاستعمار وحسب، بل وكذلك استرجاع الأرشيف· وهنا أريد أن أفتح قوس حول قانون 23 فيفري، فما هي الفائدة من إلغاء المادة 4 التي تمجد الاستعمار في ظل إبقاء المادة الثالثة التي تنص على تأسيس مؤسسة لكتابة حرب الجزائر ومعارك تونس والمغرب، لذلك فإنني أكرر ما قلته بيد الجزائر بطاقة قوية تمكنها من تركيع فرنسا وإرغامها على تقديم العذر والتعويضات·ا من تركيع فرنسا وإرغامها على تقديم العذر والتعويضات·
سأله: سفيان·د
تاريخنا مزور؟!!
''على الشعب أن يضغط على الحكومة من أجل أن يطّلع الشباب على حقيقة أرشيف الثورة، فجانب من تاريخ حرب التحرير مزور، وهناك من يدعي بأنه مجاهد وهو لا يمت للجزائر وثورتها بأي صلة، وهناك شخصيات ثورية لم نسمع عنها إلّا في بداية الثمانينيات·· لماذا؟ وهناك كتابات تاريخية أخيطت على المقاس لخدمة جهات معينة·· وحزب الشعب الجزائري لم يعتمد في 1989· هذه تصريحات شباب ومجاهدين·· رصدتها ''الجزائر نيوز'' بمناسبة الذكرى 44 للإستقلال···
إستطلاع: عبد اللطيف بلقايم
ــ كايم حميد 58 سنة: الحديث عن الذكرى الـ44 للإستقلال تجعلني أقول وبصراحة أننا تحررنا عسكريا فقط، أما اقتصاديا واجتماعيا فالشعب الجزائري، حب من حب وكره من كره، فهو تابع بكل المقاييس، وفضلا على هذا، فالاهداف التي حددت قبل الاستقلال ليست نفسها اليوم، فالشعب ''مغبون''، وعلى هذا الأساس، فواجب الحكومة ان تظهر الحقيقة التاريخية للثورة، وعلى الشعب بدوره الضغط على حكومته، اذا أراد ان يعلم الجانب الخفي من تاريخه، وعلى هاته الحكومة من جهة أخرى، إعادة كتابة التاريخ الذي أشك فيه كثيرا، وعلى سبيل المثال، فإن العقيد عميروش وسي الحواس، بدأ الجزائريون يسمعون عنهما في بداية الثمانينيات فقط، فلماذا هذا الأمر، أليس يدعو هذا إلى الشكوك·
ــ (غ· ر 47 سنة ـ موظف): الإستعمار الفرنسي خرج عن طريق الرجال وبفضلهم تم انتزاع الاستقلال، لكن منذ 05 جويلية 62 لم ننعم بالهناء، سبب ذلك الظروف الاجتماعية، نقص حرية التعبير، التاريخ محرف، وعلى ضوئه نشبت الصراعات السياسية والنزاعات القبلية والجهوية، فالرئيس بوضياف بمجيئه، كشف بأن رباح نوال ليس مجاهدا أو شهيدا، ونفس الشيء جرى مع صالح بوعكوير المشكوك فيه، أيضا حسب الضجة التي اثيرت في الصحافة منذ سنة او سنتين، هناك أناس لم يشاركوا في الثورة، والدليل هو العدد، الذي توصلت إليه الحكومة بانتهاء الثورة وعلى ما أذكر لم يتجاوز 6 آلاف والآن هؤلاء هم بالملايين ما هذا؟ أليس هذا تزوير للتاريخ·
ــ (عدلان ذهبي 33 سنة ـ بطال): أنا شاب لم أعش الثورة أو الاستقلال، لكن حسب المقررات الدراسية التي اطلعنا عليها في المؤسسات التربوية أثناء تواجدنا بالمدارس وبين ماهو متداول في الشارع، هناك فرق كبير، ومن حقنا نحن الشباب، ان نطلع على الارشيف الذي لم تكشف تفاصيله، عليهم ان يعلمون ابناءنا واخواننا التاريخ الحقيقي، وزيادة على ذلك فالاستقلال بالنسبة لي هو نفس التضحية التي قدمتها أنا أيضا، حيث لبيت نداء الخدمة الوطنية في العشرية الحمراء ولم أكن مكترثا للإرهاب، لكن مقابل ذلك وعند خروجي من الخدمة العسكرية لم أجد عملا، فأي استقلال يا أخي!
ــ محي الدين·ذ 36 سنة: البارحة فقط رأيت حصة في التلفزيون الجزائري أظهرت براعم صغار يقومون بأداء النشيد الوطني وبعض المقطوعات من القصائد الشعرية الثورية، وما لاحظته هو عدم حفظهم لتلك الاناشيد، وهذا دليل على تخلي المدرسة عن واجبها إزاء الجيل الجديد، ونفس الشيء بالنسبة للاستقلال فالتاريخ مثلا هناك من يقول أن 3 جويلية، هو الاستقلال، وهناك من يقول في الثاني وهناك من يقول الرابع جويلية، هناك خلط وحلقة مفقودة، وهو ما جعل الروح الوطنية ناقصة والتاريخ الذي نعلمه غير رسمي، وهو ما يشعل في نفسي نارا كي أعلم ما يخفيه أرشيف الثورة·
ــ (حاسي محمد بن احمد 86 سنة ـ مجاهد من أولاد جلال): أنتم الشباب لم تعرفوا حقيقة الثورة، لأن آخر الناس أو الجيل أو سميه كما تريد نشروا أخبارا خاطئة عن الاستقلال والثورة والمجاهدين الحقيقيين، الذين لازالوا أحياء هم عبارة عن أرشيف حي هم الآن مهمشين ولا يقاس عليهم ولا يؤخذ بشهاداتهم ومنهم من يملك حتى وثائق رسمية فيها الكثير من المعلومات، فمثلا حزب الشعب الذي ترعرت فيه منذ 46 في أحداثه العجيب والعجيب·
ــ (علي عقوني 69 سنة ـ مناضل سابق في حزب الشعب): أنا كنت مناضلا في حزب الشعب الجزائري وحضرنا للثورة بالكتابة على الجدران وإعلام الشارع، لكن ما كنا نعيشه ونسمع به في ذلك الوقت لا يمت بأي صلة لتاريخ اليوم الذي يقرأ في المدارس، فأقول بصراحة هذا التاريخ مزيف، فالإستقلال كان يعني لنا كلمة الشعب وانتخابات حرة ونزيهة وأصبحنا نرى العكس، شيء غريب حقا، فما نطلبه نحن كفاعلين في هذا التاريخ ان يبادر بوتفليقة بمصالحة مع التاريخ، فمثلا من تأسيس حزب نجم شمال افريقيا منذ 1926 الى غاية الاستقلال كل شيء منه مجهول، الشيء الآخر اغتنم فرصة اخرى للقول بأننا طلبنا من وزارة الداخلية ان تعتمدنا كحزب اسمه حزب الشعب منذ ,89 لكن لم يفعلوا لا أدري، ماهي الخلفيات والراجح هو ما قيل في الكواليس حول انضمامنا الى الافلان في حين الافلان هو خريج مدرسة حزب الشعب وهو منه أصلا·
ــ (محمد بوقريوة 79 سنة): انا لا أسميها ثورة بل حرب التحرير، ولكن للأسف الشديد، اتحسر وأتألم لم أكن متيقنا لأخبرك بأن التاريخ الذي تحدثني عنه اصبح لباسا يخاط على المقاس، فمن يخدمه حدث تاريخي معين يبرزه ومن لا يخدمه يزاح من الذاكرة، ما يحدث لفترة زمنية طويلة من حياة الجزائر هي مزورة للأسف ولا يعلمها إلا القليل، فالتاريخ وما حدث قبيل الاستقلال هو في القلوب، وحتى الظروف آنذاك لم تكن تساعد لكتابة هذا التاريخ وتواجهات الدولة الجزائرية اليوم لا تساعد كي نبوح ببعض الأشياء، فبصفتنا كمجاهدين لكننا نضغط يا إبني لإخراج ما يمكن إخراجه للعلن·
ــ (عبد القادر بوفلوح 72 سنة ـ مناضل سابق في حزب الشعب): لقد سجنت بسبب نضالي في البرواقية وعين وسارة والضاية، وعانيت كثيرا في وقت الثورة كما كانت تعاني الجزائر، لكن هذا التاريخ مجهول لديكم انتم كشباب اليوم والمستقبل، ولست هنا ألقي باللوم عليكم فأنتم أبرياء وأؤكد لك ان 99% مما يسمون بالمجاهدين مزيفين·
ــ (حرز الله بوسعادة 68 عاما): لما تم نفيي من التراب الفرنسي سجنت كذلك بالجزائر، التي شهدت احداثا كبيرة وكثيرة في الحرب التحريرية، ومشكل تاريخها هو مشكل يجب ان يعالج من البداية وهذا العمل ينطلق من مركز ''لاسات'' الذي يحتكر وثائق وارشيف الثورة واذا ما أرادوا كتابته، فعليهم ان يستغلوا وجود الثوار والمجاهدين الموجودين على قيد الحياة والاصغاء للحقيقيين وليس للمزورين، ولا تقلق فالجميع يعلم من المزور ومن المجهد، وأذكر لك هناك قضية كبيرة هي العظام المدفونة لـ134 مجاهد في بوسعادة.. واحميدة عياشي مدير ''الجزائر نيوز'' على دراية بها، حيث سبق وأن بعث بأحد صحفييكم للتحقيق في الأمر، الدفن لم يكن عاديا فالرفاة ملقاة عشوائيا، وطلبنا من الدولة إعادة دفنهم، لكن هذا لم يفعل بعد فمحمد الاوراسي مثلا حفرنا عليه ووجدنا عظامه ولم يعترف به وحتى محمد بلكحل من نفس المنطقة ''دايرينو خاين''·
يا محمد مبروك عليك·· الجزائر عادت ليك
لقد جاؤوا من المغرب، من المغرب الأقصى.. وكانت الإذاعة الرسمية بإمكانياتها المحدودة تعيد بث أغنية شعبية مطلعها ''يا محمد مبروك عليك، هي الجزائر عادت إليك'' مرات ومرات إيذانا بعودة الجزائر إلى محضنها الطبيعي ''الأمة العربية والإسلامية''.
يقول أحد من عايش تلك الفترة ''كان الجدل قائما حول إعلان الاستقلال الرسمي للجزائر عن الاستعمار الفرنسي وكانت المهمة قد أوكلت إلى رئيس الجمعية الوطنية التأسيسية فرحات عباس، وسبب ذلك الجدل هو تسمية الدولة الجزائرية.
ويضيف قائلا ''جرى الاتفاق في البداية على أن تكون التسمية ''الجمهورية الجزائرية العربية الإسلامية''، لكن رفض فرحات عباس وفرانسيس وأعضاء بارزين في القيادة آنذاك (الجمعية التأسيسية) جعل من التسمية تستبدل بأخرى هي الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية التي سرعان ما تحوّلت إلى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وهي تسمية توحي بانحياز الجزائر المستقلة إلى المعسكر الاشتراكي بزعامة الإتحاد السوفياتي.
يقول توفيق الشاوي في مذكرته، إنه أبلغ الرئيس بن بلة عن التحول في المواقف، لكنه أصر على أن الجزائر لن تكون اشتراكية لأنها عربية وإسلامية ولا تحتاج أن يثبت ذلك في تسمية الدولة الرسمية.
وأضاف الشاوي في مذكرته أن مؤتمر طرابلس في مارس 1962 اختار المنهج الاشتراكي للجزائر، وأنه لم يكن من السهل على القيادة الجزائرية آنذاك التحلل مما تم الاتفاق عليه في طرابلس بسبب ضغوط مصرية (نظام جمال عبد الناصر) واللوبي الفرنسي الاشتراكي.
ويكشف توفيق الشاوي، وهو شخصية مصرية معروفة، أنه حاول إقناع أعضاء الجمعية التأسيسية بصواب وجهة نظره، وهو بعدم تبني النظام الاشتراكي، غير أنه فشل ولم يجد الدعم إلا من شخص واحد فقط هو المجاهد والراحل العقيد محمدي السعيد (ناصر) الذي فضل عدم إثارة حساسية القبايل وللاكتفاء بالطابع الإسلامي للدوحة، لأن الدين الإسلامي قاسم مشترك بين جميع الجزائريين وأنه الشيء الوحيد الذي يجمعون حوله.
ويضيف الشاوي ''لما طلب العقيد ناصر الكلام في جلسة الإعلان الرسمي للاستقلال برئاسة فرحات عباس وحول المقترح، لكن أحد أعضاء الجمعية تدخل وأجاب بأن الجزائر ليست مثل اليمن''.
جلال بوعاتي
PH/ DjazairNews
بمناسبة عيد الاستقلال 05 جويلية 1962
تحية إكرام وتقدير لعائلات شهدائنا الأبرار
أثناء فترة مشاركتي في الكفاح التحريري ضد الجيش الفرنسي في معاقل الولاية الرابعة كنت أحمل معي على الدوام كناشة طريق أكتب فيها ملاحظاتي وأسجل الأسماء والتواريخ والأمكنة، وكل الأحداث التي هزتني من الأعماق، كنت أسرد وقائع الكمائن والاشتباكات ضد العدو وخلال الثورة المسلحة، ثورة فاتح نوفمبر .1954
أستطيع اليوم أن أخط الأحرف التي كنت أود توجيهها لعائلات مجاهدينا، لأولياء رفاقي الذين ماتوا في ساحة الشرف، كأبطال كانوا إلى جانبي وقدموا التضحية بالنفس، يحدوهم واجب الوطنيين المكافحين في سبيل الحرية بنكران للذات·
أريد الآن، أن أكتب الأحرف التي لم يكن بمقدوري تسجيلها في الأوقات الصعبة، هي كلمات لأبنائنا الشباب، أبناء شعبنا الغالي كي لا ينسوا أبدا شهداءنا الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم في المعترك ضد الجيش الفرنسي، الذي لم يتردد في تطبيق سياسة الأرض المحروقة بتدمير وحرق المنازل والغابات عند مروره انتقاما من شعبنا الشجاع والأعزل الذي قبِل كل التضحيات بفضل التزامه وقدم بذلك أقوى سند لوجيستيكي·
لن أنسى أبدا، بل سيبقى راسخا في الذاكرة الجماعية، ذلك الاستقبال الحار والمعزز لنفوسنا الذي كان يخصنا به السكان المدنيون بتأمين تغذيتنا وإيوائنا عقب معاركنا ومسيرنا الطويل والشاق في طريق عودتنا ويستغرق أزيد من عشر ساعات في كثير من المرات·
في الواقع يحق التساؤل كم من أبنائنا في سن العشرين، من الجامعيين، والقوى الحية لجزائر الغد يعرفون الشهيد ''سي الزبير'' من الصومعة، واسمه الحقيقي ''سليمان الطيب'' الذي سقط شهيدا في ساحة الشرف يوم 22 فيفري 1957 في دوار السباغينا بولاية البليدة، عندما قام بحماية حوالي أربعمائة طالب وثانوي كانوا ينتظرون توجيههم إلى تونس والمغرب من أجل جلب الأسلحة لولايتنا التي كانت في أمسّ الحاجة، أو لغرض إكمال دراستهم· غير أن العدد الهائل للطلبة والثانويين الذين انتظروا طويلا في المنطقة جلب انتباه الجنود الفرنسيين، ففي حدود الساعة الثالثة زوالا وجدوا أنفسهم محاصرين من طرف خمس عشرة طائرة هيلوكبتر من نوع ''سيكورسكي'' تكالب المظليون الفرنسيون على الطلبة غير المسلحين، توفي سي الزوبير في 22 فيفري 1957 رفقة 27 طلبا بينهم طلبة ثانوية رحم الله الشهداء·
الشهيد سي موسى قلواز، قائد الكومندوس ''سي الزبير''، قائد كتيبة الحمدانية الناحية الثالثة وقائد كموندوس المنطقة الثانية للولاية الرابعة، سقط في ميدان الشرف في معركة كبيرة الساحة العمومية بمدينة الشريعة بولاية البليدة تحمل اسمه·
كان السي موسى جندي في صفوف الجيش الفرنسي إبان حرب الفيتنام، وكان معه كذلك أحمد خلاصي، شماني عبد القادر من عين الدفلى وسي معمر معمر من واد جر وبراكني براهم من البليدة كل هؤلاء كانوا مجندين في صفوف الجيش الفرنسي· وبفضل خبرتهم العسكرية كانوا أعمدة الكومندوس ''سي الزبير'' الذي خرج بانتصارات عظيمة ضد العدو الفرنسي·
نتساءل اليوم كم من مراهقينا يعرفون اسم الشهيد بوراس محمد، من العفرون، مات في سن السابعة عشرة (17) في معركة تمزفيدة يوم 22 مارس ,1957 حيث قضى الكومندوسي ''الزوبير'' مظلي بيجار، عناصر النخبة من الهند الصينية، ذوي الخبرة في حرب العصابات·
هذا الكومندو- تحت قيادة الملازم ''قيوم'' ابن الجنرال ''قيوم'' المقيم بالمغرب والذي دربه الجنود الفرنسيون المتطوعون- قضى ليلته في المعقل وقدمت له وعود بالترقية في الرتبة مقابل مهمة تنفيذ عملية يبرهن بواسطتها للشيوخ الأمريكان والفرنسيين (السيناتورات) على أن منطقة البليدة كانت هادئة وأنه لم يبق فيها سوى بعض المتمردين الشيوعيين (الفلاقة)·
ونتساءل أيضا من يعرف اليوم من أبنائنا اسم الشهيد بن ميرة الطيب من ثنية الحد المدعو ''الاستقلال'' وقد أطلقنا عليه هذا الاسم ذات يوم أثناء تلقيه دروسا، قال لي: أنا لا أعرف ''لانديبندانس'' ولا الاستقلال، لقد جئت من أجل القتال وسأكون شهيدا، واستشهد يوم 27 أفريل 1957 في معركة سيدي ''محند أكلوش'' بمنطقة شرشال، وهو الذي قال في العشية بأنه سيستشهد في الغد ويسبقنا إلى جنة الفردوس، أصيب أخونا الاستقلال إثر قذيفة في البطن بجروح بليغة، لقد كان سعيدا بأن يموت من أجل الجزائر·
وكانت آخر كلماته: خذوا سلاحي، وأبلغوا سلامي لرفاقي، وإذا مررتم ذات يوم بدوار ميرة قرب ثنية الحد، أقرأوا عائلتي السلام، وقبلوا إبنتي، والآن أتركوني أموت، انطلقوا بسرعة، إنصرفوا·
أمرنا ''الاستقلال'' بالانصراف لأنه أدرك بأن القوات الفرنسية كانت وراءنا واستشهد في الـ 27 من شهر رمضان عشية ليلة القدر، وصادفت آنذاك الجمعة·
استشهد شرفاوي أحمد من شرشال وأحمد عباس من موزاية في معركة سيدي سميان يوم 20 ماي 1957 طيلة مدة الاشتباك، وفيه حاول العدو حرق الغابة حيث كنا تعالت زغاريد الفرح والتشجيع من شعبنا الذي سارع إلينا في كل الجهات أثناء القتال الذي خرجنا منه، بأعجوبة وكبدنا العدو خسائر فادحة، في نهاية المعركة أحرقت قوات الجيش الفرنسي كل شيء بدوار نواري، وسارع سكانه لإغاثتنا بأكواب من الحليب وبالطعام غير مبالين بمساكنهم التي أكلتها النيران، إنه شعب عظيم·
استشهد تكارلي سليمان وسي محفوظ من خميس الخشنة يوم 04 ماي 1957 إثر اشتباك بزكار ضد الكتيبة الـ 29 للقناصين الجزائريين BTA) 29 (Le وماتا عندما كان يتأهبان للتموقع في قمة الجبل، وفجأة دوت طلقات بارود من العدو الذي كان يطلق النار على أفراد مجموعتنا الأولى بعد أن تجاوزنا الطيارون الفرنسيون· قتل كل من تاكرلي سليمان وسي محفوظ بنفس الطلقة من رشاش العدو، كنا يومئذ 35 مجاهدا في مواجهة فيلق من الجنود الفرنسيين قتلنا منهم عددا كبيرا وأسرنا واحد من الأقدام السوداء من وهران·
بتاريخ 20 أوت 1957 عينت كتيبة الحمدانية لمناوشة مدن كل من شرشال، نوقي، الداموس، فوراية، حجرة النوس، مناصر، سيدي أعمر ولرحات، وهذا على شعاع 80 ثمانين كيلومترا في الساعة 19 و40 دقيقة وصلنا المكان الذي كان يجب أن نشن منه هجوما على ثكنة للضباط الفرنسيين بشرشال، كنا جنبا إلى جنب، مسلحين جميعا ببنادق عارند وقطع 56 أصبعنا على الزناد·
وكنا نعرف بأن بقية مجاهدي كتيبتنا الحمدانية كانوا في نفس الوضعية، مستعدين لضرب العدو وتحقيق أهدافنا في تمام السلعة الثامنة مساء وجهنا جميعا في نفس اللحظة طلقتنا، فكان الذعر وسط ثكنة مدرسة الضباط بشرشال· وكنا نسمع صراخ الألم الصادر من الجنود الفرنسيين الذين فاجأهم هجومنا دوت صفارة الإنذار، وكان الاستعداد للقتال·
كان الرائد سي البغدادي واسمه الحقيقي عليلي احمد من بوفاريك أول من أدخل السلاح من الخارج (تونس) عند وصوله إلى الولاية الرابعة في ماي 1958 قام بتوزيع الأسلحة على المناطق الثلاث في الولاية الرابعة، وهي المنطقة 1 الأخضرية (بالبيترو سابقا)، المنطقة 2 البليدة والمنطقة 3 الونشريس-زكار الشلف·
في جويلية 1958 استدعى سي بغدادي للتوجه من جديد نحو المغرب، وكان هده المرة أقل حظا وسط الصحراء بين البيض والمشرية، حيث فوجئ على مقربة من الحدود الجزائرية المغربية في الجنوب الغربي للعريشة، بمعية رفاقه في الشط الغربي، ولم يكن من بد وسط هذا الفضاء الممتد على مدّ البصر والرملي القحط إلا خوض معركة ضد الجنود الفرنسيين على أمل ألا يقع بين أيديهم حيا· وبقفزة في المجهول أشهر سلاحه في وجه العدو صائحا ''الله أكبر'' ووجد نفسه بذلك معرضا لطلقات الرشاش من جانب العدو والذي وضع حدا لحياة مجيدة تكتب صفحاتها من ذهب·
رفيقي براكني براهام جوهرة فريق كرة القدم لإتحاد البليدة، استشهد عندما حاول الإجهاز على بندقية رشاشة من العدو أثناء اشتباك عنيف بدوار براكنة قرب شرشال، لقد أراد براكني هته البندقية مهما كلف الأمر، لأنه قبل بضعة أيام كان قد ترك رشاشه إثر مغادرته فدائيينا للقيام بمهمته على قدر كبير من الأهمية، وكان تقليد ونظام جيش التحرير الوطني يقضي بذلك، اعتمادا على مسدس، عزم على استرجاع البندقية الرشاشة في تلك المعركة وكانت محاولته النهائية المقدورة -رحم الله الشهداء-
ومن جهته تكبد العدو خسائر فادحة·
استشهد نوفي عبد الحق من شرشال في كمين كبير بلالة عودة راحوس، دائرة شرشال بتاريخ 28 فيفري 1957 نصبته فرقته وكتيبة الفداء للولاية الرابعة تحت قيادة سي يحي ضد عدد هائل من الجنود الفرنسيين، وكللت بالنجاح، هذا الكمين الذي خاضه المجاهدون ببراعة، حيث دمرت عشرات السيارات، وتم استرجاع ذخيرة هامة من الأسلحة الأوتوماتيكية، كما أسقطت طائرة وقتل مئات الجنود الفرنسيين·
استشهد سي نوفي يوم 28 فيفري 1957 بعد أن أصيب برصاصة انطلقت من قطعة الهالف تراك الوحيدة التي بقيت من الكمين عندما كان يحاول تفكيك رشاشا من نوع 12/7 ·
عرض العدو الفرنسي جثة الشهيد عبد الحق نوفي في ساحة مدينة شرشال وأحضر الجنود الفرنسيون أم الشهيد وقالوا لها ''أنظري لإبنك الفلافة'' فأجابتهم أمه ''أإنه ليس إبني فقط، بل إبن الجزائر''·
الرائد سي يحيى واسمه الحقيق أيت معمر رئيس كتيبة الولاية الرابعة استشهد في 15 أفريل 1957 أثناء معركة سيدي مدني، بتمزفيدة بين البليدة والمدية، حيث شن سي يحي و فرقته قتالا حامي الوطيس ضد آلاف الجنود طيلة يوم كامل تداول خلاله المجاهدون على الرشاش الوحيد 24/29 الذي كان بحوزتهم قبل الموت كان الواحد منهم يهيب بالآخر قائلا: ''أبذل ما في وسعك، أخي، كي لا يأخذ منا الجنود الفرنسيون هاته القطعة الوحيدة''·
احتدمت المعركة وسقط المئات والمئات من الجنود الفرنسيين رغم دعم الطيران وواجه سي يحيى في عناد القوات الفرنسية، وأرسلت إلى أماكن القتال قوات الجيش الثامن التي كانت في الحراش بالعاصمة، كان سي يحيى يقول للمجاهدين: ''أثبتوا بشجاعة وسددوا الطلقات، سددوا الله أكبر'' في ساعة متأخرة من المساء وقع الهجوم على فرقة سي يحيى، ولم ينج منه سوى أربعة مقاتلين، رفقة الرشاش 24/29 الذي عز على قلوب كل المجاهدين، أكثر من 30 ثلاثين مجاهدا استشهدوا ببطولة رفقة رائدهم سي يحيى من عين الحمام (ميشلي سابقا)·
أحي تحية إكرام وتقدير جميع رفقاء السلاح إبان حرب التحرير الوطنية، الذين ماتوا بعد الاستقلال أذكر منهم العقيد عزي علي، الرائد الدكتور سي سعيد حرموش أرزقي، الأستاذ رحموني الجلالي المدعو ''سي جلول''، الرائد سي يوسف بولخروف، سي بوضياف عبد الحميد من المسيلة، سي حمدان سميان من شرشال ورفقاء آخرون· رحم الله الشهداء
هكذا أشارك بطريقة أو بأخرى عبر سرد قصص عن كفاح شعبنا أثناء ثورة أول نوفمبر 1954 لكتابة التاريخ، وفي استعادة المشاعر التي غذت الشعب الجزائري، وهي الوطن ونكران الذات وروح التضحية·
سأظل، اليوم أكثر من أي وقت مضى مقتنعا بأن تدريس تاريخ بلادنا بصفة موضوعية، وكذا الكفاح التحريري لشعبنا سيساهم في إحياء ذاكرة شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم من أجل تحيا الجزائر حرة مستقلة، متآخية وموحدة·
ومن جهتي كشاهد حي على ثورة أول نوفمبر ,1954 فإني لم أقم إلا بواجبي وأعبر عن تقدير لعائلات شهدائنا وللشعب الجزائري·
ولد الحسين محمد الشريف
ضابط سابق في جيش التحرير الوطني

ليست هناك تعليقات: