الروائي واسيني الأعرج للنصر طباعة إرسال إلى صديق
الاثنين, 03 فبراير 2014
عدد القراءات: 936
تقييم المستخدمين: / 1
سيئجيد 
تخليت عن الايديولوجيا منذ عشرين سنة والأمير عبد القادر تخلف عن الماسونية بساعتين
ليس من السهل أن تتاح لك فرصة اللقاء بمثقف كالكاتب الجزائري الكبير واسيني الأعرج وتأخذ من وقته الموزع بين البحث والكتابة والتدريس في كبريات الجامعات العالمية لكن بمجرد أن تتاح لك هذه الفرصة غير القابلة للتعويض بسهولة  وتتمكن من الاقتراب من الرجل تكتشف تواضعه الكبير واستعداده دون ضيق للرد على كل التساؤلات والانشغالات.
حاوره: إبراهيم شليغم
النصر التقت واسيني الأسبوع الماضي على هامش  محاضرة ألقاها بالمركز الجامعي بميلة، فكان هذا الحديث حول راهن الكتابة وهمومها
متى يمكننا قراءة الجزء الثاني من رواية الأمير، وهل يمكن القول ان واسيني اعتمد مقاربة أو إديولوجية معينة خلال استعادته للأمير روائيا؟
- في الحقيقة أتمنى أن أجد الوقت  الكافي حتى أكتب الجزء الثاني من رواية الأمير عبد القادر علما أنني انتهيت من جمع وتصنيف المادة التاريخية مع الاشارة و أن الجزء الثاني يعتبر أكثر تعقيدا من الجزء الأول -أقول - لما تأخذ شخصية وهي تناضل هذه ليس فيها مشكل فالعدو واضح ومعروف والشخصية المجاهدة معروفة كذلك فهي حاملة لسلاحها وتقاوم لإخراج المستعمر من بلادها  الجزائر وما يتضمنه  الجزء الثاني  من رواية الأمير تعترضه مشكلتين الأولى تتمثل في أن الأمير عبد القادر كان حاضرا في الحرب الأهلية 1860 بدمشق بسوريا التي كانت تشمل لبنان في ذلك الوقت وكان دوره الايجابي كبيرا والمتابعين للفن يعرفون أن هناك لوحة تبرز تدخل الأمير عبد القادر لإنقاذ حوالي 15 ألف مسيحي في الأحياء المسيحية مثل حي باب تومه وغيره من الأحياء وأخذهم لحي المغاربة الذي يقطنه في الأغلب الجزائريين  وقال كلمة لا تزال شاهدة الى اليوم هي أنه ( من يمس شعرة من مسيحي فكأنه تعرض لشرفي )وهذا أمر يبرز أن الأمير كان يؤمن بتعدد الديانات برغم تمسكه بدينه وإسلامه.
المشكلة الثانية هي القول بأن الأمير كان قريبا من الحركة الماسونية  أو منخرطا فيها وفي الحقيقة أنا بحثت بعمق في القضية حيث كتب برينو اتيان وهو من المتخصصين في الأمير عبد القادر يقول أن الأمير دخل في الماسونية بعد عملية انقاذه لهذا العدد من المسيحيين حيث جاءه الماسونيون وشكروه على فعله قبل أن يطلبوا  منه الانتساب لحركتهم مادامت تجمعه بهم نفس القناعات ويقول في الأخير أنه انتسب اليهم غير أنني بعد اطلاعي على نفس الوثائق وجدت أنه برغم إجابة الأمير على كل الأسئلة التعليمية الأولى التي طرحت عليه لكن اجابته هذه كانت من منطلق أنه رجل دين مسلم حيث يقول أنه ليس له اعتراض على دينهم لكن مبرزا في ذات الوقت قناعته ثم أن الشيء الموثق في هذا الموضوع هو أن الأمير كانت له صداقة مع نابليون الثالث الذي أتخذ قرار  اطلاق  سراح الأمير من السجن بعد تجميده للبرلمان الذي عارض اطلاق سراحه كما أن المسؤول على هيكل الشرق الموجود بفرنسا كان أحد اصدقاء نابليون الثالث فوجها الدعوة للأمير وقت تواجده بدمشق بغرض ادماجه في الحركة الماسونية فلبى دعوتهم في القدوم لفرنسا غير أنه وصل عندهم متأخرا بساعتين وهذا أمر غير مقبول عند الحركة الماسونية الصارمة الأمر الذي جعل الأمير يكتفي بجلسة مجاملة معهم قبل أن ينسحب ثم أن برينو اتيان يقول أن الماسونيين  استدركوا الأمر ودخل الأمير معهم بمقر هيكلهم بالإسكندرية هذه الأخيرة توجهت اليها فلم أجد باستثناء  الأثر على مرور الأمير هناك لأي أثر أخر يدل على انخراط الأمير في الماسونية وبالتالي فلما نريد الكتابة عن مثل هذه الشخصية في الرواية لابد أن تتوفر لديك مثل هذه القضايا المطروحة وإلا أنت لست روائيا وهذا ما أخر صدور الجزء الثاني الذي سيبرز الجانب الروحي والثقافي لشخصية الأمير عبد القادر بالإضافة لانشغالي بكتابة نصوص أخرى التي زادت في تأخير الانتهاء من كتابته لكن الأكيد أنه سيرى النور لاحقا ان كان في العمر بقية وللبدن صحة.
و أقول أن الرواية ليس لها علاقة بالأيدلوجية بمعنى أنه على الكاتب أن لا يتبنى فكرة ايدلوجية مسبقة ويدخلها في الرواية صحيح أنه في نصوصي الأولى أدخلت فيها ايدلوجية معنية لكنني منذ مدة  أي قبل حوالي 20 سنة أدركت أن الأيدلوجية مضرة للكتابة  لماذا ؟ لأنه عند ادخال بعد ايديولوجي للنص فإنك ستكسره.   
توجه واسيني مؤخرا نحو الرواية التاريخية، لماذا هذا التوجه في هذا الوقت بالذات؟ وكيف يكتب واسيني؟
- الرواية التاريخية أصبحت ظاهرة عالمية فليست هي عربية أو جزائرية فقط، و هذا ما يستحق بحث واهتمام كبير من طرف الباحثين الجامعيين المتخصصين من خلال طرحهم للسؤال التالي: ما دعوة عودة الرواية التاريخية الى الوجود؟تعلمون أنها كانت موجودة مع واتر سكوت وغيره  ففي القرن التاسع عشر  كانت الرواية التاريخية موجودة قبل أن يتم الصمت عنها والتحول للرواية الاجتماعية والآن فيه عودة للأولى  وأنا برغم أنه عندي ملاحظة على جورجي زيدان  الذي يعتبر مؤسس الرواية التاريخية في الوطن العربي هي أنه برغم نبل فكرته التي عمد فيها  إلى إدخال القصة العاطفية على الحادثة التاريخية بغرض دفع الشباب والقراء إلى الاهتمام بالتاريخ غير أن الذي حصل هو أن ما بقي في مخيلة قراء  قصصه هو احتفاظهم بالقصة العاطفية دون الحادثة التاريخية ومع ذلك فالتوجه الحالي نحو الرواية التاريخية له أسباب متعددة منها فقدان الناس لثقتهم في التاريخ ورغبتهم في معرفة التاريخ بشكل اخر والرواية التاريخية تستطيع استيعاب مثل هذا السجال ثم أن الجوائز العالمية من نوبل وغيرها كلها فضلت للرواية التاريخية .
وبخصوص الكتابة فإني أكتب في كل مكان في السيارة أو الحافلة في الطائرة أو القطار ليس على الورق ولكن على جهاز( الأيباد)  ولأن الكتابة أمر معقد  خاصة عند اللحظة الأولى بالنسبة للرواية التاريخية التي لا تحتاج للتخيل فقط وإنما الاشتغال على المادة التاريخية وهذا ما يتطلب الجلوس على الكرسي لساعات طوال فمثلا رواية الأمير احتاج الأمر مني أربع سنوات كاملة ثلاثة منها قضيتها في جمع المادة التاريخية والعام الرابع  خصصته للكتابة التي يمكن تقسيمها لأربع كتابات الأولى تخص وضع التصور العام للرواية تأتي بعدها مرحلة الترقيع والترميم والتطبيب وبعدها  تأتي المرحلة الأخيرة الخاصة بالتدقيق  علما أنه من دون المرور على المرحلة الأولى يستحيل بالنسبة لي أن يكون فيه نص روائي مع الاشارة وأنه فيه ناس ليست لهم مشكلة فروايته لا تمر على مراحلي الشاقة وليست له مشكلة في ذلك.
انتشار الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية  مرتبط بالدعاية لا غير
باعتباركم مدرسا بالجامعة منذ سنوات طويلة وممارس للنقد على فترات، هل يمكن القول ان النقد العربي يمر بأزمة؟
- بالإشارة الى أنني من المتابعين للنقد العربي باهتمام كبير ومن المدرسين له يمكن القول أن مشكلة النقد العربي في رأيي الخاص ليست في علاقته بالنقد الغربي  فكل المدارس المهتمة بالنقد التاريخي حتى النقد البنيوي كلها اعتمدت بالدرجة الأولى على النقد الغربي غير أن المشكل لما نأخذ  مثلا النقد البنيوي وندرس البنية الزمنية و أستفيد من كتاب     وهو كتاب مهم لصاحبه Gérard-Genette  Figures-III- طبق عليه نص البحث عن   الزمن الضائع فهذا النص بضخامته وقوته وموقعه  في الثقافة الغربية حيث أنه أثر في الرواية الغربية و أوقف النمط الكلاسيكي وخلق علاقة أخرى مع الزمن الذي لم يبق خطيا مثلما كان الحال مع بالزاك أو زولا وغيرهما وأصبح  الزمن غير خطي معقد عنده موقع في تغيير النظام الروائي فجرار جنيت أخضع القوانين لعمق الرواية وليس العكس ونحن عندما ندرس الرواية نأتي بالقوانين ثم نخضع لها النص وهذا وجه الاختلاف ومركزه في النقد العربي وهذا ما يجعله ضعيفا لغياب الاجتهاد عنه حيث نأتي بالنظرية على قيمتها ثم نواجهها بنص ضعيف فان هذا لا يصمد حيث انك تؤثر في الجانب النقدي أو الهيكل النقدي بالتمطط فتنقص وتزيد فيه كما تريد علما أن النقد منظومة ثقافية.
هل يملك الروائي العربي الكفاءة الفكرية والثقافية والتقنية ليستوعب ما يحدث الآن
- ما موقع الكاتب، في رأيك، في التحولات التي يشهدها العالم العربي؟
- إن ما يحدث اليوم في الوطن العربي يختلف الناس في تسميته هل هو  ثورة أم حرب أهلية. والمشكلة هي كيف للروائي العربي أن يجد نفسه داخل هذه الحركية المعقدة جدا خاصة بالنسبة لأولئك الذين يكتبون فهل يعود إلى التاريخ القديم حتى يفهم الحاضر ؟ أم يكتفي بهذا الحاضر ثم أن السؤال الأخر الذي تطرحه الرواية هو في كيفية التعامل مع التحولات الدولية كون العالم العربي ليس رهين نفسه وإنما رهين محيط أكبر منه هذا المحيط الذي أنشأ الرواية اليابانية ورواية امريكا اللاتينية، فالسؤال هل يمكن لهذه التحولات عندنا وفي محيطنا أن تنشئ لدينا نصا روائيا  فيه نوع من التميز ثم  هل الروائي العربي له الكفاءة الثقافية والفكرية والنفسية  وحتى التقنية من حيث الكتابة الروائية ليستوعب كل هذا أم أن الأمر سيترك لأجيال لاحقة يمكنها أن تطور هذا المجتمع ثم كيف يمكننا التعامل مع تاريخنا العربي  الذي أنجز سابقا ونكتشف اليوم بأنه كان تاريخ ديكتاتوريات فكيف من حيث جوهر الرواية أن تدخل في عمق هذا التاريخ وتعيد الأسئلة التي خبئت عبر زمن طويل وتعيدها للواجهة.
- كيف يقرأ كاتب كبير ومكرس واقع القراءة الآن، وكيف ينظر إلى أدب الأجيال الجديدة من الكتاب؟
- قضية القراء ة هي مشكلة عالمية في وقتنا الحاضر اذا تعاني من تراجع عالمي كبير مع القراءة خاصة من حيث العلاقة مع الكتاب الورقي اذ فيه تحول من الكتاب الورقي الى قراءة الكتاب الرقمي وهذا يتطلب بعض الوقت والمهم أن القراءة موجودة والإحصائيات تبين   واذا كان الغرب يتوفر على الوسائط والوسائل التي تساعده على القراءة أما عندنا في الجزائر فيه مشكل فالكتاب الورقي موجود عكس الكتاب الرقمي أو الالكتروني فلا يشكل ظاهرة لغياب الوسائل والوسائط وهذا خلق نوعا من التراخي خاصة عند غير الجامعيين والأمر يحتاج لوقت اضافي لتصحيح الوضع.
وعن أدب الشباب فقد طرح في التسعينات على الكتاب الذين كانوا يصورون الوضع الاجتماعي الذي كان موجودا في الجزائر والمشكلات التي كان يعيشها الشعب الجزائري فترة أزمته فأنا لا أؤمن بهذا المصطلح فإما فيه أدب أو لا أدب أي أن الكاتب اما يجتهد لينتج نصا أدبيا ان كانت له قدرة على الكتابة ليصل أدبه لقرائه وان لم تكن له قدرة فنصه لن يصل.
والملاحظة التي يمكن اضافتها أنه عكس ما يرى البعض من انتشار كبير للأدب المكتوب باللغة الفرنسية في الجزائر مقارنة مع الأدب المكتوب باللغة العربية  فالحقيقة عكس ذلك من حيث الكتابة والنشر غير أنه من حيث جانب الدعاية والإعلام فأنا اتفق مع القائلين بذلك والعيب في ضعف مؤسساتنا الثقافية فكيف يعرف الناس الكاتب إن لم يلتق بجمهوره ولا يشارك في ملتقيات تنظم.
- صرح الروائي رشيد بوجدرة مؤخرا، بأنك الأقرب إليه ضمن حديث عن مجايليك من الكتاب. كيف تتلقى تصريحا كهذا؟
- هذه شهادة أعتز بها من كاتب كبير وصديق عزيز برغم اختلافي معه في قضايا كثيرة فالرجل يظل واحد من أهم الكتاب الجزائريين مثله مثل كتاب الرعيل الأول أمثال وطار،  بن هدوقة الذين لعبوا دورا مهما في ايصال الرواية الجزائرية إلى أفق العالمية ومثل بوجدرة سلطة ثقافية وروائية وانطباعاته تسعدني كثيرا برغم أنها تبقى شخصية فالبعض مثلا قد لا يراني أقرب الكتاب اليه برغم أن كلام بوجدرة لا يمر مرور الكرام