السبت، مارس 14

الاخبار العاجلة لاعلان لويزة الحرب على جماعة السعيد بوتفليقة وبشائر السكتة القلبية تعجل برحيل بوتفليقة بعد دخول عائلات رئاسة الجمهورية في صراعات وهمية مع اصدقاء السعيد بوتفليقة الاستاد الجامعي بمنصب رئيس جمهورية لاساتدة الجامعة الجزائرية المنسية من داكرة الدولة الجزائرية والاسباب مجهولة

اخر خبر
 الاخبار  العاجلة  لاعلان  لويزة الحرب على  جماعة السعيد بوتفليقة وبشائر السكتة القلبية  تعجل برحيل بوتفليقة بعد دخول عائلات  رئاسة  الجمهورية في صراعات وهمية مع اصدقاء السعيد بوتفليقة  الاستاد الجامعي  بمنصب  رئيس جمهورية  لاساتدة  الجامعة الجزائرية المنسية من داكرة  الدولة الجزائرية والاسباب مجهولة 

http://www.startimes.com/?t=15949529
مقدمة

الباب الأول: الظاهرة الإجرامية عن المرأة

الفصل الأول: أنواع جرائم النساء
الفرع الأول: الجرائم الخاصة
المبحث الأول: جريمة الفساد
المطلب الأول: الركن المادي
المطلب الثاني: الركن المعنوي
المبحث الثاني: جريمة الخيانة الزوجية
المطلب الأول: الركن المادي
المطلب الثاني: الركن المعنوي
المبحث الثالث: جريمة الإجهاض
المطلب الأول: نشاط مادي
المطلب الثاني : انتفاء ضرورة المحافظة على صحة الأم
المطلب الثالث: القصد الجنائي
المبحث الرابع: جريمة قتل الأم لوليدها
الفـرع الثاني: الجرائم العامة
المبحث الأول: جرائم الاعتداء على الأشخاص
المطلب الأول: جريمة القتل
المطلب الثاني: جرائم الإيذاء
المبحث الثاني: جرائم الاعتداء على الأموال
المطلب الأول: جريمة السرقة
المطلب الثاني: جرائم الشيك
المبحث الثالث: الجرائم الماسة بالأخلاق العامة:
المطلب الأول: جريمة التحريض على الفساد
المطلب الثاني: جريمة السكر العلني
الفصل الثاني: تطور إجرام المرأة واختلافه عن إجرام الرجل
الفرع الأول: إجرام المرأة بين الماضي والحاضر
المبحث الأول: إجرام المرأة عبر التاريخ
المبحث الثاني: إجرام المرأة في المغرب
الفرع الثاني: إجرام المرأة بين المدينة والقرية
المبحث الأول: مظاهر اختلاف إجرام المرأة بين المدينة والقرية
المطلب الأول: اختلاف إجرام المرأة بين المدية والقرية من حيث الكم
المطلب الثاني: اختلاف إجرام المرأة بين المدينة والقرية من حيث النوع
المبحث الثاني: العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع نسبة الإجرام في الحضر
الفرع الثالث: إجرام المرأة واختلافه عن إجرام الرجل
المبحث الأول: مظاهر الاختلاف بين إجرام المرأة وإجرام الرجل
المطلب الأول: الاختلاف في الكمية
المطلب الثاني: الاختلاف في النوع
المطلب الثالث: من حيث الجسامة
المبحث الثاني: أسباب اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل
المطلب الأول: تدين المرأة وسمها الخلقي
المطلب الثاني: اختلاف الوضع الاجتماعي
المطلب الثالث: الاختلاف في التكوين


الباب الثاني: المؤسسات العقابية ودورها في إعادة تأهيل المرأة السجينة
الفصل الأول: المؤسسات العقابية وتنفيذ الجزاء الجنائي:
الفرع الأول: الجزاء الجنائي 79
المبحث الأول: العقوبة 80
المطلب الأول: العقوبة تعريفها أهدافها مميزاتها 80
المطلب الثاني: أنواع العقوبات 82
الفقرة الأولى: العقوبات الأصلية 83
الفقرة الثانية: العقوبات الإضافية 98
المبحث الثاني: التدابير الوقائية 95
المطلب الأول: تمييز التدابير الوقائية عن العقوبة 95
المطلب الثاني: أنواع التدابير الوقائية 96
الفقرة الأولى: التدابير الوقائية الشخصية 97
الفقرة الثانية: التدابير الوقائية العينية 108
المبحث الثالث: العقوبات البديلة 110
المطلب الأول: البدائل الجنائية للعقوبات الحبسية قصيرة المدة 111
الفقرة الأولى: البدائل المالية 111
الفقر الثانية: البدائل غير المالية 114
المطلب الثاني: البدائل غير الجنائية للعقوبات الحبسية قصيرة المدة 119
الفقرة الأولى: البدائل القانونية غير الجنائية 119
الفقرة الثانية: البدائل المجتمعية 121
الفرع الثاني: إشراف المؤسسات العقابية على تنفيذ الجزاء الجنائي 123
المبحث الأول: المؤسسات العقابية 123
المطلب الأول: مفهوم السجن 124
المطلب الثاني: تطور نظام السجون 125
المطلب الثاني: أنواع المؤسسات العقابية 128
المبحث الثاني: الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي 134
المطلب الأول: الإشراف الإداري 135
المطلب الثاني: الإشراف القضائي 137
الفرع الثالث: المؤسسات السجنية بالمغرب ودورها في الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي 142
المبحث الأول: تطور نظام السجون بالمغرب 142
المطلب الأول: تنظيم السجون بالمغرب إبان المرحلة السابقة لعهد الحماية 142
المطلب الثاني: تنظيم السجون بالمغرب إبان عهد الحماية 144
المطلب الثالث: تنظيم السجون بالمغرب إبان عهد الاستقلال 147
المبحث الثاني: الدور الإصلاحي والاجتماعي للمؤسسة السجنية بالمغرب 148
المطلب الأول: الدور الإصلاحي والاجتماعي لمؤسسة السجون في المغرب في عهد الحماية انطلاقا من ظهيري 1915-1930 149
المطلب الثاني: الدور الإصلاحي و الاجتماعي للمؤسسة السجنية في المغرب في عهد الاستقلال 151
الفصل الثاني: سجون النساء بالمغرب ودورها في إعادة تأهيل المرأة السجينة 157
الفرع الأول: دراسة ميدانية بالسجن المحلي ببني ملال 158
المبحث الأول: الخطوات المنهجية للدراسة الميدانية 158
المبحث الثاني: عرض نتائج الدراسة وتحليلها 170
المطلب الأول: عرض نتائج الدراسة الميدانية 170
المطلب الثاني: تحليل نتائج الدراسة 181
الفقرة الأولى: تحليل العوامل التي دفعت بالسجينات إلى الجنوح 182
الفقرة الثانية: تحليل البرامج التأهيلية المطبقة داخل السجن المحلي ببني ملال
الفرع الثاني: السجن المدني بمكناس
الفرع الثالث: خلاصة تركيبية لنتائج الدراسة:
المبحث الأول: البرامج الإصلاحية والتأهيلية المطلقة داخل المؤسسات العقابية.
المطلب الأول: برامج التعليم والتهذيب
المطلب الثاني: برنامج التكوين المهني
المطلب الثالث: برنامج الرعاية الاجتماعية
المبحث الثاني: تنفيذ الجزاء الجنائي خارج المؤسسات العقابية

خاتمة
مقدمة عامة :
ليست الجريمة ظاهرة إنسانية عامة فحسب، وإنما هي أساسا ظاهرة طبيعية لأنها تلازم مع الحياة حيث وجدت ( ). ولأن الجريمة في أبسط مفهوم لها عدوان فإن اهتمام المجتمعات بأمرها وأمر مرتكبيها أمر قديم يرجع إلى التاريخ الذي وجدت فيه هذه المجتمعات.
ولم يتخذ هذا الاهتمام بطبيعة الحال شكل الدراسة العلمية الرامية إلى تفسير الظاهرة الإجرامية واستقصاء أسبابها ووسائل مكافحتها وإنما اتخذ شكل الأفكار والإشارات المتناثرة حول ظاهرة الجريمة دون عوض في دراسة الظاهرة نفسها لاستجلاء أسبابها ووسائل مواجهتها.
حيث كانت أولى التفسيرات لهذه الظاهرة تنظر إلى الجريمة على أنها مخالفة لأمر تمليه قدرة مقدسة مجهولة تجعل من صاحبها عاصيا عليه واجب التكفير عن ذنبه( ). وحينما أخذ الفكر البشري استقلاله وتخلص من التأثيرات الدينية بدأ يصطبغ بصبغة اجتماعية انعكست على مفاهيم الجريمة والعقوبة فانحصرت دائرة الجريمة في حدود الأفعال الضارة بالمجتمع( ). وبدأت فكرة مسؤولية المجرم عن أفعاله في الظهور، وكان طبيعيا إزاء ذلك أن يتجه الفكر الإنساني في بحثه عن أسباب الجريمة إلى المجرم وإلى مجتمعه وهذا ما شكل بداية لبروز الدراسات الاجتماعية للظاهرة الإجرامية، حيث كانت أول دراسة جدية لظاهرة الجريمة كظاهرة اجتماعية تلك التي نشرها « Guerry » الفرنسي في سنة 1833 تحت عنوان محاولة حول الإحصاء الأدبي لفرنسا تناول فيه أثر الحبس والسن والمهنة ودرجة التعليم والطقس وتقلبات الفصول على الجريمة وأسبابها ودوافعها فعدها قام كيتليه باستخدام الإحصاءات الفرنسية في دراسته التي بدأت عام 1835 حيث أظهر تأثر ظاهرة الجريمة ببعض العوامل الطبيعية كالجنس والسن والحالة الاقتصادية، وخلص من دراساته إلى أن الظواهر الاجتماعية، وظاهرة الإجرام منها، تخضع لنفس القواعد العامة التي تحكم الظواهر الطبيعية الأمر الذي يمكن معه وجود علم ينقب عن تلك القواعد التي تحكم ظاهرة الإجرام ( ). فكان أن برز إلى الوجود علم جديد أطلق عليه اسم "علم الإجرام" يعنى بدراسة الجريمة كسلوك فردي وكظاهرة اجتماعية دراسة علمية تستهدف الانتقال من الوصف والتعليل إلى بسط العوامل الدافعة إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة( ). ويميز في إطار هذه العوامل بين العوامل البيئية، وهي مجموع الظروف الخارجية التي تحيط بالفرد وتؤثر في تكوين شخصيته وتوجيه سل، والعوامل الفردي، وهي مجموع الظروف المتصلة بشخص المجرم والتي يكون لها تأثير على سلوكه الإجرامي، كعامل الوراثة والتكوين والسلالة والسن بالإضافة إلى عامل الجنس. ويجمع علماء الإجرام على وجود علاقة وثيقة بين ظاهرة الإجرام وعامل الجنس، حيث أكدت مختلف الإحصاءات الجنائية وجود اختلاف بين إجرام المرأة وإجرام الرجل كما ونوعا ووسيلة.
وإن كانت جل لدراسات التي اهتمت بمعالجة هذا الموضوع ترتكز في الغالب على رصد ظاهرة إجرام الرجل فإن ظاهرة إجرام المرأة ظلت من الأمور التي يحيطها ما يحيط بالمرأة أحيانا من غموض أو ما تلقاه من اللامبالاة والإهمال وذلك بسبب نذرة البحوث والدراسات في هذا المجال.
ويرى بعض المختصين في علم الاجتماع الجنائي وعلم الإجرام أن السبب في قلة الاهتمام العلمي بجرائم النساء إنما يعزى إلى أن عدد النساء الذي يقع تحت طائلة القانون أقل بكثير إذا ما قورن بعدد الرجال ( ).
من هذا المنطلق جاءت فكرة اختيارنا لموضوع هذا البحث والمتعلق بإجرام المرأة، في محاولة منا لرصد حركية إجرام النساء باعتمادنا على نموذج منطقة مكناس حتى نتمكن من الوقوف عن قرب على مختلف الظروف والعوامل المؤثرة في ظاهرة الإجرام النسوي بالمنطقة وذلك بالاعتماد على الإحصائيات الجنائية.
وإيمانا منا بأن معالجة الجريمة إثر وقوعها يؤدي إلى تفادي تكرارها مستقبلا، وأن هذا لا يتأتى إلا من خلال تنفيذ الجزاء الجنائي داخل المؤسسات العقابية التي عرفت تطورا في أساليب إشرافها على تنفيذ العقوبة من مجرد تحقيق الردع العام والخاص إلى القيام بدور إصلاح وتأهيل الجانحين بهدف إعادة إدماجهم داخل المجتمع ارتأينا معالجة دور المؤسسات السجنية بالمغرب في إعادة تأهيل السجينات وتسهيل عملية إعادة إدماجهن في المجتمع وذلك من خلال إجراء دراسة ميدانية ببعض سجون المملكة.
هذه إذن أهم النقط التي سنحاول القيام بدراستها في إطار هذا البحث وذلك من خلال التطرق لدراسة الظاهرة الإجرامية عن المرأة ودور المؤسسات السجنية في إعادة تأهيلها وإصلاحها. وذلك حسب المنهجية التالية:

الباب الأول: الظاهرة الإجرامية عن المرأة
الفصل الأول: أنواع جرائم النساء
الفصل الثاني: تطور إجرام المرأة واختلافه عن إجرام الرجل
الباب الثاني: المؤسسات العقابية ودورها في إعادة تأهيل المرأة السجينة
الفصل الأول: المؤسسات العقابية وتنفيذ الجزاء الجنائي.
الفصل الثاني: دراسة ميدانية ببعض سجون النساء بالمغرب
الباب الأول
الظاهرة الإجرامية عند المرأة






إن دراسة أي ظاهرة إجرامية تقتضي الوقوف عند حركية الإجرام وما يطرأ عليها من تغيير باختلاف الزمان والمكان، وذلك لمعرفة أماكن تمركز هذه الظاهرة وطبيعة الجماعات الإنسانية التي تتفشى فيها، وبالتالي العوامل التي تساهم فيها والظروف التي أدت إلى انتشارها في فترة زمنية معينة وانحسارها في فترات زمنية أخرى ( ). ولتحقيق ذلك لابد من اتباع أساليب البحث العلمي في دراسة الظاهرة الإجرامية. ويعتبر أسلوب البحث الإحصائي أهم طرق البحث العلمية هذه، حيث يقوم على إحصاء محمل الأفعال التي تشكل انتهاكات لنصوص القانون الجنائي داخل بقعة جغرافية م وخلال فترة زمنية معينة،( ) وفي إطار هذا الأسلوب يمكن التمييز بين أسلوب الإحصاء المحتل الذي يعتمد على دراسة الجريمة في بعديها الكمي والنوعي في أوقات مختلفة ولكن في بقعة جغرافية واحدة، وبين الإحصاء الثابت الذي يقوم في نطاقه الباحث بدراسة الجريمة على الصعيد الكمي والنوعي في فترة زمنية معينة، وفي عدة بقع جغرافية مختلفة.
وفي دراستنا للظاهرة الإجرامية عند المرأة اعتمدنا على أسلوب الإحصاء المتحرك، حيث قمنا بتتبع حركية الإجرام عندها في منطقة مكناس خلال سنة 2004 وذلك بالاعتماد على الإحصائيات الجنائية الصادرة عن المحاكم وعن الشرطة، رغم أنها تبقى قاصرة عن تحديد الحجم الحقيقي للإجرام بالنظر إلى أن هناك جرائم ترتكبها النساء ولا تصل إلى علم الشرطة، إضافة إلى الأخطاء التي قد تشوب المعطيات الرقمية لهذه الإحصائيات، إلا أنها ستمكننا من تحديد الفرق الحاصل بين إجرام المرأة وإجرام الرجل من ثم أنواع الجرائم التي ترتكبها المرأة في هذه المنطقة، ومدى اختلاف هذه الجرائم بين المدينة والقرية.
وعليه سنخصص الفصل الأول لدراسة أنواع جرائم النساء على أن نتطرق في الفصل الثاني لتطور إجرام المرأة واختلافه عن إجرام الرجل.



الفصل الأول: أنواع جرائم النساء

يمكن التمييز في إطار أنواع جرائم النساء بين الجرائم الخاصة وهي تلك الجرائم التي يشيع ارتكابها من طرفهن، و الجرائم العامة وهي الجرائم التي يستوي في ارتكابها بين الرجل و المرأة .
وعلى هذا الأساس سنقوم بدراسة الجرائم الخاصة في فرع أول مخصصين فرعا ثانيا لدراسة الجرائم العامة.

الفرع الأول: الجــــــرائم الخــــــاصة


يكشف واقع الظاهرة الإجرامية أن النساء يرتكبن أنواعا معينة من الجرائم يرتكبها الرجال بنسبة أقل كقتل المواليد، الإجهاض، الفساد، السحر والشعودة، التسول ...
وهي جرائم ترتبط بالطبيعة الأنثوية للمرأة سواء من الناحية البيولوجية أو الفيزيولوجية، أو من ناحية وضعها الاجتماعي.
وتجدر الإشارة إلى أن أغلب هذه الجرائم يدخل في إطار ما يسمى بالإجرام الخفي، ذلك أنها لا تصل إلى علم الشرطة، وإن كانت موجودة على أرض الواقع، ومن ثم لا تدرج ضمن الإحصائيات الجنائية.
في منطقة مكناس مثلا خلال سنة 2004 لم يتم تسجيل أية جريمة في مجال السحر والشعوذة أو التسول أو الإجهاض، بينما سجلت 33 جريمة خيانة زوجية لدى الشرطة 6 يصل منها إلى المحكمة إلا جريمتين ( ) وذلك لكون المتابعة لا تتم إلا استنادا على شكوى من الزوج.
وعلى اعتبار أن جريمة الفساد تدخل في نطاق الجرائم الخاصة، إضافة إلى أنها سجلت أعلى نسبة بين الجرائم المرتكبة فإننا سنتناولها في مبحث أول على أن نتطرق لجريمة الخيانة الزوجية في مبحث ثاني وجريمة الإجهاض في مبحث ثالث وأخيرا لجريمة قتل الأم لولدها في مبحث رابع.
المبحث الأول: جريمة الفساد
يعد الزواج العلاقة القانونية الوحيدة المعترف بها للتعايش الجنسي، وهو اتجاه ولاشك يتفق مع الشريعة الإسلامية التي وقفت من الزنى موقفا صارما حرصا منها على صيانة مؤسسة الأسرة ونظامها.
والمشرع المغربي وانطلاقا من مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص –الفصل 3 من القانون الجنائي- فإنه خص جريمة الفساد بفصلين هما الفصل 490 والفصل 493. ينص الفصل 490 على أن: "كل علاقة جنسية بين رجل وامراة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد ويعاقب عليها بالسجن من شهر واحد إلى سنة" وينص الفصل 493 على أن: "الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و 491 لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناءا على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي" وانطلاقا من ذلك نرى ضرورة الحديث عن الركن المادي والركن المعنوي لجنحة الفساد وذلك في مطلبين:


المطلب الأول: الركن المادي

يتحقق الركن المادي في جريمة الفساد بمواقعة رجل لامرأة دون أن يكونا مرتبطين بعلاقة زوجية، ويدخل في ذلك أن لا يكون الجماع قد حصل أثناء فترة العدة من طلاق رجعي حيث يعتبر الوقاع إذ ذاك بمثابة استرجاع الرجل للمرأة المطلقة إلى عصمته.
وإذا كان مفهوم العلاقة الجنسية ينصرف إلى المواقعة الطبيعية بين الرجل والمرأة، إلا أنه يبدو تفسيره بشكل أوسع بحيث يشمل كذلك إتيان المرأة من الخلف، لأن القانون الجنائي عندما عاقب على الشذوذ الجنسي م 489 ق ج اقتصر فيه على الحالة التي يكون فيها بين شخصين من جنس واحد، أي بين رجلين أو بين امرأتين( ).
ولا ينبغي أن يكون أحد الطرفين على الأقل متزوجا لأنه إذا كان واحد منهما كذلك يتغير تكييف الجريمة فيصبح خيانة زوجية عوض فساد، المادة 491 ق ج، كما لا ينبغي أن يكون أحد الطرفين قاصرا حيث يكون الوصف الإجرامي أشد وذلك بان يكون هذا الوصف هو المس بعرض سواء كان بعنف –المادة 484- أو بدون عنف- المادة 485- أو يكون هذا الوصف هو الاغتصاب أي متى كانت المواقعة بدون موافقة المرأة و هذا الأخير لا يدخل في إلإطار الحديث عن الجرائم التي ترتكبها النساء بل ما تتعرض له هذه الأخيرة من جرائم.


المطلب الثاني: الركن المعنوي:

باعتبار الجريمة هي جريمة عمدية فإنه وجب توفر القصد الجنائي أي إدراك الفاعل حقيقة تصرفه بأن الطرف الآخر لا تربطه به علاقة زواج.
فإذا تحقق القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة في الحدود السابقة قام الركن المعنوي في الجريمة ووجب مسائلة الفاعلين وعقابهم طبقا للمادة 490 من القانون الجنائي بعقوبة تتراوح بين شهر واحد وسنة، ما لم يكيف فعلهما تكييفا يؤدي إلى تغليظ العقوبة عليهما، أما إذا انتفى القصد الجنائي لغلط أو جهل في واقعه وجود رابطة الزوجية بين الطرفين، فإن جريمة الفساد أو أية جريمة أخرى لا تقوم بالنسبة للذي انتفى القصد الجنائي لديه.
وباعتبار جريمة الفساد جنحة فإنه لا يعاقب على محاولة الجنحة إلا بمقتضى نص خارج في القانون –الفصل 115 ق ج – وحيث لا وجود لنص قانوني يعاقب على المحاولة في جريمة الفساد فإنه لا يسائل من حاول ارتكاب هذه الجريمة، لكن كيف يتم إثبات هذه الجريمة؟
 إثبات جنحة الفساد:
تنصل المادة 93 من ق ج: "الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و 491 لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي"
وعليه فالمشرع خرج عن مبدأ حرية الإثبات الجنائي المنصوص عليه في المادة 286 وفرض على القاضي وسائل محددة لإثبات جريمتي الفساد والخيانة الزوجية وهذه الوسائل هي:
1-محضر ضابط الشرطة القضائية الذي يحرره في حالة التلبس:
وقد حدد قانون المسطرة الجنائية حالات التلبس حصرا في المادة 56 وانطلاقا من ذلك ومن الفصل 493 ق ج ينبغي أن يكون ضابط الشرطة هو نفسه الذي عاين تنفيذ الأفعال المادية للجريمة أو ضبط الجاني إثر إنجاز الفعل أو حاملا لإمارات أو آثار تثبت ارتكابه للفعل، وهذا لا يتأتى في حالة ضبط الجاني مطاردا بصياح الجمهور دون أن تكون عليه آثار وإمارات تؤكد ارتكابه جريمة الفساد، إذ في هذه الحالة وحيث لا يوجد اعتراف من الجاني المطارد بذلك فلا سبيل إلى التأكد من الأفعال المادية المنسوبة للمطارد إلا عن طريق الشهود، الأمر الذي يؤدي في الأخير إلى إثبات هذه الجريمة بالشهود.
والمحكمة هي التي تستخلص حالة التلبس من الواقع الواردة في المحضر أي أن الضابط يكتفي بتسجيل الوقائع كما شاهدها، وتبقى للمحكمة الصلاحية في استخلاص مدى دلالة هذه الوقائع على ارتكاب الجريمة وبالتالي تقرير وجود حالة التلبس أو عدم وجودها.
2-الاعتراف المكتوب:
وهو أن يحرر المتهم اعترافا بارتكابه الجريمة سواء كتبه بخط يده أو أملاه على غيره على أن يوجد ما يثبت أنه هو من كتب بالفعل أو هو من أملى ذلك بالفعل كأن يذيل اعترافه بإمضائه.
ويخضع الإثبات المكتوب هو الآخر في قيمته الإثباتية للسلطة التقديرية للمحكمة مثل ما تفعل في الاعتراف القضائي في سائر الجرائم.
3-الاعتراف القضائي:
ويقصد به الاعتراف الصادر عن المتهم في الجلسة العمومية ويعد الاعتراف القضائي أرقى الأدلة وأكثرها اعتمادا من طرف المحكمة كلمتا كان صريعا منصبا على وقائع الجريمة ذاتها دون غموض أو إبهام.
ومع ذلك فللقاضي أن يعمل بهذا الاعتراف أم لا طبقا للمادة 286 من ق م ج حيث يحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناعه (القاضي) بالأسباب الواقعة والقانونية التي ينبني عليها الحكم أو القرار أو الأمر ولو في حالة البراءة.
وفي الأخير نشير إلى أنه لا يمكن إثبات جريمة الفساد والخيانة الزوجية إلا بما هو منصوص عليه في المادة 493 من ق ج حيث تنص المادة 286 ق م ج ( ): "يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ما عدا في الأحوال التي تقضي القانوني فيها بخلاف ذلك".


المبحث الثاني: جريمة الخيانة الزوجية


لقد جرم المشرع المغربي الفساد حينما يكون طرفا العلاقة الجنسية الغير المشروعة غير متزوجين بينما إذا كان واحد منهم على الأقل متزوجا فإن الحالة هنا تختلف إذ تكيف هذه العلاقة الغير المشرعة بالخيانة الزوجية حيث نصت المادة 491 من ق ج على أنه : "يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة وإلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه.
إلا أنه في حالة غياب الزوج خارج المملكة فإن زوجته التي تتعاطى الفساد بصفة ظاهرة يمكن للنيابة العامة متابعتها".
ومن خلال ذلك نعرض فيما يلي الركن المادي والركن المعنوي لهذه الجريمة.


المطلب الأول: الركن المادي:

يتحقق الركن المادي في جريمة الخيانة الزوجية كما هو الحال في جريمة الفساد بالموافقة بين الطرفين إلا أن الاختلاف هو أن الخيانة الزوجية لا تتحقق إلا بارتباط الجاني بعقد زواج حيث الزوج مرتكب الجريمة يعد فاعلا أصليا والطرف الآخر غير المتزوج يعد مشاركا، وينبغي لهذه الجريمة كي تكيف بالخيانة الزوجية أن تكون لاحقة على عقد الزواج الصحيح، ففي الخطبة مثلا لا تتحقق الجريمة.
وإذا كانت النصوص المنظمة لجريمة الخيانة الزوجية لم تتعرض للحل عندما يكون أحد الطرفين في العلاقة الجنسية غير المشروعة متزوجا ومشاركه غير متزوج فإن الفقه قد اهتدى وكذا القضاء، إلى اعتبار صفة الزوجية تشكل طرفا مادية في الجريمة لأنها تغير من وصفها من جنحة الفساد إلى جنحة الخيانة الزوجية ويشدد بالتالي عقابها وفي نفس الوقت تشكل ذات الصفة، طرفا شخصيا مشددا للعقوبة ترتبط بشخص الفعل ولذلك توافر هذه الصفة تنتهي أخيرا إلى أن تصبح طرفا مختلطا عينيا وشخصيا في نفس الوقت، والقضاء سائر على اعتبار الظروف المختلطة كالظروف العينية من حيث أثرها على المساهمين والمشاركين وبالتالي فالطرف غير المتزوج يعاقب بنفس عقوبة الزوج في جريمة الخيانة الزوجية وذلك لأن: "الظروف العينية المتعلقة بالجريمة والتي تغلظ العقوبة أو تخفضها، تنتج مفعولها بالنسبة لجميع المساهمين أو المشاركين في الجريمة ولو كانوا يجهلونها"( ).


المطلب الثاني: الركن المعنوي

لا يتحقق القصد الجنائي إذا انتفى الإدراك عن الفاعل كما إذا كان مصابا بخلل عقلي، أو كان في حالة سكر غير اختياري، أو في حالة تخدير أو تنويم، لكن إذا كان تناول المسكر أو المخدر اختياريا وبدون ضرورة فإن المسؤولية تبقى قائمة، ويخرج من هذا الإطار إذا كان عنصر الاختيار غير متوفر كما هو الحال في الاغتصاب –المادة 486 ق ج- ويبدو تطبيق نفس الحكم في حالة انتفاء رضى الرجل واستعمال المرأة وسائل للضغط عليه. وكما أشرنا سابقا فإن الجهل بالرابطة الزوجية لا يحول دون معاقبة المشاركة في جريمة الخيانة الزوجية بنفس عقوبة الزوج، بينما جهل الزوج بوجود هذه الرابطة أو العقد يحول دون تحقيق القصد الجنائي لديه ويمكن تكييف الجريمة حينها بالفساد.
ولابد من الإشارة إلى أن المشرع في المادة 491 منع على النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية إذ لم يتقدم زوج الجاني بشكاية يطلب فيها المتابعة باستثناء الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة السالفة وهي حالة ما إذا كان الزوج متغيبا خارج المغرب وامرأته تتعاطى الفساد بصفة ظاهرة، فإنه يمكن للنيابة العامة أن تتابعها دون أن يتوقف الأمر على شكاية الزوج المتغيب.
والنص استعمل عبارة "يمكن للنيابة العامة متابعتها" ومعنى ذلك أن للنيابة العامة سلطة تقديرية لإثارة المتابعة أو عدم إثارتها، وذلك حسب تقديرها لظروف ممارسة المرأة للفساد.
وكما يمكن للزوج إثارة الشكوى ضد زوجته فإنه يمكن أن يتنازل عنها ويضع حدا للمتابعة الجنائية للزوجة إذ ينص الفصل 492 : "تنازل أحد الزوجين عن شكايته يضع حدا لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها عن جريمة الخيانة الزوجية". ويتابع الفصل في فقرته الأخيرة "لا يستفيد مشارك الزوجة ولا مشاركة الزوج مطلقا من هذا التنازل" ولا يحول عدم إثارة الشكوى من طرف الزوج المجني عليه دون متابعة الشريك كان متزوجا أم عازبا حسب منطقو المادة المذكورة.
المبحث الثالث: جريمة الإجهاض
تعتبر جريمة الإجهاض من الجرائم المرتكبة ضد نظام الأسرة والتي حرمها الإسلام على اعتبار أن الجنين به روح وقتل النفس لا يكون إلا بالحق مصداق لقوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم) ( ).
لقد تعرض المشرع الجنائي المغربي لجريمة الإجهاض وأفرد لها نصوص خاصة المواد من 449 إلى 458 من القانون الجنائي، أما قبل صدور القانون الجنائي الحالي المطبق ابتداءا من 17 يونيه 1963 فلم تكن ثمة نصوص تجرم الإجهاض صراحة إلا أن نية المشرع على ما يبدو وكانت تسير في هذا الاتجاه وذلك بعد إصداره ظهير 10 يوليوز 1939 الذي يعاقب على الدعاية والتحريض على التقليل من الإنجاب والتناسل.
وقد كان السبب الوحيد الذي سمح معه القانون بالإجهاض هو الذي تضمنته المادة 453 و الذي قرر الإعفاء من العقاب إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر متى قام به طبيب أو جراح علانية وبعد إخطار السلطة الإدارية ثم صدر بتاريخ فاتح يوليوز 1967 مرسوم بتغيير المادتين 453 و 455 من ق ج وإلغاء ظهير 10 – 7 – 1939 وبموجبه أصبح نص المادة 453 كما يلي: "لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة الحفاظ على صحة الأم متى قام به طبيب أو جراح بإذن من الزوج ولا يطالب بهذا الإذن إذا ارتأى أن حياة الأم في خطر غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم..." والحقيقة أن هذا التعديل يتسم بالمرونة التي تؤدي في الواقع إلى إباحة الإجهاض في أغلب حالات الحمل الغير المرغوب فيه لا سيما من طرف المرأة التي حملت كرها إما من جراء اغتصاب أو نتيجة علاقة جنسية مع أحد المحارم، وذلك لاتقاء العار والفضيحة وتحت القهر النفعي ونبذ الأسرة والمجتمع فتقدم إلى محاولة التخلص منه بأية طريقة كالشعوذة والدجل كما تتم الاحتماء بالأعشاب والوصفات التي يصنعها العجائز والدجالون وهناك من يلجا إلى أطباء عديمي الضمير الذين يتخذون من الإجهاض سببا للكسب الغير الشريف على حساب نساء حوامل لا يملكن حتى التفكير في عواقب ما يقدمن عليه.
والتقديرات بالنسبة لهذا النوع من الجرائم تجاوزت المائتي ألف جريمة سنويا في و م أ (الولايات المتحدة الأمريكية) والموقف أسوأ في فرنسا( ).
وبعد هذه اللمحة عن تطور الإجهاض في القانون المغربي يجدر بنا أن نحدد عناصر الجريمة. ولقيام جريمة الإجهاض يستلزم توافر العناصر التالية:
أولا نشاط مادي يأتيه الجاني
ثانيا: انتفاء الخطر على الأم بغياب ضرورة المحافظة على صحتها.
ثالثا: القصد الجنائي


المطلب الأول: نشاط مادي

يتمثل هذا العنصر في كل فعل أو سلوك يأتيه الجاني على الحامل ستهدف من خلاله وضع حد لحياة الجنين، هذا ولم يفرق المشرع بين سلوك وآخر ووسيلة وأخرى، فالوسائل ليست بذات أهمية في نظر القانون كقاعدة، إذ يتوافر النشاط بكل فعل يؤدي إلى القضاء، على حياة الجنين حيث جاء في المادة 449: "من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 120 إلى 5000 درهم، وإذا نتج عن ذلك موتها فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة" بما يفيد أن النص يطبق حتى في الحالات تستعمل الإجهاض فيها وسائل وإن كانت تبدو مشروعة في ظاهرها فإنها تسهل مع ذلك عملية الإجهاض مثل الألبسة الضيقة جدا وممارسة رياضات لا تصلح للحوامل كالجري أو حمل الأثقال أو ركوب الخيل ولكن في هذه الحالة يتعين أن يثبت القصد الجنائي( ).
ولم يعدد المشرع في المادة 449 من ق ج كل صور النشاط المكونة للركن المادي في جريمة الإجهاض وإنما سرد بعض الأمثلة لهذا النشاط كإعطاء الحامل طعاما أو شرابا أو أي عقار من العقاقير أو ممارسة العنف ولذلك أردف قائلا "أو أية وسيلة أخرى" ومعنى هذا أن كل وسيلة استعملت بقصد إسقاط الجنين من رحم الأم قبل الوقت المحدد للوضع يكون الركن المادي لجريمة الإجهاض. كما أن المشرع لم يعتد في المادة السابقة بمدة الحمل أو عمر الجنين وبمعنى أن إتيان أي نشاط مادي يضر بالجنين بغرض إسقاطه يعاقب عليه مهما كان عمر هذا الجنين.
ثم إن رضى المـرأة الحامل دائمـا في إطار المادة 449 لا أثـر له على قيام الجريمة فيستوي أن توافق على إجهاضها أو ترفض وتجهض رغما عنها أو عن طريق الاحتيال عليها كإعطائها مواد أو عقاقير دون علمها، وفي حالة رضاها وموافقتها تطبق عليها العقوبة المخففة الواردة في المادة 454 من ق ج وهي: "... الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من 120 إلى 500 درهم"
وهكذا فبمجرد إتيان الفعل المادي للإجهاض تقوم به الجريمة التامة إذا هي تحققت النتيجة أما إذا لم تتحقق فإننا سوف نكون بصدد محاولة مادامت هذه الأخيرة معاقبة بمقتضى نص وإن كان المشرع ركز على المحاولة في صورة الجريمة المستحيلة كما يظهر في المادة 449 ق ج التي عاقب فيها كل من قام "بإجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك" وهذا يعني فحتى ولو كانت المرأة غير حامل بالفعل تقوم الجريمة مادام الجاني استعمل وسيلة الإجهاض وهو يعتقد خطأ أنها حامل ( ).
كما قتوم الجريمة إذا كانت استحالة حدوث النتيجة راجعة إلى الوسيلة المستعملة للإجهاض حيث عاقبت المادة 455 على المساعدة على الإجهاض "... حتى ولو كانت الأدوية أو المواد أو الأجهزة أو الأشياء المقترحة كوسائل فعالة للإجهاض غير قادرة عمليا على تحقيقه" و الذي حمل المشرع على معاقبة الفاعل حتى ولو كان الإجهاض مستحيلا ابتداء، كما في حالة غياب الحمل أن تجريمه للإجهاض لغير ضرورة لم تكن الغاية منه حماية الجنين فقط ولكن أيضا من اجل حماية السلامة الجسدية للمرأة وصيانة حقها في الحياة.


المطلب الثاني : انتفاء ضرورة المحافظة على صحة الأم

بناء على المادة 453 من ق ج المعدلة بمرسوم 1 يوليوز 1967 فإن المشرع لا يعاقب على الإجهاض إذا تطلبته إما ضرورة الحفاظ على صحة الأم كأن كانت هذه الأخيرة مصابة باضطرابات هرمونية يصعب معه إيقاف النزف بعد الولادة أو كانت مصابة بسرطان في عنق الرحم إلى غير ذلك من الأسباب التي تستوجب الإجهاض محافظة على صحة الحامل وإما بالأحرى لضرورة إنقاذ حياتها التي يستدعي إسقاط الجنين فورا وإلا أدى الأمر إلى وفاتها ففي هاتين الحالتين يسمح بالإجهاض بالاعتماد على المادة 453. وإذا كان المشرع قد رخص الإجهاض ومنع المعاقبة عليه بسبب وجود خطر على الأم الحامل فإن ذلك مشروط بان يقوم بالعملية طبيب أو جراح وبكيفية علانية، أما إن قام بذلك غيرهما كالممرض أو القابلة فإنهما يعاقبان في هذه الحالة على جريمة الإجهاض حتى ولو اقتضت الظروف الصحية إجهاض المرأة الحبلى وذلك كله حرصا من المشرع على ضمان سلامة المرأة الحامل التي تقتضي حالتها إجهاضها، لأن عملية الإجهاض محفوفة بالمخاطر يقتضي إجراؤها أطباء متخصصين ( ).
أما إذا انتفت الخطورة على صحة الأم الحامل أو حياتها فلا يسمح للطبيب نفسه أو الجراح إجراء عملية الإجهاض تحت طائلة العقاب على هذه الجريمة.


المطلب الثالث: القصد الجنائي

الإجهاض جريمة عمدية قوامها القصد الجنائي أما إذا حصل نتيجة خطأ فلا عقاب عليه ويقوم القصد الجنائي في هذه الجريمة على عنصري العلم والإرادة.
-العلم مؤداه أن يدرك الجاني أن المرأة حامل فإن كان يجهل ذلك وأدى اعتداؤه عليها إلى الإجهاض فلا يسأل عن هذا الأخير وإن كان يسأل عن جريمة ضرب أو جرح أو إعطاء مادة ضارة ( ).
هذا ولم يتطلب المشرع العلم اليقيني بوجود الحمل وإنما اكتفى بالعلم الظني حيث جاء في المادة 449 ق ج "... من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك...".
وهذا يعني أن الشخص إذا لم يكن واثقا ومتأكدا من الحمل وكان لديه مجرد احتمال مرجح فإن هذا القدر الراجح من العلم يكفي لتوافر عنصر العلم.
وقد انتقد بعض الفقه موقف المشرع هذا باعتباره ينطوي على تشدد وغلو لا محل له في الواقع إذ أنه يحمل الفاعل مسؤولية ظنونه والاحتمالات التي تدور في خلده ويتخذ منها سندا لمسؤولياته.
الإرادة: تعتبر الإرادة جوهر القصد الجنائي في جريمة الإجهاض وتعني اتجاه إرادة الجاني إلى إتيان النشاط الإجرامي وتحقيق النتيجة أي الفتك بالجنين والقضاء عليه فالإرادة هنا تمتد لتشمل النشاط والنتيجة معا أما إذا لم تنصرف إرادة الشخص إلى تحقيق هذه النتيجة فلا يسأل عن جريمة الإجهاض ولو تحققت النتيجة فعلا.
كما أن الباعث لا تأثير له على الجريمة لأنه ليس عنصرا من عناصرها فسواء كان الجاني مدفوعا إلى جريمته بروح الانتقام أو التشفي أو كان مدفوعا إليها بغرض مساعدتها والإشفاق عليها كما لا يهم أن يقع فعل الإجهاض على حمل مشروع أو غير مشروع فالقانون يحمي النوعين معا من الحمل.
وهكذا فإن اقصد الجنائي في جريمة الإجهاض لا يتوافر إلا بثبوت عنصري العلم والإرادة إذ بذلك تستكمل الجريمة عناصرها ويعاقب فاعلها بأشد العقوبات إذا اقترنت بظرفين اثنين أساسيين كما يدخل الشديد في نطاق أعمال المساعدة والتحريض على الإجهاض.
أ-موت المجني عليها
إذا ترتب عن الإجهاض موت المرأة الحامل فإن العقوبة بمقتضى الفقرة 2 من المادة 449 ق ج هي "السجن من عشر إلى عشرين سنة" وسواء تم الإجهاض بموافقة المرأة الحامل أو بدون موافقتها فالعقوبة المشددة السالفة الذكر تطبق في كلا الحالتين.
كما أن المادة 451 جازت للمحكمة الحكم على الفاعل بالحرمان من أحد أو اكثر من الحقوق المشار إليها في افصل 40 من ق ج كما يشمل ظرف التشديد المحرضين بنص المادة 455 من ق ج والمساعدين حسب المادة 451 من القانون الجنائي.
ب-اعتياد الجاني على الإجهاض
الاعتيـاد هو تكرار قيام الجـاني بالعملية المجرمة حتى صارت عـادة له كالطبيب التي اشتهر بإجهاض الراغبات في ذلك بدون ضرورة وبذلك كان المشرع موفقا أو محقا حينما شدد العقاب على هذا النصف من المجرمين المعتادين في المادة 450 من ق ج التي جاء فيها: "إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها في المادة السابقة بصفة معتادة ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى من ق 449 وتكون العقوبة هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من ق 449..."
هذا ولم يحدد المشرع عدد المرات التي يتحقق بها الاعتياد حيث يبقى الأمر متروكا لتقدير القضاء الذي يتحقق من قيام عنصر الاعتياد بالنسبة لكل متهم حسب ظروف وملابسات كل قضية على حدة وظرف التشديد لا يسري إلا في حق الجاني من الغير أما إذا أجهضت الأم نفسها عدة مرات فلا يتوافر في حقها هذا الظرف المشدد لأن المادة 450 تستهدف بالأساس مواجهة أولئك الذين يحترفون الإجهاض ويشجعون عليه.
ج-المساعدة والتحريض على الإجهاض
لقد تشدد المشرع في العقاب على أعمال التحريض والمساعدة على الإجهاض حيث نصت المادة 451 من القانون الجنائي على أن: "الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة وأطباء الأسنان والقابلات والمولدات والصيادلة وكذلك طلبة الطب أو طب الأسنان أو الصيدلية وعمال الصيدليات والعشابون والمضمدون وبائعو الأدوات الجراحية والممرضون والمدلكون والمعالجون بالتسبب والقابلات العرفية الذين يرشدون إلى وسائل تحدث الإجهاض أو ينصحون باستعمالها أو يباشرونها يعاقبون بالعقوبات المقررة في أحد الفصلين 449 و450 على حسب الأحوال. ويحكم على مرتكب الجريمة علاوة على ذلك بالحرمان عن مزاولة المهنة المقرر في الفصل 87. إما بصفة نهائية أو لمدة محدودة".
وهذا الفصل يعدد أصحاب الصفات الذين إذا مارسوا الإجهاض شددت العقوبة عليهم وهو يعتبر مرتكبا للفعل الجرمي ليس فقط من يقوم بالإجهاض بل أيضا الذين يرشدون إلى استعمال وسائل تحدث الإجهاض أو ينصحون بها ولا يعتبرهم مشاركين فقط في الجريمة بل مساهمين فيها. وهذا ينطوي على خروج عن الأحكام المتعلقة بالمشاركة المقررة في المادة 129 ق ج وذلك لأن صور المساعدة أو التحريض فيهما أوسع نطاقا من تلك التي أتى بها الفصل 129 من جهة.
وبالنسبة للتحريض على الإجهاض فقد عاقبت عليه المادة 455 بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من 120 إلى 2000 درهم أو بإحدى العقوبتين وهذه العقوبة واجبة كيفما كانت طريقة الإجهاض وبغض النظر عن النتيجة التي أدت إليها أي سواء وقع الإجهاض فعلا أم لم يقع، وحسب المادة السالفة الذكر تتحقق نفس العقوبات على كل من باع أدوية أو مواد أو أجهزة أو أشياء كيفما كان نوعها أو عرضها للبيع أو عمل على بيعها أو وزعها أو عمل على توزيعها بأية طريقة كانت مع علمه أنها معدة للإجهاض حتى ولو كانت الأدوية أو الأشياء المقترحة غير قادرة عمليا على تحقيق الإجهاض غير إذا تحقق على إثر العمليات والأعمال المشار إليها سابقا فإن العقوبات المنصوص عليها في الفصل 449 من القانون الجنائي تطبق على القائمين بالعمليات أو الأعمال المذكورة.


المبحث الرابع: جريمة قتل الأم لوليدها

تختلف ظروف ارتكاب القتل العمد من حالة إلى أخرى فقد يرتكب في صورته العادية وقد يقترن بظرف من ظروف التشديد أو بعذر من الأعذار القانونية المخففة ويعتبر جـريمة قتل الأم لوليـدها التي نحن بصدد دراستهـا من الأعذار القانونية المخففة في جريمة القتل العمد( ).
ابتداء من القرون الوسطى وعلى مستوى القوانين الوضعية ظهرت قوانين تجرم قتل الطفل من أي كان ولو كان من أحد والديه الذي يعاقب حتما بالإعدام إن هو اقترف هذه الجريمة الشنعاء تأسيسا على أن هذا الطفل بريء ولا ذنب له، إلا أن بعض المفكرين ولأسباب اجتماعية قاموا بانتقاد هذه الشدة في معاقبة قاتل الطفل الوليد خصوصا إذا كان أبا أو أما له ونادوا بضرورة التخفيف من عقاب هذه الجريمة وبالفعل فإن بعض التشريعات الجنائية في القرنين 19 و 20 تعكس هذه النظرة فجعلت من قتل الوليد جريمة قتل عمد مخفف لا سيما بالنسبة للأم كالقانون الجنائي الفرنسي مثلا (المادة 302) والقانون الجنائي البلجيكي (المادة 369) في حين نجد تشريعات أخرى كالتشريع المصري لم تقرر هذا العذر، حيث أخضعت كل الاعتداءات التي تقع على حياة الطفل للنصوص المتعلقة بجريمة القتل العادية( ).
والمشرع المغربي نص على هذه الجريمة في الفقرة الثانية من الفصل 397 ق ج بقوله: "... إلا أن الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة في قتل وليدها تعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر ولا يطبق هذا النص على مشاركيها ولا على المساهمين معها".
وهكذا استنادا إلى افصل السالف الذكر نجد أن المشرع المغربي خفف العقوبة على الأم فقط في حالة قتلها لطفلها الوليد دون غيرها كالأب أو الجد... ومن ثم وجب أن تقوم علاقة الأمومة الطبيعية بين الطفل الوليد والقاتلة وهذه العلاقة وحدها تكفي للتخفيف ولا حاجة إلى اشتراط أن يكون الوليد نتيجة علاقة زوجية شرعية كما أن البواعث التي دعت الأم لقتل وليدها لا عبر في تقرير هذا العذر في القانون المغربي فقد يكون الباعث كامنا في اتقاء العار والفضيحة أو الفقر، والعذر الممنوح للأم القاتلة لا يكون له محل إلا إذا كان الطفل وليدا، لكن المشرع المغربي لم يضع ضابطا يسمح بالتفرقة بين مرحلة الوليد وغيرها من مراحل حياة الطفل وقد تأثر في ذلك بالمشرع الفرنسي الذي أورد عبارة حديث الولادة دونما تحديد دقيق للفترة التي تبدأ فيها هذه المرحلة وتنتهي.
وبالرجوع إلى الفقه نجده يعتبر الطفل وليدا يسري على قاتله الفصل 397 منذ انفصاله على رحم الأم بكيفية تسمح بتوجيه الاعتداء إليه مباشرة حتى ولو كان الحبل السري لم يقطع بعد في حين أن بعض التشريعات المقارنة قامت بتحديده في أزمنة متباينة حيث اعتبر بعضها أن هذه الفترة لا تتعدى فترة الولادة بالنسبة للقانون الجزائي الكويتي وهناك من يجعلها يوما واحدا وعلى كل حال فالذي يستفاد من مواقف هذه التشريعات المقارنة أنها كلها لم تجعلها فترة طويلة جدا لشهور أو سنوات وهو تحديد وإن كان المشرع المغربي لم يقل به صراحة إلا أن المؤكد أن هذه المدة في ضوء المادة 397 لن تكون أطول من ذلك.
وعذر التخفيف المنصوص عليه في المادة 397 ق ج هو عذر خاص بالأم وبالتالي فهو عذر شخصي لا تستفيد منه إلى الأم دون باقي المساهمين أو المشاركين معها في قتل الوليد حسب المادة 130 في الفقرة الثانية "ولا تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف أو إعفاء من العقوبة إلا بالنسبة لمن تتوفر فيه" حتى ولو كان هذا المشارك هو الأب أو الأخ أو الأخت فالنص صريح في قصر هذا العذر على الأم دون سواها.

الفـــــرع الثــــــاني: الـــجـــرائم العــــــامة
يقصد بالجرائم العامة جميع أنواع الجرائم التي تخرج عن دائرة الجرائم الخاصة بالنساء، سواء منها الجرائم الماسة بالنظام العام، أو الأمن العام، أو جرائم التزييف والتزوير، أو جرائم الاعتداء على الأشخاص، أو على الأموال، أو الجرائم الماسة بنظام الأسرة والأخلاق العامة.
وبالرجوع إلى الإحصائيات الجنائية بمنطقة مكناس سنجد أنه قد تم تسجيل 634 جريمة، بلغ عدد المتهمات فيها 1025 متهمة خلال سنة 2004، وذلك كما هو مبين في الجدل التالي:
جرائم الآداب جرائم الاعتداء على الأموال جرائم الاعتداء على الأشخاص جرائم أخرى
عدد الجرائم 359 82 167 26
النسبة المئوية 56.63% 12.93% 26.34% %4.10
عدد المتهمات 617 96 286 26
جدول خاص بجرائم النساء المرتكبة خلال سنة 2004 بمنطقة مكناس
وبناءا على هذه المعطيات سنركز على دراسة جرائم الاعتداء على الأشخاص في (مبحث أول) وجرائم الاعتداء على الموال في (مبحث ثاني) و الجرائم الماسة بالأخلاق العامة في (مبحث ثالث).


المبحث الأول: جرائم الاعتداء على الأشخاص:

يعد الحق في الحياة وفي السلامة البدينة من أسمى الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها الإنسان. وفي الحفاظ عليهما حفاظ على حقه في الوجود والبقاء.
وعلى هذا الأساس فإن القوانين الجنائية على اختلاف مشاربها في جميع الدول وعلى مر العصور، تحرص على حماية الإنسان من الاعتداءات التي قد يتعرض لها.
والمشرع الجنائي المغربي لم يخرج عن هذا النهج، حيث شدد في عقاب جريمة القتل وجرم كل أفعال الاعتداء التي قد يتعرض لها الشخص سواء في جسده أو شرفه أو حريته الشخصية، وحتى الأفعال التي قد تمس بحرمة مسكنه.
وبالرغم من هذه الحماية القانونية التي توفرها التشريعات الجنائية للأفراد، فإن الواقع يعرف تزايدا في هذا النوع من الجرائم سواء في أوساط الرجال أو النساء. فإذا أخذنا مثلا نموذج مدينة مكناس سنجد أن جرائم الاعتداء على الأشخاص تشكل نسبة 26.34% من مجموع الجرائم المرتكبة من طرف النساء خلال سنة 2004، حيث بلغ عددها 167 جريمة سيأتي تفصليها حسب الجدول الموالي:
نوع الجريمة القتل الايذاء (الضرب، الجرح، العنف) الاعتداء على شرف الأشخاص (سب، قذف) الاعتداء على حرمة السكن
عدد الملفات المسجلة 8 117 35 7
عدد المتهمات 9 209 50 18
جدول خاص بتوزيع جرائم الاعتداء على الأشخاص
هكذا شكلت جرائم الايذاء نسبة 70,05% من مجموع الجرائم المرتكبة (الضرب والجرح المؤدي إلى الموت دون نية إحداثه بنسبة 0,85%، الضرب والجرح باستعمال السلاح بنسبة 10,26%، الضرب والجرح العمديين بنسبة 46,15% العنف بنسبة 42,74%).
وجرائم الاعتداء على شرف الأشخاص بنسبة 20,96% في حين لم تتعدى جرائم القتل نسبة 4,79% وجرائم الاعتداء على حرمة المسكن نسبة 4,20% .
وعليه سنتطرق لجريمة القتل في (مطلب أول) على أن نخصص (مطلبا ثانيا) لجرائم الإيذاء.


المطلب الأول: جريمة القتل


تعد جريمة القتل من أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية منذ الأزل، ونظرا لخطورتها فقد أفردت لها التشريعات السماوية والوضعية القديمة على حد السواء عقوبة الإعدام بغض النظر عن ظروف ارتكابها ( )، اما التشريعات الحديثة فقد ميزت بين القتل العمد والقتل الخطأ وأفردت له عقوبات تتفاوت حسب ظروف ارتكاب الجريمة.
1-القتل العمد:
يقصد بالقتل العمد قيام إنسان بإزهاق روح إنسان آخر قصدا وبدون مبرر شرعي. والقتل العمد نوعان، قتل بسيط يرتكب في صورته العادية، وقتل مشدد يقترن بظروف التشديد.
نص المشرع المغربي على القتل العادي في الفصل 392 من القانون الجنائي الذي جاء فيه: "كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا ويعاقب بالسجن المؤبد".
وعليه فإن جريمة القتل العمدي لا تتحقق إلا بصدور نشاط من الجاني يستهدف به إزهاق روح إنسان، وأن يؤدي هذا النشاط إلى وفاة المجني عليه، ويستوي أن تحدث الوفاة حال الاعتداء أو أن تتراخى زمنا طالما توافرت علاقة السببية بينها وبين فعل القتل.
هذا إلى جانب توافر القصد الجنائي لدى الجاني باتجاه إرادته إلى الاعتداء على إنسان حي وإزهاق روحه مع علمه بأن محل الجريمة إنسان حي وأن من شأن فعله أن يرتب وفاة هذا الإنسان ( ) .
وإذا كان المشرع الجنائي قد عاقب على القتل العمد البسيط بالسجن المؤبد، فإنه عاقب عليه في نصوص متفرقة من المجموعة الجنائية بالإعدام متى اقترن بظرف من ظروف التشديد المشار إليها في تلك النصوص( ).
وترجع أسباب التشديد إما إلى اقتران القتل بجناية أو ارتباطه بجناية أو جنحة، وإما إلى نفسية الجاني وقصده كسبق الإصرار، أو إلى كيفية تنفيذ الجريمة كالترصد والتسميم.
كما قد تعود إلى صفة المجني عليه، ويدخل في هذا الإطار قتل الأصول، قتل الأطفال الذين يقل سنهم عن الثانية عشرة، بالضرب أو الجرح أو العنف أو الإيذاء أو بتعمد حرمانهم من التغذية أو العناية.
هذا وقد تعرض المشرع لبعض حالات القتل العمد التي تخفف فيها العقوبة كقتل الأم لوليدها، والقتل المرتكب نتيجة استفزاز بالضرب أو العنف الجسيم، والقتل المرتكب نهارا لدفع تسلق أو كسر سور أو حائط أو مدخل منزل أو بيت مسكون أو أحد ملحقاتهما، وقتل الزوج لزوجته وشريكها عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية.
وهكذا تخفض العقوبات طبقا للفصل 423 من القانون الجنائي إلى الحبس من سنة إلى خمس سنوات في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤيد، باستثناء جناية قتل الأصول التي لا يستفيد فيها الجاني من أي عذر مخفض للعقوبة، وجريمة قتل الأم لوليدها التي تبقى فيها العقوبة جنائية.

2-القتل الخطأ:
تعد جريمة القتل غير العمدي من جرائم النتيجة، لذلك فإن العنصر المادي فيها يتكون من نشاط إرادي يقوم به الجاني دون أن يقصد منه قتل الضحية، ونتيجة إجرامية تتمثل في موت المجني عليه مع وجود علاقة سببية بين الفعل والنتيجة.
أما العنصر المعنوي فقوامه الخطأ الذي يعرف بأنه: "إخلال المتهم عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وعدم حيلولته تبعا لذلك دون أن يقضي تصرفه إلى حدوث النتيجة الإجرامية وهي وفاة المجني عليه في حين كان ذلك في استطاعته"( ).
يتضح من هذا التعريف أن جوهر الخطأ غير العمدي هو إخلال بالتزام عام يفرضه الشارع هو الالتزام بمراعاة مقتضيات الحيطة والحذر والحرص على الحقوق والمصالح التي يحميها القانون( ).
ذكر المشرع المغربي صور الخطأ التي تقوم بها المسؤولية الجنائية عن القتل الخطأ في الفصل 432 فأشار إلى عدم التبصر وعدم الاحتياط وعدم الانتباه والإهمال وعدم مراعاة النظم والقوانين. وعاقب عليه بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم.
وإذا كانت هذه الجريمة لا تتحقق فيها المساهمة والمشاركة مثلما لا تتحقق فيها ظروف التشديد التي قد تقترن بالقتل العمد، فإنها مع ذلك تخضع لظرفي تشديد تم التنصيص عليهما في الفصل 434 من القانون الجنائي ( ) حيث تضاعف العقوبة إذا كان الجاني قد ارتكب الجنحة وهو في حالة سكر أو كان قد حاول التخلص من المسؤولية الجنائية أو المدنية التي قد يتعرض لها وذلك بفراره عقب وقوع الحادث أو بتغيير حالة مكان الجريمة أو بأية وسيلة أخرى.


المطلب الثاني: جرائم الإيذاء

تشمل جرائم الإيذاء كل الأنشطة التي من شأنها أن تصيب الإنسان في جسمه أو صحته بالضرر دون أن تطال حياته، كالضرب أو الجرح أو إعطاء مواد ضارة بالصحة وغيرها من الوسائل التي يستهدف بها الجاني الاعتداء على جسم الضحية أو النيل من صحته( ).
وتشترك جرائم الإيذاء على اختلاف أنواعها في الركن المادي وفي محل الاعتداء، في حين شكل القصد الجنائي معيار التفرقة بينها، حيث يتم التمييز في هذا الإطار بين جرائم الإيذاء العمدية وجرائم الإيذاء غير العمدية.
تقوم جرائم الإيذاء العمدية، كسائر الجرائم، بتوافر الركنين المادي والمعنوي. ويتحقق الركن المادي بصدور نشاط من الجاني يترتب عنه إصابة جسد إنسان حي بالأذى مع قيام علاقة السببية بين الفعل والنتيجة، وقد أورد القانون الجنائي في الفصل 400 منه بعض صور هذا النشاط المتمثلة في الضرب الذي يتحقق بكل مساس بأنسجة الجسم عن طريق الضغط عليها دون أن يؤدي ذلك إلى تمزيقها، ولا يشترط لقيام جريمة الضرب أن يترك أثرا بالجسم كالاحمرار بالجلد أو التورم، كما لا يشترط أن يحدثه الجاني بأداة معينة أو أن يستخدم أعضاء جسده( ). الجرح الذي يحدث نتيجة إصابة أنسجة جسم المجني عليه بتمزقات سواء كانت ظاهرية أو داخلية. العنف، وهو صورة من صور العدوان المادي على جسم الضحية عن طريق استعمال القوة دون الضرب أو الجرح كتقييد الضحية أو قص شعره( ). الإيذاء وهو لفظ عام يشمل جميع الصور السابقة وغيرها من وسائل وأفعال الاعتداء التي تمس سلامة الجسد.
أما القصد الجنائي لهذه الجرائم فيتحقق متى اتجهت إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع علمه بأنه يوجه نشاطه إلى إيذاء جسم إنسان حي.
ويتم تحديد عقوبة جرائم الإيذاء العمدية حسب الضرر اللاحق بالضحية، حيث تتغير العقوبة ومعها الوصف القانوني للجريمة تبعا لنتائج هذا الضرر.
هكذا يعاقب على العنف أو الإيذاء الخفيف، الذي لم يخلف أثرا بالجسم ولم يلحق ألما بالضحية، في الفصل 30 من ظهير 15 يوليوز 1974 المنظم لمحاكم الجماعات والمقاطعات بغرامة يتراوح مبلغها بين مائة وعشرين ومائتين درهم( ). أما الإيذاء غير الخفيف الذي لا يخلف عجزا أو مرضا أو يخلف عجزا لا تتجاوز مدته عشرين يوما، فقد عاقبت عليه المادة 400 بالحبس من شهر واحد إلى سنة وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، وإذا خلف الإيذاء عجزا تتجاوز مدته عشرين يوما فإن العقوبة تصبح -حسب الفصل 401- الحبس من سنة إلى ثلاثة سنوات وغرامة من مائة وعشرين إلى ألف درهم.
أما إذا نتج عن الإيذاء عاهة دائمة فإن الوصف القانون للجريمة يتغير من جنحة إلى جناية لتكون العقوبة السجن من خمس إلى عشر سنوات، وقد مثل المشرع الجنائي للعاهة الدائمة في الفصل 402 بفقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو العمى أو العور أو أية عاهة دائمة أخرى.
لكن إذا ما نتج عن الإيذاء موت الضحية دون توفر نية القتل لدى الجاني فإن العقوبة ترتفع إلى السجن من عشر إلى عشرين سنة.
وتشدد العقوبة في جرائم الإيذاء العمدية كلما توفر سبق الإصرار أو الترصد أو حمل السلاح أو إذا ما ارتكب الجاني الإيذاء ضد أحد أصوله.
أما الأعذار المخففة للعقاب، فتقوم كلما كان الجرح أو الضرب قد ارتكب نتيجة استفزاز بالضرب أو العنف الجسيم أو لدفع تسلق أو كسر نهارا أو إذا ارتكب نتيجة مفاجأة الزوج لزوجته متلبسة بجريمة الخيانة الزوجية.
أما جرائم الإيذاء غير العمدية فإن كانت تشترك مع جرائم الإيذاء العمدية في الركن المادي، فإنها تختلف عنها في الركن المعنوي، بحيث ينتفي فيها القصد الجنائي. وقد تعرض المشرع الجنائي لهذا النوع من الجرائم في الفصل 433 الذي نص على أن كل من تسبب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو عدم مراعاته النظم والقوانين في جرح غير عمدي أو إصابة أو مرض نتج عنه عجز عن الأشغال الشخصية تزيد مدته عن ستة أيام يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
وتضاعف هذه العقوبة بمقتضى المادة 434 إذا ارتكب الجاني جريمته وهو في حالة سكر أو إذا حاول التخلص من المسؤولية الجنائية أو المدنية التي قد يتعرض لها.

المبحث الثاني: جرائم الاعتداء على الأموال

أصبحت جرائم الاعتداء على الأموال من أخطر الجرائم التي تهدد استقرار المجتمعات على المستوى الاقتصادي.
وتنقسم جرائم الأموال، حسب طبيعة فعل الاعتداء والغاية منه، إلى جرائم تتجه فيها نية الجاني إلى الاستيلاء على مال الغير محل الجريمة، ويدخل في نطاقها جرائم السرقة، النصب، خيانة الأمانة. وجرائم يستهدف من ورائها الفاعل إتلاف المال قصد الإضرار بصاحبه، من أهمها جرائم الإحراق والتخريب والإتلاف.
هذا إلى جانب نوع جديد من الجرائم التي ظهرت بفعل التطور الذي عرفته دائرة المعاملات المالية ويتعلق الأمر بجرائم الشيك.
والملاحظ من خلال الإحصائيات أن المرأة أقل ارتكابا لهذا النوع من الجرائم إذ لم تسجل خلال سنة 2004 بمدينة مكناس سوى 82 جريمة وذلك بنسبة 12.93 % وذلك كما هو مبين في الجدول أسفله.
نوع الجريمة السرقة النصب خيانة الأمانة الشيك إضرام النار
عدد الملفات المسجلة 44 8 1 24 5
عدد المتهمات 50 10 1 30 5
جدول خاص بتوزيع جرائم الاعتداء على الأموال
فقد شكلت جريمة السرقة نسبة 53,66% (السرقة العادية بنسبة 40,90% السرقة الموصوفة بنسبة 59,10%) وجرائم الشيك نسبة 29,27% (عدم توفير مؤونة شيك بنسبة 95,84%، وتزوير الشيك بنسبة 4,16%) وجريمة النصب نسبة 9,76% أما خيانة الأمانة فتكاد تكون منعدمة، هذا ولم تسجل جريمة إضرام النار سوى نسبة 6,10%.
واعتبارا لهذه النتائج فإننا سنركز على دراسة جريمة السرقة وجرائم الشيك، وذلك في مطلبين.


المطلب الأول: جريمة السرقة

جاء في المادة 505 من القانون الجنائي: "من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير يعد سارقا ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم".
من خلال هذه المادة يتبين أن المشرع المغربي قد عرف السرقة تمييزا لها عن بعض جرائم الأموال كالنصب وخيانة الأمانة، وحدد في نفس الوقت عناصر قيامها، والتي تتجلى في ركن مادي يقوم على عنصرين أساسيين هما فعل الاختلاس، الذي عرفه جرسون بأنه عبارة عن الاستيلاء على حيازة الشيء على غير علم وبدون رضا صاحبه أو حائزه السابق( )، وقوع فعل الاختلاس على مال مملوك للغير.
وركن معنوي، فما دامت جريمة السرقة جريمة عمدية فإنها لا تقوم إلا بتوافر قصد جنائي لدى الجاني، بمعنى أن يكون هذا الأخير على علم لحظة اقترفه لفعل الاختلاس بأنه يأخذ مالا مملوكا لغيره وبدون رضاه( ).
وتعرض المشرع لعقوبة السرقة البسيطة واعتبرها جنحة تأديبية فعاقب عليها بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، إلا أنه تشدد في عقابها إذا كانت موصوفة بسبب اقترانها بظرف من ظروف التشديد المنصوص عليها في القانون الجنائي ليتغير بذلك وصفها الجنائي من جنحة إلى جناية.
ويختلف الجزء الجنائي في السرقات الموصوفة حسب الظروف المشددة التي اقترنت بها، حيث تكون عقوبتها السجن المؤبد إذا كان السارقون أو أحدهم حاملا لسلاح سواء كان ظاهرا أو خفيا، أو إذا احتفظوا به، أو احتفظ به أحدهم فقط، في الناقلة ذات المحرك التي استعملت لنقلهم إلى مكان الجريمة أو خصصت لهروبهم، وذلك طبقا للفصل 507 من القانون الجنائي.
أما السرقة التي ترتكب في الطرق العمومية أو في نطاق السكك الحديدية أو الموانئ أو المطارات وغيرها من الأماكن الوارد ذكرها في الفصل 508، فيعاقب عليها بالسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة متى اقترنت بظرف واحد على الأقل من ظروف التشديد المشار إليها في افصل 509 وتتمثل هذه الظروف في استعمال العنف أو التهديد به أو التزي بغير حق بزي نظامي أو انتحال وظيفة من وظائف السلطة، وقوع السرقة ليلا أو ارتكابها من طرف شخصين فأكثر، استعمال التسلق أو الكسر من الخارج أو الداخل أو نفق تحت الأرض أو مفاتيح مزورة( )، كسر الأختام للسرقة من دار أو شقة أو غرفة أو منزل مسكون أو معد للسكنى أو أحد ملحقاته، استعمال ناقلة ذات محرك لتسهيل السرقة أو الهروب، ارتكاب السرقة من طرف عامل أو متعلم مهنة في مسكن مستخدمه أو معلمه أو محل عمله أو تجارته.
هذا ويعاقب على السرقة المقترنة بظرفين على الأقل من هذه الظروف بالسجن من عشر إلى عشرين سنة، وتخفض هذه العقوبة إلى النصف إذا اقترنت السرقة بظرف واحد من الظروف المشار إليها في الفصل 510 من القانون الجنائي.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي كما نص على الظروف المشددة للعقاب حدد الأعذار المعفية منه، حيث جاء في المادة 534 أن السارق يعفى من العقاب إذا كان المال المسروق مملوكا لزوجه أو لأحد فروعه، أما إذا كان المال مملوكا لأحد أصول السارق أو أحد أقاربه أو أصهاره إلى الدرجة الرابعة فلا تجوز متابعته إلا استنادا على شكوى من المجني عليه، وذلك حسب الفصل 535 من القانون الجنائي ( ).


المطلب الثاني: جرائم الشيك


أصبح الشيك في الوقت المعاصر يحتل مكانة مهمة في المعاملات التجارية والمدنية باعتباره أداة وفاء تقوم مقام النقد.
ونظرا لهذا الدور الفعال فقد أحاطه المشرع المغربي بنظام زجري عرف تطورات هامة واكبت التطور الاقتصادي والاجتماعي للمملكة، فكانت أولى المقتضيات الزجرية للشيك تلك الواردة بالفصل 70 من ظهير 19 يناير 1939 المأخوذ من القانون الفرنسي لسنة 1935 والمقتبس بدوره على ضوء اتفاقية جنيف لسنة 1931 المتعلقة بالقانون الموحد للشيك، بعد ذلك تم إلغاء هذه المقتضيات وتعويضها بالفصل 534 من القانون الجنائي ( ) إلا أنه بسبب تفاقم الجرائم المتعلقة بالشيك وتحت تأثير العوامل الدولية والحاجة الملحة لجلب الاستثمارات الخارجية ومواكبة التطورات الدولية أصبح من الضروري سن تشريع جديد يأخذ بعين الاعتبار هذه العوامل كلها، فكان أن صدرت مدونة التجارة سنة 1996 التي تضمنت مقتضيات جديدة لزجر هذه الجرائم ( ).
هكذا تم تعويض المادة 543 من القانون الجنائي بالمادة 316 من مدونة التجارة التي جاءت بأحكام جديدة فيما يخص الجرائم المتعلقة بمؤونة الشيك والجرائم المرتبطة بتغيير حقيقة الشيك.
تشمل الجرائم المرتبطة بمؤونة الشيك، عدم توفير مؤونة الشيك قصد أدائه عند تقديمه، تعرض الساحب بصفة غير صحيحة لدى المسحوب عليه، قبول أو تظهير شيكات الضمان، إصدار الساحب أو موكله شيكات رغم الأمر الموجه إليه من البنك أو خرقا للمنع القضائي الصادر ضده، تصريح المسحوب عليه بمؤونة تقل عن تلك الموجودة والقابلة للتصرف، عدم أداء المسحوب عليه لبعض الشيكات على سبيل الضمان. إلا أننا سنخص بالذكر جنحة عدم توفير مؤونة شيك على اعتبار أنها الأكثر شيوعا.
تتطلب المادة 316 من المدونة التجارية لتحقيق جنحة إغفال عدم توفير المؤونة أو عدم كفايتها ضرورة وجود الشيك كورقة تجارية، والشيك الذي يحظى بالحماية الجنائية هو ذلك الصك المسلم من قبل مؤسسة بنكية أو هيئة مماثلة، مخول لها ذلك طبقا للمادة 240 من مدونة التجارة، ومحرر وفق الشروط القانونية-طبقا للمادة 239- دونما اعتداد بتوفر كل البيانات من عدمه، أما الشيك المحرر على ورق عادي أو المسحوب على غير مؤسسة بنكية فيبقى سندا عاديا.
هذا إلى جانب انعدام الوصية أو عدم كفايته عند تقديم الشيك للأداء، فكل من أصدر شيكا بدون رصيد، أو دون كفايته لا يعد مرتكبا لجنحة إغفال المؤونة أو عدم كفايتها إلا إذا تقدم المستفيد للوفاء.
ويعاقب على جريمة عدم توفير المؤونة بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة يتراوح مبلغها بين ألفين وعشرة آلاف درهم دون أن تقل قيمتها عن نسبة 25% من قيمة الشيك أو من الخصاص، ويجوز للمحكمة أن تخفض العقوبة الحبسية أو تسقطها إذا قام الساحب بتوفير المؤونة أو بإكمالها داخل أجل عشرين يوما، من تاريخ التقديم. كما يمكن للمحكمة أن تحكم، كعقوبات إضافية، بالمنع القضائي من إصدار الشيكات خلال مدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات، باستثناء تلك التي تمكنه فقط من سحب مبالغ مالية لدى المسحوب عليه أو الشيكات المعتمدة، أو أن تأمر بنشر ملخص الحكم القضائي بالمنع في الجرائد التي تعينها وطبقا للكيفية التي تحددها وذلك على نفقة المحكوم عليه.
أما الجرائم التي يكون موضوعها تغيير الحقيقة في الشيك فتشمل تزييف أو تزوير الشيك، قبول تسلمه مزورا أو مزيفا أو تظهيره أو ضمانه ضمانا احتياطيا مع العلم بذلك، استعماله مزورا أو مزيفا أو محاولة ذلك.
وتقوم البنية المادية لهذه الجرائم على أربعة عناصر تتجلى في قيام الجاني بتغيير الحقيقة في الشيك، و أن يتم هذا التغيير وفقا لإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا؛ تزوير مادي أو معنوي؛ أن يوجد عنصر الإضرار و أن يتوفر القصد الجنائي الخاص لدى الجاني ( ).
وتخضع هذه الجرائم لنفس عقوبة جريمة عدم توفير مؤونة الشيك إلى جانب الحكم بمصادرة الشيكات المزيفة أو المزورة وتبديدها، وأيضا المواد والآلات والأجهزة التي استعملت أو التي كانت معدة لإنتاج هذه الشيكات وذلك بأمر قضائي.
المبحث الثالث: الجرائم الماسة بالأخلاق العامة:
تشمل الجرائم الماسة بالخلاق حسب التقسيم الذي أورده المشرع المغربي في المجموعة الجنائية، جرائم انتهاك الآداب وتضم جرائم الإخلال العلني بالحياء، هتك العرض، الفساد...
وجرائم إفساد الشباب والبغاء وتشمل على وجه الخصوص التحريض على الفساد والاتجار في البغاء والدعارة، أما جريمة السكر العلني فلم يرد ذكرها ضمن هذا التقسيم وإنما تم تنظيمها بمقتضى نص خاص رغم أنها جريمة تمس بالأخلاق العامة.
ويشكل هذا النوع من الجرائم النسبة الأكبر من بين الجرائم المرتكبة من طرف النساء بمدينة مكناس، إذ بلغ عددها 359 جريمة خلال سنة 2004 وذلك بنسبة 56,63 % شكلت منها جريمة التحريض على الفساد، كما سيتم تبيينه في الجدول أسفله، 35,09% وجريمة الفساد 33,15% وجريمة السكر العلني 28,41% أما جرائم هتك العرض والإخلال بالحياء فلم تسجل نسبة مهمة.
نوع الجريمة السكر العلني الفساد التحريض على الفساد هتك العرض الإخلال العلني بالحياء
عدد الملفات المسجلة 102 119 126 5 7
عدد المتهمات 126 190 283 8 10
جدول خاص بتوزيع الجرائم الماسة بالأخلاق العامة
واعتمادا على هذه الإحصائيات سنقوم بدراسة كل من جريمة التحريض على الفساد في مطلب أول وجريمة السكر العلني في مطلب ثاني.


المطلب الأول: جريمة التحريض على الفساد

إذا كان الفساد حسب تعريف المشرع المغربي هو مواقعة رجل لامرأة دون أن تربط بينهما علاقة زوجية، فإن التحريض عليه يقصد به كل فعل صادر عن الجاني يستهدف من ورائه استدراج الغير أو مساعدته أو تشجيعه على ممارسة الفساد أو الدعارة.
هكذا يعد مرتكبا لجنحة التحريض على الفساد طبقا للفصل 498 من القانون الجنائي، كل من أعان أو ساعد أو حمى ممارسة البغاء أو جلب أشخاص للبغاء بأية وسيلة كانت، أو استخدم أو استدرج أو رعى شخصا، قاصرا كان أم بالغا، من اجل ممارسة الدعارة ولو برضائه أو عاش مع شخص يتعاطى عادة البغاء.
حتى تكتمل عناصر قيام جريمة التحريض على الفساد اشترط المشرع ضرورة توفر القصد الجنائي لدى الجاني وذلك بان تتجه إرادته إلى ارتكاب أحد هذه الأفعال مع علمه بان نشاطه يستهدف تحريض الغير على الفساد أو الدعارة.
وثبوت ارتكاب الجريمة يعاقب الجاني بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة يتراوح قدرها بين مائتين وخمسين وعشرة آلاف درهم، وترفع هذه العقوبة إلى الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى عشرين ألف درهم متى اقترنت الجريمة بأحد الظروف المنصوص عليها في الفصل 499 والمتمثلة في استعمال الإكراه أو استغلال السلطة أو حمل السلاح، أو إذا كانت الجريمة قد ارتكبت في حق قاصر دون سن الثامنة عشر، أو أن يكون الجاني زوج الضحية أو أحد أصولها أو ممن لهم سلطة عليها أو من المكلفين بالمساهمة في محاربة البغاء أو حماية الصحة أو الشبيبة أو المحافظة على النظام العام، أو أن يكون موظفا أو رئيسا دينيا.
ورتب المشرع هذه العقوبة أيضا، بمقتضى الفصل 502، للحائزين والمكلفين أو المسيرين للفنادق أو البنسيونات أو النوادي أو أي محل آخر يستعمله الجمهور، أو مفتوح في وجهه إذا اعتادوا أن يستقبلوا في هذه الأماكن أو ملحقاتها أشخاصا ممن يتعاطون البغاء، حيث يعاقبون بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى عشرين ألف درهم مع إمكانية الحكم بسحب الترخيص من المحكوم عليه والأكثر من ذلك جواز الحكم بإغلاق المحل إما بشكل مؤقت أو نهائي.
ويعتبر كذلك مرتكبا لهذه الجريمة كل من حرض أو شجع أو سهل الدعارة أو الفساد للقاصرين من الذكور أو الإناث بشكل اعتيادي إن كانوا دون الثامنة عشرة، أو بصفة عرضية إن كانوا دون الخامسة عشر من عمرهم.
ويعاقب بهذه الصفة بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة يتراوح مبلغها بين مائة وعشرين وخمسة آلاف درهم. وكل من قام علنا بجلب أشخاص ذكورا أو إناثا قصد تحريضهم على الدعارة بواسطة إشارات أو أقوال أو كتابات أو بأية وسيلة أخرى يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم.
هذا وقد أشار المشرع المغربي في افصل 504 إلى إمكانية الحكم العقوبة إضافية بالمنع من حق أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من القانون الجنائي وبالمنع من الإقامة لمدة تتراوح بين خمس وعشر سنوات.
كذلك كل من تغاضى عن ممارسة الدعارة بصفة مستترة ومعتادة من أشخاص يتعاطون البغاء في محلات أو أمكنة تتصرف فيها بأية صفة إذا كانت مما يستعمله الجمهور، ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وغرامة من 120 إلى 500 درهم.


المطلب الثاني: جريمة السكر العلني

عرفت الخمر في القانون المغربي عدة تنظيمات منذ عهد الحماية إلا أن كل القوانين التي نظمتها لم تدخل ضمن نصوص المدونة الجنائية وإنما أتت على شكل مراسيم وقرارات خاصة.
ففي عهد الحماية صدرت عدة قوانين تحرم الخمر، منها الظهير الشريف الصادر بتاريخ 20 شتنبر 1914 المتعلق بالمعاقبة على السكر العلني وعن الإدمان على شرب المسكرات، والقانون الصادر في 30 يوليوز 1929 المتعلق بالمعاقبة على السكر العلني.
وبعد حصول المغرب على الاستقلال صدر قانون جديد ينظم الخمر ألغى جميع مقتضيات القوانين السابقة، ويتعلق الأمر بالمرسوم الملكي رقم 724.66 المؤرخ في 14 نونبر 1967 بمثابة قانون يتعلق بالمعاقبة على السكر العلني.
وقد حدد هذا المرسوم في فصله الأول عناصر قيام جنحة السكر العلني في ضرورة توافر حالة السكر البين الذي يعتبر درجة ثانية من درجات السكر يفقد فيها الشخص قدرته على التمييز والإدراك بحيث يصبح عديم التوازن وغير قادر على التحكم في تصرفاته.
والعلانية، فالقانون المغربي لا يعاقب على مجرد الشرب ولا السكر إلا إذا كان بينا وعلانيا، وتتحقق العلانية متى وجد الشخص في حالة السكر في أماكن عمومية كالأزقة أو الطرق أو المقاهي أو في أماكن يرتادها العموم. هذا إلى جانب القصد الجنائي الذي يتحقق باتجاه إرادة الشخص إلى شرب الخمر عن طواعية مع علمه بأنه يشرب مسكرا، أما إذا كان يجهل بأن ما يشربه مشروب مسكرا أو إذا ما اكره على تناوله بأي وسيلة من وسائل الإكراه فإن من شان ذلك أن يعفيه من العقاب.
ويعاقب المشرع على هذه الجريمة بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر وغرامة من مائة وخمسين إلى خمسمائة درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، وتضاعف هذه العقوبات إذا صاحب حالة السكر العلني أفعال تقلق راحة العموم وتمس بسلامة المجتمع.
هذا وتعتبر حالة العود في ارتكاب جريمة السكر العلني ظرفا مشددا للعقوبة، بحيث تكون عقوبة الحبس إجبارية في حالة العود الأول، أما في حالة العود الثاني فيصدر الحكم بأقصى عقوبتي الحبس والغرامة المذكورة في الفصل الأول، ويمكن للمحكمة في هذه الحالة أن تمنع المحكوم عليه، كعقوبة إضافية، عن مزاولة حق أو عدد من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 26 من القانون الجنائي لمدة سنتين على الأكثر كما يمكن إضافة إلى ذلك أن تطبق عليه أحد التدابير الاحترازية المنصوص عليها في الفصل 61 من القانون الجنائي والمتمثلة في المنع من الإقامة لمدة تتراوح بين سنتين وعشر سنوات، الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية الذي يستمر إلى حين علاج الشخص المأمور بإيداعه، الوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج لمدة لا تتجاوز سنتين، والوضع القضائي داخل مؤسسة فلاحية.
في الأخير تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي في الفصل الرابع من هذا المرسوم قد أوجب على كل شخص أيا كان سواء ينتمي إلى السلطة العمومية أم لا، تقديم كل شخص وجد في حالة سكر بين في أماكن عمومية إلى أقرب مركز للشرطة حفاظا على الأمن العام وسلامة المجتمع.
إن ما يمكن ملاحظته من خلال دراستنا لأنواع جرائم النساء بمنطقة مكناس أن المرأة في هذه المنطقة تميل إلى ارتكاب جرائم الأخلاق، خاصة جريمة الفساد والتحريض عليه، وجرائم الاعتداء على الأشخاص، خاصة جرائم الضرب والحرج والسب والشتم، بنسبة تفوق بكثير جرائم الاعتداء على الأموال و هذا يؤكد لنا النظرية التي تربط بين نوع الجريمة المرتكبة وطبيعة المرأة الأنثوية.
وإذا ما كانت هذه هي أنواع جرائم المرأة بمنطقة مكناس، فهل تختلف من المدينة إلى القرية؟ وهل هي نفس الأنواع التي يرتكبها الرجل أم أنه يختص بأنواع أخرى؟

الفصل الثاني: تطور إجرام المرأة واختلافه عن إجرام الرجل
إن مقاربة ظاهرة الإجرام النسوي تقتضي منا رصد تطور هذه الظاهرة في الزمان (الفرع الأول) والمكان (الفرع الثاني) وذلك قبل أن نقوم بإجراء مقارنة بين إجرام المرأة وإجرام الرجل (الفرع الثالث).
الفرع الأول: إجرام المرأة بين الماضي والحاضر
إن الحديث عن إجرام المرأة منذ نشأة البشرية يبدو من المواضيع المعقدة، وذلك لندرة المراجع التي تناولتها باستثناء ما جاء به القرآن والسنة عن الأقوام السابقة وباستثناء بعض المدونات القديمة.
وسنتناول إجرام المرأة عبر التاريخ في "مبحث أول" نتحدث فيه عن بعض الجرائم المرتكبة من طرف المرأة في القديم، لنقتصر في مبحث ثاني على إحرام المرأة في المغرب.


المبحث الأول: إجرام المرأة عبر التاريخ

إن الحديث عن بداية إجرام المرأة يقودنا إلى البحث عن بداية الإجرام، ولعل أول وأقدم جريمة قتل وصلت إلى علمنا هي جريمة قتل أحد أبناء سيدنا آدم لأخيه وقد حدثنا عنها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:  واتل عليهم نبا ابني لآدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، قال لأقتلنك ثم يتم سبحانه وتعالى في نفس السورة: فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ( )، وبذلك يؤكد لنا القرآن الكريم بأن أول جريمة ارتكبت في هذه الأرض ارتكبها رجل وليس امرأة، ويستحيل معرفة أول جريمة ارتكبتها المرأة وذلك لانعدام الدلائل على ذلك بينما يمكننا معرفة بعض الجرائم التي ارتكبتها المرأة من خلال بعض القوانين والشرائع القديمة والتي ترجع لقرون قبل الميلاد، ومن بينها ما يسمى بشريعة "أورنمو" وشريعة "بت عشتار" ومدونة "حمو رابي".
حيث جاء في مدونة "أورنمو" 2111-2003 ق م إحدى المواد التي تعاقب الزوجة التي أغرت بمفاتنها رجلا آخر والذي أدى إلى مضاجعتها، أما مدونة "لبت عشتار" فكانت تبيح الفساد بمفهومه الواسع، وإن كان ينظر إلى الزانية غير المتزوجة نظرة أقل مستوى من المرأة العفيفة.
أما مدونة "حمو رابي" فقد تضمنت ما كان يعرف بالبغاء المقدس حيث كانت البنت تقدم إلى المعبد تقربا للآلهة ( ). وعموما فالممارسات الجنسية في كل تلك المدونات التي تم ذكرها لم تكن تعتبر الزنا –باعتباره مفهوم يشمل كل من جريمة الفساد والخيانة الزوجية بمفهوم القانون المغربي- إخلال بالنظام العام بل اعتداء على حقوق الزوجية متى كانت المرأة متزوجة.
ولقد حدثنا القرآن الكريم على قصص الأقوام السابقة، حيث جاء فيها قصصا عن بعض النساء اللواتي ارتكبت بعض الجرائم ومنها امرأة لوط، وزوجة العزيز.
إن أن امرأة لوط خانت زوجها وأصرت على عناده وقد كان جزاؤها وجزاء قومه ما قاله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إن مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ( ).
أما عن زوجة العزيز الذي كان وزيرا للملك على خزائن مصر في عهد أحد ملوك المكسوس- فقد كانت تتردد بإظهار محاسنها ومفاتنها على سيدنا يوسف فانتهزت فرصة وجوده في بيتها يوما، فأوصدت الأبواب وقالت له أقبل علي فقد هيأت لك نفسي فرفض يوسف رغم إصرارها وبعد أن أراد الفرار أمسكت به من الخلف فمزقت قميصه وأنكرت ما فعلته ودخل يوسف السجن حيث لفقت له تهمة محاولة اغتصابها، وقد جاء ذلك في الكتاب العزيز والآية طويلة نذكر منها قوله تعالى: وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك...( ) ( )
وقد جاءت الكتب السماوية الأخرى أيضا محرمة على المرأة بعض الأفعال.
أما في العصر الجاهلي من كثر ما كانت ترتكبه المرأة من جرائم كلها متعلقة بالزنا من شرب للخمر والرقص في الحانات كان العرب يخشون أن تزداد عندهم البنت بل إنهم كانوا يقتلونها أو يدفنونها وهي حية وفي متقبل عمرها وذلك تجنبا للعار والخزي الذي قد تأتى به وقد جاء في ذلك قوله تعالى: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) ( ).
وبدخول الإسلام حرم على المرأة أفعالا كثيرة كانت مباحة، إذ أن الزنا وشرب الخمر مثلا لم يكن محرما ومع أن الإسلام في بداية نزول الرسالة لم يحرم ذلك تحريما مطلقا بل كان ذلك تدريجيا حيث كان في البداية يحرم على المرء أن يسمح لابنته أن تزني مع شخص في بيت أبيها وكما أن الخمر كذلك كان يحرم إتيانه في الصلاة فقط، وكـذلك الشأن لمجموعة من الأفعال التي جاء تحريمها تدريجيا لكـن وبنزول الآية: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ( ). أصبح الحلال معروفا والحرام معروفا وأصبح أي إخلال للمرأة بتلك القواعد سببا في معاقبتها وهي في ذلك لا تختلف عن الرجل.
وبعد مرور أربعة عشر قرنا من الزمن تغير الأمر في كثير من الدول، إذ ارتفعت نسبة إجرام المرأة بتناقص حدة القوانين الرادعة وبالتخفيف من حجم العقوبة وهو الحال في الدول العربية و الإسلامية وكذلك الدول الغربية إذ بسبب مجموعة من المبادئ والتي نادى بها الفرنسيون مثل الحرية، هذه الحرية التي انتشر الحديث عنها في وسائل الإعلام الغربية، ثم حدف بعض الجرائم ونقلها من المحظور إلى ما هو اكثر من المندوب، حيث بدأت الشرعنة لدور الدعارة وتقنين ممارسة الفساد.
ففي ألمانيا مثلا ذهب المشرع الألماني إلى السماح بزواج نفس الجنس أي أن المرأة يمكنها أن تتزوج بقرينتها وكذلك الرجل وهو ما شاع في كثير من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية حيث أصبح الفساد حقا للمواطنين في تلك الدولة.
و الجرائم مثل الفساد والبغاء( ) أصبح عند بعض الدول من القطاعات التي تشجع على السياحة فمتى كانت الحرية في الممارسة الجنسية كان الأمر استقطابا واستدراجا للسياج وبالتالي إنعاش الاقتصاد الوطني.
أما البغاء فقد أصبح ظاهرة عالمية أي أن هناك منظمات أصبحت متخصصة في البغاء وأصبح الحديث عن البغاء كجريمة منظمة ومثال ذلك جمعية الثالوث الصينية والياكوزا اليابانية والتي أصبح لها فروع في معظم الدول الأوربية والأسيوية( ).
إن التطور الذي عرفه إجرام المرأة تاريخيا يؤكد على أن إجرام المرأة يتغير بتغير تعامل القانون قاعدة وعقوبة مع ذلك الإجرام ومرد ذلك التعامل أيضا إلى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والدينية والفكرية للمجتمعات لكن هل يشكل المغرب استثناءا عن القاعدة؟


المبحث الثاني: إجرام المرأة في المغرب

للحديث عن تاريخ إجرام المرأة المغربية وهل كانت في السابق مرتكبة إجرام أم لا، نشير أن المرأة المغربية منذ عهد قديم في المغرب لم يكن إجرامها معروفا ومشهورا، وهذا ما دفع البعض إلى اعتبار أن إجرام المرأة لا في الماضي ولا في الحاضر كان يتسم بكونه إجراما متخفيا، ولأن التاريخ لم يسجل في الغالب عن المرأة إلا ما هو ظاهر فالجدير بنا أن نشير أن المغرب منذ تاريخ قديم قد حكمته امرأة وذلك في عام 828هـ ( )، وبعد دخول الإسلام إلى المغرب عرف بعض النسوة بحفظهم للقرآن وامتيازهن في علوم الدين وبدخول المستعمر إلى البلاد كان للمرأة دورها في رد المستعمر فهي من كان يعد الرجل ومنهم بعض النساء من منقطة زمور بالخميسات وبعض النسوة في جبال الريف( ) .
وقد عرفت المرأة قبل ذلك الوقت –الاستعمار- بأنها لم تكن تخرج إلى العمل خارج حدود بيتها، إلا بعد دخول المستعمر وذلك بهدف البحث عن وسائل العيش ونظرا لوجود ووفرة المزارع التي كانت بأيد المستعمرين إلا أن ذلك دفع بالمرأة إلى الاختلاط بغيرها من المغاربة الذكور وكذلك الاختلاط بالأجانب وقد أدى بها ذلك إلى الدخول في المحظور وبدأت بإظهار ما كان متخفيا حيث خلالها بدأت بعض دور حفظ القرآن وبعض الخيريات تستقبل الأبناء الغير الشرعيين والذين كانوا يضعونهم عند أبواب تلك المؤسسات.
ولا شك أن المرأة كما سبق ذكره كانت لا تقدم على بعض أنواع الجرائم مثل جرائم الحريق والاعتداء على العرض والسرقة والجرائم المضرة بالمصلحة العامة والجرائم السياسية بل إن إجرامها كان منحصرا في جرائم مثل الإجهاض وقتل المواليد و الفساد ونادرا الخيانة الزوجية وهي جرائم تتعلق اكثر بأنوثتها.
ورغم أن نسبة إجرام المرأة لا في المغرب ولا في بقية الدول العربية الإسلامية لازال ضئيلا نسبته في كل دولة من دول المغرب العربي مثلا ترتكب المرأة جريمة واحدة مقابل 2745 جريمة مرتكبة ( ) إلا أن هذه النتيجة رغم صحتها ليست حقيقة دائمة وإنما شانها شان كل شيء في الحياة قابلة للتغير إذا تغيرت عناصرها، وهو ما لوحظ في السنوات الأخيرة في معظم الدول تقريبا حيث اقترن وضع المرأة في المجتمع بارتفاع ملحوظ في نسبة ما ترتكبه من جرائم إلى إجمالي ما يقع من جرائم وكذا ارتفاع معدل جرائم النساء بصفة عامة وتغير أنماطها.
فمع أن نسبة الإجرام مقارنة مع الرجل لم تتغير وذلك بسبب ارتفاع نسبة إجرام هذا الأخير أيضا إلا أنه إذا نظرنا إلى جرائم المرأة منفردة فإننا سنجده في تصاعد مستمر وهو ما تعبر عنه الإحصائيات.
ونعرض فيما يلي إحصائيات عن بعض جرائم النساء في مدينة مكناس:
إحصائيات عن بعض الجنايات والجنح من محكمتي الاستئناف والابتدائية سنوات 2001-2002 ( ) وسنة 2004 ( ).

2004
2001-2002 السنة
نوع الجريمة
9 6 القتل
50 42 السرقة
126 13 السكر العلني
190 الفساد و283 التحريض عليه 176 الفساد والتحريض عليه
12 17 الخيانة الزوجية

وانطلاقا من ذلك يتضح الارتفاع الخطير في بعض الجرائم كالسكر العلني والفساد والتحريض عليه، إذ أن السكر العلني ازداد بنسبة ثمان مرات ما بين 2002 و2004 وجرمة الفساد والتحريض على الفساد تضاعفت هي الأخرى إلى مرة ونصف وذلك بمرور سنتين فقط.
ولاشك أن هذا الارتفاع له أسباب ومسبباته، فقلة مصادر العيش وقلة العمل وهشاشة البيئة الاجتماعية والأسرية والدينية والأخلاقية التي تعيش فيها المرأة المجرمة سيحول بها لا محالة إلى البحث عن وسائل للعيش كالفساد الذي قد يدفعها إلى ارتكاب جرائم أخرى معه كالسرقة والسكر إلى غير ذلك.
كما أن تكاثر حانات الخمر وكذا هجرة القرويات للبحث عن عمل في المدينة وسوء تربية الفتاة أدى بها إلى ارتكاب الجريمة وهي لم تبلغ بعد سن الرشد، ويلاحظ الارتفاع وإن كان بسيطا في عدد السجينات الجانحات والبالغين أقل من 20 سنة وذلك ما بين سنتي 2002 و2003، دليل على أن المرأة المغربية لا تعد استثناءا من نساء الدول العربية إذ أن نسبة إجرامها في تزايد مستمر وفيما يلي جدول عن عدد السجينات البالغات أقل من 20 سنة.
جدول عن المعتقلات البالغات من العمر أقل من 20 سنة والمحكومات بصفة نهائية في المغرب ما بين 31/12/2002 و31/12/2003 ( ).
عدد السجينات عدد السجينات
السنة
أنواع الجرائم
31-12-2004 31-12-2002
5 6 الاعتداء على الأشخاص
18 23 الاعتداء على الأموال
27 22 ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة
4 4 الإخلال بالأمن العام وبالنظام العام
9 4 جرائم القوانين الخاصة
7 8 جرائم أخرى
70 67 المجموع

يبدو من خلال هذا الجدول أن نسبة إجرام المرأة والمحكوم عليها نهائيا والبالغة أقل من 20 سنة لم يتزايد إلا بنسبة ضئيلة جدا بل إن بعض هذه الجرائم قد انخفض مثل الاعتداء على الأموال الذي انخفض عدده من 23 إلى 18.
بينما الجرائم المرتكبة ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة تزايد من 22 إلى 27 سجينة.
وعلى العموم فمجموع السجينات المحكومات نهائيا ارتفع من 67 إلى 70 سجينة.
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الإجرام الظاهر والذي تتضمنه إحصائيات المحاكم وإحصائيات السجون وإحصائيات الشرطة والدرك يقل بكثير عن الإجرام الحقيقي أو ما يسمى بالإجرام الخفي إذ أن هذا الأخير هو الذي لا تتضمنه تلك الإحصائيات بمعنى أنه هو الذي لا يبلغ إلى علم الشرطة وهذا هو الذي لا يمكن معرفة عدده أو ضبط نسبته.
ويعود سبب تراكم القضايا في المحاكم الجنائية المغربية حاليا إلى تحرك الشرطة وكذلك إلى ظهور نوع جديد من الشرطة، إذ بسبب تزايد الدوريات الليلية والنهارية تم اكتشاف مجموعة من الجرائم ترتفع أو تقل حسب تزايد نشاط وعمل الشرطة أو تناقصه( ).
وبالتالي فارتفاع نسبة إجرام المرأة في المغرب د لا يعني دائما أن هذه الجرائم هي بالفعل من ارتفع أكثر مما هو ازدياد في نشاط عمل الشرطة.

الفرع الثاني: إجرام المرأة بين المدينة والقرية
يؤثر موقع المكان تأثيرا كبيرا على ظاهرة الإجرام، ولكن هذا التأثير في الغالب غير مباشر، ويرجع إلى العلاقة الوثيقة بين الموقع الجغرافي وبين كثافة السكان ودرجة ثرائهم.
فما مدى تأثير عامل المكان على طبيعة وكمية الجريمة المرتكبة من طرف المرأة؟ وإن كان لهذا العامل تأثير على الظاهرة الإجرامية فما هي العوامل التي تؤدي إلى اختلاف نسب الإجرام من كمان لآخر؟
للإجابة على هذه التساؤلات سنقوم بدراسة مظاهر اختلاف إجرام المرأة بين المدينة والقرية في مبحث أول على أن نخصص مبحثا ثانيا لدراسة مختلف العوامل المؤثرة في ارتفاع نسبة الإجرام في المناطق الحضرية.


المبحث الأول: مظاهر اختلاف إجرام المرأة بين المدينة والقرية

يرى كليفورد شو -مؤسس النظرية الإيكولوجية- أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية لمنطقة جغرافية معينة تمارس تأثيرا كبيرا وحاسما على معدلات الجريمة ( ). ذلك أن المناطق التي تعرف ارتفاعا في كثافتها السكانية وتدهورا في ظروفها الاقتصادية و الاجتماعية تكون نسبة الإجرام فيها جد مرتفعة.
واعتمادا على هذه النظرية برزت الفكرة التي تركز على العلاقة المباشرة بين المدينة و الإجرام. إذ يجمع علماء الإجرام على أن معدل الجريمة يكون أكثر ارتفاعا في المدينة عنه في القرية، وعلى أن بنية الجريمة تختلف من حيث الجانب النوعي ما بين المجال الحضري والمجال القروي( ).
فما مدى الاختلاف الحاصل بين المدينة والقرية من حيث نسبة الإجرام سواء على الصعيد الكمي (المطلب الأول) أو على الصعيد النوعي (المطلب الثاني)؟


المطلب الأول: اختلاف إجرام المرأة بين المدية والقرية من حيث الكم

تؤكد الإحصاءات التي أجريت في أغلب دول العالم أن هناك اختلافا ملحوظا بين إجرام المدن وإجرام الأرياف، حيث أثبتت أن نسبة الجريمة في المدن الصناعية الكبرى تفوق نسبة الجرائم المرتكبة في المدن المتوسطة وتليها المدن الصغرى( ).
وحسب دراسة أجريت بفرنسا خلال سنة 1993 تبين أن معدل الإجرام في المدن الصغرى التي تقل كثافتها السكانية عن 25000 نسمة لم يتجاوز 61.2 ، أما المدن المتوسطة التي تصل كثافتها السكانية إلى 250.000 نسمة فقد تراوح معدل الإجرام فيها ما بين 75 و85 في حين وصل في المدن الكبرى التي تفوق كثافتها السكانية 250.000 نسمة إلى 117.2 ( ).
وإذا كان هذا حال الإجرام عموما فإن الإجرام النسوي لا يخرج بدوره عن هذه القاعدة. فقد أثبتت كل الدراسات التي أجريت بهذا الصدد أن إجرام الإناث في المدن يوفق بكثير إجرامهن في القرى، ففي ألمانيا مثلا بلغ معدل إجرام النساء في المناطق الحضرية 54.7 لكل 10.000 نسمة، مقابل 32.6 في المناطق الريفية، وذلك ما بين سنة 1896 و1920، وفي هولندا بلغت نسبة جرائم الإناث 12% من العدد الإجمالي للجرائم في المدن في حين لم تزد هذه النسبة عن 4 % في الأرياف ( ).
أما بالنسبة للدراسة التي أجريناها بمنطقة مكناس فقد أثبتت بدورها العلاقة الوثيقة بين الجريمة والبيئة التي يعيش فيها المجرم، فقد تبين من خلال الإحصائيات التي حصلنا عليها( ) أن نسبة الجرائم المرتكبة في المدنية بلغت 81.19 % خلال سنة 2004 مقابل 18.81 % في المناطق المجاورة لها ( )، وذلك حسب التفصيل الوارد بالجدول التالي:
بوفكران عين عرمة الدخيسة مكناس المنطقة
14 14 208 1019 عدد الجرائم
1.12% 1.12% 16.57% 81.19% النسبة المئوية
من خلال الأرقام الواردة بالجدول أعلاه يتضح أن إجرام المرأة بمنطقة مكناس لم يخرج عن المنحى الذي سار عليه علماء الإجرام في تحديد العلاقة المباشرة بين الجريمة ودرجة الحضرية وذلك أنه كلما اتجهنا نحو المدينة كلما ارتفعت نسبة الجريمة. فإذا أخذنا مدينة مكناس سنجد أن عدد الجرائم بها قد بلغ 1019 جريمة في حين لم تسجل بالضواحي إلا 236 جريمة، سجلت منها 208 جريمة في منطقة الدخيسة والباقي موزع بالتساوي ما بين عين عرمة وبوفكران، وهذا ما يزيد تأكيدا للطرح السابق، إذ أن الدخيسة هي أقرب هذه الضواحي للمدينة بل إنها متصلة بها تماما.
إذا كانت هذه الإحصائيات تدل على ارتفاع الإجرام بنسبة كبيرة في المدينة فإن ما ينبغي الإشارة إليه أن هذه الإحصائيات ليست ذات دلالة قاطعة، إذ من المحتمل أن يكون هذا الارتفاع مجرد اختلاف ظاهري سببه تقاعس الأجهزة المختصة بالكشف عن الجريمة وتعقب مرتكبيها أو بسبب عدم الإبلاغ عن الجرائم المرتكبة خاصة في البوادي والقرى التي تعرف تماسكا وترابطا قويا في العلاقات التي ترتكز على رابطة النسب والدم والجوار بين سكانها.


المطلب الثاني: اختلاف إجرام المرأة بين المدينة والقرية من حيث النوع

هناك اتفاق بين معظم الباحثين في علم الإجرام، إن لم نقل كلهم، على أن جرائم الاعتداء على الأشخاص تسود في المناطق القروية، في حين تنتشر جرائم الاعتداء على الموال وجرائم الآداب في المدن( ).
وقد عبر سيزار لمبروزو عن هذا الموقف بقوله أن لكل من البيئة الحضرية والبيئة الريفية نمطا من الجرائم ذا طابع خاص، فجرائم الريف يغلب عليها الطابع البربري وتدفع إليها الرغبة في الانتقام والطمع والشهوة البهيمية، أما في المدينة فإن الإجرام يتميز باللين وتهذيب الشهوات ويقوم على الحيلة والخداع( ).
ولهذا القول أساس كبير من الصحة، فقد أثبتت الدراسة التي أجريت بجمهورية مصر العربية من طرف أعضاء قسم بحوث الجريمة بالمعهد القومي للبحوث الجنائية، أن جرائم العنف المرتكبة ضد الأشخاص وجرائم الانتقام بالإحراق العمد أو إتلاف المزروعات أو تسميم المواشي يزيد ارتكابا في المناطق الريفية في حين ترتفع جرائم السرقة والرشوة والتزوير والاختلاس وجرائم الفساد وهتك العرض في المناطق الحضرية( ). أما الدراسة التي أجريت بالولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال فقد أكدت أن جرائم الاعتداء على الأشخاص وجرائم الاعتداء على الأموال ترتفع في المدن مقابل ارتفاع نسبة ارتكاب الجرائم الجنسية في الأرياف، وهذا ما تم تأكيديه من خلال الدراسة التي أجريت بفرنسا، حيث تبين أن الجرائم الجنسية تقع في المدن الصغرى، والمدن المتوسطة، وكذلك في الريف بنسبة أعلى مما تقع عليه في المدن الكبرى( ).
أما بالنسبة للإجرام النسوي بمنطقة مكناس وضواحيها( )، فقد تبين من خلال الإحصائيات الخاصة بسنة 2004 أن مدينة مكناس تعرف ارتفاعا ملحوظا في الجرائم الماسة بالخلاق التي بلغت نسبتها 99.04 % مقابل 0.96 % بالضواحي وكذا جرائم الاعتداء على الأموال التي بلغت فيها 84.95 % مقابل 15.05% بالقرى المجاورة، وجرائم الاعتداء على الأشخاص التي سجلت نسبة 63.12 % مقابل 36.88% بالضواحي.
وبالمقابل يلاحظ ارتفاع نسبة الجرائم الماسة بالأسرة بالقرى، حيث بلغت نسبتها 47.79 % مقابل 52.21 % بمكناس، وذلك كما هو مبين في الجدول الموالي:
مبيان خاص بنسبة الإجرام النسوي بمنطقة مكناس وضواحيها
الشعوذة جرائم الأسرة جرائم الأخلاق جرائم الأموال جرائم الأشخاص أنواع الجرائم
% ع.الجرائم % ع.الجرائم % ع.الجرائم % ع.الجرائم % ع.الجرائم المنطقة
- - 5.79 59 51.03 520 20.51 209 22.67 231 مكناس
2.4 5 24.04 50 0.96 2 16.35 34 56.25 117 الدخيسة
- - - - - - 21.43 3 78.57 11 عين عرمة
- 15 - - 15 - 48 - سبع عيون( )
- 28.57 4 21.43 3 - 50 7 بوفكران
جدول خاص بتوزيع الجرائم بين مكناس والقرى المجاورة لها



م
مبيات خاص بتوزيع جرائم النساء بمنطقة مكناس

إذا ما أردنا تحليل نوعية الإجرام بكل منطقة على حدة اعتمادا على المعطيات الرقمية للجدول أعلاه، فإننا سنجد أن مدينة مكناس تهيمن بها الجرائم الأخلاقية بنسبة 51.03% التي تعرف ارتفاعا ملحوظا في نسبة جرائم التحريض على الفساد، أما جرائم الأشخاص فقد شكلت فيها نسبة 22.67% وخاصة جرائم الجرح والضرب، في حين لم تسجل جرائم الأموال إلا نسبة 20.51% شكلت منها جرائم عدم توفير مؤونة شيك النسبة الأكبر، وبهذا تكون هذه المدينة قد سجلت انخفاضا في جرائم الأموال مقابل ارتفاع جرائم الأشخاص على عكس ما هو سائد في معظم المدن وخاصة مدينة الدار البيضاء التي تعرف ارتفاعا كبيرا في نسبة الجرائم المرتكبة اتجاه الأموال.
أما الدخيسة فتعرف ارتفاعا كبيرا في نسبة جرائم الاعتداء على الأشخاص وذلك بنسبة 56.25% تليها الجرائم المرتكبة ضد الأسرة بنسبة 24.04% مع انخفاض كبير في نسبة جرائم الأخلاق التي تكاد تكون فيها منعدمة. أما سبع يعون وبوفكران فلا يختلفان بدورهما عن الدخيسة بحيث ترتفع فيما نسبة ارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص والجرائم الماسة بنظام الأسرة، في حين تنعدم جرائم الأخلاق بسبع عيون. في الوقت الذي شكلت فيه أقل نسبة من بين الجرائم المرتكبة ببوفكران، أما عين عرمة التي سجلت أقل نسب الإجرام بالمنطقة فيكثر بها ارتكاب جرائم الأشخاص وجرائم الأموال، في حين تنعدم فيها جرائم الأخلاق والجرائم الماسة بالأسرة.
إذا كانت هذه هي طبيعة الجرائم بالمنطقة فما هي أسباب اختلاف الأنواع السائدة من منطقة إلى أخرى؟ وهل لهذا علاقة بدرجة التحضر؟ أم أن السبب في ذلك يرجع لتأثير العادات والتقاليد السائدة بالمنقطة؟

المبحث الثاني: العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع نسبة الإجرام في الحضر

يقول ابن خلدون في مقدمته أن : "أهل الحضر لكثرة ما يعانون من فنون الملاذ وعوائد الترف والإقبال على الدنيا، والعكوف على شهواتهم منها قد تلونت أنفسهم بكثير من مذمومات الخلق والشر وبعدت عليهم طريق الخير ومسالكه بقدر ما حصل لهم من ذلك... وأهل البدو إن كانوا مقبلين على الدنيا مثلهم إلا أنه في المقدار الضروري لا في الترف ولا في شيء من أسباب الشهوات واللذات، ومذمومات الخلق بالنسبة إلى أهل الحضر أقل بكثير..."( ).
وبذلك يكون أول من أشار إلى العلاقة بين التحضر وارتفاع درجة الانحراف لدى الأفراد، حيث اعتبر أن أهل الحضر أكثر انحرافا من أهل البدو بالنظر لاختلاف ظروف العيش بين القرية والمدينة، وبمعنى آخر يعتبر ابن خلدون أن تقدم الحضارة يصاحبه تضاعف الحاجات والرغبات الإنسانية، والمجهود المبذول في سبيل اتباع هذه الرغبات من المحتمل في كثير من الحالات أن يؤدي إلى سلوك إجرامي أو مرذول.
وتبعا لذلك فقد رصد الباحثون خاصة منهم علماء الاجتماع الجنائي جملة من العوامل يمكن اعتبارها أسبابا مفسرة لتباين سبب الإجرام بين المدينة والقرية، منها أن اختلاف الإجرام في المدن عنه في الريف يعزى إلى كثرة السكان في المدن وتنوعهم مما يؤثر بالضرورة في العلاقات الاجتماعية التي تربط بين الأفراد والجماعات، وهي علاقات تقوم على أساس المواجهة مع أفراد الأسرة والمدرسة، وأهل الحي. وبعبارة أخرى يرجع علماء الاجتماع الجنائي ارتفاع نسبة الإجرام في المدن إلى تفشي عوامل التفكك الاجتماعي في المناطق الحضرية، فأغلب سكان المدن غير مستقرين، وتضعف بينهم الروابط الشخصية الاجتماعية ، كما يضعف تأثير عوامل الضغط الاجتماعي المنبثقة عن الجماعات الأولية التي يتشكل منها مجتمع المدينة كالأسرة والجيران. هذا بينما يزداد في الوقت ذاته تأثير الصراع الحضاري واختلاف الثقافات والمعتقدات وتضارب المثل والقيم بين سكان المدن( ).
كما أن تقدم الحضارة يصحبه زيادة في عدد القوانين لتي تحكم السلوك الإنساني وتنظم علاقات الأفراد فيما بينهم، وهذه الزيادة في عدد القوانين تقابلها زيادة الفرص لمخالفتها وتبعا الزيادة في عدد الجرائم المرتكبة ( ).
هذا وقد أكدت الدراسات الإيكولوجية الحديثة التي أجريت بهدف الكشف عن العلاقة ما بين ظروف البيئة وطريقة سلوك الأفراد في المنقطة الواحدة، أن معدلات الإجرام في بعض مناطق المدينة التي تتميز بكثافة سكانية واضطراب اقتصادي وهبوط في مستوى الدخل وتباين في المستويات الحضارية، وانتشار ظواهر التشرد والتصدع الأسري وسوء المسكن وهي مناطق غالبا ما تكون محيطة بالمراكز الصناعية والمراكز التجارية. وعلى هذا الأساس فإن معدلات الإجرام ترتفع في وسط المدينة ثم تنخفض تدريجيا في الأحياء السكانية بالضواحي( ).
وهذا ما أكدته الدراسة الميدانية التي أجريناها بمنطقة مكناس، حيث ثبت أن إجرام المرأة بهذه المنطقة يرتفع بالمدينة وينخفض تدريجيا كلما اتجهنا نحو الضواحي.
وإذا بحثنا في الأسباب التي أدت إلى هذا الاختلاف سنجد بداية أن المنطقة تتميز بطابعها الفلاحي فأغلب سكانها يمتهنون الفلاحة وهذا له انعكاساته على أنواع الجرائم المقترفة، فإذا كانت المدينة تتميز بجرائم الاعتداء على الأموال وجرائم الاعتداء الأشخاص وجرائم الآداب فإن المناطق القروية المحيطة بها تعرف تزايدا في جرائم الاعتداء على الأشخاص التي يكون الدافع إليها في الغالب النزاعات المتعلقة بالأرض (المنازعات على الحدود، رعي المواشي في حقول الغير...) حيث تتطور هذه النزاعات لتفضي في معظم الحيان إلى جرائم (الضرب والجرح، العنف، التهديد، القتل).
كما أن الاختلاف الحاصل في المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي بين المدينة وضواحيها له التأثير الكبير في اختلاف الجرائم بينها لا من حيث الكم ولا من حيث النوع، فإذا كانت ساكنة مكناس تتمتع بمستوى تعليمي مرتفع نسبيا فإن المناطق القروية على خلاف ذلك، تعرف ارتفاعا في نسبة الأمية والتي تتفشى بنسبة عالية بين النساء.
ومن جهة أخـرى نجد أن سكان القـرى يمتهنون الفلاحة بالإضافة إلى الحـرف التقليدية التي تؤمن لهم الغذاء الكافي، وهذا يؤدي إلى حرمان الأسر من تلبية الحاجيات الأساسية لأبنائها، وبالتالي عدم تسليحهم بالخبرات التي توفر لهم أسباب الكسب المناسب، لذلك نجد عدوى البطالة انتقلت من المدن لتشمل حتى البوادي، وهذه الظروف الصعبة والإكراهات تدفع بسكان البوادي للهجرة نحو المدينة بحثا عن العمل والاستقرار، معتقدين أن المدينة ستوفر لهم ظروف العيش أحسن مما هي عليه في البادية، ولكن العكس هو الصحيح، فالهجرة تزيد من تأزم المدن وفقرها حيث يتكدس هؤلاء في أحياء هامشية محرومة من السكن الصحي، والشروط الاجتماعية والتربوية والأخلاقية المناسبة، مما يجعل الأطفال عرضة للانحراف، ففي البادية تكون درجة الضبط الاجتماعي عالية نسبيا وتكون العائلة أكثر تمسكا بالعقائد الدينية والمثل الخلقية، ولكن الحياة في المدن تجعلهم يشعرون بحرية مفاجئة ويتعرض لضغوطات نفسية وعاطفية ويصطدمون بقيم جديدة تعاير القيم التي تربوا عليها.
هذا بالنسبة للمهاجرين من البادية إلى المدينة أما سكان المدينة فهي ليسوا على أحسن حال. فهناك البطالة التي تمخر كيان الأسر، وكذلك انتشار المخدرات خاصة في الأحياء الشعبية (ويسلان، وجه عروس على سبيل المثال) وانعدام التضامن والتكافل الاجتماعي، وانتشار الطبقية مما يخلق اضطرابات اجتماعية وتفاوت طبقي، هذا بالإضافة إلى تدني مستوى العيش وكثرة أفراد الأسرة، وأمام ضآلة درجة الضبط الاجتماعي تتجه الأسرة نحو التسيب نظرا لانحسار السلطة الأبوية.
ولعل كل هذه العوامل هي التي أدت إلى تفشي جرائم الفساد بمدينة مكناس، فالجهل والأمية والفقر والشدة في المعاملة التي تعرفها الأسر المغربية اليوم أدى إلى انحلالها وتصدعها، أضف إلى ذلك التأثر بالغرب وعاداته وتقاليده التي لا تمت بصلة إلى ثقافتنا العربية و الإسلامية فكل هذه الظروف والعوامل ساهمت في ارتفاع جرائم الأخلاق بنسبة كبيرة في أوساط النساء بمدينة مكناس.


الفرع الثالث: إجرام المرأة واختلافه عن إجرام الرجل
قد يبدو أن تحديد نوع الجرائم التي ترتكبها المرأة ومقارنتها بما يرتكبه الرجل عملية سهلة لا تحتاج إلا إلى مراجعة البيانات الإحصائية الخاصة التي ترتكب سنويا لتحديد نوع مرتكبيها أي كونهم ذكورا أو إناثا وما ترجح فيه نسبة الإناث على الذكور أو العكس، لكن الأمر أصعب من ذلك بكثير وأشد تعقيدا على الأقل من وجهة نظر علماء الجريمة الذين لا يتقون في الإحصائيات الجنائية ولا يسلمون بصدقها لا بسبب ما قد يلحقها من تعديل على يد الجهات التي تصدرها وهي غالبا الأجهزة المسؤولة عن الأمن التي تفعل ذلك لسببين: أحدهما طمأنة الناس عن أحوالهم وثانيها الظهور أمام المسؤولين أي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بمظهر الذين قاموا بواجبهم على الوجه الأكمل وأدوا دورهم بالشكل الأمثل ولكن لسبب آخر لا يرجع إلى رجال الأمن وإنما إلى طبيعة بعض الجرائم التي ترتكبها المرأة أو ما يحيط بها من ظروف تحول دون علم رجال الشرطة بها ولا تدرج في إحصاءاتهم الجنائية وتبقى في دائرة الظل، ورغم هذا لا تنتفي عنها تهمة الجريمة، بالإضافة إلى ن هناك عجزا مزمنا في الدراسات التي اهتمت بدراسة ظاهرة الإجرام ككل، حيث لاحظنا إغفال شبه تام لموقع المرأة من هذه الظاهرة والبعض من العلماء الذين اهتموا بدراسة ظاهرة إجرام المرأة أو أشاروا إليها ضمن دراستهم لإجرام الرجل، يلاحظ أن سبب هذه الظاهرة راجع إلى التحرر المباغث الذي تعرضت له المرأة دون أن تكون مستعدة تمام الاستعداد لقبوله والانسجام معه هذا التحرر الذي عرض المرأة إلى مشاكل وصراعات المجتمع الذكوري، وقد أوقع هذا التحرر المرأة العربية عموما والمغربية خصوصا أيضا في فخ الجريمة.
وكان من الطبيعي ونحن نتكلم على إجرام المرأة أن نتساءل عما إذا كان هناك اختلاف بينها وبين إجرام الرجل، ثم عن الأسباب الكامنة وراء هذا الاختلاف.
وبهذا ينقسم هذا الفرع إلى مبحثين كالتالي:


المبحث الأول: مظاهر الاختلاف بين إجرام المرأة وإجرام الرجل

من الحقائق العلمية الثابتة أن إجرام المرأة يختلف عن إجرام الرجل كما ونوعا وجسامة وقد شدت هذه الحقيقة الباحثين الظاهرة الإجرامية بعد أن تم إثباتها بلغة الأرقام من خلال الإحصائيات الجنائية التي رصدت هذه الظاهرة في أزمنة متعاقبة وفي أماكن مختلفة، وإذا كان الباحثون قد سلموا جميعا بهذه الحقيقة فإنهم مع ذلك ذهبوا مذاهب شتى في تفسيرها فلندرس أبعاد هذا الاختلاف.


المطلب الأول: الاختلاف في الكمية

تؤكد الإحصائيات في جميع الدول مهما اختلفت درجة رقيها وتاريخ حضارتها بأن عدد الجرائم التي ترتكبها المرأة يقل كثيرا عن عدد الجرائم التي يرتكبها الرجل، ويقدر البعض استنادا إلى بعض الإحصائيات الجنائية الجرائم التي ترتكبها النساء بما يعادل 1/10 الجرائم التي يرتكبها الرجال وعلى أية حال، فالثابت أن نسبة إجرام المرأة أثقل بكثير من نسبة إجرام الرجل، منظورا إلى العدد الإجمالي للجرائم فقد بلغت نسبة إجرام المرأة في مصر وفقا لإحصاء سنة 1970، 4% من الإجرام الكلي بينما بلغت هذه النسبة في فرنسا سنة 1969 10% وفي ألمانيا أثبتت الإحصائيات في إحدى السنوات أن إجرام المرأة وصل إلى 14% من الإجرام الكلي وهذه النسبة كانت في الولايات المتحدة 8% وفي سويسرا 12%...( ) وفي المغرب فإن الملاحظات حول سير الجلسات في الميدان الجنائي ومدى مشاركة الأنثى تؤكد قلة إجرام النساء ونسبتها الضئيلة بالنسبة لإجرام الرجال و هذا ما أثبتته الإحصائيات الجنائية بكثير من المدن المغربية وفي سنوات مختلفة ومن أمثلة إجرام المرأة بمدينة مكناس سنة 2004 وفق الجدول ( ) الآتي :
عدد المتهمين عدد الجرائم أنواع الجرائم
نساء رجال
10.8% %89.15 2046 جرائم الاعتداء على الأشخاص (الضرب والجرح، العنف، التعذيب، محاول القتل العمد)
10.9% 89.13% 3135 جرائم الاعتداء على الأموال (السرقة الموصوفة، النصب، خيانة الأمانة، إخفاء المسروق، جرائم التزوير، جرائم الشيك، إلحاق خسائر مادية بملك الغير)
30.3% 69.67% 1396 جرائم الماسة بالأخلاق (الفساد، التحريض على الفساد، إعداد منازل للدعارة، السكر العلني)
50% 50% 51 جرائم الاعتداء على ملك الغير (انتهاك حرمة المسكن، الهجوم على المؤسسات التعليمية)
30.6% %69.4 106 جرائم الأسرة (إهمال الأسرة، التخلي عن الأطفال الرضع، الخيانة الزوجية)
5.4% %94.5 726 المخدرات
جدول يبين كمية إجرام كل من الرجل و المرأة، مدينة مكناس 2004.

وهكذا فإنه يمكن التسليم بصفة أولية وجزئية –مدينة مكناس- حقيقة واضحة وثابتة أن إجرام المرأة يمثل نسبة ضئيلة من إجرام الرجل، فبالرغم أن عددهن يزداد في الجرائم الماسة بالأخلاق والسبب في ذلك راجع للفقر والتفكك الأسري وضعف القيم الدينية والأخلاقية ومع انتشار وسائل الإغراء كالفنادق والملاهي الليلية فالمقابل نجد أن مشاركة المرأة في جرائم الاعتداء على الأشخاص وجرام الأموال قليلة مقارنة مع الرجل فالإحصاءات تشير إلى أنه في سنة 2004 فيما يتعلق بجرائم القتل فقد قامت المرأة بجريمة قتل واحدة مقابل 12 جريمة قتل، أما جرائم الضرب والجرح فهناك 977 جريمة قام بها الرجل مقابل 134 جريمة قامت بها المرأة، أما السرقة الموصوفة بالنسبة للرجل 369 جريمة وبالنسبة للمرأة 27 جريمة فقط.
أما بالنسبة لجريمة السكر العلني فقد بلغت لنفس السنة 42 جريمة قامت بها المرأة مقابل 1157 جريمة قام بها الرجل( ).
ومن خلال هذه الإحصائيات نلاحظ بوضوح الاختلاف والفرق الكبير بين عدد الجرائم التي تقوم بها المرأة بالمقارنة مع عدد الجرائم التي يقوم بها الرجل فقد تصل إلى خمسة أضعاف أو اكثر بالنسبة لعدد جرائم المرأة.
وقد حاول بعض العلماء إنكار هذا الاختلاف العددي بين إجرام الرجل و المرأة وذلك باعتباره مجرد اختلاف ظاهري فحسب، فذهب "لومبروز" إلى أن ممارسة المرأة للبغاء يستغرق هذا التفاوت أو يعادله أي أنه إذا أضيف ما تمارسه المرأة من بغاء إلى مجموعة جرائم النساء لاقتربت أو تساوت المرأة في إجرامها مع الرجل( ).
وذهب آخرون إلى أن هذا النقص الظاهري الذي تثبته الإحصائيات في كمية إجرام النساء يرجع لسببين:
*السبب الأول: أن كثير من جرائم النساء يتم في الخفاء بينما لا تتيح للرجل ظروفه أن يخفي ما يرتكب من جرائم ومن أمثلة الجرائم التي تخفيها المرأة جرائم الإجهاض وقتل الأطفال حديثة الولادة، وما ترتكبه الخادمات من سرقات في المنازل التي يقمن بالخدمة فيها.
*السبب الثاني: أن كثيرا من الجرائم التي يرتكبها الرجال يكون سببها المرأة فقد أثبتت الدراسات الإحصائية أن المرأة تكون سببا في 40% من الجرائم التي تقع ضد الأخلاق و 20% من جرائم القتل و 10% من جرائم السرقة( ).
ويمكن الرد على الحجج السابقة:
فمن حيث جرائم البغاء يكفي لدحض هذه الحجة ما أثبتته الإحصاءات من أنه حتى في الدول التي تجعل من البغاء جريمة، فإن ذلك لم يحل دون بقاء ظاهرة قلة نسبة إجرام المرأة بالنسبة لإجرام الرجل.
ومن حيث الجرائم التي ترتكب في الخفاء يجوز المبالغة في تقدير قيمتها إذ هي تعتبر جزءا محدودا من الجرائم فقط، ولذلك فإنه حتى إذا أضيف إلى إجرام الرجل، فإنه لا يقضي على الفرق الكبير بين إجرامها وإجرام الرجل، وفيما يتعلق بكونها السبب في بعض جرائم الرجل فهو قول يتعارض مع المنطق القانوني، فمادامت المرأة لم تقم بفعل يكفيه القانون بأنه جريمة، فلا يجوز الاعتداد به في تحديد إجرام المرأة لأنه يتعارض مع مبدأ المسؤولية الشخصية( ).
وهكذا فينبغي أن نسلم بحقيقة واضحة أثبتتها جميع الإحصاءات في مختلف الدول سواء المتقدمة منها أو المتأخرة وعبر جميع العصور والأزمنة أن المرأة أقل إجراما من الرجل من حيث الكمية.
هذا من حيث كمية إجرام المرأة فماذا عن نوع إجرامها.


المطلب الثاني: الاختلاف في النوع

أثبتت الإحصائيات الجنائية في كثير من الدول حقيقة ثانية فيما يتعلق بأثر الجنس على ارتكاب الجريمة وهي أن المرأة تختلف عن الرجل من حيث إقدامها بنسبة أكبر على نوع معين من الجرائم بينما لا يقدم الرجل على هذا النوع بنفس النسبة وسوف نحاول توضيح ذلك حسب الجدول الآتي( ).
الجناة نوع الجريمة المرتكبة
النساء الرجال
134 977 الضرب والجرح
52 530 العنف
1 12 محاولة القتل العمد
27 369 السرقة الموصوفة
36 348 النصب
15 47 خيانة الأمانة
16 52 جرائم التزوير
43 455 الشيك
24 216 التعذيب
93 80 الفساد
397 96 التحريض على الفساد
15 24 إعداد منازل للدعارة
42 1157 السكر العلني
28 34 انتهاك حرمة المسكن
8 2 الهجوم على المؤسسات التعليمية
1 44 إهمال الأسرة
تتحمل المسؤولية - التخلي عن الأطفال الرضع
33 33 الخيانة الزوجية
34 590 المخدرات
جدول يبين أنواع الجرائم المرتكبة من قبل النساء والرجال مدينة مكناس 2004
من هذه الإحصاءات يظهر جليا عدم ميل المرأة كثيرا إلى جرائم الأموال وجرائم العنف كالضرب والجرح، وعادة ما تأخذ دور المساهم التبعي لا دور المساهم الأصلي في هذه الجرائم كما أثبتت الإحصاءات ضآلة عدد الجنايات التي ترتكبها المـرأة حيث نلاحظ جريمة قتل واحدة مقابل 12 جريمة قام بها الرجل وهي إذا قتلت فهي إما تقتل انتقاما من زوج خائن وظالم أو تقتل وليدها خوفا من العار والفضيحة إذا حملته حملا غير شرعي فالمرأة غالبا ما تقع فريسة لانفعالاتها وعواطفها المندفعة ومزاجها السريع المتقلب وهذه طبيعة معروفة في المرأة.
وبالمقابل نسجل ميلها لارتكابها جرائم الفساد كما لوحظ أن إجرام المرأة يزيد بشكل عام في الجرائم التي لا يرتكبها الرجل عادة، كجريمة الإجهاض وقتل الأطفال حديثي الولادة، فنحن لم نسجل حالات في مدينة مكناس وذلك راجع إلى الطبيعة المتخفية لهذه الجرائم، حسب تصريح أدلى لنا به رئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية لولاية الأمن. ففي فرنسا وفقا لإحصاء سنة 1971 بلغت نسبة جرائم قتل المواليد 25% من الإجرام الكلي لجرائم الاعتداء على الأشخاص التي ارتكبتها النساء وبلغت نسبة جرائم الإجهاض التي ارتكبتها النساء في نفس العام 18 إلى 67 % من الجرائم الكلي لهذه النوع من الجرائم ( ).
وبالإضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه في بعض الإحصاءات بأن إجرام المرأة يزيد في فترة الحيض والحمل والرضاعة وسن اليأس من ذلك أن إحصاء إنجليزيا أثبتت أن 41 % من إجرام المرأة ترتكب وهن في فترة الحيض كما أثبت إحصاء فرنسي أن 63 % من جرائم سرقة المتاجر قد ارتكبتها نسوة في ظل هذه الظروف( )

المطلب الثالث: من حيث الجسامة
وفيما يخص هذا الجانب أثبتت الإحصاءات بصورة واضحة اتسام إجرام الرجل بالعنف والقسوة والبطش وهو أكثر جسارة من المرأة على ارتكاب جرائم القتل والسرقة بالإكراه وحمل السلاح والابتزاز واقتحام المنازل والسطو على البنوك والمؤسسات، بينما تميل المرأة في إجرامها إلى أسلوب المخاتلة والغدر والخديعة وعدم النزاهة، أما إذا أقدمت على ارتكاب الجرائم الخطيرة فإنها غالبا ما تلجأ أسلوب عدم المواجهة المباشرة كاستعمال السم في القتل كما يكون سلاحها في مثل هذه الجرائم السكين الذي اعتادت على استعماله في شؤون هي أبعد ما تكون عن عالم الجريمة (شؤون الطبخ) فضلا عن مساهمتها كشريكة لا تظهر على مسرح الجريمة والاكتفاء بالتحريض على ارتكابها.
وفيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب ضد الأموال فإنهن يرتكبن جرائم السرقة من المحلات، وجرائم النشل في الأماكن المزدحمة وإخفاء الأشياء المتحصلة من السرقة ( ).
وهكذا فإن معظم السرقات المرتكبة من قبل النسوة هي سرقات غير مصحوبة بالعنف أو السلاح وقد تأكد هذا الاتجاه أيضا في فرنسا من خلال ما نشر فيها من إحصاءات في فترات زمنية متفاوتة( )، وكذلك تتجه إلى ارتكاب جرائم النصب والاحتيال.
وفيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب ضد الأخلاق والآداب فإنهن يرتكبن جرائم الفساد والأعمال الوحشية ضد الصبية الصغار وإفسادهن والمعاملة السيئة للخادمات، ورغم كل الانفعالات والدوافع التي ترمي المرأة في أحضان الجريمة فقد لاحظنا أن إجرامها يقل عن إجرام الرجل. ترى هل هناك أسباب مضادة لهذه الانفعالات والتقلبات النفسية والمزاجية تحمي المرأة من سلوك طريق الجريمة وبالتالي جعل إجرامها أقل كمية من إجرام الرجل؟


هذا ما سنبحثه في المبحث الثاني من هذا الفرع.

المبحث الثاني: أسباب اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل

يقال إن الدافع قد يكون واحد لدى الرجل و المرأة وهو الحاجة إلى المال أو الانتقام لكن الفعل يختلف لدى أحدهما عن الآخر، فبينما يلجأ الرجل إلى السرقة للحصول على المال فإن المرأة تلجأ إلى البغاء أي الاتجار في جسدها للحصول على ما تحتاج إليه من مال والسبب في هذا الاختلاف يرجعه البعض إما إلى تدنيها وسموها الخلقي (مطلب أول) ويرجعه البعض الآخر إلى أوضاعها الاجتماعية (مطلب ثاني) والبعض الآخر إلى الاختلاف في التكوين (مطلب ثالث).


المطلب الأول: تدين المرأة وسمها الخلقي

يذهب أصحاب هذا الرأي إلى القول، أن المرأة أقل من الرجل ارتكابا للجرائم لأنها أكثر منه استجابة لتعاليم الدين ولأنها تتميز عليه بسمو الخلق، فهي تتصف بالإيثار والتضحية وتمتاز بالرقة والعطف والحنان مما يجعلها أبعد من الرحل عن طريق الإجرام.
نقد هذا الرأي:
هذا الرأي لا يستند على أساس علمي فليس هناك أي دليل على تفوق المرأة على الرجل من حيث التدين والخلاق، ويكفي لدحض هذا الرأي فيما يتعلق بالتدين ما تشير إليه الإحصاءات الجنائية من أن المرأة كثيرا ما ترتكب جريمة شهادة الزور وهي جريمة ضد الدين في المقام الأول أما ما يتعلق بالجانب الخلقي فليس هناك دليل على تفوق المرأة من هذه الناحية ويكفي لهدم هذا الرأي نشير أن أغلب جرائم الإجهاض وجرائم قتل المواليد ترتكبها أمهات اعتداء على أبنائهن وهذه الحقيقة من شأنها أن تهدم الأساس الذي قام عليه هذا الرأي.


المطلب الثاني: اختلاف الوضع الاجتماعي

ذهب الرأي الثاني إلى أن وضع المرأة في المجتمع يختلف عن وضع الرجل مما يجعل إجرامها أقل ويستند هذا الرأي إلى حجتين: الأولى أن المرأة في كل مراحل عمرها لا تحمل مسؤولية مباشرة فهي تتمتع غالبا بحماية الرجل سواء كان أبا أو أخا أو زوجا أو ابنا وهذا يجعلها بعيدة عن العوامل الخارجية التي قد تؤثر عليها فتدفعها إلى الإجرام بينما الرجل على العكس من ذلك، هو الذي يحمل المسؤولية ويضطر بحكم هذا الدور الملقى على عاتقه أن يواجه المجتمع فيتعرض للمؤثرات المختلفة التي قد تدفع إلى ارتكاب الجريمة، وفضلا عن ذلك فإن القانون يطالب الرجل أحيانا بأكثر مما يطالب به المرأة وهذا يجعل نطاق مسؤوليته وبالتالي نطاق احتمال تقصيره أكثر اتساعا منه لدى المرأة.
نقد هذا الرأي
هذا الرأي وإن كان يبدو للوهلة الأولى منطقيا إلا أن الواقع لا يؤيده فإذا كان هذا الرأي يرجح قلة إجرام المرأة إلى وجودها في حماية الرجل وإلى قلة المسؤوليات التي يلقيها المجتمع على عاتقها، فإن مقتضى منطق هذا الرأي أن إجرام النساء يزداد حجمه كلما قلت الحماية التي تحيط بالمرأة وكلما زادت الأعباء الملقاة عليها ولكن الإحصاءات تثبت عكس هذا إذ المرأة المتزوجة تتمتع بقدر من الحماية اكبر مما تتمتع به غير المتزوجة ومع ذلك فالإحصاءات الجنائية تؤكد أن إجرام المتزوجات أكثر من إجرام العازبات( ).
كما أن ازدياد أعباء المرأة ومسؤولياتها ليس من المحتم أن يؤدي بها إلى طريق الجريمة خصوصا إذا عرفنا أن هذه المرأة هي امرأة مسلحة بالعلم والمعرفة وعلى ذلك لا يصلح هذا الرأي كتفسير وحيد لقلة إجرام النساء لذلك يجب البحث عن أسباب أخرى قد تكون وراء اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل.

المطلب الثالث: الاختلاف في التكوين


ذهب رأي أخير إلى القول بأن قلة إجرام المرأة مرجعه اختلافها عن الرجل من حيث التكوين العضوي والنفسي.
فمن الناحية العضوية تكون المرأة أضعف بنيانا من الرجل وقد قام الباحثون بمقارنة جسم المرأة بجسم الرجل سواء من حيث الطول أو الوزن أو الأعضاء والمختلفة الداخلية والخارجية. وقد قام بعض الباحثين بعملية حسابية دقيقة لتقدير نسبة قوة المرأة البدنية إلى قوة الرجل واستخلص من ذلك أن قوة المرأة تعادل نصف قوة الرجل ولذلك لا تقدم المرأة على الجرائم التي تتطلب قدرا من القوة البدنية فمثلا لا تقدم المرأة في أغلب الأحوال على جرائم العنف كالضرب والجرح وإنما تميل بالمقابل إلى جرائم القذف والسب والتحريض على الفساد والفسق وفي القدر الذي تلجأ فيه إلى ارتكاب جريمة القتل نجدها تلجأ إلى السم كوسيلة لتحقيق مآربها أو إلى تخدير الضحية قبل قتلها.
وأما من الناحية النفسية تمر المرأة بحالات خاصة بها تؤثر على نفسيتها وتعد من العوامل التي تساعد على ارتكاب الجريمة من ذلك حال الحيض والحمل والوضع والرضاعة ففي هذه الحالات كثيرا ما تتعرض المرأة لانفعالات مختلفة وتقلبات في المزاج قد تدفع بها إلى ارتكاب بعض الجرائم ولا سيما جرائم الإجهاض وقتل المواليد( ).

نقد هذا الرأي:
إن هذا الرأي وإن أصاب قدرا من الحقيقة فإنه لم يلق قبولا لدى بعض الباحثين الذين تصدوا له بالنقد من عدة جوانب فمنهم من رفض التسليم بفكرة تفوق الرجل جسديا على المرأة بل إن هذا الاتجاه ذهب إلى حد القول بان من الثابت علميا أن المرأة أقوى من الرجل وحجتهم في ذلك أن المرأة تعمر كثيرا وأن نسبة الوفيات بين الذكور أكثر من الإناث وأن إجهاض النساء في الذكور أكثر منه في الإناث، كما أنها تقاوم الأوبئة والأمراض اكثر من الرجل.
وقال آخرون بأنه إذا سلمنا بان قوة المرأة تعادل نصف قوة الرجل فإن هذا الاختلاف لا يكفي وحجه لتفسير الفارق الكبير بين إجرام كل منهما والذي يبلغ كحد أدنى خمس إجرام الرجل وليس نصفه بحسب ما يجب أن يكون عليه تبعا لتفاوت القدرة البدنية بينهما.
وذهب آخرون في معرض نقدهم لهذا التفسير قائلين بأنه إذا كان السبب في هذا الاختلاف يعود إلى ضعف المرأة بدنيا لوجب أن يقتصر هذا الأثر على جرائم العنف التي تتطلب قوة لا تتوافر لدى المرأة في حين الإحصاءات تدل على أن إجرام المرأة أقل من إجرام الرجل بصفة عامة بما في ذلك الجرائم التي لا تتطلب أي جهد عضلي كالنصب والاحتيال وإساءة الائتمان( ). باستثناء بعض الجرائم التي ترتبط بطبيعة المرأة كالإجهاض والبغاء والتي نلاحظ ارتفاعا نسبيا في إجرامها في هذا الميدان ولكن هذا الارتفاع نلمسه كثيرا فقط في واقعنا المغربي المعاش أو المشاهد، أما الإحصاءات المغربية فتسجل ارتفاعا ضئيلا بالمقارنة مع الواقع في جرائم الإجهاض والبغاء.
كما أن الاختلاف في التكوين البيولوجي بين الذكر والأنثى لا يتضمن تميزا له عليها فالقوة البدينة التي اعتبرت مقياسا للرجولة ليست في الواقع سوى قيمة اجتماعية تنقلها الآباء إلى الأبناء في عملية التنشئة الاجتماعية فيعلمونهم أن القوة البدينة هي أحد مقاييس الرجولة لا فيما بين الذكور بعضهم البعض فحسب بل فيما بينهم وبين الإناث.
ومن هنا نجد أن هذا الرأي لا يستطيع تفسير الفارق الكبير بين إجرام المرأة وإجرام الرجل.
والواقع أن قلة إجرام النساء كما ترجع إلى عوامل تكوينية ونفسية فإنها ترجع أيضا إلى الوضع الاجتماعي للمرأة فمما لا شك فيه أن نسبة النساء اللائي يتحملن المسؤولية وحدهن لظروف غير عادية، أقل بكثير من نسبة الرجال الذين يتحملن المسؤولية بحكم وضعهم الاجتماعي الطبيعي، كذلك فإن نسبة النساء اللائي نزلن إلى ميدان العمل أقل من نسبة من يعملون من الرجال، ولذلك يمكن القول إن تلك العوامل التي ذكرتها النظريات الثلاث تشكل في مجموعها الأسباب التي أدت إلى قلة إجرام المرأة بالنسبة إلى إجرام الرجل، ولا يمكن الأخذ بإحداهما دون الأخرى فلابد من اجتماعها حتى نستطيع تفسير هذا التباين بين إجرام المرأة وإجرام الرجل.
لكن الدكتور احمد علي المجدوب ( ) يقول: "يخطئ من يركن إلى النتيجة التي أسفرت عنها الدراسات العديدة التي أجريت عن إجرام المرأة والتي تقول أنها كانت وستظل أقل إجراما من الرجل في كل العصور والمجتمعات لأن هذه النتيجة رغم صحتها ليست حقيقة دائمة وإنما هي شانها شان كل شيء في الحياة قابلة للتغير إذا تغيرت عناصرها..."
الباب الثاني
المؤسسات العقابية ودورها في إعادة تأهيل


عرضنا في الباب الأول للظاهرة الإجرامية عند المرأة وحاولنا الإحاطة بكل الجوانب المتعلقة بها، من أنواعها وتطورها في الزمان والمكان، واختلافها عن إجرام الرجل، وذلك كله للمس الأسباب والعوامل المؤثرة فيها، وفي هذا الباب سنعرض لكيفية مواجهتها.
ومواجهة الظاهرة الإجرامية تعني اتباع الأساليب العلمية- القانونية لمكافحة الإجرام وذلك بقصد القضاء على هذه الظاهرة، أو على الأقل بالحد منها ما أمكن. هذه الأساليب هي التي تكون موضوع علم العقاب والذي تدور أبحاثه حول ضوابط اختيار الجزاء الجنائي وكيفية تنفيذ الجزاءات، سواء كانت عقوبات أو تدابير احترازية. ومع ذلك لا يمتد نطاق علم العقاب إلى دراسة كيفية تنفيذ كافة الجزاءات الجنائية، وإنما يقتصر في الجانب الغالب من أبحاثه على العقوبات والتدابير السالبة للحرية والتي تعد المجال الطبيعي الذي يمكن من خلاله تحقيق الأغراض الحديثة للعقاب، والمتمثلة في إصلاح المحكوم عليه وتهذيبه وتأهيله للعودة إلى الحياة الاجتماعية.
بيد أن التطور الحديث لهذا العلم والذي صاحب تطور فكرة العقاب ذاتها، أفضى إلى اتساع ملموس في نطاقه بحيث امتدت الدراسات العقابية لتشمل موضوعات أساسية، مثل التدابير الاحترازية وبدائل العقوبات السالبة للحرية، التي من شانها تحقيق أغراض العقاب السالب للحرية، مع تفادي عيوب سلب الحرية ( ).
وفي معرض دراستنا لموضوع إجرام المرأة ، واعتمادا على سبق ذكره، سنحاول في هذا الباب دراسة سبل ووسائل إصلاح المرأة الجانحة وتأهيلها داخل المؤسسات العقابية حتى تتحقق عملية إدماجها بالمجتمع مرة ثانية وذلك بعد القضاء على الأسباب التي دفعت بها إلى عالم الجريمة. وحتى نقف عن قرب على الدور الذي تلعبه المؤسسات السجنية في عملية إعادة تأهيل السجينات ارتأينا أن نجري دراسة ميدانية ببعض سجون المملكة والتي ستكون موضوع الفصل الثاني. أما الفصل الأول فسنخصصه لدراسة مختلف المؤسسات العقابية وطرق تنفيذها للجزاء.
الفصل الأول: المؤسسات العقابية وتنفيذ الجزاء الجنائي:
يعتبر السجن مؤسسة إصلاحية يهدف من ورائها المجتمع المحافظة على سلامة أفراده وضمان سلمهم وطمأنينتهم، لكونها تستقبل الأشخاص المنحرفين الذين يسيئون إلى المجتمع ويخرقون القوانين السائدة فيه، ليس لتنفيذ الأحكام القضائية التي تحرمهم من حريتهم مدة من الزمن فقط بل للقيام بتربيتهم طبقا لنظام المعاملة العقابية الحديثة، والتي أخذ بها المشرع المغربي عملا بمبدأ السجن تهذيب لا تعذيب( ).
وعلى أساس هذا يمكن تصور الوظيفة الاجتماعية التربوية للسجون بأنها رئة تستقبل الدم الفاسدة لتعيده إلى شرايين المجتمع دما نقيا قادرا على أن يشارك بالبناء والعمل. فلقد كانت طبيعة العقاب في القرون الوسطى توزن بمقدار الحاجة إلى عدم تكرار الجريمة ومع تقدم الحياة تغير القانون وأصبح العقاب من أجل تقليل الجرائم وإصلاح السجين عن طرق توفير العلم والصحة والتدريب المهني الصالح، وفي بداية القرن العشرين زاد الاهتمام بالسجناء، وعمت أساليب التربية وعلم النفس الاجتماعي. وقد قال مدير أحد السجون في إنجلترا بهذا الخصوص: "إننا نعامل أشخاصا سوف يستأنفون الحياة داخل المجتمع بعد فترة من الزمن طالت أو قصرت، ومهمتنا أن نردهم صالحين للعم"( ).
والمؤسسات العقابية بالمغرب عرفت بدورها تطورا هاما واكب التطور الحاصل في مختلف مجالات الحياة داخل المملكة، فبعد أن كان الهدف منها إنزال العقوبات القاسية على المنحرفين من أجل تحقيق الردع العام والخاص، أصبح الهدف منها في الوقت الراهن إصلاح الجانحين وتهذيبهم وتأهيلهم لاستئناف الحياة من جديد داخل مجتمعهم من خلال تطبيق برامج إصلاحية وتأهيلية في عملية تنفيذ الجزاء الجنائي داخلها.
وعليه سنتولى في هذا الفصل دراسة أساليب تنفيذ الجزاء الجنائي داخل المؤسسات العقابية وذلك من خلال التطرق بداية للجزاء الجنائي في فرع أول، ثم لإشراف المؤسسات العقابية على تنفيذ الجزاء الجنائي في فرع ثاني، قبل أن نعمد إلى دراسة دور المؤسسة السجنية المغربية في الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي داخلها في مبحث ثالث.


الــفـــــرع الأول: الجــــــــــزاء الجنـــــــــائي
عندما يرتكب الشخص فعلا محظورا من طرف القانون الجنائي وتثبت بذلك مسؤوليته الجنائية، فإنه يتعرض للجزاء الجنائي الذي يتمثل إما في العقوبة أو في إحدى التدابير الوقائية المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي.
وبذلك فمفهوم الجزاء يختلف عن مفهوم العقوبة، إلا أن الجزاء هو أشمل من العقوبة حيث يشمل إضافة على العقوبة ما يسمى بالتدابير الوقائية.
كما أن الجزاء في اللغة يختلف عن الجزاء في القانون، فالجزاء في اللغة يكون إما خيرا وثوابا أو يكون شرا وعقابا، أما الجزاء في القانون فيتضمن الشق الثاني فقط( ).
وإذا كانت العقوبة أو التدابير الوقائية تهدف إلى تحقيق نفس الغرض وهو مكافحة الجريمة في المجتمع فإنهما يختلفان في كون العقوبة تكون لازمة التطبيق عند ثبوت المسؤولية الجنائية للمتهم بسبب ارتكابه فعلا يعد جريمة في نظر القانون، أما التدابير الوقائية أو ما يصطلح على تسميتها بالتدابير الاحترازية في باقي الدول العربية، فتكون لازمة التطبيق عند توافر حالة الخطورة الإجرامية.
وبذلك يظهر لنا الفرق بين العقوبة والتدابير الوقائية وهذا الفرق سيظهر بجلاء في القواعد المنظمة لكليهما، كما سيتجلى اختلافهما عن مجال آخر يسمى بالعقوبات البديلة.
فماذا نعني بكل جزاء من تلك الجزاءات؟ وما هي أنواعها؟ وكيف يحقق الجزاء غاياته؟
إن طبيعة الموضوع ولأجل الإجابة عن تلك الأسئلة سنقسم هذا الموضوع إلى ثلاث مباحث:
مبحث أول: العقوبة، مبحث ثان: التدابير الوقائية، مبحث ثالث: العقوبات البديلة


المبحث الأول: العقوبة

قبل الحديث عن أنواع العقوبات في القانون المغربي (مطلب ثاني) نرى ضرورة تعريف العقوبة ومعرفة أهدافها (مطلب أول).
المطلب الأول: العقوبة تعريفها أهدافها مميزاتها
-العقوبة هي الجزاء الذي يوقعه المجتمع على المجرم مؤاخذة له عما اقترفه وهي وسيلة قديمة تطورت بتطور الحضارات وانتقلت من وحشيتها إلى عقوبة تراعي آدمية المحكوم عليه وتهدف إلى إعادة إدماجه في المجتمع.
1-مميزات العقوبة:
تتميز العقوبة بكونها قانونية وشخصية وقضائية إلى جانب اتصافها بالمساواة.
فهي قانونية ( ) لأنها محددة في القانون على سبيل الحصر، حيث أن الدستور المغربي في الفصل 10 ينص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وهو ما نص عليه أيضا القانون الجنائي في المادة الأولى حيث قالت "يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم، بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي، ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو بتدابير وقائية".
كما تنص المادة 3 من نفس القانون على أنه "لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون".
مع أن المشرع جعل للعقوبة حدين أدنى وأقصى وترك للقاضي سلطته التقديرية للحكم ما بين بأحد الحدين وذلك بهدف تفعيل سياسة تفريد العقاب.
وهي شخصية ( ) لأنها تنال المذنب وحده، إذ تناله في شخصه أو ماله أو اعتباره أو حقوقه المدنية والوطنية، وبذلك لا يمكن متابعة أفراد آخرين لم يرتكبوا الجريمة ولو كانت لهم علاقة قرابة بالمتهم أو علاقة اجتماعية محددة، وبذلك لا يمكن معاقبة شخص إلا إذا توافرت الدلائل على كونه بالفعل هو الجاني كما أنه إذا توفي المتهم فإنه لا مجال لتنفيذ العقوبة، مع أن الجزاءات المالية ممكنة التطبيق، كما ينتج عن شخصية العقوبة أن العفو الصادر لا يستفيد منه إلا المحكوم الذي حدد لصالحه وأنه بمرور الصادر لا يستفيد منه إلا المحكوم الذي حدد لصالحه وانه بمرور أمد التقادم لا تنفذ العقوبة على المتهم وبذلك لا يمكن أن يعاقب أحد أفراد أسرته كونه المتهم استطاع الإفلات من السلطات القضائية.
وهي قضائية بمعنى أنه لا يمكن تنفيذ عقوبة معينة على متهم إلا بتدخل السلطة القضائية عن طريق الدعوى العمومية وذلك لمحاكمة الجاني وتحديد العقوبة الملائمة للجريمة التي ارتكبها في حق المجتمع.
وهي تمتاز بصفة المساواة أي أن الجميع سواء أمام القضاء الجنائي دون تمييز بينهم، مع أن القاضي لا يكون ملزما في بعض الحالات بالقيام بهذه المساواة الدقيقة، فهو من جهة له السلطة التقديرية في الحكم ما بين الحد الأدنى والأقصى للعقوبة، ومن جهة ثانية هناك مجموعة من الأحكام قد لا تتجلى فيها المساواة في العمق كما لو تم الحكم على شخصين بنفس العقوبة لكن هذين الشخصين يختلفان في قدرة التحمل، كما أن الغرامة تختلف فيما إذ حكم بها على شخصين يختلفان ويتفاوتان في الثروة.
وتؤثر صفة المحكوم عليه أيضا في العقوبة إما بالتشديد أو بالتخفيف، وعموما فقاعدة المساواة في القانون تتجلى صعوبة تحققها في القضاء وبالتالي في العقوبة وذلك لاختلاف المحكومين لا من حيث قوتهم البدينة ولا من حيث درجة الثراء ولا من حيث السن.
2-أهداف العقوبة
تختلف الأهداف التي يتوخاها المشرع من العقوبة باختلاف المصلحة المراد الحفاظ عليها ورعايتها ويمكن تحديد هذه الأهداف كالتالي:
-الردع الخاص: ويقصد به ما تحققه العقوبة في نفس المحكوم عليه من ألم وضرر إذ يصيبه هذا الضرر إما في حريته أو ماله أو حياته أحيانا.
فالردع الخاص وسيلة تحقق علاج الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص الجاني وتساعده على الاندماج في المجتمع من جديد.
-الردع العام: وهو ما تخلفه العقوبة من رعب وخوف لدى أفراد المجتمع وبالتالي اجتناب ارتكاب الجريمة لتفادي تلك العقوبة وهو ما يحقق الهدف من الردع العام وهو الحد من ظاهرة الإجرام.
-تحقيق العدالة: يتجلى في الارتياح الذي يشعر به الأفراد عند إلحاق العقوبة بالجاني وإرغامه بدفع تعويضات للمجني عليه مما يشعرهم بالأمن والاطمئنان.

المطلب الثاني: أنواع العقوبات

تتعدد تقسيمات العقوبة بتعدد وجهة النظر إليها، والتقسيم المهم هو الذي يرجع إلى الناحية العملية وهو تقسيمها حسب خطورتها وحسب العلاقة الموجودة بينها، فمن حيث أهميتها تنقسم العقوبات إلى عقوبات أصلية وعقوبات إضافية ومن حيث خطورتها تنقسم إلى عقوبات جنائية وجنحية وضبطية. وقد خصص المشرع المغربي الفصول من 14 إلى 60 من القانون الجنائي للحديث عن العقوبة حيث قال في الفصل 14: "العقوبات إما أصلية أو إضافية فتكون أصلية عندما يسوغ الحكم بها وحدها دون أن تضاف إلى عقوبة أخرى، وتكون إضافية عندما لا يسوغ الحكم بها وحدها، أو عندما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة أصلية".
ومن ذلك نقسم الحديث عن العقوبات إلى عقوبات أصلية (الفقرة الأولى) وعقوبات إضافية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: العقوبات الأصلية
وقد نص عليها المشرع المغربي في المواد 16 و 17 و18 وهي إما عقوبات جنائية أصلية (أولا) أو عقوبات جنحية أصلية (ثانيا) أو عقوبات ضبطية أصلية (ثالثا).
أولا : العقوبات الجنائية الأصلية
وهي العقوبات التي يقررها المشرع المغربي لارتكاب إحدى الجنايات وقد نص عليها المشرع في الفصل 16 من القانون الجنائي وهي خمسة أصناف:
1-الإعدام
2-السجن المؤبد
3-السجن المؤقت من خمس سنوات إلى ثلاثين سنة
4-الإقامة الإجبارية
5-التجريد من الحقوق الوطنية
ونفصلها كالآتي بنفس الترتيب
1-الإعدام
تعد هذه العقوبة من أقدم العقوبات وأخطرها، وتهدف جميع المنظمات العالمية أو الإقليمية إلى الحد من تطبيق هذه العقوبة كما أن هناك العديد من الدول التي تخلت عنها بصفة نهائية وهناك من الدول من يقوم بها ولكن نادرا ومنها المغرب حاليا.
وقد كرس المشرع المغربي لتنفيذ عقوبة الإعدام أحكاما منها الفصول من 19 إلى 23 من المجموعة الجنائية والفصول من 648 إلى 652 من قانون المسطرة الجنائية وتتلخص هذه الحكام فيما يلي:
يتعين على النيابة العامة أن تنهي لعلم وزير العدل كل عقوبة بالإعدام بمجرد صدورها.
-لا يمكن تنفيذ أي حكم بالإعدام إلا بعد رفض طلب العفو.
-تنفيذ عقوبة الإعدام رميا بالرصاص بأمر من وزير العدل وطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف.
ويتم تنفيذ هذه العقوبة داخل السجن نفس الذي يوجد به المحكوم عليه أو في أي مكان آخر يعينه وزير العدل، ويتم ذلك بحضور عدة مسؤولين جاء النص عليهم على سبيل الحصر في المادة 19 من القانون الجنائي كما تم النص عليهم في المادة 603 من قانون المسطرة الجنائية.
-يكون تنفيذ الحكم بالإعدام غير علني إلا إذا قرر وزير العدل خلاف ذلك( ) وهنا نتساءل هل يتحقق الهدف من العقوبة والمتمثل في الردع العام؟.
وتسلم إثر التنفيذ جثة المحكوم عليه إلى عائلته فيما إذا طلبت ذلك على أن تلتزم بدفنه في غير علانية( ).
-إذا ثبت أن المرأة المحكوم عليها بالإعدام حاملا فإنها لا تعدم إلا بعد أن تضع حملها بأربعين يوما( )
-يحرر كاتب الضبط محضر التنفيذ حالا ويوقعه كل من رئيس المحكمة الجنائية أو مفوض من قبله وممثل النيابة العامة وكاتب الضبط.
وبمجرد ما يقع التنفيذ تعلق نسخة من هذا المحضر بباب السجن أنجز فيه التنفيذ وتبقى معلقة ساعة وإذا وقع التنفيذ خارج السجن علق المحضر بباب بلدية مكان التنفيذ( ).
-وقد نصت المادة 606 من قانون المسطرة الجنائية على انه لا يمكن أن ينشر عن طريق الصحافة أي بيان أو مستند يتعلق بالتنفيذ ماعدا المحضر المذكور، وإلا تعرض المخالف لغرامة تتراوح بين 10.000 و 60.000 درهم ويمنع تحت طائلة نفس العقوبة أن ينشر أو يذاع بأي وسيلة من الوسائل – قبل التنفيذ أو قبل تبليغ ظهير العفو لعلم المحكوم عليه- أي خبر أو أي رأي أبدته لجنة العفو، أو الأمر الصادر عن جلالة الملك.
2-السجن
وهو العقوبة الوحيدة السالبة للحرية والتي نص عليها المشرع المغربي في الفصل 24 من القانون الجنائي، وهو يكون إما مؤبدا أو محددا، حيث يكون محددا ما بين خمس سنوات وثلاثين سنة، وتنفذ عقوبة السجن داخل سجن مركزي مع انفراد السجناء بالليل كلما سمحت طاقة السجن ذلك مع القيام بالشغل الإجباري إلا في حالة ثبوت عجز بدني.
ولا يمكن للسجين أن يشتغل خارج السجن، إلا إذا كان قد قضى عشر سنوات من العقوبة إذا كان محكوم عليه بالمؤبد أو قد قضى ربع العقوبة إذا كان محكوما عليه بالسجن المؤقت.
3-الإقامة الإجبارية
وقد نص عليها المشرع المغربي في المادة 25 حيث قال: "الإقامة الإجبارية هي أن تحدد المحكمة مكانا للإقامة أو دوائر محدودة لا يجوز للمحكوم عليه الابتعاد عنها بدون رخصة طوال المدة التي يحددها للحكم بحيث لا تقل عن خمس سنوات متى كانت عقوبة أصلية.
ويبلغ الحكم بالإقامة الإجبارية إلى الإدارة العامة للأمن الوطني التي يجب عليها أن تتولى مراقبة الإقامة المفروض على المحكوم عليه وفي حالة الضرورة يجوز لوزير العدل أن يسلم للمحكوم عليه رخصة مؤقتة للتنقل داخل القطر".
ولا شك أن الهدف من هذه العقوبة هو منع المحكوم عليه من التنقل بكل حرية داخل البلاد خصوصا إذا كان من أولئك الذين قد يشكل تنقلهم تهديدا لأمن الدولة وخصوصا المجرمين السياسيين( ) وعقوبة الإقامة الإجبارية تختلف عن الإجبار عن الإقامة( ) ويتجلى ذلك في كون هذه الأخيرة تدبير وقائي شخصي لا ينتفي الحكم به وحده وهو لا يتجاوز 5 سنوات وهو يبتدئ من يوم انتهاء العقوبة الأصلية عكس الإقامة الإجبارية إذ أنها عقوبة أصلية يمكن الحكم بها لوحدها وهي تتجاوز 5 سنوات وهي تبتدئ من يوم اكتساب الحكم الجنائي قوة الأمر المقضي به.
ويلاحظ الفرق أيضا في الطرف المانح لرخصة التنقل فوزير العدل هو الذي يمنح تلك الرخصة في الإقامة الإجبارية أما في الإجبار على الإقامة كتدبير وقائي فالرخصة تمنع من طرف المدير العام للأمن الوطني، كما أن خرق الإقامة الإجبارية كعقوبة أصلية يعاقب عليه من سنة إلى 5 سنوات أما خرق الإجبار على الإقامة فيعاقب عليه المشرع من 6 أشهر إلى سنتين.
4-التجريد من الحقوق الوطنية
وهي عقوبة تكون إما عقوبة جنائية أصلية أو عقوبة إضافية وهي كعقوبة أصلية يقررها القانون في بعض الحالات قصد زجر نوع خاص من الجرائم وخاصة الجرائم السياسية. ومثال الجرائم المحكوم عليها بهذه العقوبة الجرائم المنصوص عليها في المواد 225 و 229 و236 و237 و238 من القانون الجنائي.
وقد أجاز المشرع في المادة 27 للقاضي أن يضيف إلى الحكم بالتجريد من الحقوق الوطنية عقوبة الحبس لمدة يحددها الحكم وهي لا تزيد عن خمس سنوات.
وفي حالة استحالة الحكم بهذه العقوبة وذلك إما لكون المتهم مغربيا سبق تجريده من هذه الحقوق وإما لكونه أجنبيا وجب قانونا الاستغناء عنها وتعويضها بالحكم بالسجن من 5 سنوات إلى 10 ، والتجريد من الحقوق الوطنية يشمل خمس حالات نص عليها الفصل 26 وهي كالآتي.
-عزل المحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية وكل الخدمات والأعمال العمومية.
-حرمان المحكوم عليه من أن يكون ناخبا أو منتخبا وحرمانه بصفة عامة من سائر الحقوق الوطنية والسياسية ومن حق التحلي بأي وسام.
-عدم الأهلية للقيام بمهمة عضو محلف أو خبير وعدم الأهلية لأداء الشهادة في أي رسم من الرسوم أو الشهادة أمام القضاء إلا على سبيل الاختيار فقط.
-عدم أهلية المحكوم عليه لأن يكون وصيا أو مشرفا على غير أولاده.
-الحرمان من حق حمل السلاح ومن الخدمة في الجيش والقيام بالتعليم أو إدارة مدرسة أو العمل في مؤسسة للتعليم كأستاذ أو مدرس أو مراقب.
ثانيا: العقوبات الجنحية الأصلية
هي العقوبات التي أقرها المشرع المغربي لمرتكبي الجنح وقد نص عليها في المادة 17 من القانون الجنائي وهي تتمثل في: الحبس، الغرامة التي تتجاوز 1200 درهم.

1-الحبس:
وهو العقوبة السالبة للحرية التي تطبق في الجنح التأديبية والضبطية وتتحدد مدة الحبس بين شهر كحد أدنى وخمس سنوات كحد أقصى.
ويمكن لهذه المدد أن تقل عن شهر أو تزيد عن خمس سنوات في بعض الحالات:
-حالة تجاوز الحد الأقصى: ويكون ذلك في حالتين
حالة العود: إذ أن المجرم الذي سبق الحكم عليه من اجل جناية أو جنحية ثم ارتكب قبل مضي خمس سنوات من تنفيذ العقوبة أو تقادمها جناية أو جنحية يعاقب عليها بالحبس يمكن الحكم عليه بعقوبة تمثل ضعف العقوبة المقررة.
حالة الزجر عن بعض الجرائم الخاصة ومثالها زجر الإدمان على المخدرات السامة والتي قد تصل العقوبة فيها إلى عشر سنوات حبسا.
حالة الانخفاض عن الحد الأدنى: وهي بعض الحالات التي قررها المشرع المغربي للنزول بعقوبة الحبس عن حدها الأدنى الذي هو شهر، ومثالها ما نص عليه المشرع في المادة 325 من القانون الجنائي حيث عاقب على إزالة أو إخفاء أو تمزيق إعلان وضع بمقتضى أمر قضائي صادر، وذلك من 6 أيام إلى شهر وغرامة من 200 إلى 250.
وتنقذ العقوبة الحبسية في المؤسسات المحدثة لهذا الغرض أو في جناح خاص بأحد السجون المركزية.
2-الغرامة:
لقد عرف المشرع المغربي الغرامة في المادة 35 من القانون الجنائي حيث قال: "الغرامة هي إلزام المحكوم عليه بان يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود بالعملة المتداولة قانون بالمملكة"
وتعتبر الغرامة عقوبة جنحية عندما يفوق حدها الأقصى 1200 درهم سواء كانت مقررة لوحدها لزجر الجنحة أو كانت موجودة إلى جانب عقوبة حبسية إلزامية أو كان التنصيص على الخيار بينهما، ورغم كونها تخضع لمبدأ شخصية مبدأ العقوبة فإن موت المحكوم عليه بها لا يعد عائقا نحو استيفائها من تركته.
ويؤدي مبلغ الغرامة للخزينة العامة وذلك بعد أن يصير الحكم نهائيان والغرامة هي آخر مبلغ يجب استيفاؤه بعد المصاريف القضائية ورد ما يلزم رده وأداء التعويضات عن الضرر، وفي حالة عدم قيام المحكوم عليه بأداء مبلغ الغرامة فإنه يعرض نفسه للإكراه البدني الذي يزج بالمحكوم عليه في السجن.
وتجدر الإشارة إلى أن الإكراه البدني لا يمكن اللجوء إليه في عدة حالات نص عليها المشرع في المواد 634 إلى 637 من قانون المسطرة الجنائية.
ثالثا: العقوبات الضبطية الأصلية
حددها الفصل 18 من القانون الجنائي في عقوبتين هما:
1-الاعتقال لمدة تقل عن شهر
2-والغرامة من 120 درهم إلى 200 درهم، ويتم تنفيذ الاعتقال مثله مثل عقوبة الحبس في السجون المدنية أو ملحقاتها، وتكون هذه المدة أيضا مصحوبة بالشغل الإلزامي سواء داخل المؤسسة العقابية أو خارجها إلا في حالة ثبوت عجز بدني لدى المحكوم عليه.
الفقرة الثانية: العقوبات الإضافية
العقوبات الإضافية هي تلك العقوبات التي لا يمكن للقاضي الحكم بها وحدها فهي عقوبة ناتجة عن الحكم الصادر بعقوبة أصلية، وقد خصص لها المشرع المغربي الباب الثاني من الجزء الأول "العقوبات" من الكتاب الأول "في العقوبات والتدابير الوقائية".
وقد نص على أصنافها الفصل 36 كالآتي: العقوبات الإضافية هي:
1-الحجر القانوني
2-التجريد من الحقوق الوطنية
3-الحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية
4-الحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة.
5-المصادرة الجزئية للأشياء المملوكة المحكوم عليه، بصرف النظر عن المصادرة المقررة كتدبير وقائي في الفصل 89.
6-حل الشخص المعنوي
7-نشر الحكم الصادر بالإدانة.
وقد فصلت المواد من 37 إلى 48 في تلك الأصناف ويمكن تفصيلها أيضا كالآتي:
1-الحجر القانوني:
وقد بينته الفصول 37-38-39 من القانون الجنائي
وهو حرمان المحكوم عليه من مباشرة حقوقه المالية خلال فترة تنفيذ العقوبة الجنائية الأصلية، فهو بهذا الشكل يفقد المحكوم عليه أهلية الأداء، مما يجعله محروما من التصرف في أمواله وممتلكاته أو القيام بإدارتها أو أن ينتصب كطرف مدع أمام المحاكم، لكن الحجر القانوني لا يمتد إلى الحقوق المرتبطة ارتباطا عضويا بشخصه كحقه في الزواج أو الطلاق( ).
وللمحكوم عليه المحجور أن يختار وكيلا ينوب عنه في مباشرة تلك الحقوق التي حرم منها وذلك تحت إشراف الوصي القضائي و الذي يعين وفق الإجراءات المقررة في شأن المحجورين القضائيين.
كما لا يسلم للمحجور القانوني أي مبلغ من مدخولاته باستثناء ما يكون ضروريا لمعيشته وفي حدود ما تسمح به إدارة السجون وينتهي الحجر القانوني في ثلاث حالات.
-عند إتمام تنفيذ العقوبة الجنائية الأصلية
-في حالة استفادة المحكوم عليه من العفو الخاص أو إبدال العقوبة الجنائية بعقوبة جنحية.
-في حالة صدور قرار المراجعة القاضي بإبطال الحكم الصادر بالإدانة ضد المحكوم عليه.
2-التجريد من الحقوق الوطنية:
وهو كما سبق ذكره يكون إما عقوبة أصلية أي يجوز الحكم به لوحده وإما عقوبة إضافية أي لا يمكن الحكم به وحده بل ينبغي أن يكون مضافا لإحدى العقوبات الأصلية المنصوص عليها في الفصل 16، وهو مع ذلك ينتج نفس الآثار، إلا أن المشرع المغربي هنا لم يحدد لها مدة معينة.
وتنقضي هذه العقوبة بإحدى الأسباب التالية:
-حالة صدور العفو الخاص الذي يلغي التجريد من الحقوق الوطنية.
-حالة صدور قرار للمجلس الأعلى يبطل الحكم الجنائي الصادر ضد المحكوم عليه على إثر المراجعة.
-حالة حصول المحكوم عليه على رد اعتباره القضائي أو القانوني الذي يمكنه من استرجاع حقوقه وكافة الأهليات.

3-الحرمان من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية:
والتجريد من ممارسة الحقوق الوطنية كعقوبة جنائية أصلية أو كعقوبة إضافية تابعة لعقوبة جنائية فإنه لا يكون قابلا للتجزئة فهو يشمل كل الحالات المنصوص عليها في الفصل 26 من القانون الجنائي.
ولكن التجريد من الحقوق الوطنية عندما يحكم به كعقوبة إضافية تابعة لعقوبة جنحية فإنه يصبح قابلا للتجزئة وبالتالي يتفرع عنه الحرمان المؤقت من ممارسة بعض الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية( ).
على انه إذا حكمت المحكمة بعقوبة جنحية يجوز لها أن تحرم المحكوم عليه لمدة تتراوح ما بين سنة وعشر سنوات من ممارسة حق أو عدة حقوق من الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية المنصوص عليها في الفصل 26.
4-الحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة:
يتبين من خلال الفصل 41 من القانون الجنائي أن المشرع المغربي ميز بين الحرمان النهائي من الحق في المعاش الذي تصرفه الدولة والحرمان المؤقت منه وذلك حسب نوع العقوبة المحكوم بها، فمتى كان الحكم نهائيا بالإعدام أو السجن المؤبد يتم حرمان المتهم نهائيا من حقه في المعاش الذي تصرفه الدولة، ويكون الحرمان مؤقت في غير ذلك حيث يحرم المتهم خلال تنفيذه العقوبة الجنائية الأصلية وترجع له تلك المعاشات بمجرد خروجه من السجن.
5-المصادرة:
عرفها المشرع المغربي في الفصل 42 من القانون الجنائي بأنها تمليك الدولة جـزءا من أملاك المحكوم عليه أو بعض أملاك له معينة، إلا أن اللجـوء إلى هذه العقوبة لا يتم بنفس القاعدة في كل الجرائم بل هناك اختلاف فيما إذا كانت الجريمة جنائية أو جنحية.
ففي الجنايات يجوز للقاضي أن يحكم بأن يصادر لفائدة الدولة الأدوات والأشياء التي استعملت أو كانت تستعمل في ارتكاب الجريمة أو التي تحصلت منها، وكذلك المنح وغيرها من الفوائد التي كوفئ بها مرتكب الجريمة أو كانت معدة لمكافأته.
وتكون المصادرة جزئية( ) أي تمليك الدولة جزءا فقط أو بعض أملاك المحكوم عليه مع الحفاظ على حقوق الغير( ).
وتكون المصادرة في الجنايات من اختصاص السلطة التقديرية للقاضي بصريح عبارة "يجوز" أما في حالة الحكم بالمؤاخذة عن أفعال تعد جنحا أو مخالفات فإنه لا يجوز للقاضي الحكم بالمصادرة إلا بوجود نص صريح بذلك( )، والمصادرة كعقوبة إضافية لا تمس إلا ما هو مملوك للمحكوم عليه وعلى جزئه إذا كانت الشيء محل المصادرة مملوكا على الشياع( ).
6-حل الشخص المعنوي:
يقصد بالشخص المعنوي كل مقاولة أو جمعية كيفما كان نوعها تتوفر على الشخصية المعنوية.
والملاحظ هو أن العقوبات التي تخضع لها الأشخاص المعنوية ضيقة جدا حيث لا تتضمن سوى عقوبات مالية أو لعقوبات إضافية أو لتدابير وقائية وذلك لطبيعة تلك الأشخاص المعنوية.
ويعتبر حل الشخص المعنوي عقوبة إضافية الهدف منها منع هذا الشخص من مواصلة نشاطه الاجتماعي ولو تحت اسم آخر وبإشراف مديرين أو مسيرين آخرين، ويترتب عنه تصفية أملاك الشخص المعنوي.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن للقاضي الحكم بحل الشخص المعنوي إلا إذا نص على ذلك القانون صراحة ولا يمكن تنفيذه إلا بحكم صريح أيضا.
7-نشر الحكم الصادر بالإدانة:
إن الحكم بمثل هذه العقوبة يمكن أن ينال الشخص الطبيعي كما قد ينال الشخص المعنوي وهدفه إبلاغ الحقيقة للجمهور ورفع المغالطة التي ربما قد وقع فيها نتيجة تصرف المحكوم عليه كالحالات الواردة في المواد من 380 إلى 388 بشان انتحال الوظائف أو الألقاب أو الأسماء أو استعمالها.
والحالات المنصوص عليها في المواد 575 و 577 بشأن الاعتداء على الملكية الأدبية والفنية.
وقد يحكم بالنشر لمجرد التشهير بالجاني وتشنيع تصرفه كالأحكام الصادرة في موضوع الزيادة الغير القانونية في الأسعار( ).
وقد نص المشرع المغربي على هذه العقوبة في المادة 48 حيث قال: "للمحكمة في الأحوال التي يحددها القانون، أن تأمر بنشر الحكم الصادر عنها بالإدانة كلا أو بعضا، في صحيفة أو عدة صحف تعينها، أو بتعليقه في أماكن تبينها والكل على نفقة المحكوم عليه من غير أن تتعدى صوائر النشر ما قدرته المحكمة لذلك ولا أن تتجاوز مدة التعليق شهرا واحدا"
وبذلك لا يمكن للمحكمة أن تقرر هذه العقوبة إلا إذا قررها القانون ولا يمكن أن تتجاوز شهرا واحدا.
وأخيرا نتساءل هل تكفي العقوبة بشقيها أن تحيط بجميع الجرائم وبالتالي الحد منها أم لابد من وسيلة أخرى لزجرها.


المبحث الثاني: التدابير الوقائية

لقد قسم المشرع المغربي الجزء الجنائي إلى نوعين من الجزاءات العقوبة والتدابير الوقائية حيث نص في الفصل الأول من القانون الجنائي على أنه: "يحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي، ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو بتدابير وقائية"
والهدف من التدابير الوقائية كما هو واضح من اسمها هو الوقاية والحماية من الجرائم فهي كفاح ضد خطر محتمل قد يقع في المستقبل من طرف المجرم، وهي بذلك تختلف عن العقوبة.
وقد نص عليها المشرع المغربي وفصل فيها في ثلاثة وأربعين فصلا وذلك من الفصل 61 إلى غاية الفصل 104.
وللحديث عنها وعن أنواعها (مطلب ثاني) لابد من التمييز بينها وبين العقوبة لمعرفة الفرق بينهما (مطلب أول)


المطلب الأول: تمييز التدابير الوقائية عن العقوبة

كما أشرنا سابقا ( ) تختلف العقوبة عن التدابير الوقائية في كون هذه الأخيرة تهدف إلى دفع الخطورة الإجرامية والتحفظ على الجاني وعلاجه لاتقاء خطورته الإجرامية على أمل منع ما قد يرتكبه من جرائم مستقبلا، بينما العقوبة هدفها هو النيل من المجرمين وإلحاق نوع من الضرر لردعهم.
ولذلك فالعقوبة ينبغي أن تتناسب مع الفعل الإجرامي بينما التدابير الوقائية ينبغي أن تتناسب مع الخطورة الإجرامية وليس الفعل الإجرامي( ).
كما يختلفان من حيث نطاقهما ( ) حيث نطاق التدابير الوقائية جد واسع إذ يمكن أن تطبيقها على القاصرين والمجانين والمختلين عقليا والمرض النفسيين... وعموما على الذين لا يمكن مسائلتهم من الناحية الجنائية لانعدام الركن المعنوي للجريمة لديهم عكس العقوبة حيث لا تطبق إلا على من تتوافر لديهم الأهلية الجنائية.
كما أن التدابير الوقائية حسب بعض الفقه( ) تتطلب مجهودا اكبر من القاضي قصد الحكم بها حيث ينبغي التعرف على جميع العوامل الدافعة للإجرام بهدف الحد منها بتدبير ملائم، عكس العقوبة حيث أن القاضي اعتاد على الحكم بها، ولأن الحكم بها قديم جدا مقارنة مع التدابير الوقائية الحديثة العهد.
وأخيرا لا يمكن الحديث عن العقوبة إلا بعد إدانة المجرم بحكم قضائي نهائي عن فعل إجرامي بينما التدابير الوقائية يمكن الحكم بها حتى قبل مؤاخذة المعني بالأمر وحتى ولو حكم ببرائته ولذلك فهي أداة لاجتناب الجريمة حتى قبل وقوعها.


المطلب الثاني: أنواع التدابير الوقائية

لقد عنون المشرع المغربي الباب الأول في التدابير الوقائية ب: "في مختلف التدابير الوقائية الشخصية والعينية" وتحدث عن التدابير الوقائية الشخصية في افصل 61 وعن التدابير الوقائية العينية في افصل 623 وفصل فيها في الفصول اللاحقة:
ومنه فالمشرع المغربي قسم التدابير الوقائية إلى قسمين: تدابير وقائية شخصية وأخرى عينية، وبذلك سنفصل فيها نحن أيضا في فقرتين:
الفقرة الأولى: التدابير الوقائية الشخصية
وقد حددها المشرع المغربي ( ) في تسع تدابير وهي:
1-الإقصاء
2-الإجبار على الإقامة بمكان معين
3-المنع من الإقامة
4-الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية.
5-الوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج
6-الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية
7-عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو الخدمات العمومية.
8-المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن سواء كان ذلك خاضعا لترخيص إداري أم لا.
9-سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء.
ويمكن دراسة هذه التدابير في نفس الترتيب كالآتي:
أولا: الإقصاء
وقد عرفه الفصل 63 من القانون الجنائي على أنه: إيداع العائدين الذين تتوفر فيهم الشروط المبنية في الفصلين 65 و66، داخل مؤسسة للشغل ذات نظام ملائم لتقويم الانحراف الاجتماعي".
والإقصاء لا تحكم به إلا المحاكم العادية، فلا يجوز أن تحكم به المحاكم الاستثنائية( ).
أما مدته فهي محددة كحد أدنى في خمس سنوات وفي حد أقصى عشر سنوات
والإقصاء قد يكون إلزاميا (1) كما قد يكون اختياريا (2) للمحكمة أن تحكم أو لا تفعل.
1-الإقصاء الإلزامي:
وقد نص عليه المشرع المغربي في الفصلين 65 و67 من القانون الجنائي فهو بذلك يكون إلزاميا في حالتين.
الحالة الأولى( ): إذا صدر الحكم على الجاني بالسجن ثم عاد إلى ارتكاب جناية داخل ظرف عشر سنوات، استوجبت الحكم عليه بالسجن أيضا ولا يدخل في حساب العشر سنوات المدة التي قضاها في السجن تنفيذا للحكم الأول، أي أن العشر سنوات تبتدئ من تاريخ انتهاء تنفيذ العقوبة الأولى إلى تاريخ ارتكاب الجناية الثانية، فإذا عاقبته المحكمة على هذه الجناية الثانية بالسجن فإنه يتعين عليها أن تحكم عليه بالإقصاء كتدبير وقائي إلا أنه إذا كان الجاني رجلا يقل عمره عن 20 سنة أو يزيد عن 60 سنة أو كان امرأة كيف ما كان سنها فإنه يجوز للمحكمة أن لا تحكم بالإقصاء شرط تعليل قرارها.
الحالة الثانية( ): وهي الحالة التي يجب فيها على القاضي أيضا الحكم بالإقصاء وذلك إذا سبق و أن حكم على الجاني بالإقصاء ثم ارتكب داخل عشر سنوات الموالية ليوم الإفراج عنه جناية كيفما كان نوعها أو جنحة من الجنح المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 66 وهي السرقة، النصب، خيانة الأمانة، إخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة، الإخلال العلني بالحياء، تحريض القاصرين على الفساد، استغلال البغاء، الإجهاض، الاتجار في المخدرات.
وبعد ارتكاب إحدى هذه الجرائم ينبغي للمحكمة أن تحكم على الجاني بالإقصاء في حده الأقصى الذي هو عشرات سنوات وذلك كلما حكم عليه بالحبس لمدة تزيد عن سنة.
2-الإقصاء الاختياري:
وهو يجوز في بعض الحالات التي جاءت على سبيل الحصر، حيث تأمر به المحكمة في حق بعض الفئات من المجرمين، وذلك طبقا لما نص عليه الفصل 66 من القانون الجنائي الذي يقضي بإقصاء العائدين الذين صدر عليهم في ظرف عشر سنوات خالصة من مدة العقوبة التي تم تنفيذها فعلا، لأحكام المتعلقة بجرائم ضد الأموال أو بجرائم مخلة بالآداب والأخلاق، وقد جاءت حالات الإقصاء الاختياري في ثلاث صور:
-صدور ثلاثة أحكام أحدها بالسجن من اجل جناية كيفما كانت واثنان إما بالحبس من اجل أفعال تعتبر جنايات أو بالحبس لمدة تفوق ستة أشهر من أجل الجرائم المحددة في اافصل 66 من القانون الجنائي والسابق ذكرها.
-صدور أربعة أحكام بالحبس من اجل أفعال تعتبر جنايات أو أربعة أحكام كل منها بالحبس لمدة تزيد على ستة أشهر عن الجنح المنصوص عليها في الرقم 1 من الفصل 66.
-صدور سبعة أحكام يكون اثنان منها على الأقل من نوع الأحكام المنصوص عليها في الفقرتين الأخيرتين من الفصل 66 من القانون الجنائي.
فللقاضي في هذه الحالات فقط سلطته التقديرية في الحكم بالإقصاء من عدمه بدليل "يمكن" الواردة في الفصل 66 من القانون الجنائي.
وفي غير تلك الحالات الإقصاء الاختياري والإقصاء الإلزامي، لا يجوز للقاضي الحكم بمثل هذا التدبير.
ثانيا: الإجبار على الإقامة بمكان معين
الإجبار على الإقامة بمكان معين تدبير احتياطي أراد المشرع بتوقيعه حماية الدولة من مرتكبي الجرائم التي تمس بها، واللذين يتبين من الظروف أن النشاط الاعتيادي لهم فيه خطر على النظام الاجتماعي، حيث يخشى عودتهم إلى ارتكاب جرائم عليها من جديد.
وقد نص عليه المشرع المغربي في الفصل 70 من القانون الجنائي إذ يجوز للمحكمة أن تلجأ إليه ضد المحكوم عليه إذا تبين لها من الأحداث أنه متابع بإحدى الجـرائم المتعلقة بالمس بسلامة الدولة وأن له نشاطا عاديا يمثل خطرا على النظام الاجتماعي وتكون مدة الإجبار على الإقامة بمكان معين محددة في اجل لا يمكن أن يتجاوز خمس سنوات، أما بداية هذا التدبير الوقائي فلا تتم إلا عند انتهاء المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة الأصلية.
وتجدر الإشارة إلى أن المحكوم عليه بالإجبار على الإقامة بمكان معين لا يجوز له الابتعاد عن هذا المكان الذي تحدده له المحكمة، أو الخروج عن دائرته إلا برخصة تمنح له من طرف الإدارة العامة للأمن الوطني التي تكون مسؤولة عن مراقبة هذا التدبير الوقائي، وفي حالة عدم احترام المحكوم عليه هذه الواجب يعرض نفسه لعقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
والإجبار على الإقامة كتدبير وقائي يختلف بكل تلك الأحكام عن الإقامة الإجبارية كعقوبة أصلية ( ).
ثالثا: المنع من الإقامة
وهو كما عرفته المادة 71 من القانون الجنائي منع المحكوم عليه من أن يحل بأماكن معينة، ولمدة محددة إذا اعتبرت المحكمة نظرا لطبيعة الفعل المرتكب أو لشخصية فاعله، أو لظروف أخرى أن إقامة المحكوم عليه بالأماكن المشار إليها يكون خطرا على النظام العام أو على أمن الأشخاص.
وللقاضي السلطة التقديرية في الحكم بالمنع من الإقامة في حال إصدار عقوبة من أجل فعل يعد القانون جناية.
أما في حالة إصدار عقوبة بالحبس من أجل جنحة فلا يجوز الحكم بالمنع من الإقامة إلا إذا كان مقررا في النص الذي يعاقب على تلك الجنحة ( )، ومدته في هذه الحالة( ) –الجنح- ما بين سنتين إلى عشر سنوات.
أما في الجنايات فمدة المنع من الإقامة يمكن الحكم بها لمدة محددة بين خمس سنوات وعشرين سنة.
ولا تبدأ مدة هذا المنع ومفعوله إلا من يوم سراح المحكوم عليه وبعد تبليغه قرار المنع.
وخلال هذه المدة –مدة المنع من الإقامة- يبقى المحكوم عليه خاضعا لرقابة الإدارة العامة للأمن الوطني التي تستطيع منحه رخصا مؤقتة بالإقامة في الأماكن الممنوعة عليه، وإذا لم يحترم المحكوم عليه هذا التدبير الوقائي فإنه سيعرض نفسه للعقوبة التي ينص عليها الفصل 319 من القانون الجنائي وهي الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.

رابعا: الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية( )
مضمون هذا التدبير هو أن يتم وضع شخص داخل مؤسسة مختصة بعلاج الأمراض العقلية بناءا على حكم قضائي في الحالات التالية:
حالة وجود خلل عقلي لدى الفاعل: وهو ما نص عليه الفصل 76 حيث إذا تبين لمحكمة الموضوع بعد إجراء خبرة طبية أن الشخص المتابع أمامها بجناية أو جنحة كان عديم المسؤولية تماما وقت ارتكاب الفعل بسبب اختلال عقلي فإنه يجب عليها:
-أن تثبت أن المتهم كان وقت الفعل، في حالة خلل عقلي يمنعه تماما من الإدراك أو التمييز
-أن تصرح بانعدام مسؤوليته مطلقا وتحكم بإعفائه
-أن تأمر في حالة استمرار الخلل العقلي، بإيداعه في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية.
ويبقى الأمر بالاعتقال ساريا على المتهم إلى أن يودع فعلا في تلك المؤسسة.
 حالة وجود ضعف القوة العقلية لدى الفاعل: وهو ما نص الفصل 78، وهكذا إذا قررت محكمة الموضوع بعد الخبرة الطبية، أن مرتكب جناية أو جنحة، رغم كونه قادرا على الدفاع عن نفسه في الدعوى إلا أنه كان مصابا وقت الأفعال المنسوبة إليه بضعف في قواه العقلية يترتب عليه نقص مسؤوليته فإنه يجب عليها:
-أن تثبت أن الأفعال المتابع من اجلها المتهم منسوبة إليه.
-أن تصرح بان مسؤوليته ناقصة بسبب ضعف في قواه العقلية وقت ارتكاب الفعل.
-أن تصدر الحكم بالعقوبة
-أن تأمر إذا اقتضى الأمر ذلك، بإدخال المحكوم عليه في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، قبل تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، ومدة بقائه في هذه المؤسسة تخصم من مدة العقوبة وينتهي إيداعه في المؤسسة وفق الشروط المقررة في الفقرة الأخيرة من الفصل 77.
 حالة حدوث الخلل العقلي بعد ارتكاب الجريمة: طبقا للفصل 79 من القانون الجنائي إذا قررت المحكمة بعد إجراء الخبرة الطبية أن الشخص المتابع لديها بجناية أو جنحة كامل المسؤولية أو ناقص المسؤولية بالنسبة للوقائع المنسوبة إليه، ولكنه أصبح غير قادر على الدفاع عن نفسه في الدعوى بسبب خلل في قواه العقلية طرأ عليه أو اشتد أثره بعد ارتكاب الفعل، فإنه يجب عليها أن تقرر بأن المتهم عاجز عن إبداء دفاعه بسبب خلل في قواه العقلية وأن تأمر بوقف النظر في الدعوى، وذلك لضرورة إدخاله في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية ويبقى المتهم خاضعا للعلاج إلى أن يصدر الطبيب قراره بشفاء المتهم من خلله العقلي.
وفي هذه الحالة يجب إخبار النيابة العامة بهذا القرار عشرة أيام على الأقل قبل تنفيذ أمر الخروج من المؤسسة العلاجية وفي حالة صدور حكم على المتهم بعقوبة سالبة للحرية فإن المدة التي قضاها بالمؤسسة تخصم من مدة تلك العقوبة.
خامسا : الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج
عرف المشرع المغربي هذا التدبير الوقائي في الفصل 80 من القانون الجنائي حيث قال: "الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج هو أن يجعل تحت المراقبة بمؤسسة ملائمة، وبمقتضى حكم صادر عن قضاة الحكم- شخص ارتكب أو ساهم أو شارك في جناية أو جنحة تأديبية أو ضبطية، وكان مصابا بتسمم مزمن ترتب عن تعاطي الكحول أو المخدرات إذا ظهر أن لإجرامه صلة بذلك التسمم".
ومن خلال هذه المادة نلاحظ أن المشرع استهدف وقاية المجتمع من خطورة بعض المجرمين المتعاطين للمواد الكحولية أو المخدرات بمختلف أنواعها، والذين غالبا ما يرتكبون جرائم تكون لها علاقة بتعاطي هذه المواد التي تفقدهم الإدراك من جهة، ومن جهة أخرى فإن المشرع أراد بهذا التدبير إصلاح هؤلاء المجرمين أنفسهم بعلاجهم في مؤسسة مختصة بذلك حتى يقلعوا عن تناول المواد التي اعتادوا تعاطيها لحد أن أصيبوا بتسمم مزمن بسبب الإدمان.
ويلزم على المحكمة في هذه الحالة أن تصرح أن افعل المتابع من أجله صادر عن المتهم، و أن تثبت صراحة أن إجرام مرتكب الفعل مرتبط بتسمم مزمن مترتب عن تعاطي الكحول أو المخدرات، بعد كل هذا تقوم المحكمة بإصدار حكمها بالإضافة إلى الأمر بوضع المحكوم عليه في مؤسسة للعلاج لمدة لا تزيد على سنتين، وتستطيع المحكمة تحديد الأسبقية في التنفيذ التي قد تعطي للتدبير الوقائي ( ).
ويلغى الوضع القضائي في مؤسسة للعلاج كلما توفرت الأسباب الداعية إلى إلغائه، وذلك بناء على قرار الطبيب المعالج الذي يجب أن يبلغ إلى علم النيابة العامة داخل عشرة أيام على صدوره، وتستطيع النيابة العامة الطعن في قرار الطبيب كلما رأت سببا داعيا لذلك( ).
سادسا: الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية
وهو تدبير وقائي عرفه المشرع في الفصل 83 بأنه إلزام المحكوم عليه من اجل جناية أو جنحة عقابها الحبس بان يقيم في مركز مختص يكلف فيه بإنجاز أشغال فلاحية، وذلك إذا ظهر أن إجرامه مرتبط بتعوده على البطالة أو تبين انه يتعيش عادة من أعمال غير مشروعة وقد حدد المشرع في افصل 84 شروطا يتعين على المحكمة تطبيقهم للحكم بهذا التدابير الوقائية وهي:
-أن تصرح أن الفعل المتابع من اجله صادر عن المتهم.
-أن تقرر صراحة أن هذا الفعل مرتبط بما اعتاده المحكوم عليه من البطالة أو أن المحكوم عليه يتعيش عادة من أعمال غير مشروعة.
-أن تحكم بالعقوبة.
-أن تأمر علاوة على ذلك بالوضع القضائي في مؤسسة فلاحية لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز سنتين.
ويبدأ تنفيذ الإقامة في المؤسسة الفلاحية بمجرد انتهاء العقوبة ويمكن وضع حد لهذا التدبير وإلغاؤه كلما ثبت تحسن سلوك المحكوم عليه وصلاح حاله حيث يصدر قرار الإلغاء من طرف المحكمة بناء على اقتراح مدير المؤسسة الفلاحية.
سابعا: عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو الخدمات العمومية
نظم المشرع الجنائي المغربي أحكام هذا التدبير في الفصل 86 من القانون الجنائي و الذي على ضوئه يتبين أن هذا التدبير لا يصدر إلا عن المحكمة وهو يكون إما إلزاميا أو اختياريا:
فيكون إلزاميا على المحكمة التصريح به على المحكوم عليه وبالتالي عدم أهليته لمزاولة جميع الوظائف والخدمات العمومية في الحالات التي ينص القانون صراحة على ذلك ومن تلك الحالات نذكر الفصل 232 من القانون الجنائي حيث يعاقب بالحبس والغرامة وبالحرمان من تولي جميع الوظائف العامة كل موظف عمومي أو أحد أعوان الحكومة أو المستخدمين في إدارة البريد أو وكلائها يفتح أو يختلس أو يبدد رسائل عهد بها إلى مصلحة البريد، أو يسهل فتحها أو اختلاسها أو تبديدها.
ويكون اختياريا حيث كون للمحكمة الحكم به من عدمه، وذلك باعتماد السلطة التقديرية للقاضي ويتضح ذلك في المادة 86 الفقرة الثانية حيث تقول: "يجوز الحكم بهذا التدبير في غير الأحوال المشار إليها، عندما تلاحظ المحكمة وتصرح بمقتضى نص خاص بالحكم أن الجريمة المرتكبة لها علاقة مباشرة بمزاولة الوظيفة أو الخدمة وأنها تكشف عن وجود فساد في خلق مرتكبها لا يتلاءم ومزاولة الوظيفة أو الخدمة على الوجه المرضي.
وسواء كان هذا التدبير إلزاميا أو اختياريا فإن مدته لا يمكن أن تفوق عشر سنوات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ويبدأ سريان هذا التدبير انطلاقا من اليوم الذي ينتهي فيه المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة.
ثامنا: المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن
طبقا للفصل 87 من القانون الجنائي يتعين الحكم بالمنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن في حق المحكوم عليهم ( ) من أجل جناية أو جنحة عندما يتبين للمحكمة أن الجريمة المرتكبة لها علاقة مباشرة بمزاولة المهنة أو النشاط أو الفن وأنه توجد قرائن قوية يخشى معها أن يصبح المحكوم عليه، إن هو تمادى على مزاولة ذلك خطرا على أمن الناس أو صحتهم أو أخلاقهم أو على مدخراتهم.
ويحكم بهذا المنع لمدة لا يمكن أن تفوق عشر سنوات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وتحسب هذه المدة من اليوم الذي ينتهي فيه المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة الأصلية، وينص المشرع بصفة خاصة، على أن هذا التدبير يمكن إعطاء الأمر بتنفيذه مؤقتا على الرغم من استعمال أية طريقة من طرق الطعن عادية كانت أو غير عادية.
تاسعا: سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء
وهو آخر تدبير وقائي شخصي نص عليه المشرع المغربي في الفصل 88 من القانون الجنائي حيث يحكم بسقوط الولاية الشرعية على الأولاد عندما تصدر المحكمة حكما من أجل جناية أو جنحة معاقب عليها قانونا بالحبس ارتكبها أحد الأصول على شخص أحد أطفاله القاصرين إذا ثبت لها أن السلوك العادي للمحكوم عليه يعرض أولاده القاصرين لخطر بدني أو خلقي.
وهذا السقوط يمكن أن يشمل جميع حقوق الولاية أو بعضها كما يسوغ أن يكون مقصورا على بعض الأولاد أو على واحد منهم فقط كما يجوز إعطاء الأمر بتنفيذه مؤقتا على الرغم من استعمال أية طريقة من طرق الطعن عادية أو غير عادية.
ومهما كانت قساوة هذا التدبير فإنه مبرر لأن القانون عندما أقر سلطة للآباء على أبنائهم، فإنه كان مدفوعا في ذلك بمصلحة الأبناء من جهة ومن جهة أخرى اعتمد على ما هو معروف عن الأبوة من الحنان والشفقة والمحبة، والتفاني في رعاية والدفاع عن فلذات الأكباد، وتنشأتهم تنشئة أخلاقية فاضلة، فلذلك فإن هو اخطأ الافتراض وكان الأب على غير ما يكون عادة فلا بأس من نزع الولاية عنه وحماية أبنائه من خطره وشروره( ).

الفقرة الثانية: التدابير الوقائية العينية
لقد قسم المشرع المغربي التدابير الوقائية فهي تكون شخصيته( ) –كما سبق ذكره- أو تكون عينية( ).
وتكون عينية عندما تنصب على مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها أو عندما تنصب على إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة وسنتطرق لهذين النوعين كالآتي:
أولا: المصادرة
لقد مر معنا عند دراسة العقوبة أن المصادرة تكون عقوبة إضافية، ولقد اعتبرها المشرع أيضا تدبيرا وقائيا، إلا أنها تختلف عن المصادرة كعقوبة إضافية في عدة أحكام:
فالمصادرة كتدبير تقع على ذات الشيء الذي يعتبر صنعه أو استعماله أو حمله أو حيازته أو بيعه جريمة معاقب عليها، كالمقابل في الرشوة، وحيازة المخدرات أو حيازة سلاح بدون رخصة، أو المطبوعات والأشرطة المخلة بالأخلاق، حيث يكون الهدف من المصادرة هنا هو وقاية المجتمع من الأضرار التي يمكن أن تنجم عن تداول المضبوط ولذلك كان الحكم بالمصادرة العينية، كتدبير وقائي، من طرف المحكمة وجوبيا دوما، في حين أن المصادرة كعقوبة إضافية –ولو كانت عينية- فهي جوازية إذ للمحكمة أن تحكم بها أو لا تحكم( ).
كما تختلف المصادرة العينية باعتبارها تدبير وقائي عن تلك المعتبرة عقوبة إضافية حيث الأولى تصدر ولو لم يحكم ضد المتهم بالإدانة- كما لو كان المجرم مجهولا أو كأن تكون المتابعة غير ممكنة كحالة الصبي أو المختل عقليا أو وفاة المتهم- ولو كانت الأشياء محل المصادرة مملوكة للغير( ) عكس الثانية –المصادرة كعقوبة إضافية- حيث لا تكون إلا بعد إدانة المتهم وقد ألزم المشرع المحكمة عند الحكم بها مراعاة حقوق الغير والحفاظ عليها( ).
ثانيا: إغلاق المحل أو المؤسسة التي استعملت في ارتكاب الجريمة
وهو إجراء عيني كالمصادرة ، تعرض له المشرع المغربي في الفصل 90 من القانون الجنائي وهو ينصب على المحلات التجارية أو الصناعية التي تستعمل لارتكاب الجرائم إما بسبب إساءة المكلفين بها استغلال الإذن أو الرخصة المحصل عليها وإما بسبب عدم مراعاة النظم الإدارية المنظمة لممارسة التجارة والصناعة.
وينتج عن الحكم بإغلاق المحل التجاري أو الصناعي أو أية مؤسسة أخرى –في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك- منع المحكوم عليه من مزاولة نفس المهنة أو النشاط بذلك المحل.
وهذا المنع لا ينحصر فقط على صاحب المحل بل يمتد كذلك إلى أفراد أسرته أو إلى غيره ممن يكون قد باع له المحل أو كراه أو سلمه إليه.
ويسري المنع كذلك في حق الشخص المعنوي أو الهيئة التي كان ينتمي إليها المحكوم عليه أو كان يعمل لحسابها وقت ارتكاب الجريمة.
وإغلاق المحل يمكن أن يكون نهائيا أو مؤقتا، إذ يكون مؤقتا بين عشرة أيام كحد أدنى وستة أشهر كحد أقصى ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
وفي ختام دراستنا للعقوبة والتدابير الوقائية نشير أنه تنفذ على المحكوم عليه العقوبات الصادرة ضده بتمامها وكذلك التدابير الوقائية إلا إذا طرأ سبب من أسباب الانقضاء أو الإعفاء أو الإيقاف وهذه الأسباب في العقوبة هي ما نص عليه الفصل 49 من القانون الجنائي وهي: موت المحكوم عليه، العفو الشامل، إلغاء القانون الجنائي المحكوم بمقتضاه، العفو، التقادم، إيقاف تنفيذ العقوبة، الإفراج الشرطي، الصلح إذا أجازه القانون بنص صريح.
وقد أورد المشرع تلك الأحكام في الباب الثالث من الجزء الأول في الفصول من 49 إلى 60 من القانون الجنائي.
أما بخصوص التدابير الوقائية فهي مثلها مثل العقوبة تنقضي إما بتنفيذها أو بالأسباب الواردة في الفصل 93 من القانون الجنائي وهي نفسها في الفصل 49 إلا أن المشرع عوض إيقاف تنفيذ العقوبة بسبب آخر هو إعادة الاعتبار وقد أورد المشرع أحكام انقضاء التدابير الوقائية أو الإعفاء منها أو إيقافها في الفصول من 93 إلى 104 ( ).


المبحث الثالث: العقوبات البديلة

عرفت العقوبات الحبسية معارضة دائمة من طرف الفلاسفة والمفكرين منذ القدم، ولا سيما منذ القرن السابع عشر حيث تكاثرت التنديدات والانتقادات الموجهة لها نظرا لما يشوبها من مساوئ، منها أن العقوبة الحبسية هي نفسها عقوبة جسدية وتبنيها وتعميمها لا يشكل فيالحقيقة تطورا ملحوظا في رد فعل المجتمع على الفعل الجرمي، وأنها تشكل وصمة عار على جبين المحكوم عليه، بل أنها لا تمس الجاني فحسب بل تتعداه بآثارها السلبية على عائلات المسجونين. إلى جانب أنها ليست مناسبة للقيام بالدور الإصلاحي والتأهيلي المنشود ( ).
وقد كان لهذه الانتقادات بعض الأثر على السياسة الجنائية لعدد كبير من الدول، حيث ظهر بعد الحرب العالمية الثانية عدد من الإصلاحات الجزئية التي استهدفت المجرمين الأحداث وظهرت بعض بدائل العقوبات الحبسية كإيقاف التنفيذ والوضع تحت الاختبار، كما أخذت بعض التشريعات الجنائية بأنظمة ترمي إلى تقليل مدة الحبس.
إلا أنه سرعان ما تبين أن هذه الإصلاحات غير كافية للتقليص من مساوئ العقوبات الحبسية والحد من الأزمة السجنية المتمثلة في تجاوز الطاقة الاستيعابية للسجون، والمشاكل الإجرامية والاجتماعية المترتبة عنها خلال السبعينات وخاصة في الغرب( ).
كل هذا دفع بمختلف النظم الجنائية إلى التفكير في إيجاد بدائل للعقوبات الحبسية القصيرة المدة، فكان أن ظهرت مجموعة من البدائل التي يمكن التمييز في إطارها بين البدائل الجنائية، والتي سنتولى دراستها في (المطلب الأول)، والبدائل غير الجنائية التي خصصنا لها (المطلب الثاني).


المطلب الأول: البدائل الجنائية للعقوبات الحبسية قصيرة المدة

إن عملية إعادة تأهيل الجانح من أجل الإدماج تحتاج مساحة زمنية شاسعة، وهذا مطلب لا تكفله العقوبة الحبسية القصيرة المدة، لهذا تم التفكير في تعويضها ببدائل تدخل في إطار القانون الجنائي وهي إما بدائل مالية (فقرة أولى) أو بدائل غير مالية (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: البدائل المالية
يرى بعض الباحثين بان هذا الصنف من البدائل قد أكد فعاليته في تحصين الأشخاص من الآثار المترتبة عن ولوج السجن، وعليه فقد تبنتها العديد من التشريعات الحـديثة كعقوبة أصلية إلى جـانب الجزاء الحبسي أو كبـديل له إذا كانت الخطورة الإجرامية للجاني غير بالغة من الحدة درجة تقتضي إيداعه السجن.
و البدائل المالية نوعان: بدائل أو غرامات مالية تقليدية تعتبر من الأصناف العقابية العريقة، وغرامات مالية يومية.
1-الغرامات التقليدية
ينحدر أصل عقوبة الغرامة من نظام الدية الذي كان معمولا به في الشرائع الوضعية القديمة وكذلك في الشرائع السماوية.
أما التشريعات الحديثة فقد أخذت بدورها بهذا النوع من العقوبة وميزت في إطارها بين الغرامة العادية والغرامة النسبية.
والغرامة العادية هي تلك التي يكون مقدارها محددا ومعروفا في حديه الأقصى والأدنى بنص قانوني، أما الغرامة النسبية فهي التي لا يكون مقدارها محددا، وإنما يبقى ذلك من اختصاص القضاء على أساس الفائدة التي حققها الجاني من الجريمة أو أراد تحقيقها، لذلك فإن هذا النوع من الغرامات يحتكم دائما لظروف وملابسات كل قضية ، أي حسب ما تنتجه من أضرار وما تحققه من فوائد ( ).
ويرى معظم الباحثين أن للغرامة المالية دورا هاما في تخليص نوع من المذنبين الذين وجدوا في السجن دون أن تكون لديهم ميولات إجرامية، كالمجرم بالصدفة، من الآثار السلبية للسجن، كما أنها تجنب المجرم الوصمة الناتجة عن دخوله السجن، هذا إلى جانب الدور الوقائي الفردي والجماعي الذي تقـوم به من خلال إبعاد الجناة عن ارتكاب الجرائم التي يعلمون بأنها ستكلفهم من الناحية المالية. كما أن هذا النوع من الجزاءات قد يدر على خزينة الدولة عوائد مالية هامة، بدل أن يستنزف منها بسبب ما تتطلبه الإقامة بالسجن من نفقات.
غير أنه بالـرغم من مزايا هـذا الإجراء فإن له عيـوبا تتلخص في كون الغرامات لا تكرس مبدأ المساواة في تطبيق السياسة الجنائية، بحيث لا يستطيع أن ينجو من قضبان السجن إلا الشخص القادر ماديا على دفع مبلغ الغرامة، أما المعسر فيتعرض للعقوبة الحبسية بالنظر لعدم قدرته على الأداء( ).
وقد دفعت هذه الجوانب السلبية التي تتسم بها الجزاءات المالية التقليدية إلى ابتكار صورة جزائية مالية اكثر إيجابية من حيث مسطرة تقدير الغرامة وكيفية تنفيذها، مع الأخذ بأحوال الجاني الاجتماعية والاقتصادية وهذا ما يسمى بالغرامة اليومية.
2-الغرامة اليومية:
وهي نظام قانوني يقوم على أساس إعطاء القاضي إمكانية الحكم أولا على المتهم بمدة معينة من الحبس، ثم بعد ذلك يتم تقييم هذه المدة ماليا وتحويلها إلى غرامة. وقد تم تبني هذا البديل المالي في فنلندا سنة 1921، حيث كانت الغرامة المالية تحسب بناءا على سقف الدخل اليومي، وتبعتها في هذا الاتجاه السويد سنة 1931، والدانمارك سنة 1939.
وقد كان لها النظام انعكاسات إيجابية على المجتمع والأفراد، منها ترسيخ مبدأ المساواة الفعلية بين المواطنين كما أنه دفع بعض التشريعات إلى التخلي عن عقوبة الحبس القصيرة المدة، خاصة المشرع الألماني لسنة 1975 الذي أعدم العقوبة الحبسية لأقل من شهر باستثناء الجرائم العسكرية، كما أعطى للقاضي الحق بإصدار حكم غير نافذ بالغرامة إذا كان عدد الأيام الذي يناسب درجة الخطورة الاجتماعية للفعل الجرمي لا يتعدى 180 يوما( ).
أما نظام العقوبات في فرنسا فلم يأخذ بهذا التوجه إلا في 2 فبراير 1981 حيث عمل المشرع الفرنسي على ربط الحكم بهذا البديل بشروط معينة، منها ألا يتجاوز عدد أيام الغرامة 360 يوما وألا يتجاوز مبلغ كل يوم 200 فرنك فرنسي. هذا وقد أجاز المشرع الفرنسي إمكانية الدفع بالتقسيط، إلى جانب تقريره أن يكون الدفع واجب الأداء عند الانتهاء الأيام المساوية لأيام الغرامة المقضي بها.
لكن بالرغم من الإيجابيات التي ميزت هذا النوع من البدائل فإنه لا يخلو من سلبيات تجلت في الحكم بالحبس لمدة تساوي نصف مدة أيام الغرامة بالنسبة لغير القادر على تسديد الغرامة عند حلول استخلاصها، وهذا يهدد بالسقوط مرة أخرى في شرك الحبس القصير المدة الذي ثبت عدم جدواه( ).
ولتجاوز هذه العيوب، أنتج المشرع الجنائي المعاصر بعدد من الدول بدائل جزائية غير حبسية ولا مالية، ومكن القاضي الجنائي من اعتمادها حسب ظروف وملابسات كل نازلة.
الفقر الثانية: البدائل غير المالية
يمكن التمييز، في إطار هذا النوع من البدائل، بين البدائل الرامية إلى تغيير طريقة تنفيذ العقوبة و البدائل التي تستبعد الحبس كجزاء سالب للحرية.
1-البدائل التي ترمي إلى تغيير طريقة تنفيذ العقوبة الحبسية القصيرة المدة:
يتم إعمال هذا الصنف من البدائل إما عن طريق إشراف عام أو مراقبة مباشرة كالاختبار القضائي والمراقبة الالكترونية، أو بمعزل تام عن أي تدخل يراقب حرية المعني بالأمر كمؤسسة وقف التنفيذ.
يعتبر الاختبار القضائي من التدابير التي تنفذ تحت المراقبة، وذلك تبعا لعدة أساليب. فإما أن يتم الوضع تحت الاختبار قبل صدور الحكم بالإدا، حيث يقرر القاضي تعليق النطق بالإدانة عبر إيقاف سير الدعوى لفترة يحددها ويقرر خلالها إيداع الجاني تحت رعاية نظام الاختبار القضائي، بحيث يفرض عليه الالتزام بعدد من القـواعد تحت إشراف ورقابة هيئـة ذات تخصصات اجتماعية وتـربوية وإصلاحية. فإذا أمضى الاختبار دون إخلال بالتزاماته يتم وضع حد للمتابعة وتسقط الدعوى العمومية تماما، أما إذا أخل بتلك الالتزامات فإن المحكمة تقرر استمرار الدعوى وتقضي بالإدانة الجزائية المناسبة، إلا أن هذا الأسلوب يؤاخذ عليه أنه يمس بمبدأ الشرعية، حيث أنه يفرض التزامات على متهم لم تثبت إدانته بعد( ).
أما أسلوب الوضع تحت الاختبار القضائي بعد صدور حكم بالإدانة فإنه يقتضي النطق بالعقوبة مع إيقاف تنفيذها. وبهذا يخضع الجاني لمقتضيات وضوابط الاختبار القضائي طيلة فترة إيقاف التنفيذ، وعند خرق ضوابط الاختبار تطبق عليه وبشكل تلقائي العقوبة التي صدرت في حقه.
أما النطق بالعقوبة فإنه لا يتم إلا بعد مرور فترة زمنية محددة لا تتعدى سنة يطلب خلالها من المتهم أن يراعي بعض الشروط وأن يمتمثل لبعض الأوامر، وألا يقترف فعلا أو امتناعا إجراميا آخر، فإن استجاب لذلك أصبح بعد انتهاء المدة المحددة بريئا من كل متابعة، أما إذا أخل بشرط ما فإن للمحكمة كامل الصلاحية في متابعته( ).
أما التقييد الالكتروني، وهو نتاج التشريع السويدي لسنة 1994، فيتم بموجبه وضع المدان تحت المراقبة الالكترونية بواسطة حلقة أو سوار إلكتروني يتم تثبيته حول الجزء الأسفل من ساق المحكوم عليه، كما ينصب داخل مسكنه جهاز إرسال إلكتروني يبلغ ارتفاعه 50 سنتمترا، يرسل إشارات إلى جهاز المراقبة كلما تجاوز المدان الدائرة المحددة من طرف قاضي تنفيذ العقوبات وهو ما يضمن رقابة مجتمعية شاملة لتصرفات الشخص المدان. ويلجأ لهذا البديل لما تكون العقوبة تساوي أو تقل عن سنة واحدة حبسا، أو عندما تكون العقوبة المتبقية سنة واحدة على الأكثر، أو كشرط قبلي للاستفادة من الإفراج الشرطي، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يتجاوز الوضع تحت المراقبة سنة واحدة. ويلتزم المدان الذي وضع تحت المراقبة الالكترونية بعدم التغييب عن منـزله، أو عن المنطقة المحـددة له من طرف القاضي باستثناء الأوقات التي يشتغل فيها أو يتابع فيها تكوينا ما( ).
أما نظام إيقاف التنفيذ فيعتبر من أنظمة التقرير المعمول بها في السياسات الجنائية التقليدية، ويقصد به تعليق تنفيذ العقوبة على شرط واقف يحدد خلال مدة يحددها القانون. ويتوخى هذا النظام تجنيب المذنب قضاء عقوبته داخل السجن والآثار السلبية الناتجة عنه والتي تعوق السجين بعد خروجه من المؤسسة العقابية عن الاندماج في الحياة والمجتمع، وتتخذ مؤسسة إيقاف تنفيذ العقوبة صورتان، صورة لاتينية وصورة جرمانية.
فالصورة اللاتينية ترى أنه إذا مضت الفترة المحكوم بها دون أن يطرأ خلالها ما يدعو إلى إلغاء إيقاف تنفيذ العقوبة اعتبر الحكم كأنه لم يكن، وبهذا يكون وضع المحكوم عليه موضع الذي حصل على اعتباره، فيرفع الحكم من صحيفة سوابقه، كما أنه لا يعتبر عائدا إذا ارتكب جريمته بعد انتهاء المدة العقابية الموقوفة التنفيذ وهذا الاتجاه هو المعمول به في التشريعات الفرنسية والمغربية ( ) وكذا المصرية.
أما الصورة الجرمانية فتعتبر أن العقوبة قد نفذت متى انقضت فترة التجربة دون إلغاء الإيقاف، لكن حكم الإدانة يبقى قائما بكل ما يترتب عن ذلك من آثار سلب الاعتبار، واحتساب الجريمة المعاقب عليها بهذه العقوبة من ضمن السوابق المعتد بها كحالة العود. ويأخذ بهذا الاتجاه التشريع الألماني( ).
هذه إذن هي بعض صور البدائل التي تستهدف تغيير طريقة تنفيذ العقوبة الحبسية، إلا أنه وكما يبدو ليست كافية وحدها كبدائل إيجابية للعقوبات الحبسية القصيرة المدة الأمر الذي دفع إلى ابتداع بدائل أخرى لا علاقة لها بسلب الحرية.
2-البدائل التي تستبعد الحبس كجزاء سالب للحرية:
تعتبر البدائل الغير احتجازية، كجزاء تحمل مضامين تربوية تتجاوز الحبس وتخفف من أعباء الخزينة وتتيح فرصا جديدة بمشاركة المجتمع في الكفاح ضد الجريمة بشكل إيجابي، من أهم الإبداعات التي يتميز بها علم العقاب كتخصص يتبع منهجية التحليل والتدخل المتعددة الأبعاد انطلاقا من الأنساق الدولية والوطنية لمكافحة الجريمة في سياق التنمية( ).
ومن أهم مميزات هذا النوع من البدائل أنها تمكن القاضي الجنائي من توسع نطاق اختياراته، فقد يحكم بالحرمان من بعض الحقوق السياسية أو المدنية أو الحكم بإلزام الجانح ببعض الواجبات لفائدة المصلحة العامة.
يعتبر الحكم بالحرمان من ممارسة بعض الأعمال المهنية أو بعض الحقوق المدنية أو السياسية أو الحرمان من بعض الرخص أو الوثائق الإدارية، نوعا جديدا من الجزاء لمعالجة نوع من الجرائم. وقد ظهرت هذه التدابير في البداية داخل السياسات الجنائية الفردية كعقوبات تكميلية وإضافية إلى جانب العقوبات الأصلية، إلا أن السياسات الجنائية المعاصرة قد جعلت منها عقوبات أصلية رئيسية يقررها القاضي تفاديا لسلب الحرية.
وقد أخذت التشريعات الأوربية بهذا التوجه منذ عقود، أما المشرع الفرنسي فلم يأخذ بها إلا في العقد الأخير بموجب قانون 11 يوليوز 1975 الذي جاء فيه أنه بإمكان القاضي الجنائي أن يحكم كبديل للعقوبة الحبسية، إما بمصادرة الأشياء المستعملة في الجرائم لفائدة الدولة عوض النطق بالعقوبة الحبسية أو بإغلاق المحلات التجارية أو بحجز رخص السياقة لمدة خمس سنوات، أو بالمنع من سياقة بعض السيارات، وإما بحجز سيارة أو اكثر أو سحب رخصة السياقة( ).
وتجدر الإشارة إلى أن هذه البدائل لا ترتبط بنوع الجنحة المرتكبة أو الآثار المترتبة عنها، بل يمكن للقاضي الحكم بها بغض النظر عن ارتباطها من عدمه بالفعل المرتكب. إلا أن هذا قد ساهم بشكل كبير في ضعف مردودية هذه البدائل مما دفع إلى صياغة بدائل جزائية أخرى.
ويعتبر العمل لفائدة المصلحة العامة أنجع هذه البدائل، ويقصد به الحكم على الجاني الذي تجاوز سنه سبعة عشر سنة، عندما يرتكب جنحة تستحق عقوبة حبسية، بالقيام بعمل لفائدة المجتمع. وخاصية هذا البديل تكمن في أن الحكم به يتوقف على قبول الجاني والتزامه بقضاء أوقات فراغه في عمله لفائدة المصلحة العامة بالمجان وخلال مدة يحددها القاضي وتتراوح بين أربعين ومائتين وأربعين ساعة عمل.
وميزة هذه العقوبة تتجلى في كونها إصلاحية تهذيبية بالدرجة الأولى بحيث تساعد على إدماج الجاني في المجتمع والوقاية من القطيعة التي تتولد عن العقوبة الحبسية( ).
إذا كانت هذه البدائل الجنائية قد برهنت على نجاعتها وفعاليتها في تجاوز سلبيات العقوبات الحبسية قصيرة المدة فإنه يمكن مع ذلك تجاوز الإطار الذي رسمه لها القانون الجنائي والبحث عن بدائل أخرى توفرها أنظمة خارج النظام الجنائي.


المطلب الثاني: البدائل غير الجنائية للعقوبات الحبسية قصيرة المدة

إلى جانب البدائل المشار إليها سالفا، هناك آليات أخرى أوجدها البحث العلمي المتخصص في المجالات الجزائية، ومفادها الدعوة إلى العودة إلى القانون الجزائي الخاص ورصد كل جريمة ينظمها والبث في آثارها وجدواها مما يمكن من انتزاع الصفة الجرمية عن العديد من الأفعال والامتناعات، خاصة تلك المعاقب عليها بعقوبات حبسية قصيرة المدة( ).
وإزاحة الصفة الجرمية عن فعل قد يعني أن الدولة والمجتمع سوف يتحملان المساوئ الطفيفة الناجمة عن هذا الفعل، و في هذه الحالة لا حاجة لاقتراح بديل للعقوبات. لكن إذا ظهر أن القيمة المعتدى عليها لا تستحق الحماية الجنائية ولكن مع ذلك لا يمكن قبول التطاول عليها، فإن للمشرع في هذه الحالة أن يزيل الطابع الإجرامي عن الفعل وأن يعتمد إما قوانين أخرى كرد ضده أو أن يذهب أبعد من ذلك فيضع على عاتق المجتمع أمر الاهتمام به( ).
وعليه فإننا سنقوم بدراسة البدائل القانونية في الفقرة الأولى على أن نعالج البدائل المجتمعية في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: البدائل القانونية غير الجنائية
يقصد بهذا النوع من البدائل تلك التي توفرها القوانين غير الجنائية كالقانون المدني و القانون الإداري و القانون التجاري... فكل هذه القوانين تحتوي على عقوبات قد تكون أشد قسوة من تلك الواردة بالقوانين الجنائية. فالحكم بالتعويض مثلا، في إطار القـانون المدني، عن الضرر الذي لحق الغيـر من جراء الفعل الضار قد تكـون له مردودية ردعية عامة أفضل من تلك التي تتوفر لدى القاعدة الجنائية، كما أن رد الشيء المحصل عليه بدون سبب شرعي إلى صاحبه يمكن أن يكون له نفس الدور لا سيما من الناحية المادية أو المالية وكذلك من الناحية النفسية. ومن هذا المنطلق فإنه لا حاجة إلى العقوبات الجنائية ما لم ينتج عن الفعل أو الامتناع ضرر بالمجتمع، فالمهم بالنسبة للمتضرر من فعل أو امتناع لا يخلق اضطرابا اجتماعيا هو التعويض أورد الحق، وبهذا يمكن اللجوء إلى القاضي المدني كلما اقتضى الأمر ذلك( ).
أما فيما يتعلق بقضايا التجارة والتجار، وبما أن الغرض من القواعد التجارية هو تحقيق السرعة في المعاملات وتبسيط الإجراءات، فإن اللجوء إلى التحكيم في هذا الإطار بات من الأمور الطبيعية نظرا لما له من فوائد.
ونظرا لهذه الأهمية فقد اعتمدت غالبية التشريعات نظام التحكيم كرد اجتماعي غير جزري وكبديل هام للعقوبات الجنائية التي تأكدت سلبياتها على الحياة التجارية وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام( ).
أما فيما يعود للعقوبات الإدارية فقد برهنت عن فعاليتها في محاصرة العديد من الجرائم، خاصة من خلال الدور الوقائي والزجري الذي تلعبه مثلا في الجرائم الاقتصادية، كحماية المستهلك ومراقبة الأسعار ومحاربة الغش في السلع.
وإذا كان هذا الصنف من الجزاءات ممكن الاستعمال كبديل للجزاءات الجبسية القصيرة المدة، فإن هذا الاستعمال يحتاج إلى صيانة وحماية من حيث التطبيق، حتى يتحقق الهدف المتوخى منها مع الحيلولة دون المساس بحريات وحقوق المواطنين.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الجزاءات التأديبية ذات الطابع المهني أو الحرفي بالنظر لفعاليتها قد تغني في العدد من الحالات عن اللجوء إلى القضاء الجنائي
شريطة إحاطتها بكل الضمانات الكفيلة بحماية حقوق الأفراد والجماعات( ).
ويبدو مما سبق ذكره أن هناك العديد من القوانين التي يمكن أن تحل محل القانون الجنائي و أن تلعب نفس الدور الردعي الذي يفترض في هذا القانون.
الفقرة الثانية: البدائل المجتمعية
تعطي هذه البدائل للمجتمع حق حل بعض مشاكله بنفسه دون اللجوء إلى النظم القانونية التي غالبا ما تكون غير مناسبة، وتضع بذلك على عاتق المواطنين في إطار التضامن والإيخاء مسؤولية التفكير والمساهمة في إيجاد حلول للمشاكل التي نتجت عنها الجريمة وتلك التي تولدت عنها.
وعليه فإن دور المجتمع في هذا الإطار دور مزدوج فمن جهة ينبغي اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لعدم تكرار هذا الفعل، و هذا دور وقائي بالأساس، إذ من المهم أن تضاف إلى الوسائل الوقائية الرسمية وسائل يوفرها أفراد المجتمع لما لهم من احتكاك بحقائق أمورهم ومن معرفة دقيقة بمشاكلهم الخاصة والعامة. وتتميز أهمية هذا التوجه بكونه يفتح حقلا تجريبيا فاعلا ومحتويا لكل الممارسات التي يمكن للدولة أن تستوحي منها حلولا وقائية وتستثمر ما تراه ناجعا لتطوير سياستها الجنائية. ومن نماذج هذا البعد الوقائي العمل الذي أقدمت عليه نيويورك لفائدة هواة السمر الليلي التي أبدعت لفائدتهم أنشطة رياضية ساهمت من انخفاض جرائم الليل وقلصت من حالة العود إلى الجرائم داخل هذه المدينة( ).
ومن جهة أخرى يجب أن ينصب اهتمام المجتمع على إيجاد الجل الملائم للمشاكل التي أدى إليها الفعل الإجرامي حتى لا يقع اللجوء إلى المؤسسات العقابية الجنائية. وهذا ما يعرف بالدور العلاجي، وهو الدور الذي يلعبه المجتمع بعد ارتكاب الجريمة إذ هناك عدة بدائل يمكن العثور عليها في تجارب الدول الغربية حاليا.
ففي الولايات المتحدة وكندا عدة تجارب تهدف إلى توفير سبل التصالح بين الجاني والضحية، كمركز القاضي بين الجيران، ومراكز تسوية النزاعات البسيطة، إلى جانب تجربة المؤسسات المستقلة ذات البعد التوفيقي والتي يعمل أطرها على إيجاد فضاءات مناسبة للتفاهم والتصالح بين المجرم والضحية وفقا للشروط والمواصفات التي يحددها الطرفان، وفي حالة عدم التوصل إلى الصلح يرفع أنذاك الأمر إلى القضاء( ).
إذا كان هذا النوع من البدائل يهدف إلى محاصرة العقوبات الحبسية القصيرة المدة فإن تطبيقها يقتضي وجود نظام سياسي يفتح المجال للمواطن في صياغة التنمية، وتقتضي كذلك أن يكون المواطنون قد بلغت بهم ترتبيتهم الوطنية والأخلاقية درجة التطوع لحل مشاكل الغير وتجنيبهم مساوئ الحلول الجنائية.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب وإن لم يكن يأخذ بنظام العقوبات البديلة، فإن هناك عدة محاولات واقتراحات تهدف تغيير قانون المسطرة الجنائية و القانون الجنائي بغرض إدخال العقوبات البديلة ضمن النصوص الجنائية المغربية، من ذلك المقترحات التي تقدم بها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بهذا الصدد، وكذا الندوة التي نظمتها وزارة العدل مع سفارة المملكة المتحدة بمدينة إيفران سنة 2000 والتي خصصت لدراسة العقوبات البديلة( ).
الفرع الثاني: إشراف المؤسسات العقابية على تنفيذ الجزاء الجنائي
عرضنا فيما سبق لأنواع الجزاءات الجنائية سواء كانت عقوبة أو تدابير احترازية وبينا تقسيماتها المختلفة، وحتى يتم تحقيق أغراضها يتعين من جهة اختيار نوع الجزاء الملائم لشخصية المحكوم عليه، ومن جهة أخرى ضرورة أن يتم تنفيذ هذا الجزاء بكيفية تتجه فعلا نحو تحقيق هذه الأغراض. وتعد الجزاءات الماسة بالحرية من أهم الجزاءات الجنائية التي يرجى منها الكثير وبصفة خاصة إصلاح المحكوم عليه وتأهيله، كما أنها أكثر الجزاءات الجنائية شيوعا وأحوجها إلى معاملة عقابية سليمة.
لذلك سنقوم بدراسة أنواع المؤسسات العقابية في مبحث أول، على أن نتطرق لدورها في الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي في مبحث ثان.
المبحث الأول: المؤسسات العقابية
نقصد بالمؤسسات العقابية الأماكن الخاصة التي تخصصها الدولة لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية على المحكوم عليهم بها.
ويتوقف قدر المساس بالحرية على نوع المؤسسة العقابية التي ينفذ فيها الجزاء الجنائي، وعلى هذا الأساس تتدرج تلك المؤسسات بين مؤسسات مغلقة تماما، وأخرى مفتوحة كليا، مرورا بالمؤسسات شبه المفتوحة( ).
وتنوع المؤسسات العقابية على هذا النحو ليس وليد اليوم، وإنما هو ثمرة تطور طويل لنظام السجون، وكفاح شاق من المهتمين بأمرها وأمر المودعين بها، ولذلك يكون من المفيد عرض التطور التاريخي لنظام السجون (المطلب الثاني) قبل دراسة أنواعها (المطلب الثالث) وقبل كل ذلك لابد من الانطلاق من الأرضية التي يرتكز عليها أي بحث وهي التعريفات التي من شأنها أن تعطينا الصورة الكاملة لوظيفة السجن والغاية المرجوة منه (المطلب الأول).
المطلب الأول: مفهوم السجن
إذا ما حاولنا استقصاء التعاريف التي وضعت لمؤسسة السجن فإننا لن نجد هناك تعريفا دقيقا متفقا عليه، وإنما نجد تعاريف كثيرة تطبعها مبادئ هذا الاتجاه أو ذاك ونذكر على سبيل المثال مجموعة من التعاريف نبدأها بتعريف المدرسة الوظيفية في شخص "اندري أرمازيت" الذي عرف السجن بأنه: "بناء مقفل يوضع فيه الأشخاص المتهمون في انتظار محاكمتهم أو تنفيذ الأحكام ضدهم". وانطلاقا من هذا التعريف فإن السجن يقوم بوظيفتين مزدوجتين: الاعتقال المؤقت والتنفيذ النهائي للعقوبة السالبة للحرية( ).
أما بالنسبة لموسوعة "لاروس الكبرى" فهي تعرف السحن على أنه: بناية مخصصة لاستقبال وإيواء المتهمين والأضناء والمحكومين بعقوبات قضائية" وعرفه فوكو بأنه: "مؤسسة تهذيبية سامية" ( ).
ونجد للمؤسسة السجنية تعريفا آخر عند "بيفار" حيث يقول أن: "السجن مؤسسة زجرية ووقائية تقوم بمهمة عزل الأشرار عن الأخبار لضمان حماية هؤلاء ووقايتهم" ( ).
أما المدرسة القانونية فقد استندت في تعريفها للسجن على معيار السبب، فاعتبرته مكانا لتطبيق العقوبات ضد المجرمين، وبمعنى آخر المكان المخصص لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية وإعداد الشخص المنحرف للتكيف والاندماج في الحياة العامة من ناحية أخرى.
والملاحظ أن هذه التعاريف تكاد تتفق كلها أو تتقارب حول تعريف موحد للسجن ألا وهو أن السجن عبارة عن مؤسسة لاستقبال الموقوفين أو المحاكمين لقضاء مدة العقوبة الصادرة في حقهم جزاء على ما ارتكبوه من مخالفات وجنايات ضد المجتمع.
المطلب الثاني: تطور نظام السجون
ارتبط تطور السجون بتطور أغراض العقوبة على مر العصور التاريخية المتعاقبة، ففي المجتمعات القديمة حيث كان الغرض من العقوبة هو إشباع شهوة الانتقام لدى المجني عليه وذويه، سادت العقوبات البدنية التي لا يستغرق تنفيذها وقتا طويلا، كالإعدام وبتر الأعضاء، وكانت السجون في تلك الفترة مجرد أماكن يحجز فيها المتهم أو المحكوم عليه إما انتظارا لمحاكمته أو تمهيدا لتنفيذ العقوبة عليه. ولم تهتم المجتمعات القديمة بأمر هذه السجون ولا بظروف من يودع فيها، فكانت إما زنزانات مظلمة تحت سطح الأرض أو حفرا عميقة يصعب الخروج منها( ). وكانت تتميز بقسوة الحياة داخلها وانعدام الرعاية الصحية للنزلاء أو الاهتمام بتغذيتهم أو كسوتهم، إضافة إلى تكدسهم فيها دون تمييز أو تصنيف.
ومع ظهور الديانة المسيحية وانتشار تعاليمها أنشئت السجون الكنيسية وكان رجال الكنيسة ينظرون إلى الجريمة على أنها إثم أو خطيئة، ويعتبرون المجرم شخصا عاديا كغيره من أفراد المجتمع ولكنه شخص مذنب عليه التوبة. وتحقق التوبة في نظرهم يستلزم انعزال المذنب عن المجتمع لكي يناجي الله في عزلته، وتقديم يد العون والمساعدة إليه حتى تقبل توبته، ومن هنا نشأت فكرة السجن الانفرادي للمجرمين والاهتمام بتهذيبهم وإصلاحهم وتأهيلهم.
وهذا الانفراد كان يتحقق بالعزل ليلا، والعمل الجماعي نهارا مع التزام الصمت حتى لا يتفشى الفساد بين المذنبين، وإما يتحقق بالفصل التام دون السماح بالاختلاط إلا بصفة استثنائية عند أداء الفرائض الدينية والاحتفالات أو غير ذلك من المناسبات( ).
وكان من المنتظر أن تشهد السجون المدنية حركة إصلاح كاملة تواكب فيها السجون الكنيسية ولكن المتتبع لتطور السجون المدنية يلاحظ أن هذا التطور بدأ بطيئا، فحتى منتصف القرن السادس عشر، ظلت السجون القديمة على حالها من السوء، بل تفاقمت تلك الحالة بعد ذلك التاريخ بسبب تقرير عقوبة سلب الحرية بالنسبة لبعض الجرائم غير الخطيرة.
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى النظرة إلى المحكوم عليهم على أنهم أشخاص غير عاديين أو مواطنين من الدرجة الثانية، كما أن أغراض العقوبة ظلت لفترة طويلة مقتصرة على الردع والزجر والإيلام.
ونظرا للحالة التي آلت إليها السجون المدنية بالمقارنة مع السجون الكنيسية وبفضل تأثير تعاليم الديانة المسيحية كان ميلاد السجون الحديثة. ويعتبر سجن برايدويل أول هذه السجون، حيث أطلق عليه أسم دار الإصلاح، وكان الغرض من إنشائه هو تأديب المنحرفين والمتشردين وإجبارهم على العمل، إذ كان المحكوم عليهم يخضعون فيه للعمل والنظام في ذات الوقت حتى يمكن استئصال عادة الكسل من نفوسهم وإخراجهم من حالة التشرد التي يعيشون عليها.
وعلى إثر نجاح تجربة هذا السجن توالى انتشار هذه السجون في مناطق عدة سواء داخل إنجلترا أو إخراجها.
وتجدر الإشارة إلى أن وظيفة السجون بقيت على حالها باعتبارها أماكن انتظار بالنسبة للمتهمين أو المحكوم عليهم، وكذلك باعتبارها أماكن لتنفيذ العقوبة السالبة للحرية بالنسبة للجرائم غير الخطرة. أما بالنسبة للجرائم الخطيرة، فلم تكن تلك السجون مخصصة لتنفيذ عقوباتها، وإنما كانت توقع على المجرمين الخطرين عقوبات بدنية مثل الإعدام وبتر الأعضاء، والجلد، وقد ألغيت بعض العقوبات البدنية فيما بعد، واستبدلت بها عقوبات سالبة للحرية، إلا أن تنفيذ تلك الأخيرة كان مصحوبا بقسوة وشدة وتجعل درجة إيلامها قريبة من العقوبات البدنية الملغاة مثل التعذيب البدني، التجديف في السفن القديمة، الإيداع في كان مظلم، كما استحدثت وسيلة أخرى وهي النفي خارج البلاد( ).
ولم تعرف السجون تطورا في أنظمتها إلا مع انتشار الدعوات الفكرية، التي ظهرت في القرن الثامن عشر، إلى احترام حقوق الإنسان وحماية الحريات الفردية وتطبيق مبادئ الديمقراطية والتي انعكست آثارها على السياسة العقابية، فقد عني علماء العقاب بتحديد أهداف العقوبات السالبة للحرية، وفي مقدمتها الردع الخاص، عن طريق تأهيل المحكوم عليهم وإعدادهم لمواجهة المجتمع دون أن يعودوا إلى ارتكاب الجريمة، وأهم وسائل التأهيل هي فرض العمل داخل السجون، وهكذا أضيف العمل إلى ما سبق للكنيسة إقراره من تعليم وتهذيب المحكوم عليهم.
وفي ضوء هذه الأفكار الجديدة اتجهت الدراسات في القرن التاسع عشر إلى إعداد السجون حتى تستطيع القيام بتحقيق أغراض العقوبة، وأنشئت سجون في دول عديدة استهدفت استبعاد النظام الجماعي وتحقيق المبادئ العقابية الجديدة، ولكنها اختلفت في النظام الذي تبنته لتحقيقها( ).
وتميز القرن العشرون بتطبيق أساليب المعاملة العقابية التي تهدف إلى تحقيق أغراض العقوبة، ومن هذه الأساليب تصنيف المحكوم عليهم ومعاملة كل طائفة بالأسلوب الذي يتناسب معها بحيث يهدف إلى استئصال النوازع الإجرامية لدى أفرادها، وقد أنشئت في سبيل ذلك السجون الخاصة، وكان من أهمها تلك الخاصة بالأحداث والتي أنشئت تجنبا للآثار الخطيرة التي تترتب على مخالطتهم للمجرمين البالغين.
المطلب الثاني: أنواع المؤسسات العقابية
تعنى الدول المختلفة بإنشاء أنواع متعددة من المؤسسات العقابية بالنظر إلى تعدد طوائف المجرمين، وهو ما يتطلب إيداع كل طائفة في النوع الذي يناسبها من هذه المؤسسات.
ويتم توزيع المحكوم عليهم على المؤسسات العقابية المختلفة وفقا لاختلافهم في السن فيفصل الأحداث عن البالغين، أو الجنس حيث تفصل النساء عن الرجال، أو نوع الجزاء فيفصل المحكوم عليهم بعقوبة عن المحكوم عليهم بتدبير احترازي، أو مدة العقوبة فيفصل المحكوم عليهم بمدد قصيرة عن المحكوم عليهم بمدد طويلة، أو شدة العقوبة فيفصل المحكوم عليهم بأشغال شاقة عن المحكوم عليهم بالاعتقال، وهؤلاء عن المحكوم عليهم بالحبس، وتختلف الدول فيما بينها من حيث المعايير التي تعتمد عليها في هذا التقسيم.
وسوف نتعرض فيما يلي لأهم أنواع المؤسسات العقابية بداية بالمؤسسات المغلقة (أولا) والمؤسسات المفتوحة (ثانيا) وأخيرا المؤسسات شبه المفتوحة (ثالثا).
أولا: المؤسسات المغلقة
تقوم المؤسسات المغلقة على أساس أن المجرم شخص يمثل خطورة على المجتمع لذلك يجب عزله تماما عنه والحيلولة بينه وبين الوصول إليه قبل انتهاء مدة العقوبة المانعة الحرية ولذلك يراعى في مباني المؤسسات المغلقة أن تكون خارج المدن و أن تحاط بأسوار عالية يتعذر على السجون اجتيازها وتفرض حولها الحراسة المشددة وتوقع العقوبة على من يحاول الهرب منها، ويودع في هذه المؤسسات المحكوم عليهم بعقوبات مانعة للحرية طويلة المدة، كما يودع فيها المجرمون الخطيرون كالمعتادين على الإجرام والعائدين إليه.
وقد كانت هذه المؤسسات هي النموذج الذي اتخذته السجون في صورتها الأولى حينما كان المحكوم عليهم يودعون في الحصون والقلاع القديمة، ولا يزال أغلب الدول يحرص على وجود هذا النوع من المؤسسات العقابية الذي يخصص لأخطر المجرمين ومن هذه الدول الجمهورية اللبنانية( ).
ومع ذلك فهذا النوع من المؤسسات العقابية يعيبه أن خضوع المحكوم عليه للحراسة المشددة والنظام الصارم يترتب عليه أن يفقد المسجون ثقته بنفسه وشعوره بالمسؤولية، كما أن عزله التام عن المجتمع يؤدي إلى اضطرابه نفسيا وعدم قدرته على التكيف مع المجتمع حينما تنتهي مدة عقوبته مما يتعذر معه تحقيق الهدف الأول من العقوبة وهو التأهيل ولذلك يذهب كثير من التشريعات إلى نقل المحكوم عليهم إلى مؤسسات مفتوحة أو شبه مفتوحة لتمضية فترة بها يستطيعون خلالها التدرب على حياة الفرد في مجتمع صغير قبل مواجهة الحرية الكاملة في المجتمع الكبير، كذلك يعيب هذا النوع من المؤسسات العقابية كثرة تكاليفه نظرا لضرورة بناء الأسوار العالية ووضع القضبان الحديدية على النوافذ وتعيين عدد كبير من الحراس المسلحين لحراسته.
ثانيا: المؤسسات العقابية المفتوحة
تتميز المؤسسات المفتوحة بأنها لا تعتمد على أساليب مادية كالأسوار والحراس لعزل المحكوم عليهم عن المجتمع وتجنب هربهم وإنما تعتمد على أساليب معنوية تتمثل في إقامة العلاقة بينهم وبين إدارة المؤسسة العقابية على أساس الثقة فيهم، مما يشعرهم بالمسؤولية فيحول دون إخلالهم بهذه الثقة وعلى أساس إقناعهم بجدوى سلب الحرية باعتباره وسيلة لإصلاحهم، وبذلك يتخذ شكل المؤسسات المفتوحة صورة مستعمرة تتكون من عدة مبان صغيرة لها أبواب عادية ونوافذ لا توجد عليها القضبان الحديدية التي تميز المؤسسات المغلقة ولا يحيط بهذه المباني أسوار عالية وإنما يكتفي غالبا بوضع معالم توضح حدودها كسور خشبي صغير أو أسلاك شائكة وقد لا يقوم عليها حراس وإن وجدوا كانوا غير مسلحين.
وتقع هذه المؤسسات المفتوحة غالبا في المناطق الريفية حيث يقوم النزلاء بأعمال الزراعة والصناعات المتصلة بها ولا يمنع ذلك من إنشاء بعض الصناعات والحرف المستقلة عن الزراعة والتي تساعد على تدريب كل من المحكوم عليهم على نوع العمل الذي يميل إليه ويطمح في مباشرته بعد خروجه من المؤسسة( ).
لقد اختلفت الآراء في تحديد الضابط الذي يمكن الاعتماد عليه في إيداع المحكوم عليه في المؤسسة العقابية المفتوحة.
فذهب رأي إلى تطبيق معيار زمني فينقل المحكوم عليه قبل انتهاء مدة عقوبته بفترة كافية من المؤسسة المغلقة حيث أمضى أغلب المدة المعلوم بها إلى المؤسسة المفتوحة ليقضي في ظل نظامها باقي مدته وتكون هذه الفترة بمثابة تدريب على مواجهة الحرية، وقد أخذ على هذا الرأي أنه يشوبه التحكم إذ يفرض على المحكوم عليه تمضية فترة في المؤسسة المغلقة قبل الانتقال إلى المؤسسة المفتوحة بينما قد يكون الأصلح له إلى تأهيله أن يودع في المؤسسة المفتوحة ابتداءا لا سيما إذا كان يوحي بثقة لا ضرورة معها لإيداعه في المؤسسات المغلقة.
وذهب رأي آخر إلى الأخذ بمعيار مادي قوامه مدة العقوبة المحكوم بها، فإذا كانت هذه المدة طويلة يودع المحكوم عليه بها في المؤسسة المغلقة، وإذا كانت المدة قصيرة يودع في المؤسسة المفتوحة ويؤخذ على هذا الرأي أنه يقوم على مجرد افتراض حيث يعتبر طول المدة قرينة على عدم الأهلية للثقة وهذه قرينة غير مطلقة إذ يمكن أن يكون عكسها هو الصحيح.
وذهب الرأي الأخير إلى معيار شخصي قوامه الدراسة والملاحظة لشخصية المحكوم عليه فإذا تبين من ذلك جدارته بالثقة التي توضع فيه كان ذلك داعيا إلى إلحاقه بالمؤسسة المفتوحة أيا كانت مدة عقوبته، وهو الأقرب إلى الصواب( ).
ولهذا النوع من المؤسسات أثره الكبير في تحقيق أغراض العقوبة فالقدر الكبير من الحرية الذي يمنح للمحكوم عليه يوقظ فيه الاعتداد النفسي والندم على الجريمة التي ارتكبها والحرص على السلوك القويم حتى يثبت جدارته بالثقة التي وضعت فيه، كذلك تحفظ هذه المؤسسات على نزلائها صحتهم النفسية والعقلية إذ تقيهم التوتر الذي يعاني منه نزلاء المؤسسات المغلقة كما تقوم على أسس إقناع المحكوم عليه بوجوب التقيد بالأنظمة واتباع الواجبات التي تفرض عليه لأنها تتقرر من أجل مصلحته وعلى سبيل تأمين مستقبل ناجح له( ).
وأخيرا فإن من مزايا هذه المؤسسات أن تكاليفها على الدولة أثقل من تكاليف المؤسسة المغلقة فالمباني بسيطة والحواجز تكاد تكون منعدمة والحراسة ضئيلة.
وعلى الرغم من هذه المزايا فإن لهذه المؤسسات عيوبها فمن ناحية أخذ عليها أنها تضعف القيمة الرادعة للعقوبة ولكن هذا النقد مردود بان منع الحرية في ذاته يحقق ردع المحكوم عليه. كذلك أخذ عليها أنها تساعد على الهرب ويمكن الرد على ذلك بان نزلاء هذه المؤسسات لا يودعون فيها إلا بعد فحص شامل بجوانب شخصيتهم وبعد أن يتأكد للقائمين بهذا الفحص أنهم أهل للثقة التي توضع فيهم كذلك فإن أغلب نزلاء هذه المؤسسات ممن تكون عقوبتهم قصيرة المدة أو ممن يكونون قد أمضوا جزءا كبيرا من عقوبتهم طويلة المدة في مؤسسة مغلقة ثم دخلوا المؤسسة المفتوحة ليمضوا ما تبقى من هذه المدة فيها كمرحلة انتقال إلى حيث الحرية الكاملة، ويؤكد ذلك ما أثبتته الإحصاءات الجنائية من ضآلة نسبة محاولات الهرب من أمثلة ذلك إحصاء أجري في إحدى المؤسسات العقابية المفتوحة بولاية تكساس الأمريكية وأثبتت أن نسبة حالات الهرب في المؤسسة في خلال أربع سنوات لم تزد على 0,3% من مجموع النزلاء ( ).
ثالثا: المؤسسات العقابية شبه المفتوحة
تتوافر فيها بعض مظاهر السجن إلا أنها غير منفصلة عن العالم الخارجي ويودع فيها المحكوم عليهم ممن تستدعي حالتهم معاملة خاصة، أو ممن يثبت تحسن سلوكهم في المؤسسات المغلقة فينقلون إليها تمهيد إلى الإفراج عنهم أو نقلهم إلى مؤسسات مفتوحة( )، وما يميز هذا النوع من المؤسسات بأنه يتوسط بين نوعين من المؤسسات المغلقة والمفتوحة فالحراسة فيه متوسطة وأقل منها في المؤسسات المغلقة ويودع في هذه المؤسسات المحكوم عليهم الذين تدل دراسة شخصيتهم عن أن القيود الشديدة لا تجدي في إصلاحهم كما أنهم لا يوحون بالقدر من الثقة الذي يمكن من إيداعهم في مؤسسة مفتوحة ويطبق النظام التدريجي غالبا داخل هذا النوع من المؤسسات فيودع المحكوم عليه أول مرة في درجة تشتد فيها الحراسة نسبيا ثم ينقل إذا أثبت بحسن سلوكه وجدارته بالتخفيف إلى درجة تقل فيها الحراسة حتى ينتهي به الأمر إلى درجة أقرب ما تكون إلى المؤسسة المفتوحة.
وغالبا ما تنشأ المؤسسات شبه المفتوحة في المناطق الزراعية أيضا حيث يعمل كثير من أفرادها بالزراعة وبالصناعة الملحقة بها ومع ذلك فإنه قد تقام بداخلها الورش المختلفة لتدريب النزلاء على أنسب الأعمال التي تتفق مع ميولهم والتي يريدون مزاولتها عندما تنتهي مدة عقوبتهم.
لقد أتيح لهذه المؤسسات قدر كبير من الانتشار في دول كثيرة أهمها الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وإيطاليا وإنجلترا ومصر والسويد( ). وبدأت تنتشر هذه المؤسسات بصورة كبيرة في العصر الحاضر وهي أكثر واقعية من النوع الأول فهي تهيء بصفة عامة للمحكوم عليه فرصة إعطائه حريته بشكل تدريجي حتى يتم ائتلافه مع البيئة الخارجية.
أما في المغرب فتصنف المؤسسات السجنية الحالية إلى سجون مدنية وسجون فلاحية ثم السجون المركزية وقد بلغ مجموعها سبعة وثلاثون مركزا للاعتقال وقد قسم القرار الوزاري الصادر في 4 يوليوز 1977 تلك المؤسسات إلى ثلاث درجات( ).
*مؤسسات الدرجة الأولى: التي يديرها مدير من الدرجة الأولى مرتب في سلم الأجور رقم 10 وهي المؤسسات التالية: السجن المركزي بالقنيطرة، والسجون الفلاحية بعلي مومن وبالوطيطة وبالرباط والسجون المدنية بالدار البيضاء وعين البرجة ومراكش والصويرة وإنزكان ومكناس ووجدة وفاس وطنجة وشفشاون.
*مؤسسات الدرجة الثانية: فيشرف عليها مدير من الدرجة الثانية مرتب بسلم الأجور رقم 9 وهي على النحو التالي: السجون المدنية بالقنيطرة والخميسات والجديدة وبني ملال وخريبكة وآسفي وقلعة السراغنة والراشدية وبركان والناظور والحسيمة وصفرو وتازة وتطوان والعرائش ووزان ثم إيفران.
*مؤسسات الدرجة الثالثة: يديرها مدير من نفس الدرجة مرتب الأجور رقم 6 وهي السجون المدنية بكل من السويسي بالرباط وقرية با محمد وأصيلة والقصر الكبير.
والسجون المدنية هي السجون المغلقة التي تستقبل المتهمين ريثما يحاكمون والمحكوم عليهم بعقوبة سجنية لا تتجاوز السنتين، والمكرهين بدنيا والمستأنفين كما يأويها العابرون إلى مؤسسة أخرى والأجانب في انتظار تسليمهم والأحداث المتوجهون إلى مراكز الإصلاح وهي سجون ذات أمن متوسط.
أما السجون الفلاحية فهي المخصصة بالمحكوم عليهم لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات وهي مؤسسات نصف مفتوحة يمارس بها نشاط فلاحي وهي السجون الفلاحية بالوطيطة وعلي مومن والفقيه بن صالح وتاوريرت مؤخرا.
في حين يأوي السجون المركزية المحكوم عليهم بصفة نهائية بعقوبة تتجاوز الخمس سنوات وهي مؤسسات ذات أمن عالي كالسجن المركزي بالقنيطرة والسجن المدني بشفشاون والصويرة.
المبحث الثاني: الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي
الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي في المؤسسات العقابية يكون في جانب منه إداريا، وتبعية السجون للنظام الإداري ينسجم مع النظريات الإصلاحية الحديثة التي تنادي بجعلها أمكنة للرعاية والإصلاح والتأهيل وبإبعادها عن مظاهر القمع والتنكيل والقسوة التي اتصفت بها في القرون الماضية( )، ويكون في الجانب الآخر أحيانا إشرافا قضائيا.
لذلك سوف نتعرض في هذا المبحث لكل من الإشراف الإداري والإشراف القضائي في مطلبين:

المطلب الأول: الإشراف الإداري
يقتضي البحث في أصول السجون دراسة تنظيمها الإداري، ويعهد بالإشراف على إدارة المؤسسات العقابية لمجموعة من الموظفين على رأسهم مدير المؤسسة ومساعدوه، يليهم بعض الموظفين المتخصصين في أنواع مختلفة، وبعد ذلك يوجد القائمون على حراسة المؤسسة ثم المفتشون الذين يراقبون سير العمل فيها.
أولا: مدير المؤسسة
مدير المؤسسة العقابية هو الذي يرأس جميع العاملين فيها، ويشمل اختصاصاته مراقبة أداء مرؤوسيه لأعمالهم والإشراف على تطبيق أساليب المعاملة العقابية المختلفة على المحكوم عليهم وحفظ النظام في المؤسسة العقابية وعليه أن ينظم المجلات المتعلقة بالموقوفين والمحكومين، وفضلا عن ذلك فهو يشرف على إدارة المؤسسة من الناحية الاقتصادية أي فيما يتعلق بما تشتريه المؤسسة وما تنتجه. والمدير هو الذي يقع على عاتقه إبلاغ الجهات المختصة عن المواليد والوفيات وعن الجرائم التي تقع داخل السجن، وتتطلب هذه المهام أن تتوفر في المدير صفات معينة فيجب أن يكون على قدر كبير من التعليم والخلق والخبرة بالتنفيذ العقابي وأن يكون متفرغا لهذا العمل ولما كانت أعباء المدير كثيرة ومتشعبة فإن في الغالب أن يعين له بعض المساعدين يختص كل منهم بناحية من النواحي التي تتطلب خبرة خاصة كالناحية الصحية أو التربوية من أمثلة ذلك الأطباء والصيادلة والممرضون والأخصائيون الاجتماعيون والمعلمون والمهندسون الذين يشرفون على العمل العقابي وإن كان ذلك قليل إذا لم نقل مستحيلة من الناحية العملية في المؤسسات العقابية بالمغرب.
ثانيا: الحراس
هم مجموعة من الموظفين المعينين في المؤسسة العقابية للقيام بمهمة حراس المؤسسة والمحافظة على النظام فيها، ومنع أي محاولة للهرب الذي قد تقع من المحكوم عليهم وفضلا عن ذلك يقوم بعض الحراس أحيانا في ظل السياسة العقابية الحديثة بمهمة تهذيب المحكوم عليهم ومراقبة سير العمل العقابي في المؤسسة( ).
ثالثا: المفتشون
يختص المفتشون بمراقبة سير العمل داخل المؤسسة العقابية ومدى مطابقة تطبيق الوسائل العقابية للقانون، وذلك حرصا على حقوق المحكوم عليهم حتى لا يتعرضون لاعتداء موظفي السجن لا سيما وأن المحكوم عليهم في ظروف عسيرة، لأن سلب حريتهم يحول بينهم وبين حرية تقديم الشكاوي، كذلك يهدف التفتيش إلى رعاية صحة المحكوم عليهم بمراقبة نظافة السجن ونظافة الأغذية.
رابعا: الإشراف الإداري في المؤسسات العقابية النسائية
يعهد أيضا بالإشراف الإداري على المؤسسات العقابية الخاصة بالنساء إلى مديرين وحراس ومفتشين ولكن يراعى أن يكون هؤلاء من النساء ومع ذلك يجوز أن يكون بعض الأطباء والممرضون... من الرجال إذا لم يتيسر تعيينهم من النساء وفي هذه الحالة يشترط ألا يدخل أحد هؤلاء الرجال إلى المؤسسة إلا بصحبة سيدة من المعينات للعمل في المؤسسة وقد حرصت مجموعة قواعد الحد الأدنى لمعاملة المجرمين على النص على ذلك( )، كما يجب أن تقوم بحراسة السجينات ومراقبتهم الحارسات المعينات لذلك، وتوجد على رأس لجنة المراقبة امرأة تدعى "العريفة" للإشراف على النساء.
هذا فيما يتعلق بالإشراف الإداري فماذا عن الإشراف القضائي؟
المطلب الثاني: الإشراف القضائي
عندما يصدر القضاء حكمه في الدعوى الجزائية بإدانة المدعى عليه فإنه يحدد العقوبة أو التدبير الاحترازي الذي يجب أن ينفذ في المحكوم عليه وتقوم الإدارة العقابية بمباشرة تنفيذ هذا الحكم وهنا يثار التساؤل عما إذا كان من الأفضل أن يكون للقضاء سلطة الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي( ) ولقد اختلفت الآراء في هذا الشأن.
أولا: الخلاف حول دور القضاء في الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي
اختلف الرأي حول دور القضاء في الإشراف على تنفيذ العقوبة والتدبير الاحترازي إلى اتجاهين اتجاه تقليدي واتجاه حديث.
أ-الاتجاه التقليدي
يذهب هذا الرأي إلى أن دور القضاء ينتهي عند إصداره حكما مبرما في الدعوى الجزائية ولا يتبع انقضاء الدعوى بصدور الحكم المبرم فيها إلى الإجراءات التي تتخذ لتنفيذ الحكم، وهذه تتسم بطابع إداري لا شان للقضاء به، لأن الإدارة في تنفيذها للعقوبة أو التدبير الاحترازي تلتزم بالحدود التي رسمها الحكم من حيث نوع الجزاء الجنائي ومن حيث مدته والقول بتدخل القضاء في مرحلة التنفيذ يعني إهدارا لمبدأ الفصل بين السلطات، وفضلا عن ذلك فإن تدخل القضاء في التنفيذ لا يرجى منه تحقيق فائدة عملية نظرا لأن الإشراف على التنفيذ يتطلب ثقافة يفتقد إليها القاضي.
على أن الرأي التقليدي يسلم بان للقضاء الحق في زيارة المؤسسات العقابية للتأكد من أن السلطة الإدارية تنفذ العقوبة أو التدبير وفقا للقانون ومن أمثلة ذلك ما تنص عليه المادة 425 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني من أن: "يتفقد قاضي التحقيق وقاضي الصلح مرة واحدة في الشهر ورؤساء المحاكم الجزائية مرة واحدة كل ثلاثة أشهر على الأقل الأشخاص الموجودين في محل التوقيف والسجون"( ).
ويقتصر حق القضاء في ظل الرأي التقليدي على هذا النطاق فلا يمتد إلى تحديد أسلوب معاملة المسجون أو تقرير الإفراج عنه.
أما المشرع المغربي فإن دور القضاء ينحصر فقط في إصدار الحكم دون زيادة أو نقصان ومن هذا نستنتج أن المشرع المغربي يأخذ نسبيا الاتجاه التقليدي.
ب: الاتجاه الحديث
يذهب الرأي الحديث في علم العقاب، إلى ضرورة امتداد سلطة القضاء إلى الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي حتى الإفراج عن المحكوم عليه. وقد أدى إلى هذا الاتجاه التطور الذي لحق الجزاء الجنائي في صورتيه، العقوبة والتدبير الاحترازي كنتيجة لاعتبار التاهيل هو الغرض الأساسي للجزاء الجنائي.
ففيما يتعلق بالعقوبة: وجد نظام الإفراج الشرطي ويعني إطلاق سراح المحكوم عليه قبل انتهاء مدة العقوبة المحكوم بها وتغيير مدة العقوبة بهذه الصورة يعتبر تعديل الحكم القضائي وهو أمر لا يملكه غير القضاء نفسه كذلك تتطلب مقتضيات التأهيل أحيانا تعديل النظام العقابي الذي يخضع له المحكوم عليه بنقله من درجة إلى أخرى، ولاشك أن هذا التعديل يمس حقوق المحكوم عليه الأمر الذي يتطلب أن يعهد به إلى القضاء وحده.
وفيما يتعلق بالتدابير الاحترازية: فقد اتسع نطاق الأخذ بها في التشريعات الجنائية الحديثة نظرا لما لها من دور هام في مواجهة الخطورة الإجرامية وتتميز هذه التدابير بأنها غير محددة وإنما يجب أن تتغير سواء من حيث المدة أو النوع حتى تتلاءم مع التغير الذي يطرأ على الخطورة الإجرامية، فإذا كان الحكم القضائي يحدد تدبيرا معينا فإنه لابد من تدخل القضاء بعد ذلك لتغيير نوع التدبير إذا اقتضى الأمر ذلك، أو لإنهاء مدته إذا ثبت انقضاء الخطورة الإجرامية لدى المحكوم عليه.
ويستند الرأي الحديث إلى أن التعديل في مدة العقوبة أو التدبير والنقل من مؤسسة لأخرى أو من درجة إلى درجة داخل المؤسسة الواحدة عمل قضائي يمس حقوق المحكوم عليه فلابد أن يعهد به إلى القضاء ولا يجوز أن يترك شأنه إلى الإدارة العقابية وفي ذلك اعتداء واضح على مبدأ الفصل بين السلطات وقد تأثر أغلب التشريعات الحديثة بهذا الاتجاه فقرر منح القاضي سلطة الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي أما المشرع المغربي فلا يأخذ بهذا الاتجاه.
ثانيا: أساليب الإشراف القضائي على التنفيذ
اختلفت الأساليب التي أخذت بها التشريعات المختلفة لتحقيق الإشراف القضائي على تنفيذ الجزاء الجنائي ويمكن حصر هذه الأساليب في ثلاثة:
أولا: أسلوب القاضي المتخصص
يتمثل هذا الأسلوب في أن يخصص قاض للإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي بحيث تقتصر على ذلك، ويتميز هذا الأسلوب بأن يتفرع القاضي للقيام بهذه المهمة حتى يقوم بها على احسن نحو، ولكن يؤخذ عليه أن القاضي المتخصص يكون بعيدا عن دراسة الظروف التي ارتكب فيها المجرم جريمته مما لا يستطيع معه اختيار أفضل أساليب المعاملة العقابية الملائمة لظروفه.
وقد أخذت بهذا النظام تشريعات عديدة منها القانون الفرنسي فقد نص قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي الصادر سنة 1958 على هذا الأسلوب وأهمها الإشراف على تنفيذ العقوبات المانعة للحرية، وأخذ به أيضا القانون الإيطالي إضافة إلى المشرع المصري( ).
ثانيا: أسلوب قاضي الحكم
يعني هذا الأسلوب أن يعهد إلى القاضي الذي أصدر حكمه في الدعوى المرفوعة على المدعى عليه بمهمة الإشراف على تنفيذ هذا الحكم ويتميز هذا الأسلوب بان القاضي الذي أتيحت له دراسة ظروف المحكوم عليه من خلال دراسته للقضية يسهل عليه تحديد أفضل أساليب التنفيذ التي تحقق تأهيل المحكوم عليه ولكن يعيبه أن قاضي الحكم الذي لا يتفرغ للإشراف على التنفيذ قد لا يسمح له وقته بأداء المهمة على أكمل وجه.
ومن التشريعات التي أحدث بهذا الأسلوب التشريع التشيكوسلوفاكي وكذلك التشريع المصري.
ثالثا: أسلوب المحكمة القضائية المختلطة
يقضي هذا الأسلوب بان تقوم محكمة مشكلة من أحد القضاة وبعض الأخصائيين بالرقابة القضائية على تنفيذ الجزاء الجنائي وأهم ما يميز هذا الأسلوب وجود عناصر ذات خبرة إلى جانب القاضي الذي لا يتوفر لديه غير الثقافة القانونية، ولكن يعيبه أن عدم اقتصاره على العنصر القضائي يبعد به عن الحياد التي يجب توافرها لدى من يمارس مهمة قضائية وقد أخذ القانون البلجيكي الصادر سنة 1964 بهذا الأسلوب.
وهكذا يعتبر نظام قضاء التنفيذ من أفضل الأساليب التي يتوصل بها علم العقاب لتحقيق أغراض العقوبة على أحسن نحو ومن أهم مزايا هذا النظام أنه يكفل ضمان حقوق المحكوم عليهم استبعاد لاحتمال أن تستبد بهم الإدارة العقابية، لا سيما فيما يتعلق بإنهاء مدة التدبير أو تطبيق نظام الإفراج الشرطي، ولكن يعيبه من ناحية، ما يمكن أن يؤدي إليه من تنازع بين قاضي التنفيذ ومدير المؤسسة العقابية ومن ناحية أخرى يؤخذ على هذا النظام أن القاضي لا يكون لديه من الخبرة بالمسائل العقابية ما يكفل له حسن ممارسته الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي.
وللأسف فالمشرع المغربي لم يأخذ بهذا الأسلوب آملين منه أن يأخذ به على غرار التشريعات المقارنة لما له من دور هام في تحقيق العقوبة أغراضها.
هذا فيما يتعلق بإشراف المؤسسات العقابية على تنفيذ الجزاء الجنائي، أما فيما يخص دورها في تنفيذ الجزاء العقابي فسوف نتطرق له في معرض دراستنا للدور الإصلاحي و الاجتماعية للمؤسسة السجنية بالمغرب.
الفرع الثالث: المؤسسات السجنية بالمغرب ودورها في الإشراف على تنفيذ الجزاء الجنائي
إن دراسة هذا الموضوع تقتضي منا بداية رصد تطور نظام السجون بالمغرب مند مرحلة ما قبل عهد الحماية (المبحث الأول) ثم التطرق بعد ذلك إلى دراسة أساليب تنفيذ الجزاء الجنائي داخلها باعتبارها مؤسسات إصلاحية وتأهيلية (المبحث الثاني).
المبحث الأول: تطور نظام السجون بالمغرب
لقد واكب التطورات التاريخية التي عرفها المغرب منذ المرحلة السابقة لعهد الحماية تطور نظام السجون بالمملكة، حيث عبر كل مرحلة من المراحل التاريخية التي قطعها المغرب نظاما سجنيا مختلفا بحسب الفلسفة العقابية السائدة في كل مرحلة.
وعلى هذا الأساس سنقوم بدراسة تطور نظام السجون بالمغرب منذ ظهورها إلى الآن بدأ بالمرحلة السابقة للحماية إلى عهد الاستقلال.
المطلب الأول: تنظيم السجون بالمغرب إبان المرحلة السابقة لعهد الحماية
"كان النظر في الجرائم وإقامة الحدود في الدولة العباسية والأموية والأندلسية والعبيديين بمصر والمغرب راجع إلى صاحب الشرطة، وهي وظيفة أخرى دينية كانت من وظائف الشرعية في تلك الدول، وتوسع النظر في أحكام القضاء قليلا، فتعجل الترجمة في الحكم مجالا. ويفرض العقوبات الزاجرة قبل ثبوت الجرائم ويقيم الحدود الثابتة، ويحكم في العود والقصاص ويقيم التعزير والتأديب في حق من لم ينته عن الجرائم( ).
نستشف من خلال هذا النص أن جهاز الشرطة كان هو المكلف بتنفيذ العقاب، وكباقي دول العالم الإسلامي، فقد كان المغرب يطبق بدوره هذا النظام.
وهكذا عرف المغرب نظام السجن قبل فرض الحماية عليه من قبل المستعمر، حيث كانت توجد قرب محاكم القضاء بعض الأماكن المرممة مخصصة لوضع الأشخاص المنحرفين فيها وحبسهم مدة معلومة ليقوموا بتنفيذ مدة الحبس التي أصدرها القاضي في حقهم، وكانت معاملة السجناء لا تختلف عنها في باقي مدن وأقاليم العالم الإسلامي( ).
ومن خلال ما سبق يمكن القول أن السجون في المغرب قبل الحماية قد عرفت نظاما خاصا بها، وظل هذا النظام قائما إلى ما بعد إعلان الحماية بقليل، حيث كان هناك أمناء يعينون من قبل العامل أو القائد أو بمعنى آخر من طرف المسؤولين آنذاك للقيام بمهمة المراقبة المستمرة لأماكن الاعتقال وتسيير الأعمال فيها والاعتناء بالنزلاء وهذا دليل على وجود مصلحة خاصة لتفتيش السجون، وحالة السجون التي عرفت قبل الحماية، والتي تطورت إلى أن أصبحت مصلحة من بين مصالح إدارة السجون العصرية، وفي تلك الفترة عرف المغرب نوعين من السجون أولهما خاص بالرجال والثاني خاص بالنساء وذلك على أساس التفرقة بين الجنسين تجنبا لانتشار الفساد بين السجناء، وهذا نوع من الفصل الذي يتم على أساس التصنيف الذي تتولاه لجنة متخصصة في الوقت الحاضر. ولأجل ذلك الغرض يعين على رأس لجنة المراقبة بالنسبة للنساء امرأة تدعى "العريفة" للإشراف على النساء.
وعليه فإن نظام السجون في المغرب قبل الحماية كان منظما على أساس مبادئ الشريعة الإسلامية، وكان الغرض منها هو ردع المنحرفين من جهة وتوجيههم وإصلاحهم من جهة أخرى وكانت السجون في تلك الفترة تابعة للسلطة التنفيذية في شخص العامل، القائد، الباشا.
المطلب الثاني: تنظيم السجون بالمغرب إبان عهد الحماية
لقد تعرض المغرب كباقي الدول العربية إلى الاحتلال الأجنبي، وقد أدى هذا الأخير إلى تقسيم المغرب إلى ثلاث مناطق: المنطقة الشمالية التي كانت من بين المناطق الخاضعة للنظام الإسباني ثم المنطقة الجنوبية التي بدأت فرنسا تسيرها ابتداء من فرض الحماية على المغرب ثم أخيرا هناك منطقة هامة واستراتيجية، طالما كانت محل أطماع العديد من الدول لمكانتها جغرافيا، وهي المنطقة الدولية بطنجة.
وعليه فقد ظل نظام السجون الذي عرفه المغرب قبل الحماية هو الساري المفعول إلى ما بعد فرض الحماية بقليل وبهذا الإجراء الأخير استغني عن الأجهزة القومية المغربية الإدارية بالأجهزة الإدارية الجديدة للدول الحامية في المناطق السابق ذكرها أعلاه، وأصبحت منطقة طنجة ذات صبغة دولية كما هو معلوم بموجب اتفاقية 8 دسمبر 1923 واتفاقية 24 مارس 1924. وألحقت إذن السجون التي كانت موجودة حينئذ بمديرية الأمن التي تأسست بموجب القرار الوزاري المؤرخ في 15 سبتمر 1913 والتي خول لها هذا القرار مهمته القيام بالمحافظة على الأمن وإحالة المجرمين على العدالة.
ومن خلال هذا نلاحظ على أنه كان يوجد بالمغرب في تلك الفترة ثلاث أنواع من السجون، تبعا لمناطق النفوذ الأجنبية، وتبعا كذلك لاختلاف أحوالها الحضارية والثقافية والشرعية، ولم ينج من هذا الإجراء إلا بعض الأماكن المخصصة الاعتقال تابعة للسلطة المحلية في البوادي النائية والقرى الجبلية البعيدة.
والجدير بالملاحظة أن السجون في المغرب في فترة الحماية أصبحت تابعة لإدارة المن العام، وقام المشرع الفرنسي بتقسيم السجون إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
أولا: السجن المركزي،
ثانيا السجن الجنحي،
ثالثا السجن الاعتقالي.
وكان السجناء يوزعون على هذه الأقسام من السجون اعتبارا لمقاييس الدرجة الإجرامية. ( ) وهكذا فإنه يمكن القول أن وضعية السجون بالمغرب أثناء فترة الحماية ظلت تابعة لإدارة الأمن العام على الرغم من أن السلطات الحامية ألحقت السجون الفرنسية بمرسوم 3 مارس 1911 بوزارة العدل بباريس. أما فيما يتعلق بالمغرب في عهد الحماية فقد أنشئت وزارة العدل المغربية بظهير مؤرخ في 31 أكتوبر 1913 والتي أقرها الظهير المؤرخ في 2 يونيو 1947.
أصدر المشرع ظهيرين يتعلقان بتنظيم السجون في المغرب وهما ظهيري 1915 و 1930.
1-مؤسسة السجون في المغرب أثناء الحماية حسب ظهير 1915
يشكل ظهير 1915 الانطلاقة التي تم بموجبها تطوير تنظيم السجون في عهد الحماية، وقد اشتمل الظهير المذكور على ثمانية أبواب وخمسة وعشرون فصلا، صدر بتاريخ 11 أبريل 1915 في مرحلة كان الواقع الذي أرادت من خلاله الإدارة الفرنسية إنتاج ظروف أمنية تحقق مآربها وأهدافها.
لقد استعمل هذا الظهير إذا لمعاقبة كل من طالب بحقه كوطني في الاستقلال فكانت غايته الحقيقية هي الانتقام من كل من سولت له نفسه المطالبة بجلاء المستعمر.
كما أوجب الظهير المذكور مراعاة قواعد الصحية، والنظافة وتوفير وسائل الأمن بداخلها، وجعلها مؤسسات لتنفيذ الأحكام القضائية( ).
لكن بالرغم من ذلك فإن هذا الظهير كرس التمييز داخل السجون المغربية بين المسجونين المغاربة والمسجونين الأجانب حيث كان يوفر الأجانب زنازن منفصلة عن الزنازن التي يوضع فيها المسجونون المغاربة.
2-مؤسسة السجون في المغرب أثناء الحماية تبعا لظهير 1930
لقد أصدر المشرع بعد مرور خمسة عشر سنة على صدور ظهير 1915 ظهير آخر بتاريخ 26 يونيو 1930 يحتوى على ثمانية أبواب وثلاثة وستين فصلا شملت مقتضياته جميع السجون المغربية المختصة بالاعتقال الجماعي، وتطبق على المعتقلين في السجون المحكومين أو الغير المحكومين دون الموقوفين والمحتجزين بدون تهمة لدى الشرطة، وكذا المحتشدات والأماكن السرية الخارجة عن نطاق القانون كنموذج معتقل تزمامارت السري الواقع بسفح جبل العياشي.
وتجب الإشارة أيضا إلى أن هذا الظهير لا يقل عنصرية على الظهير السابق حيث ينص على وجود أحياء خاصة بالمغاربة وأخرى خاصة بالأوربيين كما أنه خص الأوربيين بمعاملة متميزة، أما بالنسبة لنظام الانضباط داخل السجن فإنه يشبه نظام المرحلة السابقة، إلا أن الإجراء التنظيمي الجديد الذي أضيف بنص ظهير 1930 يتعلق بالمحكومين الذين يفرون من السجون ويتوفون أثناء وجودهم فيه حيث أن الأشياء التي تسلمتها الإدارة تصبح ملكا لها إذا لم يتقدم أحد بالمطالبة بها بعد انصرام اجل ثلاث سنوات على وفاة المتهم أو فراره( ).
المطلب الثالث: تنظيم السجون بالمغرب إبان عهد الاستقلال
بعد حصول المغرب على استقلاله التام وانفصاله عن التبعية الاستعمارية اتجهت يد الإصلاح إلى المؤسسات العقابية، وحظيت هذه الأخيرة بقسط وافر من العناية والاهتمام وإدخال عدة تنظيمات حديثة، متأثرا في ذلك بالاتجاهات الحديثة فيما يتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات العقابية وذلك تبعا لمعطيات ومتطلبات فترة الاستقلال.
إن الإعلان عن استقلال المغرب أعطى ميلادا لتعيين وتنصيب عدة وزارات ومصالح تابعة لها، وكانت وزارة العدل من بين هذه الوزارات التي أنشئت بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في 16 أكتوبر 1956 والمعدل بظهير 9 نوفمبر 1957 وأصبحت إدارة السجون تابعة بعد ذلك لوزارة العدل بعدما كانت تابعة لإدارة الأمن العام في عهد الحماية، والتي ساهمت بعد ذلك في إنشاء المؤسسات السجنية وتوسيعها وإدخال طرق وبرامج جديدة في معاملة السجناء وتربيتهم وإصلاحهم وعلاجهم، وذلك كله تبعا للمعطيات الحضارية و الاجتماعية للمملكة، وقد أصدرت الحكومة المغربية منذ عهد الاستقلال عدة نصوص تشريعية لتنظيم المؤسسات السجنية، وعمد المشرع المغربي إلى استصدار مجموعة من النصوص التنظيمية في فترات متتالية محاولا استدراك ما عرفه من نقص في ميدان السجون، وهكذا أصدر في فترة الاستقلال أربعة ظهائر ومشروع مرسوم، واختص كل من هذه الظهائر بجانب من الجوانب المتعلقة بتسيير وتنظيم السجون ومن هذه الظهائر:
-الظهير المؤرخ في 16 أكتوبر 1956 الذي عين بمقتضاه مهام الوزارة المعنية وبين أقسامها المختلفة من بينها مؤسسة إدارة السجون.
إلا أن هذا الظهير لم يعمر طويلا، إذ أصدر المشرع ظهيرا آخر بتاريخ 9 نوفمبر 1957 الذي أعيد فيه تنظيم وزارة العدل وإعطائها نفسا جديدا، فبفضل هذا الظهير أصبحت وزارة العدل تشمل عدة مديريات، كما أصدر المشرع ظهيرا آخر بتاريخ 21 غشت 1961 الذي أكد فيه على الاهتمام بالمؤسسة السجنية.
وبقي العمل بهذا الظهير في مجال تنظيم وتسيير المؤسسات السجنية إلى حدود سنة 1974 حيث صدر المرسوم المؤرخ في 13 نونبر 1974، والذي يعتبر من القوانين التنظيمية التي أنجزها المشرع في إطار التطور التشريعي والقانوني للمؤسسات السجنية.
وفي سنة 1999 تم إصدار أهم نص تشريعي في مجال تنظيم وتسيير المؤسسات السجنية وهو ظهير 25 غشت 1999 بتنفيذ القانون رقم 23.98 الذي شكل نقلة نوعية في مجال تنظيم المؤسسات السجنية بالمغرب، حيث جاء بأفكار ومبادئ جديدة تتلاءم وقواعد مجموعة الحد الأدنى في معاملة المسجونين التي صادق عليها مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد في جنيف بتاريخ 30/08/1955، وسنعرض لمختلف المقتضيات التي جاء بها هذا الظهير في معرض دراستنا لبعض سجون المملكة ميدانيا.
المبحث الثاني: الدور الإصلاحي والاجتماعي للمؤسسة السجنية بالمغرب
من بين الأهداف والغايات التي تسعى إليها المؤسسات العقابية في المغرب من وراء معاملة السجناء ورعايتهم داخل هذه المؤسسات هو إصلاح وتهذيب وعلاج وتأهيل المنحرفين أو الأشخاص الذين يرى فيهم المجتمع أنهم غير صالحين ولا يفيدونه بشيء.
ولذلك فقد تعددت واختلفت التشريعات في استعمال لفظ معين للدلالة على طرق ووسائل معاملة الأشخاص المنحرفين، ففيما يتعلق بالتشريع المغربي فقد اختار المشرع تعبيرا خاصا تحت اسم "تربية المعتقلين" التي تشمل جميع طرق ومظاهر الإصلاح والتربية، ومن هذا نلاحظ أن المعاملة التي يتلقاها المعتقلون أثناء تنفيذ الجزاء الجنائي داخل السجون، قد تطورت من أسلوب التعذيب والإيلام وبإلحاق الأذى بحسم الشخص المنحرف دون مراعاة ظروفه، كما كان سائدا في العصور القديمة وكما كان سائدا كذلك في المغرب على عهد الحماية، إلى أساليب التهذيب والإصلاح الجسمي الذي يتجلى في نظام العمل داخل السجون، وهذا ما عرفته المؤسسات العقابية في المغرب بعد حصوله على الاستقلال.
وقد تطور مفهوم العقاب تطورا ملحوظا عبر العصور المختلفة، فقد أدى ظهور حركات الإصلاح الاجتماعي للسجون التي تزعمها مصلحون في أوربا وأمريكا إلى إلغاء أساليب التعذيب البدني الذي كان سائدا في العصور القديمة وإحلال فكرة الإصلاح والتهذيب محل فكرة الردع والزجر، وهكذا فقد انتهجت السياسة العقابية في التشريع المغربي نهجا يعتبر السجن مركزا للإصلاح يساهم في خلق شخصية جديدة للسجين وتأهيله مهنيا وثقافيا وبناء شخصيته بمختلف أنواعها الجسمية والنفسية والروحية، حيث استطاع السجن أن يجعل من بعض الأشخاص أشخاصا صالحين. ولذلك فقبل أن تحدد مجالات الإصلاح بالمؤسسة السجنية في المغرب في عهد الاستقلال كان لابد أن نلقي الأضواء على الدور الإصلاحي في عهد الحماية.
المطلب الأول: الدور الإصلاحي والاجتماعي لمؤسسة السجون في المغرب في عهد الحماية انطلاقا من ظهيري 1915-1930
إن الهدف من العقوبة في هذه الفترة التاريخية هو الانتقام من الشخص المنحرف الذي خانته الظروف الاقتصادية والاجتماعية على الخصوص، وزجرا وردعا للآخرين وتنقية المجتمع من كل شخص ترى فيه السلطات الحامية أنه مضر لها، وذلك بإيداعه في السجون التابعة لها، ذلك أن السجناء لا ينالون أي قسط من العناية أو الرعاية أو التهذيب حتى يتسنى لهؤلاء المجرمين اندماجهم في مجتمعهم بعد الإفراج عنهم نهائيا، إلا أن كل ما هنالك أن إدارة السجون في تلك الفترة اهتمت بتوفير العمل داخل السجون وتنظيمه وإخضاع السجناء لإجراءات خاصة غالبا ما تتسم بالقساوة، وما يمكن استنتاجه في هذه الفترة أن السلطات الحامية لم تهتم بإعادة تكوين شخصية الشخص المعتقل من الناحية التربوية والتعليمية والتكوينية وإنما عملت على تأكيد النظرة التقليدية التي كانت تنظر إلى المجرم على أنه شخص خطير يجب مقاومته عن طريق عزله وإيداعه في مكان خاص يعرف بالسجن.
وتبعا لذلك سنتعرض لنوع المعاملة التي يتلقاها السجناء في عهد الحماية حسب مقتضيات كل من ظهير 1915 وظهير 1930.
أولا: حسب ظهير 1915
لقد أشار ظهير 1915 إلى تنظيم العمل في السجون وكيفية توزيعه على السجناء وعليه فإن العمل في هذه الفترة كان إلزاميا وفرضيا، تفرضه السلطات الحامية على السجناء دون الاعتداد بشخصيتهم وظروفهم. إلا أن هذا الإجراء الذي تتبعه هذه السلطات لا ينفي وجود العمل الجماعي داخل أو خارج المؤسسات السجنية وذلك بوجود ممثل السلطات التي بيدها الأمر في تلك الفترة لمراقبة الكلام أو الحديث الدائر بين السجناء أي أن نظام الصمت هو السائد. وكانت المنتجات التي ينتجها السجناء داخل السجن يتم بيعها عن طريق السلطات الحامية إلى مختلف الإدارات العمومية.
والجدير بالملاحظة أن السلطات الحامية هي التي يرجع لها تسيير العمل داخل السجون وتوزيع السجناء وتوجيههم إلى مختلف قطاعات الإنتاج التي ترغب هذه السلطات الحصول عليها.
ثانيا: حسب ظهير 1930
إن هذا الظهير لم يخالف في شيء الظهير السابق سواء فيما تعلق بنوع المعاملة التي يلقاها السجناء داخل السجون أو كيفية تنظيم العمل داخلها، ففيما يتعلق بهذا الأخير فإن مدير السجن هو الذي يقوم بتوزيع السجناء على الأعمال لإنجازها وذلك حسب احتياجات المؤسسة مقابل اجر يحدده المسؤول عن هذه الأخيرة.
ومرة أخرى فإن مقتضيات هذا الظهير أعطت صلاحية المراقبة والإشراف على العمل داخل السجون أو خارجها لمدير السجن، إلا أنه خلافا لظهير 1915 فإن الظهير اللاحق أي 1630 أنشأ مصالح طبية داخل بعض المؤسسات العقابية وعين على رأس كل مصلحة طبيب مستقل عن باقي موظفي السجن، وهذا نوع آخر من التطور في أساليب وطرق المعاملة والرعاية.
واستنتاجا من كل ما سبق، نلاحظ أن الدور الإصلاحي والاجتماعي لمؤسسة السجون في المغرب في عهد الحماية كان قاصرا ومبتورا وهذا يظهر من خلال معاملة السلطات الحامية لسجناء، هدفها لم يكن يوما هو إصلاح وتهذيب المحكوم عليهم، ذلك أنها (السلطات الحامية) كانت تشغل السجناء وتعتبرهم كيد عاملة، وانطلاقا من كل هذا نلاحظ على أن السجون في تلك الفترة لم تعمل يوما على تهذيب أو تكوين السجناء وإصلاحهم حتى يستطيعوا أن يندمجوا في المجتمع بعد الإفراج عنهم اكثر ما كانت وسيلة من وسائل تنمية الإنتاج الفلاحي والصناعي عند المعمرين آنذاك، كما أن سلطات الحماية تنظر إلى السجين على أنه شخص خطير يجب مقاومته وذلك بإيداعهم في السجن وإيلامه وكان مفهوم الاعتقال في تلك الفترة تعذيب لا تهذيب.
المطلب الثاني: الدور الإصلاحي و الاجتماعي للمؤسسة السجنية في المغرب في عهد الاستقلال
بعد حصول المغرب على الاستقلال التام لجأ المشرع إلى إصدار قرارات ومراسيم خاصة بتنظيم وإعادة النظر في مرافق الدولة المختلفة ومؤسسة السجن لم تنج بدورها من الإصلاح والتنظيم حيث وجه المشرع اهتماماته إلى تنظيمها لتأدية وظيفتها الاجتماعية والإصلاحية، عن طريق تطوير أساليب المعاملة داخلها، وذلك بإحداث برامج تربوية إصلاحية تهذيبية تستهدف تأهيل المجرم وإعادة تربيته للاندماج ثانية في المجتمع.
لذلك تمت إعادة النظر في كيفية تنفيذ العقوبة السالبة للحرية من جهة، وفي الدور الأساسي لمؤسسة السجن من جهة أخرى في ميدان إصلاح الجهاز العقابي، والاهتمام بالجانب التكويني والتربوي للأشخاص المنحرفين، وعلى هذا الأساس أصبح دور مؤسسة السجون ليس فقط تنفيذ العقوبة دفاعا عن المجتمع بل أصبح يتجه إلى الإصلاح والتأهيل كما يقال.
فما هي مظاهر الإصلاح التي تشتمل عليها المؤسسة السجنية؟
أولا: تشغيل المعتقلين
لقد نص القانون الجنائي ضرورة تشغيل المعتقلين، أي أن الشغل إجباري، فيما عدا ثبوت عجز بدني بالنسبة للمحكومين ( )، أما الذين لازالوا في طور الاتهام أو المكرهون بدنيا فلا تسري عليهم المقتضيات السالفة. والأهداف التي يرمي إليها المشرع من وراء هذا الإجبار على العمل متنوعة منها: أن العقوبة عن طريق الإجبار على العمل هي عقوبة بدنية ثم إن لها وجه آخر هو أن اعمل له طابع إنساني ثم طابع إعادة التربية والتأهيل للعمل خارج السجن.
لذا يجب أن يكون العمل إحدى القطع الأساسية في تحول وتأهيل المساجين ويجب أن يمكن العمل من تعلم أو ممارسة مهنة ومن تدبير موارد السجين وعائلته، لأنه قد يكون الإجرام مهنة لمن لم تتح لهم الفرصة لتعلم مهنة مشروعة لذلك كان العمل إجباريا وكأسلوب نفساني لمعالجة شخصية المجرم.
إن العمل الجنائي كان في أول الأمر موجها نحو فئة الكسالى والمتشردين الذين يشكلون خطرا على المجتمع ثم بعد ذلك أصبح كعقوبة تكميلية لعقوبة الاعتقال حيث يختلف مقداره أو نسبته من عقوبة لأخرى، غير أن هذا الطابع قد اختفى في عصرنا الحاضر حيث أصبح المراد من العمل الجنائي هو جعل الحياة مقبولة شيئا ما داخل السجن كما أن التشغيل يرمي على هدف إنساني هو محاولة إيجاد توازن فيما بين الحالة الجسدية والعقلية للمعتقل عن طريق ملأ الفراغ الذي يعاني منه بعضهم.
ورغم الجهود التي تقوم بها مديرية السجون في مجال تشغيل اليد العاملة الجنائية فإن العمل داخل السجون يبقى قليل الفائدة نظرا لأن الأجرة تكون جد منخفضة كما أن ظروف العمل سيئة حيث المعامل والتجهيزات القديمة والغير الكافية.
إن العمل ينمي في المعتقل روح الانتباه والامتثال وبالتالي على العمل وتعلم حرفة من الحرفة أو الحصول على تكوين يمكنه من اكتساب عيشه بطريقة شريفة، وقد تعرض مبدأ العمل الجنائي لعدة انتقادات حيث لوحظ انه يزاحم العمل الحر نظرا لأن منتجاته تكون أرخص لأن مقابل اليد العاملة الجنائية أقل قوة من اليد العاملة الحرة كما أن قيمة تلك المنتجات ترتفع سنة عن أخرى( ). إن هذا الانتقاد مبني على المبالغة ذلك أن إنتاج اليد العاملة الجنائية هو في الغالب موجه لخدمة الدولة والإدارات العمومية.
واستنادا على ما جاء في نصوص الحد الأدنى لمعاملة المجرمين فإنه من اللازم توفير العمل لكل محكوم عليه قادر على ذلك عن طريق تشغيله طوال المدة المحكوم بها وإن الأعمال التي يباشرها المعتقلون متنوعة منها التي تنجز داخل خلايا الاعتقال وهي الأعمال البسيطة اليدوية ومنها التي يلزم القيام بها وجود المعتقل داخل معمل كما هو الشان في النجارة والحدادة والطباعة وصناعة الخزف والخياطة وصناعة الأحذية كما أن هناك من الأعمال التي تباشر خارج السجن كالعمل لصالح الإدارات العمومية أو كأشغال البناء والفلاحة.
وهكذا فقد نال العمل داخل السجون في المغرب قسطا وافرا من التطور إذ ألح المشرع على تنظيمه وتوزيع السجناء على الأعمال حسب ميولهم حتى يتم تكوينهم تكوينا شاملا وحتى يستطيع السجناء مواجهة الصعوبات التي يمكن أن يتعرضوا لها بعد الإفراج عنهم نهائيا، وعليه فإن الغاية الأساسية من العمل في السجون في القانون المغربي هو تأهيل المحكوم عليه وتقويمه وإصلاحه.
ثانيا: التطبيب والتهذيب
المراد من ذلك محاولة علاج الانحرافات النفسية المكونة لنوازع الإحرام وذلك بالتكوين والمساعدة عن طريق ترسيخ الوازع الأخلاقي في نفوسهم و إلى تعزيز ملكة الإرادة وإنماء مقدرتها على مقاومة الشر والسوء ( ) وتزكية نفسيته بالوعظ والإرشاد الديني وذلك على أساس تغير سلوك الفرد، وورد في لجنة آمورفي آبار 1945" أن العقوبة التي تحرم من الحرية تهدف بصورة أساسية إلى تغيير المحكوم و إلى إعادة تصنيفه اجتماعيا" وهو ما يسمى بمبدأ التقويم ( ) وبالإضافة إلى التقويم داخل السجن يجب مراقبته خارج السجن لإعادة التأهيل النهائي للسجين، ويجب مده بالدعم والمساعدة، ذلك أن السجين إذا أدى دينه نحو المجتمع وأخلي سبيله فإن من حقه أن تيسر له سبل الحياة الكريمة والعمل الشريف لذلك يجب على المجتمع أن يكون حرصا منه على ذلك درءا للعودة مرة أخرى إلى الإجرام لكن ما يحصل هو العكس حيث المجتمع دائما ينظر إلى الشخص الخارج من السجن نظرة احتقار والنفور منه، مما ينتج عنه الرجوع إلى الإجرام من جديد.
ولقد تأثر المشرع المغربي بالنظريات الحديثة حيث نص المرسوم الوزاري المؤرخ في 4 أبريل 1974 على ضرورة وجود مصالح طبية داخل المؤسسات العقابية تسهر على مراقبة وعلاج السجناء، وهكذا عمل على إيجاد صيدليات داخل بعض السجون الكبيرة والتي يستفيد منها جميع السجناء وذلك تطبيقا لمبدأ المساواة بين السجناء.
ثالثا: التعليم
يجب تثقيف السجين وفق مناهج الدراسة المرسومة لمختلف المدارس وحسب سنه وتلقنه سابقا لأن التثقيف وحده يمكن أن يستخدم كأداة إصلاحية ذلك أن تعليم المساجين فوائد كثيرة لأن الجهل يعتبر عاملا من العوامل الدافعة إلى السلوك الإجرامي( )، ولذلك فإن تعليم المسجون ينتزع لديه هذا العامل وفضل عن ذلك فالتعليم يوسع مدارك المحكوم عليه وينمي إمكاناته الذهنية مما يعينه على حسن فهم الأمور وتقدير عواقبها، ويمكنه لذلك من التكيف مع الأشخاص والمحيطين به، وبالإضافة إلى ذلك فإن التعليم يفتح أمام المسجون أبوابا للعمل كانت ستظل مقفولة في وجهه إذا ظل جاهلا، وأخيرا فإن تعليم المحكوم عليه يعينه على تمضية وقت فراغه في القراءة مما يزيد من معلوماته ويدفع عنه الملل.
وعلى الرغم من الأهمية البالغة لتعليم المساجين فقد شكل بعض الباحثين في قيمته مستندين إلى القول بأن تعليم المجرم يزيد من خطورته حيث يهيء له وسائل جديدة يستعين بها في ارتكاب أو إخفاء جريمته ولكن هذا الرأي مردود عليه بأن التعليم يرفع المستوى الثقافي لشخصية المسجون ويجعله يستنكر السلوك الإجرامي فضلا عن أنه يجعله أكثر قدرة على ضبط نفسه والتحكم في غرائزه وقد سلم أغلب التشريعات بأهمية تعليم المسجون وإصلاحه.
رابعا: التكوين المهني
من المميزات الأساسية لمجموع المحكومين في المغرب أن سنهم لا يتجاوز 30 سنة كما لديهم مستوى محدود من التكوين، ومن هذا المنطلق فإن التكوين المهني يعد من الأدوار الرئيسية التي ينبغي على مدرية إدارة السجون الاهتمام بها لتمكين المعتقل من تنمية مداركه قصد تسهيل مهمة إعادة إدماجه، ولكي يتم ذلك بصورة فعالة فإن الواجب منح المحكوم عليه تسهيلات داخل السجن لكل من يتوفر على استعداد وقادر على الاستفادة من التكوين المهني وخاصة الشباب منهم وينبغي في هذا الإطار القيام بتعاون وثيق بين كل من وزارة التعليم ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وكذا وزارة التشغيل والتكوين المهني لتمكين المعامل بما تحتاج إليه من مهنيين للقيام بالتكوين أو استكمال التكوين لأن نسبته كبيرة من المعتقلين يتوفرون على تكوين بسيط.
إن التكوين المهني ينمي في المعتقلين روح الاستقرار الاجتماعي( ) ويعيد لهم الثقة في النفس التي لم تكن لهم أو كانوا قد أضاعوها، وهذا ما نصت عليه القاعدة 772 من نصوص الحد الأدنى لمعاملة المجرمين" يجب تلقين المعتقلين تكوينا مهنيا يفيدهم مستقبلا"
لذلك على مدرية السجون تمكين كل معتقل حصل على تكوين مهني حين الإفراج عنه من الحصول على شهادة تثبت مقدرته ومؤهلاته لإعادة اندماجه في المجتمع من خلال الحصول على عمل، آخذة في الاعتبار ما يطرحه السجل العدلي من معوقات لإعادة إدماج المعتقلين وتحسيسه بأن له جميع الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الآخرون.
وهكذا فإن المفهوم الحديث للدور الإصلاحي و الاجتماعي للمؤسسات العقابية في المغرب وخاصة بعد الاستقلال لدليل على مدى الأهمية والعناية التي يوليها المشرع المغربي لهذه المؤسسات من أجل إصلاح وعلاج الشخص المنحرف ليصبح رجلا مستقيما صالحا، ولم يعد دور المؤسسات السجنية ينحصر فقط في الدور المادي المتجسد في تنفيذ العقوبة بهدف حماية المجتمع مما يتعرض له من خلل بسبب الأفعال المرتكبة من طرف أشخاص منحرفين بل أصبح دورها يتجه كما ذكرنا سالفا إلى إصلاحهم وتهذيبهم وذلك باستعمال أفضل وأنجح الوسائل.
الفصل الثاني: سجون النساء بالمغرب ودورها في إعادة تأهيل المرأة السجينة

إذا كان لا أحد ينازع في التوجه الحديث للمؤسسات السجنية بالمغرب نحو الأخذ بنظام إصلاح وتأهيل السجينات من أجل إعادة إدماجهن داخل المجتمع بعد الإفراج عنهن، بدليل مقتضيات قانون 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، فإن الأكيد أن عملية الإصلاح والتأهيل لا تتم في نفس الظروف ولا بنفس الوثيرة داخل مختلف المؤسسات السجنية بالمملكة.
فإذا كانت السجون النموذجية بالمملكة (المركب السجني بسلا، السجن المركزي بالدار البيضاء...) تتوفر على إمكانيات مادية مهمة تمكنها من تحقيق النجاح في مجال الإصلاح والتأهيل، فإن هناك سجونا أخرى بالمملكة تواجه صعوبات وتحديات كثيرة تعرقل عملية إعادة التأهيل بها. وبما أن هذا النوع الأخير من السجون هو الشكل الغالب بالمغرب فإننا سنتناوله بالدراسة ميدانيا وذلك من أجل الوقوف على مدى تأديته للدور المطلوب منه في مجال تأهيل السجينات للاندماج من جديد داخل المجتمع بعد الإفراج عنهن.
لذلك سنتطرق إلى الدراسة الميدانية بالسجن المحلي ببني ملال في الفرع الأول، مخصصين الفرع الثاني للدراسة الميدانية بالسجن المدني بمكناس، على أن نقوم في فرع ثالث بعرض خلاصة تركيبية لنتائج الدراستين.

الفـــــــرع الأول: دراسة ميدانية بالسجن المحلي ببني ملال
سنتولى هذه الدراسة في مبحثين نخصص الأول للخطوات المنهجية التي اتبعناها في إعدادنا للدراسة الميدانية، والمبحث الثاني لعرض نتائج الدراسة وتحليلها.
المبحث الأول: الخطوات المنهجية للدراسة الميدانية
أولا: مجتمع الدراسة
يعد السجن المحلي ببني ملال، من بين أقدم المؤسسات السجنية التابعة لمديرية إدارة السجون وإعادة الإدماج في وزارة العدل، تأسس خلال فترة الحماية ويتكون من ثلاثة أحياء، حي خاص بالمعتقلين من الرجال وحي خاص بالأحداث، وحي خاص بالمعتقلات من النساء، إلى جانب المصحة وقاعة المحامين وقاعة الزيارات إضافة إلى المحل المخصص لإدارة السجن.
تستقبل هذه المؤسسات السجنية جميع المحكوم عليهم القادمين من مختلف منـاطق الإقليم وكذا من المناطق المجاورة له (أزيلال، تادلة) والأكثـر من ذلك أن المؤسسات تستقبل جميع المعتقلين سواء المعتقلين المحكوم عليهم بعقوبات طويلة الأمد أو المحكوم عليهم بعقوبات قصيرة المدة، أو المكرهين بدنيا أو المعتقلين احتياطيا رغم أن المادة الثانية من القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، قد نصت بكل وضوح على أن السجون المحلية تختص بإيواء المعتقلين الاحتياطيين والمحكوم عليهم بعقوبات قصيرة الأمد والمكرهين بدنيا، وإن كانت المادة 8 تضيف إلى هؤلاء المدانين بعقوبات متوسطة المدة، فإن المادة التاسعة من هذا القانون تؤكد على أن المدانين المحكوم عليهم بعقوبات طويلة الأمد تختص بإيوائهم السجون المركزية.

ثانيا: أدوات الدراسة
من خلال أهداف الدراسة قمنا باستخدام أدوات لإجراء البحث داخل المؤسسات السجنية السالفة الذكر، وتعتبر أدوات الدراسة أحدى الوسائل التي يمكننا أن نوظفها من خلال عملية جمع المعطيات، بحيث اخترنا تقنية الاستمارة وهي كما عرفهاPichot عبارة عن اختبارات مكونة من عدد معين من الأسئلة مقدمة بشكل مكتوب توجه إلى أفراد العينة بهدف جمع بيانات تحتاجها الباحث في دراسة ظاهرة ما ( ).
وبما أن استمارة البحث موجهة إلى نزيلات السجن المحلي ببني ملال، واللواتي يعتقد أن يكون بينهن نزيلات لا يجدن القراءة والكتابة، مما يجعل من الصعب عليهن ملؤها، فإنه يجدر بنا إجراء مقابلة مع كل واحدة من أفراد العينة في جلسة على انفراد لنقدم فيها الأسئلة بشكل شفوي نقوم بتحويلها إلى اللهجة العامية حتى يتسنى لهن استيعابها والإجابة عنها، وتلك الإجابة نصوغها في عبارات واضحة ثم نسجلها في الخانة الخاصة بالإجابات.
 الاستمارة الموجهة لنزيلات السجن المحلي ببني ملال:
1-بيانات أولية تتعلق بالنزيلة
-السن أو تاريخ الميلاد
-المستوى الدراسي
-المهنة
-محل الإقامة
-الحالة العائلية
-عدد الأطفال
-المستوى الدراسي للزوج
-مهنة الزوج
-الحالة المادية للأسرة
2-بيانات تتعلق بالجريمة والعقوبة المحكوم بها:
-نوع الجريمة المرتكبة
-ظروف وأسباب ارتكاب الجريمة
-مدة العقوبة المحكوم بها
-المدة التي تم قضاؤها من العقوبة
أسئلة مفتوحة:
1-تتعلق بمعيار تصنيف النزيلات داخل المؤسسات السجنية:
-التصنيف على اعتبار معيار السن
-التصنيف من حيث الحالة الصحية
-التصنيف حسبما إذا كان الاعتقال احتياطيا إما إكراها بدنيا أم عقوبة قصيرة المدة
-تصنيف الأمهات المرفقات بأطفال والحوامل
2-تتعلق بمرافق حي النساء بالمؤسسة:
-ما هو عدد الغرف داخل الحي؟
-ما هو عدد الأسر بكل غرفة
-ما هو عدد النزلات بكل غرفة
-ماذا عن المكان المخصص للجولة اليومية
-هل يوجد مطبخ بالحي
-ما هو عدد المرحاض بالنسبة لعدد الغرف؟
-ما هي أنواع باقي المرافق الموجودة بالحي؟
3-تتعلق بنظام التغذية داخل المؤسسة:
-ما هي مكونات الوجبات التي توفرها المؤسسة للنزيلات؟
-هل يتم توفير وجبات خاصة بالأطفال؟
-هل يتم توفير وجبات خاصة بالحوامل والأمهات المرضعات؟
-هل يتم توفير وجبات خاصة بالمرضى؟
-هل يتم السماح بإمكانية التوصل بمؤن خارجية إضافة إلى الوجبات العادية؟
4-تتعلق بنظام العمل داخل المؤسسة:
-ما هو نوع الأعمال التي تقوم بها النزيلات داخل السجن؟
-هل يراعى في تكليف السجينات بالعمل عامل السن أو الحالة الصحية أو الدراسية؟
-هل تحض المعتقلات الاحتياطات من القيام بالعمل؟
5-تتعلق بنظام التكوين داخل السجن:
-هل توفر المؤسسة تكوينا مهنيا للنزيلات؟
-ما هي الأوراش التي تستفيد منها النزيلات؟
-هل تحقق هذه الأوراش غايات الإصلاح والتأهيل؟
-هل تستفيد كل النزيلات من هذه الأوراش؟
6-تتعلق بنظام التعليم داخل المؤسسة:
-هل تستفيد النزيلات من دروس محو الأمية؟
-لمن تعهد المؤسسة بمهمة تدريس النزيلات؟
-هل تتوفر النزيلات اللواتي يتابعن دراستهن أثناء فترة الاعتقال على محل مخصص للدراسة؟
-كيف تحصل النزيلات على المقررات والكتب والمراجع التي يحتجن إليها؟
-ما هي الصعوبات التي تواجه النزيلات وتعرقل عملية دراستهن داخل المؤسسة؟
-كيف تتم عملية إجراء الامتحانات؟
7-تتعلق بالعناية الروحية والنفسية والفكرية التي توليها المؤسسة للنزيلات:
-ما هي مدة الجولة اليومية المخصصة للنزيلات؟
-هل تشكل هذه الجولة متنفسا للنزيلات؟
-هل يوجد بحي النساء مكان لممارسة التمارين الرياضية؟
-هل تقوم المؤسسة بتنظيم مسابقات ثقافية؟
-هل تقوم المؤسسة بتنظيم معارض تعرض فيها إبداعات النزيلات؟
-هل توفر مكتبة المؤسسة الكتب والمراجع التي تحتاجها النزيلات؟
-ما هي الوسائل الترفيهية التي تتوفر عليها النزيلات؟
-وماذا عن أماكن ممارسة الشعائر الدينية؟
-هل توفر المؤسسة للنزيلات حصصا للوعظ والإرشاد الديني؟
8-تتعلق بالخدمات الصحية المقدمة للمعتقلات:
-هل تتوفر مصحة المؤسسة على التجهيزات اللازمة لإسعاف النزيلات؟
-من يقوم بالإشراف على المصحة؟
-هل تعمل طبيبة المصحة بصفة دائمة أم منتظمة؟
-هل يتم نقل الحالات المرضية الخطيرة إلى مستشفى خارجي؟
-هل تتوفر صيدلية داخل الحي؟
-هل تتم الولادة، بالنسبة للنزيلات الحوامل، داخل السجن أم بمستشفى خارجي؟
9-تتعلق بالعلاقات القائمة بين السجينات
-ما هو نوع العلاقات التي تربط بين السجينات؟
-تتعلق بعلاقات النزيلات مع العالم الخارجي:
-هل تتمتع النزيلات بالحق في الزيارات؟
-أين تتم الزيارة؟
-كم هو الوقت المحدد للزيارة؟
-كيف تتم ظروف الزيارة؟
-هل تتبع المؤسسة للنزيلات أشكالا أخرى للتواصل (الهاتف، المراسلات)؟
-كيف تتم عملية اتصال النزيلات بالمحامي؟
-ثالثا: عينة الدراسة
تتكون عينة البحث نمن 13 سجينة تم انتقاؤهن بطريقة عشوائية، تتراوح أعمارهن بين 14 سنة و52 سنة، حين إجراء البحث، مما جعلهن يرتقين إلى التمثيل الكلي لمجتمع الدراسة، ينحدر أغلبهن من مدينتي بني ملال والفقيه بنصالح، ويقضين مددا تتراوح بين 5 أشهر و30 سنة وأغلب هذه السجينات تم تخفيض مدة عقوباتهن من خلال الاستفادة من العفو الملكي.
وهذه هي حالات العينة:
-الحالة الأولى:
تبلغ من العمر 30 سنة، مستواها الدراسي ابتدائي، تعمل بالتجارة الحرة، وتعيش بالمدينة، متزوجة وليس لها أطفال، زوجها يمارس بدوره التجارة الحرة، ومستواه الدراسي إعدادي، المستوى المادي للأسرة متيسر.
متهمة بجريمة الضرب والجرح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه، وحكم عليها بالسجن لمدة 20 سنة، قضت منها مدة 10 سنوات وحصلت على عفو ملكي بلغت مدته الإجمالية 5 سنوات و 4 أشهر. لم ترغب بالتحدث عن ظروف وأسباب ارتكاب الجريمة.
داخل السجن، تعمل كعريفة "كبرانة" مع الإدارة، وذلك بمساعدة الحارسات في تنظيم أمور السجينات (الزيارات، توزيع الرسائل…) كانت تتقاضى عنها أجرة انقطعت في السنوات الأخيرة ولم ترغب بذكر مبلغ الأجرة ولا أسباب التوقف عن أداء الأجرة لها.
تعاني من الروتين ولا تستفيد من برنامج محو الأمية وورش الصناعة اليدوية، تتوفر داخل الزنزانة على تلفاز وراديو إلى جانب المجلات. لا تعلم بوجود المكتبة.
تتواصل مع ذويها من خلال استعمال الهاتف إلى جانب الزيارة الأسبوعية. وعن نظام الخلوة الشرعية فلا تستفيد منه لأنه غير معمول به داخل المؤسسة ولأنها لم تطالب به ولن تفعل.
-الحالة الثانية:
تبلغ من العمر 26 سنة، مستواها الدراسي ابتدائي، ربة بيت، تقطن بالقرية، متزوجة وليس لها أطفال، زوجها يعمل بالمدينة كعامل بإحدى الشركات، مستواه الدراسي ابتدائي والمستوى المادي للأسرة متوسط.
متهمة بجريمة القتل العمد وحكم عليها بالسجن لمدة 30 سنة، قضت منها مدة 10 سنوات واستفادت من العفو الملكي لمدة بلغت 7 سنوات.
وعن أسباب الجريمة فتقول بأنها تزوجت عن سن السادسة عشر وانتقلت للإقامة مع أسرة الزوج المكونة من الأم وشقيقته، أما الزوج فكان دائم التغيب عن المنزل بسبب العمل، وأمام المعاملة القاسية التي كانت تلقاها من أم الزوج، قررت التخلص منها، فكان أن قامت بقتلها طعنا بالسكين.
كانت تعاني من مرض فقدان الذاكرة عند دخولها السجن مما استوجب نقلها إلى المستشفى قصد العلاج. داخل السجن لا تمارس أي نشاط، وترفض الالتحاق ببرنامج محو الأمية ، تستفيد من المكتبة الموجودة بالمؤسسة (قصص، قرآن) تعاني من الروتين تتواصل مع ذويها عبر الهاتف والزيارة الأسبوعية.
-الحالة الثالثة:
من مواليد 1984، مستواها الدراسي ابتدائي، تعمل بمصنع للخياطة، قبل أن تدخل عالم الفساد، تقطن بالمدينة، أرملة، تعاني من ظروف مادية سيئة. متهمة بجنحة السرقة وحكم عليها بالحبس لمدة 3 سنوات قضت منها مدة 5 أشهر.
وعن أسباب الجريمة قالت بأنها كانت تحترف الفساد وكانت تقوم مع شريك لها بسرقة الأشخاص الذين كانت تخرج معهم.
داخل السجن، منخرطة ببرنامج محو الأمية وورش الصناعة اليدوية (الطرز، الخياطة)، لكنها لا تستفيد منه كثيرا بحكم قصر المدة المخصصة لهذا الورش. لا تعلم بوجود المكتبة وتتواصل مع أقاربها من خلال الهاتف والزيارة الأسبوعية.
-الحالة الرابعة:
تبلغ من العمر 31 سنة، مستواها الدراسي ثانوي، تقطن بالمدينة ، ربة بيت متزوجة وأم لطفلة تبلغ من العمل 11 سنة، زوجها يعمل بتجارة المخدرات، وهو الآن مسجون بتهمة الاتجار بالمخدرات، الحالة المادية للأسرة متوسطة.
متهمة بجنحة المشاركة في الاتجار في المخدرات، وحكم عليها بالحبس لمدة 3 سنوات قضت منها مدة 4 أشهر.
وعن أسباب الجريمة تقول بأنها بريئة فرغم علمها بحقيقة عمل زوجها إلا أنها لم تشارك أبدا في تجارة المخدرات.
داخل السجن، تستفيد من برنامج محو الأمية ومن ورش الطرز والخياطة إلا أن الوقت المخصص غير كافي (ساعتان في الأسبوع) تعلم بوجود المكتبة ولا تستفيد منها لأن لا رغبة لها في القراءة، وتعاني من الروتين.
وعن تواصلها مع العالم الخارجي، فيكون من خلال الزيارة الأسبوعية واستعمال الهاتف هذا إلى جانب الزيارة الداخلية التي تتيح لها فرصة رؤية زوجها، وعن الخلوة الشرعية فتقول بأنها لم تطالب بها ولن تفعل.
-الحالة الخامسة:
تبلغ من عمرها 22 سنة، مستواها الدراسي إعدادي، ربة بيت، تعيش بالمدينة متزوجة وأم لطفلتين، زوجها يشتغل كعامل بأحد المصانع، مستواه الدراسي إعدادي، والحالة المادية للأسرة ضعيفة.
متهمة بجريمة الخيانة الزوجية، وحكم عليها بالحبس لمدة سنة واحدة قضت منها مدة 10 أشهر.
وعن أسباب الجريمة تقول بأنها انفصلت عن زوجها لمدة ثلاثة سنوات، دون حصول الطلاق، حيث أقامت مع عائلتها وأمام الظروف المادية السيئة لجأت إلى الفساد.
داخل السجن لا تقوم بأي عمل، تعاني من الروتين لا تستفيد من برنامج محو الأمية ولا من ورش الصناعة اليدوية، لا تعلم بوجود المكتبة، تتواصل مع ذويها من خلال الزيارة الأسبوعية فقط.
-الحالة السادسة:
تبلغ 29 سنة من عمرها، أمية، تعمل كخادمة بالمنازل، إلى جانب احترافها للبغاء، تقطن بالمدينة، أرملة، وظروفها المادية جد سيئة.
متهمة بجريمة المشاركة في القتل العمد، وحكم عليها بالسجن لمدة 15 سنة قضت منها مدة 8 سنوات و 5 أشهر، وحصلت على عفو ملكي بلغت مدته الإجمالية 5 سنوات، وعن أسباب الجريمة تقول إن الظروف المادية السيئة دفعت بها إلى الفساد الذي أدى إلى وقوع الجريمة، حيث أن أحد الأشخاص الذين تتعامل معهم في هذا الميدان طلب منها أن تجلب له إحدى الفتيات دون أن تعلم بأنه ينوي قتلها.
داخل السجن لا تعمل لكن تستفيد من برنامج محو الأمية ومن ورش الخياطة والصناعة اليدوية، لا يزورها أحد ولا تتصل بأحد، انقطاع تام عن العالم الخارجي.
-الحالة السابعة:
تبلغ 19 سنة من عمرها، مستواها الدراسي ثانوي، تلميذة ، تعيش بالمدينة عازبة والمستوى المادي للأسرة ميسور.
متهمة بجريمة القتل الخطأ وحكم عليها بالحبس لمدة 4 سنوات قضت منها مدة سنة وثلاثة أشهر وحصلت على عفو ملكي مدته ستة أشهر.
وعن ظروف ارتكاب الجريمة قالت بأن ما وقع كان مجرد حادث ولم تنو أبدا أن تقتل شقيقها بسبب الشجار الذي نشب بينهما والذي أدى إلى وفاة الشقيق على إثر إصابة عميقة في القلب.
لا تزال تتابع دراستها داخل السجن وهي الآن بصدد التحضير لاجتياز امتحانات الباكالوريا التي رسبت فيها السنة الماضية بسبب الجو غير الملائم داخل السجن، فهي تعيش بغرفة تقيم فيها 18 نزيلة من مختلف الأعمار والمستويات الشيء الذي لا يفور لها المحيط الملائم للدراسة، وعن المكتبة تقول إنها لم تزرها أبدا ولا تستفيد منها فكل ما تحتاجه من كتب تحصل عليه من عائلتها.
-الحالة الثامنة:
تبلغ من العمر 31 سنة، أمية، تعمل كخادمة بالمنازل، تعيش بالمدينة، مطلقة ولها 4 أطفال، وتعيش بعد طلاقها مع رجل آخر في إطار علاقة غير شرعية، والحالة المادية للأسرة ضعيفة.
متهمة بجريمة تعريض ابنتها للخطر وحكم عليها لذلك بالحبس لمدة سنة واحدة قضت منها مدة 10 أشهر.
وعن ظروف ارتكاب الجريمة تقول بأنها بريئة من التهمة وبأن ابنتها اتهمتها ظلما.
احتفظت بابنها الأصغر معها داخل السجن لأنها لا تجد من يعتني به خارجا، وأنجبت ابنها الرابع داخل السجن مؤخرا، تعاني من المعاملة السيئة للسجينات معها، لا تقوم بأي عمل ولا تستفيد من برنامج محو الأمية ولا من ورش الصناعة اليدوية بسبب انشغالها التام بطفليها.
-الحالة التاسعة:
من مواليد 1982، مستواها الدراسي ابتدائي ربة بيت، تعيش بالقرية، مطلقة وليس لها أطفال، تعيش مع عائلتها وهي المسؤولة عن إعالتها لذلك اتجهت إلى الفساد.
متهمة بجريمة الفساد والانضمام لعصابة إجرامية وعدم التبليغ عن جريمة، حكم عليها بحكم ابتدائي، بالحبس لمدة سنتين، قضت داخل السجن 4 أشهر ونصف.
داخل السجن تساعد في تنظيف الحي وبتقشير الخضر، لا تشارك ببرنامج محو الأمية ولا بورش الصناعة التقليدية، وذلك لأنها لا ترغب لا بالدراسة ولا بتعلم أي شيء.
-الحالة العاشرة:
من مواليد سنة 1982، أمية تعمل كعاملة تنظيف بالمقاهي والمطاعم، تقطن بالقرية، عازبة تعيش مع عائلتها المكونة من والدة مطلقة وعاجزة و6 إخوة صغار هي المسؤولة عن إعالتهم.
متهمة بجريمة المشاركة في الاتجار في المخدرات والفساد وحكم عليها بالحبس لمدة سنة واحدة قضت منها مدة شهر ونصف وهي نفس المدة التي سبق وأن حكم عليها بها بسبب جريمة التحريض على الفساد، ولما سألناها عن سبب عودتها إلى الفساد بعد خروجها من السجن في المرة الأولى قالت بأنها لم تستطع مقاومة الظروف المادية السيئة لذلك اضطرت للعودة إلى احتراف الفساد.
-الحالة الحادية عشر:
تبلغ من عمرها 52 سنة، لا تجيد الكتابة فقط، تعمل كخادمة بالمنازل وتقطن بالمدينة، أرملة ولها 6 أبناء، ثلاثة منهم متزوجون.
متهمة بجريمة إيصال مواد مخدرة لمسجون، وحكم عليها بالحبس لمدة سنتين قضت منها مدة سنة و 4 أشهر.
وعن ظروف ارتكاب الجريمة تقول بأنها لم تكن تعلم بداخل الطعام الذي كانت تحضره لابنها المسجون مواد مخدرة، ذلك أن زوجته هي من يضع تلك المواد داخل الطعام، وهي كانت توصلها دون أن تعلم.
وعن إقامتها بالسجن، تقول بأنها تتضايق من إزعاج باقي السجينات لها، ولا تحظى برعاية طبية دائما رغم مرضها، لا تحضر دروس محو الأمية ولا تقوم بأي عمل داخل السجن، تسلي نفسها بمساعدة الأمهات في رعاية أطفالهن.
-الحالة الثانية عشر:
سيدة مسنة لا تتذكر سنها، أمية، ربة بيت، تعيش بالمدينة، مطلقة لها أبناء مازالوا يتابعون دراستهم وإخوتها هم المسؤولون عن إعالتها، حالتها المادية جد ضعيفة.
متهمة بجريمة إهانة الضابطة القضائية وحكم عليها ابتدائيا بالحبس لمدة خمسة أشهر ولا تتذكر المدة التي قضتها داخل السجن.
مصابة بمرض عقلي، الفقدان العرضي للذاكرة والهيستيريا، تزورها الطبيبة الخاصة بالمؤسسة مرة كل أسبوع وتتكلف ممرضة السجن بإعطائها الدواء والإشراف عليها.

الحالة الثالثة عشر:
تبلغ من العمر 14 سنة، مستواها الدراسي ابتدائي تعمل بمصنع للخياطة بمدينة الدار البيضاء، عازبة، وتعيش مع أسرتها التي تعرف ظروفا مادية متوسطة.
متهمة بجريمة السرقة والمشاركة في تكوين عصابة إجرامية وهي الآن قيد الاعتقال الاحتياطي، وقد قضت مدة شهر كامل بالسجن لحد الآن.
وعن ظروف ارتكاب الجريمة تقول بأنها جاءت إلى مدينة بني ملال لزيارة صديقها وقد قبض عليها وهي برفقته ولم ترتكب أيا من التهم الموجهة إليها.
المبحث الثاني: عرض نتائج الدراسة وتحليلها
سنتولى في هذا المبحث عرض نتائج الدراسة في مطلب أول على أن نقوم في مطلب ثاني بتحليل هذه النتائج.
المطلب الأول: عرض نتائج الدراسة الميدانية
أولا: النتائج الخاصة بفئات العينة
سنقوم بعرض هذه النتائج في شكل الجداول التالية:
-جدول رقم 1: يتعلق بتوزيع فئات العينة حسب السن:
الفئات العمرية التكرار النسبة المئوية
أقل من 20 سنة 2 15.39%
من 20 إلى 30 سنة 6 46.15%
من 30 إلى 40 سنة 3 23.07%
من 40 إلى 50 سنة - -
ما فوق 50 سنة 2 15.39%
المجموع 13 100%
يستفاد من هذا الجدول أن وثيرة الجنوح ترتفع بنسبة 46.15 % لدى الجانحات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 20 و 30 سنة، أي خلال المراحل الأولى لفترة الشباب.
-جدول رقم 2: توزيع الفئات حسب المستوى التعليمي:
المستوى التعليمي للنزيلة التكرار النسبة المئوية
أمية 5 38.46%
ابتدائي 5 38.46%
إعدادي 1 7.69%
ثانوي 2 15.39%
المجموع 13 100%

يستفاد من خلال ملاحظتنا للجدول أعلاه أن المستوى التعليمي والثقافي له التأثير الواضح في ظاهرة جنوح النساء، فقد شكلت نسبة الأميات والنساء اللواتي انقطعت عن الدراسة في المراحل الأولى للتعليم نسبة 76.92 %.
-جدول رقم 3: توزيع فئات العينة حسب الحالة العائلية:
الحالة العائلية للنزيلة التكرار النسبة المئوية
عازبة 3 23.07%
متزوجة 3 23.07%
مطلقة 4 30.79%
أرملة 3 23.07%
المجموع 13 100%
يقدم الجدول أعلاه صورة تقريبية للحالة الاجتماعية للنزيلات، ذلك أن النسبة الأكبر من النزيلات هن من فئة المطلقات في حين تساوت نسبة العازبات والمتزوجات والأرامل. وهذا ما يبرز التأثير السيء الذي تمارسه ظاهرة الطلاق على أوضاع المرأة، وخاصة اعتبارها أحد أبرز العوامل الدافعة إلى الانحراف.
-جدول رقم 4: توزيع فئات العينة حسب المهنة:
مهنة النزيلة قبل دخول السجن التكرار النسبة المئوية
ربة بيت 5 38.46%
تلميذة 1 7.68%
خادمة 4 30.79%
عاملة بمصنع 2 15.39%
تاجرة 3 7.68%
المجموع 13 100%
يوضح هذا الجدول الوضعية السوسيو اقتصادية للنزيلات، حيث شكلت ربات البيوت أعلى نسبة ب 38.46% تليها خادمات المنازل بنسبة 30.79% وهذا يوضح الظروف الاقتصادية السيئة التي تعيش فيها أغلب النزيلات والتي تشكل أهم عامل من عوامل الإجرام.
-جدول رقم 5: توزيع فئات العينة حسب مكان الإقامة:
مهنة النزيلة قبل دخول السجن التكرار النسبة المئوية
حضري 10 76.93%
قروي 3 23.07%
المجموع 13 100%
يتبين من خلال استقرائنا لنتائج الجدول أعلاه أن نسبة الجانحات الحضريات تمثل 76.93 % الشيء الذي يؤكد ما سبق وأن توصلنا إليها ونحن بصدد رصد الظاهرة الإجرامية عند المرأة بمنطقة مكناس، ذلك أن النسبة الأكثر ارتفاعا من الإجرام تقع بالمدن.
-جدول رقم 6 يتعلق بتوزيع العينة حسب نوع الجريمة:
نوع الجرائم التكرار النسبة المئوية
جرائم الاعتداء على الأشخاص 6 46.16%
الجرائم الماسة بالأموال 2 15.39%
الجرائم الماسة بنظام الأسرة 1 7.69%
الجرائم الماسة بالأخلاق 1 7.69%
جرائم المخدرات 3 23.07%
المجموع 13 100%
توضح معطيات الجدول أعلاه أن جرائم الاعتداء على الأشخاص شكلت النسبة الغالبة من بين الجرائم المرتكبة وذلك بنسبة 46.16 %.
ثانيا: نتائج الأسئلة المفتوحة
السؤال رقم1: يتعلق بمعيار تصنيف النزيلات داخل المؤسسة السجنية
تؤكد البيانات التي حصلنا عليها من خلال المقابلات التي أجريت مع فئات العينة أن توزيع السجينات داخل السجن لا يراعى فيه معيار التصنيف المنصوص عليه في المادة 6 من قانون 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، حيث تختلط المعتقلات احتياطيا (الحالة 13) بالمكرهات بدنيا، وبالمحكوم عليهن بعقوبات قصيرة المدة (الحالة 12) وبالمدانات بعقوبات طويلة الأمد (الحالة 1 و2).
كما لا يؤخذ بعين الاعتبار في توزيع المعتقلات معيار التصنيف حسب السن، حيث نلاحظ اختلاط المعتقلات القاصرات (الحالة 13 والحالة 7) بالمعتقلات الراشدات وحتى المعتقلات المسنات (الحالة 11 و12) رغم أن المادة الخامسة والمادة 34 من ذات القانون نصتا على ضرورة تخصيص محلات خاصة بالمعتقلات اللواتي لم يبلغن بعد سن الرشد، داخل حي النساء، والتي يجب أن تكون منفصلة تماما عن المحلات الخاصة بالمعتقلات الراشدات.
أما عن النساء الحوامل والأمهات المرفقات بأطفال فتخصص لهن المؤسسة غرفا خاصة بهن رغم أنها ليست منفصلة تماما عن باقي الغرف، مع تسجيل غياب لدار الحضانة الخاصة بالأطفال داخل المؤسسة، رغم أن المادة 34 من نفس القانون نصت على ضرورة توفر كل مؤسسة سجنية على دار للحضانة.
-السؤال رقم 2: يتعلق بمرافق حي النساء:
حسب المعطيات التي حصلنا عليها يتكون حي النساء بالسجن المحلي لبني ملال من خمس غرف، اثنان منهما مخصصة للحوامل والأمهات المرفقات بأطفالهن. ويتراوح عدد الأسرة داخل هذه الغرف ما بين 8 و14 سرير ويبلغ عدد النزيلات بكل غرفة ما بين 10 و 18 نزيلة، وبما أن عدد النزيلات يفوق عدد الأسرة الموجودة بكل غرفة فإن هذا يدل على وجود اكتظاظ بالمؤسسة، إذ كان أقل حدة مقارنة بالسنوات الماضية خاصة سنوات التسعينات (حسب أقوال الحالتين 1 و2).
ويشتمل الحي كذلك على ثلاث مراحض، حيث يخصص مرحاض لكل غرفة باستثناء 3 غرف تتشارك مرحاضا واحدا من بينها الغرفتان المخصصتان للأمهات والحوامل، رغم أن هذه الغرف هي الأولى بأن يكون داخل كل واحدة منها مرحاض خاص بها وذلك لتوفير الشروط الصحية والوقائية اللازمة لهذه الفئة من النزيلات.
كما يتكون الحي إلى جانب ذلك من دوش للاستحمام صغير المساحة، يتوفر على 9 رشاشات، ويتم استعماله مرة في الأسبوع في فصل الشتاء، ومرتين في الأسبوع في فصل الصيف. ومن ساحة تكتظ بالسجينات خلال أوقات الجولة اليومية بالنظر لصغر مساحتها إضافة إلى أنها تستغل لغسل الملابس ونشرها مما يزيد من ضيق المساحة بها.
أما فيما يخص المطبخ، فلا تتوفر المؤسسة إلا على مطبخ واحد مشترك بين حي النساء وحي الرجال إلا أنه يسمح للسجينات باستعمال المواقد الكهربائية الموضوعة في مكان خارج الغرف وذلك في حدود ما هو مسموح به حفظا للسلامة والأمن داخل المؤسسة.
ويتوفر الحي إضافة إلى المرافق السابقة على زنزانة انفرادية للتأديب ومكتب للممرضة الدائمة بالمؤسسة، ومكتب للموظفات الحارسات.
-السؤال رقم 3: يتعلق بنظام التغذية داخل المؤسسة السجنية:
اعتمادا على البيانات المستقاة من أجوبة فئات العينة بخصوص نظام التغذية داخل السجن، يلاحظ أن المؤسسة توفر للأطفال وجبات مختلفة من حيث المكونات عن الوجبات الخاصة بالنزيلات، بحيث تخصص للأطفال أطعمة كاملة من حيث القيمة الغذائية (لحوم، ألبان، خضر، فواكه، بيض، حلويات...) وهذا بعكس الأطعمة المقدمة للنزيلات التي تكون في غالب الأحيان عبارة عن قطاني، هذا ولا يتم تمييز النزيلات المريضات أو الحوامل أو حتى الأمهات المرضعات بتغذية خاصة مثل الأطفال بحيث تتناول هذه الفئات ما يتناوله باقي النزيلات وهذا راجع للإكراهات المادية للمؤسسة.
هذا وتشير البيانات إلى أن وجبات السجن لا تتناولها إلا النزيلات اللائي لا يتوصلن بمؤن خارجية إما بسبب بعد العائلة (الحالة 9 و13) أو لعدم وجود أقارب لهن (الحالة 6). أما باقي النزيلات، ويشكلن النسبة الغالبة، فيتناولن الأطعمة التي يتوصلن بها من الأسر أو التي يقمن بشرائها من القسط المالي، القابل للتصرف وذلك كما هو مرخص به في القانون رقم 23.98 من خلال المادة 118 والمادة 119.

-السؤال رقم 4: يتعلق بنظام العمل داخل السجن:
من خلال الإجابات التي حصلنا عليها من فئات العينة بخصوص هذا السؤال اتضح أن المؤسسة تحاول أن توفر عملا للسجينات وفقا للشكل المنصوص عليه في المادتين 35 و 41 من قانون 23.98 حيث تكلف الإدارة بعض المعتقلات بصفة دورية إما بتنظيف أروقة حي النساء (الحالة 9) أو بتقشير الخضر (الحالة 10)، كما تمنح المؤسسة مهمة مساعدة موظفات الحي في تنظيم أمور النزيلات وتقديم الخدمات الضرورية لسير المؤسسة لأقدم سجينة بالمؤسسة يطلق عليها اسم "كابرانة" (الحالة 1).
ويراعى في تكليف السجينات بالعمل عامل السن والحالة الصحية، حيث تعفى النزيلات المسنات (الحالة 12 و 11) والأمهات المرفقات بأطفال (الحالة 8) من القيام بأي نوع من الأعمال، كما يتم إعفاء المعتقلات اللواتي يتابعن دراستهن بالمؤسسة (الحالة 7) وذلك طبقا للمادة 38 من نفس القانون، وتعفى كذلك المعتقلات الاحتياطات من العمل (الحالة 10) إلا إذا عبرن عن رغبتهن في العمل ففي هذه الحالة يتوجب على المؤسسة توفير العمل لهن.
هذا وتوضح المعطيات المحصلة من خلال المقابلات مع فئات العينة، أن أغلب النزيلات الغنيات لا يقمن بالعمل المطلوب منهن بل يعهدن بذلك للنزيلات الفقيرات مقابل منحهن بعض المؤن أو الملابس.
السؤال رقم 5: يتعلق بنظام التكوين المهني داخل السجن:
تؤكد المبحوثات أن المؤسسة لا تعمل بنظام التكوين المهني، رغم أن المادة 11 من قانون 23.98 تنص على أن السجون تختص بتلقين المدانين تبعا لمؤهلاتهم تكوينا مهنيا قصد تأهيلهم للاندماج في الحياة العامة بعد الإفراج عنهم.
رغم ذلك تستفيد النزيلات من ورش للصناعة اليدوية تشرف عليه مؤطرة تنتمي للمندوبية الإقليمية لوزارة الشبيبة والرياضة، حيث تقوم بتلقين النزيلات دروسا في الأعمال اليدوية (الطرز، التريكو، أعمال الديكور...). إلا أن هذا الورش تواجهه صعوبات كثيرة منها صغر مساحة القاعة المخصصة لإنجاز الأعمال ضيق الوقت المخصص له، حصتان في الأسبوع بمعدل ساعة واحدة لكل حصة، انعدام التجهيزات وضعف الإمكانيات، هذا إلى جانب عدم استفادة كل النزيلات من هذا الورش إما بسبب استغراق كل وقتهن في العمل (الحالة 9) أو في الاعتناء بالأطفال (الحالة 8) وإما بسبب عدم رغبتهن في اكتساب أي مهارة (الحالة 5)، هذا ولا تمنح فرصة الالتحاق بالورش إلا للمدانات المحكوم عليهن نهائيا.
-السؤال رقم 6: يتعلق بنظام التعليم داخل السجن:
توضح البيانات المحصلة أن النزيلات بالسجن المحلي ببني ملال تتوفر لديهن إمكانية الاستفادة من دروس محو الأمية، إن كن من المدانات المحكوم عليهن بحكم نهائي، ذلك أن المعتقلات الاحتياطيات (الحالة 13) والمحكوم عليهن بعقوبات قصيرة الأمد (الحالة 12) والمكرهات بدنيا لا يستفدن من دروس محو الأمية.
ويضطلع بمهمة تدريس السجينات نفس المؤطرة التي تشرف على ورش الأعمال اليدوية وذلك خلال نفس الحصص المخصصة للورش وداخل نفس القاعة، الشيء الذي يؤدي إلى عرقلة وتصعيب عملية التعليم.
أما فيما يخص المعتقلات اللواتي يتابعن دراستهن من داخل السجن، فقد تبين لنا من خلال المقابلة مع النزيلة الوحيدة التي تتابع دراستها داخل المؤسسة (الحالة 7)، أن حي النساء تنعدم به أية قاعة مخصصة لمتابعة الدراسة، بحيث تضطر المعتقلات إلى الدراسة بداخل الغرف المكتظة بمختلف أصناف السجينات مما لا يساعد على توفير الجو الملائم للتحضير للامتحانات، أما مكتبة السجن فلا تلبي احتياجات النزيلات بحيث لا تحتوي إلا على قصص وبعض الكتب الدينية خاصة القرآن الكريم، وذلك على حد علم النزيلات، كما أن الحصول على هذه الكتب لا يتم مباشرة بل من خلال طلب ذلك من الحارسة التي تقوم بإحضارها من المكتبة، وتبقى الإمكانية الوحيدة المتاحة للحصول على الكتب والمراجع الضرورية هي التوصل بها من الخارج، أي من طرف عائلات وأسر المعتقلات، وذلك حسب الترخيص الذي نصت عليه المادة 122 من قانون 23.98.
أما عن طريقة اجتياز الامتحانات، فتؤكد (الحالة 7) أن الامتحانات تمر في ظروف عادية كما في المؤسسات التعليمية، بحيث يتم اجتياز الاختبارات داخل أحد مكاتب الإدارة وتحت مراقبة أحد أطر وزارة التربية والتعليم، وخلال المدة الزمنية المحددة وطنيا، أما عن أظرفة أسئلة الامتحانات والأجوبة عنها فتفتح بحضور الأشخاص المسؤولين وتختم أيضا بحضورهم.
-السؤال رقم 7: يتعلق بوسائل الترفيه داخل المؤسسة: العناية الروحية، النفسية والفكرية بالنزيلات
تؤكد النزيلات أنه تخصص لهن جولة يومية بشكل جماعي في ساحة الحي، وذلك لمدة ثلاث ساعات في الصباح ولنفس المدة في المساء طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 116 من قانون 23.98 إلا أن هذه الجولة لا تشكل أي متنفس لهن بحكم ضيق مساحة الساحة إضافة إلى استعمالها كمكان لتنظيف الملابس الشيء الذي يشكل إزعاجا بالنسبة للسجينات بفعل الاكتظاظ الحاصل بالساحة والتي تنعدم بها أي مناطق خضراء مما يؤثر سلبا على نفسية النزيلات.
إضافة إلى ذلك فإن المؤسسة لا توفر للنزيلات أي مكان لممارسة التربية البدينة والرياضة، بعكس المعتقلين من الرجال، رغم أن المادتين 115 و 117 نصتا على ضرورة تخصيص حصص لممارسة التمارين الرياضية.
كما تؤكد النزيلات أن المؤسسة لا تجري مسابقات ثقافية أو معارض إلا نادرا بحيث كان آخر معرض أجري بالمؤسسة في شهر رمضان المنصرم عرضت به منتوجات النزيلات في إطار ورش الأعمال اليديوية.
وتبقى وسائل الترفيه التي تتمتع بها السجينات هي تلك التي يقمن بجلبها أو التوصل بها من الخارج على نفقتهن كالتلفاز الراديو، الجرائد، المجلات...
أما عن ممارسة الشعائر الدينية فتؤكد النزيلات أن المؤسسة لا يوجد بها مسجد بحيث تقوم النزيلات بأداء فريضة الصلاة داخل الغرف المكتظة، أما عن دروس الوعظ والإرشاد فلا تستفيد منها النزيلات لانعدام الأطر المؤهلة للقيام بهذه المهمة.
-السؤال رقم 8، يتعلق بالخدمات الصحية المقدمة للمعتقلات:
تؤكد البيانات التي حصلنا عليها أن المؤسسة تتوفر على مصحة واحدة مجهزة طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 125 ( ) من قانون 23.98 كما تتوفر على طبيبة واحدة تعمل بها بصفة منتظمة، مرة واحدة في الأسبوع، بناءا على ما نصت عليه المادة 123 من ذات القانون، وعلى ممرضة دائمة بحي النساء( ) مكلفة بمراقبة النزيلات المريضات وتقديم الأدوية لهن، وبإسعاف الحالات المرضية الطارئة، أما الصيدلية فقد خصص لها مكتب الممرضة بالحي، وفي حالة إصابة النزيلات بأمراض لا يمكن معالجتها بمصحة المؤسسة فإنه يتم إيداعهن بالمركز الاستشفائي بالمدينة وذلك تحت إشراف الطبيبة (الحالة 2).
-السؤال رقم 9: يتعلق بالعلاقات القائمة بين السجينات داخل المؤسسة:
تؤكد كل النزيلات أن العلاقات فيما بينهن داخل السجن يطبعها نوع من المحسوبية والطبقية، ذلك أن النزيلات الغنيات يقمن باستغلال حاجة النزيلات الفقيرات فيكلفنهن بالقيام بأعمال لصالحهن (تنظيم الغرفة، ترتيب السرير، غسل الملابس) مقابل توفير بعض المؤن أو الملابس ، هذا إلى جانب حصولهن على أكبر مساحة داخل الغرفة يقمن بتجهيزها بكل وسائل الراحة والترفيه (الحالة 1) مما يؤدي إلى حصول نوع من التمييز بين النزيلات وبروز شكل من الفوارق الطبقية بينهن داخل المؤسسة.
هذا بالإضافة إلى السلبيات والمشاكل التي يثيرها انعدام تصنيف السجينات داخل الحي، حيث يؤدي إقامة النزيلات اللواتي ليس لديهن أطفال مع الأمهات المرفقات بأطفال، وذلك بفعل الاكتظاظ الحاصل في باقي الغرف، إلى نشوب عدة خلافات بينهن بسبب الأطفال في الغالب (الحالة 8) كما أن النزيلات المسنات يعانين بدورهن من إزعاج باقي السجينات لهن، خاصة النزيلات صغيرات السن (الحالة 12).
-السؤال رقم 10 : يتعلق بعلاقات المعتقلات مع الخارج:
تؤكد البيانات المستقاة من خلال المقابلات مع فات العينة، أن النزيلات يتمتعن بالحق في استقبال الزيارات طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 74 من قانون 23.98 التي توجب الحرص على الحفاظ على علاقة كل معتقل مع أقاربه وتحسينها كلما تبين أن في ذلك فائدة له ولعائلته، وذلك لتسهيل إعادة إدماج المعتقل داخل وسطه العائلي عند الإفراج عنه، وفي المادة 75 من نفس القانون التي تنص على حق المعتقلين في استقبال أفراد عائلتهم وأوليائهم، كما يمكن طبقا لنفس المادة، الترخيص لأي شخص آخر بزيارة معتقل، كلما كانت هذه الزيارة مفيدة لإصلاحه شرط الحفاظ على الأمن وحسن النظام داخل المؤسسة. ويقوم بتنظيم الزيارة داخل المؤسسة السجنية المدير الذي يحدد وثيرة الزيارات وعدد الزوار بالنسبة لبعض المعتقلين وذلك لأسباب أمنية.
وتتم الزيارة داخل السجن المحلي لبني ملال في يوم الأربعاء من كل أسبوع، داخل قاعة غير مشبكة تتيح التواصل مع الزائر بشكل مباشر طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 76 وذلك بحضور الموظفات وتحت مراقبتهن، غير أن الوقت المخصص للزيارة غير كافي بالنسبة للنزيلات حيث تدوم الزيارة لمدة عشر دقائق فقط.
كما يمكن للمعتقلات الاتصال بمحاميهن في أي وقت، ويتم ذلك داخل قاعة معدة لهذه الغاية.
بالإضافة إلى الزيارات أتاح قانون 23.98 للمعتقلات إمكانية التواصل مع عائلاتهن من خلال المراسلات التي تخضع للمراقبة، بحيث تقرأ جميع المراسلات الواردة أو الصادرة باستثناء تلك الموجهة من معتقلة احتياطية لمحاميها أو المبعوثة لها من طرف هذا الأخير وذلك طبقا للمواد 92-93 من هذا القانون.
وزيادة على ذلك، تؤكد النزيلات أن المؤسسة تتيح لهن إمكانية التحدث مع أسرهن عبر الهاتف وعلى نفقتهن وذلك لمرة واحدة كل أسبوع.
المطلب الثاني: تحليل نتائج الدراسة
إن دراسة وتحليل البرامج الإصلاحية والتأهيلية المطبقة داخل أية مؤسسة سجنية تقتضي بداية دراسة الظروف والعوامل التي دفعت بالجانحين إلى عالم الإجرام.
فدراسة هذه العوامل ستسهل حتما عملية تحديد البرامج التأهيلية الواجبة التطبيق داخل السجون حتى تتم عملة التأهيل وإعادة الإدماج بشكل فعال.
لذلك وقبل أن نقوم بتحليل البرامج التأهيلية المطبقة داخل السجن المحلي ببني ملال، سنتولى بداية تحليل مختلف العوامل التي ساهمت في جنوح هؤلاء السجينات على ضوء الدراسة التي أجريناها على عينة البحث.
الفقرة الأولى: تحليل العوامل التي دفعت بالسجينات إلى الجنوح
من خلال استقرائنا لنتائج الدراسة التي أجريناها على عينة البحث، يتضح أن معظم النزيلات بهذه المؤسسة السجنية ينتمين إلى الفئة العمرية التي تتراوح ما بين 20 و 30 سنة، مستواهن الدراسي لا يتجاوز المرحلة الابتدائية، مطلقات ويعشن بالمجال الحضري، وأغلبهن إما ربات بيوت أو خادمات بالمنازل.
وتوضح المعطيات أعلاه الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للسجينات، ذلك أن أغلبهن وكما سبق الذكر، ينتمين إلى الفئة الشابة، ومرحلة الشباب هذه تعد من أهم المراحل العمرية التي يمر منها الإنسان، بحيث تشكل بدايات النضج والبحث عن تحقيق الذات من خلال التوفق في تحقيق مستقبل زاهر وذلك بالنجاح في الدراسة أو في الحصول على عمل قار أو حتى في بناء أسرة من خلال الزواج.
وهذا ما لم تستطع السجينات تحقيقه، حيث أنه و خلال هذه المرحلة العمرية، يجدن أنفسهن قد فشلن في الحياة العملية والزوجية، (بطالة، فشل في الدراسة، طلاق...) وأمام الظروف المادية و الاقتصادية المزرية التي تواجههن على اعتبار أن معظمهن يقمن بإعالة أسرهن في غياب الزوج أو الأب، ونتيجة ضعف الموارد المالية التي يوفرها نوع الأعمال التي يمارسنها (خدمة بالمنازل، أعمال التنظيف، العمل بالمصانع) والتي لا تتناسب ومتطلبات الحياة، يضطر معظمهن إلى الالتجاء إلى عالم الفساد وبالتالي عالم الجريمة كحل بديل لمواجهة الظروف الاقتصادية المتردية التي يعشن في ظلها، وبذلك يكون انحرافهن وليد عدة عوامل يساهم فيها المجتمع بالنصيب الأكبر بفعل الضغوطات التي يمارسها على المرأة المطلقة خاصة.
الفقرة الثانية: تحليل البرامج التأهيلية المطبقة داخل السجن المحلي ببني ملال
في الفقرة السابقة أوضحنا أن أهم عوامل إجرام النساء بالمنطقة هي الأمية والبطالة والفقر، لذلك يتعين على المؤسسة السجنية عند ولوج السجينات إليها أن تجري عليهن كافة الاختبارات والفحوص الطبية والنفسية و الاجتماعية حتى تتمكن من تكوين فكرة عامة على معالم شخصية كل نزيلة، وبناءا على نتائج هذه الفحوص يتم تصنيف النزيلات وذلك بوضع كل نزيلة في المكان المناسب لحالتها حتى يمكن تطبيق البرنامج التأهيلي المناسب عليها وصولا إلى إصلاحها وتأهيلها.
ولا شك أن مثل هذا الأمر يستلزم وجود جهاز بشري متخصص يتولى القيام بهذه المهمات كالطبيب والأخصائي النفسي والأخصائي الاجتماعي، ومن لديهم خبرات في هذا المجال. كما يستوجب توافر أمكنة لاستيعاب الحالات المختلفة وتنفيذ عملية الفحص والتصنيف على أكمل وجه، وهذا ما لا يتوفر عليه السجن المحلي ببني ملال، فقد أثبتت الدراسة أن هذه المؤسسة تفتقر إلى الأطر البشرية اللازمة لأداء هذه الأدوار، بحيث لا يوجد بالمؤسسة إلا طبيبة واحدة تقوم بفحص كل نزلاء المؤسسة (رجال ، نساء، أحداث) ويساعدها في مهامها، ممرض دائم بحي الرجال وممرضة دائمة بحي النساء، الشيء الذي يعيق عملية الفحص إذ لا يتم فحص كل النزلاء الجدد وإنما من تبدو عليه حالات المرض أو من كان مصابا بجراح أو النساء الحوامل، وفيما عدى هذه الحالات فلا يتم الفحص الطبي إلا عند وجود حالة مرضية أثناء مدة الاعتقال.
أما عن الفحص النفسي والاجتماعي، فالمؤسسة لا تتوفر مطلقا على أخصائي نفسي، أما عن الأخصائي الاجتماعي فنسجل وجود مشرف اجتماعي يتولى رعاية الحالات الشاذة من المعتقلين الرجال أما المعتقلات من النساء فلا يستفدن من عملية المساعدة الاجتماعية.
أما عن التصنيف فنسجل أيضا غياب أي معيار لتصنيف النزيلات داخل المؤسسة باستثناء حالة المعتقلات الحوامل والأمهات المرفقات بأطفال اللواتي يتم عزلهن عن باقي النزيلات، وذلك راجع لعدم توفر المساحة المناسبة لذلك حيث أن عدد الغرف المتوفر داخل حي النساء لا يكفي لعزل وتصنيف المعتقلات بالنظر للاكتظاظ الحاصل.
وتوضح نتائج الدراسة من جهة أخرى، أن المؤسسة لا توفر أدنى فرص العمل والتأهيل المهني للسجينات، فكل ما تستفيد منه النزيلات هو ورش للأعمال اليدوية لا يستفدن منه الشيء الكثير بالنظر لقلة الحصص ولصغر مساحة القاعة المخصصة له، إضافة إلا أن الحصة الواحدة يتم فيها تدريب النزيلات على أعمال هذا الورش إلى جانب تلقينهن دروس محو الأمية وذلك تحت إشراف نفس المؤطرة الشيء الذي يعرقل عملية التكوين المهني وكذا عملية التعليم.
أما فيما يخص النزيلات اللواتي يتابعن دراستهن فإن المؤسسة لا توفر لهن وسائل التعليم، فإلى جانب غياب التعليم النظامي ومكتبة تحتوي على مراجع وكتب تلبي حاجياتهن، هناك الازدحام والضوضاء في الزنزانة، الشيء الذي لا يساعد على الإطلاق على توفير الجو الملائم للدراسة.
إن كل هذه الصعوبات والعراقيل التي تواجه نزيلات السجن المحلي ببني ملال، تجعل عملية إصلاحهن وتأهيلهن لإعادة الاندماج بالمجتمع بعد الإفراج شبه مستحيلة، فأمام غياب الإمكانيات المادية اللازمة وعدم ملائمة بناية المؤسسة لأداء الدور الإصلاحي المنوط بها، تبقى مجرد مؤسسة عقابية تؤدي دور الحراسة وسلب الحرية دون التطلع لأداء أي دور إصلاحي أو تأهيلي في هذا المجال.

الفـــــرع الثــــــاني: السجن المـــــــدني بمكناس
نصت المادة 4 من قانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية على أنه إذا كانت مؤسسة سجنية مخصصة لمعتقلين من الجنسين فإن المحلات المخصصة للنساء تكون منفصلة كليا عن المحلات المخصصة للرجال ويعهد بحراسة النساء إلى موظفات ولا يمكن للذكور بمن فيهم العاملين بالمؤسسة الدخول إلى جناح الإناث و هذا ما هو معمول به حاليا في السجن المدني بمكناس الذي يعتبر من أقدم السجون تأسس سنة 1928 خلال الاستعمار وتقع هذه المؤسسة في حي يدعى "حي سيدي سعيد" تحتوي على سبعة أجنحة:
1-خمسة أجنحة للرجال
2-جناح واحد خاص للنساء
ويحتوي الجناح الخاص بالنساء على ثمانية غرف للنوم وثلاثة زنزانات للتأديب ويتم توزيع السجينات في اغرف المتواجدة بالمؤسسة على الشكل التالي:
الغرف عدد السجينات المتواجدة بكل غرفة
غرفة خاصة بالمحكومات 17
غرفة خاصة بالمستأنفات 30
المصحوبات بأطفال 10
الاحتياطيات 26
الحوامل عدد غير قار
جدول يبين عدد السجينات المتواجدة بكل غرفة إلى حدود 31 دجنبر 2004.
كما تتوفر المؤسسة على ساحات للتفسح وبعض المصالح الاجتماعية كمصلحة خاصة يستفيد منها جميع السجينات دون تمييز يرأسها طبيبان ينتميان إلى الوظيفة العمومية التابعة لوزارة الصحة و هذا مبدأ من المبادئ التي قررتها جل التشريعات وأكدتها بعد ذلك المؤتمرات الدولية وقرره واعتنى به المشرع المغربي ألا وهو الرعاية الصحية كأساس لرعاية وتقويم النزيلات بالمؤسسات العقابية.
وقد حظي السحن المدني بمكناس بقسط وافر من هذا المبدأ العام، لذلك فإن هذان الطبيبان موجودان بصفة مستمرة الأول طبيب عام والثانية طبيبة أسنان، كما يقوم بزيارة المؤسسة ثلاثة أطباء يعملون معها بمقتضى عقد أبرمته معهم المؤسسة الأول طبيب عام والثاني طبيب أمراض الرئة والثالث طبيب للأمراض العقلية، ويستفيد من هذه المصلحة جميع السجينات في النهار أما في الليل وأيام السبت والأحد إذا استدعت الظروف علاج السجينة فإنها تنقل إلى المستشفى بعد أن تتصل إدارة مؤسسة السجن بمصلحة الإسعاف لكي تؤخذ السجينة المريضة لقصد علاجها ثم إرجاعها بعد ذلك إلى السجن، أما بالنسبة للسجينات الحوامل فإنهن يتلقين الرعاية الدائمة وينقلن إلى المستشفى للولادة، كما تقام لهن حفلة بمناسبة الولادة أو بما يسمى "بالعقيقة" وفي الحالات التي يكون المزداد ذكرا تقام له بعد ذلك حفلة ختان.
وفي سبيل إصلاح السجينات وإخراجهن من راحة الجهل وإعدادهن لمواجهة عراقيل الحياة يوم يغادرن المؤسسة تواجد بهذه الأخيرة مدرسة لمحو الأمية لكنه للأسف لا يوجد حاليا أطر تعليمية تتولى مهمة التدريس ومن يتولى هذه المهمة أحد السجينات المحكوم عليها بالمؤبد.
وقد سبق لأحد السجينات الحصول على إجازة في البيولوجية سنة 2003 وتتوفر المؤسسة على خزانة تحتوي رفوفها على بعض الكتب تقوم السجينات الراغبات في المطالعة اقتناء كتاب لقراءته على أن تقوم باسترجاعه خلال أسبوع.
كما كانت سابقا تأتي مرشدة كل أربعاء لتلقين السجينات الواجبات الدينية أما حاليا فقد انقطعت عن المجيء.
كما توجد بالمؤسسة بعض المصالح الاجتماعية الأخرى كالحمام يستفيد منه جميع النزيلات مرة واحدة في الأسبوع حسب تصريح الموظفات أما فيما يخص السجينات فصرحوا أنه مرة واحدة في أسبوعين وكذلك يقمن بالتنظيف والتصبين حيث يعطى لكل سجينة كمية من الصابون.
أما فيما يتعلق بشؤون الطبخ فالسجينات هن اللواتي يعددن بأنفسهن الطبخ ومن طرف اللواتي لهن خبرة في هذا المجال ويقدم للسجينات الواجبات الغذائية في فترات متتالية كالتالي:
جدول يبين الوجبات الغذائية للسجينات بسجن مكناس:
الفترات الساعة مكونات الوجبات
الفطور الثامنة الشاي، خبزة، (خبزة واحدة تقسم على الفطور والغذاء والعشاء)
-البيض مرتان في الأسبوع
الغذاء الثانية عشر والنصف -القطاني، والخضر دوما
-اللحم مرة أو مرتين في الأسبوع
-يوم الجمعة الكسكس
العشاء السادسة مساء -العجائن (أرز، شعرية...)

من خلال الجدول يتبين سوء الوجبات الغذائية التي تقدم للسجينات واللواتي لا يترددن في رفضها حسب تصريحاتهن وتأكيد ذلك من طرف الموظفات.
وللسجن المدني عدة مكاتب ومصالح فنية مثل كتابة الضبط وقسمت إلى عدة مكاتب ويعتبر مكتب تنفيذ العقوبات القلب النابض لمؤسسة السجن ومن أهم مهامه التخفيف من سنوات اعتقال السجينة.
وهناك أيضا مكتب خاص لمراقبة الرسائل وضبطها ذلك أن السجينة أثناء وجودها بالمؤسسة يمكنها أن تتوصل بالكتب والطرود البريدية بعدما يتم فحصها والاطلاع عليها من طرف المكلف بالشؤون الاجتماعية كما يمكن للسجينات الاتصال بأسرهم لكن ذلك يتم بإجراءات معقدة حيث ضرورة الإدلاء بفاتورة الهاتف تحمل نفس الاسم العائلي لأسرتها، والاتصال يتم مرة واحدة في الأسبوع يوم الثلاثاء مساءا، أما فيما يتعلق بالزيارات فإن القانون الداخلي للمؤسسة العقابية يسمح لأقارب النزيلات بزيارتهن مرة في الأسبوع يوم الأربعاء وجلب لهن الأطعمة والأشربة والاتصال يتم في مكان خاص خصص لهذا الغرض في قاعة واسعة بوجود الحراس، حتى لا يستطيع أي واحد من الزوار من تقديم أي شيء من الأدوات المحرمة إدخالها إلى السجن كالحشيش أو سكين أو أي سلاح آخر ولأجل ذلك فإن الموظفين يتولون مراقبة النزيلات وأقاربهن وفي الواقع فإن المؤسسة تتوفر على موظفين مسلحين فهي شبه عسكرية للحماية والدفاع عن نفسها في حالة قيام فوضى من طرف بعض المتمردين أو في حالة تعرض المؤسسة لعدوان أو هجوم خارجي (قليلا ما يسمع حدوث هذا) لذلك سمح لها القانون بحمل السلاح ويتلقى الموظفون قبل دخولهم المؤسسة تدريبا وتكوينا في معهد التكوين الموجود بالرباط.
كما توجد بالمؤسسة كتابة للضبط تتولى تسجيل ومسك دفاتر التسجيل يسجل فيها السجينات اللواتي تم إيداعهن في المؤسسة عند دخولهن لأول مرة ونوع العقوبة ونوع الجريمة و هذه السجلات تسمى بسجلات الاعتقال كما تتولى هذه الكتابة تطبيق وتنفيذ أوامر المحاكم.
ومن ناحية العمل داخل المؤسسة فأن السجينات ملزمات بالقيام بأي عمل كتنظيف الغرف وتنقيته القطاني والخضر كما أن العمل داخل المؤسسة لا يشمل جميع السجينات ذلك أن المستفيدات منه هن المتعلمات والمحكومات عليهن بستة أشهر إلى ما فوق وحاليا لا يتعدى مجموعهن أربعة إلى خمسة سجينات والعمل المتوفر داخل المؤسسة هو صناعة الزرابي ويتقاضون أجرا رمزيا مقابل عملهن تصل إلى 6 دراهم، إلا أن السجينات لا يعملن بدون توقيف فإنما هناك تحديد لساعات العمل داخل المؤسسة حيث يبدأ النزيلات العمل داخل المؤسسة بعد تناولهن لوجبة الفطور وبعد تنظيف غرفهن وأماكنهن ويمتد العمل حتى الساعة الحادية عشر والنصف وذلك لاستعدادهن لتناول وجبة الغذاء ويستأنفن عملهن في الساعة الثانية والنصف بعد الزوال إلى غاية الخامسة والنصف مساءا، أما السجينات الغير المستفيدات من العمل فإنهن يخرجن للتفسح في الساحة الموجودة في المؤسسة و هذا تقصير من طرف المؤسسة لأنه من شروط الرعاية الاجتماعية و الإصلاحية التي تتبناها مديرية السجون في المغرب هو توفير العمل أي تشغيل السجينة حسب معطيات تكوينها الجسماني والنفسي وميولها، وهذه الرعاية الاجتماعية تهدف إلى مساعدة السجينة على التكيف مع ما تفرضه الحياة داخل هذه المؤسسات العقابية من قيود وكذلك تساعدها على حل مختلف المشاكل التي تتعرض لها بسبب وجودها في السجن لكن للأسف فالسجن المدني بمكناس لازال لم يتبنى سياسة الإدماج ومن ثم توفير الرعاية الاجتماعية والإصلاحية.
وعليه فإن مؤسسة السجن المدني بمكناس تخضع لمراقبة مستمرة من طرف الهيئات القضائية بالمدينة حيث يقوم وكيل الملك بزيارة رسمية للاطلاع على أحوال المؤسسة وسيرها خلال كل شهر.
كما يقوم بزيارة السجن بعض المنظمات واللجن وأخيرا جاءت لجنة لحقوق الإنسان يوم العالمي للمرأة وقامت بإعداد حفلة شاركت فيها جميع السجينات.
وقمنا داخل السجن باستجواب عينة من السجينات جاءت على الشكل التالي:

جدول يبين عينة من السجينات بسجن مكناس
نوع الجريمة العقوبة السن الحالة
العائلية الأولاد المستوى
الدراسي المهنة
المشاركة في القتل العمد
السرقة الموصوفة بالليل وإخفاء جثة وتغيير معالم الجريمة أمضت سنة ولا زالت معتقلة احتياطية 39 متزوجة 3 الابتدائية بدون عمل
تقديم وسيلة استعملت في ارتكاب جريمة قتل عمد 20 سنة أعفيت من 6 سنوات 40 متزوجة 2 أمية بدون عمل
الفساد، السكر العلني، السرقة معتقلة احتياطية 30 أرملة 3 أمية بدون عمل
تكوين عصابة إجرامية والسرقة الموصوفة أمضت 9 أشهر معتقلة احتياطية 53 متزوجة 5 إعدادي بدون عمل
النصب والاحتيال
حالة عود سنتين
مستأنفة 40 متزوجة 8 حامل أمية بدون عمل
اختطاف قاصر وحجزه بهدف الوصول إلى فدية والاعتداء عليه بأفعال تؤدي إلى موته مؤبد 21 عازبة إعدادي بدون عمل
عدم التبليغ عن جريمة القتل معتقلة احتياطية 30 متزوجة 2 أمية التجارة
المشاركة في القتل العمد مع أمها وخالتها وجدتها (قيم الزوجة بتقطيع جسد الزوج جراء اغتصابه لبنتها) البنت25 سنة
الأم 30 سنة
الخالة 30 سنة
الجدة 5 سنوات 22 عازبة
(لمغتصبة) - أمية الخياطة
القتل العمد مشاجرة مع المرأة الثانية لزوجها وقتلها بسكين 15 سنة 26 مطلقة - أمية صناعة الزرابي
قتل وليدها 4 سنوات 21 مطلقة - أمية الاشتغال "بالموقف"
الفلاحة
إعداد محل للدعارة 6 أشهر وغرامة تبلع 2000 درهم 49 مطلقة 2 الابتدائية التجارة
هؤلاء السجينات وإن يجمعهن قاسم مشترك وهو ارتكاب الجريمة وبالتالي تحدي المجتمع وقوانينه ومؤسساته فإن الأسباب التي تقف وراء ارتكابهن الجريمة لا يمكن إرجاعها إلى سبب معين أو عامل معين إذ الدوافع تختلف من سجينة إلى أخرى ولذا فإننا سنوضح الأسباب التي جعلت هؤلاء السجينات دخولهن إلى السجن كالتالي:
أ-التفكك الأسري
من الأمور الأسرية التي تؤثر على المرأة في طفولتها بحيث تترك أثرا على سلوكها الإجرامي المستقبلية التفكك الأسري الذي تعاني منه أسرتها مثل عدم وجود الأبوين في نطاق الأسرة إما بغيابهما معا أو بغياب أحدهما وذلك بسبب الطلاق أو الوفاة أو الهجرة ويحدث هذا التفكك أيضا عندما يسود الأسرة علاقات سيئة كالشجار الدائم وعدم الاهتمام بالأبناء وتوفير العناية والرعاية لهن مما يؤثر على سلوكهما وتندفع نتيجة ذلك إلى سلوك طريق الجريمة وهذا ما صرحت به بعض السجينات المدرجات في الجدول أعلاه أن آباءهم وأمهاتهن لا يعيشون مع بعض وذلك بسبب الوفاة لأحدهما أو كلاهما أو طلاقهما.
إضافة إلى ذلك الهروب من الوسط العائلي خاصة من القرية إلى المدينة والصحبة السيئة التي تؤدي إلى الالتفاف حول المنحرفات أو الفاسدات أخلاقيا مما يجعلها تقع فريسة سهلة بيد من قد تستغلها في ارتكاب الجرائم خاصة جرائم الدعارة والسرقات والنصب.
ب-الفـقـر
يعتبر الفقر من أهم العوامل التي يدفع المرأة إلى ارتكاب الجريمة وبأي شكل من الأشكال ويقصد بالفقر هو عجز المرأة عن إشباع حاجاتها الشخصية الرئيسية بالشكل المطلوب كما نقصد به الدخل المادي المنخفض لأسرتها وأكدت لنا هذه الدراسة أن المرتكبات للجرائم ينتمين إلى أسر فقيرة ومن تم يتجهن إلى ممارسة السرقة وإعداد محل الدعارة من اجل الحصول على المال لشراء حاجاتها الشخصية أو لمساعدة الأسرة نتيجة لفقرها أو تدني مستوى معيشة أسرتها خاصة إذا كان عائلها كالأب أو الزوج عاطلا عن العمل أو مطلقة ولها أطفال ما يدفع بها إلى ارتكاب هذه الجرائم من اجل إشباع ضروريات أولادها، ولقد اتضح لنا من مقابلات السجينات أن أسباب ارتكابهن لتلك الجرائم (وفقا لإجابتهن) إلى العوز والفقر، وأبرز دليل على ذلك السجينة المحكوم عليها بالمؤبد والذي تبلغ فقط واحد وعشرون سنة لجأت إلى اختطاف قاصر وطلب فدية وذلك بسبب الفقر.
ج-البطـالـة
إن عدم حصول المرأة على عمل وخاصة إذا كانت تعيل أسرة أو لا يوجد من يعيلها ويرعاها قد يدفعها إلى ذلك إلى ارتكاب جرائم النصب والاحتيال وخاصة جريمة السرقة واللجوء إلى الدعارة.
كما لاحظنا خلال الدراسة الميدانية تفشي نسبة الأمية بين السجينات (الجدول) حيث أن الأميات يفوق عدد المتعلمات داخل المؤسسة وذلك راجع إلى الفقر حيث يحول بين الفتاة وبين متابعة دراستها أو لعدم تعلمها بالمرة، وبالتالي عدم إمكانية الحصول على عمل يمكن أن تكتسب منه لأن إمكانياتها وخبراتها ومواهبها قليلة فتكون أقل حظا في الحياة الاجتماعية وسهلة الانحراف والوقوع في الجريمة وسريعة التأثر بالمؤثرات الخارجية والاستجابة لتحريض معين يمارس عليها كما يلاحظ من خلال الجدول ميول المرأة نحو ارتكاب جريمة القتل إما من زوج ظالم ومتعدي مثل المرأة التي قامت بتقطيع جثة زوجها (الثاني) بمشاركة أختها وأمها وابنتها ورميه في الأزبال وذلك بسبب اغتصابه لابتنتها من زوجها الأول المتوفي وقد تناولت معظم وسائل الإعلام هذه الجريمة بمدينة مكناس (الجدول) أو تقتل وليدها خوفا من العار والفضيحة إذا حملت به حملا غير شرعي أو تقتل نتيجة الغيرة أو على إثر مشاجرة حيث قامت إحدى السجينات بقتل الزوجة الثانية لزوجها مشادة ومشاجرة معها وطعنها بواسطة سكين.
وهكذا فإن الضغط الاجتماعي يذهب بالمرأة ويحركها إلى ارتكاب الجريمة وكي لا يفوتنا في هذا السياق قمنا بمعرفة علاقة السجينات مع أسرهن فكانت الأجوبة تتأرجح ما بين العلاقة الجيدة من حيث الزيارة الدائمة وجلب كل متطلباتهن وبين انقطاع العلاقة وذلك بسبب الفقر لأسرهن وانعدام الإمكانيات المادية من احل زيارتهن أو بسبب البعد لعائلة السجينات.
أما فيما يتعلق بنوع المعاملة التي تتم بين المسؤولين والسجينات قمنا باستوضاح ذلك وأكدت لنا السجينات على حسن المعاملة من طرف الموظفين داخل المؤسسة أما بالنسبة للإيواء فلعل ما يمكن إثارته هو مسألة الاكتظاظ حيث في بعض الفترات يرتفع عدد السجينات بشكل ملموس إلى درجة تجعل الزنزانات تفوق طاقتها الاستعابية من تسعة سجينات إلى عشرون سجينة مما يستدعي اشتراك الأسِرَّة وما ينتج عن ذلك الكثير من السلبيات نذكر منها:
-انتشار الأمراض بسرعة عن طريق العدوى
-الاكتظاظ يؤدي إلى الإخلال بنظام الانضباط
اختلاف الثقافات وتعارضها مما يؤدي إلى سوء التفاهم بين السجينات والمشاجرة.
أما وسائل الترفيه فالسجينات الميسورات هن اللواتي يجلبن التلفاز من اجل استغلال أوقاتهن الفارغة والترفيه على أنفسهن في غياب عمل يساعدهن على مواجهة ظروف السجن.
نتـائج الـدراسة
بالرغم من المجهودات المبذولة في جعل العقوبة تؤدي دورها الإصلاحي والتربوي خلال السنوات الأخيرة من طرف مديرية السجون عن طريق إحداث وتجهيز مراكز بيداغوجية من اجل تكوين السجناء في مختلف الشعب وتمكينهم من اكتساب مهارات وحرف معينة إلا أن هذه الأهداف تبقى قاصرة في بعض المؤسسات السجنية ولم يتم تعميمها على باقي المؤسسات الأخرى ومن بينها السجن بمدينة مكناس محل الدراسة حيث استخلصنا مجموعة من النتائج.
أولها التعليم داخل هذا السجن لم يلق الاهتمام الكافي حيث أنه بالرغم من توفر بلادنا من 25 غشت 1999 على قانون جديد للسجون قانون 23.98 يتميز بتبيينه لقواعد الأمم المتحدة النموذجية لمعاملة السجناء وترسيخه لحقوق الإنسان حيث أن من أهم المبادئ التي جاء بها هذا القانون هو تعميم التعليم على المؤسسات السجنية فإن الملاحظ هو غياب هذا المبدأ داخل سجن مكناس وهذا ما لا يتماشى مع التطور التي طالت بعض السجون في هذا الموضوع.
أما النتيجة الثانية هي مشكلة الاكتظاظ وذلك لعدم التناسب بين الطاقة الاستيعابية وعدد الوافدات على السجن خصوصا و أن الزيادة في الجريمة وعدد المجرمين يعرف تطورا سريعا ومذهلا، وذلك راجع إلى متابعة الكثير من المتهمات في حالة اعتقال احتياطي الوقت الذي يمكن متابعتهن في حالة سراح لتوفرهن على الضمانات لمثولهن أمام المحاكم.
والنتيجة الثالثة تكمن في نقصان فرص العمل داخل السجن ذلك أن العمل المتوفر هو صناعة الزرابي ولا يستفيد منه جميع السجينات وهذا ما لا يجعل السجينات يتكيفن مع ما تفرضه الحياة داخل هذه المؤسسة لأن العمل يحقق لهن استغلال أوقات فراغهن في عمل مثمر من جهة ومن جهة أخرى يساعدهن عند مغادرتهن السجن وذلك بما يوفره من الأجور المدفوعة لهن لقاء الأعمال التي يقمن بها كثمرة اقتصادية بالإضافة إلى ذلك فإن العمل يزرع في نفوسهن الثقة والشعور بالمسؤولية.
كما أن السجينات يشتكين من سوء التغذية التي تقدم لهن هذا يجعل السجينات يكتفين بما يتم جلبه من طرف أسرهن.
وهكذا من خلال النتائج التي عرضناها يتضح لنا افتقار المؤسسة إلى وسائل إعادة الإدماج التي تعتبر من أهم الدعائم الأساسية في صياغة وفعالية التدخل العلاجي والتأهيلي والإصلاحي التي يتوخاه المجتمع من المؤسسة السجنية ذلك أن قانون 23.98 كفل العديد من وسائل الحماية للنزلاء نذكر منها:
*توفير الرعاية الصحية والطبية والأدوية اللازمة للنزلاء في المؤسسات ونقل ما يحتاج منهم إلى المستشفيات المختلفة إذا لزم الأمر وحسب ما يوحصي به طبيب المؤسسة.
*توفير الغذاء الصحي والمناسب للنزلاء لا سيما وجبات غذاء خاصة للمرضى حسب توصية طبيب المؤسسة (غيابه في سجن مكناس).
*مراعاة قواعد تصنيف النزلاء ووضع كل واحد منهم في المكان الذي يتلاءم مع فئته أو صنفه.
*توفير وسائل الاتصال بين النزلاء وذويهم ومحاميهم.
*منع تشغيل النزلاء في أعمال مهنية أو حاطة بالكرامة الإنسانية.
*توفير المعيشة الإنسانية
*ضمان حق الشكوى
وبالإضافة إلى وسائل الحماية هاته هناك مبادئ وضمانات جاء بها هذا القانون وهي الموجهة لتطبيق العقوبة والمعاملة ومنها تفريد المعاملة والعلاج والامتياز والتعليم والعمل.
ومن خلال ما سبق يبقى على عاتق مديرية إدارة السجون تعميم البرامج الإصلاحية والتقويمية على جميع المؤسسات السجنية بالمغرب ذلك أن هذه الآليات التي ينبغي تفعيلها ليست من باب الصدقة أو الإحسان أو أنها امتيازات تمنح للنزلاء بل إن المجتمع بتقديمه لمثل هذه الخدمات، يقوم بحماية نفسه من الجريمة والإجرام وحماية المجرم النزيل من نتائج أفعاله الإجرامية.

الفــــــرع الثـــــالث: خلاصة تركيبية لنتائج الدراسة:
إن قيام المؤسسات السجنية بدورها الإصلاحي والتأهيلي ليس بالمهمة السهلة ولا اليسيرة، ذلك أنه لابد من توافر عناصر النجاح وأسبابه، ولعل أبرز العناصر الواجب توفرها تتمثل في الموارد المالية اللازمة والبنايات الحديثة المناسبة لتطبيق البرامج الإصلاحية والتأهيلية، والتي تتطلب وجود أطر مؤهلة للقيام بهذه المهمة.
وإذا ما حاولنا إلقاء نظرة على العناصر المتوفرة بكل من السجن المحلي ببني ملال والسجن المدني بمكناس فإننا نستنتج العديد من الخلاصات التي ستوضح بشكل كبير ما يجب وما لا يجب لإنجاح العملية الإصلاحية والتأهيلية.
هكذا سنحاول عرض هذه الخلاصات من خلال دراسة البرامج الإصلاحية والتأهيلية المطبقة داخل المؤسسات العقابية المغربية في المبحث الأول، على أن نعرض في المبحث الثاني لأساليب تنفيذ الجزاء الجنائي خارج المؤسسات العقابية باعتبارها تمثل بدورها أحد أهم وسائل التأهيل من أجل إعادة الإدماج داخل المجتمع.
المبحث الأول: البرامج الإصلاحية والتأهيلية المطلقة داخل المؤسسات العقابية.
من خلال دراستنا لعينات البحث لاحظنا بأن معظم السجينات يتوفرن على مستوى ثقافي جد متدني، بحيث لم يتجاوز معظمهن المستوى الابتدائي، ولا يتوفرن على موارد كافية للعيش، فأغلبهن يعملن كخادمات بالمنازل.
وإذا كانت كل هذه الظروف تشكل العامل الأساسي الذي ساهم في إجرام النساء، فإن المؤسسات السجنية يتوجب عليها أن تعمل على القضاء على هذه العوامل من خلال تطوير برامج التعليم والتهذيب والتكوين المهني، وكذلك بتطوير برامج الرعاية الاجتماعية.
المطلب الأول: برامج التعليم والتهذيب
يعتبر التعليم والتهذيب من أهم أساليب المعاملة العقابية التي تساهم في تحقيق الغرض الأول من الجزاء الجنائي وهو التأهيل والإصلاح، فقد سبق أن بينا أن الجهل يعتبر عاملا من عوامل الدافعة إلى السلوك الإجرامي، ولذلك فإن تعليم السجينات ينتزع لديهن هذا العوامل، وفضلا عن ذلك فالتعليم يوسع مدارك المحكوم عليهن وينمي إمكاناتهن الذهنية مما يعينهن على حسن فهم الأمور وتقدير عواقبها. وبالإضافة إلى ذلك فإن التعليم يفتح أمام السجينات أبوابا للعمل كانت موصدة دونهن بسبب الجهل.
ويعتبر محو الأمية أدنى درجات التعليم وأغلب التشريعات تجعل هذه الدرجة من تعليم المساجين إلزامية ( ). وفي المغرب يعتبر برنامج محو الأمية السبيل الوحيد لتعليم السجينات.
إلا أن تطبيق هذا البرنامج لا يتم بنفس الوثيرة داخل المؤسسات السجنية المغربية وذلك إما بسبب غياب الأطر المتخصصة (نموذج سجن مكناس) أو بسبب انعدام الإمكانيات المادية اللازمة (نموذج سجن بني ملال).
وللتهذيب بدوره أهمية كبرى في إصلاح النزلاء، لإعادة إدماجهم في المجتمع وتكييفهم معه، فقد يكون انعدام أو ضعف الوازع الديني عاملا من العوامل المؤدية إلى الانحراف بالنسبة لبعض النزلاء، وبذلك يكون للتهذيب الديني في هذا المجال الفضل في استئصال أحد العوامل المؤدية للسلوك الإجرامي.
ونقصد هنا بالتهذيب ذلك الذي يغرس المبادئ والقيم الدينية التي تحث على الخير وتنهى عن الشر وتذكر الله سبحانه وتعالى، وبقدرته على عدله وعقابه. ويتولى مهمة التهذيب رجال الدين الذين تعينهم إدارة المؤسسة العقابية لهذا الغرض، ويجب أن تتوفر فيهم الشروط العامة كشرط الكفاءة في معاملة النزلاء وجذبهم، والتأثير في عقولهم. ووسائل التهذيب الديني تتمثل في إلقاء المحاضرات والمناقشات الجماعية والإجابة على استفسارات النزلاء وإقامة الشعائر الدينية( ).
وما لاحظناه من خلال الدراسة الميدانية أن السجينات لا يستفدن من برامج الوعظ والإرشاد الديني بل الأكثر من ذلك لا يتوفرن على مكان لأداء الشعائر الدينية، فالصلاة يتم أداؤها داخل الزنازن المكتظة، الشيء الذي ينعكس سلبا على عملية إصلاح وتأهيل السجينات.
المطلب الثاني: برنامج التكوين المهني
إن تشغيل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية ينمي لديهم الشعور بالمسؤولية والاعتماد على النفس واستغلال ما لديهم من طاقات للوصول إلى الأهداف المشروعة. وهكذا يتجه العمل إلى تأهيل النزلاء من خلال تدريبهم على كسب مهنة أو حرفة أو إتقانها بحيث ستطيعون بعد الإفراج عنهم مباشرتها( ).
ويحظى التكوين والتأهيل المهني بأهمية كبيرة في تنظيم العمل داخل السجون، ذلك أنه من بين الأسباب التي تؤدي إلى الجريمة الافتقار إلى القدرة على مباشرة عمل في صورة تدر موارد رزق كافية وتبعث في نفس العامل الاعتداد بعمله. وقد أشار مؤتمر جنيف إلى أن تحديد برنامج العمل الإصلاحي ينبغي أن يوجه إلى التكوين المهني، ويجب أن تكون أساليب وقواعد هذا التكوين مطابقة لما هو موجود ومقرر بصفة عامة في الدولة بحيث يحصل المحكوم عليهم على إعداد معادل للأشخاص الذين تلقوا التدريب خارج المؤسسة ويحصلون تبعا لذلك على شهادة أو دبلوم وفقا للقواعد المعتادة. وقد أشارت مجموعة قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء بدورها إلى الأهمية التي ينبغي الاعتراف بها للتدريب والتكوين المهني.
إلا أن ما خلصنا إليه من خلال الدراسة الميدانية أن المؤسسات السجنية قيد البحث لا توفر أدنى فرص العمل للسجينات، طبقا للمعايير التي أشرنا لها سلفا، فكل ما تفرضه المؤسسات على النزيلات هو بعض أعمال التنظيف أو القيام بمساعدة موظفات السجن، كما أنها لا تعتمد داخلها برامج التكوين المهني ماعدا بعض أوراش الصناعة اليدوية (صناعة الزرابي بسجن مكناس، أعمال يدوية بسجن بني ملال) التي لا تساهم بشكل فعال في تكوين النزيلات.
المطلب الثالث: برنامج الرعاية الاجتماعية
إن الرعاية الاجتماعية تساعد النزلاء على تقبل الحياة السجنية وتكيفهم معها، وتوجيه النصح لهم في كل مشاكلهم بسبب الحياة الجديدة، وكذلك تأهيلهم وإعدادهم للعودة إلى المجتمع أفرادا صالحين.
ومن أساليب الرعاية الاجتماعية المساعدة على حل مشاكل النزلاء، بحيث يكون بعضها سابقا على دخولهم السجن والبعض الآخر لاحقا يرجع أغلبها إلى سلب الحرية وما يترتب عليها من آثار نفسية ضارة، وما يتبع ذلك من صعوبة التكيف مع الحياة الجديدة.
وتعد الأنشطة الترفيهية جزءا مهما من عملية التأهيل الاجتماعي، إذ تهيء النزيل جسديا وذهنيا للإقبال على البرامج التربوية والتدريبية وعلى تقبلها وهو في وضع جسدي مريح، وقادر على ذلك، بالإضافة إلى أن الترفيه يقوم بدور مهم في عملية التأهيل الاجتماعي للنزلاء حيث يتم وفق برامج مدروسة الأهداف والوسائل.
كما يعتبر من أساليب الرعاية الاجتماعية تنظيم اتصالات النزلاء بالعالم الخارجي وذلك تمهيدا لعودتهم للمجتمع، ذلك أن إبعاد النزلاء عن أسرهم كثيرا ما قد يؤثر على حياتهم النفسية مما يعيق تنفيذ البرامج الإصلاحية التي تهدف بالأساس إلى سير عملية التقويم والعلاج، لذلك استقرت الآراء حديثا على توطيد الصلات بين النزلاء وبين المجتمع عن طريق فتح الزيارات العائلية المستمرة وعن طريق المراسلات والاتصالات الهاتفية، باعتبار ذلك يدخل في أساليب المعاملة ويساهم في تحقيق أغراض التنفيذ العقابي( ).
وفي هذا الصدد، توضح الدراسة الميدانية بكل من سجن مكناس وسجن بني ملال أن هذه المؤسسات لا تأخذ بنظام الرعاية الاجتماعية بمفهومه المطلق، حيث نسجل غياب مشرفات اجتماعيات يقمن بمساعدة السجينات، كما نسجل ندرة الأنشطة الثقافية والترفيهية، ويبقى المجال الوحيد لتحقيق الرعاية الاجتماعية هو الزيارات العائلية والمراسلات التي تمكن النزيلات من التواصل مع العالم الخارجي.
المبحث الثاني: تنفيذ الجزاء الجنائي خارج المؤسسات العقابية
يكون التنفيذ الجزئي للجزاء الجنائي خارج المؤسسات العقابية بمثابة المرحلة الأخيرة في نظام تدريجي يلي السلب الكامل للحرية ويسبق التمتع بالحرية الكاملة، حتى يتعود المحكوم عليه على الحياة الاجتماعية العادية، فيسهل اندماجه في المجتمع بعد ذلك.
ويتخذ هذا التنفيذ في القانون المغربي صورة الإفراج الشرطي، وهو إطلاق سراح المحكوم عليه قبل الأوان نظرا لحسن سيرته داخل السجن، ولكن على شرط أن يظل مستقيم السيرة في المستقبل، أما إذا ثبت عليه سوء السلوك أو إذا أخل بالشروط التي حددها القرار القاضي بالإفراج الشرطي، فإنه يعاد إلى السجن لتتميم ما تبقى من عقوبته ( ).
ويبرر الأخذ بهذا النظام بأن الإفراج عن المحكوم عليه قبل انتهاء مدة العقوبة، إذا كان سلوكه حسنا، يدفع المحكوم عليه إلى سلوك السبيل القويم أغلب فترة الاعتقال سعيا وراء الاستفادة من هذا النظام. وبأن فرض التزامات معينة على المحكوم عليه بعد الإفراج عنه إفراجا شرطيا وكون استمرار هذا الإفراج معلقا على وفائه بهذه الالتزامات، يجعل المفرج عنه يحرص على احترام القانون حتى لا يتعرض لإلغاء الإفراج والعودة إلى السجن مرة أخرى. ومن جهة ثالثة، يجد هذا النظام تبريره في أن فترة الإفراج الشرطي تساهم في تحقيق تكييف المحكوم عليه مع المجتمع إذ تعتبر فترة انتقال من سلب الحرية المطلق في ظل المؤسسة العقابية إلى نوع من الحرية المقيدة، فيمثل هذا نوعا من التدرج في ممارسته لحريته حتى لا يدفعه انتقاله طفرة واحدة من القيود الشديدة إلى الحرية الكاملة، إلى إساءة استعمالها والعودة إلى ارتكاب الجريمة ( ).
وأخذا بهذه الاعتبارات نظم المشرع المغربي مؤسسة الإفراج الشرطي في المواد 633 إلى 632 من قانون المسطرة الجنائية. وهكذا يمكن للمحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية من أجل جناية أو جنحة، الذين برهنوا بما فيه الكفاية على تحسن سلوكهم، أن يستفيدوا من الإفراج المقيد بشروط إذا كانوا من بين المحكوم عليهم من أجل جنحة والذين قضوا حبسا فعليا يعادل على الأقل نصف العقوبة المحكوم بها، أو من بين المحكوم عليهم بعقوبة جنائية أو بعقوبة جنحية من أجل وقائع وصفت بأنها جنائية، أو من أجل جنحة يتجاوز الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات حبسا إذا قضوا حبسا فعليا يعادل على الأقل ثلثي العقوبة المحكوم بها وإذا تعلق الأمر بمحكوم عليهم بالإقصاء فلا يمكن أن يكون اعتقالهم الفعلي أقل من ثلاث سنوات ابتداء من اليوم الذي أصبح فيه تدبير الإقصاء ساري المفعول ( ).
ويتم منح الاستفادة من الإفراج المقيد بشروط بقرار لوزير العدل بناء على رأي اللجنة المشار إليها في المادة 624 من قانون المسطرة الجنائية ( ) ويبلغ هذا القرار إلى علم المنتفع به بواسطة مدير السجن الذي يحرر محضرا في شأن التبليغ للمستفيد من الإفراج.
ولا يصبح الإفراج نهائيا إلا بانتهاء مدة العقوبة، ويمكن العدول عنه مادام لم يصبح نهائيا إذا ثبت سوء سلوك المستفيد منه أو عدم احترامه للشروط المحددة في قرار الإفراج المقيد بشروط( ).
-نموذج لحالة الإفراج الشرطي من داخل السجن المحلي ببني ملال:
أثناء إجرائنا للدراسة الميدانية بالسجن المحلي ببني ملال صادفنا نموذجا لسجينة حصلت مؤخرا على الإفراج المقيد بشروط، وبعد أن حصلنا على عنوانها من مدير السجن قمنا بزيارتها حيث تقيم، ومن خلال المقابلة التي أجريناها معها توصلنا إلى المعطيات التالية:
-معطيات خاصة بظروفها الشخصية:
تبلغ من العمر 35 سنة، ربة بيت متزوجة وأم لثلاثة أطفال تعيش بقرية أولاد بوخدو بضواحي مدينة الفقيه بن صالح، زوجها كان فلاحا وكانت الحالة المادية لأسرتها متوسطة.
توبعت بجريمة القتل العمد (قتل الزوج) وحكم عليها بالسجن لمدة 15 سنة، قضت منها مدة 6 سنوات و4 أشهر، وحصلت على عفو ملكي بلغت مدته الإجمالية 4 سنوات و 8أشهر، واستفادت من الإفراج المقيد بشروط بعد أن قضت حبسا فاقت مدته ثلثي مدة العقوبة المحكوم بها ( ).
-معطيات خاصة بظروف قضائها لمدة العقوبة داخل السجن:
داخل السجن كانت تقيم بغرفة مكتظة (20 سجينة مقابل 12 سريرا) تنعدم فيها وسائل الراحة بالنظر للاكتظاظ الحاصل وبالنظر لاختلاط مختلف أصناف المعتقلات بسبب انعدام معايير التصنيف، لم تكن تعمل وكانت تشعر بالروتين والملل بسبب الفراغ الذي كانت تعيش فيه. كانت تستفيد من دروس محو الأمية ومن ورش الأعمال التقليدية، التي لم تستفد منها الشيء الكثير، وكانت تتواصل مع ذويها وخاصة أطفالها خلال الزيارات العائلية الشي الذي سهل عليها التقرب من أطفالها بعد خروجها من السجن.
-معطيات خاصة بظروف قضائها لمدة الإفراج الشرطي:
بعد الإفراج أقامت مع خالها في منزله وبنفس القرية التي كانت تعيش فيها سابقا، أما أطفالها فيعيشون بعيدا عنها مع جدتهم في المدينة حيث يتابعون دراستهم ولا تراهم إلا في العطل.
تعيش الآن حياة طبيعية بالقرية في انتظار انتهاء أمد العقوبة التي لم يتبقى منها إلا ثلاث سنوات. ورغم شعورها بأنها مقيدة بالنظر لتحديد إقامتها، إلى جانب شعورها الدائم بالخوف من وقوع ما يتسبب في عودتها إلى السجن، إلا أنها تشعر بارتياح كبير بعد الإفراج عنها، حيث مكنها هذا النوع من الإفراج من التقرب من أطفالها بشكل تدريجي وذلك تمهيدا للإقامة معهم مستقبلا بعد انتهاء المدة المحكوم بها بعد اعتيادهم بدورهم على فكرة أن والدتهم لم تعد سجينة وربما أمكنهم ذلك من نسيان واقعة السجن بالنظر لصغر سنهم.
من خلال هذه الحالة يتضح لنا أن مؤسسة الإفراج الشرطي تلعب دورا طلائعيا في مجال التأهيل لإعادة الإدماج، ذلك أنها تشكل مرحلة تمهيدية للحصول على الحرية الكاملة وبالتالي العودة إلى الحياة الطبيعية داخل المجتمع والتكييف معها بشكل تدريجي.
إلا أن ما يمكن مؤاخذة التجربة المغربية عليه في هذا المجال، هو عدم أخذها ببرنامج الرعاية اللاحقة والتي تقوم على تعيين مشرف اجتماعي يعهد إليه بمهمة الإشراف على عدد معين من المحكوم عليهم ومساعدتهم على التكييف مع المجتمع الذي انفصلوا عنه طيلة مدة العقوبة.
فالمشكلة التي تواجه المفرج عنه دائما هي مواجهته للحياة في مرحلة ما بعد انقضاء الحكم والإفراج، فهو يكون بعيدا عن ظروفه المعيشية والتي تختلف عن تلك التي عاشها بالمؤسسة السجنية، كما انه يكون مواجها بعدم الثقة والنفور من الواقع الذي يفرض عليه أن يوفر لنفسه ولأسرته ظروف العيش في أحسن الأحوال، ومنذ أن أصبح التأهيل والإصلاح غرضين أساسيين للمعاملة العقابية والدفاع عن المجتمع بات من المقرر أن تكون هناك حلقة أخرى من حلقات المعاملة الإنسانية للمفرج عنه وهي حلقة الرعاية التي تلاحقه بعد خروجه للحياة العامة.
ولعل النساء هن أحوج المفرج عنهم إلى هذه الرعاية فهن يخرجن من السجن لمواجهة ظروف اجتماعية واقتصادية جد صعبة، خاصة حينما لا يوجد من يعيلهن حالة كونهن المسؤولات الوحيدات عن الأطفال.
خاتمة
إن ما خلصنا إليه من خلال هذه الدراسة هو أن التجربة المغربية في مجال السياسة العقابية لا تزال بعيدة كل البعد عن أهداف الإصلاح والتربية و التأهيل خاصة فيما يتعلق بفئة السجينات، فإذا كانت المرأة تلعب دورا هاما وأساسيا في المجتمع وذلك من خلال تنشئة وتربية الأجيال، فإن اهتمام السياسة العقابية المغربية يجب أن ينصب على تطوير برامج إصلاح وتأهيل هذه الفئة للعودة إلى ممارسة دوارها الطبيعية داخل المجتمع، وهذا لن يتأتى إلا من خلال تحديث المؤسسات السجنية وتطوير أساليب تنفيذ الجزاء داخلها. فباستثناء السجون النموذجية، فإن جل المؤسسات العقابية المغربية تعاني من الإكراهات المادية ومن غياب الأطر المتخصصة في مجال التربية و التأهيل.
وعلى ضوء ما توصلنا إليه من نتائج في الدراسة الميدانية فإننا نعرض لبعض المقترحات التي نرى أنها ضرورية لتطوير أساليب المعاملة العقابية داخل السجون المغربية. ولذا ينبغي:
-تحديث بنيات المؤسسات السجنية على غرار السجون النموذجية حتى تتلاءم مع الدور الإصلاحي و التأهيلي المنوط بها.
-إعادة النظر في تكوين الأطر العاملة بهاته المؤسسات من حيث الكفاءة والمؤهلات المهنية.
-العمل على تكوين أطر علمية متخصصة في مجالات الرعاية النفسية والاجتماعية.
-التأكيد على توسيع وتطوير الأبحاث العلمية المتعلقة بالإصلاح و التأهيل فباستثناء الأبحاث المنجزة بكلية علوم التربية بالرباط فإننا نلاحظ خصاصا كبيرا في هذا المجال.
-الأخذ بمعايير الفحص والتصنيف في توزيع النزلاء داخل المؤسسات السجنية.
-إحداث بدائل للعقوبات القصيرة المدة بالنظر للآثار السلبية التي تخلفها هذه الأخيرة على المحكوم عليهم.
-تقوية نظام التدريب والتكوين المهني وتطوير برامج التعليم وذلك لتحسين ظروف عيش النزلاء من خلال توفير ظروف اكتساب حرف ومهن تمكنهم من مواجهة الظروف الاقتصادية خارج السجن.
-تقوية برامج الوعظ والإرشاد الديني لما لها من تأثير مباشر وكبير على نفسية الجانحين.
-الأخذ بالرعاية اللاحقة للإفراج لمساعدة المفرج عنهم على مواجهة الظروف التي كانت سببا في انحرافهم وبالتالي الحد من حالات العود إلى الإجرام.
منقول 

http://www.alarabiya.net/articles/2007/03/16/32624.html

غضب كبير من "قرار" شويري إطلاق قناة عربية "إباحية" مفتوحة

وصلته رسائل تهديد بالقتل

الجمعة 26 صفر 1428هـ - 16 مارس 2007م
دبي - العربية.نت أثارت أخبار تناقلتها منتديات إلكترونية عن" قرار" الفنان جاد شويري اعتزامه إطلاق قناة فضائية عربية "إباحية" مفتوحة حالة من الغضب والسخط في العديد من ساحات الحوار والمنتديات الإلكترونية، وأبدى الكثير من المشاركين في تلك المنتديات سعادتهم الجمة بوصول رسائل تهديد بالقتل للفنان اللبناني وذلك لتشجيعه على "نشر الانحلال والفسق" سواء من خلال ما يعتزم فعله من إطلاق تلك القناة، أو لتصويره أغاني مصورة "تخدش الحياء" مثلما فعل ببعض أغانيه، أو مع المغنية "ماريا" التي رفع أحد المحامين الإماراتيين قضية على قناة بثت أغنية لها تحتوي على "إيحاءات جنسية خادشة للحياء".
وكانت بعض المنتديات نقلت عن "وسائل إعلام عربية"مؤخرا خبرا مفاده أن جاد شويري يستعد لإطلاق قناة عربية إباحية تقدم الأعمال العربية التي يتم منع عرضها في القنوات العربية الأخرى أو لا تعرض بشكل كامل مراعاة لقيم العائلة العربية، وبالتالي من المتوقع أن تقدم قناة شويري أغان فيها "قبلات ساخنة" وأفلام سينمائية عربية دون حذف أي مشاهد جنسية أو أي عبارات "جريئة" وغير ذلك من "الممنوعات" على القنوات العربية المفتوحة.
وقد برر شويري الذي يعتبر نفسه "أول نموذج جنسي رجالي" في العالم العربي رغبته بإطلاق هذه القناة بقوله أإن عرض القبلات الساخنة والمشاهد الجنسية أفضل بكثير من تقديم مشاهد الدمار والقتل التي باتت تعرض بكثرة على القنوات العربية.
بالمقابل وصلت الى جاد شويري رسالة تهديد, مدونة باسم "رعاة البقر" وقالوا بها ان هذه المحطة لن تنطلق في البث, ولو فعلا حدث وبدات بثها فسيكون آخر يوم في حياة جاد شويري الذي لقب برسالتهم بـ"سرطان الفسوق الخبيث".




يقطنون بشاليهات الأميونت منذ 21 سنة بالخروب


سكان "البرارك" يطالبون بعقود الملكية و الدعم لبناء سكنات جديدة
يطالب سكان حي زغيدة الطاهر المعروف “بالبرارك” ببلدية الخروب بالاستفادة من عقود الملكية و الدعم لبناء سكنات جديدة، و ذلك بعد مرور 21 سنة على معاناتهم داخل شاليهات الأميونت دون التفاتة من السلطات المحلية حسبهم.
و قال السكان أن هناك حوالي 250 شالي من نوع البناء الجاهز بالحي الذي شيد منذ سنة 1994، مضيفين أن ديوان الترقية و التسيير العقاري تنازل عن السكنات المعنية لصالح أصحابها، و ذلك بمقتضى التعليمة الوزارية رقم 288/2011 المؤرخة في 12 ماي 2011 للسيد الوزير الأول، و المتضمنة التنازل عن المساكن الجاهزة التي لا تزال تابعة للدولة لفائدة مستغليها طبقا لأحكام القانون 81/01 المؤرخ في 07 فيفري 1981 حسب وثيقة قدمها المعنيون للنصر، و لكن العملية تمت دون منح عقود الملكية إلى غاية يومنا هذا على حد قول السكان، و هو ما تسبب في عرقلة عملية الاستفادة من مساحة هذه السكنات و المقدرة بحوالي 200 متر مربع بما فيها المساحة الخارجية، في تشييد بناءات جديدة مغايرة للسكنات الحالية من نوع البناء الجاهز و التي تدهورت حالتها مؤخرا.
و قال المعنيون أن سكناتهم عبارة عن شاليهات مصنوعة بمادة الأميونت المسرطنة و الخطيرة على صحة الإنسان، و هو ما جعل سكان الحي يعيشون في قلق دائم من وضعيتهم التي يقولون أنها لم تجد طريقها للحل طيلة مدة إقامتهم بهذه السكنات التي شيدت في فترات سابقة كإجراء استثنائي لأزمة السكن.
 كما أضاف السكان أن هناك شاليهات تقطن بها ثلاث عائلات، و ذلك نظرا لتزويج أبنائهم و ارتفاع عدد سكان الحي، حيث طالب المعنيون في هذا الإطار بالاستفادة من عقود الملكية من أجل الحصول على رخص البناء و الدعم المالي، و ذلك للتمكن من تشييد سكنات جديدة خالية من مادة الأميونت الخطيرة و تستجيب لمتطلبات الأسرة في ما يخص السكن.
رئيس البلدية و في لقاء مع المعنيين، أعطى الموافقة المبدئية للسلطات المحلية في ما يتعلق بضم مساحة 06 متر مربع الخارجية للمساحة الإجمالية للشاليهات، فيما أكد للسكان أن الدعم المالي و المقدر ب 120   مليون سنتيم يقدم بعد انطلاق عملية البناء، في حين أعطى موعدا آخر لمناقشة مشكل عقود الملكية.                       
خالد ضرباني



حنون تطالبه بالخروج عن صمته وإلا “سيحاسبه التاريخ”
“على السعيد بوتفليقة أن يتكلم”
السبت 14 مارس 2015 الجزائر: خالد بودية

 Enlarge font  Decrease font
”التلفزيون الجزائري تحوّل إلى إعلام خاص وسلال ممنوع من الظهور فيه”
“السعيد يدير شؤون أخيه ويتابع كل صغيرة وكبيرة”
دعت الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، شقيق الرئيس بوتفليقة الأصغر ومستشاره الخاص، السعيد، إلى “التدخل للحفاظ على كيان الأمة والدولة، ما دام يدير شؤون أخيه ويسيّر ويتابع كل صغيرة وكبيرة منذ أن أصبح الرئيس غير قادر على أداء بعض المهام”.
 قالت حنون إن “التاريخ سيحاسب السعيد بوتفليقة إذا بقي صامتا، لأنه يعلم جيّدا الأطراف المتسبّبة في الأوضاع الخطيرة حاليا، باسم من تتحدث”، في إشارة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
كشفت حنون، أمس، في تقريرها الافتتاحي لانعقاد دورة عادية للمكتب السياسي لحزبها في العاصمة، أن “الدولة أُدخلت في حالة استنفار شاملة نظرا للأوضاع الراهنة التي تمر بها البلاد داخليا وإقليميا، فكان لزاما علينا في حزب العمال ضبط برنامج عمل للمرحلة المقبلة، بهدف مساعدة المواطنين لطرح تحول ديمقراطي لتحصين الأمة من المخاطر غير المسبوقة التي تهدد الدولة في استمراريتها”.
وأفادت حنون بأن “معطيات تحصلنا عليها تبين أن نهبا كبيرا وواسعا يتعرض له العقار والأموال العمومية تحت عنوان الاستثمار الخاص، والأوليغارشية (حكم الأقلية) انتقلت إلى مرحلة ثانية كشرت فيها عن أنيابها، أولا ضد حزب العمال الذي ترى فيه أنه يعترض مصالحها وأهدافها، ويفقدها نيل رضا القوى العظمى، وذلك عبر استمرارنا في كشفهم”.
وضمن هذا الطرح، قالت حنون إن “التلفزيون العمومي تحوّل إلى إعلام خاص بأموال عمومية، تعطى فيه الأولوية لرجل أعمال نافذ (تقصد علي حداد) وقلة قليلة من الوزراء فقط، فيما يمنع آخرون من الظهور ومعهم الوزير الأول عبد المالك سلال، وقد شاهدنا وشاهد الجميع التغطية أثناء إشرافه على احتفالية عيد المرأة”، وأضافت: “فيما يتصرف وزير آخر وكأنه رئيس أو وزير أول ويستقبل الوفود الأجنبية، وهي ليست مهمته”.
وتعتقد حنون أن “الأوليغارشية استطاعت أيضا أن تنشئ دبلوماسية موازية، أصبحت تشكل خطرا على الدولة وسيادة القرار، ونلاحظ أيضا محاولة للنيل من وزير الخارجية رمطان لعمامرة، الذي أبدى مجهودات لإنهاء الصراع في مالي وليبيا، ويقود هذه الدبلوماسية الموازية رجل أعمال نافذ (تقصد علي حداد)، الذي يلتقي بدبلوماسيين أجانب في الجزائر”.
وخصت حنون وزيري الصناعة عبد السلام بوشوارب والتعليم العالي محمد مباركي، بانتقاد شديد، فقالت عن الأول إنه “بإعلانه استخلاف شركات مساهمات الدولة بمجمعات صناعية، سيحدث هذا القرار قطيعة بين الشركات العمومية والدولة، فلا تستطيع هذه الأخيرة تمويلها أو تسييرها، لأن رأسمالها سيفتح للخواص، وبذلك هي تفتح للمفترسين تحت غطاء الإفلاس وبعنوان الخوصصة المقنعة”.
أما الوزير الثاني، فاعتبرت أن “اعترافه بوجود مشاكل في نظام “أل. أم. دي” وعدم تماشيه مع حاجيات السوق الوطنية، لتأتي هذه الخرجة الجديدة بعد 20 سنة من الدمار التي تعرض له قطاع التعليم العالي.
ونالت العدالة قسطا من “هجوم” حنون، فقالت: “العدالة في بلادنا تكيل بمكايلين لوقوفها مع أصحاب المال، فلا نجدها تتحرك عندما يتهجم مسؤول حزب سياسي (تقصد سعداني) على مؤسسة أمنية سيادية (جهاز المخابرات) ولا يحاكم، فيما تتحرّك بسرعة ضد بطالين ونشطاء في الأغواط وتصدر في حقهم أحكاما قاسية”.
عدد
- See more at: http://www.elkhabar.com/ar/politique/452354.html#sthash.X8KSdL5j.dpuf




طالب التجار بتهيئتها

الوالي يأمر بغلق أكشاك المطار القديم ويهدد بهدمها
أمر والي قسنطينة أول أمس بغلق الأكشاك المتواجدة خارج المطار القديم محمد بوضياف، و ذلك من أجل إعادة تهيئتها كليا من طرف أصحابها نظرا لتدهور حالتها بشكل لا يعكس سمعة الولاية على حد قوله. و أعطى الوالي تعليمات للمسؤولين المعنيين بإصدار قرارات الغلق ابتداء من يوم أمس لمدة شهر واحد حسب المسؤول، مضيفا أنه على المستفيدين منها التكفل بعملية إعادة تهيئتها كليا و على حسابهم الخاص، خاصة و أنهم يدفعون 05 آلاف دينار فقط شهريا كتكاليف كراء إضافة إلى استفادتهم من هذه المحلات في أماكن تعرف حيوية كبيرة لحركة المسافرين و الزوار الأجانب، حيث هدد الوالي في هذا الإطار بتهديم الأكشاك الهشة و التي لا يتجاوز عددها 06 محلات بالقوة العمومية، و كذا بمراجعة سعر الكراء في حالة رفض المعنيين للإجراء. المسؤول الأول على الولاية و خلال زيارته التفقدية لورشة دار الثقافة مالك حداد في إطار معاينة أشغال مشاريع التظاهرة، أبدى استياءه من مسؤولي مديرية التجهيزات العمومية بسبب انعدام التنسيق بين المكلفين بالأشغال على مستوى الورشة، و قال بأنه لا توجد  متابعة للمشاريع من طرف المسؤولين المعنيين خارج إطار الزيارات التفقدية، و ذلك بعد تأخر أشغال الواجهة الأمامية و نزع أعمدة السقالة، حيث تحجج المكلف بوضع الألواح الفاصلة بانتظار مد الكوابل الكهربائية و المصابيح الضوئية الكبيرة من طرف مقاول آخر، فيما قال هذا الأخير أنه بالإمكان تنصيب تلك المادة ثم تمرير الكوابل و وضع أجهزة الإنارة، كما أكد المسؤول خلال تفقده للقاعة الشرفية بالمطار على ضرورة تسوية مشكل الغلاف المالي للمقاول و الإسراع في تزفيت الأرضية الخارجية قبل بداية الأسبوع.
أما بقاعة العروض «زينيث» فقد قام الوالي بتفقد منصة المرفق  و أجهزة الصوت و الأضواء الفنية، حيث أعجب بمدى جاهزية المشروع خاصة و أن كل التجهيزات قد تم جلبها، و أنه من المنتظر إجراء عروض تجريبية لبعض الفرق المشاركة في التظاهرة خلال الأسبوع القادم، فيما أعطى الوالي تعليمات لمصالح سونلغاز بالإسراع في إتمام الأشغال الخاصة بالكوابل الكهربائية بمحاذاة المركز الثقافي محمد العيد آل خليفة و نزل سيرتا، و ذلك من أجل انطلاق عملية إعادة تهيئة الأجزاء المهترئة من طرقات وسط المدينة حسب المسؤول.          
خالد ضرباني






2015-03-14




خرجت لقطف الأزهار فغرقت
السبت 14 مارس 2015 ميلة: ب. رشيد
 Enlarge font  Decrease font
 لقيت فتاة صغيرة في الحادية عشرة من العمر، تقطن بحي تلمان ببلدية الرواشد بولاية ميلة، حتفها، أمس الأول، إثر غرقها في الوادي الكبير المليء بالطمي والطين جراء التقلبات الجوية الأخيرة.
ولغاية أمس، لم يتم انتشال جثة الغريقة رغم الجهود المبذولة من قبل الفرق الغواصة المتخصصة التابعة للحماية المدنية.
وحسب مصادر “الخبر”، فإن الضحية خرجت رفقة بعض قريناتها لقطف أزهار النرجس، وفي غفلة من الجميع اقتربت من حافة الوادي لتسقط فيه.
- See more at: http://www.elkhabar.com/ar/nas/452357.html#sthash.ZbpaUa5J.dpuf








اجتاحها بائعو الأعشاب
القبور تتحول إلى مصدر للرزق في قسنطينة
السبت 14 مارس 2015 قسنطينة: م. صوفيا
 Enlarge font  Decrease font
 وجد العديد من الشباب والكهول بقسنطينة خلاصهم في المقابر، لكسب قوتهم بالنسبة للبعض ولتوفير مصروف الجيب بالنسبة للبعض الآخر، خاصة مع قدوم الربيع وازدهار نشاط بيع الورود والنباتات العطرية.
تكتسب أغلب المقابر، هذه الأيام، حركية مختلفة عن باقي الأيام، حيث يتهافت الباعة على اقتطاف الأزهار الموسمية كالنرجس المعروف محليا بـ«البليري”، وبيع الحزمة بما لا يقل عن 50 دج، وهو ما ذكره لنا أحد الباعة بشارع عبان رمضان، الذي قال إنه ليس الوحيد الذي يرتاد المقابر، بل هناك أيضا باعة الأعشاب العطرية والحشائش الورقية الصالحة للأكل كالسبانخ “السلق”، “الخبيزة”، “الحرشة” و”الشبت” وغيرها. ولاحظنا، خلال جولاتنا الميدانية، أن المقابر البعيدة عن وسط المدينة هي وجهة هؤلاء الباعة خاصة مقبرة حي زواغي سليمان، مقبرة القماص ومقبرة عين اسمارة التي صادفنا بها شبابا يجمعون السبانخ ويربطونها حزما حزما ليبيعوها بـ80 دج للحزمة الواحدة.  قال الشاب “دحمان” المعتاد على ارتياد المقبرة إنه يأتي إلى ذلك المكان منذ سنوات، ليسترزق من بيع السبانخ التي يمكنه الحصول عليها دون عناء ودون رقابة. وقال عمي مسعود، وهو كهل آخر بمقبرة زواغي، إنه لا عمل له سوى بيع حزم الأعشاب بمختلف أنواعها من نعناع، خزامى وشيح وغيرها، مؤكدا أنه صار متمرسا في هذا المجال ويستطيع تحديد الأماكن التي تنمو فيها هذه الحشائش بين القبور. وذكر بعض المواطنين المرتادين للمقابر أن الأشهر الماضية كانت شاهدة على موسم جني الزيتون بالمقبرة المركزية، حيث أكدت بعض المصادر أن أشجار الزيتون المغروسة هناك لها “زبائنها”، وهو ما يحصل بالنسبة لأشجار التين والتوت التي يكون أطفال الأحياء المجاورة للمقابر أول من يتسلقها من أجل توتها.


قائد الناحية العسكرية الخامسة يشرف على التنسيق
الجيش يتدخل لإنقاذ ”قسنطينة عاصمة الثقافة العربية”
السبت 14 مارس 2015 الجزائر: محمد علال

 Enlarge font  Decrease font
تراهن الجزائر في التحضيرات الرسمية للافتتاح الشعبي لتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية التي لا يفصلنا عن تاريخها المقرر يوم 16 أفريل 2015 سوى شهر واحد، على دور الجيش في إنجاح الافتتاح الشعبي، في ظل تأخر إنجاز المشاريع وتهيئة المنشآت الثقافية، ماعدا 10 منشآت ستكون جاهزة من بين 83 منشأة معلنا عنها، حيث تم تخصيص ثكنة عسكرية للتحضير والاستعداد بقوة لإنجاح الحفل الشعبي، حسب مصادر ”الخبر”، بينما تحتضن قاعة ”الزينيت” التي ستستقبل أزيد من 3 آلاف ضيف من مختلف الدول العربية، الافتتاح الرسمي مع عرض ”ملحمة قسنطينة الكبرى” التي يشرف عليها الديوان الوطني للثقافة والإعلام.
 سخرت القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي ثكنة عسكرية كاملة للمشاركة في تحضيرات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية. وحسب مصادر”الخبر”، يتكفل قائد المنطقة العسكرية الخامسة (قسنطينة) اللواء بن علي، بالتنسيق مع المحافظة، بضبط إيقاع ”حفل الافتتاح الشعبي”، تنفيذا للقاءات الأخيرة لمجلس الوزراء المصغر الذي ترأسه قبل نحو شهرين الوزير الأول عبد المالك سلال، بحضور قائد الأركان اللواء أحمد ڤايد صالح.
23 شاحنة عسكرية  في مسيرة الأربعة كيلومترات
بدأت التحضيرات الرسمية لحفل الافتتاح الشعبي منذ حوالي 18 فيفري الماضي، حيث تقرر مشاركة 23 شاحنة بمقصورة عسكرية لتمثيل الدول العربية في الاحتفال الشعبي الذي سيكون على شكل قافلة تضم المدرعات العسكرية، تمثل 22 دولة عربية، تم توجيه الدعوات الرسمية لها لحضور حفل الافتتاح. ويعتبر دور الجيش في حفل الافتتاح حسب مصادر ”الخبر” أسآسيا، خصوصا من الناحية اللوجيستية، وهي المشاركة الثالثة لقوات الجيش الوطني بهذه الطريقة في التظاهرات الثقافية، حيث سبق للديوان الوطني للثقافة والإعلام أن استفاد من دعم قوات الجيش لإنجاح تظاهرة ”البناف” وتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية قبل نحو 4 سنوات. وقد واجهت تحضيرات تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية العديد من التحديات، ليس فقط على مستوى تقدم الأشغال، وإنما أيضا على مستوى البرنامج الثقافي، وسط امتعاض العديد من الجمعيات الثقافية القسنطينية التي رفعت سقف النقد عاليا وتحدثت عن محاولات لإقصائهم من المشاركة، بينما توقفت حجج المقاولين المكلفين بتهيئة وترميم المنشآت الثقافية الكبرى في قسنطينة عند سوء الأحوال الجوية، وعدم صرف مبالغ العقود من ميزانية التظاهرة المحددة بحسب مصادر ”الخبر” بـ400 مليار سنتيم، تشمل 70 مليار سنتيم مخصصة للبرنامج الثقافي، منها 30 مليار سنتيم لحفل الافتتاح فقط.
ملحمة قسنطينة الكبرى.. الشباب في الصف الأول
يسافر فريق ”ملحمة قسنطينة الكبرى” غدا إلى مدينة الجسور المعلقة لمباشرة التدريبات الفنية لمدة شهر، تحت إشراف مخرج الملحمة علي عيساوي، وحضرت ”الخبر” قبل يومين التحضيرات بالعاصمة، والتقت فريق الممثلين البالغ عددهم 450 ممثل، سيجسدون أبرز الشخصيات التاريخية الشاهدة على عظمة مدينة قسنطينة. وينشط معظم الممثلين من الشباب في مسارح الهواة وعلى مستوى المسارح الجهوية التعاونيات المسرحية، من 25 ولاية، في مجالات الرقص والمسرح والغناء والكوريغرافيا، ويسعون لإنجاح حفل الافتتاح رفقة حوالي 200 تقني أجنبي معظمهم من الصين، قررت محافظة التظاهرة الاستعانة بخبرتهم في مجال الإضاءة تحديدا، ويشاركون المخرج علي عيساوي عمله ”ملحمة قسنطينة الكبرى” على مدار ساعتين من الزمن.
الملحمة تقدم الجسور الحضارية الخمسة لقسنطينة
استمرت على خشبة قاعة العرض بملحقة الديوان الوطني للثقافة والإعلام بشنوة ولاية تيبازة، تدريبات طاقم ”ملحمة قسنطينة الكبرى” لمدة شهر كامل، تحت إشراف 25 مؤطرا متخصصا في الرقص والتمثيل والكوريغرافيا. كانت أجواء التحضير حماسية، حيث تحاول الملحمة سرد تاريخ المدينة عبر 5 حقب، تشمل مرحلة النوميديين والبيزنطيين والفتوحات الإسلامية والحقبة العثمانية والاستعمار الفرنسي، وتقدم كل حقبة من خلال لوحات فنية يعبر عنها الفنانون عن طريق عروض مسرحية والرقص والغناء والكوريغرافيا، بالاستعانة بتقنية الصورة ثلاثية الأبعاد، ما سيضفي العنصر الدرامي على الملحمة، حيث سينسجم الممثل فوق الخشبة مع العرض الصوري لضمان ”الفرجة” للجمهور، وتم الأخذ كل التفاصيل الجمالية للعرض بعين الاعتبار، لاسيما منها المتعلقة باللباس.
وحسب ملحمة قسنطينة الكبرى، فإن هذه المدينة الضاربة في عمق التاريخ هي ”مدينة الهواء والهوى”، ”مدينة عجيبة المباني”، كما يقول أحد الممثلين الشباب يجسد دور الشريف الإدريسي، ويتغزل بفكر ”نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”. وبحسب حسن الوزان هي مدينة ”أسوارها مبنية بالصخر المنحوت، هي مدينة الأبواب والأسوار”، وهكذا يحمل أحد فصول الملحمة التي تابعت ”الخبر” جزءا منها غزلا لامتناهيا لمدينة قسنطينة، كما يصفها مؤدي دور ياقوت الحموي المتخصص في البنيات بالمدينة ”العبقرية”، ويؤدي الدور الأساسي في الملحمة الممثل عبد الحليم زريبع الذي يؤدي دور الراوي الذي يقدم شخصيات عقبة بن نافع، يوغرطة، ماسينيسا وغيرهم.
اللغة العربية..والهوية الأمازيغية
وبخصوص نص العرض، فقد أوضح المخرج علي عيساوي أن النص كتبه 5 دكاترة متخصصين في مجال التاريخ ينحدرون من مدينة قسنطينة، تحت إشراف الدكتور عبد الله حمادي، وقد استخدمت اللغة العربية الفصحى في العرض للتأكيد على البعد العربي للتظاهرة، ما أثار جدلا ونقاشا على مستوى بعض الفنانين الذين أعلنوا رفضهم المشاركة في التظاهرة، على غرار الفنان إيدير، بحجة أن التظاهرة لا تخدم البعد الأمازيغي، ورغم عدم قيام الديوان الوطني للثقافة والإعلام بتوجيه أي دعوات بشكل رسمي إلى أي فنان جزائري للمشاركة في تنشيط البرنامج الثقافي للتظاهرة الذي سينطلق منصف شهر ماي 2015، إلا أن أسماء فنية بارزة استغلت الجدل بخصوص البعد العربي للتظاهرة، وأعلنت مقاطعتها بشكل مباشر، بحكم أن تاريخ المدينة يبدأ مع الأمازيغ، كما ينسب تأسيسها إلى التجار الفينيقيين خلال عهد الرومان الذين أطلقوا عليها اسم سيرتا.
وتعتبر ملحمة ”قسنطينة الكبرى” ثالث ملحمة تنجز في الجزائر في ظرف 3 سنوات، إذ سبق أن استعانت بالكوريغرافي اللبناني عبد الحليم كركلا لإنجاز ملحمة ”خمسينية الاستقلال”، كما تم إنجاز ملحمة ستينية اندلاع الثورة الجزائرية، وأوكلت مهمة إخراجها لمدير مسرح بجاية الجهوي عمر فطموش الذي واجه انتقادات لاذعة بخصوص اعتماد الملحمة على تقنية ”بلاي باك”.
- See more



وجيه الدعوة لـ21 دولة عربية

إنارة فنية للجسور والمباني في قسنطينة عاصمة الثقافة العربية

    تم ضبط برنامج هام للإنارة الفنية عبر عديد الهياكل الثقافية والجسور والمباني الإدارية لقسنطينة وذلك تحسبا لتظاهرة ”قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2015”.
    وأكد حسين واضح، محافظ التظاهرة، بأن هذه العملية تستهدف المباني الثقافية وثلاثة جسور ونصب الأموات والكورنيش وعديد المباني الإدارية، حيث سيشرع فيها في القريب العاجل لكي تستلم قبل الافتتاح الرسمي لهذا الحدث الثقافي.
    ويتعلق الأمر على الخصوص بقصري الثقافة ”مالك حداد” و”محمد العيد آل خليفة” ومسجد الأمير عبد القادر وجسور سيدي مسيد وسيدي راشد وملاح سليمان، التي ستتزين بالأضواء تحسبا لهذه التظاهرة الثقافية.
    ومن جهته، أعلن المدير العام للديوان الوطني للثقافة والاعلام ”لخضر بن تركي” يوم الاربعاء الماضي، من تيبازة عن توجيه الدعوة لـ21 دولة عربية للمشاركة في فعاليات تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية.
    وستترجم مشاركة الدول العربية من خلال إقامة أسابيع ثقافية لكل دولة، حسب بن تركي، والذي أكد في السياق أن دولة فلسطين ستحظى بشرف تنظيم أول أسبوع تليها دولة مصر، ثم المملكة العربية السعودية، على أن تتولى فيما بعد مشاركة باقي الدول وفق رزنامة سيتم تحديدها بالتنسيق مع الوفود المشاركة على مدار السنة، إضافة إلى تنظيم قوافل فنية ستجوب انطلاقا من قسنطينة باقي ولايات الوطن، في إشارة ”رمزية” من محافظة المهرجانات التي ارتأت أن ”تتفاعل” الجماهير في كل ربوع الوطن مع التظاهرة.
    وأكد بن تركي بصفته مسؤولا عن التنشيط الثقافي للتظاهرة، أن الديوان الوطني للثقافة والاعلام يعد حلقة من ضمن 10 دوائر مكلفة بهيئة تنظيم التظاهرة، التي ستعكس صورة الجزائر ”الأدب والثقافة والفن” على الصعيد العربي والعالمي، كما أكد ردا على تصريحات بعض الفنانين الذين أبدوا عدم رغبتهم في المشاركة في التظاهرة، أن الديوان لم يوجه لحد الساعة أية دعوة، لا للفنانين الجزائريين أو الأجانب، متسائلا عن أسباب ”إثارة” مثل هذه المواضيع، قبل أن يؤكد مرة أخرى أن الاستعدادات جارية بنسبة 70 بالمائة وستتواصل طيلة سنة كاملة.
    وسيشارك في حفل الافتتاح ”الشعبي” و”الرسمي”، الذي سيقام على التوالي يومي 15 و16 أفريل قرابة 750 فنان ومواهب شابة، حيث ستعرف الانطلاقة من خلال استعراض شعبي للفرق والدول والولايات المشاركة على متن شاحنات الجيش الوطني الشعبي ليجوبوا مختلف الشوارع العتيقة لقسنيطينة، لإبراز ثقافة وعادات كل منطقة. وفيما يخص الافتتاح الرسمي، الذي ستحتضنه قاعة ”الزينيت”، التي تحتوي على ثلاث قاعات عرض أهمها تلك التي توفر 3000 مقعد، حيث سيعرض المخرج علي عيساوي عمله ”ملحمة قسنطينة الكبرى” على مدار ساعتين من الزمن، وبمشاركة قرابة 450 فنان وفنانة من 25 ولاية، في مجالات الرقص والمسرح والغناء والكوريغرافيا، وسيتم استعمال لأول مرة تقنية الصورة ثلاثية الأبعاد، ما سيضفي العنصر الدرامي على الملحمة، والتي ستروي تاريخ عاصمة الشرق الجزائري. 
    ح. ب / وأج





    مسؤولــــــــة متعجرفـــــــة
    السبت 14 مارس 2015 elkhabar

     Enlarge font  Decrease font
     تتزايد شكاوى المواطنين من المهاجرين الجزائريين المقيمين في باريس وضواحيها، من تصرفات مسؤولة ملحقة إدارية تابعة للقنصلية العامة، ومن تعجرفها وتعاملاتها المنفرة مع المهاجرين ممن يقصدون الملحقة لطلب خدمات. المهاجرون تأكدوا أن شكاويهم لن تجد لها صدى لأن القنصل العام في باريس هو والي الجزائر العاصمة السابق، عدو محمد الكبير، الذي قالوا إنه لم يستقبل مواطنا في حياته لما كان واليا، وكذا حاليا وهو قنصل عام.
    - See moreat:52324.html#sthash.haTT4fZA.dpuf










    تنمية معطلة ومجالس بلدية مسدودة وأخرى محل تحقيق

    فضائح تبديد المال العام تخرج شبان مستغانم إلى الشارع

      سجلت ولاية مستغانم، خلال السنوات الأخيرة، جنوح مئات الشبان إلى العنف بتخريب ممتلكات عمومية، خاصة ببلديات مستغانم، سيدي لخضر حجاج، وسيدي علي بنسب مختلفة، عبروا من خلالها على تذمرهم من طريقة التسيير السلبية من قبل المصالح المحلية لغياب التنمية المحلية، فيما فشلت 194 مليار دج من المشاريع المسجلة في تغطية النقائص المسجلة لدرجة فشل السلطات الولائية عن تسيير نفاياتها، رغم امتلاك مستغانم لجميع المؤهلات، منها ميناء تجاري يشحن نحو مليون طن سنويا وساحل ممتد على مسافة 124 كلم، ومساحة زراعية تفوق 132 ألف هكتار. فيما تبرر السلطات ذلك - كالعادة -  بوجود أياد خفية تحرض الشباب وتدفعهم إلى العنف..
      أحداث عنف وشغب تنتهي بتسريح المتهمين دون دراسة الأسباب
      عرفت ولاية مستغانم منذ الإستقلال بهدوئها النسبي مقارنة بالولايات الأخرى، ولم تشهد أحداث عنف كالتي شهدتها الولايات المجاورة خلال العشرية السوداء، إلا أن السنوات الأخيرة قد شهدت تغيرا سلبيا بجنوح مئات الشبان إلى العنف في مناطق متفرقة من أنحاء الولاية، بدأت بارتفاع حالات قطع الطرق للإحتجاج على سوء التمنية المحلية، كما حدث في دوار الجبابرة ببلدية حجاج سنة 2009 الذين أقدموا على قطع الطريق الوطني رقم 11 احتجاجا على ما أسموه الظروف المزرية التي يعيشونها، أتبع بتهيئة الطريق المؤدي إلى الدوار ما نقل عدوى الإحتجاجات إلى دوار أولاد شافع ببلدية بوقيرات سنة 2010 الذين استفادوا أيضا من إعادة تهيئة الطريق البلدي، ما شجع باقي الدواوير والبلديات على اتباع نفس الوسيلة للحصول على حقهم في التنمية كسيرات، بوقيرات، أولاد بوغالم وغيرها، إلى غاية شهر أكتوبر سنة 2011، حين تسببت حالة الإحتقان ببلدية حجاج بعد وفاة 5 حراڤة قرب السواحل الإسبانية إلى دفع عشرات الشباب إلى العنف، ما أسفر عن تخريب مقر البلدية وحظيرتها ومحطة نفطال، أوقف خلالها نحو 50 مشتبها استفادوا من البراءة بعدها.. لتتواصل أحداث العنف بصفة متقطعة، آخرها ببلدية سيدي لخضر التي شهدت حرق مقر الدائرة والبلدية ومنزل رئيس الدائرة، منتصف شهر جانفي الماضي، اتهم فيها أكثر من 50 شخصا. وأرجع والي الولاية هذه الأحداث في اجتماع رسمي إلى ما سماها أياد خفية تسعى إلى زعزعة الإستقرار، بينما يرجع العديد من الشبان أحداث العنف إلى ضعف التنمية، ما يدفع الكثير منهم إلى التعبير بطريقة سلبية رغم توفر ولاية مستغانم على جميع المؤهلات لتحقيق نقلة نوعية في عدة مجالات، كالزراعة والسياحة والصيد البحري.
      عقود الإمتياز تقف عائقا أمام تحقيق نقلة زراعية تتناسب مع إمكانيات الولاية
      تتميز ولاية مستغانم بارتفاع نسبة المساحة الزراعية مقارنة بالمساحة الإجمالية للولاية، حيث تبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة 177 ألف هكتار، ما يعادل قرابة 80 بالمائة من مساحة الولاية. فيما تبلغ المساحة المزروعة فعليا أكثر من 132 ألف هكتار، بينما يظل تحويل أكثر من 9000 عقد انتفاع تحصيه الولاية إلى عقد امتياز عائقا أمام الفلاحين للحصول على مزايا القروض التي يقدمها بنك التنمية الريفية، ما دفع بعضهم إلى الاعتماد على إمكانياتهم الخاصة كصاحب المشروع الوحيد للبيوت البلاستيكية متعددة القباب في بلدية سيرات. كما تجاوزت العديد من عمليات إحصاء الأراضي الزراعية خلال السنوات الماضية آلاف الهكتارات لأسباب مجهولة كمنطقة أولاد عطية ببلدية سيرات، حيث لم تسو وضعية الأراضي التي لا يملك معظم أصحابها عقودا موثقة أو لاتزال محل خلاف بين الورثة، إلى جانب مشكل تسوية العقود التي أبرمت لدى كتاب عموميين دون توثيق رسمي لدى موثق معتمد. كما لم تفلح مشاريع الدعم الفلاحي في تحقيق نقلة نوعية في الإنتاج بسبب أخطاء جسيمة في متابعة المشاريع، كغرس أشجار التفاح في مناطق غير صالحة لهذا النوع من الفاكهة، كمنطقة سيدي علي، أوغرس أشجار زيتون بنوعية رديئة، كما حدث لأحد الفلاحين ببلدية الصفصاف الذي فشل في تأكيد وقوعه ضحية احتيال أمام العدالة، ما دفعه إلى تجريف 6 هكتارات من الزيتون. ويضاف إلى هذه العراقيل ضعف قدرة التخزين بالولاية خصوصا للبطاطا والحبوب، حيث لا تزيد قدرة استيعاب غرف التبريد بالولاية عن 70 ألف متر مكعب مقابل إنتاج يناهز 4 ملايين قنطار من البطاطا، فيما لا تزيد قدرة الولاية في تخزين الحبوب عن 70 ألف قنطار مقابل إنتاج يفوق مليون قنطار. وتقف هذه المشاكل عائقا أمام توفير مناصب شغل جديدة في القطاع الفلاحي.
      السياحة.. مشروع مؤجل يعاني من تعقيدات بيروقراطية
      يزور شواطئ مستغانم نحو 10 ملايين مصطاف سنويا، يبيت المئات منهم في العراء بسبب نقص طاقة الإيواء، حيث لا تتوفر إلا على 17 فندقا تقل قدرة استيعابها عن 2000 سرير، مقابل 10 آلاف سرير في ولاية وهران المجاورة. بينما ظلت مشاريع كبرى رهينة تعقيدات بيروقراطية لم يفرج عنها إلا قبل أشهر وأشرفت وزيرة القطاع على إطلاقها خلال زيارتها الأخيرة، وهي المشاريع التي قدمت قبل 6 سنوات حين كانت زرهوني والي للولاية، كمشروع كاب إيفي. وفيما تدرس السلطات المحلية تهيئة 4 مناطق توسع سياحي من بين 16 منطقة، تعاني المناطق السياحية من غياب أدنى الشروط والبنى التحتية، كمنطقة صابلات التي تعتبر الأكبر من حيث المساحة، والتي تتحول ليلا إلى منطقة مهجورة بسبب غياب الإنارة العمومية وتسجل فيها عادة حالات سرقة واعتداء ضد السياح. وعلمت ”الفجر” من بلدية مزغران قرب ربط المنطقة بشبكة الغاز الطبيعي بعد 7 سنوات من إنشاء فنادق وشاليهات لاتزال تمون مطاعمها بقارورات البوتان، كما منعت العديد من المستثمرين في تعزيز تواجدهم بإنجاز حمامات سباحة شتوية. وتظل سواحل الولاية الممتدة على مسافة 124 كلم شبه عذراء، خصوصا في المناطق الشرقية كشاطئ بحارة، خربات، سيدي عبد القادر، وسيدي العجال.. وهي كلها شواطئ لا تتوفر على فنادق أومطاعم وتغيب فيها الإنارة العمومية بشكل شبه كامل، ما دفع شبان البلديات الشرقية إلى دخول عالم البطالة. ويضطر المئات منهم إلى الهجرة جنوبا إلى منطقة مجاهر في موسم جني البطاطا بين شهري مارس وماي من كل سنة، أو بين شهري نوفمبر وديسمبر، في حين كان من الممكن توفير آلاف مناصب الشغل في القطاع السياحي.
      مناطق توسع صناعي بدون بنى تحتية وشبان يهاجمونها للحصول على عمل
      رغم تخصيص 220 مليار سنتيم لتهيئة مناطق النشاطات الصناعية الثمانية بمستغانم، لايزال معظمها يعاني من نقص البنى التحتية، ما دفع المستثمرين إلى البحث عن تنفيذ مشاريعهم في ولايات مجاورة، كمشروع ”رونو” الذي طرحت منطقة النشاطات الجديدة بالبرجية ضمن الإختيارات المطروحة، فيما تسبب تأخر تهيئتها إلى تحويل المشروع إلى منطقة واد تليلات بوهران. كما تظل المنطقة الصناعية بفرناكة، والتي تعتبر الأهم من حيث قيمة الإستثمارات تعاني من نقص التهيئة كعدم تعبيد الطرق وانقطاع الإتصالات بسبب سرقة كوابل الهاتف، إلى جانب انعدام الأمن، حيث تعرض مصنع مستثمر سعودي إلى هجوم بالحجارة من طرف عشرات الشبان الغاضبين الذين طالبوا بمناصب شغل في مشروعه الجديد. ولا تتوفر المنطقة الصناعية على سياج ومدخل واضح لتجنيب المستثمرين أحداث مماثلة، كما لم يوفر الكهرباء ذي الضغط العالي إلا بعد تدخل الوالي السابق.
      تنمية معطلة ومجالس بلدية مسدودة وبلديات محل تحقيق
      سجلت ولاية مستغانم في البرامج التنموية 6500 مشروع تنموي بقيمة إجمالية تقدر بـ 194 مليار دينار، لكن العديد منها ظل معطلا لأسباب متباينة، كالمستشفى الجامعي 240 سرير الذي يراوح مكانه منذ 10 سنوات رغم استهلاكه 240 مليار سنتيم. وقد سبق لوزير القطاع إرسال لجنة خاصة لمتابعة أشغال هذا المشروع الذي تداول على بعثه 4 ولاة. كما تسبب تأخر إنجازه في وضع إدارة كلية الطب الجديدة في مأزق بسبب غياب منشآت لتكوين الطلبة الجدد، إلى جانب تأخر مستشفيات ماسرى، عشعاشة وبوقيرات. فيما أكدت مديرة التجهيزات بالولاية تسليمها شهر أفريل بعد أربعة أشهر من الآجال التي حددها الوالي في اجتماع رسمي. كما سجلت الولاية تأخرا في إنجاز الملعب الأولمبي الذي يغير مكان إنجازه كلما استخلف والي الولاية، حيث نقل المشروع من منطقة صابلات بمزغران إلى منطقة صيادة ثم أعيد إليها مرة أخرى.. ولايزال المشروع حبرا على ورق. كما يبقى مشروع إنجاز الحوض الثالث لميناء مستغانم الحيوي مؤجلا رغم أهميته ورغم إتمام دراسته التي كلفت 50 مليار سنتيم، وتظل عشرات السفن المحملة تنتظر التفريغ يوميا قبالة الميناء، في مشهد متكرر رغم توفر الإمكانيات المادية لإنجاز الحوض الثالث الذي ينتظر منه فك الخناق عن الحوضين المستعملين حاليا، واللذين لا يزيد عمقهما عن 8 أمتار فقط، فيما يصل عمق الحوض الثالث إلى 14 متر، ما سيسمح باستقبال سفن كبيرة الحجم، إلى جانب العديد من المشاريع الكبرى المعطلة كمشروع المسرح الجهوي الذي استهلك 72 مليار دج.  فيما تظل مشاريع التنمية المحلية رهينة خلافات بين أعضاء المجالس البلدية التي يصل بعضها أحيانا إلى حالة الإنسداد كبلدية مزغران، أوالدخول في تعقيدات قضائية، كبلدية الصفصاف التي اتهم رئيسها أحد الأعضاء بدس المخدرات داخل سيارته لإخفاء ما وصفه سوء تسيير العهدة السابقة، والذي كان محل تحقيق من طرف مفتشية الولاية سنة 2013 ولم يتبع بأي إجراء قضائي. كما لايزال تسيير بعض بلديات الولاية محل تفتيش وتحقيق كبلديات مستغانم، عشعاشة، أولاد بوغالم وصيادة. 
      العقار عائق أمام تنفيذ المشاريع ولا حل في الأفق
      ظل العقار أحد أهم العرقيل التي حالت دون تنفيذ مشاريع التنمية، حيث يؤدي عادة رفض السكان تنفيذ مشروع معين على أراضيهم إلى تأخير الإنجاز لسنوات، وهو السبب الأساسي في أزمة تسيير النفايات بولاية مستغانم، حيث تأخر إنجاز مراكز الردم الخمسة التي تمت برمجتها، والتي ظلت حبيسة الأدراج بسبب رفض المواطنين كسكان بلدية عين سيدي شريف. ولا تتوفر مدينة مستغانم على مكان لرمي النفايات، خصوصا بعد غلق مفرغة خروبة بسبب احتجاج سكانها وتلويح سكان عين سيدي شريف بالإحتجاج مجددا، ما حول المدينة إلى سلة نفايات خلال الأشهر الأخيرة.. فيما أكد والي الولاية حل المشكل خلال 5 أشهر. كما تسبب مشكل العقار في خلافات بين الإدارة والمواطنين حول قضية نزع الملكية، ويخص الخلاف عموما قيمة التعويض وطريقته، كما هو الشأن في معظم مشاريع التنمية، ككورنيش حي صلامندر بمستغانم وواجهة البحر بشاطئ حجاج، أو مشاريع السكن التي كان آخرها ببلدية عين سيدي شريف التي رفع فيها أحد المواطنين قضية ضد والي الولاية بسبب نزع ملكية أرض يملك حق امتيازها خصص منها 5700 متر مربع لإنجاز 60 سكن اجتماعي.
      بالمقابل شدد والي ولاية مستغانم على ضرورة فتح المجال للمواطن لطرح انشغالاته حتى يؤكد أنه شريك في التنمية، وأكد على ضرورة استقبال الموطنين وتبليغهم بالإنجازات. كما شدد الوالي على أهمية المشاريع التي لها علاقة مباشرة بالمواطن كالمشاريع السكنية، الصحية والتربوية. وأرجع الوالي أحداث العنف التي شهدتها بلدية سيدي لخضر مؤخرا إلى أياد خفية. وطالب المواطنين بعدم الانجرار وراء من وصفهم بمن لا يريدون الخير للبلاد والعباد، مطالبا المواطنين إلى التحلي بالمواطنة والحصول على الحقوق وفق القانون، فيما يجهل كيف سيستقبل  شباب الولاية تصريحات الوالي..
      ت .خطاب 


      قبل شهر من انطلاق التظاهرة

      ورشات مشاريع قسنطينة عاصمة الثقافة العربية كلها مفتوحة؟

        بدا والي قسنطينة، خلال الزيارة التي قادته مساء أول أمس إلى المشاريع الرئيسية التي سيعتمد عليها بدرجة كبيرة لإنجاح تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، مضطربا، حيث عبر عن ارتياحه لبعض المشاريع كفندقي الخيام والرفيع بالمدينة الجديدة وقاعة العروض ”زينيت”، وأبان عن غضبه بالنسبة للبعض، كقصر الثقافة مالك حداد وساحة مسجد الأمير عبد القادر بالجامعة الإسلامية، ولا حديث عن مشروع قصر المعارض..
        أجمع من حضر الزيارة من مسؤولين تنفيذيين وإعلاميين، أن الوالي حسين واضح كان سعيدا وهو يتجول في فندق الخيام لصاحبه عناني ذي 4 نجوم، والمتواجد بالقرب من الوحدة الجوارية رقم 1 بمدينة علي منجلي، حيث صار هذا الفندق جاهزا بنسبة مائة بالمائة، استنادا إلى تصريحات مديره شعلال الذي قدم شروحات تخص هذا الفندق الذي بدأت أشغاله سنة 2008، لتنتهي بصفة كلية الشهر المنصرم، وسيكون جاهزا لاستقبال وإيواء عدد من ضيوف الولاية خلال التظاهرة، خاصة أنه يجمع 106 غرفة و10 غرف كبيرة، إضافة إلى شقتين وغرفة رئاسية، وهو ما يجعله ثاني أهم فنادق عاصمة الشرق بعد فندق ماريوت 5 نجوم، وينافس بشكل واضح فندقي إيبيس ونوفوتيل بوسط المدينة، بالنظر لأناقته وهندسته وما تحتويه الغرف من تجهيزات قمة في النوعية. وقبل ذلك استمع الوالي لشروحات مسير فندق الرفيع غير المصنف حاليا، الذي يتوسط مدينة علي منجلي لشريكين خطاوي وسمرون، حيث أكد أن الفندق من حيث البناء والتجهيزات جاهز، غير أنه يفتقد للماء والكهرباء والأنترنت، إضافة إلى كون الطريق الرئيسي المؤدي له في حاجة إلى تهيئة مع وضع الزفت، وهو الانشغال الذي أقلق الوالي وطالب كل الأطراف المعنية بالإسراع في حل المشاكل المطروحة قبل موعد التظاهرة.
        أشغال لم تنته بالقاعة الشرفية للمطار منذ 9 سنوات؟
        وبالقاعة الشرفية لمطار محمد بوضياف الدولي، طلب الوالي تسريع وتيرة العمل أكثر، ضاربا موعدا للمقاولين يوم 10 أفريل لاستلامها، مع العلم أن الأشغال انطلقت بها منذ سنة 2006. وحسب معاينتنا فإن الأشغال الداخلية توشك على الانتهاء ولم تبق سوى رتوشات صغيرة تخص التكييف والإضاءة، وأمور متعلقة بالجانب الجمالي. بالمقابل تبقى الأشغال المكملة بساحة القاعة ومحيطها بحاجة إلى العمل ليلا نهارا فإتمامها في الموعد المحدد يبقى موضوع شك.  وغير بعيد عن القاعة الشرفية أكد القائمون على مشروع قاعة العروض زينيت، التي تعتبر مفخرة للجزائر عموما وقسنطينة على وجه الخصوص، أن ما تبقى من أشغال مكملة سينتهي في الآجال المحددة لتسليمها، وهو ما يعني أن ”زينيت” ستكون جاهزة للحدث، عكس ساحة الأمير عبد القادر التي أكد بشأنها الوالي أنه سينجز ما ينجز وما تبقى سيكمل خلال التظاهرة، لاسيما ”المايضة” الخاصة بالمسجد التي تشهد عملية إعادة تأهيل شاملة. وبقصر الثقافة مالك حداد الذي تشهد أشغاله تأخرا ملحوظا، استدعى الاستنجاد كما هو معلوم بالعمالة الصينية، شدد الوالي على   إنهاء الأشغال المتعلقة بالواجهة الأمامية في أسرع وقت، مؤكدا أنه سينزل للوقوف مرة أخرى صبيحة يوم غد الجمعة، حسب ما التزم به المقاول، وحينها سيكون هناك حديث آخر، كما قال خاصة في حال عدم الوفاء بالإلتزام. كما طلب من المشرفين على مشروع دار الثقافة ضرورة تسليمها في الموعد المتفق عليه، أي يوم 25 مارس الجاري وإنهاء كل الأشغال مع وضع التجهيزات الضرورية. وقد تلقى هناك تطمينات صاحب المشروع أنه سيكون في الموعد، خاصة أن الاشغال تسير بوتيرة سريعة منذ أشهر ولم تتوقف رغم تساقط الأمطار والثلوج الأخيرة، على حد زعمه. 
         الوالي: ”نحن جاهزون” 
        وفي رده على أسئلة الصحفيين بعد نهاية زيارة أول أمس، قال والي قسنطينة: ”نحن جاهزون”، موضحا أن كل المشاريع الرئيسية التي تم التركيز عليها ستكون جاهزة وستسلم قبل إفتتاح التظاهرة في إشارة لقصر الثقافة ودار الثقافة وقاعة العروض زينيت وفندق ماريوت، وكذا فندق الخيام ومعهما الرفيع، وهو ما يجعل مشكل الإيواء غير مطروح بإضافة الفنادق التي تعمل منذ سنتين، على غرار إيبيس ونوفوتيل بوسط مدينة قسنطينة، وكذا الحسين بالمدينة الجديدة علي منجلي، وفنادق أخرى موجود بوسط مدينة قسنطينة. 
        وقد اعترف، أمس، مسؤولون بولاية قسنطينة لـ”الفجر” أن النقطة السوداء تكمن في عدم جاهزية مشروع قصر المعارض، مؤكدين أن الشركة الإسبانية خذلتهم، والمشروع صار مجرد حفرة كبيرة بمحاذاة قاعة العروض زينيت، ما يشوه مظهرها نوعا ما، مؤكدين أنه صار من المستحيل تجسيده حتى في ظرف سنة.  
        إيناس.ش

        ليست هناك تعليقات: