السبت، أغسطس 4

بلعيد عبد السلام يرد نـــــــــزّار يـرّف و يقــــــــول الكدب وصحيفة الخبر ملكه الشخصي وعلى جري حماره الصحفي

بلعيد عبد السلام يرد بقوة، ويتحدّى وزير الدفــاع السابــق خالــد نــزّار
نـــــــــزّار يخــــــرّف·· ولا يقــــــــول الحقيــــــــقة
-- نزّار هو الذي أساء لصورة الجزائر عندما طلب الذهاب إلى محاكمة في فرنسا·
-- عندما رفضت اقتراح نزّار تعيين بوزيدي وزيرا للاقتصاد قال لي ''ديروا فيزيبل''
-- تركت في الخزينة 2 مليار دولار، 1.3 مليار عملة صعبة و700 مليون دولار مرهونة بالذهب·
اتهم رئيس الحكومة الأسبق، ''بلعيد عبد السلام'' و بلهجة غير معتادة لدى الرجل، الجنرال المتقاعد و وزير الدفاع الأسبق، ''خالد نزّار'' بالهذيان و بمزوّر الحقيقة و وصفه بالشخص الذي ينسج الرواية من الخيال·
حسان وعلي
و صرّح عبد السلام ل ''الجزائر نيوز''، في أول رد فعل له على رسالة ''خالد نزّار''، '' أنّ الرجل ليس مالكا لعقله أو أنّه يروي خرافات''· و فنّد عبد السلام الكلام الذي تضمّنته خرجة الجنرال نزّار بشأن اللقاءات التي جرت بين الرجلين، في جويلية .1993 و قال ''أنّه يكذب عندما يقول بأنّنا التقينا على مدى يومين متتاليين في بيت علي كافي· فالحقيقة هي أنّنا اجتمعنا بتاريخ 18 جويلية 1993 في قصر الرئاسة دون أن نتوصّل إلى اتفاق و انتهى الاجتماع بخلاف، و ضربنا موعدا ليوم 20 جويلية، أي يومين بعد ذلك· و كان اللقاء في بيت رئيس المجلس الأعلى للدولة، علي كافي ببالم بيتش·''
و يواصل عبد السلام لسرد تلك الأحداث ليقول، '' بعدما افترقنا دون أن نتوصل إلى اتفاق في الاجتماع الثاني، افترقنا و بعد ذلك سافر نزّار إلى الخارج في عطلة، وأرسل إليّ شخصا- رفض ذكر اسمه- و قال لي بعثني خالد نزّار إليك للتفكير في كيفية تسوية الوضع، و نتوصل إلى اتفاق''· في حين يقول خالد نزّار في رسالته ''اجتمعنا على مدى يومين متتاليين عند بيت علي كافي لمناقشة الوضع لكن في اليوم الموالي توصّلنا إلى نتيجة هي أنّه لا يمكن أن ننتظر أي شيء منه (عبد السلام) و اقترحت على كافي تنحيته''
''بلعيد عبد السلام'' ، الذي رد بخطاب صريح على نزّار، كذب أيضا الجنرال بخصوص اللقاء الذي جمعهم بدارالعافية، أين عرض عليه منصب رئيس الحكومة، قال ''أنّه يكذب عندما يقول بأنّ اللقاء كان فقط بيني و بينه· اللقاء حضره رئيس المجلس الأعلى للدولة، علي كافي· أنا استغرب ما جاء في رسالته و إن استطاعت الجدران و الكراسي الكلام لسألناها· فكيف يقول هذا الكلام· أتذكر جيدا، جاءني إلى البيت عبد العزيز خلاّف و ركبت معه في السيارة، و عندما دخلت وجدت نزّار و علي كافي في حين غادر خلاف المنزل· كنا في ثلاثة· إنّ نزار ينسج رواية من الخيال''
و من جهة أخرى، دافع رئيس الحكومة الأسبق عن حصيلة الحكومة التي قادها من جوان 1992 إلى غاية جويلية ,1993 حيث أكّد بالوثائق أنّه ترك في الخزينة العمومية ملياري دولار، 3,1 مليار عملة صعبة و 700 مليون دولار مرهونة بالذهب· و دعا عبد السلام للاستفسار عند محافظ بنك الجزائر آنذاك، عبد الوهاب كيرامان للتأكد من ذلك·
و تحدث عبد السلام عن عراقيل كانت تعيق نشاط حكومته على الصعيد الاقتصادي، كاشفا بأنّ العديد في مراكز القرار كانوا يعملون عن حل دون استقطاب الجزائر للأموال بالعملة الصعبة· و قال'' أمضينا عقدا مع شركة أمريكية، على أساس أنّها تدخل في شراكة في المنطقة المسماة ب ''وردة البغل'' في الجنوب مقابل أن تسلّمنا مبلغ قدره 800 مليون دولار· أمضيت على كل الوثائق للحصول على المبلغ، لكن المال لم يدخل و عرقلوا سير العملية و كانوا يقولون ''اسناو حتى اروح مبعد نجيبوهم''، و فعلا مباشرة بعد رحيلي تسلّموا المبلغ· قبلت أن أقود الحكومة بنية حسنة، لكن اتضح أن الأهداف تختلف ····صراحة بعدما بدأت في مهامي جاءوني بعض الأصدقاء و قالوا لي كيف تقبل أن تعمل مع هؤلاء، الوقت أعطاهم الحق''
كما كشف بلعيد عبد السلام عن القضية التي تتعلّق بتعيين وزير الاقتصاد في حكومته، و أوضح '' قال لي نزار عيّن عبد المجيد بوزيدي وزيرا للاقتصاد، له نفس التوجّهات معك و يدافع بقوة عن سياستك الاقتصادية، لكن رفضت و قلت له الوحيد الذي يدافع عن برنامجي بشكل أحسن هو أنا· ثم قال لي اديرو فيزيبل (مصهر) لصق فيه كل شيء و خلّيه يحصل''·
و ردّ ''بلعيد عبد السلام'' لم يتوقف عند هذا الحد، قائلا في سياق آخر، أنّ الثورة التحريرية هي الامتداد الطبيعي للحركة الوطنية، و يقول ''الثورة خرجت من الحركة الوطنية، متسائلا، واش يدي نزّار يتحدث عن أمور لا يعرفها· أو يريد أن يعطي دورا لنفسه· الجزائريون يعرفون تاريخ الحركة الوطنية و الثورة التحريرية جيدا·''
و وجّه رئيس الحكومة الأسبق ''تهديدات'' خالد نزّار بقوة، بخصوص حثّه على عدم نشر تصريحاته في الصحافة الدولية، التي تسيء إلى صورة الجزائر في الخارج· و قال أب الصناعة المصنّعة، ''من الأول الذي تحدث عن الجزائر في الخارج، و من تكلّم في محكمة أجنبية و فرنسية بالضبط عن السياسة الداخلية للبلاد، و عن الحكومة الجزائرية· هو الذي أساء إلى صورة الجزائر و هم من طلب الذهاب إلى محاكمة في فرنسا· و من اتصل بالسفارات الأجنبية بالجزائر ليخبروهم ''رانا نحينا عبد السلام، درنا هذا و ريحين نديروا هذا الشيء و، و، و······ لا أحد مؤهل ليعطيني دروس في الوطنية·''
و في نفس السياق، أثار بلعيد عبد السلام ، في سياق ردّه على نزار قضية أخرى أكثر خطورة، حين قال ''الغلطة الكبيرة التي ارتكبها بومدين هي عندما ترك الجيش في يد هذا السيد و في يد المخ تواتي· و أظن أنّه تفطن لذلك لكن فات الآوان·'' و ختم عبد السلام حديثه عن وفاة الرئيس هواري بومدين، ''لازم نتفاهم على موت بومدين؟''·
و يكون بلعيد عبد السلام بردّه على رسالة خالد نزّار، بعد ردّه على رسالة الجنرال المتقاعد ''محمد تواتي''، قد قطع شوطا في نقاش الصيف السياسي الذي سيكون حتما جدّ ساخن· و بدون شك سيكشف عن عدّة حقائق، حول تسيير شؤون البلاد، و حتى عن تاريخ الحرب التحريرية المقفل عليها، خاصة و أنّ الرجل مصمّم على عدم التزام الصمت عندما يتعلق الأمر بالقضايا التي تهم الجزائريين كما قال·
رد خالــد نـــزار على إنتقــدات بلعيد عبد الســـلام كـــما جــاء
هذا هو نص الإجابة التي رد بها اللواء المتقاعد ووزير الدفاع السابق خالد نزار على منتقد الجنرال تواتي والمجلس الأعلى للدولة عبد السلام بلعيد، رئيس الحكومة الأسبق·
ترجمة: عبد اللطيف بلقايم /ف· مروان
في النشر الأخير لمذكرات يرى فيها بأنها ''حقائق 13 شهرا على رأس الحكومة''، يرجع عبد السلام في العديد من المرات إلى ذكر المجلس الأعلى للدولة، وإليّ وخاصة للجنرال تواتي·
بعيدا عني، فكرة دخولي في هذا النقاش العقيم، جاءت من أجل حمل بعض التوضيحات وتسطير بعض ما هو مناقض للحقيقة·
في تلك الفترة، كان الجنرال تواتي مستشار وزارة الدفاع الوطني المكلف بالشؤون السياسية والأمنية، ومنصبه هذا سمح له بأن يكون عضوا ضمن مجموعة أو خلية للتفكير والاقتراح المكلفة بالإعداد لتعيين رئيس حكومة، وتطورات مخطط الأمن، وكان مقر عمله بقصر الحكومة عندما يتعلق الأمر بهذه المسائل·
في كتاب عبد السلام يوجه كافة مخالبه للجنرال تواتي، فكرت مليا قبل أن أكتب هذا التوضيح، مع العلم أنه بإمكانه الرد عليه، لكنه لم يعد بوسعي التحمّل لاسيما وأن انتهاء مهام رئيس الحكومة الأسبق كنت المعني الأول والمباشر بها وأعلم كل تفاصيلها وهي لا تحتاج إلى كل هذا التصعيد·
من جهة أخرى، أحس نفسي معنيا بالانتقادات الخطيرة الموجهة ضد المجلس الأعلى للدولة الذي كنت عضوا فيه·
إن هاته الهيئة التي قررت أخيرا جدولة الديون الخارجية بعد أخذ رأي كل واحد من أعضائها في الموضوع كما جرت العادة·
كنت كتبت سنة 1991 أننا ''قدمنا لتونا إلى السياسة''، سفينة ''الجزائر'' كانت متجهة نحو الهاوية، كان من واجبنا نحن جميعا الذين كانا في مقاليد الحكم، رئيس حكومة، وزراء، إطارات الدولة، والمقاومون من كل التيارات لكي نصل بها إلى بر الأمان·
الأزمة جعلت المدني والعسكري يتداخلان في الصلاحيات
هذه المصلحة العليا للأمة جعلت من مشاويرنا المهنية المدنية والعسكرية تلتقي مع بعضها للوصول إلى حل للأزمة حتى ولو كان منهج العمل ناقصا طيلة الفترة· وفي نفس الوقت كان منصبي كوزير دفاع يحمّلني مسؤولية كبيرة، الأحداث الكثيرة والمستمرة، كانت ستجعل من الجيش الوطني الشعبي، حكم الوضعية، وأرغمني ضميري على أساس ما كان يخوله لي عملي وكقائد لهذا الجيش، والسلطة التي تنجر عن المنصب الذي أخطط له ولا تمنيته، أن أتحمل حتى لا تصل الجزائر إلى ما وصلت إليه بعض الدول التي تشتت شعبها·
الاقتصاد كان منكسرا محفوفا ببقايا نظام الستينيات والسبعينيات، وعبث فيه فسادا من قبل أناس غير أكفاء، وما زاد الوضع تعفنا، تراجع الدولار وسعر البرميل من البترول في الأسواق العالمية·
تسديد الديون الخارجية كان يمتص حوالي 70 بالمائة من مداخيل الدولة، وجعل الجزائر تقلص من وارداتها بشكل مخيف، وهو ما أرغم عجلة الاقتصاد الإبطاء في الدوران فارتفعت البطالة، وبلغ اللااستقرار ذروته خاصة عند الشباب·
خلال الـ 13 شهرا لرئاسة الحكومة، نادرا ما كنت ألتقي عبد السلام بسبب تقديري أن لكل واحد منا عملا جبارا يقوم به وأن الوقت لا يسمح بذلك، فمن جهتي كان عملي في المجلس الأعلى للدولة يملأ يومياتي وكذا كوزير دفاع عن أمن الدولة، الذي يأخذ وقتا معتبرا من ليلي·
وجها لوجه التقينا 3 مرات فقط، الأولى كانت حقيقة في دار العافية بحيدرة لكن دون الرئيس علي كافي، كما قال عبد السلام، وكنت مكلفا من طرف نفس الهيئة لأقترح عليه منصب رئيس حكومة، وكان يرغب وقتها في أن يبقى أعضاء مجلس الدولة يسيرون الوضع لما تبقى من عهدة الشاذلي بن جديد، كما اقترح حالة استثناء لمدة 5 سنوات·
وفي الوقت الذي كنت أتحدث معه، أطلعته بأن العالم تغيّر، وفهمت منه أنه قبِل العرض عندما قال: ''في أي حال من الأحوال عليّ أن أتكيف'' وبعدها أبلغت المجلس الأعلى للدولة بقبوله القرار، وخلال حديثي معه لم يحدث وأن تكلمت باسم الجيش وقمت بذلك باسم المجلس الذي كلفني بالمهمة·
المقابلة الثانية على انفراد كانت على شكل زيارة قام بها لمكتبي في وزارة الدفاع الوطني·
أما الثالثة فكانت عندما تدخلت لصالح مدير إحدى الجرائد المعتقل لسبب قابل للنقاش· أما المقابلات الأخرى لم تخرج عن إطار المجلس الأعلى للدولة الذي غالبا ما كان يدرس مشاكل اقتصادية ومالية، وكنا جميعا قلقون إزاء الوضع الذي كانت تمر به البلاد، كنا نقترض المال لتسديد الديون كل ثلاثة أشهر· أما القروض ذات الدفع المتوسط كانت بالسيولة لأنه كان علينا مواجهة الاحتياجات اليومية للشعب من مواد ذات الأولويات الضرورية·
احتياطاتنا من الصرف كانت تتراوح ما بين 600 مليون و900 مليون دولار· وحسب عبد المجيد بوزيدي، مستشارنا الاقتصادي، فإن هذه القيمة كانت تأتي من إيداعات الزبائن في البنوك·
والمليار الزائد الذي تحدث عنه رئيس الحكومة كان في الواقع قيمة الديون غير المسددة لدواعي تقنية يعرفها الأخصائيون الماليون· ووجدنا بهذه الوضعية أنفسنا أمام حالة من العجز في دفع الرواتب الشهرية، وقرر المجلس الأعلى للدولة مقابلة رئيس الحكومة على هذه الخلفية من أجل الخروج بحلول ناجعة ومواجهة المخاوف اليومية، وكان ذلك في مأدبة غذاء بمقر سكن علي كافي·
بلعيد عبد السلام عجز عن تقديم مقترح لحل الأزمة
قبل الاجتماع، لم ندرج أي مقترح بخصوص رحيله، بل أن المسائل التي كنا سنطرحها عليه هي نفسها التي كنا نطرحها على أنفسنا يوميا وكانت بسيطة، ''متى وكيف نتصرف لإخراج البلاد من الأزمة؟''، ''وكم يحتاج هذا الحل من ما مال؟'' وهي الأسئلة التي كانت تمثل حالة التشنج الاجتماعي، وكان يجيب عبد السلام بلعيد في كل مرة على هذه الأسئلة بأنه ''ليس مختصا في الاقتصاد، طلبت منكم حالة استثناء عمرها 5 سنوات لأستطيع تطبيق برنامجي، ولدي بعض المعارف الإيطالية والفرنسية أو أخرى للمساعدة لكن لست أدري متى ستفي بالغرض''·
اليوم الأول من الاجتماع انتهى على هاته الحال دون أي وصفة، وفي نهاية الكلمة التي أخذتها على عاتقي طلبت منه أن يعين وزيرا للاقتصاد مادام ظل يردد بأنه ليس خبيرا اقتصاديا ثم طلبت منه تنظيم ندوة وطنية تضم أحسن خبرائنا الاقتصاديين وخيرتهم ثم ضربنا لأنفسنا موعدا ثانيا في اليوم الموالي وفي نفس المكان·
اليوم الثاني لم يكن فيه جديد يذكر فحسب، بل رأينا فيه عبد السلام بلعيد مصمما على رفضه تعيين وزيرا للاقتصاد اعتقادا منه أن يعطي هذا التعيين انطباعا بأن ذلك له خلفية سياسية، لكن أصر على أن يترأس الندوة الاقتصادية، قررنا رفع جلسة الاجتماع وإحالة الوضع على المجلس الأعلى للدولة، وبيني وبين علي كافي أدركت بوضوح أنه لم يكن شيئا مأمولا في تسيير عبد السلام بلعيد للحكومة، وتقدمت باقتراح توقيفه، التي صادق عليها المجلس بالإجماع، ولم يكن ذلك لا على خلفية حسابات سياسية ولا شخصية ولا بسبب الحيرة ولا بسبب الصلاحيات التي تفرقنا عن الحكومة·
وجدنا أنفسنا في نقطة الصفر، ورئيس المجلس الأعلى وجد الكلمات لإبلاغ عبد السلام بلعيد قرار الهيئة، وحدث ذلك في ظروف يسودها احترام تام ومتبادل وفي كرامة كاملة·
سيّرنا البلاد بمنطق ''إقتصاد الحرب''
أما بخصوص إعادة جدولة الديون الخارجية، أتذكر الجلسة المخصصة من طرف رئيس المجلس الأعلى للدولة لمحافظ بنك الجزائر والتي كان لي شرف حضورها بدعوة من الرئيس علي كافي والتي طلب فيها إعادة الجدولة، وأبلغنا المحافظ أن الندوة الوطنية الاقتصادية كفيلة بالإجابة عن هذه المسألة، الندوة قررت جدولة الديون الخارجية عقب توصياتها·
كتبت يوما بأن العسكريين كانوا ولا يزالون يسيرون بمنطق ''اقتصاد الحرب''، وكنا نأمل أن يساعدنا هذا المنطق في الأزمة التي ضربت البلاد، وقمنا على أساسها باستدعاء ذلك الرجل التي لم تخرج مهمته ولم تنجز شيئا خارج عن النية الحسنة في العمل، لكن ما دون ذلك، لم يفعل شيء·
رئاسة رضا مالك للحكومة الجديدة بدأت في مشاورات مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي لتجنب انهيار البلاد، هكذا تتلخص الوضعية العامة للدولة في نهاية .1993
وبفضل هذا الإجراء وخاصة بفضل انتعاش سعر البترول، أصبحت بلادنا في منأى، ونتمنى أن تكون كذلك أطول ما أمكن·
المجلس الأعلى للدولة قسم على أنه سيأخذ زمام الأمور في الدولة فقط فيما تبقى من عهدة الرئيس بن جديد المستقيل، ولم تكن النية في تمديد عهدة هذه الهيئة إطلاقا ولا لمنح بطاقة بيضاء لأي كان لاسيما وأننا لم نكن منتخبين، العديد من المحبطين من الحقبة الحالية أرادوا أن يكون العكس· كان هذا ليكون عمل غير مقبول أمام الله والعباد ونحن الذين قسمنا على كتاب الله الطاهر أننا لن نبقى سوى لما تبقى من عهد الرئيس المستقيل·
بلعيد عبد السلام بانتقاداته المختلفة حول عمل المجلس الأعلى للدولة، والتي لا ندري لماذا كان فيها الجنرال تواتي هو المسؤول، عبد السلام يضفي تارة رضاه على المجلس والتوبيخ تارة أخرى، حسب ''تقريره الاتهامي'' للمجلس الأعلى، فإن هذا الأخير انتقل من فشل إلى آخر، بينما أنا نفسي -وبدرجة أقل علي كافي- وجدنا العفو، وليس من عادتي الهروب من مسؤولياتي·
كنت عضوا في المجلس الأعلى، حيث استدعيت -بكل صراحة- إلى لعب دور مهم بعد المرحوم محمد بوضياف، وكما قلت حتى مع التهديدات الخطيرة للاستقرارالتي كانت تترصدنا ومع ضرورة أولوية مكافحة الإرهاب، كان ممثل الجيش يتمتع بإصغاء أكيد، إذ كانت القرارات تتخذ بشكل جماعي وبعد مناقشات حرة، لماذا إذن هذه الأحكام الانتقائية؟
كتب رئيس الحكومة الأسبق (أشير إلى الصفحة114): ''كنت أعي أن الخيارات التي اتخذتها في برنامج حكومتي لم تقبل إلا على أطراف الشفاه من طرف العديد من أولئك الذين كان يجب موافقتهم عليها''· ويضيف: ''هذا البرنامج كان يترجم مبادئ ثورة الفاتح من نوفمبر 54 ومبدأ كل الحركة الوطنية التي ألهمت وحضرت وفجرت هذه الثورة''، وبما أن هذه الخيارات توجد في الخط المستقيم لميزات الحركة الوطنية لحزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وخيارات حزب جبهة التحرير الوطني، وميثاق طربلس ودستور الجزائر ,1976 وأولئك الذين كانوا لا يوافقون عليها هم اللائكيون - الاندماجيون، يعني المعادون للوطنية، حتى لا نقول خونة مبادى الثورة· وبما أننا بعد تجر
بة تعيسة لثلاثة عشر شهرا لم نوافق على خياراته، نرى جيدا في أي نوع يصنف عبد السلام أعضاء المجلس الاعلى·
هذا الخلط المتسرع الذي يعتبر قذفاً على الإطلاق بالنسبة لك هل كان ''نزّار'' بحاجة لـ 13 شهر كي يكتشف عجز بلعيد؟
دخل اللواء المتقاعد، ''خالد نزار'' إلى حلبة النقاش الذي أثارته مذكرات ''بلعيد عبد السلام''، وبدى من خلال التوجه العام لرسالة ''خالد نزّار'' أنّ هذا الدخول جاء للدفاع عن ''مستشاره السابق'' الجنرال المتقاعد ''محمد تواتي'' الذي وجّه ''بلعيد عبد السلام'' ضده كل مخالبه، ومن البداية وجّه نزار طعنة إلى بلعيد ومجيئه إلى رئاسة الحكومة، حيث رفض أن يكون قد جاء باسم الجيش، وإنّما المجلس الأعلى للدولة هو الذي عيّن الرجل على رأس الحكومة الجزائرية، ثم فضّل خالد نزّار أن يطلق الحبل على الغارب لكل المحلّلين حين قال أنّ ''محمد تواتي'' كان من كلّف بترشيح من يصلح لرئاسة الحكومة، وهو ما يقبل التأويل بأنّ تواتي هو الذي جاء ببلعيد إلى قصر الدكتور سعدان·
ورغم أنّ ''بلعيد عبد السلام'' كان ''حنونا'' مع خالد نزّار إلاّ أنّ الجنرال تعامل معه بمنتهى الشراسة، وقال أنّه وحده الذي التقى ببلعيد وكلّفه برئاسة الحكومة، والأهم من ذلك إظهار نزار بأنّ رئيس الحكومة الأسبق هو الذي قبل بشروط نزّار وليس العكس، وقال نزّار أنّه قال لبلعيد بأنّ العالم قد تغيّر فأجابه بلعيد: سأحاول أن أتأقلم· وأضاف نزّار بأنّه وهو يتكلم مع بلعيد كان يفعل ذلك باسم المجلس الأعلى للدولة وليس باسم الجيش· وخلال ردّه لم يحاول الجنرال أن ينفي عن نفسه أنّه هو الذي كان يصنع قرارات المجلس الأعلى للدولة، في حين حاول في ردّه أن يظهر ''بلعيد عبد السلام'' على أنّه رجل تافه لا يعرف شيئ، لا في الإقتصاد ولا في السياسة، وقال أنّ ترحيله من على رأس الحكومة لم يكن بسبب مؤامرة أو شيئ آخر، إنّما بسبب عجز بلعيد على إيجاد حلول اقتصادية للمشكلة التي تواجهها البلاد، ورفضه في المقابل تعيين وزير للاقتصاد، نزّار طرح تساؤلا على بلعيد وقال: لماذا لم يكتشف ما تحدث عنه إلاّ بعد ثلاثة عشر شهرا، ولكن لم يذكر إذا كان قد عرف قبل إقالة بلعيد أنّ الرجل عاجز أم أنّه كان ينبغي تجريبه لمدة 13 شهرا لاكتشاف الأمر·
الوطنيين الذين لا يتبعون مثل هذه الاتهامات، لا يقنع أحدا· من المؤكد أن له الحق في اعتبار نفسه الوطني الأصيل ، القح والشديد، لكن ليس له الحق في إطلاق أحكام مسبقة وأكثر من ذلك في احتقار مناضلي القضية الوطنية، الذين يجرأون على القول بغير رأيه، حتى أنه يقول إن الهجمات السياسية ضد حكومته، لم تقد إلا من طرف المجموعة المشكلة من الشيوعيين التائبين منذ انقلاب الوضع الذي حدث في موسكو، ومن البربر- الانفصاليون) ص .164
لا الـ "MTLD" ولا اللجنة المركزية ولا المصاليون فجّروا الثورة
لن أسمح لنفسي بتقييم ماضي أي مناضل شارك في الكفاح العسكري أو السياسي من أجل استقلال البلد· لكن لنسأل التاريخ الحديث، دون أن أعايش أنا نفسي الأحداث التحضيرية للثورة، يظهر لي أنه من الغرور أن يدعي عبد السلام أن حركة انتصار الحريات الديمقراطية - وهو أحد قادتها - ألهمت، حضرت أو فجرت هذه الثورة كما يؤكد، بينما معروف جيدا أنه لا حركة المصاليين ولا حركة انتصار الحريات الديمقراطية، ولا ''اللجنة المركزية''، حضرت وقتها أو فجرت الثورة· من جهة أخرى، قبل احتقار المجلس الأعلى للدولة، لا يجب نسيان أن رئيسه الأول كان موجه هذه الثورة والثاني أحد الأوائل الذين التحقوا بالجبال· من جانب آخر، الادعاء أن النفور القاتم لرئاسة المجلس الأعلى (ص120) سرّع من سقوطه، ليس له أي معنى، فإذا كان هناك نفور، لماذا إظهاره بشكل قاتم بما أن المجلس الأعلى الذي كانت له كل الصلاحيات لتنصيبه، كانت له نفس الصلاحيات لإنهاء مهامه بشكل صريح دون اللجوء إلى أي ملعوب كان·
على مستوى آخر، فإن اعتبار اللجوء إلى صندوق النقد الدولي يؤدي إلى الإقرار بغياب السيادة الوطنية (ص163) يوحي أن رئيس حكومتنا السابق كان المدافع الوحيد عن الكرامة الوطنية، بما أن الذين اختاروا مثلنا في النهاية إعادة جدولة الديون، جروا البلاد مباشرة إلى طريق اللاكرامة·
وكما هو معلوم، فإنه عند ذهابه كان مخزون العملة الصعبة المتوفر لدينا لا يكفي لاستيراد المواد الغذائية لأكثر من شهرين، نتساءل إذن إن لم يكن تصلب موقفه كان سيؤدي إلى اصطدامات الجوع التي هزت العديد من البلدان· وفيما يتعلق بقانون الاستثمارات لسنة 1993 التي يركز عليها المجلس الأعلى، فإن اختلافنا فيها لم يكن يدور حول ضرورة متابعة الرشوة وتبييض الأموال، لكن حول الوسيلة الأكثـر فعالية لدعوة الأجانب إلى الاستثمار، والجاليات الجزائرية إلى إرجاع رؤوس الأموال إلى البلاد التي هربت منها·
هذه الأموال مهما تكن منابعها، فإنه كان من صالحنا رؤيتها تستثمر في اقتصادنا الوطني، وإلا فإن الأجانب يترددون في الاستجابة لنداءاتنا أو الاستثمار في البلد المستضيف مثل سويسرا، لوكسمبورغ أو الباهاماس· إذا كنا طلاب استثمار، هل يجب -لاعتبارات أخلاقية- فقدان منابع رؤوس أموال يمكن أن تستثمر عندنا ؟ لم تكن هناك أسباب أخرى تبرر رفض الرقابة على جذور الأموال المستقدمة التي أضيفت من طرف عبد السلام لمشروع القانون الذي وافق عليه المجلس الأعلى· كل تركيز إضافي على مصلحة المستوردين الكبار المعروفين على الساحة التجارية الجزائرية بالعمليات المربحة جدا التي قاموا بها (ص173) ليست عمليا وليس له أي مدلول اقتصادي· على كل حال أموال هؤلاء المستوردين الموضوعة في الخارج، كانت تضيع من أيدينا، هل كنا سنهددهم من جديد لدرجة أن تضيع تلك الأموال من الجزائر نهائيا؟
في نقده اللاذع لم يستطع الرقيب أن يكوّن موقفا حكيما عن المجلس الأعلى بسبب نقده الاحتقاري· يؤكد (ص 208): ''هكذا في قلب الهيئة التي كانت تمارس بشكل جماعي القضاء الأعلى للدولة وكانت تجمع بيديها كل السلطات التشريعية والتنفيذية المبينة في الدستور، كان يقترح بالقيام بتقييم لسنة من العمل الحكومي وبتحديد مستقبل البلاد في فترة محورية من تاريخها مثلما يحدث بين الأصدقاء، نقرر فجأة عقب جولة أو حصة لعب ما، للذهاب لشرب كأس حول طاولة مقهى أو الغداء مع التقرير حول قضايا البلد''·
عبد السلام بلعيد هاوي للسياسة وليس سياسياً
هذا هو إذن فريق الهواة غير الأكفاء ، التافهين، الذين على كل كرّسوا أنفسهم لتجنيب البلاد الغرق في غياهب حكم ديني من العصور المنقضية، والمحافظة على مؤسسات البلاد· لكن مع استنتاج العجز وعدم الكفاءة، وتفاهة الرجال الذين عينوه رئيسا للحكومة، لماذا لم يقدم استقالته باكرا؟
كيف أننا عندما نلتحف بكرامة ''الثوري الأصيل''، و''الوطني غير المتسامح'' نقبل مهمة مسندة من قبل هكذا أشخاص عاجزين؟ لكن تحديدا كيف أمكن الانتظار بشجاعة 13 شهرا لفضحهم للرأي العام الذي ندعي تنويره؟
بينما فيما يخص تعليق العملية الانتخابية، الرقيب يتهم الذين قرروها بالتتبع المرح لخطى أفراد الفيس وإسلاميين آخرين· بالنسة له الاستقالة المفتعلة للرئيس الشاذلي قدمت ذريعة - ليس مقنعة جدا - لتغطية الضربة القوية التي عملت على إحداث التغيير على مؤسسات البلاد في جانفي 1992 (ص271)· إذن لم تكن السلطة المنبثقة من أحداث جانفي 1992 ليست سوى نتاج انقلاب وأذن غير شرعية، لماذا إذن القبول بأن يصبح أداة في يد متلاعبين، والادعاء بكونه صاف من كل شائبة· القبول بخدمة مدبري انقلاب يعني أن يصبح متواطئا، لكن نهدّئ الجدل· لنلخص، المجلس الأعلى الذي كنت جزءا منه، أكرر هذا، عمل في ظل الشفافية المطلقة بنشره أسبوعيا بيانا يلخص نشاطاته· لم يكن هناك أي طموح لمواصلة مهامه بعد مهلة العامين المحددة بإعلان 14 جنفي ,1994 التي أعلن على احترامها باليمين المقطوع على القران المقدس، ولتفادي كل غموض حول التزاماتهم، أعضاء المجلس الأعلى أعلنوا أنهم لن يدخلوا أي عهدة في نهاية مهمتهم· وعد تمت المحافظة عليه·
ماذا أقول في النهاية؟ أرجو من الله أن يهدي ويسكن القلوب المريضة، وأن يلهم عبد السلام الحكمة التي تحفظ عفته، وأرفض أن أطلق -عبر وسائل الإعلام الدولية- أحكاما تضر بصورة البلد، ففي هذا الميدان أكثر من غيره نذكّر أن السكوت من ذهب·
الجنرال المتقاعد خالد نزار

ليست هناك تعليقات: