الثلاثاء، أغسطس 7

مذكرات بلعيد عبد السلام: فضلت زرهوني وزيرا للداخلية على بتشين (18)

مذكرات بلعيد عبد السلام: فضلت زرهوني وزيرا للداخلية على بتشين (18)تاريخ المقال 06/08/2007في نهاية مأدبة الغداء، وبعد تناولنا لجميع المسائل المطروحة، انصرفنا لقضاء عطلة لمدة أسبوعين، متفقين على اللقاء مرة أخرى في نهاية هذه العطلة. من جانبي، خرجت من هذا اللقاء ولدي شعور واضح جدا أن القرار قد اتخذ – حيث تتخذ القرارات الحاسمة – بشأن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي من أجل إعادة جدولة ديوننا الخارجية وأنه كان هناك سعي لإقناعي بهذا الحل لأكون، أنا، صاحب المبادرة في إبرام العقد مع هذه المؤسسة.متخليا بذلك عن تلك السياسة التي رسمتها على أساس قناعاتي ومبادئي، تاركا نفسي أنخدع بوعد لم يكن إلا وهميا بترقية إلى أعلى منصب في سدة الحكم. وبما أنني لم أكن مستعدا أبدا لتغيير سياستي، لم أشك أبدا في طبيعة ما سيقع في اللقاء الذي اتفقنا علية بعد العطلة. هكذا، إذاً، غادرت مقر إقامة رئيس الدولة حريصا على عدم الاستسلام أبدا لإرادة من كانوا، على غرار الجنرال تواتي، يشكون في قدرتي على "التكيف مع السياق السياسي والاقتصادي الجديد" من أجل أن يقول عني هؤلاء، يوما ما، إنني كنت رجل انفتاح، قادرا على التطور وله من الذكاء ما جعله يدرك التحولات المستجدة في العالم. لا أرجو من غيري مدحي على حساب قناعاتي ومبادئي ليقال عني يوما إني تنكرت لهذه القناعات وهذه المبادئ من أجل إرضاء نفسي بوهم وغرور مصدرهما وعد لم يكن أكيدا على أية حال. ما الذي كان يضمن لي أنني بعد قبول حبل صندوق النقد الدولي حول عنقي لن يلقى بي، بعد ذلك، إلى انتقام الجماهير وسخط الأغلبية الساحقة من مواطنينا وأصير محل احتقار من طرف من كان يحترمني بسبب وفائي لمبادئي وقناعاتي ورفضي الاستسلام لأطماع سياسية. لننظر إلى ما حدث لرضا مالك بعدما أبرمت حكومته الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ! لكن بالنسبة إلى الجنرال تواتي وأتباعه، كل هذه الاعتبارات هي دلالة على التحجر الفكري لا يسمح لصاحبه باستخلاص العبر من تطور الأمور ويمنعه من إدراك تلك التحولات الناجمة عن التقدم والحداثة. بعد اللقاء المذكور بفترة قليلة، زارني جنرال آخر، وكان من المساعدين المباشرين للجنرال خالد نزار، ليقول لي : "سي خالد كلفني، قبل ذهابه، بزيارتكم لأحاول إصلاح ذات البين بينكما" فأجبته : "لكن ليس هناك أي نزاع بيننا. تريدون تغيير السياسة الاقتصادية فغيروا رئيس الحكومة !". حينئذ رد علي قائلا : "كلا ! ما جئتكم لهذا. الأمر لا يتعلق إلا بتعيين وزير للاقتصاد. فإذا كان السيد بوزيدي لا يعجبكم، يمكن أن تعينوا محمد حردي في المنصب مادام هذا الأخير مغادرا لوزارة الداخلية وتريدون الإبقاء عليه في الحكومة". أجبته : "كلا ! لا يتعلق الأمر بمسألة شخص ما. مطالبتي بتعيين وزير للاقتصاد، منصب أشغله حاليا بالإضافة إلى رئاسة الحكومة، لا يمكن أن تكون له دلالة أخرى غير تغيير السياسة الاقتصادية". حينئذ، بدأ بيننا حديث عما يمكن أن يحصل من آثار إيجابية للجزائر بفضل إبرام اتفاق اقتصادي مع صندوق النقد الدولي. وقد بدأ مخاطبي يتلو الحجة بعد الأخرى، وكانت حججا سمعتها من قبل، أي حصول الجزائر، بفضل هذا الاتفاق، على أموال كثيرة من المؤسسة المذكورة كفيلة بأن تمكن الجزائر من انطلاقة اقتصادية وخلق عدد كبير من مناصب الشغل تحد من البطالة وتحول دون التحاق شبيبتنا بصفوف الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجبال وبفلول الإرهاب بالمدن. ما قاله لي أكد إحساسي أن القرار قد اتخذ نهائيا في ما يخص اللجوء إلى إعادة الجدولة ولم يبق إلا حملي على الموافقة على هذا المعطى المستجد في تطور أوضاع البلاد. كان كل شيء يظهر على مستوى دوائر "اتخاذ القرار" كما لو أن الجنرال تواتي وأتباعه كانوا يسعون لاستغلال ذلك الجدل المتعلق بكيفية معالجة مديونيتنا الخارجية لدفعي نحو باب الخروج فيتمكنوا من إبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بينما كان آخرون يحاولون ضرب عصفورين بحجر : إبرام هذا الاتفاق مع الاحتفاظ بي على رأس الحكومة. في الحقيقة، كان الكثير عندنا مبهورين بالـ 14 مليار دولار التي تحدث عنها المدير العام لصندوق النقد الدولي، السيد كامديسوس، بمناسبة زيارته إلى الجزائر في أواخر شهر ديسمبر 1992. التوضيحات المقدمة شفويا وكتابيا حول الإسهام الحقيقي لهذا المبلغ في الانطلاقة الاقتصادية لاقتصادنا لم تكن مفهومة لدى البعض من مسؤولينا ممن كانوا لا يأخذون بعين الاعتبار إلا ما كانوا يسمعونه من آراء ومعلومات من أفواه المعنيين، لاسيما تلك التي كانت تصدر عن إطارات مزعومين من المستوى العالي، ذوي شهادات جامعية كثيرة واشتهروا بكونهم خبراء دوليين بارزين لم يترددوا في إقناع من كانوا مستعدين للإصغاء إليهم والثقة في آرائهم في إسناد "خبراتهم التقنية" بمعطيات مغلوطة أو مشوهة كانوا ينشرونها بغرض التأثير في المسؤولين وانتزاع ما كانوا ينتظرون منهم من قرار واستسلام لهم. وخلافا للجنرال تواتي، كان الجنرال الذي زارني "منتوجا خالصا" لجبهة التحرير الوطني. لقد التحق هذا الضابط السامي بصفوف جيش التحرير الوطني في سن مبكرة وظل أثناء مسيرته كلها متشبعا بقيم ثورتنا. لذلك، لم يكن في حديثنا حذر خفي ونفور متبادل مثلما وقع لي مع الجنرال تواتي في لقاءاتنا بسبب التعارض الموجود بيننا على المستوى الأيديولوجي. في الأيام الأولى من عمر حكومتي، كانت علاقاتي بالجنرال تواتي لائقة، بل لم تخل من الثقة أحيانا إلى أن لمست تعارضا في المرجعية التي كان كل منا يستند إليها في المجال السياسي. لقد جرت بيني وبين مساعد الجنرال خالد نزار لقاءات أخرى أتاني فيها من أجل فض ما أسماه الموفد بـ "النزاع" الذي ثار بيني وبين رئيسه أثناء مأدبة الغداء المذكورة. وقد تبادلنا الآراء حول أسماء وزراء جدد لتعيينهم بمناسبة ذلك التعديل الذي كنت أنوي إجراءه عند الدخول الاجتماعي. كما اتفقنا على أسماء واختلفنا حول أخرى وتعرضنا للجنرال بتشين الذي اقترح علي تعيينه وزيرا للداخلية بينما كنت أفضل نور الدين زرهوني، المعروف بيزيد، والذي كنت أعرفه منذ أيام مدرسة إطارات الولاية الخامسة بمدينة وجدة. وقد بقيت الأمور عند هذا الحد حتى ذلك اليوم الذي أخبرت فيه بانتهاء مهامي كرئيس حكومة. وكي أجيب عن تلك الأحكام القطعية الصادرة عن الجنرال تواتي حولي أجد نفسي – على العكس منه وبسبب الشهرة التي حصلت له بفضل منصبه في وزارة الدفاع ودوره، أحيانا، كناطق رسمي باسم الجيش الوطني الشعبي لاسيما عندما يوقع على مقالات صادرة بمجلة الجيش – مضطرا، في الرد، إلى إفاضة لعلها مملة لكنني أعتبرها أحسن طريقة لكشف الحقيقة وملابساتها. أما هو، بالعكس، فنجده يكتفي بإطلاق أحكام جزافية ليست إلا افتراءات غالبا ما يعتبرها قارؤها حقائق ثابتة من دون تكليف النفس عناء التأكد من صحتها لا لشيء إلا لأن صاحبها شغل وظائف سامية بمؤسسة اشتهرت بجديتها. 11. "... فكرة الفترة الانتقالية ذاتها جاءت نتيجة المدة التي اقترحها السيد عبد السلام (3 أو 5 سنوات) بهدف التمكن من تطبيق برنامجه. إلا أنني اكتشفت، مع مرور الوقت، أنه لم يكن ليرض بتصور آخر غير تصوره. في الحين الذي كانت نهاية عهدة مجلس الأعلى للدولة، وبمقتضى تصريح 14 جانفي 1992، محددة بشهر ديسمبر 1993، أي بموعد انتهاء عهدة الرئيس السابق، كان السيد عبد السلام يعتبر أن هذه العهدة ينبغي تمديدها. لكن حتى هذا المشكل كان من الممكن إيجاد حل له من خلال تعديل دستوري يتضمن أحكام انتقالية من شأنها إسناد النشاط الحكومي، بل وحتى تمديد عهدة المجلس الأعلى للدولة بفترة معينة. غير أن السيد عبد السلام لم ير الأمور هكذا وإنما كان يدعو إلى فرض حالة الظروف الاستثنائية لا حالة الطوارئ فقط". فعلا، وكما ورد في نص الخلاصة التي تضمنتها وثيقة مشروع برنامج حكومتي في سبتمبر 1992، كنت أدعو إلى اعتماد فترة انتقالية تفصلنا عن الوضع المتميز بإلغاء المسار الانتخابي في جانفي 1992 مادامت البلاد متجهة نحو العودة إلى الانتخابات من أجل إقامة المؤسسات المنصوص عليها في الدستور. أذكر أن هذا الاقتراح كنت قد أشرت إليه في أوائل جانفي 1992 عندما بدأ الحديث عن رحيل الرئيس الشادلي الذي لم تعلَن "استقالته"، غير التلقائية، آنذاك بعد. يبدو الجنرال تواتي، مرة أخرى، معترفا لي ببعض الفضل، أي بكوني مصدر فكرة المرحلة الانتقالية. لكنه، في الوقت ذاته وكعادته، يبدو أنه لا يتردد في السماح لنفسه بتشويه الحقيقية. يكفي القارئَ الرجوعُ إلى نص خلاصة مشروع برنامجي الحكومي ليكتشف ذلك الفرق الموجود بين اقتراحي وبين الفكرة التي يريد الجنرال تواتي تقديمها في حواره الصحفي مع يومية El Watan الصادرة بتاريخ 27 سبتمبر 2001. الاقتراح الذي قدمته بشأن إعلان حالة الظروف الاستثنائية تمثل أساسا في تعليق الدستور انطلاقا من تطبيق حكم وارد في هذا الدستور نفسه، مع التعهد بالعودة إلى المسار الانتخابي بعد فترة خمس سنوات وبعد تطبيق برنامج لتطهير الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد. ومعنى ذلك ضرورة التقدم إلى الشعب بروزنامة دقيقة وبآفاق واضحة في اتجاه تحسين معيشة الجماهير الشعبية، أساسا، بما سيسمح بتغيير المعادلة في البلاد قبل العودة إلى الناخبين ثانية. أما في حالة العكس، فأشرت في اقتراحي ألا بديل آخر غير مواجهة من تمردوا على الدولة والدخول معهم في تنافس طويل تكون نتيجته، في النهاية، في فائدة مصالح الأمن لكن بخسائر باهظة لشعبنا. ألم يكن ذلك ما وقع في نهاية المطاف عندما ننظر في الفترة الممتدة من جانفي-جويلية 1992 والسنة 1996-1997 التي تميزت بالانتهاء من العمليات الانتخابية المكرسة لتطبيع الحياة السياسة بالجزائر بعد كل ما وقع منذ ديسمبر 1991 ؟ من، ماعدا الجنرال تواتي ومن رأى فيه صاحب دراية مزعومة بالمسائل القانونية، يستطيع أن يقول، اليوم، بصدق إن الدستور لم يتم تعليقه وإن حالة الظروف الاستثنائية لم تطبق ميدانيا في تلك الفترة ومن دون الإقرار بوجودهما من الناحية الصورية ؟ وإلا، فماذا يعني إعلان حالة الطوارئ غير تعليق الدستور ومنح رئيس الدولة جميع السلطات من أجل حماية الجمهورية وخلاص الأمة ؟ أكثر من ذلك، حالة الطوارئ التي تبناها الجنرال تواتي أو دعا إليها أفضت إلى حالة الظروف الاستثنائية، ومن دون رئيس جمهورية ؛ وهو ما يشكل، من الناحية القانونية، أمرا أسوء من حالة الظروف الاستثنائية ذاتها. يُنسب، ربما خطأ، إلى تواتي نظرية مفادها أن حالة الظروف الاستثنائية كان معناها استيلاء الجيش الوطني الشعبي على السلطة مباشرة. من يستطيع أن يثبت، من دون أن يعرض نفسه للسخرية، أن الجيش لم يمارس السلطة العليا، وبصورة انفرادية، في الجزائر أثناء تلك الفترة ؟ ومن منا يستطيع أن يدعي أن تنصيب المجلس الأعلى للأمن للمجلس الأعلى للدولة، سنة 1992، ولرئيس الدولة سنة 1994 كان، من الناحية القانونية، شيئا آخر غير مهزلة أريد بها تمويه واقع الأمور، أي تعطيل العمل بالدستور والدخول في نظام حالة ظروف استثنائية ازداد سوءا بسبب غياب رئيس جمهورية منتخب مسبقا له الحق في اللجوء إلى تطبيق حكم دستوري يقضي بإعلان حالة الظروف الاستثنائية لمواجهة وضع استثنائي يحمل خطرا داهما ؟ في الواقع، مواصلة العمل بالدستور من الناحية الشكلية على الرغم من تجاهله في الميدان إلى حد إبطال العمل به تقريبا كان عبارة عن مراوغات سياسية وقانونية استطاع بفضلها الجنرال تواتي ومن وثق فيه التهرب من مسؤولياتهم بل، وبعبارة أكثر صراحة، إقامة نظام قائم على اللامسؤولية. هذا هو السبب الذي يسمح لمدبري عملية جانفي 1992 بمواصلة القول إن الرئيس الشادلي استقال بعد حله للمجلس الوطني الشعبي وأن هذا الرئيس ترك لهم البلاد أمام فراغ دستوري كان عليهم أن يسدوه من خلال تأسيس المجلس الأعلى للدولة من طرف المجلس الأعلى للأمن بعدما رفض المجلس الدستوري الدخول في تلك اللعبة التي لم تخف على أحد. الاعتراف بإجبار الرئيس الشادلي على الاستقالة إنما هو إقرار أن الرئيس لم يستقل ولم يتسبب في فراغ دستوري وإنما تم خيار اللجوء إلى هذا الحل بالقوة، أي إلى انقلاب في نهاية الأمر. فلو اعترف مدبرو عملية جانفي 1992 بالأمور كما وقعت فعلا لاضطروا إلى الإقرار بمسؤولية الانقلاب الذي قاموا به ومن ثمة إلى الاضطلاع صراحة بمسؤولية تسيير شؤون البلاد. لم يكن الحل الذي لجأوا إليه سوى تهربا من المسؤولية مثلما يتهرب المنافق. هكذا، استطاعوا أن يحمِّلوا الوزر كله للمجلس الأعلى للدولة الذي أرادوه لهذه الغاية بالذات وباركوه بتنصيب شخصية تاريخية في ثورتنا على رأسه. الفراغ الدستوري الذي اختلقه هؤلاء تقرر في كنف السرية والتجاهل لتلك الأحكام الدستورية التي تنص على حالات حل المجلس الشعبي الوطني.

ليست هناك تعليقات: