الأحد، أغسطس 12

زايدي سقية ''ياباني'' الصحافة الجزائرية









زايدي سقية ''ياباني'' الصحافة الجزائرية
مشــوار:
1960الميلاد بـ ''سرج الغول''، ولاية سطيف
1983تخرج من جامعة الجزائر
1988ماجستير في العلوم السياسية من جامعة بريسطول البريطانية، ويلتحق بالصحافة
2007الوفاة بالجزائر العاصمة
بعضهم كان يشبّهه باليابانيين، لأنه كان يشبههم في الشكل قليلا، ويشبههم في حب العمل والاستغراق فيه كثيرا، ورغم همومه الأكاديمية الكبيرة، إلا أنه ظل وفيا للكتابة الصحفية إلى غاية وفاته المفاجئة، وقت مباراة المولودية والاتحاد في نهائي كأس الجمهورية التي كان ينوي الكتابة عنها بطريقته الخاصة، لكن الموت لم يمهله وغادر عالمنا مساء ذلك اليوم، وقبل أن تنتهي المباراة·
الخير شوار
عند وفاة زايدي سقية كان عمره 47 سنة، لكن شكله وطريقة عمله وكتاباته كانت توحي بأنه شاب في بداية العقد الثالث من عمره، ورغم رحيله في هذا السن المبكرة نسبيا إلا أن رصيده من الكتابات الصحفية غزير ومتنوع إلى درجة أنه يشكل ظاهرة قائمة بذاتها وتحتاج إلى دراسة· ويمكن القول بأن تجربة زايدي الصحفية التي بدأت مع عودته إلى البلاد من بريطانيا بشهادة ماجستير في العلوم السياسية حول موضوع الصراع الدولي في منطقة القرن الإفريقي، قبيل أحداث أكتوبر 1988م، هي خلاصة تجربة الجزائر في الصحافة المستقلة، فقد أسس وساهم في تأسيس أكثـر من يومية وأسبوعية، وكتب في مختلف الأقسام من المحلي إلى الاجتماعي إلى السياسي وحتى الرياضي، ورأس تحرير يوميتين هما ''الخبر'' و''الفجر''· كانت له في ''الخبر'' تجربة مريرة عندما كان يرأس تحريرها، ألغي المسار الانتخابي سنة ,1992 وتنشر الجريدة بيانا لرئيس الهيئة التنفيذية، الجبهة الإسلامية للإنقاذ حينها، الراحل عبد القادر حشاني، ليعتقل رفقة زميليه عبد الحكيم بلبطي الذي كان نائبا لرئيس التحرير، ومحمد سلامي ومدير نشر الجريدة، ولم يسترح من تلك القضية إلا بعد أن برأته المحكمة· وبعد تجربة قصيرة في أسبوعية ''الجيل'' مع توفيق رباحي وآخرين، رأى أن يغادر الصحافة ملتحقا بجامعة باتنة كأستاذ، لكن الوضع الأمني المتدهور حينها جعله ينقع عن التدريس ويعود مرة أخرى إلى الصحافة مع مغامرة أخرى تمثلت في أسبوعية ''الحدث'' رفقة زملاء صحفيين منهم زميله السابق في ''الخبر'' محمد سلامي واحميدة عياشي وآخرين، وكان للأسبوعية جرأة إلى درجة توقفها الاضطراري، وحينها انتقل إلى أسبوعية أخرى جريئة في طرحها وهي ''الحرية'' التي اشتهر فيها بإمضائه المميز (س· يزيد)· وعندما عاد إلى الجامعة لم ينقطع عن الصحافة التي عاد إليها مجددا بعد إيقاف تجربة ''الحرية'' سنة ,1996 ليساهم بقوة في تأسيس يومية ''اليوم''، ومحررا ومسؤولا لقسم المراسلين والمجتمع ونائبا لرئيس التحرير، وقد عرف حينها بإمضاءين مختلفين، وكأنه يجمع صحفيين مختلفين تماما في كيان واحد، أحدمها (س· يزيد) بمقالاته السياسية القوية، والآخر (س· عزيز) بروبورتاجاته ومواضيعه الاجتماعية العميقة، التي تعتبر مدرسة في الصحافة الاجتماعية الحية· لكن التجربة لم تستمر طويلا بفعل عوامل تعرفها التجربة الصحافية الجزائرية المستقلة، ليؤسس مع زملاء آخرين يومية ''الفجر'' التي رأس تحريرها، إلا إنه لم يستمر فيها طويلا، لكنه استمر في الصحافة من خلال عمله في جريدة ''أخبار الأسبوع'' بمقالاته السياسية العميقة التي تناولت المشهد السياسي الجزائري في تحولاته، ثم قرر فجأة مغادرة الصحافة على ألا يعود إليها إطلاقا، مكتفيا بعمله الأكاديمي في جامعة الجزائر كباحث وأستاذ، لكنه تراجع عن قراره مرة أخرى وعاد بقوة إلى الصحافة من خلال مساهماته المتميزة في ''الجزائر نيوز'' بمقالاته الأسبوعية في ملحق ''زوايا'' في البداية، ثم عموده الأسبوعي ''تنبيه الغافل'' في الصفحة الأخيرة من الجريدة، وكان لا يبخل بتحليلاته ومساهماته المتنوعة في كل المواضيع التي تحتاجه الجريدة فيها·
محمود بلحيمر، رئيس التحرير الحالي ليومية ''الخبر'' ورفيق الراحل في أكثـر من عنوان وأكثر من مؤسسة، يؤكد بأنه عرف زايدي في يومية ''الخبر'' عندما التحق فيها مع البداية في نوفمبر ,1990 فكان محمود متربصا وكان زايدي رئيسا للقسم الدولي قبل أن تسند له مهمة رئيس التحرير· يختصر محمود كلامه في زايدي قائلا: ''كان حيويا، متكونا في شتى ميادين المعرفة وكان متواضعا للغاية، كان يقدم ويعمل كثيرا في صمت دون أن يلفت إليه الانتباه وظل على تلك السيرة إلى غاية رحيله المفاجئ''·
أما محمد بوازدية، رئيس تحرير ''الخبر الأسبوعي'' الذي تعرّف عليه مع بداية مغامرة الصحافة الخاصة ثم في أسبوعية ''الجيل''، فيؤكد بأنه اتصل به قبل وفاته يريد هاتف المدير السابق لأسبوعيتي ''الحرية'' و''لاناسيون'' عمر عطية الذي كان في المستشفى، لكن بوازدية يتأسف لأنه لم يره، وقد ذهب بمفرده هناك وقد كان المستشفى قريبا من بيته· وبخصوص زايدي يقول بوازدية: ''كان له طابع خاص في كل شيء، في الحديث والقراءة والكتابة وحتى الجلوس، وكان يعشق شارع طنجة بمطاعمه الشعبية إلى درجة كبيرة''· أما ياسين معلومي، مدير أسبوعية ''الشباك'' الذي تعرّف على زايدي في جريدة ''اليوم''، فيؤكد بأنه كان مناصرا وفيا لمولودية قسنطينة رغم نشأته العاصمية وأصوله السطايفية· من آخر إنجازاته روبورتاج ''مولودية شعب الجزائر'' الذي نشره باسم مستعار في أسبوعية ''الشباك'' وكان ينوي تنظيم دورة تكوينية لصحافيي أسبوعيته هذا الصيف، لكن الموت كان سباقا·
رحل زايدي بطريقة تشبهه تماما، وهو المتواضع الذي يعمل في صمت وينجز أشياءه الجميلة في صمت، رحل بالمقابل في صمت في يوم كانت فيه شوارع العاصمة لا تنام و''الداربي'' العاصمي كان يسيطر على كل الأذهان·
المـــوت فــي منطقة الظل
لا أعرف لماذا يموت الرجال في هذا الوطن في الظل، ربما هي عظمة الكبرياء أو لعلها تكون سخرية الأقدار تجنبهم مشي المتملقين في جنائزهم· كثيرون حملوا المشعل ولبوا نداء الواجب، زايدي سقية واحد من هؤلاء الذين قرروا أن لا يحوّجوا الجزائر إلى ذوي اختصاصهم، ورغم علقم الوطن تركوا عسل الهجرة وتجرّعوا العلقم مرة تلو الأخرى لكي لا يتركوا الطالب الجزائري معلقا بأسئلته· ربما يعتقد أحدكم أنه لا يعرف الأستاذ زايدي، لكن هذا غير صحيح، أولا لأن زايدي ''زوالي'' مثلكم، لم يسكن في إقامات الدولة التي بنيت بدمائكم، ولم يركب ''لنش'' ليتمتع بغروب الشمس على ضفة فندق الشيراطون المحظور على المواطن لصالح متعة ''الأغنياء''·· زايدي رجل كافح مثل كل أبناء الشعب الشرفاء، لم يدرس في الخارج بنقود علاج الفقراء بل بجهده وكده وعرق والديه العجوزين·· زايدي أفنى عمره وعيونه وروحه تحت ضوء المعرفة، المعرفة التي لم تتحوّل عنده يوما إلى تجارة لا في الجامعة بـ ''البوليكوبات'' التي يشتريها أصحاب منحة ''الزوج دورو'' ولا خارجها··· زايدي الأستاذ الجامعي الذي لم يحصل على شقة إلا بعد الأربعين لم يبع ولم يشتر في المبادئ يوما، ظل وفيا لرأيه الذي عبّر عنه في التسعينيات في الديمقراطية وفي دولة المؤسسات، هذه الدولة التي نسيت أن زايدي واحد من الشرفاء· إن زايدي واحد من الذي درّسوا أبناء الفقراء سنين وسنين·· إن زايدي مواطن أدى الواجب تجاه الوطن بحب ورضا رغم كل الذي عاناه، أنتم الذين لا تعرفون زايدي هل قرأتم ذات صباح جريدة جزائرية؟ إذا أنتم تعرفون زايدي حتما لأن روحه تسكن الإعلام الجزائري ولأنه رجل من رجالته الحقيقيين·· إن زايدي روح تسكن كل ما هو جميل···زايدي أيها الفقراء واحد منكم أدى الواجب ثم مات في الظل مثل كل الشرفاء··
زهور شنوف

ليست هناك تعليقات: