الثلاثاء، يناير 23

عاصمة الثقافة العربية تستنزف الملايير

عاصمة الثقافة العربية تستنزف الملايير
إيطــاليون لـرسم معـــالم ثقــافتنا !
يفترض أن تتحول الجزائر هذا العام إلى مدينة ثقافية تجمع العرب إلى طاولة النقاش والتفاعل والتبادل المعرفي والثقافي، وذلك في إطار فعاليات >الجزائر عاصمة للثقافة العربية<، غير أن هذه التظاهرة التي ينتظر منها إعادة بعث الثقافة الجزائرية ضمن سياقها العربي، تأتي لتمثل فرصة للثراء وتبذير المال العام وفرض الوصاية الأجنبية حتى في رسومات الأطفال ··
أيمن السامرائي
تقدر ميزانية تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية بـ 550 مليار سنتيم أي ما يعادل الـ 57,78 مليون دولار، كما رصد غلاف مالي قدره 30 مليار سنتيم لحفل افتتاح التظاهرة الذي يشرف الفرنسيون فيه على هندسة الصوت والاضاءة وتركيب الأجهزة، وخصصت عشرة ملايير أخرى لقافلة تجوب شوارع العاصمة يوما قبل الافتتاح، وتتكون هذه القافلة من 24 شاحنة ضخمة تحمل مجسمات لأهم المعالم الأثرية والثقافية العربية، وقد قام مهندسون إيطاليون بتصميم تلك المجسمات لينفذها فنانون وحرفيون جزائريون وطلبة من معهد الفنون الجميلة بعضهم متخرج والبعض الآخر في طور التخرج، وقد جرى تصميم وتنفيذ تلك المجسمات بأحد المستودعات الضخمة لمصنع تونيك ببوسماعيل (تيبازة )·
رسومات أطفال بالملايير
تنقلنا إلى هناك في الأسبوع الماضي لنشاهد عن كثب طريقة تصميم وإنجاز هذه المعجزات الثقافية التي تطلب إنجازها أكثر من 6 ملايير، دخلنا إلى >كوري ضخم< يصلح كورشة لتصميم وصنع الدبابات و صواريخ > أرض-جو<، لكنه لا يمكن أن يصلح لانجاز التحف والأعمال الفنية، ألواح متناثرة بشكل فوضوي، شعار التظاهرة مرمي أمام كيس القمامة، شباب لبنانيون متحلقون حول>الأرجيلة<، قيل لنا إنهم مهندسون وفنيو ديكور ورسامون ذوي خبرة عالية استقدمتهم الوزارة لاضفاء لمسة فنية راقية على تلك الأعمال العجيبة التي ستعرض أمام سكان العاصمة، الذين لا يعرفون مقام الشهيد وأبي الهول، غدا، غير أن حديثنا إلى هؤلاء الطيبين والمضيافين جدا، كشف لنا أنهم مجرد نجارين عاديين يمتلكون حرفة اليد، وليس لهم اي تكوين في الأعمال الفنية والمنحوتات و التماثيل، فمن أوصى بإحضارهم، و كم دفع لهم؟، كما كانت المشاركة الجزائرية في هذا المشروع الفني الضخم جدا حاضرة، عبر السينوغرافيين والنحاتين والرسامين الذين جاءوا من مختلف ولايات الوطن، بينما لم نجد في الميدان أثرا للإيطاليين الذين اعتكفوا بغرفة بعيدة عن الغبار وضجيج المناشير الكهربائية، وقد اكتفى هؤلاء بالإشراف على تصميم المشروع ووضع المخططات الفنية التي يمكن لأي مهندس جزائري وضعها وحتى مجرد طالب سنة أولى بمعهد الفنون الجميلة يستطيع أن يبدع تحفة فنية تمثل حقا الثقافة العربية، بدل التصميم الذي وضعه الفريق الإيطالي لأبي الهول والذي إن رآه المصريون لاستشاطوا غضبا، ومن جهة أخرى تقول بعض المصادر إن هؤلاء الإيطاليين قد غنموا من الصفقة ثلاثة ملايير ونصف من السنتيمات من التكلفة الإجمالية للعملية، فهل يمكن أن يكون سبب اختيار المهندسين الإيطاليين دون غيرهم هو الصداقة التي تربط بين الوزيرة خليدة تومي ووزير الثقافة الإيطالي، يبدو أن وزارتنا تعتقد أن الإيطاليين فنانون من الدرجة الأولى وهم الأقدر على تمثيل الثقافة العربية، وهم أدرى من جميع المصريين بشكل الأهرامات ودرجة انحناءات مقام الشهيد، ما علاقة هؤلاء بالثقافة العربية، وهل يعتبرون أكفأ من الفنانين والنحاتين الجزائريين، وهنا تجيب >لوسيا فوشي< رئيسة الورشة الفنية لهذا المشروع: >نحن جميعا ننتمي إلى حوض البحر الأبيض المتوسط وبالتالي نعرف ثقافة بعضنا البعض، والأشغال هنا تجري على أحسن ما يرام في ظل الإمكانيات الكبيرة المتاحة لنا والتنسيق الرائع بين الفنانين الجزائريين واللبنانيين عرفت هذه الأشغال التي يشرف عليها الديوان الوطني للثقافة والإعلام بعض الصعوبات، حيث أن وزارة الثقافة وضعت الديوان في حرج شديد أمام ضيق الوقت، فالمشروع انطلق في 19 ديسمبر الماضي ليتم تسليم الشاحنات بعد شهر، غير أن عمال الديوان والفنانين الجزائريين حسب ما لاحظناه بذلوا ما استطاعوا لإثبات حضورهم أمام الإيطاليين الذين لا يبدو أنهم بذلوا جهدا يستحق الذكر، اللهم إلا بضع خربشات يستطيع القيام بها طفل في الروضة بشكل أروع، وعلى كل الأحوال >بصحتهم< وهنيئا لهم بهذه الحظوة ، وعلى صعيد آخر، فقد اختيرت الجزائر هذا العام لتكون عاصمة للثقافة العربية، والأكيد هنا أن المناسبة تعد فرصة نادرة لإعادة بعث الثقافة الجزائرية وتحريرها من الجمود الذي عرفته في السنوات الأخيرة من خلال استغلال الميزانية الضخمة التي رصدت للتظاهرة والتي تمثل سابقة في تاريخ وزارة الثقافة الجزائرية، وهي فرصة أيضا لإخراج الثقافة الجزائرية من الحظيرة الفرانكوفونية ووضعها في سياقها العربي الذي تنتمي إليه، غير أن الأقدار الجزائرية تأخذ دوما المنحنيات المغـــايرة·· لتتحـــول إلى منــــاسبة لـ >الرشقة< وتوزيع الإكراميات·· وفرض الوصاية الأجنبية ·

ليست هناك تعليقات: