قصص التحرش الجنسي بالأطفال في السعودية البالغة نسبتها وفقاً لإحصاءات غير رسمية 22 في المئة، والتي كنا نسمع عنها من أقارب وأصدقاء أو حتى التي نقرأ تفاصيلها في الصحف توثق اليوم بالصوت والصورة، فمشهد تحرش شاب عشريني بطفلة تبلغ من العمر سبع سنوات، كانت عائدة من مدرستها بمفردها، وتحمل حقيبتها على ظهرها، منتظرة وصول المصعد، وبعد مراقبته للمكان اقترب منها، ورفع تنورتها، وتحرش بها، ثم دخل معها إلى المصعد، أفصح عن مشكلات أخرى يجب أن نلتفت إليها بجدية.
من الصور المألوفة أطفال لم يبلغوا العاشرة من العمر يحملون حقائبهم المدرسية ويسيرون إلى منازلهم، منهم ذكور وأحياناً إناث. وكذلك طفلة لم تكمل الخامسة من عمرها تركب مع السائق بمفردها. وطفل في الثامنة من عمره يخرج ليشتري حلويات من «البقالة» ويقطع عشرات أو مئات الأمتار في الشارع بمفرده، وغيره في السادسة يتركه أهله ليلعب في الشارع، وفي النهاية تسمع عن قصص تحرش واعتداءات جنسية مؤسفة حدثت لهؤلاء الأطفال. فجهل الأهل، وضعف الوعي، والإهمال من العوامل التي تسهم في تعرض الطفل إلى هذه النوعية من التجارب القاسية التي حتماً ستؤثر على مستقبله وصحته النفسية. فثقافة التساهل، وتبسيط الأمور، والاستهتار، وفكرة «ايش راح يصير»، و«خليه يعتمد على نفسه» التي يتبناها البعض في التربية من المشكلات الرئيسة التي تكشفها قضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال.
عدم توعية الأبناء بما يعنيه التحرش، وضعف الثقافة الجنسية بشكل عام، وعدم اهتمام الأهل بها، مشكلة أخرى تسلط عليها الضوء جرائم الاعتداءات الجنسية والتحرش التي تقع على الأطفال. فالجنس وكل ما يتصل به يعتبر من (التابوهات)، وفي كثير من الأحيان يركز الأهل على توعية الفتاة بأن تستر نفسها، وتتغطى، وتنتبه لحركاتها، وغيره من باب الحرص على سمعة و«شرف» الفتاة، ولا يهتمون بتوعية الصبي، ولا يسلحونهم بمهارات الدفاع عن النفس في مثل هذه المواقف.
أعود إلى حوار أجريته مع استشارية التربية ومؤلفة كتاب «لا تلمسني» لتوعية الطفل ضد التحرش هند خليفة، نشرته مجلة «لها» في 7 كانون الثاني (يناير) 2009 شددت فيه على أهمية التربية الجنسية في حياة الطفل، وأنها ضرورية كالطعام والشراب وتبدأ من عمر سنتين. وأن للأم دوراً بالغاً في تشجيع طفلها على الحديث في المواضيع الجنسية الحساسة، فلغة جسدها وتصرفاتها يمكن أن تشير إلى أن المواضيع الجنسية خطوط حمراء، والعكس صحيح. فعلى الأم أن تهتم بالحديث عن الأمور الجنسية من خلال الكتب العلمية البسيطة، وتعليم أطفالها الفرق بين الصبي والفتاة، وعملية الحمل والولادة، والتعرف على أعضاء الجسم، والبلوغ وعلاماته، ونصحت خليفة أنه لابد من وجود قوانين جنسية صارمة في المنزل كأن يعرف الطفل أن منطقة «العورة» هي جزء خاص من جسده لا يسمح لأحد لمسه أو رؤيته، وأن يتعلم الطفل أن يرفض التعدي على حدوده الجسدية، ويصرخ لو حاول أحد إيذاءه، وأن يبلغ.
يرى المختصون في التربية الجنسية والنفسية أن الثقافة الجنسية للطفل من أهم العوامل التي تحميه من التحرش، وتؤسس لعلاقة مصارحة بين الأهل وأطفالهم، فتشجع الطفل على البوح بما يمر به دون أن يشعر بالخجل أو الخوف. فكما الأهل مسؤولون عن أمن الطفل وسلامته، هم أيضاً مسؤولون عن تعريفه بحقوقه، وأن جسده يخصه وحده، ولا يحق لأي شخص أن يلمسه.
متى أترك طفلي؟ وفي أي سن؟ متى أفسح له المجال ليستقل؟ متى وكيف يعتمد على نفسه؟ أسئلة محيرة للكثيرين. نريد أن نعطي مساحات من الحرية لأطفالنا ليُكوّنوا شخصياتهم ويشعروا باستقلاليتهم كأفراد. فالطفل بحاجة إلى أن يحصل على فرصته في التعلم من التجربة والخطأ، ويحتاج مساحة يتمكن من خلالها أن يتخذ قراراته المستقلة. ولكنني أرى «شعرة» تفصل بين منح الطفل الاستقلال المطلوب تحت رقابة الأهل، وبين الإهمال والاستهتار بسلامته الجسدية والنفسية. فلا يمكن أن ترمي بطفل بلا سبب في بحر متلاطم الأمواج قبل أن تعلمه السباحة، ثم تقول: «الله الحامي». عليك أن تسلحه بمهارات الحياة، وتوَعيه بمخاطرها، وعندما يصل إلى السن المناسبة، والوعي المطلوب، تفسح له المجال ووقتها «تستودعه عند الله».

نقلاً عن صحيفة "الحياة" اللندنية