السبت، مارس 31

lمن موظف إلى رأسمالي في أسهم للعديد من الصحف الاستعبادية فرجل أعمال في العلمة ثم رئيس إتحاد المخربشين الجز ائريين بالانقلاب



إلى السادة رؤساء الأحزاب

خلال الأيام القليلة الماضية أتيحت لي فرصة زيارة العديد من مدن وقرى الجزائر، وشاهدت على المباشر إحدى أهم فورات الحركية السياسية الجزائرية: فورة الانتخابات التشريعية··· وككل مواطن تتوفر له بعض أدوات تأمل وتحليل معطيات عصره، ارتأيت أن أشارك فيها بعض صناع القرار في هذا العصر·سأعبر منذ البداية عن قلق يساور الملايين من الجزائريين المعرضين مرة أخرى لتلاعبات سياسية لا تتناسب مع طموحاتهم في الاستقرار والرفاهية وبناء دولة معاصرة تحتكم للعقل· وأعبر كذلك عن قلق شخصي من تفشي ظاهرة الزحف إلى السلطة لحديثي النعمة ولو على جثث الناس ومصالح الأمة· وإذن هدفي واضح من خلال هذه الرسالة: إبعاد من يسميهم الجزائريون بسخرية مريرة '' أصحاب الشكارة'' وإعطاء فرصة للنخبة التي رأسمالها المعرفة وحب الوطن والتصميم على خدمة الناس·إن اختياركم اليوم للرجال ينبغي أن لا يكتفي، مثلما حدث في الماضي، بحسابات حزبية ضيقة، ولا بمصالح وأهداف شخصية آنية· لقد وضعت الجزائر ـ في اعتقادنا ـ ماضيها وراءها وهي تتطلع اليوم إلى استثمار روح السلم والمصالحة مع الذات ومع الآخرين، لكسب رهانات حضارية كبيرة، على نخبها الفكرية والسياسية والاجتماعية أن تثري مسعاها، وتستثمر كل إمكانيات الذكاء وخبرات الممارسة العملية ووضع مصالح الجماعة وحب الوطن فوق كل اعتبار كي تكسب تلك الرهانات·كما تعلمون مستقبلنا اليوم ليس بين أيدينا وحدنا، هناك شركاء مجال، وشركاء خبرات وإمكانيات، وأعضاء أساسيون في الخريطة الجيو ـ سياسية، ومتعاملون أجانب في استراتجيتنا، وكذلك حدود أمنية لسنا وحدنا حراسها··· وفي كل ذلك لا بد لنا من ذكاء كبير، وأهداف ومصالح واضحة، للتفاوض الشاق والذكي حول ما نعتقد أنه مصالح بديهية مكتسبة مسبقا لهذه الأمة·إن التنمية الحقيقية التي لم تخضها الكثير من الحكومات السابقة هي تنمية الذكاء· ولعلني أجأر بالقول أن بعض الحكومات شنت حملات منظمة وغير تقليدية على الذكاء ونظافة اليد، حتى اعتقد المواطنون الأكفاء والنزهاء أن الطموح الوحيد المتاح لهم هو أن لا يكون لهم طموح في المسؤولية في هذا البلد·وها هي النتيجة أمامكم: بلد لم يعد يجد ما يكفي من الذكاء لإقناع الآخرين بالاستثمار فيه، ولا ما يكفي من الذكاء للدفاع عن مصالحه أمام الدول والمؤسسات الأجنبية، ولا يجد ما يكفي من الذكاء لاجتياز امتحانات حياته اليومية· وهي امتحانات صعبة وقاسية، ومنها موضوع الأمن، وتأمين الغذاء، ونظافة مدنه، والحد من البطالة والجريمة ونهب المال العام···الخ· أما خسارات الرهانات الحضارية فهي فادحة؟· وها نظامنا السياسي لا يجد اليوم بين يديه الكفاءات الكافية لحل مشكلاته العادية فيلجأ إلى مكاتب الخبرة الأجنبية لشق طريق سيار أو طبع كتاب مدرسي جيد أو صيانة صورته في وسائل الإعلام الأجنبية؟·· وكأننا شعب تنقصه المهارات لصناعة حياته بشكل أجمل، وتنقصه العواطف الضرورية للاجتهاد في حب الوطن، والإبداع الجميل للارتقاء بصورة الأمة·لم يعد الذكاء ـ كما يقول المفكرون ـ هو الرأسمال الرمزي للأمة، بل هو رأسمال أمم القرن الواحد والعشرين وكفى!·· رأسمال يحتاج إلى استثمارات ضخمة وصبر وإرادة قويين وعمل دؤوب لتنمية وتطوير استعمالاته وتمجيده بما يكفي ليصبح هو مجد الأمة ورأسمالها·صحيح، في كل الدول التي تمر بأزمات عميقة، وحين تكون الشعوب معرضة للموت والاضطهاد، هناك دائما من ينشغل بالمتاجرة بأعراض وظواهر تلك الأزمات، ويجمع أموالا طائلة، ليقايض بها مخلفات تلك الفواجع، ويستثمرها فيما يجعله ـ يا للشطارة ـ يتحكم في رقاب أولئك الذين اغتنى على حساب آلامهم ودمائهم··· ذلك النوع الأكول من البشر ينتهي في الغالب في مزبلة التاريخ، لكن في بلدنا أصبحوا ـ للأسف ـ نموذج النجاح؟إن ''ثقافة الشكارة'' مع الاعتذار على استعمال هذه الكلمة البذيئة، هي التي تركض اليوم بين الناخبين، تشتري وتبيع أصوات المعوزين والمضطهدين في الأرض، وتتاجر كما كانت في السابق بآلامهم وآمالهم· وهي في طريقها تهدد كل صوت عاقل أو محايد بالمحو من الحياة السياسية· نحن نتحدث عن نوع من الثقافة فرضت نفسها على البلد·· نتحدث عن ترسانة من المفاهيم القاتلة التي تضع البلاد اليوم في الدرجة الصفر من كينونتها الحضارية··· ومع ذلك نحن نتحدث عن ''ثقافة'' أصبحت نموذجا للأجيال الجديدة، ثقافة خفة اليد والرأس التي اغتنت من الاحتيال وتبييض الأموال السوداء والتهرب من الضرائب ونهب المال العام، والتجارة في المخدرات والأعراض والمشاريع الوهمية···الخ·إن حاملي ''ثقافة الشكارة'' يبحثون بانتخابهم في البرلمان، القلعة التي ـ من المفروض أنها ـ تحمي مصالح الأمة، إنما يحتاجون إلى حصانة لمصالحهم وأموالهم ومشاريعهم التي ينوون القيام بها لنهب المزيد من ثروات هذه الأمة· ومع ذلك ما يستحق الإدانة هنا هو هذا التمجيد القاتل للشطارة بدل تمجيد الذكاء والعمل والنزاهة··· لقد أودت بنا قيم ''النجاح'' الجديدة هذه إلى صناعة طبقة من المنتفعين والانتهازيين التي اغتنت على حساب الشعب بخفة يدها وخفة رأسها·· وكذلك خفة عصرها الذي لا يحاسب ولا يعاقب!؟هناك خطاب شائع اليوم هو أن أصحاب المال إنما صنعوه بذكائهم· خطأ·· نحن أمة لا تمنح فرصا متكافئة لأبنائها··· بالعكس كلما كان بعض المواطنين أكثر وضاعة كلما استفادوا من الفساد العام· والدليل ها هو أمامكم: كل القضايا التي تقف أمام المحاكم هي قضايا فاسدين كبار ليس لهم من الذكاء سوى ما يستعملونه لنهب ثروات الأمة؟ ثم، لو كان المال وحده قادرا على الارتقاء بالشعوب لتربعت بعض الدول الإفريقية التي لها ثروات أسطورية على قمة الحضارة· لكن الأمر ليس كذلك·· ولعله العكس من ذلك، فاليابان ذو الثروات الطبيعية المحدودة جعل منه ذكاء شعبه أحد أغنى دول العالم· يستطيع أصحاب المال أن يكسبوا المزيد من المال والعقارات والمصانع والأسهم في الشركات والبورصات و··· كل ذلك الكسب المشروع للمال· لكن أن يصبح من حقهم ـ وبفضل المال وحده ـ أن يكسبوا مساحات في عقلنا، وفي كرامتنا، وفي مؤسساتنا الرمزية، فهذا إنذار خطير يعني فيما يعني أننا بلد معروض للبيع··· وأننا بلد ليس فيه ما يكفي من الذكاء للتفاوض مع مستقبله··· بل لعله بلد يجنح مثل صبيانه إلى الربح السريع ولو على حساب ذلك المستقبل·إنني أتخيل ـ وهذا خيال روائي ـ أننا نعيش في عصر مصاصي الدماء الذين اخترع بعضهم إدغار آلن بو، أولئك الذين كلما وجدوا كائنا جميلا وراقيا امتصوا دمه كي يتحول مثلهم إلى شبح· ولولا كثرة هذا النوع من الأشباح التي تسطو على حياتنا وتتجرأ على مستقبلنا، ما كان لي أن أدق أجراس الخطر·*رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين
بقلم: عبد العزيز غرمول

ليست هناك تعليقات: