الاثنين، يناير 15

ارجعي... سميرة


ارجعي... سميرةتاريخ المقال 14/01/2007بقلم: الطاهر وطار لم نكن ننتظرك، وفجأة استيقظنا لا على الصحف والتلفزة تتبارى في نشر صورتك، مرفقة بالصفة إياها، تلك الصفة التي حيرتني، وجعلتني أبالغ في التحفظ تجاه دعواتك الملحاحة" فجأة، استيقظنا لا على الصحف و.. إنما عليك تطرقين أبوابنا، في يد باقة زهور راقية، وفي أخرى تأشيرة موقعة بمقدمة من كاتب عالمي" ديوان شعر بمقدمة لرشيد بوجدرة.. من يستطيع أن يرفضك، بعد ذلك.. ها أنك هنا، ها أنك ها هنالك، حتى من تعود أن ينكر كل مبدع جديد، بزعم أنه لا يقدم جديدا، أجبر نفسه على الصمت والاقتصار عن التساؤل.. ساعدت خفة روحك، ولباقتك، وخبرتك في اختبار النفس، أن تدخلي حياتنا بسرعة ورقة وخفة.كغيمة العطر اقتحمت، فامتلأت بك الأجواء، وتحملك، حتى أؤلئك الذين تخنق الحساسية صدورهم وأرواحهم.. تبدو براءتك، في الانطلاق في الحديث في مختلف المواضيع، لكن إنكسار أذنك المباغت، لكل مفردة تخرج من فم محدثك، رغم حرصك على تأكيد لامبالاتك، سرعان ما يوحي بتلك الصفة التي تقترن بالشاعرة عندما يتعلق الأمر بك.. من لم يعان ما عانيت، ربما لا يهمه أمر من تكونين، وماذا تفعلين في هذه الدنيا، وماذا ستكونين أو يكون مصيرك، لكني أشعر بالانقباض، وأنا أراني فيك. أتذكر سنوات العناء، مبدعا في بوتقة السلطة.. السلطة يا سميرة، أكانت مدنية أم عسكرية، أو نصف مدنية أو نصف عسكرية، هي السلطة.. كل ما يهمها، هو أن تظل المرآة صافية وكل إبداع، لا يلمع المرآة ويصقلها هو عبث في نظرها، بل وزندقة، بل، ومعارضة، تصل حدّ الإرهاب.. بينما المبدع المبتلى بالتجاوز، لا يحتمل أن تظل المرآة، هي المرآة نفسها، فيكسرها، يكسرها بكل ما ملكت يداه، لتكون مرآة جديدة صقيلة، قابلة للإنكسار.. إذا لم يحطمها، هذه المرة، وتغاضى عنها المرة القادمة، ولم ير، وجهه فيها بعد ذلك، إما أن ينطفئ، وإما أن يهجرها السلطة يعسر جدا، أن يكون مثل ذلك الذي عبرت عنه في روايتي العشق والموت في الزمن الحراشي، والذي هو أنا "براهما" . لقد اضطر براهما المسكين، كما تقول الميثولوجيا الهندية، من أجل الخلق والإبداع، أن يحول نفسه، إلى ذكر وأنثى في نفس الوقت.. الخلق لا يكون إلا بالعسر، ويا له من عسر، هذه الازدواجية الغريبة.. يصقل المرآة، ليكسرها، يكسرها، ليجددها. تزوج براهما براهما، وحمل براهما من براهما، وباض بيضة في لمعان الشمس، وبذرها في الماء.. أتركك تثرثرين، ثرثرة موزونة، على عكس شعرك، وأروح أتساءل.. هل تستطيع أن تقول شعرا، في ذلكم الشرطي الشبه أمي الذي لم تبق على تقاعده إلا سنوات قلائل، تفوته الحافلة التي توزعه مع زملائه، على السفارات والإدارات، فيروح يحث الخطى، والمطر يهطل عليه، حتى يبلغ موقعه، في وقت مناسب..؟ هل تستطيع أن تقول شعرا، في تلكم الغادة الجميلة، التي تقف في مفترق الطرق، تسير المرور، تتأخر عن موقفها بضع خطوات، خشية أن تدهمها سيارة فارهة، يركبها أرعن، قد يكون شابا وقد يكون شيخا، لكنه متبجّح، مزهو، مهدّد.. فلا تجد بدا من تحويل نظرها يمينا أو شمالا. هل تستطيع أن تقول شعرا، في الشاب ضابط المباحث، الذي ظل بعيدا عن أبيه وأمه وإخوته، أو أولاده أو عروسه، ما يقرب العامين، وعندما اشتد به الشوق، حمل نفسه، وعاد ليلقى حتفه، قبل أن يقطع عتبة الباب؟ هل تستطيع هذه الفراشة، أن تقول ما يجب أن يقال.. هل تعتقد حقا أن عجوزا مثلي شيبته المعاناة على مرّ السنون، يقتنع منها بشعر طيب كما الحليب. عندما صدرت مذكراتي كنت أول من طلبت، لأهديها نسخة، وقد جرت العادة أن يطلبني الناس.. كنت أريد، أن تقفي على الإشكالية الأزلية بين من يصقل المرآة وبين من يهشمها.. من يومها لم أرك.. طلبتك لأعرف رأيك ولم تظهري، رغم تعهدك بالقدوم.. اختفيت فجأة، كما ظهرت فجأة.. لم نكتف، بأسطر في جريدة تقول إنك استقلت. لا نصدق أن يرتبط الشعر بالوظيفة، مثل هذا الترابط.. اختفيت فجأة كما ظهرت فجأة، ونهض فيّ الروائي المتسائل أبدا، كما نهض في الإنسان المشفق.. فقلت والله، أوجه لها النداء.. أبيح لنفسي ذلك، باسمي وباسم كل من فوجئ بالظهور وبالاختفاء.. ارجعي سميرة، ارجعي غيمة الشعر الكريمة.. ارجعي لتقرئي علينا الشعر بدون دعوات أو إستدعاءات.. الجزائر 13 / 01 / 2007

ليست هناك تعليقات: