الأحد، مارس 4

مديرة نشـر مجلـــة أنوثـة نفيسـة الأحـرش للمحقق

مديرة نشـر مجلـــة أنوثـة نفيسـة الأحـرش للمحقق
تعرضت للتحرش الجنسي مرتين·· وهددتني >الجيا <
من دون أي تحفظ تكشف الإعلامية العصامية نفيسة الأحرش مديرة نشر مجلة أنوثة في هذا الحوار جوانب خفية من حياتها وتتحدث عن الضرائب التي تدفعها الإعلامية المتمردة في الجزائر و التي زوجتها بالعزوبية المؤبدة ·
حاورتها: وزنة حسام
المحقق: لنبدأ بمجيئك للعاصمة نهاية الستينات قادمة إليها من بسكرة، هل كان سهلا لفتاة أن تغادر مجتمعا محافظا لتستقل بمفردها بالمدينة؟
نفيسة الأحرش: حقيقة كان أمرا جد صعب حيث كنا نعيش في بيئة محافظة إلا أن والدي الذي كان مناضلا في جمعية العلماء المسلمين المنادية بضرورة تعليم البنت لم يرضخ للضغوط التي مورست عليه لمنعي من التعلم وشجعني كثيرا على ذلك ووافق على سفري لوحدي ·
ومتى انتقلت من قريتك نحو العاصمة؟
وصلت العاصمة لأول مرة في شهر جوان 5691، تزامنا مع إنقلاب بومدين على نظام بن بلة حيث عايشت جميع أطوار الحدث، ولا زالت أتذكر جيدا منظر المدرعات العسكرية التي كانت مرابضة أمام مقر إقامة بن بلة التي زرعت الرعب في نفوسنا ·
هل كان منظر الدبابات محفزا لك لولوج صفوف الحزب الواحد لحماية نفسك من تقلبات السلطة؟
تضحك··لا فقد كان انضمامي للحزب في سنة 9791 لأنني كنت وقتها صحفية فى مجلة >الجزائرية<، التي كانت صحيفة حزبية وآنذاك صدر قرار بضرورة أن يكون كل المسؤولين في الصحافة الحزبية مناضلين في الحزب، و بما أني كنت سكرتيرة تحرير فقد أجبرت على الإنضمام للحزب وبالتالي لم يكن الأمر خيارا ·
هل ندمت فيما بعد على القرار الذي اتخدتيه في تلك الفترة؟
بالعكس، >الافالان< أفادني كثيرا و كان فعلا مدرسة ولم أندم يوما ما على هذه الخطوة خصوصا وأنه كان الرافد الأول الذي انبتقت منه معظم التشكيلات السياسية التي أنشئت في وقت التعددية ·
يقال أنك متصلبة بمواقفك لتأثرك بالفكر الواحد الذي اكتسبته من نضالك في الأفلان؟
كل الأحزاب السياسية التي تنشط في الساحة قياديها كانوا مناضلين في الأفلان وهو خزانها الرئيسي شئنا أم أبينا وكان يفرض مبادئه و التزاماته على الجميع و كل الأحزاب اليوم تفعل نفس الشيء و المناضل الذي يخالف هذه المبادئ يوصف بالعاق ·
نفهم من قولك أنك معتزة بتلك الفترة التي قضيتيها في جبهة التحرير؟
أبدا ··كنت ملتزمة لفترة معينة بصورة مطلقة بمبادئ الحزب في أيامي الأولى حيث كنت في بداية نضالي السياسي، لكن عندما أصبح لدي رأيي الخاص و تكونت أكثر أفكاري وصقلت شخصيتي، تغيرت الظروف حيث لم يعد ممكنا البقاء في نفس الخط ولم أستطع المواصلة في الحزب ·
هل هذا يعني أن >الافالان< كان يتعدى أسوار الحزب و يفرض على مناضليه حدودا معينة لا يمكن تجاوزها حتى في حياتهم اليومية؟
بالطبع، لم يكن يسمح لنا بالتحرك خارج نطاق معين مع أننا كنا صحفيين ومهنتنا تفرض مزيدا من الحرية ·
وهل تعرضت للضغوط بسبب مواقفك المتمردة ؟
فعلا فبالرغم من كل الترقيات التى تحصلت عليها حتى يوم كنت رئيسة خلية الحزب في حيدرة التي كانت لها مكانة معتبرة، كنت أجابه بالكثير من المشاكل التي لا حصر لها، وضعت أمامي ومنعتني من مواصلة مشواري، حتى وصلت إلى نقطة الاصطدام واقتنعت أنه لابد من أن أحزم أمتعتي ··
ماهي النقطة التي أفاضت الكأس وكيف كان الطلاق مع الأفالان؟
اصطدمت في أول ما اصطدمت بمديرة مجلة >الجزائرية< عيشة باللّمام التي خلفت زهور ونيسي هذه الأخيرة المعروفة بثقافتها و نضالها و قلمها الذهبي و فكرها المتفتح في حين كانت الأولى كارثة و لم يكن لها مستوى ثقافي يشرف >المرأة الجزائرية <·
هل كان الصدام بسبب مواقف إديويوجية؟
حدث بيننا الاصطدام حول موضوعين الأول هو موضوع الأمهات العازبات الذي كان من بين الطابوهات المحظور الخوض فيهان أما الثاني فكان حول عبد الحميد ابن باديس ·
هل تعرضت لشخص العلامة بالنقد؟
كنت أول من كشف أن ابن باديس الذى كان يدعو لتعليم الجزائريات لديه اختين اميتين ولم يلحقهما بمدارسه وهو أمر خطير ·
هل نشرت المجلة موضوعك؟
لا·· كان من المستحيل في تلك الفترة التعرض لجوانب من حياة الرموز الوطنية حيث شطب موضوعي بحجة أن ابن باديس شخصية هامة لا يجب المساس بها، و الأكثر من ذلك اعتبرت متمردة و تقرر عرضي على المجلس التأديبي ·
هل تقبلت أمر إحالتك على المجلس التأديبي؟
احتجيت على المسألة وقدمت استقالتي وانسحبت نهائيا من المجلة ·
وهل مرت العاصفة بسلام في الحزب الذي كانت عينه مفتوحة على مايحدث في المجلة؟
لم تهدأ تلك العاصفة خصوصا وأنني رفضت العمل مع الأميات اللواتي سميتهن بالاسم وهن من ضغطن حتى تعقد لجنة التأديب التابعة للحزب للفصل في أمري ·
هل كانت تلك الحادثة أول وآخر محاولة تمرد في الأفالان؟
مشاكساتي السياسية بدأت في الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات عندما قدمت استقالتي من المجلس الوطني في 3891 بسبب تزوير وقع في الانتخابات، ثم انسحبت منها بصورة نهائية ·
لكن لماذا لم تلتحق بحزب آخر مع التعددية السياسية؟
منذ أن غادرت الجبهة لم أعد إليها ولم ألتحق بأي حزب آخر، لأن الأحزاب كلها متشابهة وتتعامل بنفس الصيغ الميكيافيلية ·
لكن سعيت منذ البداية للحصول على أحد المناصب في الدولة و ناضلت كثيرا من أجل تحقيق ذلك؟
تبتسم·· هذه إدعاءات باطلة لأنني لم ألهث في حياتي ولم أسع وراء المناصب مهما كان إغرائها فالمهم بالنسبة لي أن أحافظ على استقلاليتي وأتمكن من التعبير عن آرائي ·
وماهي الصفقة التي بموجبها التحقت بعضوية المجلس الوطني الإنتقالي؟
في تلك الفترة لم أكن مناضلة في أي حركة لكن أطرافا من السلطة إتصلت بي وعرضت علي الإلتحاق بالمجلس لأكون عضوا فيه ·
ولماذا وقع اختيارهم عليك دون سواك من المناضلات في الأحزاب الأخرى؟
بالمناسبة حينما عرض علي الأمر تلقيت بعض الإتصالات من مناضلين في الجبهة يمنعوني من قبول العرض ·
هل كان هذا الأمر من باب التهديد؟
لا أعتقد أنه كان تهديدا وتخميني أنه من باب النصيحة لأن علاقاتي مع بعض الأفالانيين كانت لا تزال قائمة ·
ولماذا عارضوا التحاقك بالمجلس الوطني الإنتقالي؟
لأن الحزب كان في تلك الفترة في المعارضة ولهذا حاولوا جري إلى صفهم مع أنني بعد ذلك وجدت عشرة من أعضاء اللجنة المركزية للأفالان في المجلس الانتقالي ·
لماذا طلبوا منك إذن أن لا تنضمي إلى المجلس الانتقالي؟ وفي أي صف كنت تقفين في تلك الفترة الحرجة من تاريخ الجزائر؟
الوضع في تلك الفترة كان يتميز بالخطورة وهو ما يفرض على كل جزائري أن يكون وطنيا أكثر من انتمائه الحزبي أو السياسي ·
لكنك ساهمت بشكل أو بآخر في إضفاء الشرعية على الإنقلاب جانفي 2991؟
لا أشاطرك الرأي فعدم وجود برلمان آنذاك يعني سقوط الدولة الجزائرية، و سقوط الدولة الجزائرية لا يخدم أي جزائري ·
ماذا عن معارضتك للتيار الإسلامي ألم تخش على حياتك؟
كنت معارضة للفكر الاسلامي المطروح آنذاك و أنا مقتنعة بذلك و لازال أكرره وسأبقى للأبد، لأن الفكر الإسلامي المتطرف كان فكرا إرهابيا ·
تقصدين الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟
الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت مسؤولة سياسيا ···
عفوا هل تقصدين أنها غير معنية بتبعات الأزمة التي عاشتها الجزائر؟
إن المنفذين الحقيقيين للمجازر التي وقعت في الجزائر و حصدت أرواح الأبرياء كانت جماعات أخرى، وبالتالي فالمجتمع الجزائري كان تحت وطاة الارهاب ·
هل أنت مع ضرورة نسيان كل ماحدث وطي صفحة الماضي؟
الوضع الذي عشناه آنذاك لن يمح من الذاكرة ولن نجامل الذين تسببوا في المآسي التي عاشتها الجزائر ·
ومن تحملينه وزر ما وقع الدولة أم الإسلاميين؟
الإسلاميون أخطؤوا والدولة كذلك أخطأت وكل منهما يتحمل مسؤولياته ·
وهل تعرضت بسبب تلك المواقف الجريئة إلى تهديدات ؟
أنا شخصيا تعرضت لتهديدات من قبل الاسلاميين وتلقيت الكثير من الرسائل التي توعدتني بالتصفية بسبب مواقفي المعلنة في المجلة ودفاعي المستميت عن حقوق المرأة ولا أزال أحتفظ إلى اليوم برسائل التهديد التي وصلتني ·
هل كانت تلك الرسائل تحمل توقيعات معينة؟
كانت في مرات تحمل توقيع >الجيّا< ومرات أخرى توقيع الجبهة الإسلامية للإنقاذ و وأحيان توقيع جماعات إسلامية أخرى غير معروفة، كما كنا نتلقى مكالمات هاتفية مجهولة ترهق أعصابنا ·
نفهم من هذا أنك لم تصفحي عن هؤلاء حتى الآن؟
كيف أقبل اليوم بكل الذين جرعونا الآلام و عمقوا جراحنا في الحكم أو في البرلمان ·
ماهي مشكلتك بالضبط مع الإسلاميين و الفكر الإسلامي الذي وصفتيه بالارهاب ·
مشكلتي مع الإسلاميين و مع جميع الأطراف التي تسعى لتقييد الناس و تكبيلهم فأنا غادرت >الأفالان< حين اقتنعت أنني لا أستطيع أن أعبر عن رأيي، فكيف أقبل بتيار أو حزب يقمعني كامرأة، بل حتى يرفض وجودي وهذا هو الأمر الذي حفزني لدخول المجلس الوطني الإنتقالي في تلك الفترة الحرجة و غامرت بحياتي حيث علقت الجماعات الإسلامية أسماء أعضاء المجلس في المساجد و هددتنا بالتصفية ·
ألم يكن دافعك لدخول >السي-أن-تي< الحصول على الإمتيازات والريوع التي كانت توزعها السلطة للموالين لخطها؟
الامتيازات التي حصلت عليها هى أنني لم أكن أفوت جلسة من دون أن أسجل تدخلي و موقفي أثناء عرض برامج الحكومة، أما الامتيازات من النوع الذي تقصدين فقد تحصل عليها أولئك الذين لم يرفعوا يدهم يوما للمعارضة طول عهدتهم مقابل اللهث خلف مصالحهم الخاصة ···
بالرغم من ذلك يتهمك البعض أنك كنت دائما و لازلت في بيت الطاعة ومن أشد المناصرين للسلطة التي تباركين كل خطواتها ····
أعتقد أني لم أكن يوما في بيت الطاعة فحتى بيت أهلي لم أمكث فيه طويلا، لو كنت في بيت الطاعة لتزوجت وكونت عائلة و أنا رفضت الزواج كي لا أخضع لأية سلطة مهما كان نوعها، مع أنه كانت لدي الكثير من العروض، وهذا تمرد مني على وضع قائم رفضته ·
هل تعتقدين أن العنوسة هي إحدى ضرائب مهنة المتاعب التي تدفعها الإعلاميات في الجزائر ؟
في الحقيقة من الصعب على أي إنسان مهما كانت نفسيته أن يتقبل العيش وحيدا، لكني أعتقد أن ظاهرة العنوسة التي مست الكثير من الزميلات من جيلنا كانت ضريبة باهضة علينا دفعناها نحن الاعلاميات اللواتي ناضلن حتى يعلو صوت المرأة في الجزائر وتحتل المكانة اللائقة بها ·
وماهي الأسباب التي تقف خلف ذلك؟
بالتأكيد أول سبب هو عمل المرأة واحتلالها المراتب الريادية في الجزائر و الذي كان أحد الطابوهات المترسخة في المجتمع الجزائري في تلك الفترة، و كان الاعتقاد السائد أن المرأة من غير مقدورها أن تكون في مستوى الرجل ·
وهل أنت نادمة على ولوجك هذا العالم؟
لم أندم على ذلك رغم كل الضرائب التي دفعتها، مهنة الصحافة تسري في دمنا وتجري في عروقنا ·
إذن نفيسة الأحرش عزفت عن الزواج و اختارت العزوبية في سبيل مهنة المتاعب؟
مسألة الزواج لا ترقى بتاتا إلى مجال تفكيري، لأنني تعودت على نمط عيش معين من الصعب أن يقبل بها الرجل الجزائري ·
وهل تنصحين زملائك من جيلنا بمجاراتك في طريق العزوبية؟
لا·· بتاتا لا أنصح أحدا بالعيش وحيدا وأعزبا طوال حياته ·
هل تعرضت نفيسة الأحرش لتحرش الجنسي أو لأطماع من الرجال المحيطين بها؟
تعرضت لهذه الظاهرة وكنت مضطرة للاختيار بين المنصب والخضوع، لكني اخترت كرامتي وغادرت المنصب وتوعدت المدير بأن لا أعود إلى منصبي إلا بعد أن يغادر هو من منصبه، وفعلا حدث ما توقعت ·
ومن كان وراء هذا التحرش و الاستفزاز، و هل كان في الميدان الصحفي؟
سيكون في الأمر تجريح إذا ذكرناهم بالأسماء لكن ما يمكنني قوله هو أني تعرضت للمسالة مرتين، مرة في جريدة يومية و مرة أخرى في المجال السمعي البصري·، و اعتبرها في مجتمع رجولي متخلف مسألة عادية جدا، لكن ما لا أتقبله هو مسألة الخضوع لهذا الاستفزاز ·
مجلة >أنوثة< غائبة عن الصدور منذ سنة 4002 ماهي أسباب هذه الأزمات المستمرة التى تعيشونها؟
مشكلة المجلة مالية بحتة لأن المجلة تدفع أكثر من أجل النوعية، في حين عائداتها ضئيلة لا تكفي لتغطية تكاليف المطبعة، و غيرها من المتطلبات، بالإضافة إلى مشكلة نقص الإشهار ·

ليست هناك تعليقات: