الثلاثاء، أغسطس 14

عرفت هؤلاء

مذكرات بلعيد عبد السلام: نهاية مهام حكومتي وعواقبها (24)تاريخ المقال 13/08/2007أود الآن أن أخوض في الجدل الذي خص مسألة نجاح أو إخفاق السياسة الاقتصادية لحكومتي التي لم تعمر إلا 13 شهرا وبضعة أيام، فأبدأ بما ورد في ذات الخلاصة التي ألحقتها بمشروع برنامج عمل حكومتي، وجاء كالآتي :" تحدد الحكومة، هكذا، الأهداف التي ترسمها لنشاطها، كما تعلن بوضوح الوسائل والسبل التي تنوي اعتمادها من أجل القيام بمهامها. الأضرار التي لحقت بالبلاد في المجالين الاقتصادي والاجتماعي عميقة ولا يمكن تقويمها بعصا سحرية ولا في وقت قصير. وإذا كان من الممكن الأمل في نتائج ملموسة في أجل قريب نسبيا في ما يخص معالجة الأزمة، فإن الخروج النهائي من هذه الأزمة والتسوية الفعلية للمشاكل التي كانت السبب فيها لا يمكن تصوره إلا على المديين المتوسط والبعيد. وبعبارة أخرى، نحن في حاجة إلى وقت من أجل هذا الخروج النهائي ؛ مما يجعل الوقت عاملا حاسما في كل مسعى يكون هدفه الوحيد خلاص الجزائر". وعليه، لقد حذرت ، منذ البداية، أن حكومتي لا يمكن أن تظهر وتقدَّر قيمة نتائج نشاطاتها إلا على المديين المتوسط والبعيد. إلا هذا الحكومة – التي طلبت مهلة بضع سنوات من أجل التمكن من تطبيق برنامج عملها – ما لبثت أن أُنهيت مهامها بعد 13 شهرا و10 أيام فقط. إن الذين نصبوا حكومتي ووافقوا على برنامجها وأقروا بضرورة المدة المطلوبة منها ثم ما لبثوا أن أنهوا مهامها سنة ونيف بعد تعيينها، لم يروا، إلى حد الآن، أي داع لإبلاغ الجزائريين بالأسباب التي أدت بهم إلى تغيير رأيهم. يظل هؤلاء، مثل الجنرال تواتي، مكتفين بتكرار ادعائهم أن حكومتي أنهيت مهاما لأنها "أخفقت في سياستها الاقتصادية"، لكن من دون توضيح هذا الإخفاق لأنهم لو أرادوا، فعلا، أن يبقوا منطقيين مع أنفسهم لما أمكنهم الحكم على هذه السياسة بالإخفاق إلا بالرجوع إلى البرنامج الذي وافقوا عليه وعلى أساس معطيات ملموسة يمكن أن يفهمها الجميع. إن قرار إنهاء مهام حكومتي كان بمثابة فسخ العقد من طرف واحد. لقد كان هذا العقد معنويا ومكتوبا معا. عقد معنوي، لأن العرض المتعلق بترؤسي الحكومة لم يتم اقتراحه إلا بعد الاستماع إلى أرائي حول طبيعة الأزمة التي كانت بلادنا تعيشها آنذاك وحول إيجاد الحلول للمشاكل التي كانت السبب في هذه الأزمة، إضافة إلى مسألة الوقت اللازم لذلك. عقد مكتوب، لأنه تجسد من خلال برنامج العمل الذي قدمته للمجلس الأعلى للدولة للموافقة عليه والذي تبلورت فيه الأفكار التي كنت قد عبرت عنها شفويا أمام من دعاني إلى المنصب وحصل على موافقة هؤلاء رسميا. صحيح، العقد ليس نصا مقدسا. إنه قابل للتعديل أو الإلغاء في أي وقت. لكن العقد الذي نتحدث عنه تعلق بمصير الجزائريين في جميع مناحي الحياة ؛ لذلك لا يمكن إخفاء الأسباب التي أدت إلى إلغائه عن الشعب، على الأقل كي نصدق ما يظل هؤلاء يدعونه من أننا نعيش في جمهورية وديمقراطية يُفترض فيها تجسيد معايير الإعلام للجميع والشفافية. أظن أن هذا النص سيفيد الجزائريين بوقائع ومعلومات، لا يعرفونها فقط، وإنما كان هناك سعي لإخفائها وتغليط الناس بشأنها. أحد المسؤولين عن هذا الإخفاء وهذا التغليط هو الجنرال تواتي بالذات كما سنرى في ما بعد. بقي أن نعرف الظروف التي وقع فيها اتخاذ قرار تنحيتي إضافة إلى محاولة فهم ما قام به المدبرون الحقيقيون بعد هذه التنحية. أولا، علاقاتي بالمجلس الأعلى للدولة منذ اجتماع 18 جويلية 1993 والاجتماع الضيق المنعقد يومين من بعد. كما هو معلوم، استمرت المحادثات مع واحد من المساعدين المباشرين للجنرال خالد نزار، وقد خصت، أساسا، التعديل الحكومي وتم الاتفاق حول عدد من الأسماء بينما وقع الاختلاف حول أسماء أخرى. كما تناولت المحادثات أيضا، وبصفة ثانوية، مسائل اقتصادية كان يظن مخاطبي أثناءها أن صندوق النقد الدولي سيمنح الجزائر مبالغ مالية ضخمة تمكنها من التغلب على البطالة وبالتالي من تقليص عدد الشباب ممن قد يغرهم الالتحاق بصفوف التمرد والتخريب. أذكر أن هذه المحادثات وقعت بعد الاجتماع مع المجلس الأعلى لدولة في 18 جويلية، أي أثناء العطلة القصيرة التي تلت هذا الاجتماع والتي كان من المقرر أن تستمر إلى غاية نهاية النصف الأول من شهر أوت. هذا المساعد، وكان واحدا من الجنرالات القادة على مستوى وزارة الدفاع، كلفه الجنرال خالد نزار، قبل الذهاب في عطلة، مواصلة الحديث معي حول تلك المسائل التي تم تناولها معه والبحث عما إذا كان هناك حل وسط بشأنها. ثانيا، مسالة تنظيم ملتقى حول الخيارات الاقتصادية ورهاناتها. في أواخر جويلية أو أوائل أوت، أعلنت، من خلال بلاغ، خبر تنظيم ملتقى، في شهر سبتمبر الموالي، حول الخيارات الاقتصادية ورهاناتها موضحا أن هذا الملتقى كان مفتوحا لكل من كانوا مهتمين بالمسائل الاقتصادية وأن جلساته ستكون مفتوحة لجميع الصحف ومنقولة مباشرة عبر شاشة التليفزيون. بعض من المعارضين لسياستي ظنوا في هذا الإعلان مناورة الغاية منها تحميل غيري مسؤولية اللجوء إلى صندوق النقد الدولي في حالة إقراره من أجل إعادة جدولة ديوننا الخارجية. وسواء كانوا قاصدين دعاية كاذبة أو سوء التقدير لإخفاء ما كانوا يفكرون فيه فعلا، أراد خصومي حمل الناس على الاعتقاد أنني وصلت إلى الاقتناع ألا حل آخر غير اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للخروج من المأزق الذي وضعت نفسي فيه وأنني لم أرِد، من خلال تنظيم الملتقى المذكور، سوى القيام بمحاولة يائسة الهدف منها تحميل غيري مسؤولية إعادة الجدولة وما كان منتظرا منها من عواقب وخيمة على مواطنينا. هؤلاء الذين أجهزوا على حكومتي، كانوا ينسبون إلى نوايا دعاة إعادة الجدولة، هؤلاء الدعاة الذين كانوا يبحثون عن عذر لتغطية الغدر الذي كانوا مقدمين عليه ضد الشعب الجزائري. لذلك، وفي بلاغ ثان أذيع في جميع وسائل الإعلام، وضحت أن مشروع الملتقى كان باتفاق مع المجلس الأعلى للدولة. وفعلا، لقد تبنيت نفس الفكرة التي أدلى لي بها الجنرال خالد نزار من قبل في شكل سؤال : "لماذا لم يتم تنظيـم ملتقى حول المسائـل الاقتصاديـة؟" أثناء مأدبة الغداء المذكورة التي جمعتنا بمقر إقامة الرئيس على كافي. وكما قلت من قبل، رددت على الجنرال خالد نزار هكذا : "متفق ! لكن شرط أن تنقل أشغال المؤتمر على المباشر في شاشة التليفزيون.". فما كان له إلا أن أجابني ببساطة : "لم لا ؟". بناء على ذلك، أعلنت تنظيم الملتقى في شهر سبتمبر مع نقل أشغاله مباشرة على شاشة التليفزيون إلى جانب الصحافة المتواجدة بالقاعة. لم يتأخر خصومي بشأن السياسة الاقتصادية في الرد على التحدي، لكن هذه المرة من جانب المجلس الأعلى للدولة على لسان رضا مالك الذي كان يشترط أمرين : - ألا يكون النقل عبر التليفزيون والصحف مباشرة وإنما من خلال عروض تتم صياغتها بعد كل جلسة ؛ - ألا تكون المناقشات تحت رئاستي وإنما تحت رئاسة شخصية أخرى بحجة ضرورة سير هذه المناقشة في جو من الحياد. أما أنا فقد رفضت هاذين الشرطين للأسباب الآتي ذكرها : أ‌. في ما يتعلق بالنقل المباشر للمناقشات على شاشة التليفزيون، الإذاعة والصحافة المكتوبة المعتمدة بالملتقى، حرصت كل الحرص على فضح وامتحان صدق من ظلوا طيلة سنة كاملة يهاجمونني بحدة بسبب السياسة الاقتصادية لحكومتي ولم ينقطعوا عن الطعن في شخصي ونشاطاتي. كما أردت، على وجه الخصوص، مطاردة أنصار إعادة الجدولة إلى آخر معقل لهم، مركزا في تدخلاتي على النقاط الآتية : - جرد لاحتياجات الجزائر من الواردات، سواء بالنسبة إلى الاستهلاك العادي للسكان أو بالنسبة إلى دعم النشاطات الإنتاجية ومتطلبات التنمية ؛ - تطور مديونيتنا الخارجية والوضعية الفعلية للجزائر في مجال المخزون من العملة الصعبة للتسديدات الخارجية، مع إعلام الجميع، في وضح النهار وبلغة يفهمها كافة المواطنين. هكذا، كان بوسع كل واحد أن يعرف الطريقة المستعملة، منذ صيف 1993، في ضمان تغطية حاجيات اقتصادينا الأساسية. بفضل توضيح هذه الجوانب الثلاثة (وسائل التسديد الخارجية، المديونية الخارجية، تغطية مواردنا الأساسية)، كان بإمكان الجميع أن يدرك كيف أن وضعنا كان، حقيقة، صعبا لكن لم يكن أبدا مستحيلا ؛ - الآثار الفعلية للحلول المنتظر الحصول عليها جراء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. أولا، في ما يخص الأرقام الفعلية الممثلة للمساعدة الإضافية السنوية من أجل رفع قدراتنا في مجال استيراد المواد الأولية، المواد نصف المصنعة وقطع الغيار الضرورية للانطلاقة الاقتصادية. ثانيا، كشف فحوى الشروط المفروضة من طرف صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على حلول بفضل تدخله. لقد كان بإمكان الجزائريين، هكذا، معرفة ما كانوا بصدده بسبب الآثار المترتبة على ذلك العلاج القاسي الذي كان صندوق النقد الدولي يفرضه. تلك الأرقام التي ما فتئ مناصرو اللجوء إلى هذه المؤسسة المالية الدولية يتبجحون بها ويقولون إن أموالا ضخمة تعد بمليارات الدولارات ستتدفق علينا وتملأ خزائننا حالة قبولنا لإبرام عقد مع صندوق النقد الدولي كانت، أي هذه الأرقام، ستُفضح وستظهر على حقيقتها لتقضي على جميع الأوهام، في حين ستؤدي الشروط المفروضة إلى عواقب قاسية على حياة كافة الجزائريين ماعدا أقلية منهم من المنتفعين الذين كان مثل هذا الوضع في صالحهم بحيث كان سيقذف بهم إلى قمم الثراء بفضل الفوائد الضخمة الحاصلة عن طريق عمليات الاستيراد-التصدير. - حمل كل من كانوا يتحركون في الظل ويروجون لأرقام مغلوطة، أو يحمِّلون أرقاما صحيحة تأويلات تبعث على اليأس والهلع، على الخروج إلى العلن وتعريض أنفسهم للتفنيد والتكذيب على مرأى ومسمع الملأ. وباختصار، أردت أن أفضح هؤلاء أمام الناس جميعا. لقد كنت مصمما فعلا على مواصلة حملة التطهير والتوضيح التي شرعت فيها منذ تدخلي أمام إطارات ولاية الجزائر العاصمة يوم 24 جوان 1993، حملة أكدتها في ما بعد بنشر وثيقة مكتوبة وموزعة تحت عنوان "مذكرة لعرض التوجهات الرئيسية لبرنامج الحكومة الاقتصادي". هكذا، كنت عاقدا العزم على فضح من كانوا يصطادون في المياه العكرة وكانوا يدبرون المكائد في الخفاء. لكن في ما يخصني أيضا، كنت أعرض نفسي لصعوبات أو لتكذيبات بشأن المواقف، المعلومات والمعطيات التي كنت أستند إليها كأساس لسياستي الاقتصادية وكتبرير للخيارات والأهداف المتضمنة في هذه السياسة. تلك هي قاعدة اللعبة، وقد قبلتها بصدر رحب لأنني لم أكن أخفي شيئا ما أو أخشاه.

عرفت هؤلاء
تعليق: حول الجزائر عاصمة للثقافة العربية

منذ سنوات، ونحن نعلم أن سنة ,2007 ستكون فيها الجزائر عاصمة للثقافة العربية، فهل أعددنا لهذه المناسبة الإعداد اللازم، فيما يتعلق بعرض ثقافتنا المكتوبة والشفوية، القديم منها والحديث؟
في تقديري، باستثناء بعض الفلكلور الشعبي والحرف اليدوية الشعبية، وبعض المؤلفات الأدبية للشباب خاصة، لم نشاهد أشياء هامة لتراثنا القديم، مثلما رأيناه في معرض الكتاب التونسي، الذي قدم في هذه المناسبة، بقصر الثقافة مفدي زكريا ·
ومثلما قدمه الآخرون من إخواننا العرب، الذين عمدوا إلى إبراز ما انتجه أدباؤهم وعلماؤهم، فهل فعلنا نحن الجزائريون مثل ذلك؟
أنا شخصيا، لم أر ذلك؟ وما السبب في ذلك التقصير، بل ما ضرني لو قلت: ما السبب في هذا الإهمال؟ في تقديري السبب ناتج عن عدم التنسيق بين وزارة الثقافة والجامعة، واتحاد الكتاب الجزائريين، وكل المؤسسات العلمية والفنية، مثل اتحاد المؤرخين، واتحاد الفنانين من موسيقيين، ورسامين، وغير ذلك، من حوار هذه الأطراف مجتمعة ·
كان يمكن أن يعد برنامج ثري، تنجزه لجان مختصة في العلوم والفنون وتقدمه في شكل معارض واستعراضات على الجمهور المحتفل بهذه السنة··· سنة الجزائر عاصمة للثقافة العربية ·
كان من الممكن أن تبرمج زيارات للنخب المثقفة إلى المكتبات الشعبية العامرة بالمخطوطات النفيسة، الآتي ذكرها في هذه السطور :
1) مكتبة المرحوم الشيخ عبد المجيد بن جيه، بمدينة المغير ولاية الوادي ·
2) مكتبة المرحوم الشيخ نعيم النعيمي بمدينة قسنطينة، وهي موجودة عند أبنائه هناك ·
3) مكتبة المرحوم الشيخ المهدي بو عبدلي، وهي عند ورثته بمدينة بطيوة (ولاية وهران )
4) مكتبة أحد الأطباء بمدينة وهران (وهو واحد من أكبر جامعي المخطوطات، والكتب القديمة )
5) مكتبة الطاهر العبيدي (رحمه الله) وهي من أكبر المكتبات الخاصة بالجزائر، ولا أدري أين توجد حاليا، أبتفرت أم بالواد، لأنه سكن بالمدينتين، ففي أي واحدة منهما ترك هذا الكنز النفيس؟
6) مكتبة المرحوم العلامة الشيخ الطاهر التليلي بمدينة أقمار وهي مكتبة حافلة بنادر المخطوطات ونفيسها ·
7) مكتبة المرحوم الشيخ الحفناوي هالي، وهي مكتبة غنية بمخطوطاتها، وحتى بأرشيفها ومطبوعاتها النادرة، وهي موجودة حاليا عند أبنائه بدارهم ببوزريعة، بعاصمة الجزائر
8) مكتبة الشيخ بن العالم، بأدرار، وهي من بين أكثر المكتبات النفيسة، وهي التي لا تعد بمنطقة أدرار، المزدهرة بكنوزها من المخطوطات، ونظام الري بالفقارات الذي يعتبر من إبداعات الجنوب الجزائري إلى جانب نظام الخضارة، ونظام الساعات المائية ·
وكان من الممكن إلى جانب ما سيق، إعادة نشر الكتب النادرة، وبعض المخطوطات الهامة التي لم تنشر بعد، مثل مصابيح الأرواح للإمام عبد الكريم المغيلى، وهو كتاب ترجم إلى الإنجليزية، وطبع في الولايات المتحدة في هذه السنين الأخيرة، من طرف اليهود الصهاينة، وذلك لأن الشيخ الإمام كان حارب اليهود في أدرار عندما طغوا في توسعهم هناك أثناء احتلال السعديين المغاربة لمنطقة أدرار أيام الحكم التركي العثماني للجزائر ·
يمكن كذلك الحديث عن علماء جزائريين قدامى تركوا لنا مؤلفات وإبداعات علمية، تجعلهم في الصفوف الأولى من جملة عباقرة العالم من بين هؤلاء، نجد أبي يعقوب الورجلاني (نسبة إلى ورجلان التي تعرف حاليا بورفلة )·
الذي كان أستاذا بمدينة قرطبة أيام ازدهار الحضارة الأندلسية، التي أشعلت النور في ليل أوروبا التاريخي، ومن بين أشهر منجزات أبي يعقوب العلمية، هو أنه من حدد علميا مكان خط الاستواء، وله رحلة إلى المشرق نظمها شعرا(عندي في مكتبتي نسخة منها، ذات طبعة حجرية ) o

ليست هناك تعليقات: