الاثنين، أغسطس 13

رئيس تحرير ''إيلاف'' للجزائر نيوز:

في انتظار أن تتمكن الحكومة من تفكيك أسعار المواد الأساسية
أيهـــا الجزائريــــون: ''اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم''
سمير حميطوش
''الاستيراد ليس حلا، ولكن الحل في رفع القيود الجمركية''، بهذا التناقض يعكس وزير التجارة، الهاشمي جعبوب، حالة التخبّط الذي تعيشه الحكومة الجزائرية حيال الالتهاب المتزايد لأسعار المواد الغذائية الأساسية التي أصبحت عنوانا للهمّ اليومي للجزائريين الذين أذهلهم ارتباك حكومتهم العاجزة عن إيجاد حل أمام ارتفاع أسعار البطاطا التي غطى النقاش حولها على ارتفاع أسعار بقية المواد الغذائية الأساسية مثل السميد، الزيت، السكر··· ولعل هذا الذهول هو الذي دفع الكثير من الجزائريين إلى اتخاذ قرار بمقاطعة البطاطا بنفس الراديكالية التي قاطعوا بها الانتخابات التشريعية الماضية، والتي حارت الحكومة في سبب زهد الناس في المشاركة فيها رغم كثافة الأحزاب والمرشحين الذين قرروا خوضها والتحوّل إلى نواب عن الشعب· وإذا ما نجح الجزائريون من اجتثاث البطاطا من موائدهم وأطباقهم، فسيقدمون بذلك خدمة عملية للحكومة التي مازالت منذ عام تبحث عن أسباب غلائها، بل سيساهمون في التخفيف من فاتورة الواردات بما يسمح بادخار أموال أخرى تضاف إلى احتياطي الصرف، الذي لم يستفد المواطنون منه أي شيء ملموسا على الأقل، وستتفرغ في تلك الحالة الحكومة الجزائرية إلى البحث عن مشكلة أخرى تتعلق بالحليب الذي قال وزير التجارة إن حله يحتاج إلى 100 ألف بقرة تضاف إلى 900 ألف بقرة موجودة، ولكن الوزير لم يحدد كيف يدفع عجز في الأبقار قدره 10 بالمائة في إحداث عجز في الحليب يتجاوز الـ 40 بالمائة، وفي المقابل ستجد الحكومة مبررا مقبولا عندما تصل إلى موضوع ارتفاع أسعار السميد ومشتقاته، حيث لن تتردد في إرجاع ذلك إلى الحرائق والجفاف، وطبعا سيحوّل إيمانها بالله دون أن تحتج على القدر·
وفي المقابل، تمكن وزير الطاقة والمناجم من إيجاد مبرر مسبق للارتفاع المنتظر لأسعار المازوت، حيث تمكن من إصلاح زلة لسان اعترف خلالها بأن مصالحه لا تنتج هذه المادة، ثم عاد ليقول إن سبب الارتفاع المرتقب هو من أجل حماية البيئة من أضرار المازوت· ولكن الوزير الذي وفّق في القول بأن كل العالم يسير بهذا المقياس، لم يشر إلى أن الدول الخليجية المنتجة للنفط سعر البنزين بها رمزيا جدا، وتعتبر الحكومات القائمة في تلك البلدان أن توفير الراحة للمواطنين هو أدنى واجباتهم نحو شعوبهم·
في انتظار أن تتمكن الحكومة من حل هذه المشاكل، ينبغي على وزارة الشؤون الدينية أن تصدر تعليمة إلى أئمتها تفرض عليهم أن يلقنوا الناس أحاديث الزهد وترك الدنيا من قبيل ''اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم'' و''من ترك شيء لله عوضه الله خير منه''·
استطلاع بالسوق الشعبي ''مارشي12'' بالعاصمة
البطاطا لمن استطاع···
''البطاطا بزاف غالية والسعر لم ينخفض منذ عدة أشهر ولم يعد في استطاعتنا اقتناءها''·· هذه العبارة التي ترددت على ألسنة زبائن سوق ''مارشي 12''، الواقع بحي بلكور الشعبي بالعاصمة، الذي من المفترض يعدّ قِبلة لأصحاب الدخل الضعيف و''الزوالية''، إلا أنه خلال جولتنا الاستطلاعية التي قادتنا إلى هناك لاحظنا العكس على الإطلاق حين وقفنا على حيرة ومعاناة المواطنين الذين لم يعد في استطاعتهم اقتناء الخضر وشهر رمضان على الأبواب·
استطلاع: نشيدة قوادري
الأسعار ملتهبة وشهر رمضان على الأبواب
ولدى تقربنا من بعض المواطنين الذين تعوّدوا على التسوق من ''مارشي ''12 نظرا لانخفاض الأسعار فيه عادة، لمختلف السلع وعلى رأسها الخضروات، الأسماك وملابس ''الصولد'' وبعض المواد الغذائية الأساسية، أكدوا لنا بأن أسعار الخضروات قد التهبت خاصة سعر البطاطا الذي استقر في 65 دج ولم يعد بإمكان ''الزوالي'' اليوم توفير لقمة العيش لأبنائه في الوقت الذي تنبأت فيه العديد من النسوة اللواتي التقيناهم عن تدني مستوى معيشة المواطن البسيط الذي سيواجه المشاكل لوحده في ظل الصمت الذي التزمته الهيئات المعنية· فكلهن أبدين قلقهن عما سيواجهنه من معاناة خلال شهر رمضان، حيث يتوقعن التهاب أسعار كل المواد الغذائية· وأكدت السيدة (فضيلة· ح) لـ ''الجزائر نيوز'': ''البطاطا أصبحت بالنسبة إلينا كالفاكهة التي نقتنيها فقط في المناسبات، لكن وأمام إلحاح أبنائي الذين يفضّلون فقط تناول ''البطاطا المقلية'' فإنني أضطر لشراء 2 كلغ، لكن الأمر الذي يؤرقني كثيرا هو شهر رمضان الذي هو على الأبواب، أين المخرج يا ترى؟'' هو السؤال الذي طرحته العديد من النسوة· وللتجار أيضا ما يقولون·
الباعة: البطاطا المستوردة من كندا فاسدة
الباعة أيضا تحدثنا إليهم خاصة أمام الارتفاع الكبير في سعر الخضروات، فأكد لنا أحد التجار بأن ''البطاطا'' ناقصة في السوق وأصبحنا نقتنيها بـ 55 دج للكيلوغرام الواحد من سوق الجملة ببوفرة بولاية البليدة، بالإضافة إلى سوق الجملة المتواجد بولاية البويرة· وبخصوص البطاطا التي اقتنتها الدولة من كندا فهي فاسدة ولا تصلح على الإطلاق، وبالرغم من ذلك فقد تم بيعها بأسعار مرتفعة· وفي رده على سؤال بخصوص توافد المواطنين على شراء الخضروات من عدمه فأجاب: ''تريد الصراحة، لقد فقدنا زبائننا منذ عدة أشهر أي منذ أن أصبح سعر البطاطا بـ 65 د ج، وعليه فإنك تجد بأن المواطن البسيط أصبح لا يقتني سوى كيلوغرام واحد من البطاطا لا أكثـر وحتى أصحاب المطاعم الذين كانوا يقتنون في وقت سابق من قنطار إلى قنطارين من البطاطا أصبحوا اليوم لا يشترون إلا عشرين كلغ في اليوم· وأملنا أن تجد الدولة الحل الأنسب والنهائي لهذه المشكلة العويصة، خاصة وأن المتضرر الوحيد هو المواطن البسيط''، قبل أن يتساءل التاجر (محمد· ك) عن سبب تضارب أسعار البطاطا ومن يقف وراء ذلك·
الـــبطــاطــــا والبنــــــان في منزلة واحدة
وما أثار انتباهنا خلال الجولة التي قادتنا، أمس، إلى السوق الشعبي ''مارشي ''12 أن البطاطا أصبحت تنافس ''البنان'' الموز· هذه الفاكهة التي كانت في وقت سابق تسيل لعاب المواطنين، لكن أصبح ''الزوالي'' اليوم مخيرا بين أن يشتري ''البطاطا'' أو ''الموز''· وما لاحظناه أيضا انتشار باعة ''العنب''، ففي كل زاوية تقابلك طاولة لبيع العنب بأنواع مختلفة، لكن السعر يتراوح ما بين 60 و100 دج للكيلوغرام الواحد، غير أن المواطنين قاطعوا هذه ''الفاكهة'' المحببة لدى الجميع إلى غاية أن تعود أسعار ''البطاطا'' إلى الاستقرار· غير أن التصريحات الأخيرة للمسؤولين المعنيين لا تبعث على الاطمئنان خاصة في ظل تراشق التهم بين وزير التجارة الهاشمي جعبوب، ووزير الفلاحة والتنمية الريفية سعيد بركات، فكل واحد منهما يحمّل الآخر المسؤوليات والمتضرر الوحيد هو ''الزوالي''·
ثلاثة بعشر آلاف··· وملابس ''الصولد قبلة الزوالي''
