لا أحد يكرهه طباعة إرسال إلى صديق
الاثنين, 09 ديسمبر 2013
عدد القراءات: 52
تقييم المستخدمين: / 0
سيئجيد 
حقق معجزة لم تحقق لغيره في التاريخ إلا في حالات نادرة: أن يمارس السياسة ولا يكرهه أحد. حتى وإن كان في بداية نضاله "إرهابيا" في قاموس الجلاد الذي سيصير شقيقا له  ينظر في عينيه بحب ، كشأن سجانه الذي لازال يحتفظ بمضربين أهداهما لابنه. نعم، هل يمكن تخيّل سجين يفكر في هدية لابن سجانه؟
لم يحدث ذلك إلا معه، لأنه كان يرى بعين بصيرته أن السجان سجين أيضا، وأن الأحقاد عابرة لمن يحسن التعامل معها. وكذلك فعل في رحلته القاسية، لكأنه كان يدرك أن التاريخ انتدبه ليكون رمزا في زمن كف فيه الأنبياء عن الظهور فرد للتاريخ جميله بغض الطرف عن التفاصيل المؤلمة التي يقترحها لامتحان أطفاله المدللين.
و من  معجزاته أيضا أنه لم يتقمص المعتدي كما فعل غيره من "الثوار" حيث اكتفى بخمس غير قابلة للزيادة في إشرافه الرفيع على شأن بلاد منحته عجلة القيادة، خمس سنوات وضع فيها الأسس وانسحب ولم يقل أنا ربكم الذي خلقكم كما فعل غيره من ثوار إفريقيا والعالم العربي لم يقل أنا الذي حررتكم . و لم يقتل ولم يسجن ولم يشر بيد الإساءة إلى غيره.
ومن معجزاته أنه حوّل جنوب إفريقيا في ظرف وجيز إلى دولة ديموقراطية، فمن يصدق الآن أن أول انتخابات حقيقية عرفها هذا البلد جرت في منتصف التسعينيات ولم يقل الزعيم ( وقد كان زعيما حقا) أننا لازلنا صغارا عن الديموقراطية، بل ان الرجل عرف كيف يقود أمة متعددة الاعراق إلى مصالحة دفنت فيها أحقادها  في ملحمة إنسانية لا نظير لها في التاريخ. في وقت دمر فيه جيران لبلاده مقدرات بلدانهم بأنانياتهم ومكنوا الاستعمار الجديد منها، وهاهم يبيعون أمنا إفريقيا بثمن بخس لأوروبا الجائعة.
ومن معجزاته، أن يجتمع في حبه كل فرقاء الأرض حيا أو ميتا.
لا أحد على هذه الأرض يكره ماديبا. أب الجميع، أب السود وأب البيض القساة الذين تعلموا على يديه كيف يسترجعون إنسانيتهم.
لا أحد على هذه الأرض يكره نيلسون مونديلا. وربما استقامت العبارة لو جاءت على شكل: من على هذه الأرض لا يحبه؟
غاب ماديبا الآن، تاركا سيرته كتابا مفتوحا يقول سطره الأول: لا يمكن بناء الأوطان قبل بناء الإنسان.
سليم بوفنداسة