الاثنين، يناير 1

message

انقسم الإرهابيون إلى ثلاثة مجموعات، انعزلت منذ جويلية 1991 إلى واحات النخيل للتدريب على استعمال السلاح· ومن بين هذه الواحات واحة يملكها أحد هؤلاء الارهابيين وهو عبد الحق بوجحة· ولا يمكننا إلا أن نتساءل عن علاقته بمحمد تيجاني بوجخة، قائد الجزأرة في الجامعة المركزية للجزائر سنة ,1970 الذي لا يحمل فقط نفس اللقب العائلي، بل ينحدر هو أيضا من فمار ·
وكان أكثر هؤلاء الارهابيين إجراما، حسب تصريحات أحد أفرادها، عبد الحكيم شنعة الذي كان يقوم بتوظيف الشباب المراهقين بتعليمة من محمد الصغير محمودي، الذي قام بتوظيفه وكلفه بتكوين جماعته الخاصة· لذلك فقد كون جماعة من الشباب الذي تتراوح أعمارهم بين 17 و19 سنة، كلهم من فمار، وبعضهم ينتمي لعلائلات ارهابيين كجمال رويسي، اسماعيل باري (أو بغلي)، عبد الرحمن شفاح، نور الدين سويد، بشير قوية، علي قجاف والعيب العايب· وفي نفس السياق، قام محمد علي لادا، وهو عضو آخر في هذه المجموعة، بتوظيف ستة شبان، قبل أن تتحد المجموعتان وتبدأ التحضيرات في واحات النخيل إلى غاية الهجوم، ولا شك أن شوشان كان يلمح الى هذه المجموعة عندما قلل من شأن العملية وقال إن >24 مراهق لا يجيدون استعمال السلاح< قاموا بذلك ·
اجتمعت المجموعات الثلاثة في واحة بوجخة (مجموعة من فمار وأخرى من بليلة، كان محمد زكريا يعمل كوسيط بينهم)، في ليلة 28 نوفمبر ,1991 وكانوا تحت وصاية أحمد دهان الذي زاد من ثقتهم بإخبارهم أن مخطط الهجوم سليم لا تشوبه شائبة، بما أن محمد رويسي الذي أدى خدمته العسكرية هناك يعرف جيدا تلك الأماكن، وقد أكد ذلك كل من عبد الحميد بغلي ومحمد الصغير محمود المدعو سليم، وللإشارة، فإن هذا الأخير إضافة إلى عضو آخر في المجموعة يدعى علي سنوفة، كانا عسكريان سابقان في القوات الخاصة قبل أن يلتحقوا بأفغانستان ·
وقد تحدث محمد دهان بصفته >أميرا<، فقام بتقديم قادة المجموعات للحاضرين وإعلامهم بإنشاء الحركة الإسلامية المسلحة (MIA) ، التي أنشئت في ثمان ولايات، وكانت بصدد الإنشاء في باقي ولايات الوطن، وطمأن الحاضرين أن هجومات مماثلة ستتم في نفس الساعة، في الجزائر، الجلفة، الأغواط، تلمسان، سيدي بلعباس، تبسة وباتنة، ثم حثهم على التغلب على الخوف أثناء الهجوم مستندا على آيات قرآنية، ومؤكدا لهم أن كل الظروف مجتمعة لإنجاح العملية ·
ثم قسم الارهابيين إلى أربع مجموعات كلفت على التوالي بالهجوم على مركز الشرطة (سلطان محمودي وأحمد عصمان)، وعلى مخزن الأسلحة (سلطان محمودي، توفيق محمودي، عبد الله ترعة، خالد كازوز، محمد رويسي)، مركز الذخيرة (كمال ركح، عبد الحق بوجخة) والاستيلاء على السيارات لنقل الأسلحة المسروقة (مسعودي عيسى المدعو الطيب الأفغاني وإرهابيين آخرين)· أما محمد دهان فقد تكفل بقيادة المجموعة التي قامت بتغطية وحماية رفاقهم ·
لقد بينت هذه العملية للرأي العام أن التهديدات التي تبعت >نداء الجهاد< الذي نادى به الفيس منذ نشأته قد تم تنفيذها· كما أكدت فظاعة تلك الجريمة جدية الخطاب الأصولي الذي لن يكتفي بتهديد وتخويف أعداء مشروع الفيس الذي احتوى البلاد ·
في تلك الليلة المشؤومة، قام >الأفغانيان< محمد دهان المدعو أبو سهام وعيسى مسعودي المدعو الطيب الأفغاني بقيادة مجموعة تتكون من أربعين عنصرا، بينهم إطارات محلية، منتخبون ومناضلون في الفيس ونقابته العمالية، على غرار رئيس بلدية فمار عمار لزهر، الذي كان ضابطا سابقا في الجيش، والذي لم يتوان في إشراك ابنه علي· بالإضافة إلى رئيس المكتب التنفيذي المحلي للحزب عبد الحميد بغلي· وتجب الإشارة إلى سهولة تنفيذ تلك العملية في ليلة الجمعة 29 نوفمبر بالنظر إلى غياب العديد من الجنود الذين استفادوا من عطلة نهاية الأسبوع ·
لقد قام هؤلاء الارهابيون بجريمتهم الشنعاء بكل ثقة، وبذلوا قصارى جهودهم للهجوم على المركز الحدودي الذي كان يجاور وحدة للدفاع الجوي لا تحمل في معناها إلا الاسم، فقد كانت محدودة بأغصان النخيل والقصب، وهو ما ساعد الإرهابيين على اقتراف جريمتهم ·
الهجوم على مركز فمار
بدأ الهجوم بعد منتصف ليلة الخميس إلى الجمعة، حيث قام أحمد رويسي بقتل الجندي القائم بالحراسة، دون سابق إنذار، بواسطة بندقية صيد· وقد اعتمد المعتدون على عنصر المفاجأة· وقد حاول الجنود الدفاع عن أنفسهم بكل قوة رغم كثرة الإرهابيين وتمكنوا من جرح أربعة هم: طيب سوقة، بشير رزيق، عبد الغني براكري وجمال رويسي واتضح أن هذا الأخير هو الذي قام بطعن الجندي المكلف بحراسة المخزن، وأن الإرهابي كمال ركح هو الذي كلف بصناعة الأسلحة البيضاء ·
ولم يكن في الوحدة العسكرية المجاورة سوى ثلاثة جنود في مركز الشرطة· وعند سماعهم لطلقات الرصاص والصراخ، خرج الرقيب كمال ليجد نفسه وجها لوجه مع الارهابيين الذين حاصروهم وأجبروا الجنديين الآخرين على الوقوف بالقرب من زميلهم، قبل أن يقوم إرهابي بإطلاق الرصاص عليهم، لكن الرصاص لم يكن كافيا فلاذ الرقيب بالفرار في جنحة الليل· كما تم ذبح ثلاثة جنود آخرين: معمر، عاشور وأحمد، بكل شراسة، وسرقة الأسلحة والذخيرة، وتم جرح خمسة جنود آخرين ·
وبعد الهجوم، قتل أربعة عسكريين خلال المواجهة مع الإرهابيين أثناء عمليات البحث، وكما لمح دهان، فإن تلك العملية كانت ستتم بالموازاة مع عمليات أخرى ضد هياكل عسكرية عبر الوطن، وفقا لمخطط وضعه سعيد مخلوفي وعبد القادر شبوطي، ولأسباب لازالت مجهولة، يبدو أن هذين القائدين قد ألغيا تلك العمليات في آخر لحظة، لكن هذا الأمر لم يصل إلى فمار ·
والشيء المؤكد أن الاسلاميين كانوا يحظون بمتآمرين معهم في عدد لا بأس به من الثكنات، التي عرفت فيما بعد عدة عمليات سرقة أسلحة وقتل جنود، كما حدث في بوغزول وتلاغ ·
تتبع الإرهابيين
بعد العملية، اختبأ الإرهابيون في واحة بوجخة، أين قام محمد دهان بتوزيع الأسلحة المسروقة والذخيرة، وكلف عبد الرحمان وجمال شفاح، عبد الكريم شنة وسعود مديلح بالرجوع إلى قراهم المجاورة لفمار لمعرفة رأي السكان حيال هذه العملية ·
وتم نقل الجرحى إلى بيت نور الدين نقية، عضو في المجموعة وممرض، أما باقي الإرهابيين، فقد قسموا إلى مجموعات متكونة من عشرة أفراد، توجهت كل واحدة إلى ملجئها ·
وحسب الإرهابيين الموقوفين، فإن المخابئ لا تعد ولا تحصى في واحات النخيل، إضافة إلى أن بعض مالكي الواحات على غرار بوجخة، كانوا ينتمون إلى الجماعة الإرهابية ·
وهكذا، اتجهت مجموعة دهان، بعد مغادرتها فمار إلى ورماس، جنوب المنطقة، حيث قضى اليوم الذي تلى الهجوم في الخلاء، قبل أن يلتحق في الليل بمنطقة كوينين، ومنها إلى الزفم (جنوب شرق فمار)، حيث قضى الليلة في حديقة منزل أحد أفراد الجماعة، يوسف شنغل· وبعد تزويدهم بالمؤونة، اتجهوا إلى جداية (شمال شرق فمار) وبقوا في إحدى الواحات ·
هكذا بدأت رحلة الهرب، ومعها رحلة المتابعة، حيث تم تحديد مكان الإرهابيين في اليوم الرابع، وردا على نداء الجيش الذي طالبهم بالإستسلام، حث دهان رفاقه على الصمود لنيل الشهادة، فتم القضاء على كامل المجموعة، إلا عنتر نزعة الذي تم القبض عليه وهو يعاني من جروح بليغة، لينقل إلى المستشفى ·
لقد تم القضاء على أغلب الإرهابيين، واسترجعت كل الأسلحة ما عدا سلاحين من نوع كلاشينكوف وعدد لا بأس به من الذخيرة، لعدم التمكن من معرفة أماكن تخبأتها بسبب موت الإرهابيين الذين قاموا بذلك ويبقى غياب الأفغاني الوحيد الذي تمكن من الهرب والاختفاء إلى غاية 28 فيفري 1992 عندما تم القبض عليه· وعندما بدأت محاكمة المتهمين في 26 أفريل، دخل المتهمون قاعة المحاكمة وهم يرددون شعارات الفيس ·
ويجسد هجوم فمار، وحدة الدم بين ارهابيي الفيس الذين كانوا يحضرون للجهاد منذ إضراب ماي ـ جوان 1991 و>الأفغان<· وقد بيّن إعصار النار، الذي دشن تلك الليلة، أنه وجد الوسائل التي تساعده على الاستمرار، بالتزود من الذخيرة البشرية المتواجدة بوفرة في الهياكل المحلية للفيس، خاصة وأن هجوما كان متوقعا على تونس، بعد عملية فمار، نتيجة للإعتداءات التي تعرض لها الإسلاميون التونسيون من طرف السلطة التونسية، حسب ما صرح به عيسى مسعودي خلال محاكمته· وهكذا، تبين أن جماعته لا تحدد عملياتها في المناطق الحدودية فقط، كما أن الأمر لا يتعلق بمجرد مجموعة مستقلة، بل مجموعة تنتمي إلى منظمة تدعى >الحركة الاسلامية المسلحة MIA< المتواجدة في عدة مناطق من الوطن، وهي متحالفة مع الفيس ·
ولم يكن المدافعون عن مسعودي على خطأ عندما تحدثوا عن وجود >جمعيات اسلامية دولية في باكستان وبريطانيا< كانت سببا في هذه المأساة، وكل مآسي الجزائر ·
والمنظمة التي كانت وراء مجموعة فمار، كانت تتواجد في الحدود المغربية والهضاب العليا· وإذا ما عدنا إلى تاريخ الجيش الاسلامي للإنقاذ، فإن أحمد بن عيشة، أمير منطقة الغرب، صرح أنه تكون من مجموعات بدأت العمل سنة 1992 في ولايات الشلف، غليزان، مستغانم، تيارت، وهران، تلمسان، البيض وبشار تحت لواء الحركة الاسلامية المسلحة، التي تحولت فيما بعد إلى الجيش الاسلامي للإنقاذ AIS والسؤال المطروح هو ماذا كان سيحل بالجزائر وجزء كبير من العالم، لو لم يتم توقيف تطور الفيس في جانفي 1992 فالتحالف بين الأفغان والفيس، الذي ظهر في عملية فمار، كان سيتحول بدون شك إلى أخطبوط لا حدود لسيقانه وقد قامت السلطات العسكرية بحركات كبيرة داخل مختلف الوحدات العسكرية على المستوى الوطني، لكن ذلك لم يمنع من تواطؤ بعض العساكر· وحسب أحمد شوشان في إحدى خرجاته الإعلامية، قامت مجموعة من الجنود في المدرسة العسكرية للصحة بسيدي بلعباس بالتمرد وسرقة مجموعة من الأسلحة والذخيرة· ويومين بعد ذلك قامت مجموعة أخرى من القوات الخاصة لبني مسوس بنفس الشيء والتحقت بجبال الزبربر قرب العاصمة· كما شهدت عدة مناطق عمليات تمرد مشابهة على غرار: الرغاية، تنس، وعين الدفلى، ويذهب شوشان إلى أن هذه الحركات التمردية تطورت لتأخذ شكل مجازر جماعية داخل الثكنات العسكرية كما حدث في البيض، بشار، بوغزول (المدية)، تلاغ (سيدي بلعباس)، الماء الأبيض (تبسة)، القليعة (تيبازة) وغيرها ·
وهذا يبين أن الهجوم على المركز الحدودي لفمار، لم يكن عملا معزولا قام به >24 مراهقا< بل مؤامرة كبيرة نسجها أصحاب التفكير >الجهادي< الذين نجحوا في فترة سابقة في خلق روابط دخل المؤسسة العسكرية، كما فعلوا مع سائر المؤسسات، حسب اعتراف أنور هدام ·
إن تفادي وقوع عمليات مماثلة بعد هجوم فمار، لم يكن إلا نتيجة اضطربات في التوقيت مما أدى إلى تأجيلها إلى بداية سنة .1992

هناك تعليق واحد:

Ahmed Chouchane يقول...

لم تكن هناك أي علاقة بين الجماعة التي نفذت عملية قمار و الحركة الاسلامية المسلحة بقيادة عبد القادر شبوطي و السعيد نخلوفي و الربط بينهما من نسج الخيال. كما ان العسكريين لم يتورطوا مع الجماعات المسلحة إلا بعد الحملات التعسفية التي استهدفتهم من طرف جهاز المخابرات بعد احداث قمار. وإذا كانت كثير من تفاصيل الأحداث و الأسماءالواردة في المقال حقيقية فإن الربط بينها و الاستنتاج النهائي لكاتب المقال لا يمت للحقيقة بصلة.