الأحد، أغسطس 19

نزار دفع بالبلاد إلى الافلاس ولولا على جري لضاعت مصالح خالد نزار


نزار دفع بالبلاد إلى إعادة الجدولة رغـــم أنهـــا لـــم تكـــن ضروريـــة
في الحلقة الثانية من رده على الجنرال نزار، يدافع بلعيد عبد السلام عن أداء حكومته من الناحية المالية، ويتّهم خالد نزار بأنه دفع بالبلاد نحو إعادة الجدولة رغم أنها لم تكن ضرورية·
ترجمة: القاضي·ب / حسان واعلي
هل يريد الجنرال نزار تبديد الظن السائد لدى كل الملاحظين بأن المجلس الأعلى للدولة لم يكن المركز الحقيقي للقرار بالنسبة الإجراءات المصيرية لحياة البلاد؟ في هذه الحالة، لماذا ينكر وجود الرئيس علي كافي يوم اقترح عليّ رئاسة الحكومة، بينما كان هذا الأخير هو من كان وراء الحديث إليّ؟ هل لا يزال غاضبا عليه بعد نشر مذكراته كمناضل وقائد لولاية أثناء حرب التحرير الوطني؟ إني مصاب بالذهول والحيرة في نفس الوقت بشأن هذا الموقف غير المتوقع والغريب بشكل خاص للجنرال نزار.
وكخاتمة كل الرواية التي يقدمها الجنرال نزار حول اللقاء المزعوم على انفراد بإقامة ''دار العافية'' ما هو إلا مسرحية، لا أتذكر أنه في أية لحظة خلال النقاش الذي دار بيننا نحن الثلاثة، الرئيس علي كافي، الجنرال نزار، وأنا·.. ما دفعني إلى ''في كل الحالات، سأتأقلم'' هذه الجملة، من باقي الحديث وفرضا أني نطقت بها بالفعل مثلما نقله وزير الدفاع السابق حوّلت من سياقها وليس لديها أي معنى ومع ذلك سياق مماثل لا يمكن أن يكون له أدنى وجود بما أنه يتعلق بحوار يصفه الجنرال نزار أنه كان في إطار لقاء على انفراد دار بين إثنين بينما لقاء ''دارالعافية'' تم بين الثلاثة.
يكتب الجنرال نزار إذن أني التزمت بهذه ''الكلمات'' :في كل الأحوال سأتأقلم''، عندما نبهني إلى أن العالم تغير. كما لا يفسر في نصه ماذا كان يقصد بهذه العبارة: ''العالم تغير''، بالنسبة لي لا يمكن أن تتعلق في هذا الحوار الخيالي بين إثنين بما أنه لم يحدث، إلا بالتطور الحاصل عبر العالم في ما يخص تنظيم وعمل الأنشطة الاقتصادية. إذا كانت انشغالات خالد نزار تأخذ بعين الاعتبار هذا التغيير في تنفيذ خطة الحكومة وهو ما عرضه برنامجي في ميدان الإصلاحات المزمع تجسيدها وما ورد في عرض النظرة العامة للنشاط الحكومي والتي شرحتها في كتابي تكفي كدليل على أني ''تأقلمت'' مع تطور العالم بالمقارنة مع التصور الذي اتبعناه في الماضي في مجال التنمية وعمل اقتصادنا. بينما يبدو أنه بالنسبة لخالد نزار التأقلم مع العالم الذي تغير، كان الدخول في طريق مفتوح على مصراعين أمام ليبرالية مطلقة العنان يعني ذلك بشكل أساسي وضع كل التدابير لمنح حرية جامحة للاستيراد والتصدير. بالتأكيد، من غير المجدي أن أشير إلى أنه إذا كان هذا هو التأقلم الذي كان الجنرال نزار ينتظره مني لعارضته بشكل مطلق.
إذن، هذه الجملة للجنرال نزار حول العالم الذي تغير ووعدي المزعوم بالتأقلم معه ''في كل الأحوال'' ألم تكن إلا في الحقيقة من نسج الخيال لخدمة قضية الجنرال تواتي؟ هذا التخمين ليس بعيدا عن الكثير من الناس، إذا علمنا بكل المكيافيلية التي كان يصف بها بعض رجال نظامنا، عند اكتشاف حيلهم وألاعيبهم. وأختم هذا الفصل من توضيح الجنرال نزار وأترك هذا الأخير وجها لوجه مع ضميره. وأذكر أن كل هذا يكون قد جرى في إطار حوار يكون قد جرى بين إثنين وهو خاطئ تماما.
5 - يواصل الجنرال نزار ويشير إلى عدد المرات التي كانت لنا فيها فرصة اللقاء، لم أحتفظ برقم معين حول لقاءاتي معه. لكن هناك على الأقل أربعة لقاءات أتذكرها جيدا: إحداها كانت عندما ذهبت لرؤيته للتعبير له عن تضامني ودعائي لله يوم تعرض لمحاولة اغتياله في طريقه إلى مقر وزارته، وأخرى كانت عندما جاء لزيارتي بفيلتي ''جنان المفتي'' ليعلمني بتعويضه في وزارة الدفاع الوطني، شارحا لي المعنى الذي يعطيه لهذا الاستخلاف وأخبرني بأنه يريد التفرغ للمرحلة الانتقالية التي سيحتفظ فيها بكافي وباختياري كمرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وكانت الفرصة لأتناول معه بعض التأويلات التي كانت تعطيها بعض الأجهزة الإعلامية بشأني، إثر تصريحي بدار البلدية بالعاصمة عندما قلت إني التزمت مع الجيش اهذا يضايقنا بعض الشيءب قال لي وأجبته بأني لا أستطيع أن أؤكد للناس بأن هارون هو من أتى بي لرئاسة الحكومة. اللقاء الثالث والذي أتذكره أيضا وأعلمني به رضا مالك مسبقا كانت عندما التقينا نحن الثلاثة مجددا هذه المرة بمكتب الرئيس علي كافي بمقر الرئاسة، خلال هذا اللقاء أنذرني رضا مالك بأنني سأواجه تعنيفا بسبب بيان نشرته حول فضيحة التي كشفت عنها الصحافة الإيطالية حول العمولات المدفوعة في عقود البيع الغاز الطبيعي الجزائري لإيطاليا. وتحدث الجنرال نزار هذه المرة بمفرده موضحا لي أنه علينا أن نحكم نحن الثلاثة والتنسيق بيننا في تصرفاتنا على هذا الأساس. لقاء آخر أتذكره وهو عندما زارني بفيلا ''جنان المفتي'' قبيل سفره إلى العربية السعودية. تحدثنا حول موضوع سفره بالإضافة إلى قضايا أخرى مرتبطة بأنشطتنا الثنائية.
بالنسبة لإحدى لقاءاتنا التي جمعتني به بمقر وزارته والتي حدثني خلالها عن حالة جريدة ''الوطن''، أكد أن تدخله كان بتعليق صدور الجريدة فقط، أما فيما يخص اعتقال مديرها فيتحمّل مسؤوليتها زميله الجنرال ''عباس غزيل'' وليس أنا.. اللهم إلا أنه في هذه الحالة حدث أن فراغا في ذاكرته جعله ينسب إليّ فعلا لم أكن مسؤولا عنه والاعتقاد بأنني أتمتع بسلطة كان يعلم جيدا أنها لم تكن بيدي. أحسن دليل على عدم امتلاكي هذه السلطة، ألا يكمن في كون الإجراءات الجزائية ضد يومية الوطن وصحفييها تواصلت حتى بعد رحيلي من الحكومة وحتى بعد نهاية عهدة المجلس الأعلى للدولة بفترة طويلة وحتى إحالة الجنرال نزار على التقاعد؟
6 - مشكل المديونية مثلما يقدمه الجنرال نزار من خلال نص توضيحه:
يقول إنه يتذكر ''أننا كنا لدفع خدمات الديون والتي كان علينا الوفاء بها كل ثلاثي بحكم مشاركته في عدة حكومات بما فيها حكومتي لا يقول الجنرال نزار أو يمتنع عن قصد تحديد الفترة أو الفترات التي كان علينا أن نقترض كل ثلاثي للوفاء بدفع خدمات الديون. صحيح أنه في عهد حكومة حمروش كان لزاما إجراء حلول مالية خارقة لتفادي الإفلاس الذي كان سيكلفنا مضايقات جادة على الصعيد الدولي.
هذه الوضعية الصعبة استقرت في فترة حكومة غزالي بفضل القروض الهامة التي تحصلت عليها وجزء منها خلال فترة حكومة مرباح وحمروش من إيطاليا، الإتحاد الأوربي واليابان. رغم أن رؤوس الأموال التي منحها هذا الأخير تم إدماجها في اتحاد مالي بقيادة ''القرض اللييوني'' الفرنسي· في فترة حكومتي وضعيتنا المالية كانت في ضيق لكنها كانت مستقرة، لم يكن الجدول الدوري يتضمن أي قرار معلق في بنكنا المركزي طوال عمر حكومتي. الإحصائيات المعلنة من قبل بنك الجزائر في نهاية فترة حكومتي وحتى أياما بعد عملية تسليم المهام مع حكومة رضا مالك، كانت تشير إلى أني تركت لخليفتي احتياطيا عاما يقدر بمليارين وخمسة وأربعين مليون وخمس مائة ألف دولار أمريكي بتاريخ 20 أوت 1993 والموافق لآخر يوم من افتتاح الأسواق المالية الدولية قبل الرحيل الرسمي لحكومتي والذي جاء في 21 أوت. هذا المبلغ كان موزعا كالآتي: مليار ومائتين وستة وسبعين مليون وخمس مائة ألف دولار أمريكي تشكل قيمة الأموال بالعملة الصعبة المودعة لدى بنك الجزائر، سبع مائة وتسعة ملايين وخمسة مائة ألف دولار أمريكي تمثل عائدات الإيداع على الذهب وأخيرا تسعة وخمسين وخمس مائة ألف دولار أمريكي تمثل قرضا قصير الأجل. الجنرال نزار متبوعا بالجنرال تواتي يؤكدان وثقة منهما فيما نقله إليهما المستشار الاقتصادي لدى الرئاسة بأنه من أصل مبلغ 5,276,1 مليون دولار أمريكي التي تمثل قيمة العملة الصعبة المودعة لدى بنك الجزائر، باستثناء القيمة الناتجة عن إيداع الذهب جزء كبير منها يمثل ودائع الخواص بالعملة الصعبة والتي يمكن سحبها في أية لحظة، وبالتالي خلق ثغرة ضخمة في احتياطات الصرف. بيد أنه إذا تحدثنا بلغة الأرقام في الميدان الاحتياطي من العملة الصعبة علينا أن نذكر أرقاما دقيقة وتقديم مصدرها والتاريخ بالتحديد·
وفي هذه الحالة في 27 سبتمبر 2001 أكد الجنرال تواتي أن المستشار الاقتصادي للرئاسة أشار إلى أن قيمة ودائع الخواص من العملة الصعبة بلغت ست مائة مليون دولار أمريكي. والآن، وفي النص الذي سلم مؤخرا إلى يومية ''لوسوار دالجيري'' مؤرخ في 30 جويلية 2007 يؤكد فيه أن قيمة تلك الودائع كانت تبلغ 1 مليار دولار أمريكي. في توضيحه المنشور بجريدة ''الوطن'' بتاريخ 2 أوت الجاري كتب الجنرال نزار أن قيمة نفس الودائع الخاصة كان يتراوح بين ستة مائة وتسعة مائة مليون دولار. من يقول الحقيقة؟ ما هو مصدر هذا الفارق في الأرقام؟ هل علينا أن نعتقد أن الذين أعدوا، حضروا لعقد وعقدوا الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أصابهم الارتباك بعد انهيار كل الذرائع السياسية والمالية التي أرادوا بها تبرير اللجوء إلى الأفامي، بينما كان بمقدور الجزائر الاستغناء عن كارثية شروط هذا الأخير؟ هل علينا إذن الاستنتاج أن الارتباك الذي ألمّ بهم دفعهم إلى فعل أي شيء مع الحرص على تحميل مسؤولية الفرق بين الأرقام إلى المسكين ''بوزيدي''؟ أنا بالمقابل أميل إلى الاعتقاد عندما أقرأ هذا الجزء من توضيح الجنرال نزار، والذي يؤكد من خلاله: ''المليار دولار الذي يقول رئيس الحكومة أنه تركه في الخزينة، يمثل في الحقيقة ديونا لم تسدد في آجالها حسب إجراءات تقنية لا يعرفها إلا المختصون في المالية، كانوا يتفادون بهذا التصريح بالإفلاس''.
من أين أتى الجنرال نزار بهذا الزعم والذي هو افتراء عظيم؟ علينا إذن لاتباعه اعتبار الجداول الإحصائية التي أعلن عنها آنذاك بنك الجزائر عند رحيل حكومتي، كاذبة؟
هذه الإحصائيات تبيّن ما يسميه الجنرال نزار ''الديون التي لم تسو في الآجال المحددة حسب الإجراءات التقنية التي لا يعرفها إلا المختصين في المالية'' والتي يسميها هؤلاء ''المعلقات'' افتقدت من سجل البنك الجزائري منذ سبتمبر .1992 الجداول التي سلمها البنك المركزي تغطي كل شهر أوت والأيام الثلاثة الأولى من شهر سبتمبر ,1993 توضح بأنه لم تكن هناك ديون وصل آجال تسديدها ولم يتم ذلك. ويتجلى من هذا أنه من حقنا أن نتساءل عن ادعاءات الجنرال نزار وأنها نتيجة تغييرات، إن لم نقل تزوير للأرقام التي سلمها البنك الجزائري في سبتمبر ,1993 تزوير خاضع لإجراء لم يعلم بطبيعته وسره سوى مخبري أو مساعدي الجنرال نزار. وهل يوجد على إدارة البنك الجزائري شخص ذو قرابة من الجنرال تواتي لن يترك مجالا للشك بخصوص دقة الأرقام التي تحدث عنها الجنرال نزار والتي تحدث عنها مساعده المباشر بوزارة الدفاع الوطن؟
وقد قدمت في ملاحق الكتاب وثائق أصلية ورسمية، في حين الجنرال نزار وتواتي مزاعمهما غير مؤسسة وأنها ليست إلا معلومات نسبت إلى مستشار رئاسة الجمهورية الذي عرض عليّ ليتقلد منصب وزير الاقتصاد ولجعل منه ''فيزيبل'' مصهر في حالة الحاجة. وهل أصبح الآن المسكين المستشار بوزيدي ''فيزيبل'' احترق قصد إضفاء المصداقية على ادعاءات الجنرال نزار ومساعده الذي جعلنا منه ''مخ'' الجيش الوطني الشعبي؟
أفضل أن لا أتبع الجنرال نزار في خرافاته حول حالة احتياطات الصرف في الفترة التي عزلت فيها من رأس الحكومة في 21 أوت ,1993 أقول له فقط إن كان بحوزته وثائق رسمية في هذا الموضوع وأن يضعها تحت تصرف الرأي العام ويقول لنا لماذا لم يكشف عنها في الوقت المناسب لي بصفتي رئيسا للحكومة ووزيرا للاقتصاد إلى غاية 21 سبتمبر .1993 ومن الأجدر العودة أيضا إلى الأرقام التي نشرها سنويا البنك العالمي في تقريره حول الديون الخارجية والمالية للدول النامية.
هناك قضية لم يتحدث عنها الجنرال نزار، وهي الإعلان في جانفي 1994 الذي يشير إلى أن الجزائر لم تعد تسدد ديونها الخارجية إلا جزئيا، فكان على الجنرال نزار أن يتحدث عن هذه الفترة التي يعرف خبراءنا في المالية ''الإجراءات التقنية''·
إننا نعلم أنه منذ رحيلي من الحكومة لم يكن من الضروري تأخير عملية تسديد الديون التي وصلت إلى آجال تسديدها باعتبار أن الجداول التي تأتينا من البنك الجزائري والتي نشرتها في ملاحق الكتاب، الجزائر كانت في راحة مالية وكان بإمكانها تسديد ديونها الخارجية. ولم يكن هناك معلق في البنك المركزي، حيث كان احتياط الصرف قد بلغ ملياري دولار بدون حساب المخزون من الذهب الذي كان بحوزة البنك المركزي.
وللتذكير، فان جريدة عالمية مختصة في الشؤون المالية أفادت مؤخرا أن الجزائر هو البلد الأول في العالم العربي الذي يحتوي على أكبر مخزون من الذهب. ويتضح من كل هذا أنه أن كانت الجزائر علقت تسديد ديونها الخارجية يعني أنه استنفدت كلية الملياري دولار التي تركتها في الصندوق بعد مغادرتي للحكومة. وما هو مصير الاداعات بالعملة الصعبة التي كانت ملكا للخواص في فترة جانفي 1994؟
هل استعمل هذا المبلغ الذي هو ملك المدخرين الخواص لتسديد ديون الدولة؟ وهل هذا السقوط السريع لاحتياطات الصرف والذي أشارت إليه صحيفة ''لوموند'' في عددها لـ 31 جانفي ,1994 لم يكن نتيجة لتخلي الحكومة التي جاءت بعدي، الجزئي أو الكلي، للدور الذي لعبته ''لجنة الأزمة'' في مراقبة وتحديد وارداتنا؟ أليس من حقنا أن نتساءل أن التخلي عن اللجنة لم يكن بهدف إدخال البلاد في أزمة للتبرير أمام الرأي العام الوطني ضرورة إعادة الجدولة؟ أولم يكن في هذه الفترة التي لجأ فيها المختصون في المالية، رغما عنهم، إلى استعمال الإجراءات التي أثارها خالد نزار قصد تفادي التصريح عن الإفلاس؟ ألم يعتقد خالد نزار بتشريح الوضعية يتهم حكومتي، لكنه خلق وضعية تتهمه شخصيا رفقة كل الذين دفع بالجزائر إلى إعادة الجدولة. من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. كان على نزار أن يتمعن في هذا المثل قبل أن يكتب نقطة نظامه والدخول في الذمم التي كان يظن بأنه يتهمني بها

علي يحيى عبد النور لـ''الخبر''زروال طلب إعادة محاكمة بومعرافي ثم تراجعرفضت الدفاع عن بومعرافي لأن قبولي بذلك يعني تصفيتي لحيازتي سرا من أسرار الدولة / لقد مارس اللواء اسماعيل العماري ضغوطاعلى قادة الفيس حتى ټbr>
هل صحيح أن رئيس الجمهورية أمر بفتح تحقيق حول قضية مسكنكم والمكتب الذي كنتم تشتغلون به واللذين تدعون أنكم منعتم من شرائهما في إطار التنازل عن أملاك الدولة؟لقد علمت بالخبر من خلال جريدتكم· وفي الحقيقة لم تكن لي أبدا علاقة بالرئاسة إلا مرة واحدة، حيث ذهبت إلى قصر المرادية في 18 فبراير 1992 بطلب من الفقيد محمد بوضياف وانتهى اللقاء، الذي دام ساعتين، إلى أسوأ ما قد تنتهي عليه مقابلة· وبسبب تصريحات نددت فيها بفتح محتشدات وطلبت بغلقها فورا، خلال أشغال منتدى مدريد في أفريل 1992 حول الديمقراطية بالجزائر، صرح بوضياف للصحافة معقبا علي: ''لو كانت هذه المحتشدات موجودة، لكان المدلي بهذا التصريح أول نزلائها''·وعودة إلى السؤال، فإن موضوع أملاك الدولة العقارية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية من الحساسية بمكان لدى الجزائريين· هل الجزائر ملك لكل الجزائريين أم حكر على قلة قليلة تستحوذ على جزء من السلطة؟ يتحتم على هذه السلطة النافذة والجشعة أن تحذر من الضبابية التي تكتنف تقسيم هذه الأملاك بين القادة، الجدد منهم والقدامى، ولن يكون هناك نقاش حول الموضوع إلا بعد استقرار الديمقراطية في كل دوائر السلطة·أنتم تتهمون أحمد أويحيى بالوقوف وراء قرار رفض التنازل الذي طال مكتبكم ومسكنكم··إن أحمد أو يحيى، رئيس الحكومة والذي يملك ثـروة طائلة، هو من منع إجراء هذا البيع جاعلا مني مواطنا بلا مأوى· إنه سياسي ظالم، يعيث ظلما لأن نفسه مجبولة على الظلم· لقد شكك في صدق دوافعي، ونزاهتي الفكرية التي تقودني لمطابقة حياتي مع قناعاتي وعدم التنصل من التزاماتي مع تحمل كل التبعات· في كتابكم ''الكرامة الإنسانية'' الصادر منذ أيام، تقولون إن النظام السياسي يمر بأخطر ظرف منذ قيامه عام .1962 ما هي مؤشرات ذلك؟ كيف ستكون الجزائر في المستقبل القريب؟ ما هو البديل وما هو الحل السياسي المطروح؟ هل توجد أسئلة ممنوع طرحها، أو حقائق لا بد من السكوت عنها؟أعتقد أن الطرح السليم لمشكل معين هو أساس إيجاد الحل المناسب، والمشاكل تعالج بحذر وبصراحة ووضوح وتبصر وبعناية فائقة وحلم وكرم نفس· فعندما تعلق الأمر بمرض الرئيس لم يكن يسع أمام قساوة القدر إلا اللجوء إلى لطف الله· وعودة إلى سؤالكم، أقول إن كل المؤشرات تفيد بأن النظام السياسي القائم منذ الاستقلال يمر بامتحان دقيق، وتدل على أنه يشرف على نهايته· وفي ظل الوضعية السياسية الحالية، يمكن لأحداث متوقعة أو غير متوقعة أن تطرأ على الساحة· صحيح أن الجزائر تمر موضوعيا بأزمة ويمكن أن تخرج منها في المستقبل القريب· لكن هل يتمتع رئيس الجمهورية بالقدرة البدنية على إدارة شؤون البلاد؟ وهل سيضطر إلى الاعتزال المسبق؟ أم هل تراه سيسير على خطى الرئيسين الفرنسيين جورج بومبيدو وفرانسوا ميتران، اللذين واصلا الاضطلاع بمهامهما حتى الوفاة؟· على ممثلي المؤسستين الأكثـر صلابة في البلاد، أقصد أصحاب القرار في المؤسسة العسكرية ورئيس الجمهورية، أن يسخروا نضجهم السياسي لخدمة الوطن بذكائهم الثاقب وحسهم الداخلي الذي لا يخطئ·ينبغي أيضا على الشعب الجزائري أن يكون له وزن في مجرى الأحداث··· ما ينبغي أن ينتظر الآخرين ليقرروا مكانه، والخيار الحاسم المتمثل في التغيير لا يتأتى إلا بالإقرار بالسيادة الشعبية المصادرة حاليا، وبمواطنة الجزائري الذي لا يزال خاضعا· إن الانتقال السلمي نحو نظام ديمقراطي ما هو إلا طموح لكل الجزائر لتكون موضوعا للتاريخ لا أداة من أدواته· أما الديمقراطية فهي أولا التداول الذي يعد بدوره الحق السيد للشعب الجزائري في أن يختار ممثليه بحرية على مستوى جميع مؤسسات الدولة المنتخبة· إن الشعب الجزائري يدعو أصحاب القرار في الجيش ورئيس الجمهورية، إلى نقلة نوعية نحو التجديد وإلى إعادة نظر جذرية، حيث أن جميع المؤشرات توحي بأفق سيحمل استحقاقات وخيارات صعبة·معروف أنكم رفضتم الدفاع عن بومعرافي في قضية اغتيال الرئيس بوضياف، لكن غير المعروف هو أسباب هذا الرفض···لقد راسلني بومعرافي قاتل الرئيس بوضياف المفترض مباشرة بعد اعتقاله ووضعه في سجن عنابة، وطلب مني الدفاع عنه· غير أن رسالته سحبها عون الأمن العسكري الذي كان مشرفا على الملف· وقد علمت من عميد قضاة التحقيق لدى محكمة الجزائر، السيد سعادة، الذي حقق في القضية، بأن بومعرافي رفض الرد على الأسئلة خلال التحقيق بسبب عدم تواجدي بجنبه· وفي رسالته الثانية، بعد رفضي المرافعة لصالحه، طلب مني زيارته حتى يبلغني بسر لم يكن يرغب في البوح به لأحد غيري·وبرأيي، فإن بومعرافي، الذي تابع الحملة العنيفة التي استهدفتني من طرف وسائل الإعلام، خلال منتدى مدريد حول الديمقراطية، كان يظن أنني أستحق ثقته· ثم إن الشعور بانعدام الأمل الذي يعد مأساة سجين يحمل على كاهله مسؤولية ثقيلة، جعلته يلجأ إلى محام لا يضعف أمام ضغوط المصالح الخاصة· وفي اعتقادي، فإن مهامي على رأس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي أمارسها بإخلاص وتفان وتضامني مع كل شخص حرم من حريته وحقوقه، جعلت قدري يعلو في عيني الملازم أول لمبارك بومعرافي، وجعلت لي سلطة أخلاقية تشعره بالطمأنينة والأمان·وقد رفضت فعلا الدفاع عنه لأن قبولي بذلك يعني تصفيتي لحيازتي سرا من أسرار الدولة، وقبل عام من ذلك وتحديدا في سبتمبر 1991، مارس اللواء إسماعيل العماري (مسؤول الجهاز المضاد للجوسسة) الذي كان عقيدا آنذاك، ضغوطا على قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ حتى يرفضوني كمحام مدافع عنهم، إلا أن هؤلاء رفضوا طلبه بشدة·وخلال محاكمته، انطوى بومعرافي على نفسه رافضا قول الحقائق التي يعرفها، وأمرت غرفة الاتهام بمجلس قضاء الجزائر بإعداد تقرير خبرة لمعرفة ما إذا كانت الرصاصات التي تم انتزاعها من جثة بوضياف مصدرها نفس السلاح· لكن لم يتم إجراء هذه الخبرة ولم يتم عرض أجهزة الكاميرا التي سجلت خطاب بوضياف على هيئة المحاكمة· وقد طلب الرئيس اليمين زروال من وزير العدل محمد آدمي أن يراجع محاكمة بومعرافي، إلا أنه عدل عن قراره لأسباب يجهلها العقل·يعرف أداء الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان تراجعا منذ رحيلكم عنها، وحكم الكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان عليها بالوفاة··إن فهم وضعية ما يعتمد على تفسيرها بصراحة ومنهجية، دون تسرع ولكن بإصرار يحدونا إلى غاية الوصول إلى الهدف المنشود· كما أن وضع حد للجدل والانشقاق والمنازعات، حتى تستطيع الرابطة الخروج من سباتها وتكرس إرادتها وطاقتها لتحقيق أهدافها، هو بلا جدال ضرورة مستعجلة كي يتسم عملها بالتنظيم والفاعلية، ذلك أن الخطأ المنهجي يدفع غاليا مثله مثل الخطأ في التحليل·لقد انهارت اللجنة المسيرة، وهي الجهاز التنفيذي للرابطة· أما المجلس الوطني فقد اجتمع مرة واحدة خلال سنتين، بينما كان عليه أن يجتمع كل 6 أشهر· ومن طارئ لآخر بات مناخ العمل مثقلا وبدأت الأوضاع تتدهور جراء اللمسات الزائدة· وفي غياب الحذر تفاقم الوضع، ما أدى إلى أزمة حادة· وعليه فاجتياز الامتحان يتطلب تطبيق القوانين الأساسية المسيرة للرابطة والتي من شأنها تقويم التطورات الخطيرة التي تؤول إليها الأمور· أما المجلس الوطني للرابطة، فعليه أن يضبط توجه عملها حول ثلاثة مبادئ: أولا مصلحة الرابطة التي يجب حمايتها وتعزيزها وهي تعلو على جميع الاعتبارات· وثانيا احترام القوانين الأساسية وثالثا إيجاد جو من الثقة يشعر المناضل في ظله بالراحة· ومن الطبيعي أن يحدث تطور يستوجب إعادة النظر في التنظيم حتى يتم تنصيب فريق عمل أكثـر انسجاما ونجاعة، يكون أهلا لتحقيق مطامح الرابطة·لقد طويت صفحة من كتاب اسمه: الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان·· كتاب لم يتم استيعابه جيدا· يجب أن تفرض الرابطة تواجدها بفضل معرفة عميقة بالمشاكل المتشعبة، بحجج دامغة وأحكام يقينية تكلل جهدا جماعيا بتبصر وبعمل مصدره الفكر المعتدل والوسطي والحوار، إلى جانب سلطة أخلاقية لا تقبل الجدل· إن شعار ''في سبيل الواجب'' يذكرنا دوما بأن حقوق الإنسان في الجزائر قطعت شوطا هاما، ولكن ما زال الطريق طويلا أمامنا ويجب التحلي بالإرادة والعزم للسير قدما بتوجيه الاهتمام للمستقبل لا للماضي·



المصدر :الجزائر: حميد يس

مذكرات بلعيد عبد السلام: لقد أخطأوا في كما أخطأت فيهم (28)تاريخ المقال 18/08/2007في شهر فيفري 1993، قمت بزيارة إلى باريس حيث قال لي الوزير الأول الفرنسي، بيار بيريغوفوا، إن رفض حكومتي تخفيض عملتنا الوطنية كان موقفا في محله لأن الجزائر كانت تستورد أكثر من 25 % من واردات اقتصادها. في شهر أفريل الموالي، حلت حكومة يمينية محل حكومة بيرغوفرا. ولم تمض إلا فترة قصيرة على تشكيل الحكومة الجديدة حتى أعلنت هذه الأخيرة أن كل مساعدة مالية فرنسية لأي دولة إفريقية كانت من ذلك الحين فصاعدا مرهونة بإبرام اتفاق بين هذه الأخيرة وصندوق النقد الدولي.ومن غريب الأمور، أن نجد الجنرال تواتي، في حواره الصحفي مع يومية El Watan يشير إلى أن هذه الفترة بالذات هي التي حصلت له فيها القناعة، حسب قوله، بضرورة لجوء الجزائر إلى إعادة جدولة ديونها الخارجية حيث يقول : "...لكن لم يمنعني ذلك، في أواخر ماي 1993، من الظن أننا كنا، حسب الظاهر، متوجهين نحو الإخفاق، محكوما علينا بالتفكير في اللجوء إلى صندوق النقد الدولي". ما انفك الجنرال تواتي يقول إنه لم يكن يتدخل في الشؤون الاقتصادية وها هو يتلقى الوحي من السماء يخبره أننا كنا "حسب الظاهر متوجهين إلى الإخفاق". وكما سبق ذكره، في أواخر جويلية 1993، قام الجنرال تواتي بزيارة إلى باريس لقضاء "48 ساعة من الراحة" "استغلها للاتصال بالخزينة الفرنسية". أقل من أسبوعين بعد ذلك، أدلى وزير الخارجية الفرنسي بالتصريح المشار إليه أعلاه متبوعا بالمقال الصادر بيومية Le Monde الذي جاء كصدى لما كان مدير El Watan قد كتبه في جريدته ؛ هذه الجريدة المعروفة بصلتها بالجنرال تواتي. زد على ذلك أن وزير الخارجية الجزائري لم يرغب في الرد على تصريح نظيره الفرنسي الذي كان قد استقبله منذ أسابيع بباريس. وفي أقل من أسبوع من هذا تصريح، أُخبرت بقرار إنهاء مهامي على رأس الحكومة. في الحوار الذي خص به يومية El Watan، لم يجرؤ الجنرال تواتي على تقديم "روايته للأمور" في ما يخص زياراته، الدبلوماسية-السياحية، إلى باريس ؛ علما أنني، في تصريحاتي الصحفية أشرت إلى تلك "العطلة" القصيرة التي قضاها بباريس والاتصالات التي أجراها مع الخزينة الفرنسية. ترى، لماذا تغافل عن هذه الواقعة على الرغم من أنني أشرت إليها وكان من المفروض أن يرد على ما قلته بشأنها في تصريحاتي الصحفية ؟ السؤال المطروح : ألا يمكن أن يكون وراء هذا التغافل أمور أخرى أكثر خطورة أراد أن يخفيها ؟ في نهاية الأمر، أليس من حقنا، أن نظن أننا حمّلنا الصدفة أكثر مما تحتمل ؟ ومهما يكن من أمر، الفترة التي قضيتها على رأس الحكومة تجعلني أنتهي إلى الاستنتاجات الآتية : - ليس هناك ما يجعلني أندم على قبولي، في جويلية 1993، منصب رئيس الحكومة من دون أن أضع شروطا مسبقة على من اقترحوا علي هذا المنصب في اجتماع هم الذين بادروا به ولم يروا فائدة من إخطاري بموضوعه مسبقا ؛ - أنا راض عن نفسي لما عرضت سياستي من خلال برنامج عمل محدد ومع تقديم تحليل في ما يخص الأزمة التي كانت البلاد تمر بها آنذاك، شارحا الأهداف المتوخاة من أجل الخروج من هذه الأزمة ومبينا السبل والوسائل الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف ؛ - أنا راض عن نفسي عندما قمت بترجمة هذا البرنامج، الذي وافق عليه المجلس الأعلى للدولة، رسميا عبر مراسيم تشريعية ترقى إلى مستوى القوانين في إطار النظام المؤسساتي القائم في البلاد آنذاك ؛ - أشعر بالسعادة عندما قمت بذلك التدخل العمومي، بتاريخ 24 جوان 1993، وأعلنته لجميع الجزائريين، من خلال كل وسائل الإعلام التابعة للقطاع العام، ثم أردفته، في اليوم الموالي، بوثيقة مكتوبة نشرتها نفس وسائل الإعلام وحرصت فيها، بلغة يفهمها الجميع، على توضيح ما كنت بصدده في ما يخص السياسة الاقتصادية لحكومتي وكذا الخيارات المحددة للتوجهات المعتمدة في هذه السياسة مبينا الرهانات الحقيقية التي كانت تواجها البلاد بصرف النظر عن الجدال القائم حول مواقفي في قيادة نشاطي في المجال الاقتصادي ؛ - أشعر بالسعادة أيضا عندما أكدت، في تدخلي هذا أمام جميع الجزائريين، أنني سأظل وفيا لسياستي الاقتصادية وأنني لن أرضخ أبدا إلى من كانوا، من خلال حملاتهم المسعورة، يريدون حملي على الرحيل عبر استقالة تلقائية وأنه يشرفني أن أسقط بسبب هذه السياسة؛ - أحمد الله على أنني خرجت بشرف من تجربتي كرئيس حكومة بعد سنة ونيف، تاركا للجنرال تواتي ومن تبعه من المتملقين والطامعين التبختر في وحل ما فرضوه على البلد ؛ - وأخيرا، أحمد الله على أنني لم أستسلم أبدا لوعود من كانوا هم أنفسهم من أعلنوا لي إنهاء مهامي. عندما كان هؤلاء يلمحون لي بمنصب أعلى، شعرت دائما وكأنهم كانوا يريدون مني، كمقابل، تغيير خطي السياسي في المجال الاقتصادي. على أية حال، وكما أشرت إلى ذلك خلال هذا النص كله، وبمناسبة مواقف سياسية اتخذتها منذ مغادرتي لرئاسة الحكومة، لا يمكن الحكم على نجاح سياستي الاقتصادية أو فشلها إلا بالرجوع إلى تلك الالتزامات التي أخذتها على عاتقي في هذا المجال، بطريقة لا لبس فيها ولا غموض. أنا لست مسؤولا أبدا عن نوايا الآخرين أو أداءهم، بمن فيهم "أصحاب القرار"، إذا أرادوا أن يتوهموا أنهم هم الذين حددوا مهامي من دون مشورتي أو اتفاق معي. أنا لست مسؤولا إلا على ما لتزمت به. أما الأفكار التي تكونت في "مخ" الجنرال تواتي حول حكومتي، فهي لا تلزمني على الإطلاق وإذا راح الرجل ضحية أوهامه فلا يلومنّ إلا نفسه. ومع ذلك، العبرة التي يمكن استخلاصها من تلك المغامرة كرئيس حكومة وفي تلك الظروف الصعبة التي كانت الجزائر تمر بها آنذاك، ظروف دعيت إلى مواجهتها وعبر عنها الأخ عبد العزيز بوتفليقة ذاته في ما بعد. لا أحد يجهل، اليوم، أنه عند انتهاء عهدة المجلس الأعلى للدولة، عُرضت رئاسة الدولة على السيد عبد العزيز بوتفليقة من طرف نفس الأشخاص الذين دعوني قبله إلى ترؤس الحكومة. لقد قيل وكتب الكثير عن "رفض" عبد العزيز بوتفليقة للعرض. كما قيل وكتب الكثير عن الأسباب التي قدمها هذا الأخير لتفسير رفضه. غير أنني لم أجد أحدا قال أو كتب كلاما عن السبب الأساسي لهذا الرفض كما أخبرني صاحبه ذاته سنوات بعد هذه الواقعة حيث قال لي إن قراره كان نابعا من رفضه لاستلام زمام الأمور طبقا لما كان يراه "أصحاب القرار". هذا السبب شرحـه لي بهذه العبارة: "بعد استعراض أسباب أخرى وفي ختام محادثاتنا، قلت لهم : "لقد دعوتم ذات يوم عبد السلام لتولي رئاسة الحكومة وهو لم يطلب منكم أي شيء. التزم معكم ثم أنهيتم مهامه سنة من بعد. هذا كاف لجعلي أظن أنكم غير قادرين على احترام عقد معنوي. لا أمنحكم الفرصة لتفعلوا بي، في يوم ما، ما فعلتموه بعبد السلام". أي إن الرجل كان نبها فأراد أن يحصل منهم على أمر بدا له كفيلا بإعادة الاعتبار له من طرف من كان يحسبهم مصدر تصفيته من الساحة السياسية بعد رحيل الرئيس هواري بومدين ثم رد بالرفض على عرضهم بكل بساطة. ولقد كان باستطاعة عبد العزيز بوتفليقة أن يقول لهم إنهم لم يكونوا يدركون معنى العقد المعنوي ذاته لأن الأمر بالنسبة إليهم – أي الجنرال تواتي ومن مشى وراءه – لا بعدو كونه فخا. لذلك، كان عبد العزيز بوتفليقة، ربما بفضل ما وقع لي، يقظا ولم يقع في الفخ. شخصيا، لم أر داعيا إلى التفكير في هذا الفخ تفاديا للظهور بمظهر المدعي للنضال ثم سرعان ما يتهرب من المسؤوليات التي يفرضها هذا النضال. غير أن من أسقطني في الفخ ثم استطاع التخلص مني لم ينجح في القضاء على تلك الروح التي تحركني. لكن كان هناك من الناس من لم يضرهم الوقوع في الفخ لأنهم، لاشك، كانوا يدركون أن ليس لديهم ما يضيعونه. التذكير بهذه الاعتبارات غير المشرفة في تصرف قسم كبير من طبقتنا السياسية في السنوات الأخيرة لا ينسيني ما قام به الجنرال خالد نزار نحوي حينما أقر بـ "وطنيتي ونضالي" في أحد كتبه. إني لأشكره جزيل الشكر على هذه الالتفاتة. فترة قصيرة بعد إقالة حكومتي، قام الفقيد عبد الحق بن حمودة، الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، بزيارتي بالفيلا المخصصة لي كمقر إقامة رسمية حينما كنت رئيس حكومة قبل مغادرتي لها. وقد أراد الاطلاع على الأسباب التي أدت إلى ما يسميه الجنرال تواتي بـ "إنهاء المهام". لاشك أنه كان يتذكر تلك الدعوة التي وجهها إلى، في 1 نوفمبر 1992، لأخذ الكلمة أمام إطارات الاتحاد العام للعمال الجزائريين بدار الشعب حيث صرحت أن حكومتي لن تطبق أبدا سياسة مضادة لمصالح العمال. وحينما سألني عن الأسباب، أجبته بهذه العبارة : "لقد أخطأوا فيَ كما أخطأت فيهم . من جانبي، لقد مشيت وفق التزاماتي والمنطق الذي قامت عليه سياستي إلى النهاية. بقي عليكم أنتم، أي الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أن تدخلوا الحلبة. كما اغتنمت مناسبة هذه الزيارة لأخبره بذلك القرار الذي اتخذته من قبل وكلفت بموجبه حكومتي بالعمل على تبديل الأوراق النقدية ومراقبة رؤوس الأموال كهدف رئيسي وركيزة أساسية في نشاطها الاقتصادي. وعندما فقدنا عبد الحق بن حمودة في ما بعد، لم يعد الاتحاد العام للعمال الجزائريين فاعلا حاسما في قيادة السياسية الاقتصادية لبلادنا وفي التأييد الفعال لعملية التنمية القائمة على الحفاظ على مصالحنا الوطنية والنهوض بجماهيرنا الشعبية. النموذج، المجلوب من خارج الديار، الذي صار الاتحاد يقتدي به هو الاتحادية الفرنسية الديمقراطية للشغل CFDT التي تتبنى فكرة التعاون مع أرباب العمل، مبتعدا هكذا عن التصورات والأفكار الاجتماعية الاقتصادية الثورية المعروفة عند عيسات إيدير ورفاقه ممن كان لهم شرف تأسيس تنظيمنا النقابي في زمن الثورة.

ليست هناك تعليقات: