تعتبر لعبة كرة القدم ظاهرة عالمية تتداخل فيها الرياضة بالسياسة بالإقتصاد، ولا يوجد بلد لا يتمنى أن يحتل مكانة في العالم في ميدان رياضة كرة القدم لأسباب عديدة يصعب حصرها وتأتي في مقدمتها إمكانية استغلال كل فوز في التغطية على كل الإخفاقات الأخرى، وهو الأمر الذي لا تقدر على فعله النجاحات الأخرى.
لقد حاول كثير من الإعلاميين المقارنة بي لاعب كبير ونجم كبير في الغناء أو في الكتابة بحيث أجريت إحصائيات لقياس الشعبوية والرواج فكانت النتيجة مذهلة بحيث لا يكاد النجم في الكتابة أو في الغناء يجد له مكانة أمام نجم متوسط لكرة القدم.
لعله الإعلام الذي وجد نفسه هو الآخر مقتحما مهيمنا عليه من طرف هيمنة إعلام دولي يحرك الكرة الأرضية مثلما يحرك اللاعب كرة القدم.
لهذا لا أشعر برغبة في مقارنة بين عالمين لا وجود لوجه الشبه بينهما، كما أنني لا أرى عيبا في اهتمام الكتاب والمثقفين بنجاحات كرة القدم، بل إني أعتبر ذلك أمرا طبيعيا باعتبارها ظاهرة عالمية متعددة الجوانب، فمن غير الطبيعي ألا نرى شباب الجزائر متفاعلين مع محيطهم طموحين لأن يكونوا ناجحين، وتوجد حركية الشباب الجزائري اليوم في قلب الحدث بما في ذلك مناصرته ومتابعته لأخبار أبطال الجزائر في الداخل والخارج.
نعم، نحن أمام ظاهرة اجتماعية عالمية جديدة وقديمة، تتجدد لتأخد في كل عصر أبعادها وحجمها حسب تطور تكنولوجيا الإعلام والإتصالات، وحسب قدرة مؤسسات التجارة والتسويق على مسايرة وتوظيف واستثمار الظاهرة.
ومثلما لا أجد مجالات للمقارنة بينها وبين أنشطة ثقافية، إلا أنني بالمقابل ألاحظ أن انحسار الإهتمام بالأنشطة الفكرية هو أمر واقع وليس مرده كرة القدم وانتشار الإهتمام بها فحسب بل مرده عوامل عديدة ترجع إلى الخلخلة العامة التي تعرضت إليها المجتمعات العربية الإسلامية بصفة خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث تراجعت منظوماتها التربوية والتعليمية وسادت هيمنة الجهل والتجهيل على مؤسساتها وحصل انقلاب جذري في منظومات الوعي الإجتماعي والجماهيري التي اشتغلت منذ الحركات التحررية والوطنية على مدى قرن من الزمن كانت أهم نتائجها طرد الأستعمار، ونيل الشعوب لاستقلالاتها. هذا الإستعمار الذي حضر نفسه وخطط للعودة في لبوس مختلفة، وهاهو يعود بوضوح كامل منذ ثلاثة عقود من خلال عمليات تخريب للذات العربية الإسلامية ونشر الإحساس بالفشل والعزلة ولا جدوى الجماعة وتكريس الفردانية والنقد اللاذع للذات بل وجلدها وتصغيرها أمام كل ما هو وافد من الآخر، لنجد أنفسنا عن وعي أو بدونه قد صرنا أمام أجيال جديدة مفرغة من تلك القيم المحفزة على التواصل الفكري والأدبي وعلى الحوار والإحساس بقيمة بناء الإنسان.