وأمام الغلاء الفاحش في المواد الغذائية الأساسية، فإنك تجد أن معظم النسوة اللواتي يقصدن ''مارشي ''12 يتوجهن إلى الطاولات التي تعرض ملابس الشيفون أو ''الصولد''، فمن بعيد تسمع هتافات التجار وهم يصيحون بأعلى أصواتهم ''ثلاثة بعشرآلاف''· وقبل التقرب من المكان كنا نظن أن السلعة المعروضة هي نوع من الخضروات أو الفواكه وصاحبها يريد التخلص منها بأية طريقة، لكن ولما اقتربنا من الطاولة اكتشفنا أن التاجر يعرض ملابس أطفال رثة وبالية تنبعث منها رائحة غريبة، لكن وبالرغم من ذلك فإنك تجد النسوة يبحثن بجدية كبيرة عن ملابس قد تليق بأطفالهن، وقد تتمزق مع أول غسيل·
السوق المغطى، محمد بوقرفة، المحاذي لمارشي 12 فضاء آخر وقِبلة الأغنياء
غير بعيد عن السوق الشعبي ''مارشي ,''12 وبالضبط بالسوق المغطى محمد بوقرفة، حيث يعرض التجار أجود أنواع الخضروات والفواكه لتلتقي بفئة أخرى من المواطنين الذين لا يهمّهم ''السعر'' على الإطلاق، فتجدهم يبحثون عن أجود ''الأسماك'' و''الخضر'' وفواكه الموسم كالعنب مثلا· ولدى تقربنا من إحدى السيدات، سألناها عن سبب إقبالها على هذا السوق، فأكدت لنا في استغراب: ''مادام الدراهم كاينين فليس هناك أي مشكل··· وأكره أن أتجول في الأماكن المكتظة، فهنا أحسن بكثير من ''مارشي ''12 ولا أظن أن أسعار السلع تختلف كثيرا···''·
مـــــارشي ''لعقيبـــة'' خير من ''مارشي 12''
وما يبدو أيضا أن السوق الشعبي المعروف بمارشي 12 قد فقد زبائنه لأن أسعار مختلف السلع الغذائية تعرف غلاء فاحشا وأصبح المواطن البسيط في حيرة من أمره ويتساءل كيف سيقضي شهر رمضان، خاصة إذا بقيت الأسعار على حالها· ولدى تقرب ''الجزائر نيوز'' من بعض المواطنين الذين أكدوا بأن أسعار الخضر بالسوق الشعبي ''لعقيبة'' - والذي يوجد غير بعيد عن مارشي 12 - منخفضة مقارنة بالأسواق الأخرى· وعليه أصبح المواطن في رحلة بحث مستمرة عن ''السوق'' الذي يعرض سلعا بأثمان منخفضة تلبي حاجياتهم خاصة حاجيات الأطفال التي لا تنتهي·
ما لم تقله الحكومة بشأن ارتفاع أسعار القمح
ب·القاضي
ألقت العوامل المناخية بظلال ثقيلة على تقلبات أسعار القمح في الأسواق العالمية، حيث بلغت أعلى معدلاته منذ ما يربو على الـ 11 سنة بسبب تأثير الجفاف على محاصيل الحبوب بأستراليا، ثاني مورّد للحبوب في السوق العالمية· وما عزز ارتفاع الأسعار تزايد الطلب العالمي على القمح خاصة، حيث يذكر في هذا السياق تهافت دول شمال إفريقيا على اقتناء كميات معتبرة من القمح بنوعيه، ما أدى إلى تسارع وتيرة واردات القمح إلى شمال إفريقيا· ففي الجزائر أعلن محمد قاسم، المدير العام للديوان المهني الجزائري للحبوب، شهر جوان الماضي أنه يتوقع أن يصل محصول الحبوب إلى 4.8 ملايين طن مقارنة بأربعة ملايين طن في .2006 وقال إن الجزائر بحاجة إلى استيراد 2.5 مليون طن من القمح اللين و2.6 مليون طن من القمح الصلب هذا العام، بينما لجأت الجارة المغرب إلى السوق الدولية جراء الجفاف الذي ينتظر أن يغذي مزيدا من المشتريات، بينما استغلت مصر تراجع سعر صرف الدولار للقيام بعملية شراء كبيرة· على غرار تونس حيث أعلنت الحكومة عن مناقصة لشراء 125 ألف طن من القمح، مما يؤثر بشكل مباشر في مؤشر الأسعار· وصعدت أسواق العقود الآجلة الأوروبية للقمح إلى مستويات مرتفعة لعقود التداول مؤخرا، وواصل القمح الأمريكي في بورصة مجلس شيكاغو للتجارة مكاسبه عقب ارتفاعه نحو أربعة بالمائة بداية شهر جويلية·
هاجس الندرة الذي حرّك دول شمال إفريقيا لم يجعل الجزائر بمنأى عن التهافت لشراء كميات أكبر من الحبوب، إذ يذكر في هذا الصدد تصنيف الجزائر في المرتبة الخامسة من حيث استيراد الحبوب· ولم يكن هذا الوضع دون تأجيج مخاوف رفع مادة الخبز رغم تطمينات الحكومة بالحفاظ على التسعيرة المدعمة لبيع القنطار الواحد من القمح اللين إلى المطاحن، لكن ما لم تقله الحكومة وبغض النظر عن مادة الخبز المدعمة ستشهد مواد استهلاكية لا تقل أهمية التهابا في الأسعار كونها لا تخضع لتسعيرة رسمية بل لقوانين العرض الطلب للمادة الأولية ألا وهي القمح· فعلى سبيل المثال ستشهد سلع مصنعة من مشتقات القمح بنوعيه ارتفاعا محسوسا كالمعكرونة، الشربة، وكذا دقيق القمح الصلب ''السميد''، وربما سيتضح للمستهلك ذلك بشكل جلي مع حلول شهر رمضان الذي يشهد تهافت الجزائريين على الحلويات خاصة الحلوى الشامية أو كما تسمى محليا ''قلب اللوز''·
محمـــــد عتــــــــــاني
خبـيـــــــــــر في ميـــــــــــدان الحبـــــــــــوب ومشتقـــــــــــاتها
تشهد السوق العالمية التهابا غير مسبوق في أسعار القمح، مما خلق ارتباكا في الأسواق المحلية الدولية ودفع بالحكومة إلى إعلان الإبقاء على تسعيرة مادة دقيق القمح اللين، ما هو تعليقكم؟
القمح وكغيره من المواد يخضع لسوق البورصة، وهذه الأخيرة بدورها تتحكم فيها تقلبات مختلفة خاصة العوامل الطبيعية التي تؤثر بشكل مباشر في مستويات الإنتاج· الارتفاع الكبير في أسعار القمح في الأسواق الدولية له تداعيات على المستوى المحلي كون الجزائر من أكبر المستهلكين لهذه المادة، فضلا عن اعتمادها على القمح المستورد لتلبية الحاجات الداخلية·
هل الدعم الحكومي لمادة الفرينة كاف في نظركم لضمان استقرار سعر هذه المادة في البلاد؟
إعلان الديوان الوطني للحبوب الإبقاء على نفس سعر القنطار الواحد من القمح اللين الموجه للمطاحن يتعلق في المقام الأول بالاحتفاظ بسعر الخبز على ماهو عليه بحكم تمتع هذه المادة بدعم الدولة، ولكن هناك فارق بين السعر الحقيقي للقمح الذي يقتنيه الديوان تضاف إليه مصاريف الشحن ومصاريف أخرى وبالتالي قيمة سعر التنازل المقدرة بـ 1285 دج للقنطار الواحد ليست السعر الحقيقي· ونشير في هذا الصدد أن هذا السعر لم يشهد أي تغيير منذ سنة 1996 تاريخ وضع رزنامة هوامش الربح الموزعة بين مختلف المتدخلين في الميدان سيما ديوان الحبوب المورد للسوق، المطاحن و المخابز·
لكن دعم مادة الفرينة سيُبقي سعر بيع الخبز في مستواه الحالي، هذا مفهوم بيد أن مشتقات الحبوب تستعمل في صناعة مواد أخرى واسعة الاستهلاك؟
هذا أكيد فالمعكرونة ومختلف العجائن تصنع من القمح الصلب الذي لا يحظى بدعم الدولة، وبالتالي لاحظنا أن سعر السميد قد ارتفع إلى حدود 40 دج للكيلوغرام الواحد في محلات التجزئة، وقد يؤدي إلى ارتفاع مواد أخرى تصنّع من مشتقات الحبوب غير خاضعة للتسعيرة الرسمية ولا تتمتع بدعم الدولة·
هل دعم الدولة كافٍ في نظركم؟
لا أعتقد، لأنه إن عاجلا أم آجلا ستتخلى الحكومة عن دعم هذه المادة الأساسية تحت تأثير عدة عوامل داخلية وخارجية خاصة إذا واصلت أسعار القمح منحاها التصاعدي في الأسواق العالمية· هذا من جهة، ومن جهة أخرى، على الدولة العمل على إيجاد بدائل أخرى سيما دعم زراعة الحبوب وتنميتها بشكل جدي منذ سنوات نتحدث عن مساحة ثلاثة ملايين هكتار كمساحة صالحة للزراعة· ولكن في الحقيقة نحن لا نعلم شيئا عن ما يجري في الواقع، ثم هناك فكرة كانت في فترة السبعينيات والتي كانت عبارة عن مشروع إنجاز مخازن ضخمة لتخزين الحبوب أو ما يسمى بالمخزون الاستراتيجي، لأنه الضمان الوحيد لقوت الشعب· ولكن للأسف لم يمض وقت طويل عن انطلاق المشروع حتى تم إهماله والتراجع عنه في النهاية·
في اعتقادكم هل مطلب رفع تسعيرة الخبز مطلب مشروع أو بالأحرى هل هو مطلب مبرَّر؟
لا يكفي أن ندعم سعر المادة الأولية وهي الفرينة لأن صناعة الخبز تتطلب مصاريف أخرى تتعلق بمكونات الخبز من زيت، خميرة طاقة، يد عاملة، ضرائب وأعباء أخرى، وبالتالي فتسعيرة الخبز الحالية لا تخدم الخبازين، وهذا النشاط لم يعد مربحا، وبالتالي فعلى الحكومة مراجعة رزنامة هوامش الربح التي تجاوزها الزمن في اعتقادي· وبشكل عام مطلوب من الدولة التدخل لتنظيم القطاع لأنه يعيش حالة من الفوضى مردها رفع احتكار الدولة في مجال المطاحن وحتى استيراد الحبوب، وهذا يمثل خطرا كبيرا، وقد سبق لي أن تناولت هذا الموضوع كون المستوردين الخواص يأتون بنوعية رديئة من القمح أحيانا وأحيانا أخرى يطعمون الجزائريين قمحا علفيا موجها في الحقيقة للمواشي، وهذا أمر يستدعي تدخل الدولة·
سأله: ب· القاضي
محاولة فهم
الخبير الاقتصادي مسعود كسري:
ارتفاع الأسعار أزمات مفتعلة تواجه بسياسة تلفيقية
تشهد أسعار المواد الأساسية ارتفاعا مخيفا في الآونة الأخيرة، كما يسجل نقص كبير في بعض المواد الهامة مثل البطاطا والحليب، كيف تفسرون ما يحدث؟
هناك مجموعة من العوامل ساهمت في خلق هذه الوضعية الحرجة، ومنها عدم الصرامة في تطبيق الرقابة على تنفيذ القوانين، وغياب الرقابة هو الذي يتسبب ويسمح بحدوث حركة أسعار غير مقبولة· لكن يبقى أهم عامل في كل ما يحدث، وجود أقطاب يشكلها أصحاب المصالح، وتؤثر في الساحة لدرجة توجيه السياسة الاقتصادية كما تشاء·
لكن أسعار المواد الأساسية ارتفعت على مستوى الأسواق الدولية وليس على المستوى الوطني فقط؟
السوق الجزائرية لا تخضع لحركة الأسعار الدولية بقدر ما تخضع لمجموعة من المتحكمين داخليا، وما يحدث حاليا هو بسبب هذه الجماعات وليس نتيجة لتقلبات الأسعار على المستوى الدولي· فالبطاطا مثلا، تم تخزينها لخلق الاضطرار إلى الاستيراد، فهي تخلق الأزمات مثل هذه لإحداث التغيير والتغيير لا يأتي إلا بالتحرير الكامل لحركة السلع، وإلى محاولة لوضع سياسة إنتاجية مستقرة وواضحة تقابل بخلق مثل هذه الأزمات والمشاكل، ويستمر نفوذها في غياب فاعلية الدولة التي يفترض أن تتجسد في إجراءات معينة مثل حماية المنتوج الفلاحي الوطني من الكوارث ومن الاحتكار· وأيضا الفلاح الجزائري يتحمّل تكلفة عالية دون وجود سياسة واضحة لضمان منتوجه، كما في دول الاتحاد الأوروبي مثلا·
اتخذت الحكومة مؤخرا قرارا بتحويل الدعم الموجه لمادة الحليب نحو زيادة الفارق في الرواتب، هل ترون أن هذا الإجراء فعال، وهل يمكن اتباعه كنموذج لمواجهة ارتفاع أسعار السلع الأخرى كبديل عن آلية الدعم؟
مبدئيا، أي سياسة تضعها الدولة تتطلب متابعة ومراقبة صارمة على تطبيقها، وإلا فلن يكون لها أي مفعول، ويجب أولا معرفة من هي الفئات التي سوف تستفيد من هذا الإجراء، لكن على كل حال لا يمكن اعتبار هذه الآلية حلا، إنما هي سياسة تلفيقية، فحواها أنه يتم إرضاء المستهلك· بينما في الواقع الأوضاع تسود وتتدهور، لأنه يتم الزيادة في الأسعار ثم الزيادة في الأجور، ثم في الأسعار وهكذا···
ما الذي يجب القيام به حاليا لمواجهة هذه الأوضاع المتأزمة؟
نحن الآن نعيش حالة طوارئ لأننا على أبواب شهر رمضان وعلى الدخول الاجتماعي، ولا مفر من الاستيراد الذي تضطرنا إليه هذه الأزمات المفتعلة، لذلك على السلطات المعنية أن تتحرّك عاجلا بتوفير الكميات اللازمة من المواد الأساسية التي تشكل عجزا، لكن يجب أيضا وضع آليات عاجلة لتدعيم مداخيل العائلات مثل المنح الخاصة، دون التخلي عن الدعم المباشر للمواد الأساسية·
أما على مدى أبعد، فالجزائر مقبلة في الأشهر القادمة على تغييرات اقتصادية جذرية ويجب التفكير جديا في تنظيم السوق والعلاقة بين المنتج والمستهلك في ظل الانفتاح الاقتصادي الذي سوف نعرفه·
ف·مروان
رئيس تحرير ''إيلاف'' للجزائر نيوز:
السعودية ليست كيانا واحدا متصلا رغم أنها تحت إطار واحد
لن أكون عربيا خالصا إلا إذا زرت الجزائر
يعتقد سلطان القحطاني، رئيس تحرير جريدة ''إيلاف'' الإلكترونية ذائعة الصيت، أن ''سياسة حجب المواقع الإلكترونية التي تتبعها بعض الحكومات قد ولّت، لأن الثورة التكنولوجية لن تجعل من السهل عدم تجاوز الحجب حاليا''، معتبرا أن صحيفته أضحت أكثـر مقروئية بالمملكة السعودية بعد قرار الحجب، خاصة وأن الإحصائيات الأخيرة لبعض المراكز المتخصصة قد بينت أنها تحتل مكان الصدارة من حيث عدد القراء، كما عرج القحطاني في حوار خص به ''الجزائر نيوز'' على تجربته الخاصة في مجال الإعلام الإلكتروني والواقع الفكري والسياسي بموطنه السعودية·
أجرى الحوار: محمود أبو بكر
النشأة ليست تكوينا فيزيائيا فحسب، بل هي جسرا ثقافيا ومجتمعيا بكل مميزاته وخصوصياته لمرحلة معينة من العمر، وقد تمتد جذور ذلك التأثير مدى العمر، كيف تبدو نشأة ''سلطان'' وطفولته، وماذا تبقى من تلك النشأة الأولى؟
ضباب يحوم على تلك البدايات الأولى التي لا أتذكر منها سوى طفلة قضمت خدها حينما كنا في روضة الأطفال، ولم أعرف أين هي الآن بعد نحو عشرين عاما من تلك اللحظة ذات ظهيرة رائقة· حين أنظر إليها الآن أجد أن طفولتي كانت تبدو عبثية مثل مراهقتي وشبابي وشيخوختي المنتظرة التي أظن أنها لن تأتي إلا بعد 150 عام· أما ما تبقى من هذه النشأة الأولى هو أنني وصلت إلى قناعة تزداد رسوخا مع الوقت ''لن أسمح لأحد بإذلالي - سواء أكان ذلك نظاما حاكما أو مؤسسة أو فردا- لأنني لن أعيش سوى حياة واحدة''، وطالما أنني لن أعيش إلا هذه الحياة الواحدة فإنني لن أسمح لأحد بأن يسيطر على ذلك الإنسان العظيم الذي في داخلي·
حدثنا عن كيفية دخولك لعالم الإعلام؟
كنت أغازل هذا الفيروس عن بعد حتى فاجأني وحوّل حياتي 180 درجة إلى مسار آخر أستطيع من خلاله اقتحام كل الأبواب دون أن يسألني أحد، لماذا؟ بدأت أول ما بدأت في صحيفة الرياض السعودية من خلال نشر قصائدي في ملحقها الثقافي ما جعلني مشهورا في وقت قياسي، وبعد عدة أشهر وجدت نفسي حاصلا على جائزة من الصحيفة عن فئة الشعر بمركز متقدم جدا (الثالث) قياسا وعمري حينها الذي لم يكن يتجاوز 17 عاما· وأتذكر أنني حين صعدت لاستلام جائزتي سألني أمير منطقة الرياض، سلمان بن عبد العزيز، حين لاحظ صغري سني هل فعلا أنا ''القحطاني الفائز'' وتبعها بابتسامة مداعبة·
لم تمض أشهر بعدها حتى حصلت على جائزة أخرى على مستوى المملكة في فئة القصة القصيرة من قبل مسابقة نظمتها وزارة التربية والتعليم في المملكة، وهكذا شعرت بأنني أخطو خطوات قريبة جدا من العمل الصحافي، لكنها لم تكن صحفية في مضمونها· بعدها وجدت نفسي أبدأ في كتابة المقالات وانتقلت بعدها إلى عمل مؤقت في مجلة فنية، وبدأت أمضي وأصعد سلما إثر آخر حتى وصلت إلى تلة مرتفعة، كما يقول الآخرون، برفقة معلم علمني الكثير وشد على ساعدي هو الأستاذ عثمان العمير· لقد كان عثمان ولا يزال بالنسبة لي الأب والنهر والأستاذ الذي يفيض بينابيعه المتواصلة عليّ· وبإشرافه المباشر على خطواتي الصغيرة حوّلني إلى شخص أزعم أنه يملك أدوات جيدة في الكتابة والعمل الصحافي، فله الفضل من قبل ومن بعد·
صحيفة ''إيلاف الإلكترونية'' تعد أحد أهم المنافذ الإخبارية العربية المتخصصة على شبكة الأنترنت، كيف تحقق هذا الحلم، وماذا تعني مفردة ''إيلاف''؟
''إيلاف'' جاءت ثمرة فكرة كانت تدور في الزوايا الداخلية من مخيلة ناشرها الأستاذ عثمان العمير بعد أن حاول أن يجعل من استقالته من كرسي رئاسة تحرير صحيفة الشرق الأوسط طلاقا بائنا من عالم الصحافة، محاولا تغيير حياته إلى ضفة أخرى· لكن بعد عامين من ذلك، وجد أن الفأر الصحافي يعبث في معطفه آناء الليل والنهار محرضا إياه على العودة إلى مرابعه إما مختارا أو مجبرا· كان بإمكانه أن يكون سفيرا في إحدى الدول الاسكندينافية الهادئة، أو رجل أعمال يجوب القارات بحثا عن المشاريع، أو حتى متقاعدا يريد أن يقضي بقية سنواته في الراحة والاستجمام· لكنه آثر أن ينفض عن جلده كل هذه الثلوج ويطلق كرة نار لم تنطفئ بعد· وللمعلومية، فإن اسم ''إيلاف'' مأخوذ من إحدى الآيات من القرآن الكريم التي تعني التآلف والمحبة·
نعلم تفاصيل العمل في الصحف الورقية، لكن الصحف الإلكترونية وظروف عملها تعد ''ظاهرة حديثة'' نسبيا على القارئ ، هل حدثتنا عن ظروف تحرير ''إيلاف'' ومختلف مراحل العمل فيها (اجتماعات التحرير·الخ)؟
إننا نعمل وكأننا في صحيفة ورقية، لكن مع مجهود أكثـر يدفع بعضنا إلى العمل أكثـر من 10 ساعات متواصلة دون الإحساس بهذا الوقت الطويل الذي يمضي· إن العمل الإلكتروني يدخلك في ثورات القرن الجديد ويجعلك تحس بمسؤولية نتيجة لمئات الآلاف من القراء الذين يتصفحون جريدتك يوميا· نبدأ خطتنا التحريرية اليومية في التاسعة غرينتش عبر اجتماع تحرير شامل يتم في إحدى الصالات الإلكترونية الافتراضية، ونتناقش كتابة عن موادنا اليومية وأفكارنا المستقبلية وعن الملاحظات التي تأتي من قرائنا وبعدها نكمل انطلاقتنا لأننا على مدار الـ 24 ساعة لا نتوقف مطلقا·
أنت مدير تحرير ''إيلاف'' على مستوى السعودية، و''إيلاف'' محجوبة في المملكة السعودية عن القراء، أولا هلا حدثتنا عن أسباب الحجب، ثم كيف تتعاطى مع عملك كرئيس تحرير في غياب النسخة؟
هذه هي المرة الثانية التي تحجب فيها الصحيفة بعد الحجب الأول الذي تم رفعه بعد أن قمنا بغلق المنتدى التفاعلي المرافق للصحيفة، والذي كان يعطي مجالا حرا أكثـر للأصوات الليبرالية التي لا تجد منابر لها، دون أن نغفل فتح الباب أمام التيارات الأخرى· أما هذا الحجب الثاني الذي هو الأطول من نوعه، فحتى الآن لا نعرف الأسباب الرسمية لهذا الأمر· ومهما تكن الأسباب، فإن ''الأشخاص'' الذين يقفون وراء قرار الحجب هم يسيئون للملك عبد الله بشكل شخصي لأنه ملك إصلاحي أحدث تغييرات لافتة في هذه البلاد، وهذا المنع يضر بصورته أمام الرأي العام العالمي·
إنني أعرف أن الملك عبد الله إصلاحي عظيم، فلا أعتقد أنه سوف يسمح بغلق صحيفة إلكترونية استطاعت أن تنجز الكثير منذ بدء فترة حكمه التي امتازت بكونها حملت نسبة حرية عالية للصحافة في المملكة·
أما عن التعاطي مع العمل في ظل الحجب، فإنني أقول إنه لم يتغير بل أنه ازدادت وتيرته، ومنذ الحجب قمنا برفع نسبة العاملين في المكتب الإقليمي في المملكة بما نسبته 45 في المائة وهي تزداد مع الوقت· إنني مؤمن بأن سياسة الحجب قد ولّت لأن الثورة التكنولوجية لن تجعل من السهل عدم تجاوز الحجب حاليا· تأثيرنا داخل السعودية لم يتناقص بل على العكس يزداد يوما إثر آخر·
كنت من أوائل من استخدم مصطلح ''إسلاميي السعودية''، وهو مصطلح كان جديدا للقارئ العربي الذي -كان- يعتبر المملكة ككل جزء من تيار واحد، حدثنا عن المملكة وتياراتها الاجتماعية ومناطقيتها وإسلامييها؟
لا أعتقد أنني أول من استخدم ذلك، بل أظن أن كثيرا من زملائي سبقوني إليه· للأسف، فإن السعودية ليست كيانا واحدا متصلا رغم أنها تحت إطار دولة واحدة، لكنه خليط عرقي وفكري مهول يجعل من الصعب تطبيق وصفة شاملة للإصلاح تقوم بها الدولة، وهذا ما يجعل خطوات الإصلاح التي تجري خطوات حذرة وبطيئة بشكل واضح·
يجب علينا أن نقرأ الجغرافيا التنموية أولا في البلاد كي نعرف إلى أي حد هناك تقسيمات مفزعة ومفجعة في آن· باعتراف المسؤولين أنفسهم، فإن هناك مناطق بأكملها لم تنل نصيبها الكافي من التنمية· تخيل بعد أكثـر من نصف قرن من بروز المملكة ككيان سياسي متحد توجد مدن سقطت من خارطة التنمية لمصلحة مناطق أخرى· فكيف ستتعامل الحكومة مع هؤلاء الذين بدأوا تواً في الحصول على حقوقهم الأساسية· وكيف ستقارنهم بآخرين عبوا من التنمية عباً حتى الثمالة، وآخرين ما زالوا في الطريق الأول·
النقطة الأخرى فيما يتعلق بالجغرافيا البشرية والعرقية الخاصة بسكان المملكة، فهم مكونون من قبائل وأسر حضرية ومقيمون عاشوا سنوات حتى استطاعوا الحصول على الجنسية، وذلك يجعل طريقة تعاملهم متفاوتة، فأفراد القبائل منغلقون على أنفسهم لا يسمحون لأحد بالزواج منهم أو يتزاوجون من خارج قبائلهم، بينما الأسر الحضرية تنظر نظرة ازدراء لهؤلاء البدو الذين يشكلون أغلبية مطلقة في البلاد، في حين ينظر المقيمون الآخرون والذي جاء أغلبهم بسبب رحلات الحجاج إلى غرب البلاد إلى الآخرين بحذر وشك· لا توجد علاقات رضى مطلق في الإطار العام بين الشمال والغرب أو الشرق والشمال أو الجنوب والوسط وهكذا دواليك·
إذن نحن نتحدث عن صورة يحميها إطار ظاهري صلب لكنها من الداخل مقسمة بشكل كبير، وهذا ما جعله ينعكس إلى المناحي الفكرية وتقسيماتها· ونتيجة لذلك مع مرور السنوات تشكلت لدينا العديد من التيارات التي تخوض صراعاتها الهامشية البسيطة على صفحات الصحف ومن خلال البرامج التلفزيونية دون التركيز على الجوانب الحقيقية التي ينبغي دعمها للإصلاح· لابد من وجود إصلاح حقيقي يدعمه هؤلاء المثقفون بدلا عن الغرق في هذه التقسيمات الفارغة· لقد قال الملك عبد الله كلاما حقيقيا وواقعيا حين طالب الجميع بعدم تقسيم المجتمع إلى فئات بل كلهم مواطنون لهم نفس الحقوق والواجبات· أجزم أنها دعوة صادقة ومقدمة لمعركة تاريخية مع الماضي·
أخيرا قرأنا لك مؤخرا روبورتاج عن عمان، فمتى سنقرأ لك عن الجزائر؟
قريبا جدا، لا أظنني سأكون عربيا خالصا دون أن أزور الجزائر التي تتجاوز الفعل الماضي إلى الفاعل المضارع وفعل التنمية والحداثة والمستقبل·

ليست هناك تعليقات: